كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي

كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5282-4

الصفحات: ٤٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

الكأس ، وأسنانه والغلاف الثمري أصفر محمر متين قشري مقسم في الباطن إلى جملة مخازن مهيأة إلى جملتين (٥) متراكبتين ومنفصلتين بحواجز رقيقة غشائية ، والحبوب عديدة كثيرة القواعد بدون انتظام ، وغلافها الخاص ثخين جدا شحمي من الخارج يغطي جنينا خاليا من المحيط الجنيني وقائما ، وفلقتاه ملتويتان على نفسهما ، والمستعمل من هذا النبات أربعة أجزاء الجذور والأزهار الغير المفتحة ، وغلاف الثمر وعصارة الرمان ، وهذا الشجر طبيعي في الأقاليم الحارة كإفريقيا ، ويظهر أن أصله من الهند ، وحمل من هناك حتى انتشر شيئا فشيئا ، وبالجملة يوجد على الشواطئ المغمورة بالبحر المتوسط ، وأدخله الرومانيون إيطاليا ومنها انتشر في جنوب أوروبا ، وإنما يضره البرد ؛ ولذا لا يمكن جودة استنباته في مركزها ، بل يكون هناك شجرات لا ينضح ثمرها أما في البلاد الحارة وسيما بلادنا فينبت طبيعة وكثر استنباته بالبساتين وبلاد العرب.

(في الصفات الطبيعية للأجزاء المستعملة في الطب)

الأزهار الجافة حمر فيطرح منها ما اسود في التخفيف ، وقشور الثمر الجافة تكون قطعا صلبة جلدية محمرة من الخارج ومصفرة من الباطن ، وقشور الجذر قطع صغيرة سنجابية مصفرة من الخارج وصفر من الباطن ، وهذه الجواهر كلها عديمة الرائحة شديدة القبض قليلة المرارة.

أما الثمر فقد علمت أنه تفاحي الشكل ، وقد علمت صفات قشره ، ويحتوي على بزور كثيرة في حجم حبات الشعير الغليظ ، ومحاطة بجوهر هلامي محمر شفاف إذا عصر خرجت منه عصارة نقهة فيها قليل حموضة وسكرية ، ولكن ذلك يختلف باختلاف أصناف الرومان فإن منه البري والبستاني وذلك حلو وحامض ومعتدل يسمى بالمز.

وأما أزهار الرومان الرطبة فسماها (ديسقوريدس سطينوس) بكسر السين والطاء ، ونحن نسميها بالجلنار قد علمت صفاتها النباتية والطبيعية من كون كأسها ثخينا وأهداب تويجها منثنية ، ولونها أحمر جميلا ، ولا رائحة لها ، وتكثر بالاستنبات وفيها بعض مرار وقبض ، وأزهار الرمان البري هي التي تجنى قبل نموها وتجفف في البلاد الحارة ، وتباع في المتجر وتعد من القوابض.

__________________

(٥) قوله : جملتين كذا بالأصل ، ولعله مصحف على حلمتين. اه.

٢٢١

(في التأثير والاستعمال)

(جذور الرمان):

أي قشر الجذور ، وقد كان هذا القشر مستعملا عند القدماء علاجا لدود القرع ، وذكر ذلك (يسقوريدس وبليناس) وسلسوس ، وهؤلاء الثلاثة كانوا في العصر الأول من التاريخ المسيحي ، وبعدهم بأربعة قرون تكلم عليه أمير يقوس ، قال ميرة : قد ذكرها قدماء أطباء العرب ، ثم لم يذكرها أحد من الأوروبيين حتى جاء بشنان طبيب انقليزي مارس الطب في قلقوطة وجدد ظهور هذه الخاصة بأوروبا فأشهر هذا الاستعمال حين رآه ببلاد الهند مع النجاح القريب ، ويمكن أن نقول : إن قدماء فلاسفة اليونان اغترفوا تلك الخاصة من بلاد الهند التي جاؤوا بها ، ثم لما شهر ذلك هذا الطبيب ، وتواترت المشاهدات والتجربيات نسب إليه ، وقبل أن نذكر كيفية الاستعمال لهذا القشر نذكر كيفية تأثيره الصحي فنقول :

(في التأثير الصحي):

من المعلوم أن هذا القشر العديم الرائحة إذا مضغ حصل منه طعم قابض ، لكن غير كريه ، فإذا استعمل بالمناسب أثر على الأعضاء الهضمية تأثيرا شاقا وحرض ألم في المعدة ، ولدغا في الشارسيف ، وغشيانا مستطيلا وقيأ وقلسا ، والغالب أن يحصل منه تبرز مرتين أو ثلاثة أو أربعة مسبوقة بقولنج ضعيف ، وحركة عنيفة ، وتكدر عظيم في الأمعاء ، وذلك حاصل من التأثير القريب لأصول هذا الجوهر على السطح المعدي المعوي ، وأما تأثير قواعده بعد امتصاصها على القلب أو الأوعية الدموية أو غير ذلك من الأجهزة العضوية فلا يشاهد أثر لذلك بخلاف تأثيرها على الجهاز المخي الشوكي ، فيشاهد منه دوار وسدر وقمور وهيئة سكر وسبات وتعب وجذب في الوركين والساقين ، واضطراب في الفكين ، وجميع ذلك يعرض بعد استعمال مسحوق هذا القشر أو مغليه ، ويدل ذلك على أن قواعده أثرت على النصفين الكرويين المخيين ، وأنها نوعت الحالة الطبيعية للب المخي والنخاع الشوكي ، وأنها جعلت لهما حالة جديدة ، وأنها سببت مع ذلك احتقانا دمويا خفيفا في الأوعية المخية ، ولكن أكثر ما يهتم به هو خاصية إهلاكه لدودة القرع بشبه تسمم إذا أحاطت قواعده ومواده الكيماوية لهذا الحيوان المتولد في القناة الغذائية ، وأثرت فيه فقد ثبت بالتجربيات أنه جهز مغلي هذه القشرة بالطريقة التي سنذكرها وقسم ثلاث كميات ، وأعطى لمن يظن معه وجود تلك الدودة فإنها تندفع ميتة في البراز الثاني أو الثالث ، والغالب أنه يكفي لحصول استفراغها

٢٢٢

زمن من ربع ساعة إلى ساعة من ازدراد آخر كمية من هذا الدواء ، فإذا لم تنتج منه النتيجة المطلوبة جاز بعد بعض أيام أن يبتدأ الاستعمال ، لكن بعد النظر في حالة أعضاء الهضم والضفائر العصبية للعظيم الاشتراكي كذا قال بربيير ، ثم ذكر مشاهدات تعرف النتائج القريبة لهذا الجوهر ، فمن ذلك امرأة عمرها ثمان وعشرون سنة وأعضاؤها الهضمية في حالة جيدة ، وكان كثيرا ما يحصل لها تهيج في الضفائر العصبية للعظيم الاشتراكي فتشكو بتضايق في الحلق وتعب في الازدراد وخفقان في القلب وآلام نحو قاعدة القص وفي الأطراف احتراق ناري يذهب فجأة نحو الوجه وبأعراض نحو ذلك ، فأرادت استعمال قشور جذر الرمان لكونها تظن وجود ديدان في صوفها فاستعملت ثلاثة أكواب من مغلي صمغ بستة عشر درهما من هذه الجذور وبين الكوبين ساعتان فكانت بعد ازدراد كل كوب تحس ببرد يمتد من الحلق إلى المعدة ، ويصعد لفمها جملة مرات مياه زلالية ، ثم بعد ذلك يحصل لها تكدر في الأمعاء ، ومع ذلك لا يحصل لها مغص ولا غشيان ، ثم تتبرز أربع مرات ، وكثيرا ما كانت تستشعر بحرارة تذهب للرأس ويحصل لها بعد الزوال نعاس عميق وعرق يدوم طوال الليل ، ومع ذلك لم يخرج منها شيء من الديدان ، واتفق أن امرأة عمرها خمسون سنة كان معها تيبس في المنسوج الخلوي في جملة محال من الجسم والأطراف ، ويوجد في تلك المتيبسة حرارة واحمرار وحساسية أي تألم من اللمس ، وكان ذلك بحسب الظاهر تهيجا في المنسوج الخلوي ، وفي مدة علاج هذه الآفة استعملت لأجل إطلاق بطنها بلوعات بيلست ، فخرج منها في اليوم الثالث من الاستعمال دودة طولها قدمان بل ثلاثة ، وكان عدد ما استعملت من البلعات اثنتي عشرة ، ولما نزل ذلك أعطى لها مغلي أوقيتين من قشور جذور الرمان مع إتباع الطريقة المعروفة ، فكانت بعد كل كوب تحس باشتغال في القسم المعدي ، وبالأكثر في الخثلة ، وذلك على حسب قولها حرارة كأنها تنفذ في أمعائها ، ولكن لا يحصل لها استفراغات ثفلية ، ومع ذلك تشكو بدوار وقمور وحالة هبوط كأنها ساقطة في الغشي وبعض سبات أيضا ، وفي اليوم التالي تبرزت برازا إلينا لم يميز فيه شيء من الديان ، ثم أعادت استعمال هذا الدواء بعد ذلك بثلاثة أيام فنتج منه نفس النتائج التي حصلت لها أولا في الجهاز الهضمي وفي المخ ، ولكن لم يخرج شيء من الديان أيضا مع أن البلوع الزئبقية لبيلست دلت على وجودها في القناة الغذائية فهل نقول إن جذور الرمان التي استعملتها كانت غير جيدة الصفة وإنما دودة القرع التي خرجت هي التي كانت معها ولم يبق منها شيء في القناة المعوية هذا هو القريب للعقل. اهـ.

قال ميرة وغيره : ولا يستعمل هذا الدواء إلا إذا خرج من المريض حلقات من دودة

٢٢٣

القرع تدل على وجودها فيه فبذلك الدواء تستفرغ الدودة يقينا والقشر الجاف أقل نجاحا في ذلك ، ولذلك يوصي باستعمال الرطب ويؤخذ من الشجيرات المستنبتة في البساتين ، ويصح أيضا استعمال مسحوق هذا القشر إما في سائل مناسب أو على هيئة بلعات بمقدار من درهم إلى درهم ونصف يقسم ذلك أقساما كل قسم اثنتا عشرة قمحة غير أن استعمال هذا المسحوق أقل وثوقا من المطبوخ ، وزعم بريطون أنه يمكن استعمال قشر الساق كقشور الجذر ، وذكر ويلند أن خلاصة قشر جذر الرمان نجحت معه في ثلاث مرات من أربعة وعلى كلامه ستة عشر درهما من ذلك القشر تجهز مع الماء ستة دراهم من الخلاصة ولكن ستة دراهم من الخلاصة يظهر أنها عسرة التعاطي وأما المطبخ فيسهل شربه ولا يتخلف عمله إذا أعطى بالمناسب ويستعمل قشر الجذر أيضا علاجا للأنواع الأخر من الديدان التي تتولد في الجسم كالديدان المبرومة والصغيرة فلأجل الديدان المبرومة يعطى المطبوخ بمقدار من درهمين إلى نصف أوقية أعني أربعة دراهم ولأجل الديدان الصغيرة يعطى حقنا مصنوعة من هذا المقدار ويظهر أن هذا المضاد للديدان أعلى لهذين النوعين من جميع الأدوية التي استعملت لهما إلى الآن بوثوق قليل ، قال ميره : وقد حصل لنا أنفسنا نتيجة أدرار للبول واضح من قشر جذر الرمان عند ما استعملناه بقصد معرفة تأثيره على حالة الصحة.

(في استعمال أزهار الرمان)

استعمال أزهار الرمان التي هي الجلنار وسيما أزهار الرمان البري التي تجنى قبل تمام تموها وتجفف وتباع في المتجر فلما فيها من بعض المرار والقبض تعتبر دواء قابضا فيستعمل إما مطبوخها وإما مسحوقها في الأحوال التي تستعمل فيها القوابض كالسيلان الأبيض والبلينوريا والإسهالات والمزمنة والأنزفة والضعيفة ونحو ذلك وتستعمل غرغرة في استرخاء اللهاة والانتفاخ المخاطي للوزتين وتستعمل غسلات علاجا لاسترخاء الأعضاء التناسلية في النساء وسقوط المستقيم وللانتفاخ الأوذيماوي في القدمين ونحو ذلك وتعطى للماء بالغلي لونا أحمر يسود إذا وضع عليه آثار أملاح الحديد ، وقد أمروا باستعمال هذه الأزهار كدواء مضاد لدودة القرع ولكن ذكر بعض المجربين أنها ليست كذلك.

(في استعمال قشور ثمر الرمان)

قشور ثمر الرمان في حالة رطبة حيث يكون ثخنها من خط إلى خط ونصف من اثنى عشر قيراطا من قيراط وفيها رخاوة ومرارة واضحة غير مقبولة ، فهي التي يكون فيها الطعم القابض أوضح وأقوى في بقية أجزاء الرمان لاحتوائها على مادة تنينية كثيرة ، ولعاب ودهن طيار وغير

٢٢٤

ذلك ، وكانت عند القدماء مثل بليناس كثيرة الاستعمال ، ولم تزل كذلك كما هو قريب للعقل في البلاد الحارة مستعملة للدبغ ، وفي الاستعمالات مثل الأزهار الغير المفتحة كدواء قابض وتستعمل في جزيرة (طيموره) بكسر الطاء جزيرة ببحر الهند في جنوب ملوك وشرقي جاوة علاج للدوسنطاريا ، وذكر (كولان) أنها تستعمل مع نجاح في الإسهالات تستعمل في البلاد الشرقية وخصوصا في إقليم بنيت من آسيا علاجا للحميات المتقطعة ، وتقوم هناك مقام الكينا في أعين أطباء الفرس ، وزيادة على ذلك أنه نسب لها في جميع الأزمنة خاصية واضحة لقتل الديدان المبرومة والديدان الصغيرة ، ويذكر في كتب القدماء أنها تطرد دودة القرع أيضا ، ولكن تلك الخاصية في قشر الجذر أوضح وأظهر منها في قشر الثمار ، واستفرغ العلم لبات دودة القرع من الكلاب بهذه الواسطة ، وإذا أريد استعمالها لذلك كان مقدارها من درهمين إلى أربعة مطبوخا ونصف ذلك مسحوقا كما أنه مقدار الأزهار الغير المفتحة ، ومن مجربات القدماء أنه إذا أفرغت رمانة من حبها وملئت بدهن ورد وفترت على نار هادئة وقطر من ذلك في الأذن سكن وجعها ومع دهن البنفسج للسعال اليابس ، وإذا طبخ قشر الرمان وجلس فيه النساء نفعهن من النزف ، وإذا جلست فيه الأطفال نفعهم من خروج المقعدة ، وإذا طبخ قشر الرمان في ماء إلى أن يتهرى وأخذ منه أربعة دراهم مع الماء الذي طبخ فيه ، وأضيف لذلك من الدقيق اثنا عشر درهما وصنع منه عصيدة حتى يكمل نضجها ، ثم أنزلت ووضع عليها زيت فج ، وأطعم ذلك من به إسهال ذريع قطعه يقينا حالا وإن شرب من طبيخه من به استرسال البول أمسكه ، وإذا أخذ قشر الرمان الحامض وخلط بمثله عفصا وسحقا ثم طبخ بخل حتى ينعقد ثم حبب ذلك حبوبا بقدر الفلفل ، وشرب منها من سبع عشرة حبة إلى عشرين نفع ذلك من السحج وإسهال البطن ومن قروح الأمعاء والمقعدة ، وإذا أحرق قشر الرمان وعجن بعسل وضمد به أسفل البطن والصدر نفع من نفث الدم ، وإذا احتقن بماء قشر الرمان المطبوخ من الأرز والشعير المقشور المحمص نفع أيضا من الإسهال وسحج الأمعاء وإذا تمضمض بمائه قوى اللثة ، وإذا استنجى به قوى المقعدة وقطع الدم النازل من أفواه البواسير.

(في استعمال ثمر الرمان)

تعتبر عصارته الصافية الوردية الشفافة التي فيها بعض سكرية وبعض حمضية وتؤخذ منه بالعصر مرطبة ومعدلة فتعطي في الحميات ، بالبلاد الحارة ويعمل منها نوع ليموناد بأن تحلى بالسكر بعد مزاجها بالماء والعطريات ، ويعمل منها غير ذلك فيحضر منها شراب يقال : إنه مقبول ومستعمل أيضا في الحميات والالتهابات سيما التهابات الطرق البولية ونحو ذلك ، وأمر

٢٢٥

به بقراط في وجع الفؤاد وونزيتن في الإسهالات والدوسنطاريا ونحو ذلك ، وذكر بليناس وسلسول أن عصارة الرمان مضادة لدودة القرع ، ولب الثمر فيه الخواص المرطبة التي في العاصرة فيمص في البلاد الحارة كما يفعل في عصارة البرتقال غير أنه أقل قبولا منها ، ويعمل منها مربيات وجليديات في الأماكن التي يكتسب فيها هذا الثمر جميع الصفات الجيدة القابل هو لها حيث يميز هناك إلى أصناف كما كان في زمن بليناس إذ من الواضح أن الأصناف المعروفة الآن ببساتيننا متوسطة الاعتبار ، وأما الأصناف البرية ففيها بعض غضاضة ، ويحضر من العصارة المأخوذة من الثمر نوع نبيذ يسمى نبيذ بلاديوس.

(في استعمال الثمر للمتقدمين)

وسع القدماء دائرة استعماله إذ الرمان منه الحلو والحامض والقابض فمنفعة كل صنف منه باعتبار الطعم الغالب عليه ، وقالوا : كله جيد الكيموس جيد للمعدة قليل الغذاء ، والحلو أطيب طعما من غيره فيلين الحلق والصدر وينفع السعال ويوافق المعدة يولد حرارة لطيفة في الأبدان الحارة نفخا ، ولذلك لا يصلح للحمومين والحامض يقمع الصفراء ويمنع سيلان الفضول إلى الأحشاء وخصوصا شرابه لكنه يضر المعدة والأسنان ، ويخشن الصدر والحلق ويضر أمراضهما والمر أعدل وأنفع للمعدة من التفاح والسفرجل إذا مص ماؤه وطرح جرم الحب ، وشراب الرمان وربه نافعان من الخمار والحميات وخصوصا شراب الحامض وقالوا : إن الرمان قوي على أحدار الرطوبات المرية العفنة من المعدة ونافع من حميات الغب المتطولة ، وقال الرازي ما محصله : الرمان الحلو منتفخ قليلا حتى أنه ينغظ ويحط العام عن فم المعدة إذا امتص بعده ، ولا يحتاج إلى إصلاح ، لأن نفعه سريع التفشي ، وأما الحامض فطويل نافخ مبرد للكبد تبريدا قويا وسيما إذا أدمن وأكثر منه. ويعظم ضرره للمبرودين فيبرد أكبادهم ويمنعها عن جذب الغذاء فيورثهم لذلك الإسهال ، ويهيج فيهم الرياح ويذهب بشهوة الجماع فلذا يبغي اتباعه بمربى الزنجبيل ، والشراب القوي والاسفيذباجات التي يقع الثوم والتوابل ، وقال بعضهم : الرمان الحلو يعطش والحامض يطفئ نارية الصفراء والدم ويكسر الخمار ، ويقطع القيء ، والمز ينفع من الحميات والتهاب المعدة ، ولأن يمصه المحموم بعد غذائه فيمنع صعود البخار أولى من أن يقدمه فيصرف المواد من أسفل انته.

(في استعمال البزور)

البزور مركبة من غلاف غضروفي ولوزة صغيرة بيضاء عذبة فكانوا يزعمون أنها قابضة ، وإن كان ذلك على رأينا غلطا فكانوا يستعملونه كاستعمال القوابض ، وهي كأغلب البزور فيها

٢٢٦

بعض زيتية فتكون ملطفة ، ويمكن أن يستخرج منها زيت دسم ويقال إن السماني والشحرور يتسممان بتلك البزور ، ولكن هذا مشكوك فيه وإنما يمكن أن يكون موت هذه الطيور منها بسبب عدم هضمها لها إذا أكلت منها كثير ، وربما كان ذلك بسبب الانتفاخ الذي يحصل لتلك البزور في قونصتها أو بغير ذلك لا بسبب أنها مسمة لها ، ونوع الرمان القصير القامة يظهر أنه صنف منه ، وينبت في جزائر أنتيلة وجيان حيث يعمل منه سكانها رزويا في البساتين ، وهذا النوع لا يختلف عن النوع المشهور السابق إلا في كونه صغير القامة في جميع أجزائه وليس له صفات واضحة تميزه عنه. نهايته أن زراعته أصعب من زراعة ذلك الرمان الاعتيادي وأما خواصه فكخواصه.

(في المقادير وكيفية الاستعمال)

قد سبق في كلامنا ما يعلم منه مقادير الأجزاء المستعملة فأما الأزهار فنقوعها من أربعة دراهم إلى ثمانية لأجل مائتين من الماء ، وأما قشر الثمر فمسحوقه من نصف درهم منقوعة من درهمين إلى أربعة لأجل مائتين من الماء ، وأما قشر الجذر فمسحوقه من درهم إلى درهمين ، ومطبوخه إلى ستة عشر درهما لأجل مائتي درهم من الماء حتى يرجع لرطل ، ويستعمل ذلك ثلاث مرات بين كل مرتين نصف ساعة ، وتوضيح عمل ذلك المغلي المضاد للديدان كما قال سوييران وغيره أن يؤخذ من القشر الرطب لجذر الرمان عشرون درهما ، ومن الماء مائتان وخمسون درهما يغلي ذلك حتى يرجع إلى النصف ثم يصفي ويرشح ويستعمل ذلك المقدار على ثلاث كميات وعند اليقظة من نوم المساء يعطى للمريض من عشرة دراهم إلى خمسة عشر من زيت الخروع وكثيرا ما يتفق أن الكمية الأولى أو الثانية تسبب القيء ولا يلزم لأجل هذا العارض الخفيف إيقاف التعاطي فتعطى الكميات الباقية ، ولا يحصل منها ذلك العراض ، وإنما بعد قليل من استعمال هذا المطبوخ يحس ببعض قولنجات وبتبرز المريض جملة مرات توجد الدودة مندفعة معها فإن لم يحصل ذلك الإسهال يعطى المريض حقنة من بزر الكتان فإنها كثيرا ما تجذب معها الدودة ، ولا يحتاج لتعاطي مسهل آخر ، وعالج برار هذا القشر بالماء الفاتر بطريقة الغسل ، وعاب على الدستور بحفظه التركيب المستعمل عموما ، ولم يعلم أن ذلك يقينا بسبب أن المطبوخ يحصل منه سائل أقل قابضية مما اختاره فيسهل تحمل المريض له ، فإذا استعمل القشر الجاف كان المقدار أيضا عشرين درهما ، وإنما يترك منقوعا مدة اثنتي عشرة ساعة في الماء البارد قبل تعريضه للغلي ، وبعضهم اقتصر على تخمير السائل والاستغناء عن الغلي ، فيترك السائل يومين في إناء غير مغطى فيصير حمضيا ويعطى كالسابق أو يعطى منه كوب في الصباح وكوب في الزوال وكوب في المساء ، وخلاصة قشر جذور

٢٢٧

الرمان تصنع بأخذ المقدار المراد من القشر الجاف ومن الماء مقدار كاف ، واستعمل تلك الخلاصة مع النجاح ديلند كما عرفت لطرد دودة القرع وأعطاها على شكل جرعة على حسب التركب الآتي الذي يحصل منه دواء أقل كراهية للمريض من المطبوخ فيؤخذ من كل من ماء النعنع وماء الزيزفون وعصارة الليمون عشرون درهما ، ومن الخلاصة ستة دراهم ، وتمزج حسب الصناعة ، واستعمل ديلند أحيانا الخلاصة المنالة من الفعل المتتابع للماء على قشر الجذر ، وشراب الرمان يحضر بأخذ مائة جزء من عصارة الرمان ومائة وثمانية وثمانين من السكر يذاب ذلك على الحرارة في مترس من زجاج ، وهذا الشراب حمضي وطعمه مقبول وفيه مع ذلك بعض قبض.

(المبحث الثالث في الآس)

يسمى بمصر مرسين وباللسان النباتي مرطوس قونس أي الآس العام ، وهو كثير الوجود بمصر ، وعرب بستان وغيره ، واسمه مرطوس يونا في الأصل ، ومعناه عطر بسبب الرائحة العطرية لأوراق النوع الذي نحن بصدده ، فقد جعل مرطوس جنسا يحتوي على جملة أنواع وأخذ من اسمه أيضا قسم من أقسام فصيلته فقيل له مرطية ، ولم يعدّ المعلم طرنفور في قسم مرطية إلا ثلاثة أجناس فبالاختصار نقول : كأن جنس مرطوس لا ينسب له إلا نواع واحد وهو الآس العام الذي نحن بصده ، وهو شجيرة جميلة شهيرة بكون قدماء اليونانيين واللطينيين رمزوا لها وكنوا بها في أشعارهم لجمالها ورائحتها الذكية ، ثم عرف لهذا الجنس أنواع كثيرة بالأقاليم الاعتدالية ثم عظم هذا الجنس حتى صارت دراسة هذه النباتات مشتبهة جدا ، وتضاعف ذلك الاشتباه حين وضعوا أجناس كثيرة رديئة الصفات لها شبه عظيم في التركيب بالنباتات الآسية الحقيقية ، ونشأ من ذلك الاختلاط أن كثيرا من مشاهير النباتيين اختلط عليهم الحال بجنس مرطوس في معظم تلك الأجناس مثل أوجينيا وفريوفيلوس وغيرهما مع أن كثيرا منها يظهر كونه طبيعيا جدا ، وسبب هذا غلطهم في التحديد الجيد حيث أهملوا الانتباه له ، ثم في هذه الأزمنة الاخيرة بحث دوقندول فيها من جديد وفصلها ، ووضع أجناسا أخر كانوا أهملوها بالكلية فميز بالصفات النباتية خمسة أجناس من مرطوس عن بعضها ، فأولا مرطوس ، وثانيا مرسيا الذي هو من الأسماء القديمة لمرطوس حتى نقل ابن البيطار عن ديسقوريدس أن (مرسيا أغريا) اسم للآس البري ، وثالثا (أوجينيا) ورابع (جمبورا) وخامسا (فريوفليوس).

(في الصفات النباتية لجنس مرطوس)

هي أن الكأس ملتصقة قاعدته بالمبيض ، والغالب كونه ذا خمسة أقسام مستدامة ،

٢٢٨

والتويج غالبا بل دائما خمسة أهداب مندغمة على الكأس ، والذكور عديدة غير محصورة خالصة بدون انتظام متساو على دائرة قرص في أعلى المبيض ، والحشفات ثنائية المخزن وتنفتح بالطول ، والمبيض ثنائي المخزن أو ثلاثيه ، وكل منها يحتوي على عدد كثير من بزرات صاعدة ، والمهبل واحد يعلوه فرج بسيط ، والعسيب متوج بالكأس ، ومخازنه من واحد إلى ثلاثة تحتوي على بزور عديدة محنية مركبة من جنين منحن وجذير طويل أسطواني وفلقتين صغيرتين مسطحتين وريقيتين وإذا جعلنا تركيب البزرة هو الصفة الواصفة لجنس مرطوس التزمنا كما التزم دوقندول وضع جنس مرسيا للأنواع التي لم يكن لها إلا بزرتان كبيرتان لهما فلقتان كبيرتان منثنيتان بدون انتظام ، وأما جنس أوجينيا فيلزم قصره على النباتات المرطية التي فلقتا بزورها ثخينتان مبذور فيهما حوصلات مملوءة بدهن طيار وملتصقتان ببعضهما بحيث يعسر مشاهدة خط انضمامهما ، ثم إن أنواع جنس مرطوس شجيرات تسكن في الغالب الأقاليم الحارة من القرى ، وأوراقها كاملة مملوءة بمسام غددية شفافة تحتوي على دهن طيار قوي الرائحة ، وأزهارها جميلة بيض تخلف حبوبا عنبية عطرية تؤكل في بعض الأنواع وتحتوي أحيانا على دهن طيار.

(في الصفات النباتية للآس العام)

الساق قائمة كثيرة التفرع تعلو من خمسة عشر قدما إلى عشرين ، وتحمل أوراقا متقابلة تكاد تكون عديمة الذنيب صغيرة بيضاوية كاملة متينة سهمية ملساء جميلة الخضرة دائمة تنبذر فيها نقط صغيرة غددية شفافة ، وقد تكون الأوراق محمولة على ذنيب قصير ، والأزهار بيض وأحيانا وردية الأهداب في حافاتها وحيدة إبطية أي في أبط الأوراق محمولة على حوامل طويلة كطول الأوراق تقريبا دقيقة ، والكأس ملتصق بالمبيض خال من الزغب ، وفي حافاته خمسة أسنان ملس حادة شكلها نصف بيضاوي ، والتويج خمسة أهداب بيض منفرشة متساوية فيها بعض تقعير ، والذكور عديدة والعسائب سائبة ، والمبيض شكله كاكأس وفيه ثلاثة مساكن تحتوي على بزور عديدة مصفوفة صفين ومرتبطة بمشيمة مركزية ، والثمر عنبي بيضاوي يقرب للسواد ومتوج بالكأس ، وفيه ثلاثة مخازن تحتوي على بزور كثيرة كلوية الشكل حافتها الخارجية يعانقها الخيمة الكبيرة شكلها شكل البزرة ، وهذا النبات ينبت في آسيا وإفريقيا ومصر والشام ، وقد يصل إلى أبعاد كبيرة وله جملة أصناف بعضها عظيم الاهتمام بعنبه الغليظ الذي يكون في غلظ الكرز وبطعمه المقبول.

(في استعمال الآس في المجامع)

حيث إن الآس كثير الوجود في حوض البحر المتوسط ، وإنه يزين في الغالب الشواطئ

٢٢٩

والجزائر التي تضربها أمواج هذا البحر لم يستغرب إجماع اليونانيين والرومانيين على فضله في المجامع الديانية حتى كان معظما مبجلا في هيكل الزهرة ، وإله الحب في خرافاتهم ، ويدخل في الولائم المفرحة والأعياد العمومية فكانت أغصانه إشارة للحب ، وكان من اللازم عندهم عند إنشاد القصائد العشقية إمساك فرع منه باليد ، ولكن ليست كثرة وجوده فقط هي التي استدعت تفضيله على غيره من الشجيرات بل أيضا رائحته الذكية وخصوصا خضرته الدائمة ، فهذه كلها من الأسباب التي استدعت محبته كما أن الشجيرات الخضر دائما من الصنوبر والتنوب وشبيهة السرو وأغصان البقس هي زينة المجامع الديانية الآن عند الأوروبيين ، وكما أن أوراق النخل من الأشجار المقدسة عند الأوائل من اليهود والنصارى.

(في الخواص والمستحضرات الدوائية)

جميع أجزاء الآس تحتوي على كثير من القواعد القابضة كما تحتوي أيضا على دهن طيار ، وتدل تلك القواعد على أن فيها خواص قابضة ومنبهة ذكر نفعها في كتب الأقرباذين قديما فكان يجهز منها ماء مقطر تستعمله النساء للزينة باسم الماء الملكي ، ويحضر منها أيضا دهن طيار ومرهم نسبوا لهما خواص جليلة بحيث تخيلوا أنه يمكن أن يعاد به للجسم الطبيعي زهوه ومتانته ولونه بعد أن ذبل من مصائب الدهر أو من إفراط الجماع.

(في خواصه الدوائية)

حيث عرف كون الآس عطريا قابضا يكون بموجب ذلك دواء قابضا قويا يستعمل في ضعف المعدة والإسهال والسيلانات البيض والأنزفة ونحو ذلك ، ويستعمل مطبوخه غسلات لتقوية الأعضاء المسترخية ، وما ألطف ما قاله جالينوس كما نقله عنه ابن البيطار من أنه مركب من قوى متضادة والأكثر فيها الجوهر الأرضي البارد وفيه مع هذا شيء حار لطيف فهو مع ذلك يجفف تجفيفا قويا وورقه وقضبانه وثمرته وعصارته ليس بينها في القبض كثير اختلاف ، وقال جالينوس أيضا الورق اليابس من الآس أكثر تجفيفا من الورق الرطب لأن ، ورقه الرطب يخالطه شيء من الرطوبة وأما رب الآس فكما يؤخذ من عصير الورقة يؤخذ من حبه أيضا ، وفي هذا كله قوة حابسة مانعة سواء وضعت على البدن من الخارج أو ردت من الداخل ، لأنه لا يخالطها شيء من القوة المسهلة ولا من القوة الغسالة انته.

وقال ابن سينا : في الأدوية القلبية ومزاج الآس كما يظهر غير مستحكم الامتزاج حتى يعود بطباعه إلى قوة واحدة بل يشبه أن يكون فيه جوهران أحدهما الغالب فيه البرودة والآخر الغالب فيه الحر ، ولم يستحكم فيما بينهما الامتزاج والفعل والانفعال حتى يستقر المزاج على

٢٣٠

الغالب منهما ، وللآس في هذا الحكم نظائر كثيرة ويشبه أن يكون ما فيه من الجوهر اللطيف الذي الغالب فيه الحر أي والكثيف الذي الغالب فيه البرد أكثر ، ولم يبلغ من تأكد امتزاجها إلا ويفرق بينهما الحار الغريزي الذي في أبداننا فيفرق بينهما فينفذ أولا الجوهر الحار الذي فيه فيسخن ثم يأتي بعده البارد فيقوى ويشد ، ولهذا تعظم منفعته في إنبات الشعر فإن الجوهر الحار يجذب المادة ويوسع المسام أولا ، ثم الجوهر البارد منه يشد العضو ويقبض وقد انجذبت إليه المادة التي يكون منها الشعر فينعقد شعرا والعطرية التي فيه يركبها الجوهر الحار الذي فيه والعفوصة يركبها الجوهر البارد ، فإذا اعتبر الآس بمزاجه الأغلب الأقوى كان باردا يابسا وله مع ذلك تلطيف بعطريته ملائم للروح بما فيه من القبض مع التلطيف ممتن له لجوهره باسط له منق ولاجتماع هذه المعاني كان من الأدوية النافعة من الخفقان وضعف القلب ، ويعد من المفرحات ، وكانت ثماره مستعملة عند القدماء للتتبيل ، ولم تزل إلى الآن كذلك بمنزلة الفلفل في طوسقانة ، ويحضر منها نبيذ يسمى مرطيداتون أي النبيذ الآسي (قال ميرة) وكان يسمى بهذا الاسم أيضا منتفخات في جذع النبات يجعلونها شديدة القبض. (قال ابن البيطار) فيما نقله عن ديسقوريدس : وأما المرطيداتون فهي أشياء تنبت في ساق شجر الآس مضرسة ولونها شبيه بلون ساق الآس وفي شكلها مشابهة بالكف وقبضها أشد من قبضه انته.

(وقال) إسماعيل بن الحسن الجرجاني في كتاب «ما لا يسع الطبيب جهله» : وقد يظهر في ساق الشجرة نفسها عقد مضرسة شبيهة بالكف تسمى نبكه وباليونانية منظريا وهي أشد قبضا من الآس انته.

ولم أقف على الاسم اليوناني الذي ذكره الجرجاني ولعله تحريف من النساخ وأما الاسم الذي نقله ابن البيطار وعمن ديسقوريدس ، ونقله ميرة عن المتأخرين فهو مرطيداتون وقد تدق هذه وتخلط بشراب عفص ، ويعمل من ذلك أقراص تجفف في الظل وتفعل جميع أفعال الورق والثمر بل هي أقوى ، وإذا احتيج إلى أن يكون في القيروطي عند الحاجة إلى استعماله قبض خلط به شيء من هذه الأقراص وكذا إذا احتيج إلى مثل ذلك فيما يستعمل من الفرزجات والضمادات والمياه التي يجلس فيها خلط بها شيء من هذه الأقراص. انته ببعض تغيير ، والدهن العطري لهذا النبات فيه الخواص المنبهة العظيمة الاعتبار ولم يزل مستعملا عند الأطباء المجربين ، ويستعمل في بعض محال بلاد اليونان وإيطاليا وبروونسه وغير ذلك لدبغ الجلود ، وذكر بيلون أن المستعمل لذلك بالأكثر هو أوراق الصنف الذي ثماره سود وهو الكثير الوجود بأوروبا ، ويحضر منها خلاصة تسمى عند المتأخرين مرطيل ، ويحضر من أزهاره وأوراقه بالتقطير ما يسمى كما قلنا بالماء الملكي وله اعتبار عظيم وكذا يحضر منه كما

٢٣١

قال ديسقوريدس نوع نبيذ بغلي أغصانه الحاملة لأوراقه وثماره ، ولأطباء العرب من المتقدمين استعمالات تجربيات عديدة مأخوذة من كتب القدماء فقالوا : إن التضميد بطبيخ ورقه بالشراب يسكن الصداع الشديد ، ولدهنه وطبيخه أيضا خاصية في تقوية أصول الشعر وتطويله وتسويده ، وغسل الرأس بطبيخه يزيل التعقد والبثور منه والضماد بطبيخ ثمرته يبرئ قروح الكفين والقدمين ويمنع حرق النار عن التنفط كما ينفع ذلك من استرخاء المفاصل والعظام الواهنة وكذلك رماده بالقيروطي وسحيقه يحبس الرعاف والنزف وجميع سائلات الرحم والإسهال والعرق ، ويسكن الأورام الحارة والداحس ، وإذا تدخنت المرأة بدخان حب الآس منع نزف الأرحام ، ونطول طبيخه على العظام المكسورة يسرع جبرها ، وورقه اليابس يمنع صنان الأبط إذا سحق ونثر عليه بعد الحمام ، أو طبخ وتضمد به وإذا دلك به في الحمام قوى البدن وجفف الرطوبات التي تحت الجلد ، والجلوس في طبيخه ينفع من أوجاع المعدة أيضا وخروجها والبواسير النضاحة فيضمرها وجميع ذلك مأخوذ من كلام ديسقوريدس ، وقال هذا العالم اليوناني أيضا ثمر الآس يؤكل رطبا ويابسا لنفث الدم ولحرقة المثانة وعصارة الثمر الرطب تفعل فعل الثمرة وهي جيدة للمعدة مدرة للبول ، وشرب شراب هذا النبات قبل شرب الشراب المسكر يمنع الخمار وليس في الأشربة ما ينفع في السعال الرطب وأوجاع الرئة غير شرابه ، وكان القدماء كديسقوريدس يصنعون شراب الآس من أطراف الآس وورقه مع حبه ويدق ذلك ويؤخذ كل عشرة أمنان ويلقي عليها ثلاثة وقوانوسات من عصير العنب (القوانوس باليوناني اثنا عشر درهما) ويطبخ إلى أن يذهب الثلث ويبقى الثلثان ويرفع بعد التصفية ويتمم العمل كما هو معروف وينفع استعمال هذ الشراب من الفروح الرطبة العارضة في الرأس والقوباء النخالية والبثور ومن استرخاء اللثة ومن ورم النكف والآذان التي يخرج منها قيح ويقطع العرق ، وقد يعملون هذا الشراب من حب الآس فيؤخذ منه ما كان أسود نضيجا فيدق ويخلط بالشراب العتيق ثم يعصر وتؤخذ العصارة وترفع ، وشراب حب الآس جيد للمعدة يقطع سيلان الرطوبات إلى المعدة والأمعاء وهو دواء للقروح العارضة في باطن البدن وسيلان الرطوبة من الرحم سيلانا دائما ، وبالجملة لم يزل عند العرب بعض استعمالات لمستنتجات هذا النبات وكذا في بعض أقاليم من أوروبا وفي بعضها لا يستنبت إلا للزينة فيصنع منه بروونسه مفاريش وزرائب وحواشات في البساتين بحيث تجذ كل سنة لتبقى منفرشة مزينة ، وكثيرا ما تبقى على ساق واحدة ، ويعمل في رأسها شكل مستدير بأن نقص بانتباه وتحفظ.

(تنبيه) توجد أنواع كثيرة للآس تستدعي اهتماما مخصوصا لجمال أوراقها وأزهارها ومن أنواع ما له استعمالات مدنية مثل مرطوس أوغنا شجيرة تنبت بالجنوب ، وعنبها أحمر مستدير بيضاوي في غلظ البرقوق الصغير ، وسكان إشبيلة يحضرون من تلك الثمار سائلا

٢٣٢

عطريا له شبه بالأنبذة المسكية وتستعمل جذور هذا النوع كاستعمال القوابض وأوراقه كاستعمال الشاي وثماره العطرية كالتوابل ونبيذ تلك الثمار يفضل على الأنبذة بكونه مقويا للهضم.

(المبحث الرابع في القرنفل وفيه الصفات النباتية والطبيعية والاختيار والصفات الكيماوية والنتائج الصحية والاستعمالات الدوائية)

يسمى قريوفيلوس من فصيلة الآس كثير أعضاء الذكور وحيد الإناث ، وذلك الاسم آت من الرائحة التي في جميع أجزاء شجرة القرنفل التي اسمها دال على نوع هذا الجنس وهو نوعه الوحيد الشبيهة رائحته برائحة قطيفة البساتين المسماة أيضا بهذا الاسم أي قريوفيلوس ورائحة القرنفل الأحمر ؛ ولذلك سمي هذا النوع بالقرنفل أيضا فعنى قريوفيلوس قرنفلي الرائحة.

(الأول) في الصفات النباتية للنوع المذكور ، وهو شجرة من ألطف وأجمل نباتات الأماكن المحترقة من الشمس بأرض الهند ، وشكله غالبا كمخروط ، ويكون أخضر دائما مزينا بكثير من أزهار جميلة وردية ، والأوراق متقابلة بيضاوية مقلوبة أي أنها مندغمة بطرفها الدقيق ومنتهية بنقطة حادة ، وتنتهي في قاعدتها بالتدريج اللطيف حتى يتكون منها ذنيب طويل قنوي مفصلي منتفخ من جزئه السفلي ، وتلك الأوراق كاملة ملساء متقاربة لبعضها ، وأعصابها الجانبية كثيرة تذهب على زاوية قائمة تقريبا حتى تصل للعصب المتوسط ، وطول تلك الأوراق أربعة قراريط تقريبا ، وعرضها قيراط ، والأزهار وردية على هيئة قمة انتهائية مثلثة التقطع كأنها مركبة من جملة مفاصل وفي قاعدة كل قطعة قطعة مفصلية ، وكل زهرة أذينان قشريتان تسقطان فيما بعد وتنتشر من تلك الأزهار رائحة عطرية مقبولة جدا قوية النفوذ تبقى محفوظة إلى تمام جفافها ، والكأس قمعي الشكل أحمر خشن ملتصقة قاعدته بالمبيض وأنبوبته طويلة ضيقة ، وحافتها مقسمة أربعة أقسام ثخينة بيضاوية حادة ، والتويج مركب من أربعة أهداب مستديرة متعاقبة مع قطع الكأس وفيها بعض تقعير ، وأعضاء الذكور كثيرة العدد مندغمة كالتويج حول قمة المبيض والأعساب متقاربة منضمة ببعضها ، والحشفات بيضاوية ذوات مسكنين ، والمبيض ملتصقة قاعدة الكأس ، وهو مستطيل وحيد المخزن يحتوي على بزرة واحدة والمهبل خيطي الشكل قصير ثخين مندغم في مركز شبه قرص علوي الاندغام بعضو الإناث وفيه بعض تقعير ، والفرج صغير مستدير كالرأس بسيط ، وهذا الشجر ينبت طبيعة في جزائر ملوك وجنبة والصين ، واستنبت في بعض البلاد وتنوع بالزراعة والفلاحة على خمسة أصناف : قرنفلي ، ملكي ، وقرنفل مؤنث ، وقرنفل باهت ، وقرنفل لواري ، وقرنفل بري قليل الاعتبار ، قال ميرة : ويظهر أنه معروف عند كهنة المصريين ؛ لأنه وجد في قبر من

٢٣٣

قبورهم مرميا طوق من كبوش القرنفل ، والشجرة الواحدة القوية التي سنها اثنتا عشرة سنة يخرج منها في السنة من تلك الأزهار من خمسة أرطال إلى عشرين وشوهد من تلك الأشجار ما وصل قطره إلى ثمانية أقدام فتجهز منها في السنة ستون رطلا وقبل موتها بيسير حصل منها ثمانية وأربعون رطلا كل رطل مائة درهم والمدة المتوسطة لهذه الأشجار مائة سنة والمستعمل من تلك الأشجار في الطب الأزهار الغير المنفتحة.

(الثاني في الصفات الطبيعية)

القرنفل الموجود في المتجر هو الأزهار تجنى قبل تفتيحها ، ويميز فيها الكأس على شكل قمع دقيق من أحد الطرفين ومنته بالطرف الآخر بالأقسام الأربعة الصغيرة المقعرة المنفتحة ، ويوجد في المركز زر صغير كروي مكون من الأهداب الأربعة النائمة على بعضها المغطية للذكور ، وعضو الإناث عند اجتناء الأزرار الزهرية التي ستصير قرنفلا يكون لونها أحمر فتجفف على الدخان ثم في الشمس فمن تلك العملية يصير لونها أسمر تعرف ، به وأما الأزهار التي تبقى على الشجرة فتدوم على استنباتها حتى تقطع أدوار كمالها ، وتخلف ثمرا نوويا أي فيه شحم ونواة ، ويكون هذا الثمر في حجم البرقوق وفيه رائحة القرنفل وطعمه ولكن بدرجة منخفضة ويربى بالسكر فيتفكه به وسيما في الأسفار البحرية.

(الثالث في الاختيار)

يختار من القرنفل ما يكون أسمرا هي السمرة غليظا ثقيلا دسما جيد التغذية منفرج الزاوية ذا رائحة قوية مستدامة مقبولة غالبا حريف الطعم محرقا ، والهواء المستنشق يكتسب بمروره عليه عطرية ؛ لأن الحرارة تصعد عطريته ، وهذه صفة القرنفل الآتي من ملوك ، ويسمى في المتجر الأوروبي بالقرنفل الأنقليزي ، لأن تجاره من قومبانية الهند الأنقليزية ، وأما قرنفل كبان فهو أدق وأحد زاوية وأجف ، ولونه مسود عطريته أقل.

(الرابع في الصفات الكيماوية)

حلل فوجد في ألف جزء منه مائة وثمانون من دهن طيار أثقل من الماء محرق الطعم عديم اللون ، ثم يتلون مع الزمن فيصير أصفر برتقانيا وأربعون من مادة خلاصية ومائة وثلاثون من مادة تنينية ، ومائة وثلاثون من الصمغ ، وستون من راتنج ، ومائتان وثمانون من الليفة النباتية ، ومائة وثمانون من الماء وجميع ذلك ألف ، وينال الدهن الطيار للقرنفل بتقطير القرنفل مع الماء والملح على حسب الطريقة العامة لتحضير الزيوت الطيارة الثقيلة ، ويوصل

٢٣٤

لإنالته كله بتقطيرات متكررة ، لأنه قليل التطاير ، ونوع الراتنج الأخضر المجتمع معه طبيعته يمسكه بقوة ويكون مانعا لفصله ، والماء والكؤل يأخذان من القرنفل قواعده الفعالة.

(الخامس في النتائج الصحية)

إذا استعمل خمس قمحات أو ست من سحيق القرنفل مختلطا بالسكر أو استعمل بعض نقط من دهنه الطيار سهلت مشاهدة تنبه الجهاز الهضمي ، فإذا كان الجهاز في انتظامه الاعتيادي نمت وظائفه بأحسن حال فإن كان مجلسا لتهيج ما زاد ذلك التهيج وعرضت عوارض وغير ذلك أما إذا استعملت هذه الفواعل الدوائية بمقادير كثيرة فإنها توقظ تنبها قويا في أعصاب السطح المعدي ، ويسري ذلك لجميع المجموع العصبي فقواعدها التي أخذها الدم ونشرها في الجسم تؤثر في المنسوجات كلها فتثير حركة في الأعضاء ، فقد اتضح من تلك الخاصية المنبهة الشديدة كيف وجد الأطباء في هذا الجوهر خاصية التسخين وتقوية القلب والمعدة وإدرار الطمث وتسهيل الهضم ، ويظهر أنه إذا استعمل منه مرة واحدة مقدار كبير كما يفعل ذلك أهل الجزائر التي ينبت فيها ينفعهم هذا الجوهر في مشروباتهم الاعتيادية اتجه تأثيره إلى الرأس فيكدر المخ ، ويسبب دوارا وسددا وصداعا وغطمشة في الأبصار وغير ذلك ، وإذا بحثنا في النتائج القريبة المحرضة من القرنفل لأجل أن نعرف الناتج الخاص لكل من المواد الكيماوية المؤلف هو منها لم نر إلا أن الظاهرات الفيولوجية أي الصحية تنسب لتأثير دهنه الطيار ، ولا يميز تأثير الجزء اليسير من المادة التنينية أو المادة الخلاصية المشتمل عليها القدر المستعمل من القرنفل.

(السادس في الاستعمالات الدوائية)

يلزم أن يعد هذا الجوهر في صناعة العلاج من الوسائط المخصوصة في تنبيه الأعضاء ، ولكن قد علمت أن القوة المنبهة ليست بدرجة واحدة في الجواهر الداخلة في تلك الرتبة ، فتكون في القرنفل والقرفة والبسباسة أقوى فاعلية بحيث يمكن أن يحدث الطبيب بها تنبها موضعيا أو عاما قويا شديدا حسبما يريد ، ولذلك يستعمل مع النقع سحيق القرنفل في هبوط المعدة وضعفها وفي الإسهالات وأنواع القيء والارتشاحات الخلوية والاندفاعات الجلدية العسرة الظهور ، وضعف البصر والسمع وهبوط القوى ، وتلك النتائج موافقة للقوانين الاقرباذينية لأن القرنفل منبه فيكون دواء قوي الفعل يستعمل في جميع الآفات المرخية الناشئة من ضعف مادي أو حيوي في جهاز عضوي فتشفى تلك الأمراض بواسطة ازدياد هذا الجهاز حجما وفعلا ، وهذه النتائج معروفة عند المتقدمين من أطباء العرب ، فقد قال الإسرائيلي : إنه

٢٣٥

يشمع القلب بعطريته وذكاء رائحته ، ويقوى المعدة والكبد وسائر الأعضاء الباطنة ، وينفي البلة العارضة فيها ، ويعين على الهضم ، ويطرد الرياح المتولد عن فضول الغذاء في المعدة والكبد ، وينفع من زلق الأمعاء ، ويقوى اللثة ويطيب النكهة ، وقال في كتاب التجريبيين : إنه يسخن المعدة وينفع من الاستسقاء ويقوى الدماغ ويسخنه إذا برد ، وينفع من توالي النزلات ، وقال حكيم بن حسن : إنه يدخل في الأكحال التي تحد البصر وتذهب الغشاوة والسبل. وقال إسحاق بن عمران : إنه يقطع سلس البول وتقطيره إذا كان عن برودة ويسخن أرحام النساء وإذا أرادت المرأة الحبل استعملت منه عند الطهر من الحيض وزن درهم ، وإن أخذ من سحيقه وزن درهم مع شيء من لبن حليب على الريق فإنه يقوى الجماع ، وقالوا أيضا : إنه ينفع أصحاب السوداء ويطيب النفس ويفرحها ويزبل الوحشة والوسواس وينفع من الفالج واللقوة ويمنع الفواق وينفع من القيء والغثيان ، وإذا جعل مع الورد وقطر كان ماؤه غاية في التطييب والتفريح وإصلاح قوى البدن وإن مضغ وجعل على رأس الإحليل لذذ الجماع ، وإذا طيبت به الفروج قوى عنق الأرحام وسخنه ، وقالوا : إن التضمد به يزيل القراع واستعماله مع السكنجبين يزيل الخفقان وبالجملة خواصه كثيرة وتفريحه معلوم محسوس ، وشرابه يقوم مقام الخمر في سائر منافعها البدنية ، وقال متأخر الأطباء : يستعمل القرنفل وضعا على المعدة في بعض أحوال من القيء وفي أوجاع المعدة ونحو ذلك لا يخفى كونه من أعظم العطريات والتوابل الفاخرة التي توضع في المآكل والمشارب التفهة الطعم ومن اللحوم والبقول والشوربات لتسهيل هضمها وسيما لأصحاب الأمزجة الباردة واللينفاوية والمقدمين في السن ، ويضر أصحاب الأمزجة الحارة والدمويين والقابلين للتهيج ، ويدخل القرنفل في كثير من المركبات الدوائية فتكون به مقوية مشددة معدية مضادة للتشنج وغير ذلك ودهنه الطيار محمرا ويستعمل نقطا في الجرعات المقوية للقلب والمعدة وغير ذلك ولحرافته يوضع على الأسنان المتسوسة قطعة قطن مبتلة به لأجل كي العصب المتألم وإتلاف حاسيته ، وذلك ناجح مجرب ، ولكن في بعض الأحيان ينسلخ جزء الفم المحاذي للقطنة وربما سبب تسوس الأسنان السليمة ، فلذا لا يلتجأ إليه إلا مع غاية الاحتراس ، ويصح أن يستعمل لتحمير الجلد وكذا مروخا بالشحم أو زيت الزيتون في أحوال الضعف العضلي والشلل ونحو ذلك ، وجذور شجر القرنفل وقشوره وأوراقه وبقية أجزاء الشجرة فيها رائحة القرنفل وتوجد في المتجر قطع ذنيباته مسماة بأظفار القرنفل وتدخل في صناعة المربيات والسوائل الروحية وغير ذلك بسبب رخص أثمانها كثيرا ما يشاهد في القرنفل قطع من صمغ محمر إذا ألقى على النار ظهرت منه رائحة الشجرة ويظن أنه منفرز منها.

٢٣٦

(السابع) الجواهر التي لا تتوافق معه الطرطير المقيء وكبريتات الحديد والخارصين.

(الثامن في المقدار وكيفية الاستعمال)

يستعمل من الباطن سحيقه ويصنع بدقة مع السكر الذي يمتص دهنه الطيار ومقداره من ست قمحات إلى عشرين ، والمنقوع القرنقلي يصنع بأخذ من درهم إلى ثلاثة ومائة وخمسين درهما من ماء وماؤه المقطر يصنع بجزء من القرنفل وثمانية من الماء والمقدار منه من ثلاثة دراهم إلى ستة في جرعة ، وشرابه يصنع بجرء من ماء القرنفل وجزءين من السكر والمقدار من خمسة دراهم إلى ثمانية ، ودهنه الطيار يستعمل بمقدار من نقطة إلى عشر نقط ، وأما من الظاهر فيستعمل الدهن الطيار علاجا لعلاجات وجع السن ، ويجتمع مع جزء مساو له من زيت الزيتون دلكا في نحو الشلل ، ويستعمل أيضا كمادا في الشلل ونحوه.

(المبحث الخامس في فلفيلة جميئكي)

يسمى باللسان النباتي مرطوس بيمانت من الفصيلة الآسية ، واسم الجنس مرطوس مأخوذ من اليوناني ، ومعناه عطر بسبب الرائحة المقبولة التي في أوراق أنواعه وكما سميناه فلفيلة يسمى أيضا فلفل جميئك ، وقد يسمى بما معناه التابل العام.

(في صفاته النباتية)

هو شجر بجزائر أنتيلة ولذلك سمي فلفيلة جميئك جذعه مستقيم يعلو إلى ثلاثين قدما وأوراقه بيضاوية كاملة لامعة خضرة قائمة ، والأزهار تخرج كلها من محور مشترك ، وتعلو إلى علو واحد ، ولونها أصفر منتقع والثمر عنبي أو كمي أي غلف كروي أسود لامع ثنائي المخزن ، وينبت هذا الشجر بالإفريقية الجنوبية واستنبت في جميئك فمأواه جزائر أنتيلة والهند الشرقي والمستعمل منه الثمار.

(في صفاته الطبيعية)

هذه الثمار في حجم الحمص مسودة مستديرة جافة مكرشة السطح سهلة التفتت ، ولها في وقمتها ثقب هو أثر الكأس وهي عطرية الرائحة فرائحتها فلفلية قرنفلية أو نقول كما قال بعضهم كأنها مخلوط قرنفل وقرفة وجوز طيب ، وطعمها فيه بعض حرارة ولذع محرق ، وتحتوي على بزرة أو لوزة مسودة منضغطة.

٢٣٧

(في صفاته الكيماوية)

حلل هذه الفلفيلة ولوزتها فوجد فيها دهنا طيارا أصفر مخضرا وراتنجيا وخزي الطعم مغشيا مادة خلاصية ومادة تنينية وحمضا عفصيا والماء والكؤل والاتير تذيب قواعده الفعالة.

(في الجواهر التي لا تتوافق معه)

كبريتات الحديد بل أملاح الحديد كلها وأملاح النحاس والفضة وسيما نترات الفضة ومنقوع الكينا والشب وروح النوشادر والكربونات القلوية.

(في بيان الاستعمال)

هذا الثمر يجني قبل نضجه ويجفف ، ويستعمل تابلا من التوابل في صناعة الطبخ سواء كان كاملا أو مدقوقا ليس له استعمال عند بعض القبائل ، وأما كثير من قبائل الشمال فيدخلونه في المآكل ويستعملونه في الطب فهو منبه قوي الفعل عطري ألطف من الفلفل الاعتيادي مسهل للهضم مخرج للرياح ونحو ذلك ، ولذا يجمع في أنكلترة مع النفع بالجواهر في الاستسقاء وفي الآفات الروماتزمية القديمة والمفصلية ، وكذا يستعمل هناك مع النفع أيضا في أحوال الجدري والحصبة والقرمزية الخبيثة إذا كان الدفاع ضعيفا وكان من اللازم إيقاظ قوى المريض ويستعمل بالأكثر غراغر في الذبحات المزمنة والخبيثة ، وكضماد للحمى ومحمر في الحمى الصفراء ، ويصح أن يكون بدلا عن الجواهر الأخر العطرية الغالية الثمن ، ويقال : إن براعيم هذا النبات تقوم في جزائر أنتيلة مقام براعيم الحور إن أوراقه تستعمل هناك لدبغ الجلود والدهن الطيار المستخرج من ثماره له بعض استعمالات مقوية منبهة وغير ذلك ولا يشتبه عليك هذا التابل العام بالتوابل الأربعة المسماة بذلك أيضا وهي مخلوط مجروش من القرفة والقرنقل وجوز الطيب والفلفل حيث يمزجها العطارون ويسمونها بذلك وهو أيضا غير الفلفيلة المتوجه وفلفيلة المكسيك الآتي ذكرهما قريبا.

(في المقدار وكيفية الاستعمال)

أما من الباطن فسحيق هذا الجوهر يستعمل بمقدار من ست قمحات إلى عشرين ، وماؤه يعمل بجزء منه وخمسة عشر من الماء والمقدار للاستعمال من عشرة دراهم إلى عشرين ، وشرابه يصنع بجزء منه واثنين من السكر ، والاستعمال من ثلاثة دراهم إلى خمسة للاستسقاء ، ودهنه العطري يستعمل بمقدار من ثلاث نقط إلى ست على سكر أو في حامل مناسب وخله يصنع بجزء منه وستة من الخل ، ويدخل مسحوقه للضمادات المحمرة والغراغر.

٢٣٨

(المبحث السادس)

وفيه جملة أنواع من جنس مرطوس.

(الأول) : الآس العطري المسمى بذي القنسوة وثمر هذا النوع ولونه وشكله تقريبا ورائحته وطعمه كما في فلفيلة جميئك وإنما بدل أن يكون في القمة فتحة فقط كما في تلك الفلفيلة يوجد سوى هذه الفتحة التي فيها أكبر حافة مستديرة مرتفعة ترتكز عليها القلنسوة.

(النوع الثاني مرطوس قريو فيلاتا)

أي القرنفلي الأوراق وقشرة هذا نبات تسمى بالقرفة القرنفلية أو القرفة الكاذبة أو غير ذلك ، وتوجد في المتجر قطعا بدون بشرة وطويلة جدا رقيقة ملتفة وداخلة في بعضها ، ولونها أحمر مسود ، ورائحتها ذكية تشبه القرفة والقرنفل مجتمعين وطعمها حريف فلفلي ، وتعرف باسم كاسيا قريو فيلاتا ، ومع ذلك خواصها كخواص القرفة ولكن بدرجة ضعيفة.

(النوع الثالث مرطوس مسود قريو فيلوس)

أي الآس القرنفلي الكاذب ، ويسمى باللسان الاعتيادي فلفلية المكسيك ، وهو أكبوش أي كؤوس ينبت بالبريزيل والمكسيك وغير ذلك ، وحجمها كرأس الدبوس ، وأهالي البريزيل يستعملون أكبوش كاستعمال التوابل ويقطرون ، الأوراق ليستخرجوا من ذلك ماء معدا للتقطير ، وينال بمثل ذلك دهن طيار من الثمار الحبية فماؤه ودهنه مقويان وشادان لأعضاء الهضم.

(النوع الرابع الآس الجرادي)

هذه الشجيرة تنبت بجزائر انتيلة وسيما سند ومنج ، وخشبها يسمى هناك خشب الهند ، وفي أوراقها رائحة القرفة وبالأكثر القرنفل ، ولذلك اعتبرها بعض الناس نوعا من القرنفل ، وذكروا أنها تستعمل هناك من التوابل بمنزلة أوراق الغار ، وتستعمل ثمارها أيضا كالأفاويه ، وهذا النوع باعتبار ثماره واستعمالاتها قد يشتبه بالنوع المسمى بالآس الفلفلي ، ويحضر منه سائل يشرب على الموائد ، ويسمى خشب الهند.

(النوع الخامس مرطوس جمبوز)

هو نبات بالهند يستنبت هناك لأجل ثماره التي غلالتها رقية وفيها نواة غليظة ذات مساكن

٢٣٩

كثيرة في الباطن وغلظ تلك الثمار كالكمثرى المتوسطة ، ولونها وردي زاه من الخارج ، ولحمها مائل للوردية ، وأكلها لذيذ كثير الاستعمال فتعمل منها خبائص وتربى بالماء ، ويستخرج منها بالتخمير كؤل تشم منه رائحة الورد ، ويحضر منها سوائل تشرب على الموائد ، ويقال : إن هذه الثمار جيدة في الحميات الصفراوية والتهابات والدوسنطاريات فتكون مرطبة تنفع لتسكن العطش وغير ذلك ، وهناك صنف ثماره بيض وآخر سود من الخارج ، وتختلف أسماؤها عندهم مثل جمبور وجمبوز وغير ذلك يقرب من هذا النوع في الثمر نوع آخر سماه بعضهم مرطوس ملكنس نسبة لملكة بفتح الميم مدينة تجاه جزيرة سمطرى ، واستنبت بجهات كثيرة ، وثمرة كمثرى أحمر قوي الاحمرار مقبول تفوح منه رائحة الورد ، ولذا يؤكل كثيرا ولكن أقل من الجمبوز الذي يفضل عليه في جميع الأحوال ، ومطبوخ قشره يستعمل دواء قابضا في الدوسنطاريا والخبوريا والسوائل البيض المهبلية ونحو ذلك ، ومن أنواعه ما يسمى عند مرتيوس مرطوس قولفور أي السامي الزهر ثمره أحد الثمار المقبولة في البريزيل ، وهو عنبي أحمر بنفسجي عذب الطعم ويعمل منه شراب ونبيذ كؤل وغير ذلك ، وقالوا : إن هذا الثمر في حجم الليمون الصغير مستدير مسود في طعم العنب مقبول غاية القبول في الأمراض الحمية ، فقد تمت أجناس المشتبهات وستأتي في الخاتمة تتمة في باقي أجناس هذه الرتبة من المتشابهات والله المستعان.

(مسألة مهمة)

في قوله تعالى : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأنعام : الآية ١٤١]. أما قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) [الأنعام : الآية ١٤١]. ففيه أبحاث :

(البحث الأول)

قرأ ابن عامر وأبو عمرو وعاصم «حصاده» بفتح الحاء والباقون بكسرها قال الواحدي : قال جميع أهل اللغة يقال حصاد وحصاد وجذاذ وجذاذ وقطاف وقطاف وجداد وجداد وقال سيبويه جاؤوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزمان على مثال فعال وربما قالوا فيه فعال.

(البحث الثاني)

في تفسير قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ) [الأنعام : الآية ١٤١]. ثلاثة أقوال :

(الأول) : قال ابن عباس في رواية عطاء يريد به العشر فيما سقت السماء ونصف العشر

٢٤٠