كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي

كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5282-4

الصفحات: ٤٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

الأوراق وفضلها عليها في الاستعمال ، وتحقق عنده أن خلاصتها أحسن تحضير لها من غيرها ومقدارها نهايته من نصف درهم إلى درهم في مرتين أو ثلاث مدة فترة النوب ، وجزم أكثر الأطباء أن هذا القشر يقوم مقام الكينا مع النجاح في الحميات المتقطعة.

(النوع الثاني الزيتون العطري) :

نبات هذا النوع شجيرات ، وأصله من الصين والجابون واستنبت بمصر ، وهذا النوع أوراقه متقابلة بيضية حادة جلدية ملساء حافاتها مسننة قليلا ، وأزهاره بيض أو وردية ذنيبية عنقودية انتهائية تفوح منها رائحة ذكية ، وزعم بعض من ذهب إلى الصين أن الصينيين يعطرون به الشاي بوضع طبقات منه بين طبقات الشاي ، وباقي الفصلية يأتي ذكره في الخاتمة.

(المسألة الثالثة) :

وفيها مباحث :

(المبحث الأول) :

فإن قيل : إنه تعالى بدأ في هذه الآية بذكر ما يكون مرعي للحيوان ، وأتبعه بذكر ما يكون غذاء للإنسان ، وفي آية أخرى عكس هذا الترتيب فبدأ بذكر مأكول الإنسان ، ثم بما يرعاه سائر الحيوانات فقال : (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) [طه : الآية ٥٤]. فما الفائدة فيه؟

(قلنا) : أما الترتيب المذكور في هذه الآية فنبه على مكارم الأخلاق ، وهو أن يكون اهتمام الإنسان بما يكون تحت يده أكمل من اهتمامه بحال نفسه ، وأما الترتيب المذكور في الآية الأخرى فالمقصود منه ما هو المذكور في قوله عليه‌السلام : «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول».

(المبحث الثاني) :

قرأ عاصم في رواية أبي بكر (ننبت) بالنون على التفخيم ، والباقون بالياء قال الواحدي : والياء أشبه بما تقدم.

(المبحث الثالث) :

(اعلم) أن الإنسان خلق محتاجا إلى الغذاء ، والغذاء إما أن يكون من الحيوانات أو من النبات ؛ والغذاء الحيواني أشرف من الغذاء النباتي ؛ لأن تولد أعضاء الإنسان عند أكل أعضاء

١٢١

الحيوان أسهل من تولدها عند أكل النبات ؛ لأن المشابهة هناك أكمل وأتم ، والغذاء الحيواني إنما يحصل من إسامة الحيوانات ، والسعي في تنميتها بواسطة الرعي ، وهذا هو الذي ذكره الله تعالى في الإسامة ، وأما الغذاء النباتي فقسمان :

حبوب وفواكه ، أما الحبوب فإليها الإشارة بلفظ الزرع ، وأما الفواكة فأشرفها الزيتون والنخيل والأعناب ، أما الزيتون فلأنه فاكهة من وجه وأدام من وجه آخر لكثرة ما فيه من الدهن والمنافع.

(المبحث الرابع في زيت الزيتون):

هذا الزيت يستخرج من الثمر النضيج بعصره الذي يفعل بطرق مختلفة فسموا بالزيت البكر ما يحصل بعصر الثمر في المعصرة عقب الجني حالا ، وهو الأحسن والمستعمل في الطب لزوما ، وطعمه عذب مقبول عطري ، ولونه مخضر ، ولكن الغالب أنه لا يعصر من الثمر إلا بعد تخميره ، فأول ما ينال منه يكون أصفر عذبا مقبولا.

والمنال أخيرا بالعصر على الحرارة أقل سعة ، وذلك هو المستعمل في معامل الصابون وزيت الزيتون الجيد الصفة يصح في الاستعمال الطبي أن يؤخذ بدل الزيوت الأخر ، وزنوخته أقل سهولة من زنوخة زيت اللوز الحلو ، ويستعمل هذا الزيت غذاء عاما ، وفيه خاصية الإرخام والتلطيف ، والمقدار الكبير منه ملين أي مسهل بلطف فيستعمل في الآفات الالتهابية التي في الرئتين والقناة المعوية ، ويكون شديد النفع في بعض أحوال من التسمم بالجواهر الحريقة ، وينجح جيدا في مضادة الديدان ، ثم في أغلب المستحضرات الطبية التي يكون قاعدة لها يفضل زيت الزيتون على زيت اللوز الحلو لكونه أقل زنوخة منه ، ولا يخشى جفافه مثله ، ويختار منه ما كان عذب الطعم مقبولا ضعيف الرائحة الواصفة له.

(المسألة الرابعة) :

وفيها مباحث :

(المبحث الأول) :

اعلم أن امتياز النخيل والأعناب من بين سائر الفواكه ظاهر معلوم ، وكما أنه تعالى لما ذكر الحيوانات التي ينتفع الناس بها على التفصيل ، ثم قال في صفة البقية : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) [النّحل : الآية ٨]. فكذلك هاهنا لما ذكر الأنواع المنتفع بها من النبات قال في

١٢٢

صفة البقية : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) [الرّعد : الآية ٣]. تنبيها على أن تفصيل القول في أجناسها وأنواعها وصفاتها ومنافعها تأتي على التوالي :

(المبحث الثاني في النخيل):

هذه الفصيلة النخلية يوجد فيها نباتات تؤخذ من ثمارها أدوية مرخية ملطفة كالتمر والنارجيل والدوم ، وهذه الأشجار جليلة مباركة يوجد فيها أكثر من مائتي نوع من الأشجار ، ولم يعرف إلى الآن معرفة جيدة إلا نحو نصفها ، وجذعها بسيط يعلو عن الأرض كثيرا ، ويكون متفلسا أو متوجة قمته بإكليل من ورق مجنح وأزهارها ثنائية النوع محوية في غلاف مسمى بالكوز ، وبعد تمزيقه يظهر الثمر معلقا بعراجين وشماريخ يتكون منها سباطات جميلة المنظر.

والأزرار الفرعية لبعض الأنواع تؤكل كالخرشف والجذع المستقيم المعتدل له استعمالات في العمارات والأبنية ، فقد يشق من الوسط ، وتسقف به البيوت ويسهل ثقب باطنه من المركز ليمر الماء منه مع كونه صلبا لا يسلط عليه السوس ، ومن الجذوع ما يحتوي على نخاع مغذ يمكن استخراجه منه ويصنع منه دقيق مغذ يسمى «ساجو» ، ومن الأنواع ما يعمل منه خبز ، ويصنع من وريقات النخيل ما فيه منافع كثيرة كالحصر والزنابيل الأزرار الانتهائية لتلك الجذوع يوجد فيها أوراق طرية لعابية غذائية تسمى «بالجمار» ، وهي لطيفة المأكل تطبخ أحيانا كالخرشف مع الأفاويه ، وتؤكل سلطات.

ومن نوع النخيل ما له عصارة نباتية كثيرة صافية سكرية تستخرج بثقب الشجرة أعلى عن سطح الأرض ببعض أقدام فتكون مشروبا حلوا لذيذا مرطبا لسكان ما بين المدارين ، ومن الأنواع ما يخرج منه من ذلك مقدار كبير ، وإذا صعد نيل معه نوع عسل لذيذ سكر إذا ترك حتى ينخمر تخمر ، فإذا ترك حتى يحمض نيل منه خل ، وأما الثمار فهي كثيرة متنوعة لا حصر لها ، فمنها المر والحمضي والسكري والزيتي بحيث إن بعضها مأكول وبعضها غير نافع للإنسان.

والحب في الجميع ، أي النوى مملوءة عادة بالجنين الذي يكون أولا لبنيا ، ثم لوزيا ، ومنه ما يستخرج منه دهن ينفع للتغذية والاستصباح ، وذلك الأجسام في بعض الأمراض وغير ذلك ، وأنفع تلك الثمار للتغذية هو التمر المسمى في الابتداء «بالبلح».

(المبحث الثالث في التمر والبلح الآتيين من النخيل):

أزهاره مزدوجة النوع ، أعني أن الأزهار المذكورة توجد على شجرة والمؤنثة على

١٢٣

أخرى ، ولا تنفع المذكرة إلا للتلقيح ، ولا تعقب ثمارا أصلا ، والشجرة الحاملة لها تكون دائما أدق قامة ، ويتم التلقيح للمؤنثة بإحدى كيفيتين ، إما بأن تؤخذ بعض شماريخ يسيرة من الأزهار المذكرة بعد شقها الكوز ، وتوضع بين شماريخ الأزهار المؤنثة التي خرجت سباطاتها من كوزها فتلقى الأزهار المذكرة المادة الدقيقة الملقحة على الأزهار المؤنثة فتتلقح منها ، إما بأن يحمل الهواء تلك المادة من الأزهار المذكرة ، ويلقيها على الأزهار المؤنثة فتلقح من ذلك كما قال تعالى : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) [الحجر : الآية ٢٢]. وتلك المادة الملقحة المسماة بالطلع فيها رائحة المني واضحة وربما كانت كرائحة الجبن العتيق الرومي.

(المبحث الرابع في الصفات النباتية للنخل):

الشجرة جميلة المنظر والقوام ، ويرتفع من جذرها الليفي المجتمعة أليافه ببعضها جزع أي ساق عمودية اسطوانية قطرها من قدم إلى قدم ونصف ، وارتفاعها من أربعين قدما إلى ستين ، بل أكثر بدون أن يتفرع منها فروع أو أغصان جانبية ، وفي ذلك الجذع وسيما جزءه العلوي خشونة كثيرة آتية من قاعدة الأوراق التي تفصل وتزال كل سنة من القمة ، وتقل تلك الخشونة كلما تزل الجذع إلى أسفل بحيث تقرب قاعدته للملاسة إذا عتق وتنتهي قمة الجذع بإكليل واسع مكون من أوراق على هيئة الكف والأصابع طولها من ثمانية أقدام إلى اثني عشر ، بل أكثر ، وهي عمودية القاعدة ريشية تسمى الجريدة.

والأزهار سواء المذكرة أو المؤنثة محمولة على شماريخ متفرعة من ساق ، ويقال لمجموع ذلك : سباطة تخرج من كوز جلدي وحيد ينشق من جانب واحد فتخرج منه تلك الشماريخ الزهرية الخارجة مع كوزها من آباط الأوراق الكأس من مزدوج مستدام لا يسقط ففي المذكرة يكون الكأس الخارج أقصر ووحيد القطعة على شكل طبسي ذي ثلاثة أسنان وثلاث زوايا ، والكأس الباطن مكون من ثلاث قطع مقعرة جلدية ينتهي كل منها بنقطة معوجة من قمتها ، والذكور ستة وأعسابها قصيرة وحشفاتها طويلة.

وأما الأزهار المؤنثة فقطع كأسها الباطن أرق وأعرض ومستدير منفرجة الزاوية والمبايض ملامسة لبعضها بجوانبها الباطنية حيث تكون مسطحة ، وأما جوانبها الخارجة فمحدبة وكل مبيض منها وحيد البذرة ، والغالب أن لا يتلقح إلا واحد من هذه الثلاثة ، وأما المبيضان الآخران فيلتفان قبل كما لهما ، وقد يوجد أثرهما في الثمرة النضيجة.

(المبحث الخامس في الصفات الطبيعية للتمر):

التمر قبل نضجه يسمى بلحا فإذا نضح فهو البسر ، ثم يكون رطبا ، ثم تمرا وهو نووي

١٢٤

بيضاوي مستطيل يختلف عظمه ، بحيث قد يبلغ بيضة الحمام ، بل يقرب لبيض الدجاجة ، وقد يكون صغيرا أو كغدة مستطيلة وهو مغطى بجلد رقيق مصفر اللون أشقر بعد نضجه وجفافه يحيط بلحم شحمي سكري متين يسيل جزء منه عند نضجه في الأقاليم الحارة فيكون السائل في قوام الشراب.

وفي وسط التمر نواة يابسة هي البذرة يحيط بها غلاف رقيق غشائي ، وفي تلك اللوزة ، مستطيل عميق ، وتحتوي على جنين صغير موضوع في الوسط ، والجانب المحاذي للشق ، ويمكن تندية هذه البذرة وجعلها غذاء لبعض الحيوانات كالخيل والمعز ، ويطرح عند استعمال الثمار ما كان جاف إذا تلفت منه مادته اللزجة الدبقة ، ويستخرج من تلك الثمار بالعصر في البلاد الحارة إذا كانت نضيجة عصارة دسمة عسلية تدخل في تحاضير الأغذية.

(المبحث السادس ما يوجد في تركيبه):

هو يحتوي على مادة لعابية وصمغ شبيه بالصمغ العربي ، وسكر قابل للتبلور ، وسكر غير قابل له ، وزلال وجوهر خاص.

(المبحث السابع في الاستعمال والمقدار):

يؤخذ عشرون درهما من التمر لأجل مائتي درهم من الماء ، وتغلى فيكون طعم المغلي تفها فيه قليل حلاوة ، ومادة لعابية فيكون مرخيا يستعمل في الآفات الالتهابية ، والسعال اليابس وابتداء النزلات والالتهابات الرئوية وتهيجات الطرق البولية فيكون التمر بأنواعه مناسبا للمعدة مرخيا ملطفا معدودا من الثمار الصدرية يسهل الهضم إذا كان جيد الصفات.

وقد يعمل منه شراب وخبيصة تسمى «بالعجوة» متنوعة بتنوع الأصناف تستعمل غذاء ، وقد يضاف لها الصمغ والسكر ، وتسمى حينئذ بالخبيصة الحقيقية للتمر ، وستأتي وقد تغلي في الأدهان الشحمية فتكون جيدة للأكل ، وقد تضم إلى أدوية مسهلة كالسقمونيا والتربد ، وقد تمزج بالأفاويه كالزنجبيل والفلفل والقرفة ونحو ذلك ؛ ولذا كثيرا ما توجد الخبيصة البسيطة في بيوت الأدوية لتضم مع الجواهر الدوائية ، ثم إن التمر لا يزال فيه جزء يسير من القاعدة الغضة التي تتسلطن فيه قبل نضجه ، وكثيرا ما يدرك الذوق تأثيرها غير أنها لا تقدر على إنتاج تأثير دوائي ، أو إحداث تغيير مهم في المنسوجات الحية لقلتها ، فيكون تأثيرها على السطح المعدي المعوي يسيرا ولا يحصل من امتصاصها تأثير واضح في المنسوجات ولا في الوظائف والمغلي القوي المتحمل لمقدار كبير من المادة اللعابية السكرية التي في التمر

١٢٥

وفي لبه قد يسبب اندفاعا ثفليا سريعا فتكون نتيجته حينئذ هي التلبين أي الإسهال اللطيف ، وتتضح تلك النتيجة فيمن أعضاؤهم الهضمية ضعيفة رقيقة المزاج.

وقد تشاهد أحيانا فيمن كان في معدتهم وأمعائهم قوة مادية اعتيادية ، ويلزم لهضمهم تلك المستحضرات ، وتكون «الكيلوس» منها أن يكون الجهاز الهضمي قوية ، وقد علمت أن التمر يستعمل غذاء مستقلا لكثير من القبائل لإفريقيا والهند ، وقد يخرج من أوراق النخل إذا كان صغير فريعات صغيرة تؤكل في بعض البلاد ومطبوخة ، وسلطات وجمار النخل لذيذ المأكل ، ويعمل منه خمر لكن إذا قطع من النخلة ماتت ويعمل من التمر أيضا خمر ، ويحضر من التمر عجينة يسمونها عجينة التمر ، وهي مقبولة يصح أن تنفع في الالتهابات الشعبية المصاحبة لتهيج شديد ، وتجهز بأخذ مائتين وخمسين درهما من التمر الخالي من النوى تطبخ في ثمانمائة درهم من الماء ، ثم يذاب في ثمانمائة درهم من السكر يروّق ببياض البيض ، ثم يضاف على ذلك من محلول الصمغ الأبيض ثلاثمائة درهم ، ويداوم على الطبخ مع استدامة العملية كما في عجينة العناب.

(في استعماله عند المتقدمين):

قالوا : إن شرب طبيخه بالحلبة يقطع حمى الورد والحمى البلغمية ، وبالأرز يصلح للمهزولين لكونه يغذي جيدا ويولد دما قويا ، وبالحليب يقوي الباه ولا يتعاطاه من لم يولد في بلاده إلا بقسطاس مستقيم ولا المحرور سيما في زمن الصيف ، وأما الرطب بضم الراء وفتح الطاء فأجوده الأصفر الكثير اللحم الرقيق القشر الصغير النوى الصادق الحلاوة قالوا : إنه حار يذيب البلغم ويقطع البرد ويسمن باللوز مع المداومة ، ولكنه يولد سددا وفضولا غليظة ويضعف الكبد ومزاج المحرورين ، وتصلحه الحوامض والسكنجبين والخيار أو القثاء.

وينبغي لمن ولد في غير بلاده التي ينبت فيها تقليل أكله ما أمكن وكذا ضعيف الدماغ ، وأما البسر أعني إذا كان أقرب إلى الاستواء فإنه ينفع في نفث الدم والبواسير ويصلح اللثة ويقويها ويحبس الإسهال خصوصا بالشراب العطر والخل ، ويضر الصدر والرئة إذا كان هناك التهاب ويولد «كيموسنا» رديا ، ويصلحه أيضا السكنجبين والرمان المز ، ويولد الرياح والقراقر ، ويصلحه ماء العسل ، وذكر بعضهم نفعه في الجذام والحميات ، واستغرب المحققون ذلك.

وأما البلح أي التمر قبل نضجه ولا سيما الأخضر المشرب بالحمرة الصغير النوى القابض لعضل اللسان بحلاوة فيقوي المعدة والكبد ويقطع الإسهال المزمن والقيء الصفراوي

١٢٦

غير أنه يولد خلطا ورياحا غليظة ، ويضر الصدر ، ويقوي السعال ، ويصلحه العسل أو الشراب السكنجبين ، وقالوا : إن ماءه مع ماء الحصرم إذا طبخ حتى يغلظ وينشف كان غاية في قطع الدمعة وجرب الأجفان.

وأما الطلع الذي هو لقاح النخل فهو الذي في الظروف المسمى بالكيزان بحيث يكون كصغار اللؤلؤ منضود متراكما فإذا انفتح خرج منه الدقيق الأبيض الدسم الذي رائحته كرائحة المني تلقح به إناث النخل ، وهو ينفع من الالتهاب والعطش والحميات والإسهال والنزيف ونفث الدم ، ويحرش المعدة خصوصا بالسكر غير أنه بطيء الهضم موجع للصدر مبرد للمعدة والكلى ، وتصلحه الحلاوات مثل السعتر والناعم منه مهيج للباه رائحته تهيج شهوة النساء.

«تنبيه» :

سموا بالنبيذ الخلي عصارة تنال بثقب الساق ، أو بقطع جزء من قمة كثيرة من أصناف النخيل ، وتجنى في أوان مدة الليل عادة ، وإن كانت جديدة كانت نخامية عذبة مقبولة الشرب مرطبة ، ولا تحفظ على تلك الحالة إلا أربعا وعشرين ، ساعة أو ستا وعشرين ، ثم تحمض وتصير خلا جليلا فهي مشروب ثمين في البلاد الحارة ولا سيما التي بين المدارين ، وإذا شرب منها مقدار كبير أسكر كسكر النبيذ وربما كانت ينبوعا لانحزام الصحة وتنال بالأكثر من النارجيل ونخل البلح وغير ذلك من الأصناف ، وإذا أخذت تلك العصارة من الشجرة جملة مرات صارت تلك الشجرة عقيمة لانتزاح عصارتها ، وسيأتي بقية منا يتعلق بها في الخاتمة إن شاء الله تعالى.

(المسألة الخامسة) :

في قوله تعالى : (وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) [النّحل : الآية ١١]. وفيه مباحث :

(المبحث الأول) :

في قوله تعالى : (وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) [النّحل : الآية ١١]. لما ذكر الأنواع المنتفع بها من النبات قال في صفة البقية : (وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) [النّحل : الآية ١١] تنبيها على أن تفصيل القول في أجناسها وأنواعها وصفاتها ومنافعها عظيم جدا ، وهي أيضا مختلفة في الطبع والطعم واللون والرائحة والصفة لقوله تعالى : (وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) [النّحل : الآية ١٣]. (وَما ذَرَأَ لَكُمْ) [النّحل : الآية ١٣]. أي وما خلق

١٢٧

لكم في الأرض من حيوان ونبات حال كونه مختلفا ألوانه أي أصنافه فإن اختلافها وغالبا يكون باختلاف اللون مسخر لله تعالى ، أو لما خلق له من الخواص والأحوال والكيفيات ، أو جعل ذلك مختلف الألوان أي الأصناف لتنتفعوا من ذلك بأي صنف شئتم.

(المبحث الثاني في الأعناب أي الكروم أي في صفاتها النباتية):

أجناس هذه قليلة العدد وأنموذجها الكرم ، وهي مكونة من نباتات شعاعية ، أي كرمية تتسلق حول الأقسام التي تجاورها بالتفاف سوقها ، وتتثبت عليها بواسطة سلوك ، وأوراقها متوالية بسيطة مجزأة مصحوبة بأذنين نحو قاعدتها والسلوك مقابلة للأوراق دائما ، وهي متفرعة وملتفة على هيئة حلزون غالبا.

والأزهار صغيرة مائلة للخضرة عنقودية مقابلة للأوراق وكأسها قصيرة جدا كاملة أو ذات أربع أسنان أو خمسة والتويج مكون من أربع وريقات إلى ست عديمة الأظافر ، وأحيانا تلتحم هذه الوريقات بجزئها العلوي بحيث نزع التويج قطعة واحدة فيكون على هيئة قلنسوة صغيرة ، وأعضاء التذكير خمسة مقابلة لوريقات التويج ، والمبيض ذو مسكنين يحتوي كل منهما على أصلين بذريين ، والخيط قصير غليظ ينتهي بفوهة ذات فصين قليلة الوضوح ، والثمر عنبي بيضاوي أو كروي يحتوي في باطنه على بزور تختلف من بزرة إلى أربع.

(المبحث الثالث في صفاته الطبيعية):

الكرم إذا ترك ونفسه في الجبال البرية كان ثمره غضا حامضا لا ينضج فإذا استنبت غلظ ثمره وصار سكريا لذيذ المأكل وأصنافه كثيرة وخشبه مسامي إسفنجي خفيف يتشقق إذا جف ، وهو مغطى بقشرة ذات عروق ويسهل فصلها منه ، وأغصانه تقطع كل سنة وتنفع للحرق فتخرج منها شعلة ، وإذا قطعت أغصانه في زمن متأخر عن الزمن الاعتيادي للقطع خرج من محل القطع عصارة كثيرة تسمى دموع الكرم ، كان لها خواص مشهورة وهي صافية عديمة الرائحة والطعم ، وتتغير بسهولة وتعفن ومدحوها مدرة للبول ، وكانوا يأمرون بها في أمراض الجلد كالقوباء ونحوها ، ونسبوا إليها شفاء السكر.

والآن قل استعمالها ، وأوراق الكرم متمزقة أصبعية ذنيبية كبيرة قطنية ولا سيما في الوجه الأسفل ، وتدخل في أغذية الناس والحيوانات ، وكانوا يستعملون عصارتها كالقوابض في الإسهال والدوسنطاريا وأنزقة الرحم.

١٢٨

(المبحث الرابع في العنب):

أزهار الكرم عناقيد مخضرة اللون صغيرة ، والكأس صغير خماسي الأسنان ، والتويج أيضا خماسي الأهداب ، والذكور خمسة ، والمبيض يتحول إلى عنبة مستديرة عصارته مختلفة اللون ، وفيها من برزة إلى أربع بل خمس ، وثمر الكرم المسمى بالعنب ، وهو لعطريته وطعمه اللذيذ ولونه ولطافته أقبل الثمار وأنفعها في جميع البلاد ، وذلك الثمر قبل نضجه يسمى بالعربية حصرما ، ويكون شديد الحمضية يستعمل لتحميض الأمراق والأطعمة ولتحضير شراب مرطب وغير ذلك ، وعصارته المستخرجة منه تحفظ بالمطامير في زجاجات جيدة السد وتغطى بالزيت بعد أن تنقى وترشح ، وهي قابضة منبهة تعطى في فقد الحس والحركة ، وتستعمل غراغره في الخوانيق وتعد من أدوية.

وكان القدماء يصنعون منها شرابا مع العسل يستعملونه في أوجاع الحلق ، ولكنه لا ينفع الأشخاص اللطيفة صدورهم أو المتهيجة معدتهم ، وعناقيد العنب قد تكون كبيرة بحيث يكون منها ما يبلغ ثلاثمائة درهم إلى أربعمائة وذلك بالشام ونحوه ، ولأجل حفظ ذلك الثمر زمنا طويلا يجنى في زمن حار يابس قبل تمام نضجه بيسير ، ثم يوضع على التبن في مخزن مغلق أو يعلق في حبال بعد تقطيعه إلى عناقيد متوسطة العظم لكن غير ملتزّة لبعضها مع الانتباه لتجديد الهواء في الأزمنة اللطيفة ، وبذلك يحفظ جملة أشهر في المطامير ، والعنب علم أنه يحتوي على ماء سكر ولعاب وهلام وزلال ومادة دبقة وأملاح طرطيرية.

(المبحث الخامس في استعمالاته):

العنب الجيد الصفات ثمر مرطب جيد للصدر معدل لاحتراق المعدة والأمعاء ، وتغذيته قليلة ، والإكثار منه يلين أي يسهل بلطف ، وأحيانا يحصل منه إمساك مستعص وذلك نادر بلطف ، وأحيانا يحصل منه إمساك مستعص وذلك نادر.

والعنب الأسود أحلى أي أعظم سكرية من الأبيض ، وأوصوا باستعمال العنب غذاء في الأمراض العصبية والالتهابات والحميات المحرقة والآفات المزمنة وأمراض الجلد والطرق البولية والحصر ونحو ذلك ، ولا سيما في البلاد الحارة بسبب صفاته الملطفة المعدلة له ، ويناسب أيضا أصحاب الأمزجة الحارة والصفراوية واليابسة والمعرضة للالتهابات الأنزفة ، بل شواهد أن الإكثار منه يبرئ من احتقانات الأحشاء البطنية والاستسقاآت ، والإفراط منه يسبب الإسهال والقولنجات والدوسنطاريات ، بل شوهد إحداثه نوع تيتنوس.

١٢٩

(المبحث السادس في الزبيب):

يجفف العنب بواسطة الحرارة ليحفظ زمنا طويلا فيصير زبيبا ، ولأجل ذلك ينتظر تمام نضجه فيعرض لشمس قوية أو في محل دفيء على شبكات من الصفصاف ، وفي بعض البلاد يغمس أولا في الماء المغلي قبل أن يجفف ، ثم إذا جفف يعرض للمتجر ، ومن المعلوم أن العيب إذا جف كان جزؤه اللعابي السكري واضحا جدا ففي مدة التجفيف تحصيل حركة باطنية بين مواده قد يزيد مقدار السكر ينقص مقدار القواعد الحمضية ، ويركب من الزبيب مطبوخات طبيعتها لعابية فتحتوي على خاصية الإرخاء ، ويعمل مطبوخه من ثمانية دراهم إلى ستة عشر لأجل مائتي درهم من الماء ، وتستعمل تلك المشروبات محلاة بالسكر بالمناسب لتلطيف السعال وتسهيل إخراج النخامات في التهابات الطريق الهوائية ، ويوصي باستعمالها في الالتهاب البلوراوي وتقطير البول ، ومع ذلك يلزم أن يعتبر هذا المشروب مرخيا خفيفا مع أنه يبعد احتواؤه على قوة مرخية أو مطلقة مماثلة لقوة مغلي الخطمية أو الخبازي أو بزر الكتان أو نحو ذلك ، ونقول : إنه يحتوي دائما على قواعد حمضية ؛ ولذا كان في طعمه حموضة ولكنها قليلة فلذلك يعطي في الاستواء الصدري والنزلة واحتراق الصدر أو المعدة أو الأمعاء أو نحو ذلك ، ويدخل الزبيب في الشربات والمغليات الصدرية والملطفة ويضم للصمغ والأزهار المضادة للسعال والسكر والعسل ؛ ولذا أحد الثمار الأربعة الصدرية التي هي الزبيب والتين والبلح والعناب.

(المبحث السابع في ذكر أشياء موجودة في العنب):

فأولا : سكر العنب وذلك أن طعم العنب يفيد وجود السكر فيه لكن لم تتيسر إنالته إلا محببا لا مبلورا.

(وثانيا) : دهن البزور فبزور العنب الموجودة في وسط عصارة حبوبه استخرج منها دهن بحيث إن كل قنطار منها يحتوي من ذلك الدهن على مقدار من اثني عشر رطلا إلى عشرين ، وهذا الدهن جيد للاستصباح.

(وثالثا) : الغلالة الخارجة للعنب أي الجلد الملون في العنب الأسود هي ينبوع العصارة الحمراء أو الشهلاء ، وتكون مخضرة في العنب الأبيض ، ومن الناس من يطرحها عند أكل العنب ، وذلك جيد وإن لم تكن مؤذية ؛ لأنها تنفتح في المعدة والأمعاء بحيث لا تنهضم كالبذور أيضا.

(ورابعا) : حوامل الحبوب التي ترمى في بعض البلاد لظنهم أنها تضر في تخمر العصارة ، وهنا نذكر المتخمرات أي الأنبذة مضارها ومنافعها في المسألة الآتية.

١٣٠

(المقالة الثانية وفيها مسائل)

(المسألة الأولى) : في قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) [البقرة : الآية ٢١٩].

(اعلم) أن قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) [البقرة : الآية ٢١٩]. ليس فيه بيان أنهم عن أي شيء سألوا فإنه يحتمل أنهم سألوا عن حقيقته وماهيته ، ويحتمل أنهم سألوا عن حال الانتفاع به ، ويحتمل أنهم سألوا عن حل شربه وحرمته إلا أنه تعالى لما أجاب بذكر الحرمة دل تخصيص الجواب على أن ذلك السؤال كان واقعا عن الحل والحرمة ، وفي الآية بحث قالوا أربع آيات نزلت بمكة قوله تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ) [النّحل : الآية ٦٧]. (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً.)

وكان المسلمون يشربونها وهي حلال لهم ثم إن عمر ومعاذا ونفرا من الصحابة قالوا : يا رسول الله أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال فنزل فيها قوله تعالى : فشربها قوم وتركها آخرون ثم دعا عبد الرحمن بن عوف ناسا منهم فشربوا وسكروا فقام بعضهم يصلي فقرأ (قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون). فنزل قوله تعالى : فقل من شربها ثم اجتمع قوم من الأنصار وفيهم سعد بن أبي وقاص فلما سكروا وافتخروا وتناشدوا الأشعار حتى أنشد سعد شعرا فيه هجاء للأنصار فضربه أنصاري بلحي بعبر فشجه شجة موضحة فشكا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزل (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) [المائدة : الآية ٩٠]. إلى قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة : الآية ٩١]. فقال عمر : انتهينا يا رب قال القفال ـ رحمه‌الله ـ الحكمة في وقوع التحريم على هذا الترتيب أن الله تعالى علم أن القوم ، قد كانوا ألفوا شرب الخمر.

وكان انتفاعهم بذلك كثيرا فعلم لو أنه منعهم دفعة واحدة لشق ذلك عليهم فلا جرم أنه استعمل في التحريم هذا التدريج ، وهذا الرفق ، ومن الناس من قال بأن الله حرم الخمر ، الميسر بهذه الآية ثم نزل قوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النّساء : الآية ٤٣] فاقتضى ذلك تحريم شرب الخمر وقت الصلاة ؛ لأن شارب الخمر لا يمكنه أن يصلي مع السكر ، فكان المنع من ذلك منعا من الشرب ضمنا ، ثم نزلت آية المائدة فكانت في غاية القوة في التحريم ، وعن الربيع بن أنس أن هذه الآية نزلت بعد تحريم الخمر.

١٣١

(المسألة الثانية) :

اعلم أنه عندنا أن هذه الآية دالة على التحريم للخمر فنفتقر إلى بيان أن الخمر ما هو ، ثم إلى بيان هذه الآية دالة على تحريم شرب الخمر ، وعلى مضاره ومنافعه.

(المقام الأول) :

في بيان أن الخمر ما هو؟ فقال الإمام الشافعي رضي الله عنه : كل شراب مسكر فهو خمر ، وهي من جميع الثمار والحبوب القابلة للتخمر ، وقال عمر ـ رضي الله عنه ـ : ألحق بها كل ما خامر العقل من شراب ، ولا شك أن عمر كان عالما باللغة ، ورايته أن الخمر اسم لكل ما خامر العقل فغيره ، وروى أبو داود أيضا عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل مسكر خمر وكل مسكر حرام».

قال الخطابي : قوله عليه‌السلام : «كل مسكر خمر». دل على وجهين :

(أحدهما) : أن الخمر اسم لكل ما وجد منه السكر من الأشربة كلها ، والمقصود منه أن الآية لما دلت على تحريم الخمر ، وكان المسمى الخمر مجهولا للقوم حسن من الشارع أن يقول : مراد الله تعالى من هذه اللفظة هذا إما على سبيل أن هذا هو مسماه في اللغة العربية أو على سبيل أن يضع اسما شرعيا على سبيل الإحداث كما في الصلاة والصوم وغيرهما.

(والوجه الآخر) : أن يكون معناه أنه كالخمر في الحرمة ، وذلك لأن قوله : هذا خمر حقيقة هذا اللفظ تفيد كونه في نفسه خمرا فإن قام دليل على أن ذلك ممتنع وجب حمله مجازا على المشابهة في الحكم الذي هو خاصية ذلك الشيء.

(المقام الثاني) :

في بيان أن هذه الآية دالة على تحريم الخمر وبيانه من وجوه :

(الأول) : أن الآية دالة على أن الخمر مشتملة على الإثم ، والإثم حرام لقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ) [الأعراف : الآية ٣٣]. فكان مجموع هاتين الآيتين دليلا على تحريم الخمر.

(الثاني) : أن الإثم قد يراد به العقاب ، وقد يراد به ما يستحق به العقاب من الذنوب وأيهما كان فلا يصح أن يوصف به إلا المحرم.

(الثالث) : أنه تعالى قال : (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) [البقرة : الآية ٢١٩]. صرح

١٣٢

برجحان الإثم والعقاب ، وذلك يوجب التحريم ، فإن قيل : إن الآية لا تدل على أن شرب الخمر إثم ، بل تدل على أن فيه إثما ، فهب أن ذلك الإثم حرام فلم قلتم إن شرب الخمر لما حصل فيه ذلك الإثم وجب أن يكون حراما؟ قلنا : لأن السؤال كان واقعا عن مطلق الخمر فلما بين تعالى أن فيه إثما كان المراد أن ذلك الإثم لازم له على جميع التقديرات فكان شرب الخمر مستلزما لهذه الملازمة المحرمة ، ومستلزم المحرم محرم فوجب أن يكون الشرب محرما ، ومنهم من قال : إن هذه الآية لا تدل على حرمة الخمر واحتج عليه بوجوه :

(أحدهما) : أنه تعالى أثبت فيها منافع للناس والمحرم لا يكون فيه منفعة.

(والثاني) : لو دلت هذه الآية على حرمتها فلم لم يقنعوا بها حتى نزلت آية المائدة ، وآية تحريكها في الصلاة.

(والثالث) : أنه تعالى أخبر أن فيهما إثما كبيرا فمقتضاه أن ذلك الإثم الكبير يكون حاصلا ما داما موجودين ، فلو كان ذلك الإثم الكبير سببا لحرمتها لوجب القول بثبوت حرمتها في سائر الشرائع ، والجواب عن الأول أن حصول النفع العاجل فيه في الدنيا لاستخراج الأشياء بواسطتها لا يمنع كونه محرما ، ومتى كان كذلك لم يكن حصول النفع فيهما مانعا من حرمتها ؛ لأن صدق الخاص يوجب صدق العام ، والجواب عن الثاني أنا روينا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنها نزلت في تحريم الخمر ، والتوقف الذي ذكرته غير مروي عنهم ، وقد يجوز أن يطلب الكبار من الصحابة الكرام نزول ما هو آكد من هذه الآية في التحريم كما التمس إبراهيم ـ صلوات الله عليه ـ مشاهدة إحياء الموتى ليزداد سكونا وطمأنينة ، والجواب عن الثالث أن قوله : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) [البقرة : الآية ٢١٩]. إخبار عن الحال لا عن الماضي ، وعندنا أن الله تعالى علم أن شرب الخمر مفسدة لهم في عقولهم وأبدانهم فهذا تمام الكلام في هذا الباب.

(المقام الثالث) :

الإثم الكبير فيه بحثان :

(البحث الأول) :

وفيه أمور :

(إحداها) : أن عقل الإنسان أشرف صفاته ، والخمر عدو العقل ، وكل ما كان عدوا

١٣٣

لأشرف فهو أخس فيلزم أن يكون شرب الخمر أخس الأمور ، وتقريره أن العقل إنما سمي عقلا ؛ لأنه يجري ، عقال الناقة فإن الإنسان إذا دعاه طبعه إلى فعل قبيح كان عقله مانعا له من الأقدام عليه ، فإذا شرب الخمر بقي الطبع الداعي إلى فعل القبائح خاليا عن العقل المانع منها ، والتقريب بعد ذلك معلوم ، ذكر ابن أبي الدنيا أنه مر على سكران ، وهو يبول في يده ويمسح به وجهه كهيئة المتوضئ ، ويقول الحمد لله الذي جعل الإسلام نورا والماء طهورا.

وعن العباس بن مرداس أنه قيل له في الجاهلية : لم لا تشرب الخمر فإنما تزيد في جراءتك؟ فقال : ما أنا بآخذ جهلي بيدي فأدخله جوفي ، ولا أرضى أن أصبح سيد قوم وأمسى سفيههم.

(وثانيها) : ما ذكره الله تعالى من إيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة.

(وثالثها) : أن هذه المعصية من خواصها أن الإنسان كلما كان اشتغاله بها أكثر ومواظبته عليها أتم كان الميل إليها أكثر ، وقوة النفس عليها أقوى بخلاف سائر المعاصي مثل الزاني إذا فعل مرة واحدة فترت رغبته في ذلك العمل ، وكلما كان فعله لذلك العمل أكثر كان فتوره أكثر ونفرته أتم بخلاف الشرب ، فإنه كلما كان إقدامه عليه أكثر كان نشاطه أكثر ورغبته فيه أتم ، فإذا واظب الإنسان عليه صار غريقا في اللذات البدنية معرضا إلى هلاك نفسه ومعرضا عن تذكر الآخرة والمعاد حتى يصير من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، وبالجملة فالخمر يزيل العقل ، وإذا زال العقل حصلت القبائح بأسرها ، ولذلك قال عليه الصلاة والسّلام : «الخمر من الخبائث».

(البحث الثاني في توضيح النتائج):

إن النبيذ ينبه أولا المعدة فيحس أولا بعد ازدراده حالا ، فإذا استعمل منه مثلا من اثنين وثلاثين درهما إلى أربعة وستين ظهر تأثيره في جميع الجسم ، وذلك بأن يتحول التأثير المنبه الذي استشعرت به أعصاب المعدة وقت الازدراد إلى المراكز العصبية فتصير أكثر حيوية وتحمل تأثيراتها لمنسوجات الجسم مقدارا كبيرا من قواعد الحياة ، فينتج من ذلك إحساس فجائي بقوة في الجسم ، فهذه هي النتيجة الأولى العامة للنبيذ ، فإذا امتصت أجزاؤه ونشرها الدم في جميع الجسم أثرت على جميع الأعضاء ، فتشتد حركات القلب والقنوات الوعائية ، فيقوى النبض ويسرع ، ويزيد احمرار الوجه وحيويته ، وتقوى الدورة الشعرية ، ويكثر التنفس الجلدي ، وتشتد الحرارة الحيوانية ، ويتضح تأثير النبيذ في الجهاز المخي الشوكي.

١٣٤

(فأولا) : تشتد قوة الاختراع وتقوى الحافظة.

(وثانيا) : يحصل في الأحشاء وعضلات الأطراف اشتداد عظيم فيضطر الشخص للرياضة ، ويصبر على التعب بدون قلق فينتعش على من يداعبه ويكون هو أكثر الناس لعبا وأجهرهم صوتا وألذهم طربا.

(وثالثا) : طلاقة الوجه وحيوية الأعين ، فإذا استعمل منه مقدار كبير مثل مائة درهم أو مائتين أو أكثر كانت الظاهرات أقوى وأشد ، وتضرب الشاريين كحالة ، الحمى وتسرع جميع وظائف الحياة فتشتد قوى النفس اشتدادا غريبا ، ولا يظهر في هذا الزمن الأول إلا الفرح والسرور والضحك ، فيكون العقل أوسع ، الذهن أحد ، ولكن حالا يتوجه الدم بقوة نحو الرأس فيملأ الأوعية المخية ويمددها ويقف فيها ، فينتج من ذلك احتقان دموي يرم منه ، منسوج المخ فتتكدر أفعال ، بل تنقطع بالكلية فيعرض هذيان ودوار وانزعاج وعدم استمساك في الوقوف وعدم تحرك في المجموع العضلي ، ونعاس وفقد للحس والحركة ، وهذه هي الدرجة الأخيرة لتلك الحالة المرضية المسماة بالسكر غير أن القدر اللازم لإنتاج تلك الظاهرات لا يمكن تحديده الكمية بالضبط ، بل تختلف باختلاف السن والعادة القدرة والتركيب.

فقد تحصل تلك الظاهرات القوية من مقدار يسير منه ولا سيما إذ كان المخ مجلسا لالتهاب مخي جزئي ، أو انصباب دموي في اللب المخي ، أو تيبس موضعي أو نحو ذلك مع أن المدمنين على استعمال مقدار كبير منه يحصل لهم ما عدا هذه الانخرامات المخية ضعف في وظيفة التغذية لتعب سير التأثير العصبي وإفراط تنبيه المخ مدة الاحتقانات الدموية فيصيرون نحفاء مهزولين ، أو كأن في سمنهم انتفاخ عام فيحصل في دمهم وأعضائهم الرديئة التركيب فساد تدريجي ، ويكونون عديمي التلون مهيئين لأمراض كثيرة مثل السكتة والفالج وأمراض القلب والكبد ونحو ذلك.

(في الجزء الفعال الموجود في الأنبذة):

وهو ناتج من التخمر النبيذي ويوجد مكونا بصفات مختلفة في السوائل التي كابدت هذا التخمر ، ويستحضر بتقطير الأنبذة ، ويسمى بالعرقي أو بالكؤول.

(في بيان تأثيره):

الكؤول الخالي من الماء إذا وضع على الجلد أحدث في الأوعية الشعرية تنبها شديدا به

١٣٥

يصير الجلد أحمر فإذا ترك في الفم زمنا ما استشعر فيه بأكلان يتغير سريعا إلى حس احتراق ، ويظهر أن هذا الفعل الأول ناشئ من كونه أخذ الماء الخاص بالمنسوجات الحية أخذا قويا ، وقد يشتد هذا الفعل بحيث يطفئ حياة هذه الأجزاء ، ثم بعد هذا الفعل الأول يزيد الإفراز المخاطي زيادة عظيمة فإذا دخل الكؤول النقي في المعدة بمقدار عشرة دراهم إلى خمسة عشر صارت حالا مجلسا لالتهاب شديد فيحس فيها باحتراق ، ويمتد تنبيهها الشديد سريعا إلى أعضاء أخر ، وسيما إلى المخ ، فإذا كان مقدار الكؤول المزورد أكبر مما ذكرنا كان التهاب أشد وأدوم والتنبه المخي أثقل وأخطر ، ويحصل هذيان وسبات بسكتة ، بل ربما كان الموت عاقبة إفراط استعمال الكؤول النقي ولا سيما للأشخاص الذين لهم اعتياد على هذا الاستعمال ، والكؤول الممدود بالماء الملطف تلطيفا مناسبا المسمى بالعرقي إذا استعمل بمقدار كبير يسبب جملة من الظاهرات عظيمة الاعتبار ، وهي المعروفة بالسكر ، وقد شرحناه في مبحث النبيذ ، فإذا حدث الموت حالا من استعمال مقدار كبير منه وجد في الجثة الدموية علامة الاختناق واضحة ، وجميع الأعضاء الباطنة محقونة بالدم الأسود ، فإذا أدمن على المشروبات الروحية زمنا طويلا شوهد تعاقب آفات الإسكار المسماة بالهذيان الاضطرابي أو الرعشة الروحية أي فيتضح في الشخص ظاهرتان الهذيان واضطراب الأطراف ، والعلامات الدالة على تلك الحالة المرضية هي تلون وانتفاخ الوجه ، وجحوظ في العينين مع خفض الأجفان ، والسحنة البهيمية ، والاختلاط الغريب ولا سيما في البصر والسمع ، ثم نعاس شاق وانزعاج واحتياج لتغيير المحل وانقباضات تشنجية في عضلات الوجه اهتزاز واضح في الأطراف ، وسقوط بحيث لا يقدر الشخص على الوقوف ووثبات حركات تشنجية أي فجائية في أجزاء خارجة عن إدارة المخ محرضة من التأثير المرضي العصبي وتغير في الفم ، وفقد للشهية وقيء وقوة في النبض ، ولا يوجد ألم في الرأس ولا على طول الظهر ، وإنما يحس بحرارة باطنية إذا وضعت اليد على الجبهة ولا تكون تلك النتائج واحدة في جميع الأشخاص ، فقد يتسلط السائل بالأكثر على الرأس فيحصل تلون في الوجه واحتراق في الجبهة وانبساط غريب ، وشدة في القوى العقلية قريب من الجنون ، وفي بعض آخر يكون التأثير على الدورة أكثر فتقوى أعراضها ، وفي بعضهم يحصل عرق غزير ، وهكذا ، وربما علم من ذلك أن مخ الأول جيد التغذية كبير الحجم متسلطن على غيره في تركيب البنية وسيصاب بسكتة ، وإن قلب الثاني فيه ضخامة ومجموعه الشرياني زائدا النمو وسيصاب بالأنزفة والموت الفجائي ، وأن جلد الثاني متين ثخين قوي الحيوية سيصاب بالفعل ورد الفعل فتظهر الاحتقانات الكبدية والدوسنطاريات هكذا.

١٣٦

(المقام الرابع في منافعه وفيه مباحث)

(المبحث الأول في منافعه في الصباغات وفيه أمور) :

الأول : اعلم أن الفوة تحتوي على مادة صفراء تذوب في الماء البارد ، وعلى مادة ملونة حمراء تذوب في الجوهر الفعال النبيذ المسمى بالكؤول ، فإذا أريد فصل المادة الملونة من الفوة تذوب الفوه في الكؤول ، ثم ترسب المادة بوضع الماء على المحلول ، وهذه المادة تتبلور بلورات منشورية.

(الثاني) : خباء الفول المسمى بساق الحمام ، ومادته تخدم في الصباغات وصناعة الأطلية والدهان أكثر من الدودة ، ويجهز بأخذ قشور النبات المذكور معالجته بالإيتيركبريتيك وتحضير الإيتيركبريتيك بخلط جزء من الكؤول وجزء من حمض الكبريت ، ويدخل في الآلة المستعدة لتقطيره.

(الثالث) : المادة الملونة في خشب الصندل وكيفية تحضيرها إذا غلى خشب الصندل المسحوق في الكؤول تحصلت المادة الصابغة منه.

(الرابع) : يستخرج من البقم مادة ملونة ، وتلك المادة لا تستخرج إلا بالكؤول ، ويستخرج أيضا من البقم الكنبشي بالكؤول مادة ملونة تشبه لون الدم ، ويحضر أيضا بالكؤول جميع المواد الصابغة الموجودة في جميع النباتات فيكون هو الواسطة الثمينة لذلك.

(المبحث الثاني) :

في منافعه في استخراج الأملاح وفيه أمور :

(الأول) : في كيفية تحضير ملح الكينا ، وذلك أن يؤخذ أربعة أرطال من خشب الكينا ، وأربعة أواق من حمض ملح الطعام ، وثلاثون رطلا من الماء ، ويغلي الجميع مقدار ساعة أو أكثر ، ثم يترك ليبرد ، ثم يرشح ويصب على السائل مقدار وافر من ماء الكأس ، فترسب مادة الكينا ، ثم تغسل بالماء ثم تجفف في تنور ثم تجرش ، وتضع في الكؤول ، وتضع على حرارة لطيفة ليتم التعطين ، وتسخن بلطف ويصفى عنها الكؤول ويوضع غيره ، وتسخن ثانيا وهكذا مرارا ، ثم تجمع أفراد الكؤول ويقطر على حمام مارية إلى أن يبقى الربع ، ثم يصفى ويوضع عليه حمض الكبريتيك فيتملك الملح ، ثم يسخن على النار حتى لا يبقى إلا الربع فيرسب كبريتات الكنين بالبرودة ، ثم يوضع على السائل الماء المحمض

١٣٧

بالكبريت فيرسب منه كبريتات أخر ، ثم يوضع في الماء مع بعض من الفحم ويغلي على النار برها ، ويرشح وهو يغلي فبالبرودة يرسب منه الكنين.

(الثاني) : تقتصر هنا على ذكر جواهر أخر كثيرة تتحصل من نباتات مختلفة بطرق مماثلة للطرق التي ذكرناها في الكينا.

(منها) : الأكوتين : وهو الأصل الفعال الذي في الأكوتين الذي هو حاذق الذئب.

(ومنها) : الهليونين : وهو الأصل الفعال الموجود في الهليون.

(ومنها) : البقسين : وهو الأصل الفعال الموجود في خشب البقس.

(ومنها) : البنين : وهو جوهر يتبلور بلورات حريرية المنظر ، ويستخرج بواسطة تحليل البن في الكؤول قبل تحميضه وهذه كيفية استحضار أغلب الأملاح بالكؤول دوائية كانت أو صناعية داخلة في الصناعات.

(المبحث الثالث في الاستعمال العلاجي للنبيذ وفي رتبتي الأمراض):

قبل أن نتكلم عن الاستعمال العلاجي للنبيذ نذكر لك رتبتي الأمراض لتكون على بصيرة من هذه المنافع ، فقد شوهد أن من الأعضاء ما صار تأثيره من فعل المنبهات ، وقبوله لمقدار من السائلات أقل من تأثيره من ذلك وقبوله له في الحالة الطبيعية ، فلذلك جزمنا بأن هناك تناقضا في الفعل العضوي ، وهذه الحالة تسمى أستينيا بقطع الهمزة أي عدم القوة.

وشوهد أيضا أن هذه الأنسجة زادت فيها قابلية التهيج أو توارد مقدار من السائلات زيادة عما كان في الحالة الطبيعية أو هما معا في زمن واحد ؛ ولذلك جزمنا بأن الفعل العضوي للأنسجة قد يحصل فيه تزايد ، ويسمى ذلك بالتهيج أو استينيا بوصل الهمزة ، أي القوة فهاتان اللفظتان ، أعني أستيتيا بقطع الهمزة واستينيا بوصلها تدلان على أمرين عمومين واضحين ، أسست عليهما ما قسمت الأمراض الباطنية إلى رتبيتن هما غاية الأمراض الباطنية.

فإذا علمت هذا فاعلم أن مداواة أمراض القوة مضادات الالتهاب بعكس أمراض الضعف ، فإن مداواة هذه الرتبة بأدوية مرة مقوية ، وعدد أمراضها قليلة بخلاف أمراض القوة ، فإن عدد أمراضها كثيرة ، ومع قلة عدد أمراض الرتبة الضعفية جعل تعالى لها أدوية مقوية كثيرة مثل الكينا وأنواعها وأملاحها ، والويالريانا وأملاحها ، والخشب المر المسمى بالكاسيا والسيمار وري والانجستور الصادق ، والجنطيانا وأملاحها ، والقنطريون ، والأطريفل المار ، والأراقطيون ، والبازاورد ، أي الشوكة المباركة وشجرة مريم ،

١٣٨

والهندبا ، وحشيشة الدينار وغير ذلك من النباتات الكثيرة في هذه الرتبة ، وجعل تعالى جواهر أخر من المملكة الحيوانية مثل الأوزمازوم وخلاصة مرارة البقر وغير ذلك ، ومن الجواتهر المعدنية مثل أملاح الحديد بأنواعها ، وبودورات الحديد بأنواعها وغير ذلك.

والنبيذ أيضا من جملة هذه الأدوية المقوية وجوهره الفعال أيضا من جملة المنبهات ، وجعل تعالى من الأدوية المنبهة خل النوشادر ، ورح النوشادر ، وكبريتات العطري ، النوشادر ، ومن النباتات القرفة ، والسليحة والدارصيني ، والغار ، وقشر العنبر ، والخرنوب العطري ، وجوزبوا ، والبسباسة ، والقرنفل ، والفلفلية والفلفل الأحمر ، وفلفل ، وفلفلين ، ودار فلفل ، والكبابة الصينية ، والنانبول ، والزنجيل ، والرزنبات ، وقافلة وفلاقل السودان ، والخولنجان القسط وغير ذلك من الأدوية المنبهة الكثيرة.

(في بيان الاستعمال العلاجي للنبيذ)

(اعلم) أن أطباء كل عصر يذكرون قوة النبيذ في العلاج إذا لزم ازدياد فاعلية الأعضاء ازديادا نافعا فقوته الدوائية هي شدة تأثيره على الأجزاء الحية المريضة ، وضعف هذا التأثير يضعف القوة الدوائية ، فإذا لا يكون النبيذ دواء لمن اعتاد شربيه كل يوم ؛ أما من لا يتعاطاه فيكون له دواء ، وكثيرا ما يكفي وحده في الضمور واللين النخاعي للمنسوجات العضوية ، وخمود الأعضاء الحاصل من نقص التأثير العصبي ، وكذا في الاوزيما والاستسقاء الغير الالتهابين ، ولا يناسب في ضخامة المنسوجات وتيبسها والتهيجات.

وبعض الالتهابات والتقرحات والخراجات والاستحالات السرطانية والدرنات ، ويعطي أيضا في الضعف الطبيعي أو المكتسب بعد النزف مطلقا ، ولا سيما الأنزفة القوية والسيلانات البيض ، ويستعمل أيضا لرداءة الأخلاط والاستحالات والتحليلات للأخلاط كما في الحفر أي الإسكربوط ، فالقوة التي يعطيها للألياف والأوعية المبخرة والماصة تكفي أحيانا لإرجاع وظيفتي التبخير والامتصاص اللذين انخرامهما أحدث هذه الآفات ، ويمنع من استعماله إذا كانت هذه الآفات مصحوبة ببعض منبهات في بعض الأعضاء ، ويمنع من استعماله أيضا في الحميات المجتمع فيها جملة آفات فإنه يزيد في أعراضها ، ويخاف حينئذ من تأثيره في الأجهزة العضوية.

وهناك أحوال يستعمل فيها النبيذ وذلك إذا كان المريض في حالة ضعف عام وانتفاخ في الأطراف ، وانتفاخ لون وفقد شهية للأطعمة والمشروبات ، وبرودة جسم فاستعمال ملاعق منه ممدودا بالماء ينتج نتيجة حميدة.

١٣٩

وكان النبيذ يعطى إذا طالت الحمى ، وسببت انحطاطا في الجسم أو كانت السكنى في بلاد آجامية اكتفى بإعطاء النبيذ بمقادير يسيرة كل يوم لإيقاظ القوى العضوية في المنسوجات ، ويستعمل النبيذ استعمالا جراحيا فمدحوا الأحمر المتحصل لكثير من القواعد الطرطيرية الملحية بأنه قابض يستعمل زرقا بطبيعته في مجرى البول لعلاجات السائل المخاطي ، ويزرق أيضا في الجروح الناسورية والقنوات المسترخية والغشاء الغمدي لشفاء القيلة المائية ، وتغسل الجروح الضعيفة بالنبيذ الحار القوي لتقوى بذلك ، وتنظف وتوضع رفائد مبتلة منه على الرضوض والأكدام والارتشاشات الخلوية كمحلل.

(المبحث الرابع في الأنبذة الدوائية):

هي مستحضرات دوائية يكون حاملها ، وهو النبيذ ، ويختار له الأنبذة الأكثر كؤلية ثم إن الأنبذة الدوائية عموما قابلة للتغير بسبب القواعد الكيماوية المحلولة فيها ، ولا سيما المادة الخلاصية والمخاطية فيلزم حسب الإمكان أن لا يدخل في تركيبها ، تكون تلك القواعد كثيرة فيها ، ولا يختار للنفع فيها إلا الجواهر الجافة ؛ لأنها أكثر خلوّا من المواد البلغمية وتحفظ تلك الأنبذة في محال رطبة ، وفي آوان جيدة السد ومع هذه الاحتراسات هي أدوية قابلة للفساد مع الزمن أعني بعد بعض أشهر فيحلل تركيبها بحيث إنها بعد استعمال ثلاث كميات أو أربع منها توجد بصفه غير التي كانت عليها ، فيلزم تحديد المقدار المحضر عند طلب الاستعمال ؛ ولذلك هجر الآن معظمها بعد أن كانت كثيرة الاستعمال ، وجميع الأشربة الموجودة الآن في المتجر من هذا القبيل ، وتحضر بالتخمير كقشور الكينا في النبيذ الحلو أي عصير العنب ، وكثيرا ما تحضر بالنقع البارد ، بالنقع الحار وقتيا قبل تخمره ، وهذه الأخيرة هي الأحسن والأبسط.

وهناك طريقة ، وهي أن يضاف إلى النبيذ الصبغات الكؤلية المنسوبة للجواهر التي نفعت فيها ، وهي طريقة من أنفع ما يكون للحفظ من الفساد ، ولكن يحصل منها دواء كؤلي وصبغة ضعيفة واستعمالها لها ضعيف ، وكؤلها هو المؤثر بالأكثر في النبيذ.

(المسألة الثالثة في بيان الخمر هل هو من العنب والتمر فقط أو من غيرها):

روى أبو داود في سننه عن الشعبي عن ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قال : نزل تحريم الخمر يوم نزل ، وهي من خمسة من العنب والتمر والحنطة والشعير والذرة والخمر ما خامر العقل ووجه الاستدلال به من ثلاثة أوجه :

١٤٠