كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي

كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5282-4

الصفحات: ٤٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

هذا النبات أو منقوعه فإنه يؤثر في الرئتين تأثيرا منبها نافعا ، فإذا كان النفث ، أي إخراج النخامة من الرئتين متعبا بسبب الضعف المادي في تلك الأعضاء أو زوال القوة الحاصل من نقص التأثير العصبي المخي لها ، فإن تلك المستحضرات تعين على حصول هذا النفث ، وتشاهد تلك النتيجة حالا بعد استعمال ملعقة من الشراب أو كوب من المنقوع ، وليس هناك سبب يحال عليه ذلك غير تأثير القوة المنبهة لهذا النبات في الجهاز التنفسي ، وينقطع نفعه ، أي لا يصير قالعا ولا مسهلا للنفث إذا كان في الأعضاء الرئوية حركة تهيج أو التهاب فيوصى باستعمال منقوعه للمدركين بالسعال الرطب وبالمواد المخاطية الناتجة على الدوام في الخلايا الشعبية بعوارض يسمونها بالنزلات المزمنة.

وأعطى بعض الأطباء في هذه الحالة نصف درهم ، بل درهما ، وأكثر من مسحوقه في اليوم ؛ لأن منسوج الرئة في هذه الآفات يكون لينا فيكون مجلسا دائما لدرجة ما من الاحتقان الدموي ، ويمكن إحالة التخفيف الذي يحصل للمريض من ذلك على التأثير المنبه القوي المنسوب للنبات المذكر ، وقد يحصل من منقوعه تخفيف للمكدرين بالانتفاخ الريحي في الرئة والأوذيما فيها ، وللذين معهم اتساع في البطن الأيمن للقلب سبب لهم تضايقا اعتياديا وسعالا وغير ذلك ، ولا التفات لمدح بعضهم هذا النبات في السل فإنهم كثيرا ما يسمون بذلك نزلات مزمنة ليست سلا فالتنبيه الذي يفعله في الرئتين كثيرا ما يكون نافعا في هذه الأمراض الأخيرة على أنهم لم يوضحوا ينبوع النفع الذي يفعله في السل الحقيق ، فهل تأثيره المنبه هو الذي عارض الآفات المرضية التي يقوم منها هذا الداء؟ وهل هذا النبات يعارض تكون الدرنات وتنبيس المنسوج الرئوي؟ وهل يزيل الكهوف التي تكونت في هذا المنسوج؟ وحيث إن اسم سل يتصور منه تقرح في الرئتين أعطى المؤلفون لهذا النبات خاصية كونه غسالا نافعا للجروح والقروح ليحصلوا بذلك النجاح الذي ينسب له علاج هذا الدواء ، واستعمل هذا النبات أيضا في الأمراض الجنونية فجعله بعضهم زائد النفع في الأيبوخندريا والمانيا والموموانيا ونحو ذلك ، بل جعله بعضهم دواء مسكنا للمخ مباشرة ، وأهلا لنقص تنبيهه ، وسما عصارته حيث فضلها على خلاصته ، وقال من ادعى ذلك إنه جرب استعمال ذلك ثلاثا وعشرين سنة مع النجاح ، ولكن منضما مع الفصد ، وقوة هذا الفصد في تلك الأمراض أعظم من قوة النبات يقينا ، واعتبروا هذا النبات دواء معد ، أي مقويا للمعدة ، ومقطيا للجروح ، ومضاد للديدان وأكدوا أنه يبرئ الحميات المتقطعة ، وعصارته إذا أدخلت في الخياشيم أزالت الصداع ، وأوراقه المرضوضة إذا أدخلت في باطن القميص حدث عنها أوجاع الجدري الذي اندفع إلى الباطن وإذا وضعت على القروح نظفتها ، وأكدوا نفع هذا النبات في أمراض

٣٤١

المثانة ، وفي حصياتها ؛ وذلك لأن تأثيرها المنبه جدران المثانة يمكن أن يظهر منه منعه لتكون تلك الحصيات وإن لم يلزم التعويل على ذلك ، ومن المبالغات في مدح هذا النبات ادعاء بعض المؤلفين كونه دواء عاما لجميع الأمراض ، وانتصب المعلم كولان لمعارضة خواصه ، والوجه له ، ويدخل هذا الجوهر في الماء المقطب للجروح وغير ذلك ، ويكون جزء من الأنواع الصدرية العطرية ، وقد يتولد عليه تولدات شبيهة بالأرجوتين تنتج من وخز حشرة تسمى سينبس غليكوماطس ، وتسمى تلك التولدات تفاح الطرين أو الثمر الطرين ، وتؤكل ، وذكرها المعلم ريوموس ، وذكر المعلم ميرة في الذيل أنه ذكر في كتاب نكليز أن تلك التولدات مسمة للخيل ، كما ذكر المعلم اسبرنجيل قال : ونظن أن النبات كله بسبب رائحته ، وطعمه لا تأكله أصلا تلك الحيوانات ، ولكن لا نظن أن تلك التولدات التي يأكلها الناس في بعض البلاد تكون مؤذية لهم كالنبات نفسه ، والأجسام التي لا تتوافق مع أملاح الحديد والفضة.

(في المقدار وكيفية الاستعمال):

منقوعه يصنع بأخذ مقدار منه من ثلاثة دراهم إلى ستة لأجل مائة درهم من الماء المغلي ، وماؤه المقطر يستعمل بمقدار من عشرة دراهم إلى ثلاثين ، وشرابه يصنع بجزء منه ، وجزء من شراب السكر ، والمقدار منه ستة دراهم إلى عشرين ، وعصارته تستعمل بمقدار من عشرة دراهم إلى ثلاثين ، وخلاصته تصنع بجزء منه وستة من الماء والمقدار منه من عشر قمحات إلى عشرين إلى درهم.

(الفراسيون الأبيض):

يسمى بالإفرنجية ماروب ، ويصف في لسانهم بالبيض ؛ لأن لهم فراسيون أسود من جنس آخر ، وسنذكره عقب ذلك ، وذكر في بعض الكتب العربية أن الفراسيون هو : الكرات الجبلي ، لكن لم أر ذلك الاسم في ابن البيطار ولا في المؤلفات المأخوذة منه ، وقال المعلم ميرة في الذيل : إن اسمه ماروبيوم مأخوذ من ماريا أوريس مدينة بإيطاليا كما قال المعلم لينوس ، ويسمى باللسان النباتي ماربيوم من الفصيلة الشفوية ذو قوتين عاري الثمر وأنواعه نحو ثلاثين نوعا.

(في صفاته النباتية):

جذره معمر يتولد منه سوق قائمة من قدم إلى قدمين متفرعة زغبية مبيضة ، والأوراق

٣٤٢

ذنيبية قطبية بيضاوية حادة سفينية ذوات حزوز دقيقة قصيرة تتجه لجهات مختلفة ، والأزهار بيض صغيرة ملتصقة جدا يتكون منها محيطات متضاعفة الأزهار متراكة على بعضها في آباط الأوراق ، ومصحوبة من الخارج بوريقات زهرية محزازية حادة قصيرة ، والكاس أنبوبي أسطواني محزز فيه عشرة أسنان محزازية تتعاقب خمس منها مع خمس أخرى صفر ، والتويج ثنائي الشفة ، وأنبوبته أطول قليلا من الكأس ومقوسة يسيرا ، فالشفة العليا قائمة مسطحة ضيقة ثنائية الشقق ، والسفلى ذات نصوص ثلاثة غير متساوية اثنان جانبيان صغيران بيضاويان محفوفا الزاوية والأوسط أكبر ومقور ، والذكور قصيرة جدا محوية في باطن التويج ، والمهبل قصير ينتهي بفرج ذي فصين غير متساويين.

(في صفاته الطبيعية):

رائحة هذا النبات عطرية كأنها مسكية ، وطعمه حريف حار مر كريه.

(في صفاته الكيماوية):

هو يحتوي على دهن طيار وقاعدة مرة وحمض عفصي ، وخلاصته المائية مرة عديمة الرائحة ؛ ولذلك عد هذا النبات من المقويات ، واعتبره المعلم بربيير من المنبهات ؛ نظرا لوجود الدهن الطيار فيه كما اعتبره كذلك بوشرده وتوروسو.

(الاستعمالات الدوائية):

إذا مضغ هذا النبات تسبب عنه طعم مر مخلوط بحراقة ، وتأثيره على الأعضاء أقوى من تأثير غيره من النباتات الشفوية ، ويدوم تأثيره زمنا طويلا فما عدا النتائج المنسوبة للتداوي المنبه ينتج منه أيضا تغيرات تدل على حصول تأثير مقو ومع ذلك ينبه القوى الحيوية التي تزيد في الحركات العضوية ، ويسبب في المنسوجات الحية انكماشا ليفيا يزيد في قوتها المادية فزيادة سعة القوة المذكورة التي في هذا النبات تعلن بأنه يمكن في العلاج أن نستخرج منه منافع جليلة فمنقوعه ، وخلاصته وشرابه تستعمل إذا أريد إيقاظ الفعل الضعيف للجهاز عضوي وإحياء الممارسة الضعيفة لوظيفة من الوظائف ونحو ذلك ، وإنما تستعمل بالأكثر المستحضرات المأخوذة في انحطاط النزلات الرئوية ، ومدحت أيضا نتائجه إذا كان هناك استرخاء في المنسوج الرئوي واحتقان دموي في بعض حال من هذا المنسوج ، وانتفاخ مرضي في الغشاء المخاطي للقنوات التنفسية ، أو كانت الخلايا الشعبية ، تجهز مادة مخاطية كثيرة جدا كما في سعال الشيوخ ، وكما فيما يسمونه بالنزلات المزمنة ، والربو الرطب ونحو ذلك ،

٣٤٣

ووضح المؤلفون خاصية تسهيله النفث بتوضيحات مختلفة ، فقد حققوا فيه قوة تقطيع الأخلاط الواقفة في منسوج الرئتين وإرجاع الدورة ونحو ذلك.

ذكر في علم العلاج أن المنافع التي تحصل عقب استعماله في أمراض أعضاء التنفس ناشئة من التأثير المنبه الذي يفعله فيها ، فقواعده الفعالة في كثير من الأحوال طبيعة الإفراز الحاصل في الخلايا الشعبية بأن تنوع الحالة الراهنة لسطحها الباطن فتقلل شيئا فشيئا من هذا الإفراز بإزالة الاحتقان الضعفي الحافظ له ، ولكن النتيجة الواضحة من استعمال هذا الدواء هو الظهور المحرض منه للقوة المادية الحيوية التي في المنسوج الرئوي ، فبعد استعمال منقوعه أو شرابه يستشعر المريض بسهولة اندفاع النخامة ونقص التضايق ، وسهولة التنفس غالبا ولا تناسب تلك المستحضرات ، بل تضر إذا عرف في آفات الرئتين حالة التهابية ، أو كان السعال يابسا مؤلما ، أو كان هناك حرارة وتهيج في الطرق الهوائية ، أو كان في أجزاء من المنسوج الرئوي التهاب شديد أو نحوه ، وذكر بعضهم شفاء السل باستعمال هذا النبات ، وإنه أزال التجمعات الصديدية التي في الصدر إزالة حميدة ، وقطب الجروح التي كان مجلسها في منسوج الرئتين وغير ذلك.

(قال) بربيير : ونحن تعترف بأن المستحضرات المأخوذة من هذا النبات لها فاعلية دوائية جلية ، فيمكن عقب الالتهابات البليوراوية أن تساعد على امتصاص السوائل المنصبة في البليورا ، وأن تسبب تحليلا نافعا في انحطاط الالتهابات الرئوية ، لكن نعرف أيضا أن قوة هذه الفواعل الدوائية تتعطل إذا كان هناك مرض عضوي ، فما الذي يفعله هذا الدواء إذا كان المنسوج الرئوي متيبسا أو مملوءا بدرن أو نحو ذلك ، وكذا لم يزل عندنا شك في شفاء الاحتقانات الأسكروسية الكبدية الذي زعموه بطول استعمال هذا الدواء ، وإنما نعلم منفعته إذا حصل في الكبد نقص تغذيته أو لين في منسوجه أو استحالة في الصفراء ، وكذا إذا حصل في جزء من سعته احتقان جديد ؛ لأن التأثير المستدام لأجزاء الداء قد يغير الحالة الراهنة للتغذية وللامتصاص في الكبد ، وبذلك يقاوم التنوع المرضي ، ويزيل الانخرام المادي الذي كابده هذا العضو ، واستند المؤلفون على مثل هذا النحاح ، فجعلوا في هذا النبات خاصية التفتيح والتحليل ؛ لأننا إذا مزجنا مغليه مع الدم في إناء صار الدم حالا أكثر سائليه ، فهل يؤخذ من ذلك كيفية ممارسة الخاصية المحللة لهذا النبات؟ يلزم مراجعة ذلك في كتب المؤلفين واعتبروه أيضا واسطة قوية لتنبيه اندفاع الطمث ، ونقول : نعم قد يحصل ذلك إذا استعمل بمقدار كبير بحيث يزعج جميع المجموع الشرياني ، وينبه الانتفاخ القطني للنخاع الشوكي تنبيها شديدا ، ويمكن أيضا أن يحصل منه احتقان طمثي إذا استعمل بمقدار يسير زمنا طويلا ؛

٣٤٤

لأنه حينئذ يعين على الهضم فيزيد في التدمم ، أي تحويل الكيلوس إلى دم ويوقظ شيئا فشيئا حيوية الرحم ؛ ولذلك ثبتت فاعليته كثيرا في إرجاع الطمث للنبات البالغات الضعاف الأرقاء المزاج ، ونجمح أيضا في شفاء الخلوروزس ، وفي الآفات العصبية والاستبرية ونحو ذلك مما يمكن أن يكون حصوله من عضو الهضم ، وما نجح في الآفات النزلية والارتشاحات والاحتقانات المصلية في الرئة ، نجح أيضا في الأمراض العامة كالحفر والأوذيما العامة ، والآفات المتعلقة بتكوين الكيموس ونحو ذلك وذكر ديسقوريدس نفعه في الربو الرطب كما قلنا ، واليرقان والاحتقانات البطنية ، والحمى المتقطعة ، وباحتوائه على الحديد توضح خاصيته القابضة التي ذكروها ، فإن المعلم لينوس شاهد أنه أبرأ سيلان اللعاب الذي مكث أكثر من سنة ، ويدخل في ترياق أندرماخس ، وفي شراب الفراسيون وغير ذلك ، وقال المعلم ميرة في الذيل : إن هذه الفراسيون يكون بالأكثر نافعا في الوجع الروماتزمي المزمن إذا أعطى منقوعا بمقدار من بعض درهم إلى اثنى عشر درهما في اليوم ، يستعمل ذلك صباحا ومساء أو تعطى خلاصته بمقدار من اثنتي عشرة قمحة ، ويستعمل بخار مطبوخه تسهيلا على الجزء المريض. اه.

(في بيان تجريبات القدماء):

أطال أطباء العرب ذكر خواصه ، ونقلوا تجريبات المتقدمين ، وضموا تجريباتهم إليها ، وذكر ابن البيطار عبارات طويلة من ديسقرزيدس وجالينوس ، ومخلصها أن هذا النبات يفتح سدد الكبد والطحال ، ويبقى الصدر والرئة بالنفث ، ويحذر الطمث شربا وحلوسا في مائة ، وكمادا وضمادا ، وعصاره نافعة لحده البصر وشرب طبيخه محلى بسكر أو عسل أو تين ينفع من الربو والسعال ، وإن خلط مع الأيرسا قطع الفضول الغليظة ، وكما يسقى لإدرار الطمث يخرج الولد والمشيمة ، ويزيل عسر الولادة ، واستعمال مقدار منه من نصف مثقال إلى درهم من طبيخ الزوفا ، ودهن اللوز الحلو ينقي الصدر والرئة تنقية عجيبة ، وكذا نصف درهم منه مذابا في شراب البنفسج ، أو حلاب السكر ينفع من السعال الرطب ، ويزيل قرحة الصدر ويدملها ، ويخرج ما فيها الرطوبات بالنفث ، وشرب طبيخه أو عصيره بدهن ورد أو زيت يذهب ألم الأمعاء ، وإذا طبخ بالماء والزيت أو بالماء وحده ، وكمدت به عانة الرجال والنساء نفع من أوجاعها ، وأزال ريح المثانة ، ونفع من عسر البول ، وربما بول الدم لإضراره بالكلى والمثانة ، ويسقى منه من شرب شيئا من الأدوية القتالة ، وإذا تضمد بورقه مع العسل نقى الجروح الوسخة ، وإذا اكتحل بعصيره أو صعد بخار طبيخه إلى العين أزال جساءها وسلاقها ودمعتها وظلمتها ، وإذا مزجت عصارته بيسر ماء ورد وخلطت بعسل وضمدت به الجراحات

٣٤٥

العتيقة الخبيثة فإنها تجلوها وتنقيها ، وإذا ضمدت به الدمامل والخراجات الحادثة ، والخنازير حللها وأنضجها وفتحها بلا أذى ، وإن دق طريا مع شحم كلى الماعز ، وضمد به الأورام حللها تحليلا بالغا نافعا ، وهو يقع في الترياقات والمعاجين الكبار. اه.

(في المقدار وكيفية الاستعمال):

منقوعه من خمسة دراهم إلى عشرة ؛ لأجل مائة درهم من الماء ، وماؤه المقطر يصنع بجزء منه ، وأربعة من الماء والمقدار منه من خمسة عشر درهما إلى ثلاثين ، وشرابه يصنع بجزء منه ، أي من عصارته واثنين وثلاثين من مائة المقطر وأربعة وستين من السكر ، والمقدار منه للاستعمال من خمسة دراهم إلى عشرين ، وخلاصته مقدارها من عشر حبات إلى ثلاثين قمحة إلى درهم.

وأما مسحوقه فنادر الاستعمال ، مقداره من درهم إلى ثلاثة على جملة كميات ، وأما استعماله من الظاهر فمطبوخه يصنع بجزء منه من عشرة دراهم إلى عشرين ؛ لأجل مائة من الماء ، ويستعمل ذلك سلات وزروقات وكمادات وحقنا.

(المشكطرا مشيغ زور):

يسمى بالإفرنجية فوس رقطامنون ، وباللسان النباتي ماروبيوم أفسودود قطامنوس ، ومعنى كل ذلك دفطامنوس زور ، أي كاذب ، قال القدماء : ودقطامنوس هو المسمى بالفارسية مشكطر امشيغ ، وهذا الجوهر نبات أصله من جريت التي تسمى في كتب القدماء قريطي ، وسوقه شجيرة تعلو عن الأرض من نصف ذراع إلى ثلاثة أرباع ، ومغطاة جميع أجزاء النبات بزغب مبيض كثيرا جدا ، وأوراقه قلبية الشكل تقرب للاستدارة ، وسفينية جدا ، والأزهار وردية ومهيأة محيطات متقاربة لبعضها مصحوبة بوريقات زهرية ملوقية الشكل زغبية ، وظنوا أن هذا النبات هو الدقطامنوس الشهير بكريت المذكور في أشعار القدماء ، ولكن يقرب للفعل أن المخصوص بهذا الاسم إنما كان نوعا من الأورجان ، أي السعتر ولا حاجة للإطالة بخواص النبات للاستغناء عن ذلك بما ذكر في سابقه وفي المشكطرا مشيغ الساق.

(الفرانسيون الأسود):

يسمى بالإفرنجية بالوط ، وقد يقال : فيتيد بفتح الفاء ، أي نتن ، وقد يسمى بلسان العامة ماروبين وبما معنا ما في الترجمة كما هو اللسان النباتي بالوطا نجرا ، فجنسه بالوطا من الفصيلة الشفوية ذو قوتين عاري الثمر ، وذلك الجنس قريب من جنس ماربيوم ، ويتميز عنه

٣٤٦

بكأسه المتسع المحزز المنتهي بأسنان خمسة حادة متفرقة عن بعضها ، وبتويجه الذي أنبوبته أطول من الكأس وشفته اللعياء مقعرة على شكل قبوة ، والسفلى ثلاثية الفصوص ، والفص المتوسط أكبر ومقور ، والذكور الأربعة منضمة تحت الشفة العليا ، والأزهار يتكون منها محيطات ملززة ، ولنخص من أنواعه النوع المترجم له هنا ، وهو يزهر مدة الصيف كله وساقه متفرعة ومربعة وأوراقه بيضاوية تقرب من الشكل القبي ، وسفينية ، ولونها شديد الخضرة ، وأزهاره محمرة وتنتشر منها رائحة عطرية ، ولكن غير مقبولة ، وذلك هو سبب تسميته بالنتن ومن جهة الأزهار يتميز عن الفراسيون الأبيض بحمرة أزهاره ونتانة ريحها بخلاف الأبيض ، فإن أزهاره بيض ورائحتها عطرية مسكية ، وذلك النبات كثير الوجود بأوروبا في أزفتها ، وذكروا نفعه في الأستيريا ونحوها من الآفات العصبية بسبب رائحته القوية الكريهة ، واستعمل أيضا في السل فيقال : إنه شفي بعد استعمال منقوعه مدة طويلة ، وبالجملة منافعه كمنافع الفراسيون الأبيض ، ومستحضراته ومقاديرها مثله.

ومن أنواع هذا الجنس ما سماه المعلم لينوس بالوطا لناتا ، أي الصوفي ، وهو نبات معمر عطير ، يوجد مدة في سبيريا ، ويتميز بطول وبره الأبيض المغطى جميع أجزائه وبأزهاره البيض ، واستنبت في البساتين ؛ ولكثرة طول وبره سمي لناتا ، أي الصوفي ، ويستعمل هذا النبات في أوجاع الرأس الباطن والظاهر وينجح استعماله في الاستسقاء ، ويعطى بمقدار ستة عشر درهما في مائتي درهم من الماء حتى يصفى النصف ، ثم يضاف إلى المأخوذ منه بالترشيح أربعة دراهم من مغلي القرفة أو قشر البرتقال أو عشر نقط من روح الأفيون ، أو قمحة من الأفيون توضع على السائل ، ويستعمل منه المريض في كل ساعتين خمسة دراهم ، وهذا النبات لا تأكله المعز ولا الضأن ، وذكروا إدراره للبول ، ويلزم تأكيد ذلك بالتجربة ، ومدحه المعلم بربرة في الوجع الروماتزمي المزمن ، وفي النقرس ، وذكر نجاحه فيه نجاحا عظيما بحيث نال منه نتائج حميدة كانت غير مؤلمة ، وظن هذا الطبيب أن هذا النبات له ميل عظيم للاتحاد بالحمض البولي والحمض الفوصفوري حيث يتحد بهما ويخرجهما مع البول ، ومن أنواعه ما سماه المعلم لينوس بالوطا دسطيشا نبات عطري بالهند ، وفي رائحته كافورية ، يستعمل في البلاد التي ينبت فيها كدواء قلبي مقو كذا قال المعلم أنزلي في مادته الطبية.

(الفسطرن):

رأيت في بعض الكتب أنه آذان الجدي ، وليس بصحيح ؛ لأن آذان الجدي : هو لسان الحمل الكبير ، ونقل ابن البيطار عن كلام القدماء كديسقوريدس أنه قد يقال له : بما معناه المغتذي بالبارد ، وإنما سمي بذلك ؛ لأنه إنما ينبت في أماكن باردة ، وأهل رومية يسمونه

٣٤٧

بوطانيقي ، ويسمونه أيضا سماريناد ، وهذا النبات يسمى بالإفرنجية بطوان وبالليطينية بيطونيقا أو فسنالس ، فجنسه بوطونيقا من الفصيلة الشفوية ذو قوتين عاري الثمر ، واسمه كما ذكر بليناس آت من ويطقونيا الذي هو اسم القبائل ساكنة في سفح البرينسيا ، وزعم آخرون أن أصله معنى بطونيق ، وهي كلمة إقليطية معناها جيد للرأس ، ويعرف هذا الجنس بكأسه المتسع المضلع المنتهي بأسنان شوكية عددها خمسة ، وبتويجه الثنائي الشفة الذي أنبوبته مقوسة ، والشفة العليا قائمة محدبة مستديرة كاملة ، والشفة مقسومة ثلاثة أقسام ، والقسم المتوسط أكبر ومقور ، وأنواع هذا الجنس تسعة تنبت بالمشرق وببلاد أوروبا ، وكلها حشيشية ، وأوراقها مقابلة ، وأزهارها إحاطية المنشأ والغالب كونها محمرة.

(في الصفات النباتية):

هو معتمر ضعيف الرائحة جدا ، وساقه تعلو إلى نحو ثمانية عشر قيراطا ، وهي حشيشية قائمة بسيطة في الغالب ، مربعة الزاوية مرصعة بوبر فجميع أجزاء النبات والأوراق متقابلة ، والأوراق السفلى كالجذرية أيضا طويلة الذنيب بيضاوية مستطيلة ، تقرب من أن تكون قلبية الشكل ، وسفينية بانتظام ، والأوراق العليا تكاد تكون عديمة الذنيب ، وأكثر ضيفا ، والأزهار حمر قانية إحاطية مهيأة بهيئة سنبلية متقطعة ، وفي قاعدة كل محيطة ملزز توجد وريقتان زهريتان ضيقتان ، وكل زهرة مصحوبة بوريقة زهرية صغيرة ارتفاعها كارتفاع الكأس تقريبا بيضاوية مستطيلة منتهية بنقطة دقيقة ، والكأس أسطواني كأنه ناقوسي وذو خمسة أسنان حادة تقرب للنظام ، وذلك الكأس خال من الزغب خارجا وزغبي باطنا نحو فوهته ، والتويج ثنائي الشفة ، زغبي وأنبوبته مستطيلة أسطوانية مقوسة ، وهو أطول من الكأس بمرتين ، والشفة العليا قائمة بيضاوية كاملة ، والسفلى تقرب لتسطيح وذات فصوص ثلاثية اثنان جانبان صغيران مستديران ، والفص المتوسط أكبر ومستدير كامل ، والذكور نصفها أقصر من الشفة العليا المغطية لها ، والأعشاب مغطاة بوبر غددي ، والحشفات مسودة ثنائية المخزن ، والمبيض رباعي الفصوص خال من الزغب ، والمهبل بسيط طوله كطول الذكور ، والفرج ثنائي الشقق ، والمستعمل من هذا النبات الجذور والأوراق والزهور.

(في الصفات الطبيعية):

أوراق هذا النبات لها رائحة ضعيفة فيها بعض ذكاء ، وطعمها مر مع بعض حرافة.

(في بيان الاستعمال):

كان لهذا النبات شهرة عظيمة عند القدماء ، كما يشاهد ذلك في ديسقوريدس

٣٤٨

وجالينوس ، وكتب أونطويوس موسى طبيب أوغطس كتابا مخصوصا في هذا النبات ، ومدح استعماله فيه في ثمانية وأربعين مرضا معارضة لبعضها ، وكان له شهرة كبيرة في إيطاليا أيضا ، ولكن المتأخرون لما جربوه ، وتخلف معهم فيه مال ذكره المتقدمون هجروا استعماله بالكلية ، وكانوا ذكروا أن جذوره مقيئة ومسهلة ، ولكن التجريبات لم تؤكد ذلك تأكيد قويا ، وأوراقه التي فيها مرار ذكروا نفعا في الآفات النزلية المخاطية كما ذكر هذا الاستعمال كثير من الأطباء في نباتات أخر شفوية ، ولكن قلة عطريته أوقعت الشك في هذه الخاصية ، وأكثر استعماله إنما هو للتعطيس ، فيدخل في بعض مسحوقات معطسة وأوصوا باستعماله تدخينا كالتبغ المعروف ليكون دواء مسلا للعاب.

(في تجريبات القدماء):

قد أطال الكلام فيه أطباء العرب ، ومنهم ابن البيطار حيث قالوا : وينبغي أن يجمع الورق ، ويجفف ، ويدق ويخزن في إناء فخار فإنه أكثر ما يستعمل من النبات ، وجذوره المسماة عندهم بالعروق دقاق كعروق الخرثق ، وإذا شربت عروقه بالشراب المسمى أدرومالي ، وهو الشهد المضروب بماء المطر أو بماء مطلقا نفعت من شدخ العضل ، ووجع الأرحام الذي يعرف ذوات السموم كذا في ابن البيطار.

وقال صاحب كتاب «ما لا يسع» وهذا المقدار كبير ، والأولى إرجاعه للنصف ، وإذا تضمد به على النهش نفعه أيضا ، وإذا شرب من الورق مثقال بشراب نفع من ضرر الأدوية القتالة ، ومن غريب ما نقلوه أنه إذا شربه إنسان ، ثم شرب من بعده دواء قتالا لم يؤثر فيه ذلك الدواء ولا يتحرك فيه السم ، وقالوا : إن هذ الجوهر يدر البول ، ويسهل البطن ، وينفع من الصرع والجنون ووجع الكبد البارد ، وإذا شرب منه مقدار بعسل منزوع الرغوة هضم ، وقد يسقى منه أيضا من يعرض له حشاء حامض ، وقد يعطى منه من كان فاسد المعدة ليمضغه ويبتلعه ، ويحسى بعده شرابا ممزوجا فينتفع به ، وقد يسقى منه من به نفث الدم من الصدر مع شراب ممزوج قريب من الفاتر فينتفع به ، وكذا يسقى منه من به انتفاخ في البطن إن كان محموما مثقالا ، ومع أدرومالي إن كان غير محموم ، ومثقال مع الشراب يبرئ اليرقان ، ويدر الطمث ، ومثقالان مع أدرومالي يسهل الطبيعة ، وهو بالعسل صالح لقرحة الرئة المزمنة ، والقيح الكائن في الصدر ، وعن الغافقي أن الغسل بطبيخه ينفع من الرمد والكمنة وتقطير عصارته في الأذن ينفع في وجع الأسنان. اه.

٣٤٩

(في المقدار وكيفية الاستعمال):

مسحوقه يؤخذ بمقدار من عشرين قمحة إلى أربعين ، ومنقوعه يصنع بجزء منه من درهم ونصف إلى ستة دراهم لأجل مائة درهم ، وماؤه المقطر يصنع بجزء منه ، وثلاثة من الماء ، والمقدار منه من عشرة دراهم إلى ثلاثين ، وشرابه يصنع بجزء منه ، وثمانية من الماء وستة عشر من السكر ، والمقدار منه من عشرة دراهم إلى عشرين ، بل إلى ثلاثين ، ومدخره يصنع بجزء من أزهاره الرطبة ، وجزءين من السكر ، والمقدار منه من أربعين قمحة إلى درهم ونصف ، ويستعمل من الظاهر مسحوقه معطسا بمقدار يسير بين أصبعين ، وكذا يوضع على اللصوقات ، ومن أنواعه ما يسمى بطونيقا لستركتا ، أي الضيق ، ويختلف عن السابق بوريقاته الزهرية التي هي هدبية ، وبكأسه الزغبي من الخارج ، وبالفص المتوسط الذي في الشفة السفلى من التويج الذي سفيني ومتموج وغير مقور ، والأوراق أعرض وقلبية الشكل ، والساق أقصر بالنصف وأكثر زغبية ، والسنبلة أكثر اندماجا ، والأزهار أصغر وزغبية ، ويوجد هذا النبات في غابات أوروبا وهو معمر ويقرب للنوع السابق ، بل يقرب للعقل أنه صنف منه فخواصه كخواصه ، ومن أنواعه بيطونيقا أرونيطالس أو يقال : غرند فلورا ، ساقه بسيطة مربعة متينة زغبية إحاطية يتكون منها سنبلة انتهائية متكاتفة غليظة ، والوريقات الزهرية زغبية هدبية ، والكأس زغبي مرصع بوبر ، والتويج كبير ، وشفته العليا كاملة ، وتلك الأزهار حمر ، ويوجد هذا النوع في غابات أوروبا أيضا ، بل يغلب على الظن أنه هو الذي عناه القدماء.

(السعتر البستاني):

يسمى بالإفرنجية سرييت ، وباللسان النباتي عند لينوس ساطوريا ورطنسيس ، أي بستاني ، وهو نبات معمر ، وجنسه ساطوريا من الفصيلة الشفوية ذو قوتين عاري الثمر ، وأنواعه تقرب من خمسة عشر نوعا تنبت كلها تقريبا بحوض البحر المتوسط ، وسيما بلاد المغرب ، ونخص منها النوع المذكور فإنه عطري معدي منبه.

(في صفاته النباتية):

الجذر سنوي كذا قال المعلم رنشار ، وقال غيره : هو معمر ، والساق قائمة حشيشية متفرعة متقابلة الفروع التي تتفرع تفرعا عظيم الاعتبار في كل جهة ، وتقرب تلك الساق للأسطوانية ، وكأنها مغطاة بغبار ، وتعلو من ثمانية قراريط إلى اثنى عشر ، والأوراق متقابلة خيطية سهمية حادة كاملة ضيقة القاعدة منكتة غددية ، والأزهار صغيرة بنفسجية تتجمع ثلاثة في إبط الأوراق العليا ، والكأس مضلع ذو خمسة أسنان متساوية عميقة حادة جدا ، وأنبوبة

٣٥٠

التويج طولها كطول الكأس ، ومتسعة من الأعلى ، والشفة العليا قصيرة منفرجة الزاوية مسطحة مقورة ، والشفة السفلى مثلثة الفصوص التي زواياها منفرجة ، والفص المتوسط أكبر قليلا ، ومقطع الحافة تقطيعا مستديرا ، والذكور الأربعة أقصر من الشفة العليا ومخفية تحتها ، والمهبل واحد ، والفروج اثنان ، والمستعمل النبات كله.

(في صفاته الطبيعية):

رائحة هذا النبات عطرية قوية وطعمه مر حار ، ويقال : إن الأوراق تغطى أحيانا بأجسام صغيرة هي كافور.

(في بيان الاستعمال):

هو يستعمل كأحد الأفاويه ليعطى للبقول التفهة ، كالخضروات أيضا ونحوها طعما مقبولا ؛ ولذا ينبت في البساتين لذلك ، وتعمل منه زروب على الأحواض في تلك البساتين ، وقد اشتهر كونه مقويا للمعدة وهاضما ومقويا عاما ومضادا للديدان ، ومخرجا للرياح ، وهو يدخل في الماء العام والماء الملكي ، ويقال : إن اسمه اللاطيني ، أعني ساطوريا مأخوذ من ساطيروس ، أو يقال ساطوروس بسبب خاصية تقوية الباه المنسوبة له وللأنواع الداخلة معه في جنسه ، فمن أنواعه السعتر الجبلي المسمى باللسان النباتي ساطوريا منتانا ، ساقه خشبية النصف في القاعدة متفرعة زغبية تقرب للاستدارة ، والأوراق تقرب للبيضاوية مستطيلة ضيقة القاعدة واسعة القمة كاملة تنتهي قمتها بنقطة ، والأزهار بنفسجية أو مبيضة محمولة على حوامل إبطية ، والكأس مضلع أنبوي ذو خمسة أسنان ، والتويج ذو شفتين فالعليا محدبة مقورة قليلا ، والسفلى ثلاثية الفصوص ، والفص المتوسط أكبر ومستدير ، والذكور طولها كطول الشفة العليا متقاربة ومخفية تحت هذه الشفة ، وهذا النبات ينبت في الأماكن المرتفعة من البلاد الجنوبية وغيرها وأزهاره وردية أو خالصة البياض ، وهو معمر ورائحته عطرية مقبولة واضحة جدّا ، وطعمه حريف شديد اللذع جدّا ، وهو قوي التنبيه فخواصه وصفاته واستعمالاته كالزوفا.

ومن أنواعه ساطوريا قبيتاتا ، وهو المسمى عند القدماء شموس ، كما في ديسقوريدس ، وكان مستعملا عندهم كاستعمال النوع السابق الكثير الاستعمال بأوروبا ، ويعتبرونه جليلا للنحل مقبولا لها ، ومن أنواعه ساطوريا طميرا بسبب أنه ينبت كثيرا حول طمير ، وهي مدينة طروادا ، ويقال له : سعتر كريت ، وجميع تلك الأنواع مقوية منبهة ممدوحة في ضعف المعدة والربو ، وتستعمل زيادة عن ذلك في صناعة الطبخ ومثلها أنواع أخر داخلة في جنس ساطوريا.

٣٥١

(في المقدار وكيفية الاستعمال):

منقوعها يصنع بمقدار منها من ثلاثة دراهم إلى عشرة ؛ لأجل مائة من الماء ، ودهن الطيار من خمس نقط إلى عشر.

(السعتر الاعتيادي):

السعتر بالسين والصاد والزاي ، ونوعه المتقدمون إلى بري وبستاني ، وكل منهما ذو أصناف منها ما ورقه طويل ، ومدور ودقيق وعريض ، ومنها شديد الخضرة يميل إلى السواد أو إلى الغبرة ، والعريض الورق القليل الحدة يسمى زعتر الحمار ، ويقال له : الجبلي والفارسي أحمر الزهر حاد الرائحة حريف والبساتي هو المزروع المشابه للنعنع. اه.

(في بيان كلام المتأخرين فيه):

والسعتر : يسمى بالإفرنجية أورجان أو يقال أوريغان ، وباللسان النباتي أورجانوم أو أور يغانون ، ولجارس فجنسه أورجانوم من الفصيلة الشفوية ذو قوتين عاري الثمر ، وهذا الاسم مأخوذ من اليونانية مركب من كلمتين أولاهما جبل وثانيتهما فرح ، أي مفرح الجبال ؛ لأن الأنواع الداخلة تحته تنبت بالأكثر على الجبال فتعطرها برائحتها الذكية ، وتلك النباتات مغمرة وسوقها حشيشية ، وأزهارها رؤوس أو سنابل ملززة مربعة الزوايا يصحبها وريقات زهرية ملونة ، وهي كثيرة في حوض البحر المتوسط ، وكلها متحدة في الخواص ومتساوية مع النباتات المنسوبة هي إليها وأنواعها نحو من عشرين نوعا ، وتوجد كثيرا في بلاد اليونان وعلى شواطئ آسيا الصغرى ، واشتهر من تلك الأنواع ما ظهر لخواصه الطبية صيت كبير في الأزمنة السالفة ، ومنها النوع المترجم له هنا.

(في صفاته النباتية):

جذره معمر مسود قريب للخشبية زاحف ، والساق رباعية الزوايا ، وهي قائمة فيها بعض انفراش وزغبية متفرعة في جزئها العلوي مجمرة تعلو نحو قدم ، والأوراق متقابلة ذنيبية زغبية على شكل قلب منقلب أو بيضاوية مستديرة ، وكاملة ولونها أخضر قاتم ، والأزهار وردية متهيئة رؤوس صغيرة وذوات حوامل متقابلة متقاربة لبعضها حتى تكون بهيئة رأس مستدير في الجزء العلوي من الأغصان ، ويقوم من انضمامها ببعضها شبه باقة ملززة الأجزاء ، والأزهار في تلك القمم متقابلة دائما مصحوبة في قاعدتها بوريقة زهر بيضاوية كثيرا ما تكون حمراء ، وأقصر من الزهر ، والكأس قصير ذو خمسة أسنان متساوية وليست مرصعة في باطنه بوبر كذا

٣٥٢

قال ريشار ، وذكر ميرة في بعض مؤلفاته أنه زغبي المدخل ، والتويج أنبوبته دقيقة طويلة أسطوانية أطول من الكأس بثلاث مرات ، والشفة العليا مسطحة مشقوقة والسفلى ذات فصوص ثلاثة منفرجة الزاوية ، والفص المتوسط أطول وأقرب للاستدارة ، وذكر ميرة أن التويج يكون أولا أبيض ، ثم يحمر ، والذكور أطول من الشفة العليا ومتباعدة عن بعضها ، والمهبل طوله تقريبا كطول أطول الذكور ، وينتهي بفرج ثنائي الشقق ، قال ميرة : والبزور عارية وعددها أربعة ، وذلك النبات وسيما أوراقه يحمر في آخر الخريف ، وفي مؤلفات المتقدمين لا سيما ابن البيطار أن بزره دون بزر الريحان إلى سواد وحمرة ، وفي قاموس الطبيعيات أن اللون الأحمر للكؤوس والوريقات الزهرية مخلوطا بألوان التويجات يعطي لهذا النبات منظرا مقبولا جدا ، وهو كثير الوجود في الغابات ، وعلى طول الزروب بالبساتين والمزارع وسيما المحال الجبلية ، والمستعمل منه الأطراف المزهرة.

(في صفاته الطبيعية والكيماوية):

رائحة هذا النبات عطرية مقبولة ، وطعمه حار مر فيه بعض حرافة ، ويخرج منه بالتقطير دهن طيار كبقية النباتات الشفوية ، ويحتوي على كافور ، واستخرج منه مادة خلاصية وصمغ راتنجي.

(في الاستعمال بتجريبات المتأخرين):

هذا النبات مقو ومنبه للمجاميع ، ومعرق ومدر للطمث ، ومشدد للمعدة ، ومضاد للتشنج وللنزلات ونحو ذلك على حسب تأثيره على عضو كذا أو كذا من أعضاء الجسم ، وأكثر ما يستعمل في النزلات المخاطية المزمنة حيث تكون الرئة محتقنة ، وفي الربو الرطب والضعف الشعبي والاحتقانات الناشئة من البرد ومن ضعف الأحشاء ، واستعملت أيضا أطراف النبات وضعا على محل الأوجاع الروماتزمية والاحتقانات الغددية وغير ذلك ، وتعمل منه حمامات قدمية تستعمل في احتباس الطمث والخلوروزس ونحو ذلك ، ويستعمل منه منقوع كالشاي يصنع بجزء منه من درهم إلى أربعة ، ويستعمل مسحوقه بمقدار من عشرين قمحة إلى درهم ، ومن المحقق عندهم أن السعتر يمنع الفقاع عن أن يتخمر تخمرا حمضيا ؛ إذا علق منه بعض قبضات في القدر المحتوي عليه ، وهو يدخل في الماء العام والماء المقطب للجروح وشراب الأرمواز والمسحوق المعطس. اه.

(في تجريبات القدماء):

قالوا : هو من الأدوية الترياقية ، يعالج به أغلب السموم فطبيخه مع الشراب يوافق نهش

٣٥٣

الهوام ، ويحلل الرياح والمغص ، وافتراشه يطرد الهوام ، وإذا شرب عقب مسهل منع فساده ، وإن شرب قبله حفظ البدن منه وهيأه للتنقية والمضمضة بطبيخه مع الخيل والكمون تسكن وجع الأسنان والحلق ، وطبيخه مع التين يحل الربو والسعال وعسر النفث ، وشربه مع ماء السكرفس ينفع الحصى وعسر البول والبرودة وشرب ورقه أو زهره يدر الطمث ، ولعوقه بالعسل يشفي السعال الرطوبي ، والتسعط به مع دهن الايرسا يخرج من الأنف فضولا وتقطيره في الأذن باللبن يسكن أوجاعها ، وإذا شرب بالخل وافق المطحولين وأكله جيد لمن به غثيان أو فسد طعامه في المعدة بحيث يجد حموضته في الفم ، ويبطئ انحداره فأكله يشهى الطعام وينقي المعدة من البلاغم الغليظة ويخرجها بالرياح وغيرها ، ويحلل النفخ وأكله مع الخل يذهب العبالة من الأبدان ويلطف غلظها ، وإذا أكل مع الأطعمة الغليظة طيبها وأحدرها وزاد في لطفها كالأهارس والأكارع ولحوم العجول ، وإذا طبخت قضبانه مع العناب وشرب ماء ذلك رقق الدم ، وليكن من كل منهما أوقيتان في رطل من الماء حتى يبقى أربع أواق وتلك خاصية فيه لا توجد في غيره ، وإذا طبخ وشرب ماؤه بعسل أذهب المغص وأخرج الدود والحيات ، وإذا أكل مع التين هيج العرق وحسن اللون ، وقالوا : إن أكله يزيل وجع الفؤاد والقولنج البلغمي وخصوصا إذا ربي بالعسل أو السكر ، وإذا تمودى على أكل مثقال من مرباه عند النوم نفع من الماء النازل في العين ، وحسن الذهن واللون ، وإذا نوقل بالسكر وتمودى عليه صباحا ومساء قطع البخار وأحد البصر وقواه والطلاء به مع العسل بخل الأورام والصلابات ، وقالوا : إن بزوره أعظم منه في تهيج الباه وفتح السدود ودفع اليرقان ، والسعتر من أفضل الأغذية بالجبن الطري لمن يريد سمن البدن ، وتقويته ودهنه من أفضل الإدهان للرعشة والفالج والنافض. اه.

(المرزنجوش):

يقال له أيضا : مردقوش ، وهو فارسي ، واسمه بالعربية سمسق وعبقر بباء موحدة بعد العين وبإبدالها نونا ، وقد يسمى حبق القثاء أو حبق القثي ، ويسمى بالإفرنجية مرجولين ، وباللسان النباتي أورجاتوم مرجوانوئيداي الشبيه بالمرجولين الذي هو معمر يقرب للخشبية ، وهو الذي استنبت ببساتين أوروبا الجنوبية مسمى باسم مرجولين ، ويستعملونه هناك لتعطير مأكلهم ، وساقه معمرة خشبية قليلا في قاعدتها ومزينة بأوراق ذنيبية بيضاوية منفرجة الزاوية كاملة مبيضة قطنية قليلا ، والأزهار تويجها أبيض ويتكون منها سنبلة رباعية الزوايا مستديرة القمة قطنية ومهيأة أو أربعة في طرق كل حامل.

٣٥٤

(في الاستعمال بتجريبات المتأخرين):

المستعمل من المردقوش أطرافه المزهرة ، وهو عطري مقبول جدا ، وطعمه حار فيه بعض مرار ، ويحتوي على دهن طيار وتتصاعد منه رائحة شديدة العطرية ، ومسحوقه ينبه الغشاء النخامي ؛ فلذلك يستعمل سعوطا بسبب العطاس ، وكذا يؤثر تأثيرا منبها في الأعضاء فيزيد في الحيوية ، ويوقظ الشهية ، ويعين على الهضم ، ويساعد على العرق البحراني ، وبالجملة يحتوي على الخواص العامة للفصيلة الشفوية ، أعني كونه مقويا منبها مضاد للتشنج وغير ذلك ، ونسبوا له بالأكثر تأثيرا واضحا على المخ والمجموع العصبي ؛ ولذا يأمرون به في الأحوال المهددة بالسكتة نفسها والشلل التابع لها ، والتقلص والسدر والدوار والخدر ونحو ذلك ، ويستعمل أيضا في النزلة المخاطية المزمنة لتسهيل النفث وينظف الصدر بإعطائه زيادة قوة للمنسوج الرئوي وكذا الإيقاظ فعل الرحم ، وفي الخلوروزس واحتباس الضمث ونحو ذلك ، وهو لكونه من منبهات القوى المعدية اعتبروه في بعض البلاد من الافاويه حيث يضاف للبقول الدقيقية وللسعات (١١) ونحو ذلك ، ويدخل في المسحوق المعطس والماء العام والماء الملكي وشراب البرنجاسف والبلسم الهادئ وغير ذلك ، ويحضر منه ماء مقطر وشاهد عليه (بلاس) نوعا من دود القرمز يسمى أماراكوس ، وأما أوستاكوس فسمى باماراكو المرزنجوش الصدفي المسمى أورجانوم.

(في تجريبات المتقدمين):

قالوا أي أطباء العرب المتقدمين في ذكر خواصه ، ونقلوا عن جالينوس أن قوته لطيفة ، وأنه يسخن ويجفف ، وعن ديسقورس أن طبيخه يوافق ابتداء الاستسقاء وعسر البول والمغص ، وإذا احتمل در الطمث ، وإذا تضمد به مع الخل وافق لسعة العقرب ، وقد يعجن بقيروطي يوضع على التواء العصب والأورام البلغمية ، وذكر (سيح) أن مغليه إذا صب على الرأس نفع من أوجاعه الباردة ورطوباته والصداع الذي فيه ، وكذا ثم ورقه فهو يفتح سدد المنخرين والرأس شما وبطولا بمائه ، وعصيره نافع من ابتداء الماء ويحد البصر ، وإذا ورقه الطري بملح أو اليابس بعد التندية ، ثم وضع على الانتفاخ الريحي أو البلغي الرقيق حلله ، وإذا درس غضا مع الكمون وأكل نقع من وجع الفؤاد البارد والخفقان المتولد عن خلط لزج فم المعدة ، وإذا طبخ مع الزبدة والزبيب نفع من الماليخوليا المعوية وحديث النفس ، وهو

__________________

(١١) قوله : وللسعات كذا وبالأصل ولا معنى له. اه.

٣٥٥

يسخن المعدة والأحشاء ، ويحلل النفخ ويدر البول إدرارا قويا ويجفف رطوبات المعدة والأمعاء ، وإذا مضغ بالمحل وابتلع قطع سيلان اللعاب ، وإذا درس من لحم الزبيب ووضع على نتق الخصيتين أزاله إن لم يكن التهابا ، فإن كان كذلك رطب بالخل.

(وقال) إسحاق بن عمران : إنه يفتح سدد الرأس ويذيب البلغم ويقطع الصداع البارد ، ويلائم الزكام وينفع من الأوجاع العارضة من البرد والرطوبة ومن الصداع والشقيقة المتولدين من المرة السوداء والبلغم إذا غلي وصب ماؤه على الرأس بعد الانكباب على بخاره.

(وقالوا) : إن طبيخه يحل أوجاع الصدر والربو والسعال وضيق النفس والاستسقاء والطحال ، ودهنه يفتح الصمم ويذهب الكزاز والرعشة والفالج ، ودخانه يصلح هواء الوباء ويطرد الهوام. وقالوا : إن شربته مطبوخا إلى أوقية ومن سحيقه إلى مثقالين. انته.

(في المقدار وكيفية الاستعمال عند المتأخرين):

يصنع منقوعه المائي بمقدار من درهمين إلى ثلاثة دراهم لأجل ماء درهم من الماء ، وماؤه المقطر يصنع بجزء منه وأربعة من الماء ، والمقدار المستعمل منه من عشرين درهما إلى ثلاثين ، ومسحوقه من ثلث درهم إلى ثلثين ، وهو نادر الاستعمال من الباطن نعم كان موضوعا في أعلى رتب المعطات ، وأما استعماله من الظاهر فكغيره من الفصيلة ويمرهم جزء من دهنه مع ثلاث من الشحم الحلو ، ويستعمل مسحوقه معطسا كما قلنا.

(دقطامنوس قريطي):

هذا الاسم لاطيني وإفرنجي ، وينسب إلى جزيرة أقريطي المشهورة الآن باسم كريت ، وهي من جزائر اليونان ، ويسمى بالعربية الفارسية كما علم من ترجمة كتاب ابن سينا مشكطرا مشيغ أو مشكرا مشير ، وإن وضع هذا الاسم الفارسي أيضا على نوع من النعنع ، وأما ما ذكر في بعض التراجم من تسميته ببقلة الغزال فلم أره في كتاب صحيح ، وأما تسميته دقطامنوس فذلك لكونه ينبت على جبل دقطية ، وهو جبل بجزيرة كريت التي تكتب في كتب القدماء من العرب قريطي ؛ ولذا سمي باللسان النباتي أورجانوم دقطامنوس ، وكان هذا النبات مشهورا عند القدماء السالفين بأنه من المقطبات الثمينة للجروح حتى كانوا يظنون في خرافاتهم أنه مستعمل عند آلهتهم.

(في صفاته النباتية):

ساقه متفرعة قائمة مربعة زغبية جدا ، تعلو عن الأرض قدما ، وأوراقه متقابلة ذنيبية

٣٥٦

بيضاوية منفرجة الزاوية مستديرة كاملة قطنية مبيضة من الوجهين ، والأزهار بيض ، وقد تكون محمرة وهي على هيئة سنابل صغيرة ملززة هرمية تقرب للكروية ولها حوامل وتنضم جملة منها مع بعضها في الجزء العلوي من تفاريع الساق ، وتلك السنابل الصغيرة تتركب من وريقات زهرية قلبية الشكل مستديرة قطنية مصفوفة أربعة صفوف ، ويوجد في إبط كل من هذه الوريقات زهرة أطول من الوريقة المذكورة ، والكأس مكون من وريقة وحيدة منفرجة الزاوية ملتفة بعض التفاف على هيئة قرين متسع زغبي شاغل للجزء السفلي من الزهرة ، والتويج ثنائي الشفة ، وأنبوبته متسعة ومنضغطة قليلا ، والشفة العليا قصيرة ثنائية الشقق ، والسفلى صفوفها ثلاثة حادة ، والفص المتوسط أكبرها قليلا ، والذكور أربعة بارزة خارج التويج ، وهي متباعدة ومتميزة عن بعضها ، وأصل هذا النبات من كريد وكندية معمر ، والمستعمل النبات كله أو نقول كما قال جيبور : الأوراق والأزهار.

وقال : إنه يأتي إلينا من كريد وكندية النبات كله تقريبا بهيئة صرر صغيرة تحتوي على أعواد غريبة فينبغي تنقيتها منها ولا يستعمل إلا الأوراق والأزهار حيث تكون الأوراق في حجم ظفر الإبهام مستديرة مغطاة بزغب قطني ثخين مبيض ، والأزهار على شكل سنابل معها وريقاتها الزهرية المتراكمة على الأزهار والملونة بالحمرة.

(في صفاته الطبيعية والكيماوية):

طعم هذا النبات مر قليل العطرية حريف ورائحته لطيفة نفاذة مقبولة قليلا ، وهو كبقية النباتات الشفوية يجهز بالتقطير دهنا طيارا حريفا عطريا يرسب منه مع طول الزمن بلورات شبيهة بالكافور ، ولكن لا بكثرة كدهن نباتات تلك الفصيلة التي هي أكثر عطرية منه كالخزامي وشجيرة مريم والحاشا ونحو ذلك.

(في استعمالاته الطبية):

هذا النبات مقو منبه كمعظم النباتات الشفوية فمدح لإعانة الهضم وتنبيه المجموع الدوري ، وتحريض الطمث والولادة وتأثير الأعصاب ونحو ذلك ، وتلك أحوال تحصل منه إذا استعمل بالمناسب في أحوال مناسبة ، أما إذا استعمل في حالة تنبيه أو شدة فاعلية حيوية فإنه ربما كان مقصرا ، وتلك حالة ينبغي مراعاتها في جميع الأدوية المنبهة ، واستعمله بقراط في احتباس الطمث واندفاع الجنين ، وذكر طرنفور أنه إلى الآن يستعمل في جزيرة كندية منقوعه ومغليه في الحميات الثلثية ، وفي انتفاع اللون وكمرق ، وأما منفعته في القروح والجروح ، أي في تقطيعها فليست كبير شيء بالنظر لمعارفنا الآن ، وهو يدخل في تركيب

٣٥٧

الترياق ودياسقرديوس ومعجون الياقوت ولا حاجة لأن نذكر الخواص الغريبة الليلة التي نسبها له القدماء وتمدح بها شعراؤهم مثل قولهم : إن الحيوان إذا ضرب بسهم ورأى حديده خرج من جسمه يذهب لهذا النبات فيأكل منه فيشفى جرحه ، وكانت تلك الخواص مشهورة عند العامة ووافقهم عليها غوميروور جيل في زمنهم ؛ فلذا كان له شهرة عند أكابرهم وأبطالهم ، وأما الآن فزالت شهرته ، وشوهد أنه أدنى يقينا من المرزنجوش الداخل معه في جنسه سواء في إحياء القوى العضلية باستعماله من الباطن ، أو في وضعه من الظاهر لأجل تقطيب الجروح ، يسمى الحاشا (١٢) بالإفرنجية (تيم) بالتاء أو بالثاء المثلثة مكسورة هكذا ترسم بالميم في آخر الكلمة ، ولكن تنطق تنم ، أي بتاء مفتوحة ونون وباللاطينية تيموس ، وهي مأخوذة من اليونانية ، قال القدماء : ولا تحريف في تيموس وتومس ؛ لأن الحرف اليوناني الذي بعد التاء يسمى شريكا ، وينطق به في لسان اليونان واوا ، ولفظة تيموس موضوعة الآن لجنس من الفصيلة الشفوية ذي قوتين عاري الثمر ، واسمه من اليونانية معناه شجاعة ؛ لأن أنواع هذا الجنس إذا استنشقت رائحتها البلسمية نبهت القوى ، وشجعت الجسم ، والنوع الذي نحن بصدده يسمى باللسان النباتي تيموس والجارس ، أي الحاشا الاعتيادية فجنسه تيموس من الفصيلة الشفوية يحتوي على أنواع كلها تحت شجيرات صغيرة أو نباتات حشيشية ذوات رائحة قوية أو ضعيفة ، وساقها متفرعة رباعية الزوايا ، وأزهارها وأوراقها صغيرة ، وهذا الجنس قريب لجنس مليسا ، وإنما يختلف عنه بالأكثر بالوبر المزين لباطن الكأس ، ومن الأنواع العظيمة الاهتمام هذا النوع المذكور هنا.

(في صفاته النباتية):

هو شجيرة صغيرة متكاثفة على نفسها متفرعة تعلو من ستة قراريط إلى ثمانية ، وجميع أجزائها مغطاة بغبار سنجابي كأنه رماد ، والسوق خشبية في القاعة وحشيشية من الأعلى ، وتقرب للأسطوانية ، والأوراق صغيرة جدا بيضاوية ملتفة الحافات إلى الأسفل بحيث يظهر من التفاتها أنها خيطية ، وهي منكتة من الأعلى ومبيضة من وجهها في السفلى ، والأزهار وردية أو تقرب للبياض ولها حويملات إحاطية ، وتنضم في العادة ثلاثة في إبط الأوراق العليا فيتكون منها سنبلة وريقية في قمة تفرعات الساق ، وحافة الكأس ثنائية الشفة العليا مثلثة الأسنان ، والسفلى ذات سنين محززين ، ويوجد في مدخل الأنبوبة صنف مستدير من وبر ، والتويج أطول من الكأس بقليل وشفته العليا تكاد لا تكون مقورة ، والسفلى مثلثة الفصوص ،

__________________

(١٢) قوله : الحاشا ... إلخ. كذا بالأصل من غير إفراد لهذا النوع كعادته. اه.

٣٥٨

وفصوصها متساوية منفرجة الزاوية ، والذكور غير بارزة من التويج ، والمهبل بارز ويوجد هذا النبات ببلاد المغرب وجنوب أوروبا على الجبال الجافة بين الصخور ، ويكثر جدا بأراضي الشام وسيما بيت المقدس وما والاه ، والمستعمل منه أطرافه المزهرة.

(في صفاته الطبيعية واستعمالاته):

رائحته قوية عطرية مقبولة إذا كان رطبا ، ويبحث عنه النحل ؛ ولذا تكلم المتقدمون على حسن العسل الخارج من النحل الذي يرعاه ، ويصح أن ينسب لهذا النبات جميع خواص النباتات الشفوية والمريحة ، وكذا اللنمام الآتي ذكره بعد هذا ، بل هذا أكثر عطرية وتحملا للقواعد الفعالة منه ، ويجهز منه دهن طيار يحتوي على كافور ، ويستعمل أيضا في المطابخ كأحد الأفاويه ؛ لأجل إزالة الطعم التفه من اللحوم والاجسام اللعابية ، والخضراوات ، وقد ينبت في البساتين للزينة ، فتخاط به أحواضها ، ويوضع أيضا بين النباتات الأخر وفي بيوت الأخلية لمنع لحشرات ولإخفاء الروائح الكريهة.

(في تجريبات القدماء):

أطال القدماء من العرب الكلام في ذكر خواصه ، وسيما ابن البيطار فإنه نقل عن ديسقوريدس وجالينوس وغيرهما أن الحاشا يقطع ، ويسخن تسخينا بينا فهو لذلك يدر الطمث والبول ، ويخرج الأجنة والمشيمة ، ويفتح سدد الأحشاء ، وينفع من النفث من الصدر والرئة ، ولهذا يلزم أن يوضع من التجفيف والإسخان في الدرجة الثالثة وإذا شرب بالملح والخل أسهل كيموسا بلغميا ، وإذا استعمل طبيخه بالعسل نفع من عسر النفس الانتصابي ومن الربو وإخراج الدود الطوال ، والتضمد به مع الخل يحلل الأورام البلغمية الحديثة العهد كما يحلل أيضا الدم المنعقد تحت العين ، ويقلع النمش والثآليل التي يقال لها : أفروخودونس ، وإذا خلط بالسويق وعجن ذلك بالشراب ، ووضع ذلك على عرق النسا وافقه ، وإذا طرح في الطعام وأكل نفع من ضعف البصر ، وإذا سحق وعجن بالماء والعسل ، وشرب منه مقدار مثقالين نفع من القولنج ، وحلل الفضول ، وقوى الكلى على الجذب ، وهيج الجماع ، وهو يبرئ أوجاع الرحم والحلق ، ويقوم مقام الافتيمون إلا أنه أضعف منه في إسهال السوداء ؛ ولذا ينبغي أن يخلط معه الملح ، ومن الناس من يعطيه مع الخل ليزيد في تلطيفه وتقطيعه ونقلوا عن روخس أن الحاشا والسعتر يذهبان الظلمة التي في البصر ، ويلطفان البلغم والحاشا أقوى من السعتر في ذلك.

وقالوا : إن التبخر به ينفع المصروعين ، وربما أفاقوا منه ، وقد يتخذ منه شراب بأن يدق

٣٥٩

وينخل ، ويؤخذ منه مائة مثقال توضع في خرقة تلقى في جرة عصير فيها ستون رطلا ، ويترك ذلك حتى يستوي ، وهذا الشراب ينفع من سوء الهضم وسقوط الشهوة ، ويذهب ببرد العصب ووجعه وسائر الأوجاع الحادثة تحت الشراسيف ، ويدفع قشعريرة البرد وبرد الأهوية والثلوج ، ويدفع ضرر جميع السموم الباردة سواء كانت حيوانات أو نباتات ويقطع البخار. انته.

(في المقدار وكيفية الاستعمال للمتأخرين):

يستعمل منقوعه الشائي بمقدار من ثلاثة دراهم إلى ستة ؛ لأجل مائة درهم من الماء المغلي ، وماؤه المقطر يستعمل بمقدار من عشرة دراهم إلى ثلاثين ، ودهنه الطيار يستعمل من نقطتين إلى عشر نقط ، ويستعمل من الظاهر مطبوخه بمقدار من عشرة دراهم إلى ثلاثين ؛ لأجل مائة درهم من الماء يصنع من ذلك غسلات وكمادات وحمامات وغير ذلك ، وروحه يستعمل مروخا من خمسة دراهم إلى ثلاثين. انتهي.

(النماما):

يسمى بالإفرنجية سربوليت ، أو يقال : سرفوليت. وباللسان النباتي تيموس سربيلوم أو سرفيلوم أو سرفولوم ، وكلها بكسر السين وسكون الراء ، ومعناه الزاحف فيكون المعنى الحاشا الزاحفة أو الداب أو الدبيب ؛ لأنه يدب على الأرض أو الدباب ؛ لأنه ، أي غصنا منه جاوز الأرض ، أي لامسها وضرب فيها عروقا وربا ، ونما ويصح أيضا أن يوصف بالثعباني ؛ لكونه يدب كدبيب الثعبان.

وقال قدماء أطباء العرب : النمام : هو السيسنير ، وهو مأخوذ من الاسم اللطيني سيسنيريون ، وسمي نماما لسطوع رائحته ، وكأنه ينم بريحه على نفسه ، ونقلوا عن ديسقوريدس أنه صنفان بستاني في رائحته شيء من رائحة المرزنجوش ، ويدب على الأرض ، ويضرب فيها عروقا كثيرة ، وله ورق كورق أوريغانس ، أي الذي سميناه فيما سبق أوريجانوم ، أي سعتر ، وأغصانه دقاق مملوءة ورقا كورق السذاب غير أنه أطول وأصلب ، وله زهر حريف المذاق تفوح منه رائحة طيبة جدا ، وهو أقوى من البستاني وأصلح في أعمال الطب. انته.

(في صفاته النباتية):

هو نبات صغير منقوش ، وساقه خشبية قليلا في القاعدة متفرعة ، وطول فروعها من خمسة قراريط إلى ستة ، وهي نائمة على الأرض زغبية قليلا مربعة قائمة في جزئها العلوي ،

٣٦٠