كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي

كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5282-4

الصفحات: ٤٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

غلات من النعنع الفلفلي ، وعرض بولييه إبدال ذلك بمرهم من الدهن الطيار لهذا النبات ، ويجمع النعنع مع المسهلات ليعين على فعلها ، ويستر ريحها وطعمها الكريهين. اه.

(بيان الاستعمالات الطبية للمتقدمين):

النعنع معروف عند القدماء بصفاته الطبيعة المحسوسة الواضحة ؛ ولذلك كانوا يستعملونه قديما في التداوي ، بل كان له عندهم استعمالات كثيرة ، وكان بقراط يعرفه يقينا ، ويظهر أنه استعمل بوصف كونه منها ، ثم نسب له خاصية أخرى سنذكرها ، وكان ديسقوريدس يعرف أيضا فعله المنبه حيث قال : هو مسخن قابض مجفف ، ومدحه جالينوس بوصف كونه منها للباه وتظهر فاعليته بالأكثر في الأحوال التي يحتاج فيها لاستعمال المنبهات ، وقالوا : إنه يقتل الديدان ويقطع نفث الدم شربا بالخل الممزوج إذا شرب بماء الرمان الحامض سكن الفواق والغثى والهيضة الخفيفة والأسية وسيما إذا كان الفواق تابعا للهيضة ، وأضيف للخل بعض من الأفيون ، وينفع هذا الترتيب أيضا من ريح غليظة أو من أخلاط مؤذية لفم المعدة ، وإذا خالط الخل عسلا كان أبلغ في ذلك ، وكذا يقطع القيء البلغمي ، والحادث عن ضعف المعدة ، وكذا يحلل ضعف المعدة ويقويها ويسكن أوجاعها ويبعث شهواتها ، وإذا وقع في أدوية الصدر نفع من أوجاعها الضعيفة ، ومن أوجاع الجنين وسهل النفث ، وسيما إذا شرب مطبوخه مع البرشا وشان فإنه ينفع نفعا بالغا ، وقال ابن سينا في الأدوية القلبية : النعنع فيه عطرية لطيفة وحلاوة مختلطة بمرارة وعفوصة اختلاطا لذيذا ، وفيه قبض صالح هذه الصفات معينة جدا على خاصية التفريح. اه.

وقالوا : إذا وضع على الجبهة سكن الصداع البارد ، وإذا تضمد به مع الملح نفع من الأورام الباردة ومن عضة الكلب ، وإذا احتملته المرأة قبل الجماع منع الحبل ، وإذا دلك به اللسان الخشن لانت خشونته ، ومضغه ينفع من وجع الأضراس وحيا ، وإذا مضغ ووضع على لسعة العقرب نفع منه بسبب تنبهه ، لا سيما إذا شرط موضع اللدغ قبل وضعه وينفع أصحاب البواسير ضمادا بورقة ، وهو من أنجح الأدوية في ذلك ، وإذا درس مع لحم الزبيب ووضع على الأنثيين أضمرهما ، وسكن أوجاعهما ، وإذا دق ورقه مع ملح اندراني ، وخلط بزيت ووضع على الدماميل التي هي من خلط غليظ أبرأهما ، وعصارته مع ميجنتج تنفع من عسر الولادة ، والميجنتج هو المسمى أغلوقن ، وهو عقيد العنب فإن قيد بالمدبر ، فالمراد هو إذا طبخ ثانيا مع عشرة من السكر أو العسل فإن قيل مفوها إذا جعل فيه الهيل وجوزبوا والقرنفل ونحوها ، وكان للمشكطرا مئيغ شهرة في إدرار الطمث والسعال التشنجي والربو وبحة الصوت كذا في علاج النقرس ؛ ولذا سمي في بعض المؤلفات القديمة منتا بودغراريا أو

٣٠١

يقال فودغواريا مأخوذ من تقرس الرجل ، وقالوا : إن المشكطرا مئيغ يفعل فعل الفوتنج بقوة ويسقط الأجنة حمولا ، بل قيل : شما وبخورا. وقالوا : إن أنواع النعنع مضرة للبهائم فتسقط البقر ، وسيما النعنع المائي ومشكطرا مئيغ. اه.

(في الجوهر التي لا تتوافق معه):

الجواهر التي لا تتوافق مع النعنع عند الاستعمال كبريتات الحديد ونتيرات الفضة ، أي ملح الفضة وأملاح الرصاص.

(في المقدار وكيفية الاستعمال للمتأخرين):

يندر استعمال مسحوقه ، ومقداره من درهم وثلث إلى درهمين ، ومنقوعه من درهمين إلى ثلاثة لأجل خمسين درهما من الماء ، وماؤه المقطر من عشرة دراهم إلى ثلاثين ، وشرابه يصنع بجزء من عصارته لجزء من السكر أو يقال : بجزء منه جافا وستة عشر من الماء المغلي واثنين وعشرين من السكر ، أو يقال بجزء منه واثنين وثلاثين من ماء مقطر النعنع ، ومقدار كاف من السكر ، والمقدار منه للاستعمال من خمسة دراهم إلى عشرين ، ودهنه الطيار من قمحتين إلى ست في جرعة أو يقال مقدار من نقطتين إلى أربع ، ويستعمل ذلك الدهن لتعطير الأقراص ونحوها ، والدهن السكري النعنعي يصنع بجزء من الدهن الطيار وأربع وعشرين من السكر ، وأقراص النعنع تصنع بأخذ اثنين وثلاثين من الماء المقطر للنعنع وستة وثمانين من السكر وجزء واحد من الدهن الطيار للنعنع ، أما من الظاهر فيؤخذ من النعنع مقدار من ثلاثة دراهم إلى ثمانية لأجل خمسين درهما أو مائة من الماء ، يستعمل ذلك غلات وكمادات مثلا.

(الباذرنجوية):

يسمى هذا النبات أيضا ترنجان ، والبقلة الأترجية ، ويقال أيضا : باذرنبوية. ومفرح القلب ، قال صاحب كتاب «ما لا يسع» باذرنجوية فارسي معناه الأترجي الرائحة ، ويسمى أيضا البقلة الأترجية ، ثم قال : والنحل تستطيبه فتحل عليه وترعى زهره ولذا يسمى باليونانية مالينوقلن ، أي عسل الزنبور أو عسل النحل ، ولذلك أوصى مؤلفو كتب الزراعة غواة النحل أن ينشروا مدقوق هذا النبات حول المحال التي يريدون أن ينجذب إليها النحل ، وقال أيضا : ويسميه قدماء الأطباء مفرح القلب ؛ لأن ذلك خاصيته اللازمة. وقال في محل آخر حشيشية السنور هي الباذرنجوية ؛ لأن السنانير إذا رأتها فرحت وطربت وأدامت شمها وتنام عندها. اه.

٣٠٢

ويسمى بالإفرنجية مليص ، وقد يسمى عند العوام سترونيل وعند اللطينيين ستراجوا ، أي ليموني ؛ لأنه يتصاعد من أوراقه رائحة الليمون حتى أن الأصابع تكتسب بمسه تلك الرائحة ، وربما قيل له : ميلسفيل أو ميلسفيلون ، أي ذو الأوراق العسلية أو النحلية ؛ لأن النحل يهواه ، ويسمى باللساني النباتي مليصا أو فسنالس ، أي الطبي فجنسه مليصا من الفصيلة الشفوية وشرحوا له نحو خمسة عشر نوعا ، وهي نباتات في الغالب حشيشية ، وأحيانا تحت شجيرية ومريحة وأوراقها بسيطة مقابلة وأزهارها إبطية محمولة على حوامل متفرغة ومهيأة بهيئة عناقيد في قمة الساق.

(في الصفات النباتية):

الساق قائمة متفرعة تعلو عن الأرض قدمين وزغبية في عقدها ونحو جزئها العلوي ، والأوراق متقابلة عريضة مستطيلة بيضاوية قلبية مسننة زغبية قصيرة الذنيب خضر قليلة القتامة ، والأزهار إحاطية مائلة لجانب واحد وقصيرة الحامل أيضا ، والكأس متسع أنبوي ذو شفتين واضحتين ، والعليا مفرطحة ذات ثلاث أسنان حادة السفلى ذات سنين قريبتين لبعضهما والتويج ثنائي الشفة ، وأنبوبته دقيقة أسطوانية قائمة أطول يسيرا من الكأس وحافته متمددة ذات شفتين ، فالعليا محدبة قائمة من طرفها مقورة منفرجة الزاوية ، والسفلى ذات ثلاث فصوص ، والفصان الجانبان صغيران بيضاويان منفرجة زاويتها ، والفص الأسفل أكبر وسنن لا بانتظام ومنفرج الزاوية ، والذكور ذوات قوتين ومجتمعة تحت الشفة العليا ، والمستعمل منه في الطب الأوراق والنبات كله.

(في الصفات الطبيعية):

النبات الرطب له رائحة مقبولة جدا تقرب من رائحة الليمون ، وسيما إذا دلكت أوراقه لكن ذلك إذا كان في شدة قوته فإذا تقدم في السن شمت منه رائحة البق ؛ ولذا يوصون باجتنائه قبل التزهر ، وتزيد رائحته بالتجفيف كغيره من بعض النباتات الشفوية ، وإن أكثره يفقد رائحته بذلك ، وطعم هذا النبات حار لذاع عطري.

(في صفاته الكيماوية):

يحتوي هذا النبات على دهن طيار أبيض ، هو جزؤه الفعال ، لكن ليست كثرته فيه ككثرته في النباتات الأخر الشفوية ، ويظهر أنه يحتوي على جزء يسير جدّا من مادة خلاصة مرة.

٣٠٣

(في الأجسام التي لا تتوافق معه):

الأجسام التي لا تتوافق مع المليصا كبريتات الحديد ، ونتيرات الفضة ، أي ملحها وأملاح الرصاص.

(في النتائج الصحية):

من المعلوم أن رائحة النبات قوية وطعمه حار لذاع ، فإذا دخل في باطن الجسم نشأ عنه تغيرات صحية مثل ما يحصل من المرعية ، وإكليل الجبل والنعنع ، ولكن قوته المؤثرة أقل سعة فإذا أخذ منه قدر مساو لما يؤخذ منها كانت شدة التغيرات الحاصلة منه أقل وضوحا مما يحصل من غيره ، وإن التأثير على المنسوجات الحية واحد فإذا لامس السطح المعدي زاد في شدة القوى الهضمية فإذا استعمل منه مقدار كبير بحيث تنتشر قواعده في جميع المجموع الحيواني استشعر بفعله المنبه في جميع الأعضاء ، فتتولد الأعراض الاعتيادية للتنبيه العام في الجسم كتواتر النبض ، وارتفاعه وشدة الحرارة الحيوانية ، ونمو الحياة المخية ونحو ذلك ، قال بربيير : كثيرا ما يحدث من منقوع المليصا إذا استعمل في الماء للشبان انزعاج في الليل يمنع النوم.

(في الاستعمالات الدوائية للمتأخرين):

ذكروا نفع هذا النبات في أوجاع الوظيفة الهضمية إذا كان تغيرها ناشئا من خمود المعدة ، فيعطي المريض حينئذ من مسحوقه قبل كل أكلة من عشر قمحات إلى عشرين ، أو من منقوعه كوب وينسب له خاصية تقوية الدماغ فيعطى علاجا للصداع والشقيقة والدوار ونحو ذلك ، لكن قد تكون تلك العوارض اشتراكية لآفات مختلفة لا يكفي هذا الدواء لعلاجها ، فإذا كان هناك التهاب عنكبوتي أو مخي جزئي أو خراج في اللب المخي ، أو استحالة في جزء من هذا اللب أو نحو ذلك ينفع علاج ذلك بهذا الجوهر فإذا ظهر في ذلك نفعه فما ذاك إلا لكونه يكفي لإذهاب العوارض التي يشكو منها المريض بتنبيه المخ والأعصاب وإيقاظ حيوية تلك الأعضاء ، وكذا يلزم أن تنسب المنافع المنالة في ضعف أعضاء الحس والحافظة وغير ذلك من القوى الآدابية ، لتأثيره المنبه وللظهور الذي يحدثه في الحياة المخية ، وكذا النجاح الذي نيل من استعماله في ضعف الأطراف واهتزازاتها والشلل المبتدئ ، فإنه ناتج من تأثير قواعده في النخاع الفقري ، وهل يسوغ لنا أن نجزم بأن تأثيره المنبه يحرص الامتصاص النافع للسوائل المنفرزة في الأغشية الدماغية الفقرية ، ويزيل آفات أخر في تلك الأعضاء كميل الجوهر النخاعي للين ، وفقد تعويضه الغذائي ، ونقص تغذيته ونحو ذلك ، وإذا ظهر نفعه في

٣٠٤

الحزن والماليخوليا وإنه أزال الزعل والتصورات المظلمة وأحيا السحنة والأعين ، وولد الفرح والسرور ونحو ذلك فهذا بتنبيه الضفائر العصبية المركبة من المجموع العقدي وإصلاح استعدادها الغير الطبيعي وأوصى بمستحضرات هذا الجوهر في الخفقانات والاحتقانات والتقلصات في النساء المصابات بالاستيريا ونحو ذلك فإذا كانت هذه العوارض ناشئة من فساد التأثير الذي قبله القلب والحجاب والعضلات بين الأعضاء من المخ والنخاع المستطيل والنخاع الشوكي وأعصاب المجموع العقدي ، واستعمل لها هذا الجوهر لزم قطع استعماله إذا رجع لهذا التأثير سيره الطبيعي الاعتيادي ، ولكن يقال هل يقدر هذا الجوهر على إحداث هذه النتيجة إذا استعمل من منقوعه في اليوم ثلاثة أكواب أو أربعة ، وعدوا هذا الجوهر من مدرات الطمث ، ويسهل إدراك كيفية تأثيره المدر حينئذ فإنه إذا نبه الرحم وأحدث فيه زيادة فاعلية يجوز إذا ساعدت الأحوال هذه الحركة أن يسبب احتقانا دمويا يساعد مساعدة قوية على اندفاع الطمث.

وذكروا أن المليصا يقوم مقام الشاي فمن النافع أن يستعمل من منقوعه كل يوم بعض أكواب وربما كان ذلك نافعا للأشخاص المسترخية أبدانهم ، ولكنه مضر للمنحولين المهزولين ولمن أليافهم قابلة للتهيج ، بل هناك معدلا لا تصلح لها تلك المنبهات اليومية ؛ لأنها تكدر وظيفة الهضم القديمة وهي كونه عصبيا ومخيا ومفرحا. وذكر أن تلك الخواص تدخل فيها جميع استعمالاته العلاجية ، وأن الأمر لازم لفهم معانيها المخصوصة بها ؛ لأجل الوقوف على خطأ تعقل القدماء ، فأما قولهم أدوية عصية ففيه أن ذلك التعبير أفاد معنى غير محدود وما كان كذلك لا يؤخذ منه معنى حقيقي مراد ، وما قولنا مضادات للتشنج بالمعنى الذي توافقنا عليه فهو أقل إبهاما وذلك لا يظن أن الأدوية العصبية هي التي يمكن استعمالها في الأمراض المصيبة للمجموع العصبي ؛ لأن هذا التعبير مختصر المعنى فتفنى به الفواعل التي تسخن جملة المجموع العصبي مباشرة تسخينا مقبولا أو جزأ من هذا المجموع فالأوجاع العصبية هي التي تستدعي استعمالها ، وكذا أحوال ضعف الأعصاب وسيما الأعصاب المخية الفقرية ومن المعلوم أن تقدم معارف التشريح المرضي واتقان التشخيص الموضعي لأمراض المجموع العصبي المنسوب للحياة النسبية ، يلزم كونهما يحددان عدد الأحوال التي كان يظهر فيها لزوم استعمال الأدوية العصبية تحديدا جليلا حتى لا تستعمل تلك الأدوية بالأكثر إلا في الأنواع الشللية إلا أعارضا لآفات عضوية لا تخرج في الغالب عن المخ ، ومن السعد أننا لا نقتصر في أمراض المراكز العصبية أو متعلقاتها على تغيراتها المادية التي يعسر أخذ تشخيصها من الطبيب أكثر من أخذه من تقدم التشريح المرضى فيمكن أن يحصل من صناعة تأثير عظيم يدخل فيه الأدوية العصبية أحيانا ، بل يمكن إثبات أن استعمالها ليس عديم التناسب كما زعموا في

٣٠٥

الأحوال التي ذكرناها ، بل ربما كانت موضوعة في أعلى درجة من العلاج ، وذلك أن الأشخاص الذين معهم إصابة عضوية قد لا يكونون مشلولين ، وكذلك الذين حصل لهم شلل قد لا يكون معهم إصابة عضوية في المخ ، فالتغير المخي مثلا ليس علة فاعلة للشلل ، وإنما هو سبب قريب أو محدث له ، فالمنبهات العصبية تؤثر على هذه العلة الفاعلية ، أعني على التأثير الذي يمكن أن يرجع كما كان بكل قوته في الأجزاء المشلولة قهرا عن الآفة العصبية ، وسيما إذا كانت قليلة الاتساع وقليلة التعمق ، والأدوية العصبية كانت أول الأدوية استعمالا ، ويقال : إن أول استعمالها كانت من الظاهر في الجراح فاستعملها أطباء العساكر ملحمة للجراح ومضادة للعفونة ؛ لأن هذه النباتات لما استعملت لتصبير الموتى وحفظ أجسامهم والمنظر والرائحة ، وكانت مستنتجات الجراح منشأ لتصور الموت ولتحاليل التراكيب الجزئية ، وامتد ذلك بالطبيعة لعلاج تلك الأمراض بالوسائط التي تنجح جيدا في الاحتراس على الجثث من الذوبانات العفنة ، ومن المحقق إنه في معظم الأحوال كانت تعالج بها حينئذ تفرقات الاتصال البسيطة المتعرية عن كل صفة خاصة تستدعي دلالة غير الانضمام ، وأن الالتحام المراد تحصيل يعارض بوضع هذه الأجسام الغريبة بين الأسطحة المنقسمة ، أي المنفصلة.

وبالغ الجراحون في الخطر الذي نسبوه للتغيير على الجروح البسيطة بالأدوية الملحمة للجروح والمولدة للحم ، وقالوا : إن التدخينات ببعض الإدهان والزيت ووضع البلاسم والشحوم البلسمية على الجروح الاعتيادية وعلى التمزقات اللحمية ونحو ذلك تعين على التحام بكيفية غريبة ، وتنتج حينئذ نتائج عظيمة من الحرارة التي تستعمل بانتظام في علاج الجروح فإذا يشاهد كما هو مذكور في الخواص العلاجية للحرارة أن الجروح تلتحم بدون التهاب في الغالب ، فلما انتقل استعمال الأدوية من الطب الحربي للطب المدني اشتهر استعمالها عموما لشفاء الجروح الحاصلة من ذاتها وقروح الساق والقلاعات وأوجاع العين ونحو ذلك ، ويلزم أن ينال من ذلك شفاء حقيقي ؛ لأن الغسلات والمراهم والقطرات والمضامض المحضرة من بعض نباتات عطرية ومنبهة تستعمل في أيامنا هذه بنفع في كثير من أحوال شبيهة بذلك كما تستعمل من الباطن أيضا فالأدوية العصبية أدوية خاصيتها إيقاظ التأثير العصبي وحفظه في الأعضاء ، وفي أجهزة الحياة النسبية ، وكانت شهرة نفعها بالأكثر أن توضع مباشرة على نفس الأجزاء العصبية ، كما كانت تنفع غالبا لتحصيل تلك الغاية إذا استعملت من الباطن فتنتج نتائجها بواسطة الدورة والتأثير العصبي ، وامتد أيضا استعمالها من الظاهر لجميع الأوجاع العصبية التي في الأطراف وأعضاء الحس ، فهذا ما نعرفه من المعالجات القديمة وسعة التأثير الذي توافقوا عليه للأدوية المذكورة ، ولأجل أن نذكر بعض

٣٠٦

استعمالات صحيحة للأدوية والعصبية وسيما المليسا نقول إنها تستعمل من الباطن في الضعف العقلي ، وتكدر الحواس المشاهدين في مد نقاهة الأمراض الطويلة وفي الأوجاع المخية التي في الأشخاص العصبيين ، وفي الظلمة الوقتية في البصر وطنين الأذنين ، والسد والدولر إذا كان ذلك في نساء أو رجال مشتغلين بالأشغال العقلية ، وليست نتيجة امتلاء فيهم ، وأوصى بعض مشاهير الأطباء باستعمالها كاستعمال الشاي في الصباح على الخصوص للشيوخ السمان الضعاف الحاسية ، وتستعمل مروحا من الظاهر في الأوجاع الروماتزمية المصاحب للحمى وفي الأوجاع العصبية المنبهة القليلة الشدة وعلى الأطراف وحول المفاصل المأمورة بالسكون زمنا طويلا لأجل كسر أو خلع ، وتستعمل غسلات في الضعف المبتدئ في البصر وتحمل على قطنة تدخل في القناة السمعية لتسكن أوجاعها ، وعند اضطراب اليدين وانزعاج الرأس من الآفات التي تنفع فيها الأدوية العصبية ، وسيما المليصا فإن لها شهرة في منعها أو تخفيفها ، ودهنها الطيار هو الذي يلزم استعماله في تلك الأحوال الأخيرة ، وربما كانت الدلكات الخفيفة المفعولة بهذا الدهن في عرق النسا والوجع الروماتزمي العضلي ونحو ذلك إنما تؤثر كأدوية مصرفة ؛ لأن هذه الدلكات تحمر الجلد بسهولة ، ونسب ديسقوريدس لهذا الجوهر خاصية شفاء لدغ العقارب ونهش الحيوانات المسمة والمكلبة من بعد تشطيبه أو وضع الكاسات أوكيه ، ويغسل به عند العامة أيضا لدغ النحل ونهش الأفاعي ، ثم يستعمل ماؤه المقطر ليخدم حينئذ مصلحا طبيعيا للعوارض الخفيفة التي تتبع ذلك قريبا.

وذكر جالينوس أنه هو الذي يقوم مقام الفرانسيون في كل شيء ، ونقل ذلك عنه ايطيوس وأورياس وغيرهما بدون أن يغيروا تعبير شيخهم كما هي عاداتهم مع أن الفرانسيون يختلف بالكلية عن تأثير لمليصا وما بقية الاستعمالات لهذا الجوهر فداخله في الخاصيتين الأخيرتين فإذا جعلنا وصف الأدوية المخية شاملا لجميع الأدوية التي يمكن استعمالها في أمراض الرأس لزم من ذلك إخراج هذا الوصف من اللسان الطبي بالكلية فإذا قصرناه على بعض فواعل كيماوية علاجية ، وهي تؤثر بطريق الشم ، ونادرا بالفم سهل بذلك إخراج عدد كثير منها عن أوجاع الرأس وسيما التي تنبه المخ سريعا تنبيها مقبولا وخصوصا العضو الذي يخدم لظهور قوى تعقل فيمكن إذا تحمل هذا الوصف بدون خطر فالمؤلفون الذين يستعملون هذه الكلمة ، أعني أدوية مخية وإن لم يبينوا أنواع الخواص التي تذكر هنا لتلك الأدوية إنما يعنون بها ما ذكرناه كما يفهم من كلامهم ، ومن الواضح أنه لأجل الجري على ذلك يلزم أن تكون تلك الأدوية المخية متمتعة برائحة مقبولة ، ولكنها منتشرة نفاذة فهذين الوصفين تميز عن غيرها ، وبالنظر لذلك تكون المليصا في الرتبة الأولى من ذلك ، ويشهد لهذا الشهرة العظمية لماء المليصا.

٣٠٧

وقد ذكرنا هذا الأدوية تؤثر غالبا بحس الشم فإذا تؤثر فيه بكيفيتين تعينان على نتيجة واحدة ، وذلك الفعل المزدوج يحصل في آن واحد إذا استنشق بالأنف مسحوقات مخية مثل مسحوق المرزنجوش وآذان الجدي المسمى بطونيكا ونحوهما ، وذلك لأن هذه المساحيق بخواصها الطبيعية والكيماوية تسبب انطباعا مهيجا في الغشاء النخامي الممتع بالحساسة العامة التي في الأغشية المخاطية.

ومن المعلوم أن هذا الانطباع يوقظ الإحساسات فينبه جميع الظاهرات المخية ، التي لها ارتباط بالوظائف العقلية وزيادة على ذلك أنها تؤثر بخواصها المريحة القوية المقبولة على حساسية الخاصية الشمية التي في هذا الغشاء فكل يكابد من التصعدات المقبولة تأثيرا قويا على الاستعدادات العقلية والتعقلات التصورية ويقال : إنه ينسب للأول من تلك الانطباعات التنبه البسيط للمخ وتنسب للثاني النتائج المخصوصة اللطيفة المضحكة التي تطلبها قبائل المشرق مع الشراهة لها ، وهذان التأثيران المنعزلان يمكن وجدانهما فالأول يوجد في نغمشة الحفر الأنفية أو رائحة روح النوشادر ومدة الغشي والثاني في الانطباع الملذذ الذي يحمله للحواس استنشاق معطر بمروره على أوارد أو نحوهما ، وهذا الانطباع قد يبلغ إلى الدوار والسكر وسيما إذا كان من رائحة نباتات بلسمية ، وعلى مقتضى ذلك يكون التبغ مخيا قويا وليس الطبيب وحده هو الذي يشتغل بنوع تلك الجواهر ، بل أكثر منه العطريون ؛ لأن الانتفاع بها في الزينة والتحمل أكثر من دخولها في الدلالات العلاجية ، وتدخل المليصا في تركيب كثير من المياه العطرية المخية ، ويدخل استعمالها من الباطن في مثل ما ذكر في استعمال الأدوية العصبية فإذا قرب ما ذكروه من فاعلية الصموغ النتنة في أحوال أخر للخاصية المنسوبة إلى الأدوية المخية كان من العقل ظن أن الرائحة أو التبخيرات المتصاعد في بعض الجواهر النتنة الكريهة لها نتائج على المجموع الغددي مقابلة للنتائج التي تنتجها الرواح المقبولة على المجموع المخي. والطب الأوميوباتيكي ، أي الذي يعالج فيه كل مرض بإحداث مرض آخر صناعي جدد الاستعمال المخي للأدوية لكن بشروط ومطالب خارجة عن صناعة العلاج لبعض الأدوية ، وسيما المليصا فإن التعبير باسمها أقدم من الأونتين وتعريفها يعرف من اسمها ، وهل توجد فاعلات غير الكؤليات تنتج مثلها الفرح والانبساط وتزيل الغم والهم والزعل وتفتح تعقلات الذهن وتوقظ تخيلات ملذذة وغير ذلك؟

(في الاستعمالات الدوائية للمتقدمين):

ذكر كثير من القدماء أن هذا الجوهر من أعظم المفرحات ، وأنه يذهب أنواع الزعل والتخيلات المخية ، وسيما المتولدة عن الأخلاط السوداوية ، وذكر ابن سينا أنه يفرح

٣٠٨

القلب ، وقال : نحن لا نتجاسر على زعم ذلك فإن جميع الأدوية التي تخفف تعب الصحة أو تعيدها بعد زوالها تتبعها نتائج حميدة فتعيد للمريض الفرح والسرور ، ولكن ليس المطلوب هنا الوسائط التي تزيل الحزن بإزالتها الحالة الممرضة التي أحدثت هذا الحزن ، وإنما يلزم لاتصاف الدواء بكونه مفرحا أن يكون هو نفسه مفرحا للنفس مباشرة وبكيفية كأنها ذاتية عند ما تكون الآفات المحزنة كالماليخوليا ذاتية موضعية على فرض جواز التعبير بذلك فتكون تلك الأدوية بموجب ذلك مخصوصة بعلاج السوداويين والأبوخندريين ، وعده ديسقوريدس من النباتات التي تقدر على فتح قنوات المخ وطرد الأحزان المتسببة عن سموكة السوائل العصبية.

وذكر كثيرون أنه يصفى الذهن ، ويقوي الحافظة الضعيفة ، قال ابن البيطار : ما محصله لا خطر في استعمال منقوعه أو بعض نقط من دهنه في كوب من ماء سكري علاجا للعوارض المخية أو الأيبوخندرية ، ويكون من السعد أن يزول ولو بعض لحظات نوع الزعل الخارج عن العادة أو الحالة الماليخولية التي لا تقهر ، ثم قال ديسقوريدس وبطريق المشابهة نرى أن يؤمر باستعماله الشيوخ الذين تخلخلت قواهم العقلية ، أو انمحت كما هبطت أطرافهم وجميع وظائفهم الناشئة من المخ. اه. وذكروا جميع ما ذكره المتأخرون ، وقالوا : إن مضغ ورقه يقطع رائحة الشراب من الفم ، وهو أبلغ في ذلك من السعد وجذر البنفسج والسذاب والأيرسا ، والجلوس في طبيخه يدر الطمث ، والمضمضة به تزيل فساد الأسنان واستعمال ثلاثة دراهم من ورقه مع نصف درهم من نطرون ينفع من قرحة الأمعاء ، ويصلح لمن تسمم بالفطر وحصل له منه اختناق ، وإنما يكون النطرون في الحالة الأخيرة مثقالا والباذنجوية ثلاثة مثاقيل فإنه يزيل الاختناق العارض منه ، وينفع من المغص ، ويعمل من سحيقه لعوق بعسل علاجا للنفس الانتصابي ، والتضمد به من الملح يحلل الخنازير ينفي الجروح ، وأطالوا في خاصية تفريجه القلب وتقويته وتحليل السوداء وإنه يفتح سدد الدماغ شما وأكلا ، وينفع من الفواق والغشي الضعفي ، ويطرد الرياح من المعدة والأمعاء ، وانظر بقية الخواص في الأصل ، ومن غريب خواصه ما ذكروه من أنه إذا جففت نبتة تامة ببذرها ونورها وجميع أجزائها ، وجعلت في خرقة وشد عليها بخيط أبريسم ، وجعلت في الجيب أورثت القبول والمهابة. انته.

(في المقدار وكيفية الاستعمال):

يستعمل من الباطن منقوعه المصنوع بمقدار من درهم ونصف إلى ثلاثة دراهم ؛ لأجل خمسين درهما من الماء ، وهو مقبول يقوم مقام الشاي ، وماؤه المقطر يصنع بجزء منه وأربعة من الماء ، والمقدار للاستعمال من عشرة دراهم إلى ثلاثين ، وهو كثير الاستعمال شرابه يصنع

٣٠٩

بجزء منه جاف وستة عشر من ماء السكر ، والمقدار للاستعمال من عشرة إلى عشرين ، وخلاصته تصنع بجزء منه وثلاثة من الماء ، والاستعمال من ثلث درهم إلى درهم ، ودهنه الطيار يستعمل بمقدار من نقطتين إلى عشرين ، ويستعمل منقوعه غسلات وحمامات وتدخينات ، أي تبخيرات أما الباذرنجوية المركب فيصنع بأخذ ثمانية عشر من الجوهر وأربعة من قشر الليمون واثنين من كل من جوزبوا وكزبرة وجزء واحد من القرفة ومائة من ماء المليصا المقطر.

وفي بوشرده أن كؤلات المليصا المركب يصنع بأن ينقع مدة أربعة أيام في أربعة كج من الكؤل وسبعمائة وخمسين جراما من المليصا الجديدة المزهرة ، ومائة وخمسة وعشرين من قشر الليمون ، وأربعة وستين من كل من القرفة والقرنفل وجوزبوا ، واثنين وثلاثين من كل من الكزبرة الجافة والأنجليكا ويقطر ذلك على حمام مارية.

(الفوتنج):

وهو معرب عن الفارسي ، ويقال له أيضا : حبق. وربما قيل له : حبق التمساح ويسمى بالإفرنجية قلمنت باللطينية قلمنتا ، وجعله أسفوبولي من جنس تيموس ، أي الحاشا فسماه تيموس قلمنتا ، وجرى على ذلك ريشار ، وينبغي أن تعلم أن اسم فوتنج أدخل فيه المتقدمون نباتات من أجناس مختلفة ، وقالوا : إن أنواعه كثيرة ترجع إلى بري وبستاني وكل منهما إما جبلي ، أي لا يحتاج إلى سقي أو نهري لا ينبت بدون الماء ، ويختلف بالطول ودقة الورق والزغب والخشونة ، ونظائرها فالجبلي البري رقيق الورق سبط حريف والبستاني أكثر أوراقا وأخشن وأغلظ وأقرب على الاستدارة ، وهذا هو المشكطرا مشيغ بالمهملة والموحدة ومنه نوع أصفر إلى سواد يسمى المشكطرا مشيغ بالمعجمة والمثناة التحتية.

وأما النهري فهو الفودنج المطلق ، وقد يسمى حبق التمساح ، وهو يقارب السعتر البستاني وفيه طراوة وهو حار لرائحة عطري والبستاني منه هو النعنع وربما انقلب البري من النهر نعنعنا. انتهي.

وقال ابن البيطار : أجناسه ثلاثة بري وجبلي ونهري ، فأما البري فهو نبات معروف ، وهو اللبلابة بعجمية الأندلس ، وعامة مصر تسميه فليه بفاء مضمومة ولام مفتوحة ، ثم هاء ، وهو المسمى باليونانية غليجن بالغين المعجمة المفتوحة بعدها لام مكسورة ، ثم ياء منقوطة باثنتين من أسفل ساكنة ، ثم جيم مضمومة ، ثم نون ، وهو ينبت في الصحارى ، وورقه مدور شبيه بورق السعتر ، ورائحته وطعمه يشبهان رائحته الفودنج البحري ، وأهل الشام يسمونه

٣١٠

سعترا ، ثم قال : وأما دقطمين ، وهو الذي يسميه بعض الناس غليجن أغريا ، وهو المشكطرا مشير فإنه ينبت في الجزيرة التي يقال لها : أفريطي ، أي كريت ، وهو حريف جدا شبيه بغيلجين إلا أن ورقه أكبر ، وهو شبيه بورق النبات الذي يقال له : غنافيلن ، وهو الذي نسميه غنافليون أوجنافاليون وورق غنافيلن أبيض لين تحشى به الفرش مثل الصوف فيقوم مقامه وغيلجن دقطمين شيء كالصوف وليس له زهر ولا ثمر ويفعل كل ما يفعلهما لغليجن الأهلي إلا أنه أقوى منه بكثير ؛ لأنه لا يطرد الأجنة الميتة بالشرب ، وإنما يفعل ذلك إذا احتمل وتدخن به ، وزعم قوم أن المغرياقريطي ، أي جزيرة كريت إذا رميت بالنشاب رعت من هذا النبات فيتساقط عنها ما رميت به.

وأما النبات الذي يقال له : فسود ودقطمين وتأويله مشكطرا مشير زولان فسود ، معناه كاذب فيكون المعنى دقطمين كاذب ، أي مشكطرا مشيغ زور فإنه ينبت في مواضع كثيرة ، وهو شبيه بالدقطمين إلا أنه أصغر منه ، ويفعل كل ما يفعله الدقطمين إلا أنه أضعف ، وقد يؤتى من أقريطي بنوع آخر من الدقطمين ، ورقه يشبه ورق الصنف من النمام الذي يقال له : سيسنيريون إلا أن أغصانه أكبر من أغصانه وفي أطرافه شبه زهر أوريغانس الذي هو ليس ببستاني أسود اللون ناعم ، ورائحة ورقه فيما بين السيسنيريون ، ورائحة النبات الذي يقال له : الأسفاقس رائحة طيبة ، ويفعل كل ما يفعله الدقطمين إلا أنه أضعف ورق الباذروج وله أغصان وقضبان مزورات وزهر فرفيري ومنه ما يشبه غليجن غير أنه أكبر منه. انتهي.

والنباتات التي اندرجت في تلك العبارات منها ما سبق لنا ذكره ، ومنها ما سنذكره ، وهذا الفودنج الذي يسمى قالامانتي هو الذي سبق لنا ذكره آنفا.

(في صفاته النباتية):

ساقه حشيشية متفرعة قائمة مربعة الزوايا زغبية ، والأوراق قلبية الشكل مستديرة ذينبية مسننة رخوة زغبية ، والأزهار حمر فرفيرية مهيأة بهيئة باقة صغيرة ، وذوات حوامل في إبط الأوراق العليا ، فكل زهرة لها حامل صغير ، والكأس أنبوي مضلع زغبي عليه وبر من الباطن ، وهو ذو شفتين العليا لها ثلاثة أسنان قائمة ، والسفلى لها أسنان أطول من أسنان العليا ، وشكلها مخرازي وأنبوبة التويج ضيقة أسطوانية آخذة في الانتفاخ ببطء ، وحافة الهدب منفتحة ثنائية الشفة ، فشفتها العليا مستديرة مقورة تغطي أعضاء التناسل ، وشفتها السفلى ذات فصوص ثلاثة اثنان جانبيان بيضاوان مستديران محفوفا الزاوية ، والفص المتوسط أعرض ومقور قليلا ، وهذا النبات ينبت في الغابات المرتفعة الجافة أواخر الصيف ، قال ميرة : ويظهر أنه هو المسمى عند ديسقوريدس قالا منت.

٣١١

(في صفاته الطبيعية واستعماله للمتأخرين):

قال بوشرده : هو نبات مر الطعم عطري ، لكنه أقل درجة المليصا ، وليس فيه رائحة الليمون ؛ ولذا كان أقل قوة منه وأقل استعمالا في الطب وربما قرب بصفاته الطبيعية من النعنع واشتبه به. اهـ.

وقال توروسو : عطرية النبات تجعله منبها مقويا قلبيا كأغلب النباتات الشفوية ، قال ليمري : إنه يطرد الأفعى والثعابين المسمة ، ويحرض الطمث ، وهو يدخل في شراب البرنجاسف والترياق وشراب الأسطوخودس وغير ذلك ، وتستعمل أطرافه المزهرة بمقدار درهمين لأجل مائة درهم من الماء منقوعا.

(في استعمالاته الدوائية للمتقدمين):

قالوا حيث كان فيه في حدة ومرارة يسيرة كان ملطفا تلطيفا قويا ، ودليل ذلك أنه إذا وضع من خارج كالضماد فإنه يحمر الموضع ، وإن ترك موضوعا مدة طويلة أحدث قرحة ومما يثبت تلطيفة إخراجه بالنفث من الصدر والرئة الأخلاط الغليظة اللزجة ، وأنه يدر الطمث إذا وضع في المحل ، صوفه مبتلة من عصيره ، وإذا شرب بالملح أو العسل أخرج الفضول التي في المعدة ، ونفع من الكزاز ، وإذا شرب بالخل الممزوج بالماء سكن الغثيان والحرقة العارضة في المعدة ، وإذا شرب بالشراب نفع من نهش الهوام ، وإذا ضمد به وحده وأدمن التضميد به إلى أن يحمر الموضع نفع من النقرس والتضميد به مع الخل ينفع المطحولين ، وإذا استحم بطبيخه سكن الحكة ، وإذا جلس النساء في طبيخه كان موافقا للريح العارضة في الرحم والصلابة ، وإذا رعته النغم كثر ثغاؤها ، أي صياحها ، ولذلك اشتق له اسم غليجين.

وأما الفودنج البري بأصنافه فهو أضعف قوة من النهري إذا شرب وتضمد به نفع من نهش الهوام ، وطبيخه يدر البول وينفع من رض العضل وعسر البول والنفس الانتصابي والمغصي والهيضة والنافض إذا شرب بشراب قبل مجيء الحمى ، وهو ينقي صفرة اليرقان إذا استحم بمائه ، وإذا شرب بالعسل قتل دود البطن الطوال وحب القرع والتدخين بورقه يخرج الهوام ويطردها وافتراشه في البيوت يفعل ذلك وإذا ضمدته عرق النسا حتى قرح الجلد نفعه وعصارته تقتل دود الأذن وأي دود كان قطورا ، وإذا طبخ بالزيت صلح مروخا للنافض ، وهو من أدوية المجذومين ، وإذا وضع يابسا على موضع النهوش قرحها وجذب سمها ، وإذا وضعت عصارته أو ذر سحيقه على أي دود كان قتله ، والجبلي والمشكطرا مشيغ أقوى في ذلك كله.

٣١٢

(في أنواع المليصا التي لها استعمالات في الطب):

من الأنواع ما يسمى باللسان النباتي مليصا نيبيتا له شبه بالنوع السابق ، ومحل منبته مثله ، ويزهر أيضا في ابتداء الخريف ، وقوة رائحته تقرب من رائحة البوليوت ، أي المشكطرا مشيغ وبسبب ذلك سمي في الدساتير القديمة قالا منتا أي الشبيه رائحته برائحة النعنع المشكطرا مشيغي ، أي الفوتنج النعنعي ، وهو كثير التنبيه كما قال (هالير) الذي شاهد أن طول ملامسته للجلد ينتج حوصلات لكن هذه الصفة توجد في جميع النباتات الشفوية ، قال ميرة : ولا يشتبه عليك هذا القلمنت ، ولا النوع السابق حيث وضعهما بعض المؤلفين من نباتات تيموس ، أي الحاشا بالريحان البري أو فرنجمشك كما يحصل ذلك عند الصيدلانيين ، بل عند الأقرباذينيين ؛ لأن هذه النباتات وإن كانت في الحقيقة قريبة له لكنها متميزة عنه بالأوصاف النباتية ؛ لأن هذا الأخير له محيطات وريقية متفرعة تحيط بأزهاره ومهيأة بهيئة إحاطية ، ولأن ذلك لا يوجد في النباتات القالامنتية ، أي الفودنجية ، وهذا النوع الذي نحن بصدده ، أعني المليسا نيبيتا ، أعني القلمنت الحقيقي ، أي الفودنج الحقيقي.

ومن الأنواع ما يسمى عند جالينوس بالمليصا الكبيرة الأزهار وسوق هذا النبات زغبية قليلا ومزينة بأوراق بيضاوية حادة مسننة تسنينا منشاريا ، والأزهار كبيرة حمرقانية ومهيأة بهيئة عناقيد انتهائية ، وعددها ثلاث أو أربع محمولة على حوامل فيها طول ، وهذا النبات الجميل ينبت طبيعة بالأقاليم الجبلية الجافة بجنوب أوروبا.

(في بيان أنواع من أجناس تنسبها العامة للمليصا وليست منها):

فمن ذلك ما يسمى عند العامة مليصا الغابات ، وهو نبات سمالينوس ميليطس ميليسوفيلون ، أي الشبيهة أوراقه بأوراق المليصا ، فجنسه ميليطس من الفصيلة الشفوية مزدوج القوة عاري الثمر ، وصفاته أن الكأس كبير ناقوسي ثنائي الشفة ذو ثلاثة أقسام متساوية ، والتويج قدر الكأس مرتين في الطول ، وأنبوبته متسعة نحو المدخل وحافته ذات شفتين مفتوحتين فالعليا كاملة مسطحة ، والسفلى ذات نصوص ثلاثة غير متساوية ومحفوفة الزاوية ، والثمر حبي لا ينفتح مثلث الجوانب زغبي ، والنوع المذكور هو الوحيد لهذا الجنس ؛ لأن الذي سماه سميت ميليطس غرند فلورا الكبير الأزهار إنما هو صنف منه ، وهذا النبات الشفوي أزهاره أجمل الأزهار البرية وألطفها بأوروبا ، وينبت بالغابات المظللة وساقه مربعة قائمة تعلو أحيانا إلى نصف متر ، وتحمل أوراقا متقابلة ذينبة بيضاوية وفيها بعض حدة وزغبية ومسننة الحافات تسنينا استداريا ، عصابها بارزة في وجهها السفلى ، والأزهار كبيرة

٣١٣

بيض يتجمع منها عدد من اثنين إلا أربع في آباطا لأوراق العليا ، وجميع أجزاء هذا النبات تتصاعد منها رائحة قوية جدا بسببها سمي بالمليصا النتنة أو المليصا البقية ، أي رائحتها كرائحة البق وطعم هذا النبات حريف ، وأوراقه شبيهة بأوراق المليسا وبسبب ذلك سمي بمليسا الغابات ، واستعمله زنفور وغيره في حبس البول ويقال : إنه جيد لأمراض الصدر.

(الفرنجمشك):

ويقال له أيضا : برنجمشك وفلنجمشك ، وهو الحبق القرنفلي ، والأسماء المذكورة معربة عن الفارسي ، وهذا النبات من الفصيلة الشفوية ذو قوتين عاري الثمر ، وصفاته أن حافة الكأس تنقسم من الأعلى إلى ثلاثة أجزاء ومن الأسفل إلى جزأين ، وحلق التويج متسع اتساعا واضحا ، وذلك التويج ذو شفتين فالعليا مستقيمة منتهية بجيب داخل ، والسفلى ثلاثية الشقق ، وفصها المتوسط أكبر ، ومقور نباتات هذا الحبق حشيشية ، وأزهارها إبطية مخية المنشأ ولها وريقات زهرية حريرية قليلة العدد ، وتسكن الأقاليم المعتدلة من نصفي الكرة ، والنوع الشهير الذي نحن بصدده يكثر وجوده نحو أواخر الصيف في الغابات وقرب الزروب الشجرية ، وساقه زغبية بسيطة في العادة ، وأزهاره مهيأة بهيئة إحاطية في قمة النبات ، والغالب كونها وردية ، وقد يختلف هذا اللون أحيانا بل قد يكون لونها أبيض ، والخواص المعوية والمخية المنسوبة لهذا النبات أقل وضوحا فيه منها في غيره من النباتات الشفوية نظرا لقلة الدهن الطيار الذي فيه ، والقاعدة المرة المحتوي هو عليها ، ومع ذلك اعتبروه نافعا في أمراض المخ ومضادا للتشنج ومقويا قابضا جيدا للصلاح للدغ الحيوانات المسمة فيستعمل لذلك مطبوخه ، وبالجملة خواصه كخواص أغلب النباتات الشفوية ، لكن بضعف كما علمت ؛ لأنه قليل الرائحة ؛ ولذا قل استعماله الآن مع أنه كان سابقا كثير الاستعمال ، وكانوا يسمونه ورد القرنفل والقرنفل البستاني.

(في استعمالاته الدوائية للمتقدمين):

ذكر المتقدمين لهذا النبات صنفين بري وبستاني ، فالأول منابته الصخور يشبه ورقه ورق النمام وعيدانه إلى الاستدارة ورائحته عطرية ، والبستاني مربع العيدان وورقه كالباذروج ، أي الريحان البري ولونه بين الصفرة والخضرة ، وهو أكمل خضرة وكأنه إلى الزغب ، وفي رائحته قرنفلية ، ومنابته السهول ومجاري المياه والسباخ ، ولكن البري أقوى ، وهو يفتح السدد العارضة في الدماغ شمار وأكلا وطلاء ، وينفع من خفقان القلب العارض من البلغم والسوداء ، وإن أكل أوشم فتح المنخزين ، وهو جيد للبواسير ، وأعدل من المرزنجوس

٣١٤

والنمام ، وينفع الكبد ويقوي القلب والمعدة الباردة ، ويهضم الأطعمة الغليظة ، ويجشى جثاء طيبا ، وإذا شرب بزره جفف المنى مع أن بعضهم قال : إذا شرب بزره بحليب الضأن أنعظ جدا. وقالوا : إنه يحلل الرياح ويسكن المغص ، ويفتق الشهوة ويسكن الصداع البارد ، وهو أعظم من المرزنجوش فيما يقال ودهنه العطري يحل الإعياء ، ويشد العصب ويقطع الأعراق الخبيثة ، وربما دخل هذا النبات في طبيخ الأطعمة ، وهو يمنع الفساد عن الخمر وسائر الأشربة ، والخلول إذا قطعت أغصانه وطرحت فيه.

(إكليل الجبل):

يسمى بالإفرنجية رومران ، وباللسان النباتي رسمارينوس أوفسنالس ، وهو شجرة تنبت بنفسها على شواطئ البحار بين الصخور ، وتألف الأراضي اليابسة المعرضة للشمس ، ويتصاعد منها روائح مقبولة تنتشر لمحال بعيدة ، وكان معروفا عند القدماء حتى كان عندهم من النباتات التي يحلون تيجانهم في الأعياد بها ، وإن قال ابن البيطار : إن ديسقوريدس وجالينوس لم يذكرا إكليل الجبل ألبتة. اه.

وعبارة ابن البيطار إكليل الجبل نبات مشهور ببلاد الأندلس ، ويكثر في الجبال والأرضين المحصحصة والقليلة التراب ، وهو بالإسكندرية في غيطانهم كثير مزروع يعدونه من جملة الرياحين ، وباعة العطر بها وبمصر يصرفون ورقها على أنها القردمانا.

قال : وهذا خطأ كثير ؛ لأن القردمانا بزر وهذا ورق ، وأما الشريف في مفرداته فإنه لما ذكر هذا الدواء أضاف إليه منافع دواء آخر ذكره ديسقوريدس يعرف باليونانية باسم لينانوطس وهذا خطأ ؛ لأن ديسقوريدس وجالينوس لم يذكرا إكليل الجبل ألبتة فاعلم ذلك. اه.

وذكر ابن البيطار في شرح لينانوطس ما محصله أنه نبات ذو أصناف واسمه مأخوذ من لينانو باليونانية ، وهو الكندر لوجود رائحة الكندر في هذه الأصناف ، وزعم ابن جلجل أن الإكليل الجبلي المعروف عند أهل الأندلس بإكليل النفساء وهذا غلط محض وتابعه جماعة ممن أتى بعده قبل الشريف الإدريسي ، فإنه ذكر الإكليل الجبلي في مفرداته تكلم على أنواع اللينانوطس على أنها للإكليل وهذا تخبيط وعدم تحقيق في النقل ، ثم حرر ابن البيطار أنواعا للينانوطس وسماها ابن البيطار أنواعا للينانوطس وسماها بأسمائها المعروفة الآن بها في تلك البلاد ، ووسع المقام بها في ذلك ، ونقل جماعة عبارات عن ديسقوريدس وجالينوس فيها شروح نباتية واستعمالات طبية ، وأفاد أن جذور هذه الأصناف فيها رائحة الكندر ، ثم نقول : إن إكليل الجبل كان معروفا عند القدماء ، وإن فهم من عبارة ابن البيطار ما يخالف ذلك ،

٣١٥

والمستعمل في الطب أوراقه وأطرافه المزهرة وجنسه وسماه ريترس بضم الراء الأولى من الفصيلة الشفوية ثنائي الذكور أحادي الإناث.

(في الصفات النباتية للتنوع المذكور):

هو شجيرة تعلو من ستة أقدام إلى ثمانية ، وتنبت على صخور الأقسام البحرية ، وفروعها مستطيلة زووية زغبية في أول أزمنة نموها ، والأوراق متقابلة عديمة الذنيب ضيقة سهمية محفوظة الزاوية ، ووجهها العلوي أملس والسفلي زغبي مبيض ، والأزهار زرق شديد الانتفاع مهيأة بهيئة سنبلة في أطراف التفرعات الجديدة من الساق ، والكأس ذو شفتين علياهما تامة مخززة على شكل قوة ، وسفلاهما متفرعة فرعين وهو الجزء الذكي الرائحة ، والتويج ذو شفتين أيضا ، وطول أنبوبته كطول الكأس ، ويوجد في وقتها حدبة صغيرة ، والشفة العليا ثنائية الشقق والسفلى ذات فصوص عميقة ، والفص المتوسط أكبر وأعرض ، وهو محفوف الزاوية ومقور تقوير قلبيا في قاعدته ، وأعضاء الذكور اثنان أطول من الشفة العليا وهما مرتبطان في أعلى أنبوبة التويج ، والأعصاب محززات ، والحشفات منضغطة من الجانبين ، وكل منهما ذو مخزن واحد ، والمبيض ذو أربعة فصوص ، والمهبل أطول من أعضاء الذكور محزازي أيضا ومنته بفرج بسيط يكاد لا يتميز عن المهبل ، والثمر رباعي الفصوص ، وهذه الشجيرة تألف شواطئ البحر المتوسط.

(في صفاته الطبيعية):

أوراقه ضيقة مخضرة شديدة من الأعلى ، ومبيضة من الأسفل ، وأزهاره زرق شفوية ، وطعمه حريف مر فيه بعض قبض وله رائحة قوية عطرية ناشئة من دهن طيار كافوري ؛ ولذلك تنتشر رائحته لمكان بعيد ويرعاه النحل فيخرج منه عسل عطري الرائحة.

(في خواصه الكيماوية):

يحتوي هذا النبات على مقدار عظيم من دهن طيار عديم اللون ، يرسب منه مع الزمن عشر وزنه من كافور ، ويحتوي على قاعدة راتنجية وكبريتات الحديد.

(في نتائجه الصحية):

هذا الدواء له تأثير عظيم واضح على عضو الشم ، وينتج في باطن الفم حس حرارة وخرافة مختلطة بقبض يسير ، وإذا استعمل منقوعه المائي حصل منه تنبه في المعدة ، فإذا كان

٣١٦

في ذلك العضو شدة حساسية ، أو كان متهيجا ظهر هذا التنبه بحس وخز في القسم المعدي ، فإذا كانت المعدة سليمة حصل منه فتح لشهية أو إعانة على الهضم على حسب كون الاستعمال على الخواء ، أو مع الأكل فإذا استعمل من منقوعه جملة أكواب نفذت القواعد الفعالة لهذا المشروب في دورة الدم ، وانتشرت في جميع الجسم ، ونبهت جميع المنسوجات الحية فحينئذ تظهر ظاهرات جديدة تعلن بأن تأثير هذا الدواء عام فيتواتر النبض ، وتشتد الحرارة ، ويكثر التنفيس الجلدي ، ويدل على تنبه المخ قوة أعضاء الحس ونمو القوى الآدابية ، ويعلم من نسبة القوة العضلية أن النخاع الشوكي شارك في زيادة الحيوية ويدل على حصول مثل ذلك في الضفائر العصبية المنسوبة للعصب العظيم الاشتراكي ظهور حيوية في الأعين والوجه وحس وقوة في القسم المعدي وحالة فرح واستبشار.

(في نتائجه الدوائية):

الأطباء يستعملون منقوع هذا النبات ضد الفقد الشهية ، وللهضم البطيء الشاق ونحو ذلك ، وينال منه النجاح إذا كانت هذه العوارض ناشئة من لين أورقه في أغشية المعدة ، أو الأمعاء أو من ضعف حيوي في تلك الأعضاء وأوصوا باستعمال هذا المشروب في السعال الرطب ، وفيما إذا كان النفث عسرا ؛ لأن المنسوج الرئوي فقد حينئذ شدته وقوته المادية ، فمن تلك القواعد تنشر حتى النتائج الصحية التي يحدثها هذا الدواء ، ويصح أن يجري المذهب الصحي عليها بدون أن يحتاج الاهتداء بالتجربة العلاجية ، وأوصوا بهذا المنقوع كدواء مساعد للوسائط القوية المستعملة مباشرة في علاج الآفات السباتية ، وضعف المجموع العضلي المحرك ، وضعف الحواس وسيما البصر ، ونقص الحافظة ونحو ذلك ، وليس تأثيره المنبه في المخ والنخاع الشوكي والحبيلات العصبية متساويا في تلك الأجزاء فإن كان هناك آفات جاز أن تقاوم مع النجاح بالفعل المنبه ، بل ربما زالت بذلك بالكلية كتراكم المصل في الغلافات المخية والشوكية ، وميل اللب النخاعي للين وخمود الفعل المغذي للنصفين المخيين والنخاع المستطيل والنخاع الشوكي ونحو ذلك ، ولا ينكر نفع هذا الفعل المغذي للنصفين المخيين الجوهر في الخوروس فإن منقوعه ودهنه الطيار إذا نبها منسوج الرحم وأيقظا حيويته جاز أن يتسبب عن ذلك احتقان طمثي ، ويتحرض اندفاع الحيض كما أكد ذلك بعض المؤلفين ولا يستغرب كون هذه القوة المنبهة تسبب في بعض الأحوال هذه الاستفراغات في غير زمنها بتحريكها الدم ، ودفعه نحو الرحم بقوة ، ولا تنس أن مستحضراته إذا استعملت بمقادير كبيرة ودووم على استعمالها مدة أيام تسبب عنها في العادة حمى فإذا كان الجسم في حالة استعداد مرضي لزمه اعتبار توابع هذه الحمى ، وحسبان النتائج المضرة والنافعة التي

٣١٧

يمكن حصولها ، ونتج مما أسلفناه أن هذا النبات مقو منبه مضاد للعصب مقو للقلب للمخ وللدورة ومنبه للحواس وغير ذلك كغيره من النباتات الشفوية الشديدة العطرية ، أو صوابه في الدوار والاستيريا ، أي اختناق الرحم والايبوخندريا والشلل والنزلة الرطبة والآفات الضعيفة كبعض أنواع الخلوروزس والسيلان الأبيض ونحو ذلك.

(في المقدار وكيفية الاستعمال):

يستعمل منقوعه كوبا كوبا محلى بشراب مناسب ، ويصنع بأخذ درهمين من النبات ؛ لأجل رطلين ، أي مائتي درهم من الماء ، ويصنع منه ماء مقطر يستعمل ملعقة ملعقة أو أوقية أوقية ثمانية دراهم ، فإذا عرضت مع الكؤل أزهاره للتقطير نيل كؤل إكليل الجبل أو ماء ملكة ، ومن العظيم الاعتبار أن الأوراق الزهرية قليلة الطعم والرائحة وأن خوص الأزهار في كؤوسها.

(السنبل):

يصنع من هذا النوع الماء الروحي للسنبل ، وخصوصا ما يسمى بالدهن الطيار للسنبل الذي هو مصفر حريف حار عطري ذو رائحة نفاذة يستعمل في الصنائع كالأطلية مثلا ، وفي الطب ويغش كدهن الخزامي بدهن الترنبتينا ، وقد تشحم ورقة من هذا الزيت توضع على رأس الأطفال ؛ لأجل قتل القمل ، واستعمل هذا الدهن مروخا علاجا للشلل ، وبالاختصار خواص هذا النوع كخواص النوع السابق ولكن بدرجة أوضح وحيث إن نتائجه الصحية والدوائية مثل النوع السابق فلتكن مستحضراته ومقاديرها مثله.

(الخزامي وتسمى أيضا لوندا):

أزهار هذا النبات كالنبات نفسه منبهة ، وخاصية التنبيه ناشئة من دهنه الطيار الذي ترجع إليه الاستعمالات المهمة في العلاج ، ومدحوا منقوع الخزامي لتنبيه الجهاز المخي الشوكي ولزيادة التأثير الحيوي في الأعصاب ولا تنس أن هذا النبات يؤثر على الجسم الحي بتنبيهه المنسوجات العضوية وأنه يلزم قطع استعماله إذا كان فيه عوارض ، أي نتائج اشتراكية لتهيج أو التهاب في غشية الدماغ أو في المخ أو في النخاع الشوكي أو كان هناك حالة مثلا أو تنبه في المجموع الدوري أو ضخامة في القلب أو تمدد فيه ، أو نحو ذلك وفي النادر الآن استعمال مستحضراته من الباطن مع أنه كغيره من نباتات الفصيلة وإنما كثيرا ما يوضح كؤل الخزامي على القسم الشراسيفي وعلى طول الشوك الظهرية ونحو ذلك كثيرا فيكون هذا من الأوضاع

٣١٨

المنبهة التي وظيفتها إيقاظ حيوية الأعضاء التي توضع عليها ، ويستعمل دهنه الطيار مروخا للشلل ، ويدخل في الأطلية ويدخل في الأطلية ، ويصنع من أطرافه المزهرة حزم تباع لأجل أن يضعوها في بيوت الأخلية لتستر رائحتها في الدواليب وفي الصناديق التي توضع فيها الملابس والثياب ؛ لأجل حفظها من الديدان التي تأكلها ؛ لأن رائحتها العطرية تبقى محفوظة فيها بعد الجفاف مع مرارتها أيضا.

قال بعضهم : وفي الخزامي الصفات الحارة المنبهة الموجودة في أغلب النباتات الشفوية ، وهي أيضا مقوية مخية عصبية مناسبة لمقاومة أمراض الضعف ، كبعض آفات المعدة والرياح المعوية والأنزفة الضعيفة والسوائل البيض ، وبعض أنواع الخبوريا ونحو ذلك وتصنع من الخزامي حمامات مقوية للأطفال الضعاف والمصابين بتسوس السلسلة ويعطي دهنها الطيار نقطا في الجرع علاجا لبعض أمراض عصبية كالاستيريا ، أي اختناق الرحم والاهتزازات والسدر والدوار والآفات السباتية والنعاسية وبحة الصوت ، وتعسر الكلام والشلل سيما الكمنة حيث كان للخزامي صيت كبير في علاج هذا الداء بها ، واستعمل ماؤها المقطر في تلك الأحوال المختلفة ، وعرق الخزامي المسمى لوند لزينة النساء لا لكونه عطريا فقط ، بل لكونه مقويا للأعضاء فيصير بذلك جوهرا حقيقيا من جواهر الزينة ، وخل الخزامي مستعمل ويدخل هذا النبات في الماء المقطب للجروح ، والبلسم الهادي والبلسم العصبي وخل السراق الأربع وماء الكلونيا وغير ذلك ، ويندر استعمال مسحوقه بخلاف منقوعه الشائي ويصنع من الخزامي ضمادات محللة وكمادات عطرية مقوية ، وتصنع منه أكياس توضع على الاحتقانات المزمنة ونحو ذلك.

(في المقدار وكيفية الاستعمال):

أما من الباطن فمسحوقه نادر الاستعمال ، ومقداره من عشرين قمحة إلى درهم ، ومنقوعه من درهم إلى ثلاثة لأجل خمسين درهما من الماء المغلي ، وماؤه المقطر يصنع بجزء منه وأربعة أجزاء من الماء ، ومقداره من عشرة دراهم إلى ثلاثين في جرعة ، وصبغته تصنع بجزء من دهنه الطيار وسبعة من الأيتير الكبريتي ، والمقدار منها من عشر نقط إلى عشرين في جرعة أو حبوب ، وروح الخزامي من ثلاث نقط إلى عشرين ، وروح الخزامي المركب يصنع بأخذ ستة وتسعين من كؤلات الخزامي واثنين وثلاثين من كؤلات إكليل الجبل ، وجزء واحد من كل من القرفة وجوز الطيب وجزءين من الصندل الأحمر أو الدودة ، والاستعمال من ثلاثين نقطة إلى درهمين على قطعة من السكر ، أو في جرعة وكؤلات الخزامي النوشادر يصنع بأخذ اثنين وعشرين من تحت كربونات النوشادر السائل ، وجزء من الدهن الطيار للخزامي

٣١٩

وأربعة من الكؤول ، والاستعمال من عشر نقط إلى درهم ، ودهنه الطيار يستعمل بمقدار من نقطتين إلى خمس في جرب أو حبوب ، وأما من الظاهر فيستعمل المنقوع غسلات وكمادات وتبخيرات ، وتستعمل في جرعة أو حبوب ، وأما من الظاهر فيستعمل المنقوع غسلات وكمادات وتبخيرات وتستعمل الصبغة مروخات بمقدار كاف ، وخل الخزامي يصنع بجزء من الخزامي واثنى عشر من الخل ، والمقدار منه للدلك من خمسة دراهم إلى عشرة.

(الأسطوخودس):

هذا النبات مشهور ونافع في النزلة المخاطية والربو الرطب والآفات الرئوية المصاحبة للضعف ، وكذا لأجل تحريض الطمث ، واعتبره الأطباء واسطة جيدة مضادة للتشنج ، وخصوصا في بعض الأحوال العصبية كالقيء العصبي ، والمستعمل الأطراف المزهرة للفروع ، وسيما منقوعها كالشاي بمقدار من درهم إلى درهمين ، وهو أساس شراب الأسطوخودس ويدخل في الترياق.

(المريمية):

أصناف المريمية ثلاثة :

(أحدها) : المريمية الكبيرة التي ساقها متفرعة خشبية زغبية تحمل أوراقا مستطيلة عريضة محفوظة الزاوية ثخينة خشنة بيضية قطنية ، وتلك الأوراق عصارية قليلا ورائحتها مقبولة وطعمها عطري مر مع قليلا حرافة.

(وثانيها) : المريمية الصغيرة ، وتختلف عن الأولى بأوراقها التي هي أقل اتساعا وأصغر وأكثر بياضا وأقوى رائحة وطعمها ، وأكثر عطرية ، وزيادة على ذلك أن هذه الأوراق يصحبها غالبا أذينات في قاعدة ، وهذا الصنف هو الأقل.

(وثالثها) : مريمية قطالونيا متقاربة في الجميع ، أي أن الرائحة قوية عطرية والطعم حار لذاع فيه بعض مرارة.

(في النتائج الصحية) :

يصح أن يجعل هذا النبات أنموذجا للنباتات الشفوية التي يقوم منها القسم الثالث الذي ذكره توروسو في الكلام الكلي على الفصيلة نفسها ، أي أن نباتاته يظهر أن فعلها ناشئ من اجتماع جميع القواعد الدوائية ، أي الدهن الطيار والكافور ، والقاعدة المرة تحتوي المريمية

٣٢٠