كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي

كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5282-4

الصفحات: ٤٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

فيما سقى بالدواليب ، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وطاوس والضحاك فإن قالوا : كيف يؤدي الزكاة يوم الحصاد والحب في السنبل؟ وأيضا هذه السورة مكية وإيجاب الزكاة مدني؟ قلنا : لما تعذر إجراء قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ) [الأنعام : الآية ١٤١]. على ظاهره بالدليل الذي ذكرتم لا جرم حملناه على تعلق حق الزكاة به في ذلك الوقت ، والمعنى اعزموا على إيتاء الحق يوم الحصاد ولا تؤخروا عن أول وقت يمكن فيه الإيتاء والجواب عن السؤال الثاني لا نسلم أن الزكاة ما كانت واجبة في مكة بل لا نزاع أن الآية المدنية وردت بإيجابها إلا أن ذلك لا يمنع أنها كانت واجبة بمكة وقيل : أيضا هذه الآية مدنية.

(والقول الثاني) : إن هذا حق في المال سوى الزكاة وقال مجاهد : إذا حصدت فحضرت المساكين فاطرح لهم منه ، وإذا دسته وذريته فاطرح لهم منه ، وإذا كربلته فاطرح لهم منه وإذا عرفت كيله فاعزل زكاته.

(والقول الثالث) : إن هذا كان قبل وجوب الزكاة فلما فرضت الزكاة نسخ هذا ، وهذا قول سعيد بن جبير ، والأصح هو القول الأول ، والدليل عليه أن قوله تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ) [الأنعام : الآية ١٤١]. إنما يحسن ذكره لو كان ذلك الحق معوما قبل ورود هذه الآية ؛ لئلا تبقى هذه الآية مجملة وقد قال عليه الصلاة والسّلام : «ليس في المال حق سوى الزكاة». فوجب أن يكون المراد بهذا الحق حق الزكاة.

(البحث الثالث) :

قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) [الأنعام : الآية ١٤١]. بعد ذكر الأنواع الخمسة : وهو العنب والنخل والزرع الزيتون والرمان يدل على وجوب الزكاة في الكل ، وهذا يقتضي وجوب الزكاة في الثمار كما كان يقوله أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه ، فإن قالوا لفظ الحصاد مخصوص بالزرع ، فنقول لفظ الحصد في أصل اللغة غير مخصوص بالزرع والدليل عليه أن الحصد في اللغة عبارة عن القطع ، وذلك يتناول الكل ، وأيضا الضمير في قوله حصاده يجب عوده إلى قرب المذكورات ، وذلك هو الزيتون الرمان فوجب أن يكون الضمير عائدا إليه.

(البحث الرابع) :

قال أبو حنيفة ـ رحمه‌الله تعالى ـ : العشر واجب في القليل والكثير ، وقال الأكثرون : أنه لا يحب إلا إذا بلغ خمسة أوسق ، واحتج أبو حنيفة ـ رحمه‌الله تعالى ـ بهذه الآية فقال قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) [الأنعام : الآية ١٤١]. يقتضي ثبوت حق في القليل والكثير فإذا كان ذلك الحق هو الزكاة وجب القول بوجوب الزكاة في القليل والكثير وأما قوله

٢٤١

تعالى : (وَلا تُسْرِفُوا) [الأنعام : الآية ١٤١]. فاعلم أن لأهل اللغة في تفسير الإسراف قولين :

(الأول) : قال ابن الأعرابي : السرف تجاوز ما حد لك.

(الثاني) : قال شمر سرف المال ما ذهب منه من غيره منفعة إذا عرفت هذا ، فنقول للمفسرين فيه أقوال :

(الأول) : إن الإنسان إذا أعطى كل ماله ولم يوصل إلى عياله شيئا فقد أسرف ؛ لأنه جاء في الخبر ابدأ بنفسك ثم بمن تعول (وروي) أن ثابت بن قيس بن شماس عمد إلى خمسمائة نخلة فجذها ثم قسمها في يوم واحد ولم يدخل منها إلى منزله شيئا فأنزل الله تعالى قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا) [الأنعام : الآية ١٤١]. أي ولا تعطوا كله.

(والثاني) : قال سعيد بن المسيب : لا تسرفوا أي لا تمنعوا الصدقة ، وهذان القولان يشتركان في أن المراد من الإسراف مجاوزة الحد إلا أن الأول مجاوزة الحد في الإعطاء ، والثاني مجاوزته في المنع.

(والثالث) : قال مقاتل : معناه لا تشركوا الأصنام في الحرث والأنعام ، وهذا أيضا من باب المجاوزة لأن من أشرك الأصنام في الحرث والأنعام فقد جاوز ما حد له.

(الرابع) : قال الزهري معناه : لا تنفقوا في معصية الله تعالى. قال مجاهد : لو كان أبو قبيس ذهبا فأنفقه رجل في طاعة الله تعالى لم يكن مسرفا ولو أنفق درهما في معصية الله كان مسرفا ، وهذا المعنى أراده حاتم الطائي حين قيل له لا خير في السرف فقال : لا سرف في الخير ، وهذا على القول الثاني في معنى السرف ؛ فإن من أنفق في معصية الله ، فقد أنفق فيما لا نفع فيه ، ثم قال تعالى : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأنعام : الآية ١٤١]. والمقصود منه الزجر ، لأن كل مكلف لا يحبه الله تعالى فهو من أهل النار ، والدليل عليه قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) [المائدة : الآية ١٨]. فدل هذا على أن كل من أحبه الله فليس هو من أهل النار ، وذلك يفيد من بعض الوجوه أن من لم يحبه الله فهو من أهل النار.

(مقالة مهمة)

قد تقدم في الآيتين السابقتين وهما قوله تعالى : (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ) [النّحل : الآية ١١]. إلى آخرها ، وقوله تعالى : (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) [الأنعام : الآية ١٤١]

٢٤٢

إلى آخرها تفسير ابن عباس الزرع هاهنا بجميع الحبوب التي يقتات بها والدليل عليه قوله تعالى : (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً) [يوسف : الآية ٤٧]. إلى آخرها وقوله : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) [الأنعام : الآية ٩٥]. إلى آخرها وفيه قولان.

(الأول) : ما روى عن ابن عباس وهو قول الضحاك ومقاتل : فالق الحب والنوى أي خالق الحب والنوى قال الواحدي : ذهبوا بفالق الحب مذهب فاطر وأقول : الفطر هو الشق وكذلك ، الفلق فالشيء قبل أن يدخل في الوجود كان عدما محضا ونفيا صرفا ، والعقل يتصور من العدم ظلمة متصلة لا انفراج فيها ولا انفلاق ولا انشقاق ، فإذا أخرجه المبدع الموجد من العدم إلى الوجود فكأنه بحسب التخيل والتوهم شق ذلك العدم وفلقه ، وأخرج ذلك المحدث من ذلك الشق فبهذا التأويل لا يبعد حمل الفالق على الموجد والمحدث والمبدع.

(والقول الثاني) : وهو قول الأكثر : إن الفلق هو الشق والحب هو الذي يكون مقصودا بذاته مثل حب الحنطة والشعير وسائر الأنواع ، والنوى هو الشيء الموجود في داخل الثمر مثل نوى الخوخ والتمر وغيرهما ، إذا عرفت ذلك فنقول : إنه إذا وقعت الحبة أو النواة في الأرض الرطبة ، ثم مر بها قدر من المدة أظهر الله تعالى في تلك الحبة أو النواة من أعلاها شقا ومن أسفلها شقا ، فالذي من أعلاها تخرج من الريشة التي يتكون منها الساق ، والذي من أسفلها تنبت منه الحلمة التي يتكون منها الجذر وهذا قد تقدم ذكره في كيفية الإنبات ، وأيضا فقد أودع الخالق في كل نوع من أنواع الحبوب خاصية أخرى ومنفعة أخرى ، وأيضا فقد تكون الثمرة الواحدة غذاء لحيوان وسما لحيوان آخر ، فاختلاف هذه الصفات والأشكال والأحوال مع الطبائع وتأثيرات الكواكب يدل على أنها كلها إنما حصلت بتخليق الفاعل المختار ، ولنبين لك اختلاف الصفات والأشكال فنقول : إذا أخذت ورقة واحدة من أوراق الشجرة وجدت لها سطحين :

(أحدهما) : علوي أملس ذو لون أخضر داكن مغطى ببشرة شديدة الالتصاق تظهر فيها مسام قشرية قليلا بالنسبة للسطح السفلي.

(وثانيهما) : السطح السفلي وهو مغطى بوبر غالبا ولونه ، يكون ناصعا بالنسبة للسطح العلوي ، وبشرته قليلة الالتصاق بالمنسوج الخلوي ، وهذا السطح مغطى عادة بفتحات صغيرة تسمى بالمسام القشرية وتوجد فيه أيضا الخطوط الواضحة التي تسمى بالأعصاب وليست الأعضاء المذكورة إلا استطالة من الذنيب ، ويمكن الوقوف على حقيقة ذلك إذا أمعنا النظر وكان الفحص بانتباه ، ففي الحقيقة أنه يوجد عصب متوسط يمر في جميع طول الورقة

٢٤٣

ويقسمها على جزءين ، ثم يتفرع على أعصاب صغيرة تتجه اتجاهات مختلفة وهي المسماة بالأوردة ، وهذه تكون شبكة الورقة وفي بعض الأحوال هذه الأوعية تخرج من حافة الورقة وتكون شوكا واخزا جدا كما في شرابة الراعي وغيرها ، ووظائف الأوراق كأنها عضو التنفس للنبات ؛ لأنها تشترك في تغذية النبات ، ولو لا ذلك لما صلح غذاء النبات لأنها في الحقيقة تمتص من الجو الأصول المغذية التي توجد فيه فيحصل بواسطتها تأثير عظيم في الأصول المذكورة فتحلل تركيبها وتنوعها بالكلية ، ثم تطرد المواد الغير النافعة للتغذية إلى الخارج فلما وقفت على عناية الخالق في إيجاد تلك الورقة الواحدة علمت أن عنايته في تخليق جملة تلك الشجرة أكمل ، وعرفت أيضا أن عنايته في تكوين جملة النبات أتم ثم إذا عرفت أنه تعالى إنما خلق جملة النبات لمصلحة الحيوان علمت أن عنايته بتخليق الحيوان أكمل وأتم ، ولما علمت وأن المقصود من تخليق جملة الحيوان هو الإنسان عملت أن عنايته بتخليق الإنسان ، أعظم وأكمل وأتم ، ثم إنه تعالى إنما خلق النبات والحيوان في هذا العالم ليكون غذاء ودواء للإنسان بحسب جسده ، والمقصود من تخليق الإنسان هو المعرفة والمحبة والخدمة كما قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٥٦) [الذّاريات : الآية ٥٦]. فانظر أيها المسكين بعين رأسك في تلك الورقة الواحدة واعرف كيفية تخليق تلك العروق والأوتار فيها ، ثم انتقل من مرتبة إلى ما فوقها حتى تعرف أن المقصود الأخير منها حصول المعرفة والمحبة في الأرواح البشرية ، فحينئذ ينفتح عليك باب من المكاشفات لا آخر له وفضل الله تعالى وعطاؤه واسع يظهر لك أن أنواع نعم الله تعالى في حقك غير متناهية كما قال تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) [إبراهيم : الآية ٣٤]. وكل ذلك إنما يظهر من التأمل والفحص في كيفية تخليق تلك الورقة من الحبة أو النواة وفي هذا البحث مسائل :

(المسألة الأولى)

في قوله تعالى : (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦)). (اعلم) أن كل شيء ينبت من الأرض إما أن يكون له ساق ، وإما أن لا يكون له ساق ، فإن لم يكن له ساق ، فإما أن يكون له كمام وهو الحب ، وإما أن لا يكون له كمام وهو الحشيش ، وهو المراد هاهنا بقوله : (وَنَباتاً) [النّبإ : الآية ١٥]. وإلى هذين القسمين الإشارة بقوله تعالى : (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) [طه : الآية ٥٤]. وأما الذي له ساق فهو الشجر ، فإذا اجتمع منها شيء كثير سميت جنات فثبت بالدليل العقلي انحصار ما ينبت في الأرض في هذه الأقسام الثلاثة ، وإنما قدم الله تعالى الحب ؛ لأنه هو الأصل في الغذاء ، وإنما ثنى بالنبات لاحتياج سائر الحيوانات إليه ، وإنما أخر الجنات في الذكر ، لأن الحاجة إلى الفواكه ليست ضرورية ، وهاهنا نذكر الفصائل

٢٤٤

المغذية والدوائية على حسب المراد وسنوردها عليك واحدة بعد واحدة فنقول.

(الفصيلة النجيلية):

هذه الفصيلة تحتوي على نباتات عظيمة النفع جدا للبشر ، وتكون في جميع أجزاء الأرض قاعدة تغذي الإنسان والحيوانات الأهلية وبزورها كثيرة الاستعمال غالبا ، وفيها الجوهر الزلالي أي الجسم الدقيقي المحيط بالجنين ومعظمه مركب من النشاء ، وسوق نباتات تلك الفصيلة تحتوي على الزلال النباتي ، والسكر الذي يوجد منه مقدار كبير في القصب وفي النبات المسمى سرجون وهو الذرة النيلي الذي يوجد في الهند أصناف كثيرة فمنه الأبيض الأصفر والأحمر والأسود ، وكلها تسمى باللسان النباتي أو لقوس سرجون ، وأنواع أخر من جنس أو لقوس وسيما النوع المسمى أو لقوس سكاراتوس ، وظن (بالاس) أنه يمكن استخراج السكر مع النفع من سوق أنواع الذرة ويستعمل في الطب نوعان من السوق المدفونة في الأرض ، وهي داخلة في اسم عرق النجيل ثم ، ما عدا القواعد القريبة العضوية تحتوي الحبوب للتغذية على كثيرين (٦) كما تحتوي أيضا على جميع العناصر المحضرة لجوهر الحيوانات وهذه الفصيلة في غاية ما يكون فمستنتجاتها تتشابه فيما بينها تشابها عظيما كما قال تعالى : (مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) [الأنعام : الآية ١٤١]. ومع ذلك يتجهز من هذه الفصيلة القصب أي قصب السكر والذرة والأرز وحبوب كثيرة مأكولة.

(البرّ):

يقال له أيضا القمح والحنطة وهو نبات لا تخفى شهرته سنوي منه ما يزرع بالخريف ويمضي عليه الشتاء وهو في الأرض وأزهاره خالية من اللحاء وحبوبه أغلظ والآخر يبذر في شهر أذار ، وحبوبه ذوات لحاء وأصغر وهذا باعتبار زراعة أوروبا ، وأما عندنا فأنواع القمح تزرع في شعر هاتور القبطي غالبا ، وهذا النوع صنفان لنوع واحد ، وحبوب القمح معلومة صفاتها فهي بيضاوية ذات طرفين وثلم في أحد جانبيها ، وهي ملساء ثقيلة الوزن مصفرة بدون رائحة واضحة ، وطعمها عذب تفه ، وإذا مضغت تكون منها في الفم سائل لبني ، وتحفظ تلك الحبوب كتلا لكن تحتاج للتقليب والتحريك غالبا ؛ لأنها تسخن وتتلف من السوس ، وأحيانا تدخر في المطامير أي الحفر العميقة البعيدة عن الهاء مخلوطة مع التبن ، فرطوبة

__________________

(٦) قوله : على كثير كذا بالأصل ، وانظر : ما معناه وقوله : فيما سيأتي ، وهذه الفصيلة في غاية ما يكون ... إلخ. لا معنى لهذه الغاية. اه.

٢٤٥

المحل تمنع تسخينها فتمكث سليمة مدة سنين وتلك الحبوب تتسلط عليها أنواع من الحشرات تتغذى منها وسيما النوع المسمى شرنصون أي سوس القمح ، وفي بعض البلاد يخلط البر بمسحوق الأبخرة ؛ لأجل الحفظ من ذلك الحيوان ، بعضهم أوصى لذلك بغاز الحمض كبريتوز وأبسط الوسائط هو تحريك تلك الحبوب وتذريتها ، ويتجهز من البر بعد الطحن دقيق ونخالة وخبز.

(الدقيق):

هو قاعدة أقل وجودا في النباتات من القاعدة الصمغية اللعابية ، لأن أجزاء الأرض كلها منتشرة بالنباتات اللعابية بخلاف النباتات الدقيقية ، فإنها قليلة اللعابية تنبت بنفسها ، وتتضاعف فيما حولنا بلا نهاية ، وأما الدقيقة فتستدعي الانتباه والفلاحة ، وقد يكون الدقيق في كثير منها مرتبطا بجسم غريب عنه مسهل أو مقيء أو مر ، بل مسم بحيث يلزم تعريته منه قبل استعماله ، ولكن أكثر وجوده في الثمار والجذور والنخاع ، وجميع الأذقة النباتية متماثلة في الطبيعة مهما كان النبات المجهز لها وإنما تختلف في المنظر والصفات كالشكل والغلظ ، كلما كان الدقيق أدق وأنعم كانت عجينته المصنوعة منه ومن الماء أكثف ، وذلك الدقيق جوهر غذائي بالذات عديم الطعم والرائحة أبيض ومكون من حبوب صغيرة مركبة من غشاء محلل وقاعدة قريبة هي النشاء والماء البارد لا تأثير له على غشاء الحبوب وأما المغلي فيمزقه ويذيب مادته الباطنة أعني النشاء ثم إن الدقيق هو قاعدة التدبير الغذائي لجميع القبائل سواء أخذ من البر بأنواعه أو الذرة أو الأرز أو الدخن أو تفاح الأرض أو القسطل أو الحرار الأزلندي أو من نخاع بعض أنواع من النخل أو من بزور البقول أو نحو ذلك ، فإذا استعمل وحده تمثل كله من تأثير الهضم ونتج عنه إمساك ليس حالة مرضية ، وإنما هو ناتج من خاصية الغذاء فيتحول في القناة الهضمية أخيرا إلى كيلوس يتكون عنه أعظم جزء من الأصول المعوضة ، ولذا نرى بنية الأشخاص الذين يتغذون من الأغذية الدقيقية ويهضمونها جيدا ممتلئة بدم ثخين شديدة القوة وحيث كان الدقيق سهل الهضم عذب الطعم مقبول وسيما إذا مزج بالسكر أو باللبن كان مناسبا للأطفال عوضا عن الإرضاع الأمي وللأشخاص الأرقاء المزاج القابلة معدتهم للتهيج ولبعض الناقهين ونسبوا للدقيق خاصية تكثيف الأخلاط فيوصي به لتعويض التركيب الخاص للدم إذا فسد ولكن نتج من تجريبات (بوشرده) أن المصابين بالبول السكري أعني داء الدولاب المسمى بالونانية ديابيطس لا تناسبهم الأغذية التي يدخل فيها الدقيق والسكر وإنما يلزم أن تكون تغذيتهم من الحوم والبيض والأسماك ، ومن البقول الغير الدقيقية كالشكوريا والخس والاسفاناخ ونحو ذلك.

٢٤٦

(النشاء):

قال في القاموس : النشاء وقد يمد وقال في المصباح : فارسي معرب أصله نشاستح فحذف بعض الكلمة فبقي مقصورا ذكره في البارع والصحاح وغيرهما ، وقال بعضهم : تكلمت به العرب ممدودا والقصر مولدا. انته وهو جوهر صلب عديم الرائحة والطعم أبيض كأنه متبلور يستخرج من دقيق نحو الحنطة بأنواعها.

(في بيان الاستعمال)

كثيرا ما يكون النشاء مرتبطا في النباتات بقواعد أخر ففي ، هذه الحالة قد يضطر لتخليصه منها ، وينفعنا في ذلك عدم قابليته للذوبان في الماء البارد إذا أريد استخراج الأجزاء القابلة للإذابة من الجذور النشائية لأجل تحضير مغليات أو خلاصات ، وقد يضم لتأثيره تأثير قواعد أخر دوائية ، وحينئذ يلزم لتحصيله كأن يعرض للطبخ جذور القصب والنخيل لأجل إذابة النشاء الموجود فيها ، ويعالج بمثل ذلك ساق الحمام المسمى (فلمبو) لأجل ضمه للقاعدة المقوية المرة ، فاللعاب والنشا يلطفان نتيجتها ويصيرانها مطاقة وتستعمل الأدقة من الباطن مقوية ومشددة كما تستعمل من الظاهر أيضا فتعمل منها مشروبات وضمادات مرخية ملطفة ، فحقنة النشاء تصنع بأخذ عشرة دراهم من النشا ومائة وستين من منقوع رؤوس الخشخاش يذاب النشا في المنقوع الحار ، ولكن لا يطبخ فجزء من حبوب الدقيق يجهز المادة الصمغية والحبوب الأخر ، وهي الأكثر تبقى معلقة في المحلول فقط فإذا أريد طبخ النشا لزم أن لا يستعمل منه إلا ثلاثة دراهم فيحصل من ذلك سائل لعابي شبيه بالسوائل الأخر اللعابية ، ولعوق النشا يصنع بأخذ عشرة دراهم من كل من بياض البيض وشراب بلسم طولو وثلاثة دراهم من النشا وأربعة من الكاد الهندي ، ويمزج ذلك ويستعمل علاجا للإسهالات المستصعبة ، وصمغ النشا المستخرج من النشا يسمى ديكسترين المحلول في الماء يستعمل أحيانا كمرخ لعابي كاستعمال الصمغ العربي ، وفضلوه في الأشرطة التي يلزم أن تحفظ الأعضاء المكسورة غير المتحركة فيخلط مائة جزء منه مع ستين جزءا من محلول الكافور ويضاف لذلك أربعون جزءا من الماء الحار ثم تغمس الأشرطة في ذلك وتعصر ليفصل منها الزائد الذي يبلها بدون فائدة فتصير الأشرطة بذلك شديدة الصلابة وأما إزالتها فسهلة بتنديتها بالماء الحار ، وشراب صمغ النشا المسمى ديكسترين المسمى أيضا شراب الدقيق ، وهو الشراب السكري الذي هو مخلوط العنب بالديكسترين ، وخواصه مثل خواص شراب الصمغ ، ولكن رائحته تفهة وطعمه حريف ، وذلك يصيره قليل القبول للاستعمال ، ومن المعلوم أن المادة الملونة للأقمشة عوض عن الصمغ الديكسترين الذي حضر بتندية النشا

٢٤٧

بمقدار ٤٠٠ / ١ من روح ملح البارود المسمى حمض الأزوتيك الممدود باثنى عشر جزءا من الماء ثم يجفف في الهواء ويعرض للحررة.

(الخبز):

لأجل الخبز تخلط خميرة الفقاع أو العجينة القديمة التي يسمونها خميرة بعجينة الدقيق فيحصل التخمير سريعا ؛ لأن الخميرة تحلل تركيب سكر الدقيق فيتكون من ذلك كؤل وحمض فحمي وحمض خلي ، وخبز القمح يحتوي على سكر ودقيق محمض ودقيق سليم وصمغ وحمض فحمي وأملاح فإذا عولج الخبز بالماء البارد أذاب هذا الماء السكر والدقيق القابل للذوبان والأملاح وكذا الصمغ ، وأما الماء المغلي فيذيب زيادة عن ذلك الدقيق الذي تركه الماء البارد سليما وإذا علمت أن الماء يأخذ من الخبز ما ذكر فلتعلم أنه يكفي لذلك تجفيف الخبز وتحويله إلى مسحوق ، ثم تحريكه في الماء البارد الذي يذيب جزءا من هذه القواعد ، ثم بمساعدة الحرارة يأخذ مقدار من الدقيق المتنوع الموجود في الخبز والقابل للذوبان حتى في الماء البارد ، فإذا غلي في الماء حصل منه الغليات المحلاة بالسكر المستعملة محللة وملطفة ومغذية قليلا في الآفات المصاحبة تهيج الأمعاء والصدر كالاستواء والنزلة وحرارة الأحشاء والإسهال ونحو ذلك ، وكثيرا ما يصنع ذلك الماء في المنازل مشروبا تستعمله الأهالي بدون استئذان الطبيب ، وربما كان مناسبا في كثير من الأمراض التي لا تستدعي وسائط قوية كما أنه لاحتوائه على الدقيق المستلزم لخاصية الإرخاء يستعمل في الأمراض الحادة مشروبا محللا معدلا مناسبا لتلطيف انزعاج الدم وتسكين الحرارة الحمية وإطفاء العطش ، ويكون في الالتهابات واسطة ملطفة مقاومة لعوارض هذه الآفات ، فإذا أضيف مخمر روحي على هذا الماء زالت منه الصفة المرخية وأثر على البنية الحيوانية تأثيرا منبها ، ولكن لا يزال حافظا لصفته المغذية ، فإذا طالت مدة على لباب الخبز وركز السائل حصل من ذلك زبدة الخبز أو قشطة الخبز التي تعطى أحيانا بعد أن تتبل تتبيلا مناسبا ، وقد تعدل تفاهة بعض المياه بوضع قشرة مشوية من الخبز فيها مدة ساعة أو ساعتين قبل أن تشرب ، والماء الخبزي يصنع بأخذ مقدار من خبز القمح من أوقيتين إلى أربعة ، والأوقية ثمانية دراهم ومن الماء مائة دراهم أو أكثر يغلي ذلك مدة ساعة ، ثم يصفى مع عصر خفيف من منخل بحيث يؤخذ من المغلي مائة ، وقد يستعمل لب الخبز ضمادا مرخيا منضجا مع السوائل المناسبة من الماء أو اللبن ، وتجدد كثير السهولة حموضتها ، والمطبوخ الأبيض للطبيب (سيدنام) يصنع بأخذ ثلاثة دراهم من قرن الإيل المكلس المسحوق وثمانية دراهم من لباب الخبز ، وعشرة دراهم من السكر ، ومائة درهم من الماء ، وثلاثة دراهم من ماء القرفة ،

٢٤٨

وستة دراهم من ماء زهر البرتقال ، وقد يبدل قرن الإيل المكس بمبشور هذا القرن ، وبالجملة يهون السكر ولباب الخبز ومكلس قرن الإيل في هاون من رخام ، ثم يغلي ذلك مدة ربع ساعة أو نصف ساعة في إناء منفتح ، ويصفى مع العصر الخفيف من منخل صوف قليل الضيق ، ثم يعطرها بماء القرفة وماء زهر البرتقال ، ومن الواضح أن القواعد الأخر التي في هذا المطبوخ فيها خاصية الإرخاء ولذا يستعمل في الأمراض الناشئة عن تهيج أو التهاب وله شهرة عظيمة في الدوسنطاريات والإسهالات ؛ لأنه يسكن الحرارة والمغص ، ويقلل كثرة الاندفاعات الثفلية ويلطف المعي وبالاختصار فيه ميل لقطع الحالة المرضية التي في القناة الغذائية ، وقال بوشرده : هذا المشروب كثير الاستعمال يؤمر به في الإسهالات المزمنة ويؤثر كدواء ماص بسبب ملح الكلس الذي هو موجود في القرن. انته.

(النخالة):

هي قشور حبوب البر المنفصلة عنها بحيث تتحول بواسطة الرحى أو الطاحون إلى فلوس صغيرة ، وتمسك معها شيئا من النشا ، وهي كثيرة النفع لتحضير غسلات وحقن وضمادات مرخية فيصنع منها حقنة بأخذ أحد وعشرين درهما من النخالة ومقدار كاف من الماء يغلي ذلك بعض دقائق ، ثم يصفى مع العصر ليؤخذ من ذلك خمسون درهما ، وحمام النخالة يصنع بأخذ مقدار من النخالة ومقدار كاف من الماء يغلي ذلك نحو ربع ساعة ثم يصفى مع العصر ، ويخلط بالماء المعدّ للحمام.

الحنطة السوداء):

هي نبات سنوي استنبت بكثرة في بلاد الأرياف بأوروبا ، والمستعمل منها ثمرتها ، والصفات الطبيعية لهذا الثمار هي أنها عديدة في غلظ حب الجلبان ، أو كحب الكرسنة السوداء مثلثة كحب الزان أي ثمر عيش السواح ، وتلك الحبوب فيها ميل للبياض وتحتوي على دقيق شديد البياض عذب الطعم مقبول يحتوي على كثير من القواعد المغذية ، ولذا يعمل منه في الأقطار التي ينبت فيها خبز وعجائن وفطائر بحيث يكون قاعدة لتغذية سكان الأرياف.

(الشعير):

هو من الفصيلة النجيلية ثلاثي الذكور ثنائي الإناث واسمه مأخوذ من هوروس أي ثقيل بسبب ثقل الخبز الذي يصنع من نوعه الرئيس ، وأنواعه نافعة في التغذية ، ويظهر أن الشعير ينبت بنفسه بفارس وسيسيليا وغير ذلك ، فيمكن أن أصله من هناك وحب الشعير بيضاوي

٢٤٩

مصفر مقطوع القمة صلب دقيق الباطن وطعمه عذب سكري ، وأحيانا توجد حبوب بيض مصقولة مستديرة كثيرا أو قليلا تسمى بالشعير اللؤلؤي ، ولا فرق في الاستعمال بين الشعير الذي يؤخذ بهاتين الحالتين والشعير الصحيح إلا أن الصحيح يكاد لا يعطي للماء شيئا إلا إذا ترك فيه حتى يتشقق وأما الحالة الأولى من الحالتين فهي الأنسب مع الاحتراس على غسله أولا لأجل إخلائه من الجوهر المسحوق الحريف الذي يوجد على الغلاف الثاني ، وأما الحالة الثانية أعني التي أزيل فيها الغلالتان فالمغلي فيها يكون كثير اللزوجة والتغذية ، واستكشف المعلم بروست في دقيق الشعير جوهر مخصوصا ، وسماه شعيرية وسنذكره وفيه أيضا راتينج أصفر واثنان وثلاثون من النشا ، وخمس وخمسون من جوهره مركب من دقيق ومادة خشبية ، وخمسة من السكر ، وأربعة من الصمغ وثلاثة من مادة دبقة والإنبات له دخل غريب في تغيير مقادير تلك الجواهر ، فالنشا والسكر والصمغ يزيد مقدارها بخلاف المادة الدبقة فمائة جزء من دقيق الشعير المستنبت يؤخذ منها ستة وخمسون من النشا ، واثنا عشر من القشور ، وخمسة عشرة من السكر ، وخمسة عشر من الصمغ وواحد من الرتينج.

(في بيان الاستعمال)

المواد الكيماوية المحتوى عليها مطبوخ الشعير طبيعتها غذائية فالقوى المعدية تؤثر عليها وتغير طبيعتها وتحولها إلى كيلوس ، فحينئذ يفقد هذا المشروب فعله الدوائي ويكون مصلحا غذائيا خفيفا في الحقيقة ، وينسب الشعير لرتبة الجواهر المغذية المكثفة للأخلاط ، ولا يكون كذلك إذ لم تكابد مواده عملا هضميا ، وتأخذها الأوعية الماصة وتدخلها في الكتلة الدموية بصفاته الطبيعية ، فحينئذ تؤثر أجزاؤها في المنسوجات العضوية تأثيرا يرخيها ويضعف قوتها ، فتتولد حينئذ النتائج الخاصة بالدواء المرخي ، وكان مغلي الشعير كثير الاستعمال عند اليونانيين وسيما عند بقراط حتى أنه ربما أطلق عليه عند المتأخرين مغلي بقراط ، وإذا أطلق المغلي انصرف إليه وكان بقراط يغذي به المرضى في ابتداء الحميات والالتهابات ، وتارة يستعمله كدواء مرخ أو ملطف لتلطيف الاحتراق الحمي وتسكين اضطراب الأخلاط (وكان) سيدنام وأضرابه يعطونه في جميع الآفات التي يطلب فيها استعمال الملطفات ، ومنع التأثيرات المنبهة ، وأمر المؤلفون بالمغلي الدقيقي المصنوع من الشعير المقشر أو اللؤلؤي في التهابات الطرق الهضمية والآفات الإسهالية والاستفراغات الدوسنطاريا ، ونحو ذلك ، ومدحوه أيضا في آفات الطرق التنفسية كالالتهاب الرئوي الخفي ونفث الدم ونحو ذلك ، ويمزج كل كوب منه بملعقة من شرب الخطمية أو الصمغ العربي أو الشرب الشعيري أو غير ذلك ، وقد يضاف إليه لبن البقر إذا سمحت بذلك حالة المريض من زوال الحمى وجودة حال الأعضاء

٢٥٠

الهضمية ، وجعلوا هذا المطبوخ غرغرة نافعة في الخناقات والقلاعات ويحلى حينئذ بشراب التوت ، وإذا قد علمت أن القاعدة المتسلطنة في مطبوخه هو الدقيق الذي هو غني عن الأصول المغذية علمت أنه ربما كان من المناسب قطع استعماله إذا كان من النافع منع أدنى تمثيل غذائي ، أو كان المعالج التهابا قوي الشدة ، أو كان هناك تكدر شديد حمى ، ففي هذه الأحوال يفضل عليه السائل اللعابي ، لأنه قليل التغذية ، وفعله المرخي شديد الفاعلية ، والخبز المصنوع من الشعير سنجابي اللون ثخين تتغذى جملة أقاليم به ، وكان غذاء قدماء المصريين أيضا ؛ لأن الخبز الذي وجد من آثارهم إنما كان من الشعير بدون تخمر خبزي.

(في المقدار وكيفية الاستعمال)

الشعير المقشور يصنع مطبوخه بمقدار من خمسة دراهم إلى عشرة دراهم في مائة درهم من الماء ، ومغلي الشعير يصنع بأخذ جزء من الشعير المقشور وجزءين من شراب الخطمية ، وثمانين من الماء ، ومطبوخ الشعير في المارستانات يصنع بأخذ عشرة دراهم من الشعير ، ودرهم ونصف من عرق السوس ، ومائتي درهم من الماء ومطبوخ الشعير المركب يصنع بأخذ أربعة وستين جزءا من مطبوخ الشعير ، وأربعة من كل من التين والزبيب وجزء واحد من عرق السوس واثنين وثلاثين من الماء ، وأوصى بعضهم بتبديل الشعير الاعتيادي بالشعير المستنبت ، والدال على جودة هذه التبديل أن غلاف الحبوب يحتوي على مادة خلاصية صفراء طعمها مركزية وتذوب في الماء فمن المهم تعرية الشعير من هذا الغلاف إذا أريد منه مشروب مزج ، لأن مغلي الشعير الكامل يوجد فيه دائما حرافة حقيقة تؤذي ممارسة الخاصية الملطفة التي في قواعده الأخر ، ولا توجد تلك الحرافة في المطبوخات المحضرة من الشعير المقشر أو الشعير اللؤلؤي ، وإنما تقوم من مادة دقيقية أو نشاء تذوب إذا وصل الماء لدرجة الغلي ، وفيها سوى ذلك مقدار يسير جدا من الصمغ والسكر ، وقد رأينا أن هذه القواعد توجد في التركيب الخاص للشعير الذي لم يتسلط عليه ، ثم إذا أمر للمريض بمغلي الشعير كمشروب دوائي حلي بالعسل أو بالسكر أو بشراب ما ، واعتيد طرح الماء الأول الذي غلى فيه ولا يستعمل إلا بمطبوخه الثاني ، فتوضع ستة دراهم من هذا الجوهر لمائة درهم من الماء ، فيحصل في الحبوب تغير عظيم الاعتبار ، بأن ينتفخ جوهرها ويلين ويكابد نوع تمزق ينكشف به ما في باطنها ، فإذا انفتحت الحبوب مزق الماء أغشية حبوب النشاء وأذاب الجوهر النشائي ويكون السائل أكثر تحملا كلما كانت كمية الشعير أكثر ومدة الغلي أطول ، ويستعمل من الظاهر مطبوخ الشعير غسلات وكمادات وغراغر وحقنا فيصنع غرغرة محمضة مركبة من خمسين درهما من مطبوخ الشعير وثلاثة دراهم من الخل ويصنع من دقيقه ضماد فيعمل ضمادا محللا من ستين درهما من دقيق الشعير وثلاثين درهما من الصابون ومقدار كاف من الماء.

٢٥١

(السلت):

ثمر يسمى أفوان بفتح الهمزة وباللسان النباتي أفينا مستيفا أي السلت المستنبت ، والسلت المقشر هو حبوب هذا النبات المتعرية من غشائها بتعريضها لبخار الماء ثم تعريضها للرحى ؛ لأن هذا الغشاء أعني البشرة ثخين بالنسبة للدقيق ، ويحتوي على قاعدة عطرية فيها رائحة الوانيلا ويحتوي أيضا على مادة خلاصية ووجود ذلك فيه يؤذي خاصية الإرخاء ، وجنس هذا النبات من الفصيلة النجيلية في المشتبهات سداسي الذكور أحادي الإناث ، ولا يخصنا هنا إلا الجسم الدقيق من النوع المذكور ، وصفاته النباتية أن الجذر سنوي شعري يتولد منه سوق فارغة تعلو من قدمين إلى ثلاثة عقدية تحمل في كل عقدة أوراقا خيطية حادة ، والأزهار على هيئة باقة متخلخلة مدلدلة يسيرا والحوامل تحمل صرة أو صرتين ، وكل صرة مثلثة الأزهار ثالثتها عقيمة في حالة نشئية ، والغلاف الزهري الخارج ذو ضفتين متساويتين سهميتين منحنيتين ، والكأس المسمى في الفصيلة النجيلية غلوم يبقى في الآخر معلقا بالثمر ، وهو ذو ضفتين أيضا ، والخارجة منهما أكبر من أختها سهمية تنتهي بنقطتين تحملان وبرتين طويلتين حريريتين وفي وسط ظهرها وبرة خشنة ، وتلك الضفة مسحوبة وأطول من الزهر بمرتين وتعانق معظم الضفة الباطنة التي هي مسطحة.

(في الصفات الطبيعية):

هي أن الثمر مستطيل حاد مسمر محاط بالغلاف الظاهر المسمى غلوم ، وأصناف السلت كثيرة مهمة في الزراعة ، فمنها الشتوي والربيعي على حسب زمن البذر غير أن الأول أكثر إنتاجا في الغالب ، لكن لا ينجح إلا في الأرياف حيث يكون الشتاء فيها أقل شدة ، ومنها السلت المتعري ، ويختلف عن غيره بثمره المتعري أي الغير المحاط بالضفف ولا بالغلوم ، ومنها السلت المشرقي الذي يختلف عن السابقين بأزهاره التي هي باقات وحيدة الجانب ، وتلك الأنواع الثلاثة متحدة في الاستعمال الغذائي للخيل بدون تمييز في معظم البلاد الباردة جدا كأوروبا وعامة الأرياف يتغذون منها أيضا ، وأما الاستعمال الطبي فيختار له النوع الأول لسهولة تقشير وأما السلت الكاذب الذي يتميز عن غيره بباقته المتفرقة ، وثماره الكثيرة الزغب من قاعدتها فلا نفع به وعادتهم يتلقونه قبل تزهيره.

(في خواصه الكيماوية)

حلل فوجيل السلت فوجده محتويا على تسع وخمسين من دقيق ، وأربع وثلث من زلال ، واثنين ونصف من صمغ ، وثمان وربع من سكر ، وقاعدة مرة ، واثنين من دهن

٢٥٢

شحمي ، وستة من جلوتين ، وباقي المائة مواد ليفية وماء.

(في بيان الاستعمال):

المواد التي يحتوي عليها مطبوخ السلت المقشر قد تتسلط عليها القوى المعدية فتتغير إلى قواعد مجهزة مغذية ، وفي تلك الحالة يفقد تأثيرها المرخي ، وتحصل تلك النتيجة بالأكثر إذا كان المطبوخ ثخينا ومكث مدة في المعدة ، فإذا مدت القواعد الدقيقية بمقدار كبير من الحامل مرت سريعا إلى السطح المعوي ، ويكون امتصاصها أسرع وآكد فإذا دخلت بصفاتها الطبيعية في السائل الدموي انتشرت في جميع المنسوجات ، وأثرت في جميع الألياف الحية تأثيرا يرخيها ويقلل سرعة حركاتها ، فيستعمل ذلك المطبوخ في كثير من الأمراض الحادة كمشروب ممتع بخاصية ملطفة ومرطبة ومعدلة ومضادة للالتهاب ومسكنة ، ففيه قوة تلطيف اضطراب الأخلاط ، وتسكين العطش والاحتراق الحمى ، ومقاومة خشونة الجلد ، ولكن شهرة استعماله في أمراض الأعضاء التنفسية ، ويكون تأثيره المرخي أنقع إذا كان في تلك الأعضاء تهيج وحرارة ، فيعطي في الاستهواء والسعال اليابس ونفث الدم ونحو ذلك ، ويستعمل أيضا في الالتهابات البطنية في الطرق الغذائية كالتقرحات المعوية التي يحصل منها الزلق والإسهال والقولنجات والتعني والزحير ونحو ذلك ، وكذا في الالتهابات الجلدية كالحمرة والقرمزية وغير ذلك ، وأما المطبوخ الكثير التحمل من الجزء الدقيقي الذي في هذا الجوهر فهو غذاء فيه أيضا خاصية الإرخاء ، وكثيرا ما يؤمر به للمرضى فيناسب إذا أريد تغذية المريض تغذية حقيقة ، وخيف من التأثيرات المنبه للحوم ونحوها فتعمل منه شوربات ومصلوقات وحريرات ونحو ذلك ، ويصح تحلية هذا المشروب بشراب عنب الثعلب أو النارنج أو الصمغ أو كزبرة البئر وتعطيره بماء زهر النارنج وكثيرا ما يمزج المطبوخ باللبن ويلزم منع تأثير صفته المغذية إذا كان من النافع خلو جسم المريض عن جميع أنواع التغذية كما في علاج الالتهابات كالالتهاب الرئوي ونحوه في هذه الأحوال إنما ينفع تأثيره المرخي ، ويخاف من توابع هضمه فيلزم مده بالماء كما عرفت ؛ لأن ماء السلت محلول نشائي فيلزم تخفيفه إذا لم يرد منه تغذية المريض ، ويستعمل أيضا ذلك المبطوخ حقنا ، وقد تصنع العامة من السلت ضمادات يضعونها على الأجزاء المتألمة ، ويستعملون بالأكثر مغليها في الخل أو الفقاع ويضعونها حارة ، فأحيانا تزيل هذه الأوجاع الموضعية ولكن ذلك ناشىء بالأكثر من التخمير الحاصل من الخل أو الفقاع لا من خاصية السلت ، وكما يستعمل السلت غذاء لبعض القبائل كأهالي بريطانيا يستعمل أيضا غذاء للبهائم ، وتحشى من قشور حبوبه طراحات للأطفال فيكون أنسب لهم للينه وخاصية تشربه وسهولة تجفيفه وتملأ منه وسائد جهاز الكسر.

٢٥٣

(في المقدار وكيفية الاستعمال)

مطبوخه المائي يصنع بأخذ ثلاثة دراهم من الحبوب لمائة درهم من الماء ، ويمكث المغلي نحو ربع ساعة فيكون السائل محتويا على دقيق معلق فيه وهو الذي تنسب له خاصية التلطف والإرخاء ، ثم يحلى بالسكر أو العسل أو أي شراب كان ، وكثيرا ما يضاف إليه اللبن وأحيانا بعض نقط من ماء عطري كماء زهر النارنج أو القرفة بحيث لا يكدر ذلك خاصية الإرخاء ويكون المشروب أقبل للمرضى ويصنع أيضا منه شراب ، ويعمل منه في أيغوسيا عرقي يشرب هناك ويخلطونه بمائهم الرديء ليصيره مقبولا للشرب.

(في بيان الأرز)

هو حبوب نبات يسمى باللسان النباتي أو ريزا ساتيفا أي الأرز المستنبت من الفصيلة النجيلية سداسي الذكور أحادي الإناث ، ويقال : إن أصله من الهند ، والمشهور أنه من بلاد الحبشة ، وقد استنبت في جميع الجهات من العالم القديم والجديد حتى الأقاليم الجنوبية من أوروبا كإيطاليا وإسبانيا ، وأرز الأمريقا الشمالية وسيما قار وألين جليل جدا وأعظم منه أرز مصر فإنه غريب الطعم واللطافة والبياض ، ويألف الأراضي الرطبة ذوات المستنقعات ، ولذا كانت سكنى أماكن غير جيدة للصحة بسبب التصعدات الآجامية المؤذية والمشتغلون بزراعته في تلك الأراضي يكونون ضعافا منتفخي الوجوه قصار الأعمار ذوي أمزجة خنازيرية ، وذلك هو الذي أحوج أرباب الحكم لحصر زراعته في أماكن محدودة بحيث لا تضر المدن ، ومن المعلوم أن الداء الجلدي المسمى بلاجرا معدود من الأمراض المنتشرة في مزارع الأرز.

(في صفاته النباتية)

سوقه فارغة تعلو من ثلاثة أقدام إلى أربعة أسطوانة فيها ثلاث عقد أو أربع ، والأوراق خيطية سهمية حادة كثيرا ما يكون طولها من اثنى عشر قيراطا إلى ثمانية عشر مسننة خشبية الحافات ، والغمد مشقوق شقا عميقا ، ولسينه غشائي رقيق مشقوق إلى الوسط ، ويوجد من كل جانب في قاعدة الورقة عند اختلاط الحافات بالغمد زائدة صغيرة شرسية الشكل يوجد في حافتها السفلية صف من أهداب طويلة حريرية ، والأزهار على هيئة باقات انتهائية ، والصرة وحيدة الزهرة والغلاف الزهري الخارج ثنائي الضفف والكأس المسمى غلوم ذو ضفتين أيضا ، وأطول منه بثلاث مرات أو أربع والضفة الخارجة منحنية فيها حزوز بالطول ، وتنتهي قمتها بوبرة قصيرة مستقيمة والضفة الباطنة أطول.

٢٥٤

(في الصفات الطبيعية)

الأرز أبيض نصف شفاف زووي مستطيل صلب عديم الرائحة طعمه دقيقي خالص هذا هو الجيد وهو المصري ، ودونه القروليني ، ومن الأرز ما يكون مصفرا قليل الطول مستديرا معتما له رائحة خفيفة خاصة به ، وفي طعمه حرافة ، وجيد الأرز عندنا بمصر يسمى بالسلطاني ، ويأتي من جهة رشيد ودمياط ، وغيره يسمى بالأسمر وإن جاء من تلك الأماكن ، وبياضه وسمرته ناشئان من خدمة دقه.

(في الخواص الكيماوية)

وجد فيه ماء ونشاء ، وجسم خاص ، ومادة حيوانية ، وسكر غير قابل للتبلور ، ومادة صمغية ، ودهن شحمي مصفر وأملاح ، وقد اتضح من هذا التركيب الكيماوي سبب عدم فعل خبز حقيقي منه.

(في بيان الاستعمال)

المطبوخ المبيض للأرز يستعمل غذاء ملطفا جيد النفع إذا كان في الطرق الغذائية تهيجات أو التهابات أو تقرحات ، ويكون ذلك الماء الذي غلي فيه الأرز محتويا على الدقيق أو النشاء فيكون دواء حقيقيا ينتج نتيجة مرخية في الأسطحة التي يلامسها فإذا امتصت قواعده ودخلت في دورة الدم أثرت في المنسوجات تأثيرا يضعف توتر أليافها ، ويخفف شدة حيويتها إذا كانت زائدة ، فيستعمل في العادة مغلي الأرز اذا أريد قطع استفراغ دموي أو خلطي فيؤمر به في الإسهالات والدوسنطاريات والأنزفة الدموية كنفث الدم ونحوه ، والنجاح المنال من هذا المشروب في تلك الأمراض يحمل على ظن أنه يحتوي على خاصية القبض لكن من المعلوم أن السيلان المرضى ناتج سيمباتوي أي اشتراكي كثيرا ما يسببه تهيج مع احتقان دموي في السطح المشاهد فيه ، فإذا أزال ذلك المطبوخ الدقيقي هذا التهيج ذهب الاحتقان الدموي فحينئذ يقف الاستفراغ الذي كان محفوظا بتلك الآفات فإذا كانت الاستفراغات الثفلية ناشئة مع قروح عظيمة من التهاب في الأمعاء سهل إدراك منفعة المغلي المذكور فيها ، ومن الواضح أن سيلان الدم في الأنزفة الرحمية الناشئة من تهيج مع احتقان دموي في الرحم ، أو من تهيج في المنتفخ القطني النخاعي الشوكي قد يتلطف بل ينقطع باستعمال هذا المغلي ويمكن أيضا إصلاح الدم وإرجاع قوامه الطبيعي له بالأرز فيكون منسوبا للرتبة التي يسمونها بمكثفة الأخلاط أليس ذلك يحوجنا لأن نجعل في الأرز خاصية ذاتية حتى تتضح بها تلك النتائج ، وقد علم نفع مطبوخ الأرز في تهيجات الأغشية المخاطية والتهاباتها سواء في المعدة أو الأمعاء

٢٥٥

أو مجرى البول أو المثانة أو الكليتين أو غير ذلك فيكون مسكنا ملطفا معدلا ومغذيا قليلا كما هو قابض يسير لكونه يقلل الإسهال ، وقد علمت أنه إذا سكن ولطف حالة التهيج أو الالتهاب المسبب للفيضان قلل ذلك الفيضان نفسه أو أن ذلك بسبب قوته فيعطى بخاصيته المغذية زيادة قوة للمنسوجات ويصنع من الأرز أغذية تقوم بسكان الأماكن النابت فيها فتعمل منه شوربات ومصلوقات وفطائر وجليديات في الماء أو اللبن مع السكر والعطريات ، ويطبخ مع اللحم وغير ذلك فيكون غذاء سهل الهضم مناسبا للمعدة اللطفية المزاج والحارة وسيما للناقهين من الأمراض الالتهابية أو التهيجية إذا كان جيد الطبخ واتهم بكونه يكرش البطن وينتج إمساكا فبموجب ذلك يسخنه مع أن الأمر بالعكس أي يخفض الحال الالتهابية المنتجة لتلك النتائج ، وإذا انهضم انهضاما تاما لم يترك من الثقل إلا يسيرا مع ما يحتوي عليه من الدقيق الكثير فلم تصح دعوى كونه مسخنا كما لا يسبب شيئا من الأمراض التي نسبوها لاستدامة أكله ، ويصنع من تلك الحبوب في الهند ويستحضر منه كؤل ، ويستعمل في بلاد مصر من دقيق الأرز والسكر والماء مشروب يسمى سوبيا إذا حمض يسيرا كان لذيذ الطعم شبيها بالفقاع.

(في المقدار وكيفية الاستعمال)

إنما يبتدئ الماء في إذابة دقيق الأرز عند ارتفاع درجة الحرارة فعند ذلك ينتفخ جميع جوهره ويتمزق فيحصل مطبوخ مبيض يستعمل غذاء ملطفا جليل النفع إذا كان في الطرق الغذائية تهيجات ، فيصنع مغلي الأرز بأخذ مقدار من الحبوب من عشرة دراهم إلى عشرين إلى مائتي درهم من الماء وكثيرا ما يضاف الصمغ إلى مطبوخه ، وقد يحمض وقد يحلى بشراب مناسب ، وقد يستعمل حقنا في الآفات المعدية ، وقد تصنع من الأرز ضمادات مرخية ومسكنة ومنضجة في التهابات الجلد والأورام المؤولة ونحو ذلك ، وجفاف تلك الضمادات وحموضتها أقل مما في ضمادات بزر الكتان.

(عرق النجيل)

ينبت بكثرة في المحال المزروعة وغير المزروعة والبساتين وعلى طول الطرق والحيطان العتيقة ، وهو من الفصيلة النجيلية ثلاثي الذكور ثنائي الإناث ، وتؤخذ تلك الجذور من نباتات أخر من تلك الفصيلة ، ولكن أشهرها النوع المذكور.

(في صفاته النباتية)

هو معمر وجذوره طويلة زاحفة مدفونة في الأرض تمتد بسرعة ، وهي بيض أسطوانية

٢٥٦

عقدية ، والسوق قائمة تعلو نحو قدمين وتحمل أوراقا لينة خضرا زغبية من الوجه العلوي ، والسنبلة مستطيلة منضغطة طولها ثلاثة قراريط والمصرر الزهرية مصفوفة صفين خالية من الوبرة الخشبية في بعض النباتات النجيلية ، وتشتمل عادة على أربع أو خمس زهرات والضفف حادة.

(في صفاته الطبيعية)

هذه الجذور تمتد لمحال بعيدة وتؤذي الزراعة لعسر إزالتها من الأرض بسبب كثرة إنتاجها ، وإذا جنيت فصلت سوقها عنها ويختار منها ما كان أصغر سنا وأرطب ، وتغسل وتضرب لنزول منها البشرة التي يقال إنها حريفة ، ثم تجفف وتعمل حزما ويلزم طرح القديم منها ، لأن الحيوانات الديدانية تتسلط عليها فإذا كانت جديدة كانت شتلا بيضا مصفرة أسطوانية عديمة الرائحة عقدية مفصلية متفرعة طعمها دقيقي عذب قليل السكرية.

(في صفاته الكيماوية)

تحتوي هذه الجذور على دقيق وسكر وقاعدة لعابية ، وتكثر تلك القواعد فيها قبل خروج السوق ، لأن هذه تمتصها وتتغذى منها وقت نموها فتصبر الجذور خالية من ذلك كأنها ذابلة ، والعصارة الخارجية من تلك الجذور بالعصر قابلة للتخمر النبيذي ويخرج منها الكؤل إذا عرضت للتقطير.

(في بيان الاستعمال)

من المعلوم أن الماء يأخذ من الجذور موادها الفعالة إذا كان متحملا من الدقيق واللعاب وكابد الغلي ولو قليلا كان تأثيره على الأعضاء مرخيا ؛ فلذلك يعطي مغلي النجيل المضاف إليه السكر أو الشراب أو العرقسوس في كثير من الأمراض فينتج تأثيرا مرخيا وملطفا ومرطبا ومحللا ومدر للبول ومضاد للالتهاب وغير ذلك كما يستعمل أيضا في المنازل كثيرا مضافا عليه في الغالب ملح البارود أو السكنجبين العنصلي إذا أريد ازدياد خاصية الادرار أو شراب الصمغ فقط إذا أريد تحليته ، فإذا احتاج المريض للإرخاء والتلطيف كان هذا المغلي الأحق بذلك فيثير سيلان البول إذا تعسر إفراز بسبب تهيج أو تقص في الجهاز الكلوي ، وإذا استعمل في الحميات قلل جفاف اللسان والطرق الهضمية وخفض حرارة احتراق الحمى والعطش والكرب وغير ذلك ، وتلك النتائج كلها ناشئة من قوة الإرخاء المحتوي عليها هذا المشروب ، وذكر بعضهم إنالة شفاء آفات عضوية في الصدر والمعدة بالمطبوخ الكثير التحمل

٢٥٧

وسيما جملة آفات في البواب ، ويستعمل هذا المغلي أيضا في آفات لا يكفي لتوضيح منفعته فيها تأثير قوته المرخية كالاوذيما والاستسقاآت ولكن ذلك لأجل تنبيه سيلان البول وتكثيره ، وينال منه مثل ذلك في الارتشاحات الخلوية المصاحبة لضخامة القلب واتساع تجاويفه الحاصلين من تكدر في دورة الدم ، ولكن الغالب كون هذا السائل حاملا أيضا لأدوية قوية الفعل تزيل خاصيتها خاصية النجيل فلذا يضاف في الأمراض المذكورة إلى مطبوخ هذه الجذور ملح البارود أو العسل أو السكنجبين العنصليان أو نحو ذلك ، واشتهر أن استعمال هذا المطبوخ يزيل سدد الأحشاء البطنية واليرقان غير أنه يلزم لاعتبار المنافع الحاصلة من ذلك حينئذ أن تعرف الآفات الشاغلة لتلك الأحشاء والسبب الذي كدر السير الطبيعي للصفراء فإننا نحترس على تحويل خاصية النجيل إلى خاصية مفتحة ومحللة وغير ذلك ، ومسحوق هذه الجذور يستعمل أيضا غذاء ، وقدماء المصريين كانوا يدخلونه في خبزهم وعلى طريقتهم الآن سكان البلاد الشامية في زمن القحط ، ويستخرج منها في بولونيا ، ويمكن استخراج السكر منها ويعمل من عصارتها نبيذ بواسطة التخمير وكؤل فانظر كثرة ما يستخرج من هذا النبات الجليل النفع سبحان من خلقه وجعل فيه كثرة هذه المنافع إنه على ما يشاء قدير مع أنك لو نظرت إليه بداهة ربما تظن أنه لا نفع فيه أصلا ، وكل ذلك يدل على أن الصانع واحد لا شريك له.

(في المقدار وكيفية الاستعمال)

مغلي هذه الجذور يصنع بأخذ ثمانية دراهم من تلك الجذور لمائة درهم من الماء ويوجد في بيوت الأدوية خلاصة النجيل ولكن لا توجد فيها خاصيتا الإرخاء والترطيب والوجودتان في الجذور وهي مادة سوداء حريفة الطعم لها رائحة مخصوصة بها تؤثر في أعضاء الهضم تأثيرا كالا منبها فلا تبقى فيها القواعد العذبة للنجيل حافظة لخواصها وإنما تكابد تغيرا يعطيها صفات جديدة مخالفة للصفات التي كانت لها في الجذور.

(السكر)

تريد أن نستوفي الكلام هنا على أنواع السكر المستعملة عموما ، وإن كان منها ما يستخرج من فصائل غير الفصيلة التي نحن بصددها لتكون جميع أنواعه مجتمعة في مبحث واحد ، فالسكر هو قاعدة قريبة تنال بدون واسطة من النباتات ، ويوجد فيها مجتمعا مع المواد المرخية التي ذكرناها ، ونحن نضيفه إليها لتعديل نقاهة طعمها ، وهو عديم الرائحة له طعم عديم الحلاوة مخصوص به ويذوب في الماء ، وقابل لأن يحصل منه تخمر نبيذي ، ثم خلي

٢٥٨

إذا مد بالماء وعرض لحرارة مناسبة ، وهو ويوجد في كثير من النباتات ، ويعلم ذلك بالطعم السكري الموجود فيها وأكثر ما يوجد في القصب السكري ، وهو من الفصيلة النجيلية ثم في البنجر المسمى بالشاوندر ثم في العنب واللفت والقسطل وعرق السوس وبعض اللبوب والثمار الحمر والتمر والحبوب الغذائية ، وعرق النجيل والفطر وأنواع أخر من جنس فيفوس وغير ذلك ، وظهر بالتحليل الكيماوي وجوده في معظم النباتات حتى في بعض ما لا يظن وجوده فيه ، فإن جذر الجنطيانا الذي هو مر يحتوي على شيء منه بحيث يحصل منه الكؤل بالتخمير ثم قد ذكر أن أنواعه ثلاثة : سكر القصب ، والسكر المحبب أي سكر العنب ، والسكر السائل ، وأما سكر اللبن فقد يذكر في مبحث اللبن.

(سكر القصب)

هو يستخرج من القصب والبنجر والاسفندان ، ويوجد في سوق وجذور نبات آخر ، وهو يتبلور إلى منشورات منحرفة ذوات مسطحات منتهية بسطحين وكثافة اثنين ، ويصير بالدلك في الظلمة فصفوريا ، وإذا سخن الى الذوبان نقص وزنه ، ومع ذلك يمسك معه ماء متحدا به ، ومقدار ذلك في المائة خمسة ونصف ، ويزول منه إذا اتحد ذلك السكر بأوكسيد الرصاص ، والسكر يحصل منه بالتقطير الجاف ماء حمضي مع جواهر أخر ، والسكر يذوب بأي مقدار كان من الماء ، ومحلول جزء في جزء واحد من اثنين من الماء يقوم منه الشراب البسيط ، ويكون في الماء الحار أكثر ذوبانا منه في الماء البارد ، ومحلوله يبقى محفوظا بدون تغير إذا كان السكر نقيا ، أما محول السكر الغير النقي فإنه يتغير ويعفن إذا لم يكن شديد التركيز ، وذلك هو ما يحصل في الشرابات التي هي غير جيدة الطبخ فإذا بخر محلول السكر وصل بذلك إلى حالة تركز بحيث يصير كتلة شفافة بالتبريد ، وذلك هو ما يسمى سكر الشعير ، وإن لم يدخله الشعير ويقوم من ذلك حالة تشربية في السكر فإن هذا السكر يرجع شيئا فشيئا إلى حالته وصفاته الطبيعية فإذا سخن محلول السكر زمنا طويلا فإنه يتلون ، فإذا حصل التفاعل مع مماسة الهواء فإن الشراب الأسمر الذي يتكون يكون حمضيا ، والسكر لا يتغير من الهواء ولو محلولا إذا كان نقيا كما عرفت ، وإذا وضع بعض نقط من روح ملح البارود المسمى بماء الكذاب على شراب السكر فقدت قوة تبلوره إذا طال الغلي بعض دقائق ، ولا شك في أن هذا السبب أحد الأسباب القوية التي تولد سكرا غير قابل للتبلور وسيما في البنجر ، والخواص الأخر تسبب في سكر القصب نوعا آخر من التغير عظيم الاعتبار أيضا ، فإذا كانت كثيرة الامتداد بمثل واحد من مائتين وغلت بعض دقائق مع شراب السكر فإنه يتحول إلى السكر سائل.

٢٥٩

(تحضير السكر):

ينال بأن تغلي في طناجر واسعة عصارة القصب الحاصلة من عصره ويضاف لها شيء من ماء الكلس ، لأجل فصل الدقيق واللعاب ثم يركز الشراب المنال بالتبخير ، ثم يبلور ويترك السكر ينقط لأجل فصل الدبس أي السكر الغير القابل للتبلور فينال بذلك السكر الخام ، فلأجل تنقيته أي تكريره يذاب في مقدار يسير من الماء وينقى هذا الشراب ببياض البيض ويبلور في قوالب مخروطية الشكل ، ويعرى من الشراب الملون المحتوي عليه أيضا بأن يوضع على قاعدة مخروط السكر طبقة من الأرجيل المندى بالماء فهذا السائل برشحه نافذا في السكر يتمم نقاوته ، والمتأخرون جعلوا لتنقية السكر الخام بوضع دم العجول على الشراب ثم يزال لونه بالفحم الحيواني فيكون نقيا.

(في الصفات الطبيعية):

الصفات الطبيعية للسكر سواء الصلب أو السائل تقرب للاتحاد ، وإن استخرج من نباتات مختلفة ، فإذا كان متبلورا كان أبيض محببا صلبا قابلا للسكر يصير فصفوريا بالحك أي قدحيا ، وإذا كانت تبلوراته منعزلة كان شفافا ، وهي منشورية مربعة التسطيح تنتهي بقمة ذات مسحطين متلاقيين ، وطعم السكر حلو مقبول يذوب في الماء البارد ، وأحسن منه في الماء المغلي ويحترق على النار بشعلة بنفسجية فينتفخ ويتلون باللون الأسود ، وتنتشر منه رائحة تسمى برائحة السكر المحرق ، ويلزم حفظ السكر في محل جاف ، لأنه يجذب رطوبة الهواء ويلين فإذا كان رديء التكرير أو كان حافظا لقوام الشراب أو كرر بالغراء بقيت فيه رائحة كريهة قد تقرب لرائحة الجبن ، ويتكون على سطحه زغب يبقى بينه وبين الورق الحاوي له.

(في الخواص الغذائية للسكر):

السكر غذاء كثير الاستعمال فيدخل في تركيب كثير من الأغذية ، ويضاف إلى اللبن والقهوة والشكولا ، ويمزج بالقشطة والجليد والسوائل التي تشرب على الموائد وغير ذلك ، وهو المسوغ للمربيات والربوب والجليديات وغير ذلك ، وهناك من يتعاطى مقدارا كبيرا كمائة درهم ويداوم على ذلك مدة سنين ، ولكن الغالب أن إفراط استعماله مضر فإنه يضرس الأسنان يصير الفم عجينيا ثخينا ، ويسخن البطن ، ويمسكه ، وينتج فيه تغيرات ، والأطفال المعتادون على استعاله يقل نموهم ويكرهون الأغذية الاعتيادية التي لا تحتوي عليه ، وقد يحصل لهم منه احتقان غددي كما شوهد ذلك كثيرا ، وذكر المؤلفون أحوالا من تقرح الفم ولين اللثة وكثرة الحمض البولي في الأطفال والأشخاص المفرطين في استعماله ، وتلك عوارض تكون

٢٦٠