كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي

كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5282-4

الصفحات: ٤٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

في أسفل الشجرة فيخرج في الكوز لبن ثخين حلو عذب يسكر سكرا مفرحا قويا ، فإن ضرب الهواء شاربه طرحه بالأرض ، وإن شربه من لم يعتده أو ضعيف المزاج أذهل عقله ، فإن بات ذلك السائل ليلا صار خلا قويا قاطعا أشد من الخل الاعتيادي.

وقال ميرة : لا يجنى إلا الثمر الذي ليس له من نضجه أقل من سنة إذ الثمار والأزهار موجودة على الأشجار دائما فتختار ، والثمار الصغيرة الخضرة الغير المغلفة إذا أريد أخذها بوصف كونها شديدة القبض يستعمل مبشورها في فيضان الدم ، وتدخل في مراهم تعالج بها الأوذيما فإذا اكتسب الثمر حجمه الطبيعي كانت مملوءة بعصارة أي سائل أبيض يسمى لبن النارجيل بحيث قد تحمل الثمرة الواحدة منه رطلين ، ويمكن إخراجه منها بثقب الخروق الثلاثة التي في قاعدتها ، وذلك اللبن عذب سكري فيه قليل حموضة فيكون مشروبا لذيذا مرطبا في البلاد الحارة التي ينبت فيها ، ويمكن أن يشرب منه مقدار كبير بدون سآمة ، بل ذكروا أنه نافع لآفات الصدر.

وذكر بعض الأوروبيين أنه شرب منه عشرين زجاجة مسودة في اليوم بدون أن يحصل له أدنى كدر ، وهو المشروب الاعتيادي لمعظم قبائل بحر الجنوب ، ويقال : أيضا إنه مدر للبول ونساء جزائر نتيلة يغسلن وجوههن بهذا اللبن ، وهو قابل ؛ لأن يتخمر تخمرا روحيا بحيث يستخرج منه كؤل أو الخل ، ووجد فيه بالتحليل الكيماوي ماء وسكر وصمغ وكربونات ومربيات ملحية وغير ذلك ، وكلما نضج الثمر اكتسب اللون قواما وتيبس تيبسا لوزيا من الدائرة إلى المركز ، فيتكون في الوسط بين الجزء المتيبس والجزء الباقي على لبنتيه نوع قشطة يلذ أكلها بالسكر وماء زهر البرتقال ، ويبقى في المركز دائما بعض لبن وفي بعض الأحيان لكن مع الندرة يتكون فيه جسم بيضاوي متجمد هو نوع بادر زهر نباتي أبيض مزرق كالصيني تنسب الأهالي له خواص طبية جليلة ، ويسمى في بلاد الهند كلابيت أو يقال كلابا.

ويسميه الأوروبيون حجر النارجيل ، وتباع تلك المتجمدات في الصين ويحملونها كالتمائم ، ويظنون أنها تحفظ من الوقوع في كثير من الأمراض ، واللوزة النضيجة تؤكل فتكون غذاء اعتياديا لأهالي الجزائر النابت فيها هذا الشجر ، وهي شديدة البياض معتمة يابسة تشبه البندق في الطعم ، وتؤكل وحدها أو مبتلة في الفلفل والخل ، وتدخل في الفطائر وغير ذلك ويدخلها أهل مصر في المعاجين يستعملونها في العادة للتقوية ويعدونها في البلاد التي تنبت فيها عسرة الهضم ، ومع ذلك هي عندهم أقبل من غيرها ، ويعمل منها في جزائر انتيلة مستحلبات ولعوقات وغير ذلك ، وتقوم هناك مقام اللوز الحلو ، ويستخرج من لوزة النارجيل دهن إذا كان جديدا جيدا الاستحضار دخل في الأغذية فإن عتق أو كان رديء التحضير استعمل للاستصباح.

٢٠١

وسكان تلك البلاد يدهنون به فتصير رائحتهم كريهة ، ولو استعملوا الاستحمام كل يوم ، وكذا يدهنون به خيولهم ويستعمل في بلاد الهند تحضيرا للصوقات وغيرها ، وهو مركب تركيبا كيماويا من دهن زيتي سابح في العصارة اللبنية يستخرج بالعصر ويتجمد بسهولة ، ومن ماء وسكر سائل وزلال ، ويجد من أنواع النارجيل صنف يسمى ثمره بالنارجيل الملوكي ، ويحتوي على لبن تنسب له خواص مرطبة أعلى من خواص النارجيل الاعتيادي ، ومن أنواع النارجيل نوع يقال له نارجيل البريزيل ، وثمرة أكبر من بيض الدجاج بيسير ، ولونه من الظاهر أخضر ، ويحتوي على لوزة أي نواة تؤكل.

ويستخرج منها دهن أو زبد أبيض رائحته مقبولة يستعمل لتتبيل الأطعمة ، وإذا عتق استعمل للاستصباح ، ويصح استعماله دواء مرخيا وملطفا ، ويوجد تحت الغلاف الليفي الظاهر لهذا الثمر لحم أصفر زعفراني رقيق عديم الطعم تأكله السودان ، وتحته قشرة يابسة محتوية على اللوزة التي فيها خروق كحروق النارجيل الاعتيادي ، وهذا يدل على أنه نوع آخر غيره ، ويسيل من قمة هذه الشجرة صمغ شفاف رائحته مقبولة يمكن استعماله في محل الصمغ العربي ، ونخاع الشجرة يؤكل بالملح.

(الثالث الدوم):

هو : جنس من الفصيلة النخلية ، ويكثر في أعالي مصر إلى قلب إفريقيا ، ويحمل ثمارا في غلظ البرتقالة عديمة الطعم أو الخبز العتيق ، وتسميه العرب دوما ، ويأكلون ثمره فيزيلون الغلاف الظاهر الذي هو أحمر ، ويأكلون الجوهر الإسفنجي الذي في النواة ، وساق هذا النخيل متشعبة إلى شعبتين كل واحدة منهما تتشعب إلى شعبتين أيضا ، وهكذا والأوراق مروحية ، والأزهار ذات مسكنين ، وأعضاء التذكير ثلاثة ، والثمر لحمي بسيط.

وهذا النبات كثير الوجود في صعيد مصر ، وتعود منه منافع عظيمة هناك ؛ لأنه يوسع أرض الزراعة في الصحراء بتثبيت ، وخشبه يستعمل في الأبنية ، وتصنع من أوراقه حصر لطيفه ، وثماره قليلة الاستعمال للأغذية ، وتباع دواء وخلاف المواد الدسمة المشابهة للزيت أو للشحم يتحصل من الفصيلة النخلية متحصلات أخرى يمكن تشبيهها بالشمع فشجر الشمع المنسوب لجبال الأند نخيل لطيفة يتحصل منها شمع النخل ، وهو ينفرز من الأوراق سيما من جذع الشجر من محل الحلقات.

(الرابع الساجو):

يستعمل غذاء دقيق مستخرج من جذع نخيل في بلاد الهند يستخرج منها الدقيق المسمى

٢٠٢

ساجو ، فتسمية الدقيق بذلك مأخوذة من اسم الجنس ، وعدد أنواعه قليلة ، فمن تلك الأنواع ما يسمى ساجوس جينونيا ، وهو ينبت في ملوك وخصوصا في الجزائر الشرقية وأمبوان وغير ذلك ، ويألف الأماكن الآجامية ، ويحصل من دقيقه متجر عظيم في هذه المدينة ، وله ثمر في حجم التفاح الصغير أو بيضة الدجاجة مغطى بغلوس متراكمة مقلوبة.

وجذع هذا النخل يحمل قرب ذنيبات الأوراق ليفا أسود أي شعرا تسميه الأهالي لجوموتو يعمل منه منسوجات ، وحبال وزنابيل وغير ذلك لما يفعل ذلك كما يوجد في النبات المسمى (ارنجاسكار فيرا) ، ولكن الشجر أقل ارتفاعا من هذا ، ويختلف أيضا عنه في الثمر ، فإن هذا الأخير له ثمر عار على شكل مخروطي مقلوب ، ويحصل منه نبيذ وسكر وغير ذلك ، ولا يحصل منه ساجو ، وذكروا أنه يوجد لهذا النخل أربعة أصناف ، ولا يستخرج الساجو إلا من الأصناف التي لا يوجد فيها سل ولا شوك ، وتكون مستنبتة ، وتقطع في سن ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة يستخرج منه ذلك ، ومن الأنواع ساجوس رمغ نسبة لرمغيوس بضم الراء ، ويحصل منه الساجو وسمي سمغيوس بما معناه النخل النبذي الثانوي أو الساجوس الصمغي نخلا ينبت في ملوك وكوشنشين ، ومن الأنواع ساجوس وينفيرا أو بلما اسبيسنوس.

ويعرف جيدا ثمر هذا النخل وهو بيضاوي مستطيل مشابه لثمر ساجوس جينونيا ، ولكنه أطول ، والسودان تستعمل جذره وأوراقه التي ذنيباتها ليس لها ليف ولا شعر في قاعدتها ، ويبنون منها أخصاصهم وبيوتهم ، ويستخرجون منها قبل كسرها نبيذا وعصارة سنجابية اللون يسمونها بردون ، وليست عذبة كالتي تؤخذ من جنس بلما ولكنها أكثر روحية ؛ ولذلك تفضلها الأهالي وتعمل من ثمارها الخالية عن القشر والمتخمرة في الماء نوع بيكيت أي نبيذ ثانوي يحفظ أحسن من النبيذ ويشربونه بكثرة ، ولا يتجهز من هذا الشجر ساجو.

فالتحقيق أن هذا الدقيق أعني الساجو يستخرج من جملة نباتات نخلية ، ويقرب للعقل أن أكثر نبات هذه الفصيلة يحتوي على هذا الدقيق متشبثا بالشبكة الخشبية لجذعها ومنها ما لا يعطى ذلك كشجر الكاد الهندي ، وأعظم أنواع يستخرج منه هذا بمقدار كبير ساجوس جينونيا الذي ذكرناه ولا سيما ساجوفرنفيرا ، أي الدقيقي ومن ساجوس رمغي ونحو ذلك.

(الطريقة المستعملة لإخراج الدقيق):

تختلف باختلاف البلاد فقد ذكروا أن في ملوك يقطع النخيل الذي تخرج منه الساجو حينما تشاهد أوراقه مغطاة بدقيق أي غبار أبيض حيث يدل ذلك على نضج الدقيق في الجذع ،

٢٠٣

ثم يقطع هذا الجذع قطعا ويشق رباعيا أي ليصير أربعة شقق كلما احتيج لذلك ؛ لأن هذا الدقيق يمكن أن يحفظ في الجذع أكثر من سنة بدون أن يفسد ليستخرج منه النخاع بقذمة أو معول أو نحو ذلك ، ثم يوضع في زنبيل مصنوع من ليف النخل ، ثم يلقى الماء عليه ، ويؤخذ منه الدقيق الذي يجمع في علب أو صناديق من خشب ، وقد يعمل منه بعد أن يصفى الماء السابغ عليه قوالب وفطائر وقضبان وغير ذلك من الأشكال المختلفة التي يؤكل بها في تلك البلاد ، وأحيانا تكتفي الأهالي بقطع نخاع النباتات الساجوسية إلى قطع ، ثم تغلي تلك القطع ليأكلوها ، وأحيانا أخر يحفظ الدقيق في سوق من نوع من الخيزران غليظ يسمى بمبوز ، والساجو المعد للمتجر يحضر بكيفية أخرى حتى يصير محببا لأجل ذلك يمر بالعجينة من غربال ، ومنهم من يستخدم طاحونا شبيهة بالتي يقشر فيها الشعير والساجو الذي يباع يكون حبويا ملساء مستديرة لونها وردي منتقع أو وسخ عديمة الرائحة شديدة الصلابة تتفتت بسهولة أو تتفرطح تحت الأسنان ، وهو عديم الطعم ولا يذوب في الفم إلا ذوبانا غير تام ، ويلين في الماء المغلي أكثر ذوبانه فيه حيث يحفظ دائما شكله المحبب ، وذلك الجوهر يختلف عن معظم الأدقة بقوامه وعدم إذابته وعسر تحويله إلى مسحوق وتلونه وقوة تحببه وغير ذلك ؛ ولذا يلزم جعله تابعا للأدقة الحقيقية لا أنه منها ، ويحفظ زمنا طويلا إذا كان بعيدا عن الرطوبة ، ويسهل فساده إذا ندى ، وذلك يحصل كثيرا في مسيره من الهند إلى أوروبا ، ويتضح من ذلك لأي شيء يعدم لونه في كثير من الأحوال ويتعفن وغير ذلك إذا جاء عندنا فميز الساجو ثلاثة أصناف : الساجو العتيق وساجو ملوك وساجو تبيوكا ، والأولان لم يكابدا تأثير النار ولا يتقادان للماء البارد ، وإنما ينتفخان فيه كثيرا ، وحبوب الدقيق المركب ليما بيضاوية ، وتأخذ في التضايق حتى يتكون من ذلك عنيق في الطرف ، والساجو العتيق يقاوم التأثير المستطيل للماء المغلي ، ويترك فيه جملة من أغشية محللة ، وساجو ملوك أقل مقاومة لذلك ، وساجو تبيوكا يتميز بشكله ، ويتكون من كتل صغيرة رديئة غير منتظمة ، وقد كابد تأثير النار ؛ ولذلك يحصل منه في الماء البارد سائل يتلون باليود تلونا قويا ، ولم يحصل في الساجو تحليل كيماوي مع أن ذلك مهم لأجل تعيين رتبته حيث يلزم جعله من المستنتجات النباتية ، والثفل الذي بقي بعد استخراج الساجو يعطي غذاء لبعض الحيوانات ، وقد يترك أحيانا ليسخن وحينئذ تتغير حالته إلى حالة أخرى بها يكون لذيذ المأكل في ملوك كنوع من الفطر الذي يستعمل هناك كثيرا كما قالوا ، ويستعمل الساجو في الطب دواء مشددا مقويا واعتبروه دواء صدريا جليلا مقويا للمعدة والقلب لطيفا ، فيؤمر به لأرقاء الصدور وضعاف المعدة المتهيجة أمعاؤهم والمنتحلين والناقهين والمهزولين وفي الالتهاب المزمن في الأحشاء ونحو ذلك ، وهو يستدعي طبخا طويلا وتحضر منه مغليات وبالأكثر شوربات وجليديات

٢٠٤

وأقراص وقراقيش ، ويوضع في الكؤلات فيمدح كثيرا للسمن ، ومقداره في الشوربة أربعة وعشرون درهما ، ومطبوخ الساجو يستعمل مغليا كملطف وإذا خمر حصل منه بالتقطير الكؤل كبقية الأدقة ، ويصح أن يتحول إلى الحموضة فيحصل منه خل ، وكما تعمل شوربته بالماء تعمل أيضا باللبن أو الأمراق ، ويمزج بالعطريات والفلفليات ونحو ذلك ، ويدخل منه مقدار عظيم في أغذية سكان جزائر ملوك ، ويقوم مقام الأرز المستعمل في بلاد الهند.

(النخيل المسمى أقوار):

هو مرتفع يستنبت أيضا في الخبية من إفريقيا وفي الجويات من أمريكا بقرب خط الاستواء ، ويسمى عندهم أقوار ، وأوراقه ريشية ذات ذنيبات شوكية تبقى خالدة على الساق ، والأزهار الذكور والإناث منفصلة عن بعضها على عراجين مختلفة ، وهي مزينة بلفافة قرطاسية مزدوجة ، وكل من الكأس والتويج ذو ثلاثة أقسام ، وأعضاء التذكير ستة والمبايض ثلاثة ، والثمر لوزي في حجم الجوزة لونه أصفر ذهبي مكون من غلاف ثمري متوسط ليفي زيتي ومن غلاف عظمي صلب جدا يحتوي على لوزة صلبة ، وحينئذ يحتوي هذا الثمر على زيتين مختلفين يستخرجان على وجه الانفراد أحدهما : من الغلاف الثمري ويستعمل كاستعمال الزيت وهو أصفر اللون ذو رائحة عطرية سائل دائما يوجد في البلاد التي يوجد نباته فيها ، وهذا هو السبب في تسميته بزيت النخل ، والثاني يستخرج من اللوزة وهو أبيض اللون جامد يستعمل كاستعمال الزبدة ، لكنه أقل مقدارا من الأول ولذا كان قليل الوجود في المتجر.

(دم الأخوين):

هو راتنج أحمر لا يذوب في الماء ويذوب في الكؤل ، والمعروف منه جملة أنواع متحصلة من أشجار مختلفة ، ومع ذلك فدم الأخوين الأكثر استعمالا يستخرج من نخيل يسمى (كالاموس دراكو) أي النخيل الغابي ، وسبب هذه التسمية هو أن ساقه التي في غلظ إبهام اليد تستطيل فترتفع على الأشجار العالية جدا ، وتنتقل من شجرة إلى أخرى يحيث إنها تكتسب طولا أكثر من مائة وستين ذراعا ، وجميع هذا الجنس مغطى بغلاف ثمري فلوسي كالغلاف الثمري لثمر نخيل الساجو ، ويتجهز منه راتنج أحمر كما قال كمبغير : هو دم الأخوين الحقيق ، ويظهر أنه يستخرج من الثمار التي تعرض من أجل ذلك بخار الماء المغلي ، وبسبب ذلك يرشح من سطحها فيضعون تلك الثمار في كيس من قماش خشن ويهزنها فيمر الراتنج من الكيس مسحوقا فيجمعونه ويذيبونه على حرارة لطيفة ويلفونه باليد حتى يصير كتلة بيضاوية طولها من اثنى عشر خطا إلى خمسة عشر ، وقطرها من ستة إلى ثمانية ، وهذا هو المسمى بدم

٢٠٥

الأخوين الغابي لكونهم يلفونه بورق الغاب أو بأوراق جافة من نخل آخر ، ودم الأخوين لا يذوب في الماء ، ويذوب في الزيوت والكؤل ، ومحلوله في الكؤل أحمر جميل ، وإذا عولج دم الأخوين بحمض الكذاب حصل منه مقدار من الحمض الجاوي ، ومسحوق دم الأخوين يقوى لونه الأحمر المسمر بمماسة الهواء فيصير أكثر لمعانا.

(في استعماله):

هذا الجوهر قد وضعه بوشرده في المنبهات ، وأغلب المؤلفين اعتبروه قابضا مكرشا شديدا ومجففا ومقويا فيستعمل في جميع الأحوال التي يلزم فيها انكماش المنسوجات وتقليل الإفرازات ، وقطع الفيضان ، فإذا يستعمل في ترهل الأعضاء والمنسوج الجلدي والسلانات البيض ، والمخاطية والإسهالات المصلية والمخاطية والأنزفة الضعيفة ونحو ذلك ، ويوصي به أيضا لإحياء القروح الضعيفة والرديئة الطبيعية والنزازة وغير ذلك.

(في استعمال القدماء):

وكانت القدماء يعرفون فيه الخواص المتقدمة حتى قالوا : إنه يحبس الدم والإسهال ، ويمنع سيلان الفضول ويدمل الجراحات الدامية ، ويلحم ضربات السيف ، ويقطع الدم الجاري منها ، ولو شربا أي استعمالا من الباطن ، وإذا احتقن به عقل الطبيعة وقوى الشرج ، ونقل ابن البيطار أنه لشدة قبضه يقطع نزف الدم من أي عضو كان ، وينفع من سحج الأمعاء والزحير إذا شرب أي استعمل منه نصف درهم في صفار بيضة نيمبر شت ويقوى المعدة وينفع من شقاق المقعدة ، ويستعمل هذا الجوهر في الصنائع محلولا في روح النبيذ للدهان الأحمر اللامع المستعمل في صناديق الصين ونحوها.

(في بيان المقدار وكيفية الاستعمال):

يستعمل مسحوقه من ربع درهم إلى ثلثي درهم وحبوبه شبية تصنع بأخذ ثلاثة دراهم من الشب ، وخمسة دراهم من دم الأخوين ، ومقدار كاف من العسل المورد يمزج ذلك ويعمل حبوبا كل حبة أربع قمحات ، ويستعمل منها ست ، فإذا علمت هذا فاعلم أن أنواع النبات أكثر من أن تفي بشرحها مجلدات ، فلهذا السبب ذكر الله تعالى هذه الأقسام الأربعة التي هي أشرف أنواع النبات ، واكتفى بذكرها تنبيها على البواقي ، وإنما قدم النخل على سائر الفواكه ؛ لأن الحكماء بينوا ما فيه من الأدوية ، وقد جعل تعالى فيه سكرا ورزقا حسنا على ما بيناه في قوله تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) [النّحل : الآية ٦٧]

٢٠٦

فإن قيل : بم تعلق قوله : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ) [النّحل : الآية ٦٧].

(قلنا) : بمحذوف تقديره ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصارة النخيل الخارجة من طلعها ومن الأعناب من عصيرها. وقوله : (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) [النّحل : الآية ٦٧]. بيان لما تقدم ، قال الواحدي الأعناب عطف على الثمرات لا على النخيل ؛ لأنه يصير التقدير ومن ثمرات الأعناب والعنب نفسه وليست ثمرة أخرى ، وأما قوله : (سَكَراً) [النّحل : الآية ٦٧]. ففي تفسير السكر وجوه :

(الأول) : السكر الخمر سميت بالمصدر من سكر سكرا وسكرا نحو رشد رشدا ورشدا ، وأما الرزق الحسن فسائر ما يتخذ من النخيل من الأقمشة والجبال والثمار والأواني والأدقة والخل والثمر ومن الأعناب كالرب والخل والزبيب ، فإن قيل : الخمر محرمة فكيف ذكرها الله تعالى في معرض الإنعام؟ أجابوا عنه من وجوه :

(الأول) : أن هذه السورة مكية وتحريم الخمر نزل في سورة المائدة ، فكان نزول هذه الآية في الوقت الذي كانت فيه الخمر غير محرمة.

(الثاني) : أنه لا حاجة إلى التزام هذه النسخ ، وذلك لأنه تعالى ذكر ما في هذه الأشياء من المنافع لا سيما لبن النخيل الخارج من الطلع ، وهو لبن ثخين حلو عذب يسكر سكرا مفرحا قويا خاطب تعالى المشركين به ، ثم إنه تعالى نبه في هذه الآية أيضا على تحريم الخمر ، وذلك أنه ميز بين لبن النخيل المسكر وبين الخمر ، فوجب أن لا يكون السكر هو الخمر والخمر من أشربه المشركين فهي منفعة في حقهم وميز تعالى بين الخمر وبين السكر والرزق الحسن في الذكر ، فوجب أن لا يكون الخمر رزقا حسنا.

(الثالث) : أن السكر هو لبن النخيل ، والمسكر هو الخمر أي النبيذ ، وهو عصير العنب والتمر وغيره إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ثم يترك حتى يشتد وهو المسمى بالمثلث العنبي ، وهو حلال عند أبي حنيفة رحمه‌الله تعالى إلى حد السكر يحتج بأن هذه الآية تدل على أن السكر حلال ؛ لأنه تعالى ذكره في معرض الإنعام والمنة ، ودل الحديث على أن الخمر حرام قال عليه‌السلام : «الخمر حرام لعينها».

وهذا يقتضي أن يكون السكر شيئا غير الخمر أقول فلعل كلام أبي حنيفة في جواز استعمال المثلث محمول على هذا وهو السكر الذي يخرج من الطلع ، وقد علل أصحابه لجواز استعمال المثلث بعلل نافعة من جملتها أنه يصلح المعدة ويقويها ، ويعين على الهضم وغير ذلك من المنافع التي فيه ، وهي موجودة في الذي يخرج من الطلع ، فظهر أنه يتعين

٢٠٧

حمل كلامه على هذا لا سيما وإنه طاهر بإجماع المسلمين ؛ لأنه بمحض خلق الله تعالى من غير معالجة أحد له ، ومن غير تخمير بخلاف المثلث ، وقد اتفق جمهور الأئمة على عدم جواز استعماله وعلى نجاسته ، فهذه المنافع التي اقتضت جواز استعمال المثلث كما أنها موجودة فيه فهي موجودة في الذي يخرج من الطلع وزيادة ، فإذا استعمل الإنسان بأمر الطبيب الثقة العدل مقدارا لإصلاح بدنه من غير أن يصل إلى حد الإسكار فهو مقدم على غيره قطعا ، بل ويحمل كلام كل من قال بجواز استعمال الخمر تداويا على هذا لأن منافعه تزيد على منافع الخمر بإجماع كلام الأطباء على ذلك ، فتأمل ذلك وتنبه له فإنه يحفظك من الزيغ والزلل ، ويحرسك من الوقوع في المهالك والعلل ، والله سبحانه وتعالى أعلم وكل من أثبت هذه المغايرة قال إنه النبيذ المطبوخ.

(الرابع) : أن السكر هو الطعام قاله أبو عبيدة واحتج عليه بقول الشاعر :

جعلت أعراض الكرام سكرا

أي جعلت ذمهم طعاما لك قال الزجاج : هذا بالخمر أشبه منه بالطعام ، والمعنى أنك جعلت تتخمر بأعراض الكرام يعني أنه جعل شغفه بغيبة الناس ، وتمزيق أعراضهم جاريا مجرى شربه الخمر.

(اعلم) أنه تعالى لما ذكر هذه الوجوه التي هي دلائل من وجه وتعديد للنعم من وجه آخر قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الرّعد : الآية ٤]. والمعنى أن من كان عاقلا علم بالضرورة أن هذه الأحوال لا يقدر عليها إلا الله سبحانه وتعالى.

(مسألة في بيان قوله تعالى : (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) [الأنعام : الآية ٩٩])

(قوله مشتبها). أي أنه تعالى أودع هيئة بعض النباتات صفة خاصة تتوافق مع بنيتها الباطنية ، فيظهر أنه أراد تعالى إضاءة عقل المتذكر بالنبات في البحث عن الارتباطات التي توجد بين جميع النباتات ، فهناك توجد عدة من نباتات توجد بينها مشابهة في البنية وفي شكل أجزائها ، حتى أن هذه المشابهة تعرف وتعتبر وتنسب إلى فصيلة واحدة ، فالحكمة الربانية أرادت ذلك لأجل تكثير النبات ، ومن معرفة ذلك يستدل على معرفة صنع الحكيم الواحد القادر ، فمثال المتشابهات الطائفة النجيلية التي منها القمح والشعير والذرة والقصب الفارسي وقصب السكر وما أشبه ذلك ، وأيضا من المتشابهات الطائفة الريحانة المسماة بالشفوية التي منها الريحان والمريمية وإكليل الجبل والنعناع والزعتر ، وما أشبه ذلك ، وكالطائفة البرتقالية التي منها الليمون بأنواعه والبرتقال والكباد والأترج والبلغموت وما أشبه ذلك ، وكل من

٢٠٨

البحث الدقيق ومقابلة بعض هذه المفردات النباتية يوصلان كل متأمل إلى أن يعرف أن جملة منها مماثلة لبعضها في جميع الأوصاف ، وبعضها لا توجد فيه إلا أوصاف عامة فإذا تأملنا في غاية من الصنوبر أو من البلوط أو في مزرعة حنطة أو نحو ذلك مثلا ترى في جميع هذه النباتات أن الجذور والسوق والأوراق والأزهار والثمار أوصافها واحدة ، وبزور أي نبات من هذه النباتات تنبت منها نباتات متشابهة لما تولدت منه وحينئذ فمفردات كل من الصنوبر أو البلوط أو الحنطة تنسب إلى نوع واحد فالحكيم القادر أنبأنا سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله : (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) [الأنعام : الآية ٩٩]. يقال : اشتبه الشيآن وتشابها ، كقولك استويا وتساويا ، والافتعال والتفاعل يشتركان كثيرا ، وقرئ متشابها وغير متشابه ، وإنما قال مشتبها ولم يقل مشتبهين إما اكتفاء بوصف أحدهما أو على تقدير والزيتون مشتبها وغير متشابه به والرومان كذلك كقوله :

رماني بأمر كنت منه ووالدي

بريئا ومن أجل الطوى رماني

فإذا تبين لك هذا فاعلم أن المشتبهات المفرد والنوع والصنف والجنس أما المفرد فقد تقدم لك ، وأما النوع فهو عبارة عن مجموع جميع المفردات التي تشبه بعضها أكثر من أن تشبه مفردات أخرى ، وبالتناسل تتحصل منها مفردات مشابهة لها ، الثالث الصنف هو عبارة عن أنواع يمكن أن يوجد فيها بسبب مؤثرات مختلفة أي بسبب تأثير الأقاليم أو بالزراعة أو بتأثير الأرض التي تزرع فيها أو بسبب درجة الحرارة أو الرياح أو ارتفاع المحال التي تنمو فيها اختلافات كثيرة الوضوح أو قليلة تبعدها عن الأنموذج الأصلي ، فكل ما نتج عن ذلك يسمى صنفا فالحنطة أو الكرم أو شجر الكمثرى أو التفاح أو أغلب الخضروات التي تتحصل منها بتأثير الزراعة مثلا زمنا طويلا نباتات متباعدة عن بعضها كثيرا أو قليلا بشكلها الظاهر ، لكنها لم تزل توجد فيها الأوصاف الأكثر أهمية للنوع الذي تنسب إليه ، وهي أصناف كل من الحنطة أو الكرم أو الكمثرى أو التفاح أو نحو ذلك ، وتأثير هذه الأسباب يقع خاصة على المعظم أو اللون أو الأوصاف الأخرى القليلة الأهمية ، ولا يقع على الأصناف النوعية حقيقة ، ففي علم النبات إذا كانت الساق كبيرة جدا أو متوسطة الكبر ، أو كانت الأوراق مختلفة العرض أو مختلفة التجزئة ، وكذا الأزهار إذا كانت مختلفة اللون أو بسيطة أو مزدوجة فكل هذه الأصناف ليست نوعية ، بل تنسب إلى أصناف من نوع واحد ، ولننبه أيضا على أن الأصناف لا تتكاثر على الدوام بواسطة التناسل ، فبزور اللعل الأبيض مثلا يتحصل منها متى نمت نباتات ذات أزهار متلونة كما في النوع الأصلي ، ونباتات ذات أزهار بيض لكنها تكون قليلة ، ومع ذلك فيوجد في النباتات كما في الحيوانات بعض أصناف مثمرة تتولد من بعضها دائما بالأوصاف عينها بواسطة التناسل ، وكذا توجد في النباتات عدة أوصاف تتجدد وتحفظ بواسطة البزور ،

٢٠٩

وهذه الحالة جيدة جدا ؛ لأن هذه الأصناف تنسب إلى النباتات المهمة جدا سواء كان ذلك بالنظر لجمال منظرها أو بالنظر لاستعمالها في التدبير الأهلي ، فتوجد عدة أصناف من الفصيلة النجيلية والفصيلة الصليبية فتثمر على أصلها من البزور كالأنواع ، ولذلك اعتبروها أنواعا حقيقة والذي يميزها من الأنواع شيئان :

(الأول) : هو قلة أهمية الأوصاف التي تميزها عن الأنواع.

(الثاني) : إنها ما دامت غير متأثرة بالمؤثرات التي نمت فيها تفقد أوصافها الخاصة بها شيئا فشيئا فتكتسب صفة النوع الذي تباعدت عنه.

(الرابع) : الجنس كما أن المفردات المتشابهة والأصناف المتشابهة تكون النوع فكذلك الأنواع التي توجد بينها مشابهة واضحة في أوصافها الباطنية وأشكالها الظاهرية أي التي لها هيئة عامة واحدة ووضع واحد في الأعضاء المختلفة وبنية واحدة في الزهر والثمر يتكون عنها الجنس ، فالورد البري والورد البستاني والورد الجوري أنواعها الثلاثة تنسب إلى جنس واحد وهو الجنس الوردي ، والأوصاف التي أسست عليها الأجناس متخذة من ملاحظات أعلى درجة من الملاحظات التي أسست الأنواع على حسبها ؛ لأنها متخذة من جزء مهم أي من شكل الأجزاء المختلفة للثمر ووصفها ، وينبغي أن تكون الأنواع الداخلة تحت الجنس متشابهة في الهيئة والأشكال الظاهرية ؛ لأجل أن يكون الجنس طبيعيا ، ولا ينبغي إهمال هذه القاعدة الجيدة ، وهي أنه متى أريد تكوين جنس ينبغي التأمل في الأعضاء التي على حسبها يتميز هذا الجنس عن غيره ، وهل توجد علامات ظاهرية تحقق انفصال هذا الجنس عن غيره أو لا ، فالجنس البلوطي أو الوردي أو القرنفلي أو النخلي أو نحو ذلك هذه كلها طبيعية ؛ لأن جميع أنواعها هيئتها وأشكالها الظاهرية متشابهة بالكلية ، وكل جنس يعرف باسم مخصوص لا يتغير في جميع الأنواع التي تدخل تحته ، وإنما يتميز كل نوعه من الأنواع الداخلة تحت كل جنس عن غيره باسم ثان يضاف عقب اسم الجنس ، فيدخل تحت جنس الأكاسيا وهو الجنس السنطي ، الأكاسيا النيلي أي السنط النيلي والاكاسيا بنج هو البنج المعروف ، وعلى ذلك فقس ، وكيفية ترتيب الرتب من الأجناس يأتي في الخاتمة إن شاء الله تعالى ، ثم قال تعالى : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) [الأنعام : الآية ٩٩].

وفيها مسائل :

(المسألة الأولى) :

قرأ حمزة والكسائي ثمره بضم الثاء والميم ، وقرأ أبو عمر وثمره بضم الثاء وسكون

٢١٠

الميم ، والباقون بفتح الثاء والميم أما قراءة حمزة والكسائي فلها وجهان :

(الأول) : وهو الأبين أن يكون جمع ثمرة على ثمر كما قالوا خشبة وخشب قال تعالى : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) [المنافقون : الآية ٤]. وكذلك أكمة وأكم ، ثم يخففون فيقولون أكم قال الشاعر :

نرى الأكم فيها سجدا للحوافر

(والوجه الآخر):

أن يكون جمع ثمرة على ثمار ثم جمع ثمار على ثمر فيكون ثمر جمع الجمع ، وأما قراءة أبي عمرو فوجهها أن تخفيف ثمر ثمر كقولهم رسل ورسل ، وأما قراءة الباقين فوجهها أن الثمر جمع ثمرة مثل بقرة وبقر وشجرة وشجرة وخرزة وخرز.

(المسألة الثانية) :

قال الواحدي : الينع النضج قال أبو عبيدة : يقال ينع ينيع بالفتح في الماضي والكسر في المستقبل ، وقال الليث : ينعت الثمرة بالكسر وأينعت إيناعا وينعا بفتح الياء وينعا بضم الياء ، والنعت يانع ومونع قال صاحب الكشاف : وقرئ وينعه بضم الياء وقرأ ابن محيصن ويانعه.

(المسألة الثالثة) :

قوله : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) [الأنعام : الآية ٩٩]. أمر بالنظر في حال الثمرة في أول حدوثها على صنوفها ، ثم أمر بالنظر في حالها عند تمامها وكمالها ، وهذا هو موضع الاستدلال والحجة التي هي تمام المقصود من هذه الآية ، وذلك لأن هذه الثمار والأزهار تتولد في أول حدوثها على صفات مخصوصة ، وعند تمامها وكمالها لا تبقى على حالاتها الأول ، بل تنتقل إلى أحوال مضادة الأحوال السابقة مثل إنها كانت موصوفة بلون الخضرة فتصير ملونة بلون السواد أو بلون الحمرة ، وكانت موصوفة بالحموضة فتصير موصوفة بالحلاوة ، وربما كانت في أول الأمر عفصة باردة فتصير في آخر الأمر حارة بحسب الطبيعة.

(المسألة الرابعة) :

في قوله تعالى : (وَيَنْعِهِ) [الأنعام : الآية ٩٩]. أي نضجه ، هو عبارة عن مجموع الظواهر المختلفة التي تتعاقب من المدة التي تتلقح فيها أصول الثمار إلى الزمن الذي تكتسب فيه نضجها التام كما أخبر تعالى في قوله : (وَيَنْعِهِ.) وهذه الظاهرة يمكن تشبيهها بالحمل

٢١١

في الحيوانات وفيه أمور :

(الأول) : متى تلقح الجنين يكتسب حياة مخصوصة ، ويجذب إليه عصارة الأجزاء المجاورة له والغلافات الزهرية وأعضاء لتذكير نزول وتقسط ، والمبيض بمفرده يستمر على النمو ، وحينئذ يقال : إن الثمر قد انعقد ولأجل انعقاده لا يكون من الضروري أن تتلقح جميع أصول البزور الموجودة في المبيض ؛ لأن الغالب أن يحصل عكس ذلك ، ففي ثمار الأشجار ذات الفواكه كالسفرجل والتفاح كثيرا ما يشاهد أن بعض البزور يتلهوج ، وفي الموز وبعض أصناف العنب كالعنب البناتي تتلهوج البزور كلها.

(الثاني) : من ابتداء الوقت الذي تنعقد فيه الثمار إلى زمن نضجها تجذب نحوها العصارة الصاعدة بتأثيرها الخاص ، ومعلوم أن المقدار العظيم من الثمار على الأشجار يضر بمحصول السنة التالية ، وهذه الظاهرة إذا كانت الثمار عديدة جدا على شجرة ، فمن الواضح أنه لا يمكن أن تكتسب نموا كافيا يجف كثير منها قبل أن يصل إلى تمام نضجه ؛ ولذا ينبغي نزع الصغيرة الأقل حجما ، وذلك لأجل كون الثمار التي تبقى تنتفع بالعصارة المغذية بطريقة أتم.

(الثالث) : في اعتبار نضج الثمار بالنظر للتنوعات التي تحصل في السوائل التي تمتصها على الدوام تشاهد نتائج وذلك أن الثمار تحدث في السوائل التي تأتي في منسوجها تغيرات مشابهة التي تحصل في العصارة التي تصعد من الجذور في الأوراق إلى أن تكتسب تلك الثمار نموها التام فيتصاعد من مسامها كالأوراق بخارات تعم جميع الثمار لا يخرج منها مقدار واحد من الرطوبة ، فالتي تتصاعد منها رطوبة كثيرة تصير يابسة أي ذات غلاف ثمري يابس كما في الثمار اليابسة التي منها الحنطة والشعير والأرز ونحو ذلك ، والتي تتصاعد منها رطوبة قليلة تصير لحمية كما في الثمار اللحمية التي منها التفاح والخوخ والمشمش ونحو ذلك.

(الرابع في كيفية تلون الثمار):

متى وصلت الثمار اللحمية إلى نضجها التام تفقد لونها الأخضر شيئا فشيئا ، وتتلون باللون الأصفر أو الأحمر أو البنفسجي ، ومتى ابتدأ حصول هذه الظاهرة يحصل تنوع مهم في الثمر ، فبعد أمن كان طعمه فجا يصير سكريا ، وأما التلون المخصوص الذي يكتسبه كل نوع من الثمار اللحمية فمتى قرب من نضجه التام فهو ناشئ عن تأثير الضوء ؛ لأن الثمار تكون دائما متلونة من الجهة المتأثرة من الأشعة الشمسية أكثر من الجهة المقابلة لها كما في التفاح والرمان ونحوهما.

٢١٢

(الخامس في كيفية اختلاف طعمها):

إذا اعتبرت الثمار اللحمية بالنظر لطعمها يرى أنها مختلفة جدا على حسب الأنواع والأجناس ، ومع ذلك فيمكن نسبة أغلب هذا السبب إلى التأثير الخاص الذي عينه تعالى لخلايا كل ثمرة ، وهي تنوع السوائل التي تدخل فيها بكيفيات مختلفة على الأنواع ، ومما يثبت هذا التأثير هو أنه متى وضع طعم شجرة من الخوخ مثلا أي فرع منها على شجرة من البرقوق ، فإن طعم ثمار المطعم لا يتقاسم شيئا من طعم ثمار البرقوق ولو أنها متغذية من جذور هذه الشجرة ، وحينئذ فالغلافات الثمرية اللحمية يلزم أن تعتبر مجموع خلايا تنوع العصارة اللينفاوية التي تدخل فيها بكيفيات مختلفة ، وثمار الصنف الواحد تكون ذات طعم واحد دائما فإذا لم يكن الطعم واضحا على حد سواء في جميع نبات الصنف الواحد يمكن نسبة ذلك إلى التأثير المختلف للأسباب الثلاثة الحرارة والضوء والهواء.

(السادس في كيفية تأثير حلاوتها):

جعل تعالى الحرارة والضوء هما المؤثران أيضا اللذان يعينان على نضج الثمار ، ويكثران المادة السكرية فيها ، وحينئذ فالشجرة المظللة تتحصل منها ثمار أقل سكرية من ثمار شجرة من نوعها معرضة للشمس ، وحالة الأرض أي الرطوبة لها تأثير في طعم الثمار أيضا ، ففي الأرض الجافة حيث إن العصارة تدخل بمقدار قليل جدا في الثمر فخلاياته تصلحها إصلاحا تاما ، والأصول السكرية المضعفة : ماء أقل يكون طعمها أكثر وضوحا ، وفي الأرض الرطبة تكون العصارة أكثر مائية ، وبمقدار عظيم جدا فالخلايا لا يمكن أن تصلحها إلا إصلاحا غير تام فيصير الثمر كبير الحجم لكنه قليل الطعم ، وبظاهرة من هذا القبيل تعطي الأشجار الصغيرة ثمار أقل طعما من ثمار الأشجار الأكبر سنا حيث إنها تمتص عصارة أكثر مائية وأكثر مقدارا ، وهذه الملاحظات تبين لنا أيضا أن الثمار تكون أجود متى فصلت من الشجرة قبل نضجها التام ببعض أيام ، فهذه الثمار تحتوي حينئذ على جميع العصارات الضرورية لها ، فعند فصلها من شجرتها يمتنع وصول عصارات جديدة إليها فتنوع العصارة الموجودة تنويعا تاما.

(السابع في كيفية نضج الثمار ومدتها):

إذا اعتبر النضج بالنظر لمدته ترى أن الزمن الذي يمضي بين التلقيح والنضج التام يختلف باختلافات النباتات ، ولا يمكن نسبة هذا الاختلاف إلى سبب معلوم ، فبعض الأشجار تنضج ثمارها في شهرين كالكرز ، وبعضها في ستة أشهر كالسفرجل والكرم وجملة أشجار راتنجية تستدعي حولا كاملا والصنوبر ، ولا تظهر فيه بزور إلا بعد التزهر بسبعة وعشرين شهرا ،

٢١٣

وهناك سببان أصليان يعينان على إسراع نضج الثمار إسراعا عارضيا. (السبب الأول) : اللدغ المتسبب عن الحشرات التي تضع بيضها في منسوج الثمر ، فمعلوم أن الثمر التي تلدغها الحشرات تنضج دائما قبل ما لم تلدغه ، وهذا اللدغ يظهر أنه يؤثر تنبيها في وظائف خلايا الثمر ، ويمكن الحصول على النتيجة عينها بوخز الثمر وخزا غائرا بعد نموه الأول وإدخال قليل من الزيت في محل الوخز كي لا يلتحم الجرح بسرعة ، وهذه الطريقة مستعملة للتين والختن الذي يصنع في الجميز ببلاد مصر ، لكن الثمار التي تقدم نضجها بهذه الكيفية تكون أقل جودة من الثمار الأخرى.

(والسبب الثاني) : يعمل شق حلقي وذلك بإزالة حلقة من قشرة الفرع الذي يحمل الأزهار في زمن التزهر أو قرب زمن انعقاد الثمار ، فتنضج قبل غيرها من ثمار الشجرة والحلقة المنزوعة يلزم أن تكون ضيقة لأجل إمكان حصول الاتصال فيما بعد بسهولة ، وبدون ذلك لا يستقيم الفرع المجروح ويخشى عليه من الموت ، وهذا الشق له تأثيران :

(الأول) : أنه يضبط العصارة النازلة ضبطا وقتيا في الأجزاء التي تحيط بالثمر ، وهذا يكسب الثمر قوة أكثر في المدة الأولى التي تعقب التلقيح.

(والثاني) : أنه متى عريت طبقة الخشب الكاذب التي تصعد فيها العصارة اللينفاوية يحصل تنوع لطيف في أوعية هذه الطبقة فتقل سرعة الدورة نحو قمة الفرع ، فينتج من ذلك أن الثمار تصلح للعصارة اللينفاوية والقليلة التي دخلت في باطنها بطريقة أتم وأنها تنضج بسرعة.

(المسألة الخامسة) :

حصول هذه التبدلات والتغيرات لا بد له من سبب ، وذلك السبب ليس هو تأثير الطبائع والفصول والأنجم والأفلاك ؛ لأن نسبة هذه الأحوال بأسرها إلى جميع هذه الأجسام المتباينة متساوية متشابهة ، والنسب المتشابهة لا يمكن أن تكون أسبابا لحدوث الحوادث المختلفة ، ولما بطل إسناد هذه الحوادث إلى الطبائع والأنجم والأفلاك وجب إسنادها إلى القادر المختار الحكيم الرحيم المدبر لهذا العالم على وفق الرحمة والمصلحة والحكمة ، ولما نبه الله سبحانه وتعالى على ما في هذا الوجه اللطيف من الدلالة قال : (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : الآية ٩٩]. قال القاضي : المراد لمن يطلب الإيمان بالله تعالى ؛ لأنه آية لمن آمن ولمن لم يؤمن ، ويحتمل أن يكون وجه تخصيص المؤمنين بالذكر أنهم الذين انتفعوا به دون غيرهم كما في قوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : الآية ٢]. ولقائل أن يقول بل المراد منه أن دلالة هذا الدليل على إثبات الآلة القادر المختار ظاهرة قوية جلية فكأن قائلا قال : لم

٢١٤

وقع الاختلاف بين الخلق في هذه المسألة مع وجود مثل هذه الدلالة الجلية الظاهرة القوية في إنبات النبات وتقلب الإثمار وما فيها من المنافع فأجيب عنه بأن قوة الدليل لا تفيد ولا تنفع إلا إذا قدر الله للعبد حصول الإيمان ، فكأنه قيل هذه الدلالة على قوتها وظهورها دلالة لمن سبق قضاء الله في حقه بالإيمان ، فأما من سبق قضاء الله له بالكفر فلا ينتفع بهذه الدلالة ألبتة أصلا فكان المقصود من هذا التخصيص التنبيه على ما ذكرناه والله تعالى أعلم.

(مسألة)

في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (١٤١) [الأنعام : الآية ١٤١].

في هذه الآية مسائل :

(المسألة الأولى) :

اعلم أنه تعالى جعل مدار الآيات الشريفة على تقرير التوحيد والنبوة والمعاد وإثبات القضاء والقدر وأنه تعالى بالغ في تقرير هذه الأصول وانته الكلام إلى شرح أحوال السعداء والأشقياء ، ثم انتقل إلى إقامة الدلائل على تقرير التوحيد فقال وهو الذي أنشأ جنات معروشات.

(واعلم) أنه سبق ذكر هذا الدليل في الآية السابقة وهي قوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام : الآية ٩٩]. إلى آخره فالآية المتقدمة ذكر تعالى فيها خمسة أنواع وهي الزرع والنخل وجنات من أعناب والزيتون والرمان وفي هذه الآية التي نحن في تفسيرها ذكر هذه الخمسة بأعيانها ، لكن على خلاف ذلك الترتيب ؛ لأنه ذكر العنب ثم النخل ثم الزرع ثم الزيتون ثم الرمان ، وذكر في الآية المتقدمة مشتبها ، وغير متشابه ، وفي هذه الآية متشابها وغير متشابه ففي الآية المتقدمة مشتبها أي لنخيل مشتبه الأشجار والثمر في جميع أنواعه ، وأيضا الكرم متشابه كالنخيل في جميع أشجاره وثمره وورقه ، وفي هذه الآية متشابها أي ما يلحق بالكرم مشابها له في أجناسه كالقرنفل والخطمي والخبازى وغير ذلك ، ثم ذكر في الآية المتقدمة (انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه) ، فأمر تعالى هناك بالنظر في أحوالها والاستدلال بها على وجود الصانع الحكيم ، وذكر في الآية : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) [الأنعام : الآية ١٤١] فأذن في الانتفاع بها وأمر

٢١٥

بصرف جزء منها إلى الفقراء ، فالذي حصل به الامتياز بين الآيتين أنه هناك أمر بالاستدلال بها على الصانع الحكيم وهاهنا أذن في الانتفاع بها ، وذلك تنبيه على أن الأمر بالاستدلال على الصانع الحكيم مقدم على الأذن في الانتفاع بها ؛ لأن الحاصل من الاستدلال بها سعادة روحانية أبدية ، والحاصل من الانتفاع بهذه سعادة جسمانية سريعة الانقضاء ، والأول أولى بالتقديم ؛ فلهذا السبب قدم الله تعالى الأمر بالاستدلال بها على الأذن بالانتفاع بها.

(المسألة الثانية) :

قوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ) [الأنعام : الآية ١٤١]. أي خلق ، يقال نشأ الشيء ينشأ نشأة ونشاءة إذا ظهر وارتفع ، والله ينشئه إنشاء أي يظهره ويرفعه ، وقوله : (جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ) [الأنعام : الآية ١٤١]. يقال عرشت الكرم أعرشه عرشا وعرشته تعريشا إذا عطفت العيدان التي ترسل عليها قضبان الكرم واحدة عرش والجمع عروش ويقال عريش وجمعه عرش ، واعترش العنب العريش اعتراشا إذا علاه ، إذا عرفت هذا فنقول في قوله : (مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) [الأنعام : الآية ١٤١]. أقوال :

(الأول) : أن المعروشات وغير المعروشات كلاهما الكرم فإن بعض الأعناب يعرش وبعضها لا يعرش بل يبقى على وجه الأرض منبسطا.

(الثاني) : المعروشات العنب الذي يجعل له عروش وغير المعروشات كل ما ينبت منبسطا على وجه الأرض مثل القرع والبطيخ وغير ذلك.

(الثالث) : المعروشات ما يحتاج إلى أن يتخذ له عريش يحمل عليه فيمسكه وهو الكرم مما يجري مجراه ، وغير المعروش هو القائم من الشجر المستغني باستوائه وذهابه علوا بقوة ساقه عن التعريش.

(الرابع) : المعروشات ما يحصل في البساتين والعمرنات مما غرسه الناس واهتموا به فعرشوه ، وغير معروشات مما أنبته الله تعالى وحشيا في البراري والجبال فهو غير معروش قوله : (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ) [الأنعام : الآية ١٤١]. فسر ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ الزرع هاهنا بجميع الحبوب التي يقتات بها (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) [الأنعام : الآية ١٤١]. أي لكل شيء منها طعم مخصوص غير طعم الآخر كما قدمنا ، وقوله : (مُخْتَلِفاً) [الأنعام : الآية ١٤١]. نصب على الحال أي أنشأه في حال اختلاف أكله ، وهو قد أنشأه من قبل ظهور أكله ، وأكل ثمره فالجواب أنه تعالى أنشأها حال اختلاف ثمرها وصدق هذا لا ينافي صدق أنه تعالى أنشأه قبل ذلك أيضا إنما نصب على الحال مع أنه يؤكل بعد ذلك بزمان ؛ لأن اختلاف أكله مقدر

٢١٦

كما تقول مررت برجل معه صقر صائدا به غدا أي مقدرا للصيد به غدا قرأ ابن كثير ونافع (أكله) بتخفيف الكاف والباقون بضم الكاف في كل القرآن ، وأما توحيد الضمير في قوله : (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) [الأنعام : الآية ١٤١]. فالسبب فيه أنه اكتفى بإعادة الذكر على أحدهما من إعادته عليهما جميعا كقوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) [الجمعة : الآية ١١] والمعنى إليهما وقوله : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التّوبة : الآية ٦٢]. وأما قوله متشابها وغير متشابه فقد سبق تفسيره ، ثم قال تعالى : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) [الأنعام : الآية ١٤١]. وفيه مباحث :

(المبحث الأول) : قد قسمت الثمار إلى ثمار بسيطة وإلى ثمار متضاعفة وإلى ثمار متلاصقة ولنتكلم على كل واحد على حدة فنقول :

(الأول الثمار البسيطة):

هي الأكثر عددا والأكثر استعمالا منها الثمار العنبية والثمر الرماني والثمر البرتقالي والثمر البطيخي والثمر التفاحي والثمر الزيتوني والثمر النجيلي والثمر الفقير والثمر القرني والثمر العلبي فالسنة الأولى لحمية والأربعة الأخيرة يابسة أو جافة فالثمار العنبية التي هي أكثر استعمالا هي العنب وحب الكاكنج وثمر شوكة الصباغين والفلفل والتمر والثمر الرماني هو الرمان المعتاد والثمار البرتقالية التي تنسب للفصيلة البرتقالية الأكثر استعمالا البرتقال والليمون والنارنج والأترج والكباد والليمون البري المسمى بلغموت والثمرات المنسوبات إلى الفصيلة القرعية الأكثر استعمالا هي الحنظل وقثاء الحمار والثمار التفاحية الأكثر استعمالا هي السفرجل والتفاح والثمار الزيتونية الأكثر استعمالا هي البر والشعير والشيلم والشوفان والأرز والذرة وقصب السكر والثمار الفقيرة تنسب للفصيلة المركبة وهي قليلة الاستعمال في الطب فلا يستعمل منها إلا ثمار نبات ببلاد الهند يسمى عندهم كلا جيري طارد للدود وثمر كل من القرطم والسلجم وعباد الشمس والسنا والتمر الهندي والثمار العلبية الأكثر استعمالا هي الوانيلا ورؤوس الخشخاش والسواديلا والحبهان.

(الثاني في الثمار المتضاعفة):

لا نذكر منها إلا ثمار الفصيلة الخيمية وثمار الانيسون النجمي فالأولى مكونة من ثمرتين في قابلتين للانفتاح والثانية مكونة من ست ثمار إلى ثنتي عشرة تنفتح من أعلى فالثمار الخيمية الأكثر استعمالا هي ثمار النخوة الهندية والشبت والأنيسون والكراويا والجزر والشمر والكمون والكزبرة وقندول الماء.

٢١٧

(الثالث في الثمار المتلاصقة):

الثمار المتلاصقة أو المركبة تحتوي على الثمار المخروطية والثمار العينية كحب العرعر فالثمار المخروطية يدخل تحتها ثمر حشيشة الدينار وثمر السرو والصنوبر والثمار العنبية يدخل تحتها حب العرعر وحب الأبهل والثمر التوتي يدخل تحته التوت المعروف والثمر التيني يدخل تحته التين المعروف واللوز المعتاد والفول السناري واللوز الهندي وبزر الكتان وبزر القطن وبزر قطونا والجوز والخروع والسمسم والبن والخردل والقرع والجوز المقيء وبزر الداتورا وبزر اللفاح والبنج وحب المسك وجوز تونكا وجوز الطيب والشونيز أي الحبة السوداء وقد انته وصف ذكر أسماء الثمار.

(المبحث الثاني في إباحة استعمال الثمار):

تمسك بعضهم بقوله تعالى : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) [الأنعام : الآية ١٤١]. إذا أثمر على أن الأصل في المنافع الإباحة والإطلاق ؛ لأن قوله : (كُلُوا) [البقرة : الآية ٥٧]. خطاب عام يتناول الكل فصار هذا جاريا مجرى قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : الآية ٢٩]. وأيضا يمكن التمسك به على أن الأصل عدم وجوب الصدقة وأن من ادعى إيجابه كان هو المحتاج إلى الدليل فيتمسك به في أن المجنون إذا أفاق في أثناء الشهر لا يلزمه قضاء ما مضى ، وفي أن الشارع في صوم النفل لا يجب عليه الإتمام وقوله : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) [الأنعام : الآية ١٤١]. يدل على أن صيغة الأمر قد ترد في غير موضع الوجوب ، وفي غير موضع الندب وعند هذا قال بعضهم : الأصل في الاستعمال الحقيقة فوجب جعل هذه الصيغة مفيدة لرفع الحجر فلهذا قالوا : الأمر مقتضاه الإباحة إلا أنا نقول : نعلم بالضرورة من لغة العرب أن هذه الصيغة تفيد ترجيح الفعل ، وإن حملها على الإباحة لا يصار إليه إلا بدليل منفصل.

(المسألة الثالثة) :

في قوله تعالى : (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) [الأنعام : الآية ١٤١]. قد ذكرنا فيما تقدم المنافع التي وضعها تعالى في النخيل والزيتون ، ونذكر هنا المنافع التي وضعها تعالى في الرومان ، وهذا النبات له أجناس من مشتبهات كما تقدم في الآية المتقدمة مشتبها وغير متشابه ، وهذه الأجناس الرمان والآس والقرنفل ، وأجناس أخر كما قال تعالى في هذه الآية : (مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) [الأنعام : الآية ١٤١]. وهذه الأجناس التوت الأرضي والتوت الشوكي والعرقسوس والكرز وغير ذلك ، وفي هذه المسألة مباحث:

٢١٨

(المبحث الأول في كلام كلي في مشتبهات هذه الأجناس الثلاثة):

نباتاتها أشجار وشجيرات ، وليس فيها حشائش ، وأوراقها متعاقبة كاملة ، ولها عصب مستطيل تصل إليه أعصاب جانبية ريشية تنضم نحو الطرف أو قربه بيسير ، ويوجد في تلك الأوراق كالقشور والكؤوس أيضا غدد شفافة مملوءة دهنا طيارا ولا تشاهد شفافيتها إذا كان منسوج الأوراق قوي الجلدية ، وربما عدمت من بعض الأجناس بالكلية ، ومعظم تلك النباتات أصلها من الأماكن الموضوعة بين المدارين ، ومنها ما يوجد في نصف الكرة الشمالي إلى الأقسام المعتدلة ، والآس الذي أوراقه كأوراق حشيشة المائة يكون في النصف الجنوبي إلى جزائر ملوين ، ويوجد في هولندة عدد كثير من الأنواع ، ومعظم نباتات هذه الأجناس يختص بغدد شفافة في منسوجها مملوءة بدهن طيار مريح يعطي للنباتات التي هو فيها رائحة عطرية وخواص منبهة حتى اشتهر كثير منها باستعمالها للزينة وفي المعالجات الطبية ، وتتميز تلك الأجناس عن الفصيلة النارنجية التي فيها غدد مثل ذلك بكثرة عدد ذكورها ، وتؤكل ثمار نباتات منها ، ويوجد في تلك الأجناس أزهار مريحة مقبولة للنظر ، ولذلك أنبتت في بساتين الغواة ، وتحتوي النباتات الآسية في قشر خشبها على راتينج وفي جذورها وثمارها قبل نضجها ، وأوراقها قاعدة قابضة صارت به أهلا لدبغ الجلود وللصبغ الأسود وغير ذلك ، والدهن الطيار فيها كثير ولا سيما في الأوراق والأزهار ، وتستعمل أوراق كثيرة منها كأوراق الشاي ولا تخفى منافع الرمان الآتية على الأثر ، ونباتات هذه الأجناس بالنظر لتركيبها وخواصها الدوائية نرى بينها وبين بعضها تشابها كما قال تعالى : (مُشْتَبِهاً) [الأنعام : الآية ٩٩]. في الآية المتقدمة ، وفي هذه الآية (مُتَشابِهاً) [البقرة : الآية ٢٥] حيث يوجد فيها قاعدتان رئيستان :

(إحداهما) : أدوم وألزم من الأخرى ، وهي القابضة ، ويظهر أنها مخلوط حمضي عفصي بمادة تنينية ، وتوجد في القشور والجذور والأوراق والأزهار والثمار وقبل النضج وبعده.

(وثانيتهما) : ليست بالطبيعة ثابتة لازمة ؛ لأن بعض النباتات خال منها ، وهي دهن طيار حريف شديد التهيج محوي حوصلات صغيرة شفافة كما قلنا توجد في الأوراق والقشور والأهداب والثمار ، والغالب انضمام هاتين القاعدتين ببعضهما في نبات واحد بمقادير متساوية تقريبا كما في الآس والقرنفل اللذين أوراقهما وقشورهما مبذور فيها تلك الحوصلات الدهنية ، وقد تتسلطن إحدى القاعدتين على الأخرى ؛ ولذا كانت أجزاء شجر الرمان كلها قابضة للغاية وليست عطرية ، وقد تتسلطن القاعدة الطيارة بكثرة كما في ميلا لوقا ، وهو شجر

٢١٩

كبير أصله من الهند الشرقي يستخرج منه الدهن الطيار الذي لونه أخضر جميل قاتم ، ورائحته عطرية قوية ، والثمار اللحمية لتلك النباتات تكون أولا غضة قابضة ، ولا تتسلطن القاعدة العطرية فيها إلا زمن النضج فطعمهما إذ ذاك يكون حريفا بقلة أو بكثرة عطريا كأنه برتبتين ، وذلك ما يشاهد في كثير منه ولا سيما في جنس مرطوس ، وأحيانا إذا كانت الثمار كثيرة اللبية فإنه ينمو فيها قاعدة سكرية لعابية تعدل الطعم العطري فيصير بذلك طعمها مقبولا.

(المبحث الثاني في الرمان):

هذا الجنس من الفصيلة الآسية كثير الذكور أحادي الإناث ، وصفاته النباتية هي أن الكأس قعي الشكل يقرب ؛ لأن يكون ناقوسيا ، والتويج خمسة أهداب منثنية بدون انتظام ، والذكور كثيرة مندغمة على جدران القناة الكأسية ، والمهبل ثخين القاعدة ، والفرج بسيط والثمر جاف جلدي كروي الشكل متوج بأسنان الكأس ذو مساكن كثيرة تحتوي كل مسكن منها على حبوب كثيرة لحمية زاوية محاطة بجسم لبي ، ولا يحتوي هذا الجنس إلا على نوعين سنذكرهما ، ولكن لا نطيل الكلام إلا في واحدة منهما وهو المذكور لكثرة نفعه وجمال شجرته.

(في صفاته النباتية):

هي أن شجره يعلو عشرين قدما أو نقول من ستة أذرع ، عشرة ، وجذعه غير مستو ، ومغطى بشوك صغير أو فروع غير تامة التكوّن ، وأوراقه متقابلة قصيرة الذنيب بيضاوية مستطيلة تامة لامعة خالية من الزغب ، والأزهار حمر جميلة وحيدة في طرف الأغصان تكاد عديمة الحامل ، وكأسها ملون قعي ثخين لحمي يلتصق جزؤه الأسفل بالمبيض ويتسع قليلا في القمة التي تنقسم خمسة أقسام سهمية تنتهي من الأعلى بدرنة صغيرة لحمية حادة الطرف ، والتويج خمس وريقات زهرية مندغمة في الجزء العلوي من الأنبوبة ، والذكور كثيرة سائبة مرتبطة بجميع الجدار الباطن لأنبوبة الكأس ومساوية لبعضها وأقصر منها من أقسام الكأس ، والأعساب حمر غير زغبية ، والحشفات كلوية الشكل تقريبا صفر ذوات مخزنين ، والمبيض ملتصق بأسفل جزء من أنبوبة الكأس وفيه جملة مخازن مصفوفة صفين متراكبين ومحتوية على بزور كبيرة مرتبطة بحبيلها السري ، وتشغل قاعدة كل مخزن من جانبه الإنسي ، والمهبل بسيط يقرب لشكل الزجاجة السوداء أي أنه من الأسفل منتفخ وأكثر ثخنا ومن الأعلى مكتنز ، وينتهي بفرج مفرطح غددي مستدير الشكل ، والثمر مستدير تفاحي الشكل متوج بأنبوبة

٢٢٠