كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي

كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5282-4

الصفحات: ٤٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

(أحدها) : أن عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ أخبر أن الخمر حرمت يوم حرمت ، وهي تتخذ من الحنطة والشعير كما أنها تتخذ من العنب التمر والتفاح وهذا يدل على أنهم كانوا يسمونها كلها خمرا.

(وثانيها) : أنه قال حرمت الخمر يوم حرمت ، وهي تتخذ من هذه الأشياء الخمسة ، وهذا كالتصريح بأن تحريم الخمر يتناول تحريم هذه الأنواع الخمسة.

(وثالثها) : روى أبو داود عن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن من العنب خمرا وإن من التمر خمرا وإن من العسل خمرا وإن من البر خمرا وإن من الشعير خمرا ، والاستدلال به من أمرين :

(أحدهما) : أن هذه صريح في هذا الأشياء داخلة تحت اسم الخمر فتكون داخلة تحت الآية الدالة على تحريم الخمر.

(والثاني) : أنه ليس مقصود الشارع تعليم اللغات فوجب أن يكون مراده من ذلك بيان أن الحكم الثابت في الخمر ثابت فيها ، والحكم المشهور الذي اختص به الخمر ، وهو حرمة الشرب ، فوجب أن يكون ثابتا في هذه الأشربة ، قال الخطابي رحمه‌الله : وتخصيص الخمر بهذه الأشياء الخمسة ليس لأجل أن الخمر لا يكون إلا من هذه الخمسة بأعيانها ، وإنما جرى ذكرها لكونها معهودة في ذلك الزمان ، فكل ما كان في معناها من ذرة أو سلت أو عصارة شجرة فحكمها حكم هذه الخمسة كما أن تخصيص الأشياء الستة بالذكر في حيز الربا لا يمنع من ثبوت حكم الربا في غيرها.

(الحجة الثانية) :

روى أبو داود عن عائشة روى أبو داود عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن البتع فقال : «كل شراب أسكر فهو حرام». قال الخطابي : البتع شراب يتخذ من العسل وفيه إبطال كل تأويل يذكره أصحاب تحليل الأنبذة ، وإفسادا لقول من قال : إن القليل من السكر مباح ؛ لأنه عليه‌السلام سئل عن نوع أحد من الأنبذة فأجاب عنه بتحريم الجنس ، فيدخل فيه القليل والكثير منها ، ولو كان هناك تفصيل في شيء من أنواعه ومقاديره لذكره ولم يمهله.

(الحجة الثالثة) :

روى أبو داود عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أسكر كثيره فقليله حرام».

١٤١

(الحجة الرابعة):

روي أيضا عن القاسم عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «كل مسكر حرام ، وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام».

قال الخطابي : الفرق مكيال يسع ستة عشر رطلا ، وفيه أبين البيان أن الحرمة شاملة لجميع أجزاء الشراب.

(الحجة الخامسة):

روي أيضا عن شهر بن حوشب عن أم سلمة : روي أيضا عن شهر بن حوشب عن أم سلمة قالت : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن كل مسكر ومفتر قال الخطابي : المفتر كل شراب يورث الفتور ، والخدر في الأعضاء ، وهذا لا شك في أنه متناول لجميع أنواع الأشربة ، فهذه الأحاديث كلها دالة على أن كل مسكر فهو خمر وهو حرام.

(المسألة الرابعة) :

من الدلائل الدالة على أن كل مسكر خمر التمسك بالاشتقاقات قال أهل اللغة أصل هذه الحرف التغطية سمي الخمار خمار ؛ لأنه يغطي رأس المرأة والخمر ما وراك من شجر وغيره من وهدة وأكمة ، وخمرت رأس الإناء أي غطيته ، والخامر هو الذي يكتم شهادته.

قال ابن الأنباري : سميت خمرا ؛ لأنها تخامر العقل ، أي تخالطه يقال : خامره الداء إذا خالطه ، وأنشد لكثير :

هنيئا مريئا غير داء مخامر

ويقال : خامر السقام كبده ، وهذا الذي ذكره راجع إلى الأول ؛ لأن الشيء إذا خالط الشيء صار بمنزلة السائر له ، فهذه الاشتقاقات دالة على أن الخمر يكون ساترا للعقل كما سميت مسكرا ؛ لأنها تسكر العقل أي تحجزه ، وكأنها سميت بالمصدر من خمره خمرا إذا ستره للمبالغة ، ويرجع حاصله إلى أن الخمر هو السكر ؛ لأن السكر يغطي العقل ويمنع وصول نوره إلى الأعضاء فهذه الاشتقاقات من أقوى الدلائل على أن مسمى الخمر هو المسكر فكيف إذ انضافت الأحاديث الكثيرة إليه لا يقال هذا إثبات للغة بالقياس ، وهو غير جائز ؛ لأنا نقول : ليس هذا إثباتا للغة بالقياس ، بل هو تعيين للمسمى بواسطة هذه الاشتقاقات كما أن أصحاب أبي حنيفة ـ رحمهم‌الله ـ يقولون : إن مسمى النكاح هو الوطء ، ويثبتونه بالاشتقاقات ، ومسمى الصوم : هو الإمساك ويثبتون بالاشتقاقات.

١٤٢

(المسألة الخامسة) :

في أنواع الدلائل الدالة على أن الخمر هو المسكر :

(النوع الأول) : أن الأمة مجمعة على أن الآيات الواردة في الخمر ثلاث : اثنتان منها وردتا بلفظ الخمر إحداهما : هذه الآية والثانية : آية المائدة ، والثالثة : وردت في السكر وهي قوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النّساء : الآية ٤٣]. وهذا يدل على أن المراد من الخمر هو المسكر.

(النوع الثاني) : أن سبب تحريم الخمر هو أن عمر ومعاذا قالا : يا رسول الله إن الخمر مسلبة للعقل مذهبة للمال فبين لنا فيه فهما ، وإنما طلبا الفتوى من الله ورسوله بسبب كون الخمر مذهبة للعقل ، فوجب أن يكون كل ما كان مساويا للخمر في هذا المعنى ، إما أن يكون خمرا ، وإما أن يكون مساويا للخمر في هذا الحكم.

(النوع الثالث) : أن الله علل تحريم الخمر ، وبقوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) [المائدة : الآية ٩١]. ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة.

ولا شك أن هذه الأفعال معللة بالسكر ، وهذا التعليل يقيني فعلى هذا تكون هذه الآية نصا في أن حرمة الخمر معللة بكونها مسكرة ، فإما أن يجب القطع بأن كل مسكر خمر أو إن لم يكن كذلك فلا بد من ثبوت هذا الحكم في كل مسكر ، وكل من أنصف وترك العناد علم أن هذه الوجوه ظاهرة جليلة في إثبات هذا المطلوب.

حجة أبي حنيفة ـ رحمه‌الله تعالى ـ من وجوه :

(الوجه الأول) : قوله تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) [النّحل : الآية ٦٧]. منّ الله تعالى علينا باتخاذ السكر والرزق الحسن ، وما نحن فيه سكر وزرق حسن فوجب أن يكون مباحا ؛ لأن المنة لا تكون إلا بالمباح.

(الوجه الثاني) : ما روى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه ـ عليه‌السلام ـ أتى السقاية عام حجة الوداع فاستند إليها ، وقال : اسقوني. فقال العباس : ألا أسقيك مما ننبذه في بيوتنا فقال : مما تسقي الناس فجاءه بقدح من نبيذ فشمه فقطب وجهه ورده فقال العباس : يا رسول الله أفسدت على أهل مكة شرابهم. فقال : ردوا علي القدح. فردوه عليه فدعا بماء من زمزم وصبه عليه وشرب ، وقال : إذا اغتلمت عليكم هذه الأشربة فاقطعوا نتنها بالماء.

١٤٣

وجه الاستدلال به أن التقطيب لا يكون إلا من الشديد ؛ ولأن المزج بالماء كان لقطع الشدة بالنص ؛ ولأن اغتلام الشراب سكرة كما اغتلام البعير شدته.

(الوجه الثالث) : التمسك بآثار الصحابة ، والجواب عن الأول أن قوله تعالى : (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) [النّحل : الآية ٦٧]. نكرة في الإثبات فلم قلتم : إن ذلك السكر والرزق الحسن هو هذا النبيذ ، وقد أجمع المفسرون على أن تلك الآية نزلت قبل هذه الآيات الثلاث الدالة على تحريم الخمر فكانت هذه الثلاثة ؛ إما ناسخة ، وإما مخصصة لها.

وأما الحديث فلعل ذلك النبيذ كان ماء نبذت تمرات فيه لتذهب الملوحة فتغير طعم الماء قليلا إلى الحموضة وطبعه ـ عليه‌السلام ـ في غاية اللطافة فلم يحتمل طبعه الكريم ذلك الطعم ؛ فلذلك قطب وجهه ، وأيضا كان المراد بصب الماء فيه إزالة ذلك القدر من الحموضة أو الرائحة ، وبالجملة فكل عاقل يعلم أن الأعراض عن تلك الدلائل التي ذكرناها بهذا القدر من الاستدلال الضعيف غير جائز.

وأما آثار الصحابة فهي متدافعة متعارضة فوجب تركها والرجوع إلى ظاهر كتاب الله وسنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهذا تمام الكلام في حقيقة الخمر ، قرأ حمزة والكسائي كثير بالثاء المنقوطة من فوق ، والباقون بالباء المنقوطة من تحت ، حجة حمزة والكسائي أن الله تعالى وصف أنواعا كثيرة من الإثم في الخمر والميسر ، وهو قوله : فذكر أعدادا من الذنوب فيهما ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعن عشرة بسبب الخمر ، وذلك يدل على كثرة الإثم فيهما ؛ ولأن الإثم في هذه الآية كالمضاد للمنافع ؛ لأنه قال : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ) [البقرة : الآية ٢١٩]. فكما أن المنافع أعداد كثيرة فهكذا الإثم فصار التقدير كأنه قال فيهما مضار كثيرة ومنافع كثيرة.

وحجة الباقين أن المبالغة في تعظيم الذنب إنما تكون بالكبر لا بكونه كثيرا يدل عليه قوله تعالى : (كَبائِرَ الْإِثْمِ) [الشّورى : الآية ٣٧]. و (كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً).

(المسألة السادسة في حقيقة الميسر):

اعلم أن الميسر مصدر من يسر كالموعد ، والمرجع من فعلهما يقال : يسرته إذا قمرته. واختلفوا في اشتقاقه على وجوه :

(أحدها) : قال مقاتل : اشتقاقه من اليسر ؛ لأنه أخذ مال الرجل بيسر وسهولة من غير كد ولا تعب كانوا يقولون : يسروا لنا ثمن الجزور. أو من اليسار ؛ لأنه مسبب ليساره ، وعن ابن عباس كان الرجل في الجاهلية يخاطر على أهله وماله.

١٤٤

(وثانيها) : قال ابن قتيبة : الميسر من التجزئة ، والاقتسام يقال : يسروا الشيء ، أي اقتسموه فالجزور نفسه يسمى ميسرا ؛ لأنه يجزأ أجزاء فكأنه موضع التجزئة ، والياسر الجزار ؛ لأنه يجزئ لحم الجزور ، ثم يقال للضاربين بالقداح والمتقامرين على الجزور أنهم ياسرون ؛ لأنهم بسبب ذلك الفعل يجزؤون لحم الجزور.

(وثالثها) : قال الواحدي : إنه من قولهم يسر لي هذا الشيء ييسر يسرا وميسرا إذا وجب ، والياسر الواجب بسبب القداح هذا حقيقة الكلام في اشتقاق هذه اللفظة.

وأما صفة الميسر فقال «صاحب الكشاف» : كانت لهم عشرة أقداح وهي : الأزلام والأقلام الفذ والتوأم والرقيب والحلس بفتح الحاء وكسر اللام ، وقيل : بكسر الحاء وسكون اللام والمسبل والمعلي والنافس والمنيح والسفيح والوغد لكل واحد منها نصيب معلوم من جزور ينشرونها ويجزؤونها عشرة أجزاء ، وقيل : ثمانية وعشرين جزءا إلا ثلاثة ، وهي المنيح والسفيح والوغد ، ولبعضهم في هذا المعنى :

لي في الدنيا سهام

ليس فيهن ربيح وأساميهن وغد

وسفيح ومنيح

فللفذ سهم ، وللتوأم سهمان ، وللرقيب ثلاثة ، وللحلس أربعة ، وللنافس خمسة ، وللمسبل ستة ، وللمعلي سبعة يجعلونها في الربابة وهي الخريطة ويضعونها على يد عدل ، ثم يجلجلها ويدخل يده فيخرج باسم رجل قدحا منها فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ النصيب الموسوم به ذلك القدح ، ومن خرج له قدح لا نصيب له لم يأخذ شيء ، وعزم ثمن الجزور كله ، وكانوا يدفعون تلك الأنصاب إلى الفقراء ولا يأكلون منها ويفتخرون بذلك ، ويذمون من لم يدخل فيه ويسمونه البرم ، ثم اختلفوا في أن الميسر هل هوة اسم لذلك القمار المعين ، أو هو اسم لجميع أنواع القمار ، روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : (إياكم وهاتين الكعبتين فإنهما من ميسر العجم). وعن ابن سيرين ، ومجاهد ، وعطاء كل شيء فيه خطر فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز.

وأما الشطرنج فروى عن علي ـ عليه‌السلام ـ أنه قال : النرد والشطرنج من الميسر. وقال الشافعي ـ رضي الله عنه ـ : إذا خلا الشطرنج عن الرهان ، واللسان عن الطغيان ، والصلاة وعن النسيان لم يكن حراما ، وهو خارج عن الميسر ؛ لأن الميسر ما يوجب دفع المال أو أخذ المال ، وهذا ليس كذلك فلا يكون قمار ولا ميسرا والله أعلم.

١٤٥

أما السبق في الخف والحافر فبالاتفاق ليس من الميسر ، وشرحه مذكور في «كتاب السبق والرمي» من كتب الفقه.

أما الميسر فالإثم فيه أنه يفضي إلى العداوة أيضا لما يجري بينهم من الشتم والمنازعة ، وأنه أكل مال بالباطل ، وذلك أيضا يورث العداوة ؛ لأن صاحبه إذا أخذ ماله مجانا أبغضه جدا ، وهو أيضا يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة ، ومن منافع الميسر التوسعة على ذوي الحاجة لأن من قمر لم يأكل من الجزور ، وإنما كان يفرقه في المحتاجين ، وذكر الواقدي أن الواحد منهم كان ربما قمر في المجلس الواحد مائة بعير ، فيحصل له مال من غير كد وتعب ، ثم يصرفه إلى المحتاجين فيكتسب منه المدح والثناء.

(المسألة السابعة) :

في قوله تعالى : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس : الآية ٢٤]. والسبب فيه أنه تعالى ذكر أنه أنزل من السماء ماء فأنبت به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب لقائل أن يقول : لا نسلم أنه تعالى هو الذي أنبتها ، ولم لا يجوز أن يقال إن هذه الأشياء إنما حدثت وتولدت بسبب تعاقب الفصول الأربعة ، وتأثيرات الشمس والقمر والكواكب ، فإذا عرفت هذا السؤال فما لم يقم الدليل على فساد هذا الاحتمال لا يكون هذا الدليل تاما وافيا بإفادة هذا المطلوب ، بل يكون مقام الفكر والتأمل باقيا فلهذا السبب ختم هذه الآية بقوله : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس : الآية ٢٤].

(واعلم) أن الله تعالى أجاب في جملة آيات عن هذا السؤال الذي ذاكرنا من وجهين :

(الأول) : نقول هب أن حدوث الحوادث في هذا العالم السفلي مستند إلى اتصالات الفلكية والتشكيلات الكوكبية ؛ لأنه بل لحركتها واتصالاتها من أسباب ، وأسباب تلك الحركات إما ذواتها وإما أمور مغايرة لها فالأول باطل لوجهين :

(الأول) : أن الأجسام متماثلة فلو كان جسم علة لصفة لكان كل جسمك واجب الاتصاف بتلك الصفات وهو محال.

(الثاني) : أن ذات الجسم لو كانت علة لحصول هذا الجزء من الحركة لوجب دوام هذا الجزء من الحركة بدوام تلك الذات ، ولو كان كذلك لوجب بقاء الجسم على حالة واحدة من غير تغير أصلا ، وذلك يوجب كونه ساكنا ويمنع من كونه فثبت متحرك فثبت أن القول بأن الجسم متحرك لذاته يوجب كونه ساكنا لذاته وما أفضى ثبوته ، أى عدمه كان باطلا فثبت أن الجسم يمتنع أن يكون متحرك لكونه جسما فبقى أن يكون متحركا للغير ، وذلك الغير ، أما أن يكون ساريا فيه متباينا عنه.

١٤٦

فالأول باطل ؛ لأن البحث المذكور عائد في ذلك الجسم بعين لا يختص بتلك القوة بعينها دون سائر الأجسام فيثبت أن محرك أجسام الأفلاك والكواكب أمور مباينة عنها ، وذلك المباين أن يكون جسما أو جسمانيّا عاد التقسم الأول فيه وإن لم يكن جسما ولا جسمانيا فإما أن يكون موجبا بالذات أو فاعلا مختارا ، فالأول باطل ؛ لأن نسبة ذلك الموجب بالذات إلى جميع الأجسام على السوية فلم يكن بعض الأجسام بقبول بعض الآثار المعينة أولى من بعض فلما بطل هذا ثبت أن محرك الأفلاك والكواكب هو الفاعل المختار القادر المنزه عن كونه جسما وجسمانيّا ، وذلك هو الله تعالى وحده.

فالحاصل أنا لو حكمنا بإسناد حوادث العالم السفلى إلى الحركات الفلكية الكوكبية فهذه الحركات الفلكية والكوكبية لا يمكن استنادها إلى أفلاك أخرى وإلا لزم التسلسل ، وهو محال فوجب أن يكون خالق هذه الحركات ومدبرها هو الله تعالى وحده إذا كانت الحوادث السفلية مستندة إلى الحركات الفلكية ، وثبت أن الحركات الفلكية حادثة بتخليق الله تعالى وتقديره وتكوينه كان هذه اعترافا بأن الكل من الله تعالى وحده ألبتة لا محالة وبإحداثه وبتخليقه ، وهذا هو المراد.

(المسألة الثامنة) :

في قوله تعالى : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس : الآية ٢٤]. أيضا (اعلم) أرشدك الله تعالى أنه إنما قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الرّعد : الآية ٣]. إشارة إلى عظم قدرته سبحانه وتعالى فإن المتفكر إذا نظر إلى أجناسها وأنواعها وصفاتها ومضارها ومنافعها ، علم أن موجد ذلك هو الله الواحد القهار الفاعل المختار الذي لا يحاط بقدرته ولا يحصى بديع حكمته ، ولنورد عليك كيفية تكوينها مفصلا وفي ذلك مباحث :

(المبحث الأول في الجذور):

الجذور : هي جزء من النباتات يشغل جزأها السفلي ، ويستمر عادة مدفونا في الأرض عموديا ، وأغلب النباتات لها جذور ، وبعض النباتات المائية يظهر أنها ليس لها جذور ، لكن النباتات التي هي من هذا القبيل قليلة العدد ، ومع ذلك توجد بعض نباتات ذات جذور ليست مثبتة في الأرض ، بل عائمة في الماء كما في عدس الماء ، وبعض نباتات لها نوعان من الجذور بعضها مثبت في الطين والبعض الآخر سابح في الماء كالنبات المسمى بالبشنين ، وكل من حبل المساكين ، وأنواع الأشنة البحرية ، وأنواع القسط البحبري ، أي لكيزازلاندي تنبت على الأشجار فتمتص منها العناصر الضرورية لنموها.

١٤٧

(المبحث الثاني في تركيب الجذور):

قد قسم جميع النبات إلى ثلاثة أقسام متميزة عن بعضها وهي : الجثة وعقدة الحياة والألياف الشعرية.

(القسم الأول في الجثة):

الجثة : جزء لحمي عادة مختلف الشكل موضوع بين عقدة الحياة والألياف الشعرية ، وقيل : إنها ليست إلا امتداد من الساق لأنه يعسر تمييز الحد الذي يفصل الجذور عن الساق ، وهذا هو الذي ألجأ النباتيين إلى أن يسمو الجثة بالسياق النازلة خلافا للساق التي يسمونها بالساق الصاعدة.

(القسم الثاني في عقدة الحياة):

عقدة الحياة : هي محل انفصال الجذور عن الساق ، ويعسر رؤيتها في الأشجار غالبا ؛ ولذا يمكن اعتبار ما نقطة تخيلية إلا في النباتات الحشيشية الخالدة ؛ لأن الساق الجديدة التي تخرج كل سنة تكون من عقدة الحياة.

(القسم الثالث في الألياف الشعرية):

الألياف الشعرية : هي في الحقيقة جذور النبات ، وهي جملة ألياف كثيرة العدد دقيقة كثيرا أو قليلا تلتصق إما بالجثة أو بعقدة الحياة ، وتوجد الأفمام الإسفنجية الماصة في نهاية الألياف المذكورة ، وبها يحصل امتصاص العصارة المغذية ، وهذه الألياف كثيرة الشبه بالأوراق لأنها تموت وتتجدد كل سنة ، ويشاهد أيضا في الجذور الزاحفة أن الأجزاء المعرضة لمماسة الهواء تتكون منها أوراق بدل أن تتكون منها ألياف جذورية.

(المبحث الثالث في الأفمام):

الأفمام : هي الأطراف الأخيرة للجذور التي تمتص العصارة المغذية لنمو النبات ، وهي مكونة من منسوج خلوي يفعل ما تفعله إسفنجية غمرت في الماء.

(المبحث الرابع في مكث الجذور):

جميع ما قلناه فيما تقدم يتعلق بالأجزاء المختلفة التي يتركب منها جميع جذور النباتات ، لكن جميع هذه الجذور تختلف كثيرا بالنسبة لمكثها فمنها ما لا يعيش إلا سنة واحدة ، ثم

١٤٨

يموت مع الساق والأوراق والأعضاء الأخر التي تولدت منه ، وهذه تسمى بالجذور السنوية ، وجميع النباتات الحشيشية كذلك وبالعكس إذا لم يتكون من الجذور إلا الأوراق في السنة الأولى ، ولم يصل النبات إلى نموه التام إلا بعد سنتين فيسمى بذي السنتين أي الذي لا يموت إلا بعد سنتين حيث إنه يلزم له الزمن المذكور حتى تتكون الأعضاء المختلفة التي تكون نباتا كامل الأعضاء.

وكثير من النباتات ما له ساق تموت كل سنة وجذرها يبقى حيا في باطن الأرض ، ويحصل منه أوراق وأزهار جديدة كلما أتى عليه فصل الربيع ، وهذه الجذور تسمى بالخالدة ، وذلك كجذور الهليون وجذور السوسن والجذور التي في صلابة الخشب تسمى بالجذور الخشبية ، ومكثها تابع لمكث أشجارها ، وهذا المكث ليس محدود أصلا فيمكن أن يتنوع بجملة أسباب ، كالأقاليم وحرارة الجو والزراعة ؛ ولذا يمكن مشاهدة أشجار سنوية تصير ذات سنتين بل وتصير خالدة متى انتقلت إلى البلاد القريبة من خط الاستواء ، وكذلك تشاهد نباتات خشبية آتية من الأقاليم المعتدلة تصير سنوية متى نقلت إلى بلاد باردة مثال ذلك الخروع يكون أشجارا كبيرة في بلادنا ويصير سنويا في بلاد أوروبا.

(المبحث الخامس في الأشكال العامة للجذور):

إذا كان للجذور جثة تتجه اتجاها عموديا في الأرض يسمى الجذر عموديا كاللفت مثلا ، وهذه الجذور قد تكون بسيطة وهي الحالة المقطعة لها ، وقد تكون متفرعة وذلك كجذور شجر الغابات وجذور النباتات ذات الفلقتين عموما.

(المبحث السادس في الجذور الليفية):

إذا خرجت من عقدة الحياة الجذرية ألياف شعرية تسمى بالجذور الليفية كما يشاهد ذلك في جميع جذور النباتات ذات الفلقة الواحدة سواء كانت أشجار أو نباتات حشيشية.

(المبحث السابع في الجذور الدرنية):

تسمى بهذه الاسم الجذور التي يشاهد فيها درن لحمي يتولد من عقدة الحياة الجذورية ، وليس الدرن المذكور درنا حقيقيا ، بل هو ألياف جذرية منتفخة انتفاخا عظيما ولا تشاهد فيها أزرار أصلا.

(المبحث الثامن في الجذور البصلية):

الجذور البصلية مكونة من درنات رقيقة مفرطحة تسمى بالصفحات ، وليست الجذور

١٤٩

البصلية جذورا حقيقة ، بل هي سوق لحمية يحمل جذرها العلوي بصلة أو زرا مكون من صفائح فلوسية موضوعة على هيئة قشور السمك كما في بصل الزئبق أو مغلفة لبعضها كما في البصل المعتاد ونحوه ، والجزء السفلي للصفحة التي تقدم الكلام عليها ينتهي بألياف كثيرة هي الجذر الحقيقي الذي ينبغي تسميته بالجذر الليفي ، وهذه الألياف تكتسب نموا عظيما غالبا سيما إذا كانت جذورها مغمورة في ماء حار.

(المبحث التاسع في الأشكال الخاصة للجذور):

تسمى الجذور مغزلية إذا كان شكلها كشكل المغزل ، وذلك كجذر الفحل البري والفجل المعتاد والجزر ، ومخروطية كالبنجر ، وعقدية كالسعد ؛ لأن جذوره توجد فيها انتفاخات مسافة فمسافة كشكل السبحة أو شعرية كجذور الفصيلة النجيلية.

(المبحث العاشر في قوة تعمق الجذور):

عادة الجذور دائما أن تبحث عن الأرض التي تناسبها أحسن من غيرها ؛ ولذلك تمتد في بعض الأحيان بكيفية عجيبة لكي تجد عرقا جيدا من الأرض يناسبها ، وقوة تعمقها شديدة أيضا إذ تغوص بين الأحجار والصخور التي تفصلها عن الأرض الجيدة ، وجعل تعالى فيها ميلا عظيما أيضا للاتجاه نحو مركز الأرض.

(المبحث الحادي عشر في الساق):

الساق : جزء من النباتات يرتفع من أسفل إلى أعلى في الهواء ، وينمو في اتجاه مخالف لاتجاه الجذر ، وهو يحمل الفروع والأوراق والأزهار والثمار ، وكثير من النباتيين لا يعنون بهذا الاسم إلا الجزء الذي يخرج من عقد الحياة ويرتفع في الهواء ، ومع ذلك ينبغي أن يعطي هذا الاسم أيضا للسوق الأرضية التي هي أجسام لحمية تسبح في باطن الأرض ولها ألياف جذرية.

وليست النباتات كلها ذات ساق ظاهرة ، والنباتات التي لا ساق تسمى بعديمة الساق كالفجل والبنجر وغيرهما ، ولا يمكن أن يعطي هذا الاسم للذنيبيات التي لا تحمل أوراق ، بل تحمل زهرة أو جملة أزهار فقط ، وهي تتولد من عقدة الحياة ، وقد تسمى إما بالخابيط أو بالذنيبيات الزهر الجذرية ، وللسوق أشكال مختلفة جدا فأحيانا تكون أسطوانية أو مضغوطة قليلا من جهتين متقابلتين كما في السوسن ، ومنها ما يكون ثلاثي الزوايا كما في السعد ،

١٥٠

ومنها ما يكون رباعيها وذلك أغلب نباتات الفصيلة الشفوية ونحوها كالنعناع ، وقد تكون خماسيتها أو سداسيتها كما في بعض أنواع الزيتون ، وإذا وجدت في الساق عقد مسافة فمسافة تسمى بالعقدية كما في الفصيلة التحيلية مثلا ، وإذا كانت رقيقة جدا بحيث لا يمكنها أن ترتفع بدون مساعدة أجسام مجاورة لها تنبت عليها سلوك بواسطتها تسمى الساق شعشاعية كما في الكرم والعليق مثلا ، وتسمى مفصلية إذا كانت ذات مفاصل ، وذلك كما في كثير من نبات الفصيلة القرنفلية وشب الليل.

(المبحث الثاني عشر : في بيان استعمال الجذور والسوق):

أما الجذور فلها استعمالات في الصنائع والطب والتدبير الأهلي ، وتخرج منها أدوية كثيرة تستعمل في بيوت الأدوية وخواصها الطبية تكون قوية الفعل أحيانا ، وتارة تستعمل قشور الجذور فقط كما في قشور جذور الرمان والسيمارويا ، وتارة يستعمل الجزء الباطني المسمى بالخشب كما في الراوند ، وتارة يستعمل الجذر بتمامه كما في العشبة وحشيشة الهر.

والجذور الرئيسة المستعملة طبّا : هي جذور عرق الذهب والراوند والجنطيانا والعشبة وحشيشة الهر والجلبا وخانق الذئب والبوليغا لا والررنانيا وقشور جذر الرمان وقشور السيمارويا والنجيلة البرية والخطمية وسيأتي ذكرها ، وخلاف هذه الجذور وهي الجذور الأخرى قليلة الاستعمال كجذور الأنجليكا والرزاوند والارتيكيا الجبلية واللفاح واليبروح والفاشرا والأسارون والجزر والشكوريا البرية وساق الحمام والمقدونس.

وأما السوق فنافعة في فن العلاج ؛ لأنها تعطيه قشورها وخشبها وتعطيه أيضا عدة متحصلات فعالة كثيرا أو قليلا وذلك كالصموغ الراتنجية والراتنجيات والبلاسم والكاد الهندي ، وهي مع ذلك من السوق وهو قليلا ما يستعمل على حالته الطبيعية فلا يعرف إلا ساق الحلوة المرة التي تستعمل على حالتها الطبيعية وليست جميع النباتات لها قشرة واضحة.

فالغلاف تارة يكون رقيقا وتارة سميكا على حسب النباتات والقشور الكثيرة الاستعمال في الطب عديدة ، والرئيس منها هو قشور كل من الكينا والقرفة والانجستور وقشر العنبر وقشر الجار وأبو مسن وقشر البلوط ، والقشور القليلة الاستعمال هي : قشر الصفصاف والبيلسان ، الأخشاب التي يعود علينا منها النفع العظيم في الفنون قليلة الاستعمال في الطب ، والأنواع القليلة التي يهتم بها في فن العلاج مشهورة بمرارتها أو بطعم مخصوص ، وكلها تنسب إلى جملة أقاليم والأهم منها خشب الأنبياء والخشب المر وخشب الساسفراس وخشب الصندل والعود المعروف بدخانه ورائحته العطرية التي يحرق لأجلها.

١٥١

(المبحث الثالث عشر) : في الأوراق وفيه أمور :

(الأول) : في تركيبها ولونها ، والأوراق هي أعضاء غشائية مفرطحة أفقية تتولد على الساق والفروع ، أو أنها تخرج من عقدة الحياة الجذرية مباشرة ، وهي خضراء اللون دائما ولا تخالف بعضها إلا بتنوع في لونها الأخضر تكون فقد خضراء داكنة أو خضراء ناصعة ، وقبل أن يتم نمو الأوراق تكون منحصرة في الأزرار ويكون وضعها فيها بكيفيات مختلفة ، وإنما شوهد أن هذا الوضع يكون واحدا على الدوام في النباتات التي هي من نوع واحد ، وفي بعض الأحيان يكون واحد أيضا في النباتات التي هي من جنس واحد.

(الثاني) : في هيئة الأوراق ، تسمى الأوراق منثنية في الأزرار إذا كانت منثنية على نفسها طبقتين كما في النخيل المعتاد ، وتسمى مروحية إذا كانت منثنية كتثنيات المروحة كما في ورق الدوم ، وفي بعض الأحيان تكون ملتفة على نفسها كشكل حلزون كما في ورق المشمش ، وقد تكون على شكل قرطاس كما في الموز ، وقد تكون صولجانية كما في نباتات السرخس.

(الثالث) : في ذنيب الأوراق وانفراشه ، أغلب الأوراق لا تكون ملتصقة بالساق بدون واسطة فتارة تكون محمولة على ذنيب مستطيل ينشأ من اجتماع جملة ألياف ساقية فمتى انبسطت يتكون منها فرض الورقة ففي الحقيقة متى تفرعت هذه الألياف بطرق مختلفة وتلفّفت ببعضها تتكون عنها شبكة هي عبارة عن هيكل الورقة ويجد في وسط الشبكة منسوج خلوي لونه مائل للخضرة هو المكون للجزء الرخو ، فالاستطالة الموجودة الحاصلة في الجزء السفلي للورقة تسمى بالذنيب وإذا لم يوجد الذنيب المذكور تسمى الورقة عديمة الذنيب ؛ لأنها تكون موضوعة على الساق أو على الفروع بدون واسطة فالورقة مكونة من حينئذ وهما الجزء المنفرش ، وهو المسمى بقرص الورقة والاستطالة الليفية وهي المسماة بالذنيب.

(الرابع) : في وظائف الأوراق ، الأوراق أحد الأعضاء المغذية للنبات ؛ لأنها تشترك في هذه الوظيفة مع الجذور والسوق الحشيشية ، وجميع الأجزاء الخضر ؛ لأنها في الحقيقة تمتص من الجو الأصول المغذية التي توجد فيه فيحصل بواسطتها تأثير عظيم في الأصول المذكورة فتحلل تركيبها وتنوعها بالكلية ، ثم تطرد المواد غير النافعة للتغذية إلى الخارج إما بحركة الزفير ، أو بإفراز المواد السائلة والصلبة.

(الخامس) : في إحساس الأوراق وحركتها الإحساس الذي شوهد في النباتات الفصلية البقولية يظهر في الأوراق في أعلى درجة الوضوح كما في المستحية ؛ لأنه يحصل فيها حال

١٥٢

لمسها شبه إحساس وبواسطته جميع الأوراق على الفرع الملوس بحيث إنها تتلامس.

(السادس) : في الأوراق التي تمسك الذباب ، من النبات ما تشاهد فيه ظواهر غريبة أيضا ، فالنبات الذي يمسك الذباب وهو المسمى (ديونيا موسيسولا) يوجد في طرف أوراقه فصان منضمان ببعضهما بواسطة رزة متوسطة ، وهذان الفصان يوجد في محيطهما وبر غدي فمتى وقفت ذبابة أو نحوها على أحد هذين الفصين يتهيج الوبر فيستقيم ويقبض على الذبابة التي كانت سببا في تهيجه.

(السابع) : في قارورات النبات ، القارورات التي توجد في أوراق النبات تتسلطن في النبات المسمى نيبانت توجد فيه خاصية غريبة وهي امتلاؤها بماء في مدة الليل ، ويتصاعد بعضه في مدّة النهار ، وهذا الماء نتيجة تحلب أو راتشاح يحصل من طرف الورقة وهو جيد جدا للشرب.

(الثامن) : في سجود الأوراق ، قد شوهد أن كثيرا من الأوراق المركبة المفصلية يكون لها في مدّة الليل وضع مخالف للوضع الذي يكون لها في مدّة النهار ، فتكون منبسطة مدة النهار ، ثم تنعطف على بعضها مدة الليل كأنها تريد أن تسجد ، وقد توصلوا إلى تغيير ساعات السجود في النباتات بإضاءتها في مدة الليل ، ووصفها بالظلمة في مدة النهار ، وهذه الظواهر يسميها النباتيون نوما.

(المبحث الرابع عشر في استعمال الأوراق):

للأوراق استعمالات عديدة في فن الطباخة خصوصا في فن الشفاء ، ويمكن أن يقال أيضا أن الأوراق أساس لأغلب الأدوية النباتية المستعملة طبا ، ولا شك أن الأوراق هي أجزاء النباتات ، وهي أكثر استعمالا في الطب ، ويمكن اجتناؤها بسهولة وبمقدار عظيم ، وتعاطيها لا يستدعي توسط العامل في الغالب ، وبالجملة يكفي تجفيف بسيط عادة لأجل حفظها في المنازل ، والأوراق التي هي أكثر استعمالا في الطب أوراق كل من الشاي واللفاح والبنج والداتورا والديجتال والخبازى والترنجان والمليسا ، وورق كل من البرتقان وحشبة المعالق والشوكران والغار الكرزي والشكوريا وكزبرة البئر ، والأوراق القليلة الاستعمال في الطب هي أوراق عنب الثعلب المعروف بعنب الذئب ، وأوراق كل من الآس والبردقوش والسذات ونحو ذلك.

(المسألة التاسعة) :

في قوله تعالى : (وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ

١٥٣

يَتَفَكَّرُونَ) [النّحل : الآية ١١]. قوله : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) [الرّعد : الآية ٣]. خلق لنا تعالى جميع الثمرات ، وجعل تعالى في كل ثمرة خواص ومنافع ؛ لأننا نرى إذا تولد العنب كان قشر على طبع وعجمه على طبع ثان ، ولحمه على طبع ثالث ، وماؤه على طبع رابع ، ويتولد من مجموع أملاح منوعة ، ويتولد من كل واحد على مفرد نتائج ملحية وغيرها ، وإنا نرى أيضا في الورد ما يكون أحد وجهي الورقة الواحدة منه في غاية الصفرة ، والوجه الثاني من تلك الورقة في غاية الحمرة ، وتلك الورقة تكون في غاية الرقة واللطافة ، ونعلم بالضرورة أن نسبة الأنجم والأفلاك إلى وجهي تلك الورقة الرقيقة واللطافة ، نسبة واحدة والطبيعة الواحدة في المادة الواحدة لا تفعل إلا فعلا واحد ، ألا ترى أنهم قالوا : شكل البسيط هو الكرة لأن تأثير الطبيعة الواحدة في المادة الواحدة يجب أن يكون متشابها ، والشكل الذي يتشابه جميع جوانبه هو الكرة ، وأيضا إذا وضعنا الشمع فإذا استضاء خمسة أذرع من ذلك الشمع من أحد الجوانب وجب أن يحصل مثل هذا الأثر في جميع الجوانب ؛ لأن الطبيعة المؤثرة يجب أن تتشابه نسبتها إلى كل الجوانب ، إذا ثبت هذا فنقول ظهر أن نسبة الشمس والقمر والأنجم والأفلاك والطبائع إلى وجهي تلك الورقة اللطيفة الرقيقة نسبة واحدة ، وثبت أن الطبيعة المؤثرة متى كانت نسبتها واحدة كان الأثر متشابها ، وثبت أن الأثر غير متشابهة ؛ لأن أحد جانبي تلك الورقة في غاية الصفرة والجانب الثاني في غاية الحمرة ، فهذا يفيد القطع بأن المؤثر في حصول هذه الصفات والأكوان والأحوال ليس هو الطبيعة بل المؤثر فيها هو الفاعل المختار الحكيم ، وهذا هو المراد.

(واعلم) أنه لما كان مدار هذه الحجة على أن المؤثر الموجب بالذات وبالطبيعة يجب أن يكون نسبته إلى الكل نسبة واحدة ، فلما دل الحس في هذه الأجسام النباتية على اختلاف جذورها وسوقها وأوراقها وصفاتها وثمارها المختلفة الألوان والأشكال والطعوم ظهر أن المؤثر فيها ليس موجبا بالذات ، بل فاعلا مختار فهذا تمام تقرير الدلائل على سؤال تعاقب الفصول الأربعة على النبات.

(المسألة العاشرة) :

في قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) [الرّعد : الآية ٣]. والمراد أنه تعالى إنما أخرج هذه الثمرات لأجل أن تكون رزقا لنا كقوله تعالى : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) [البقرة : الآية ٢٢]. قال قوم : إنه تعالى أخرج هذه الثمرات بواسطة هذا الماء المنزل من السماء على سبيل العادة ، وذلك لأن في هذا المعنى مصلحة للمكلفين ؛ لأنهم إذا علموا أن هذه المنافع القليلة يجلب أن يتحمل في تحصيلها المشاق والمتاعب ، فالمنافع

١٥٤

العظيمة الدائمة في دار الآخر أولى أن تتحمل المشاق في طلبها ، وإذا كان المرء يترك الراحة واللذة طلبا لهذه الخيرات الحقيرة فلأن يترك اللذات الدنيوية ليفوز بثواب الله تعالى ، ويتخلص من عقابه أولى ، ولهذا السبب لما زال التكليف في الآخرة أنال الله تعالى كل نفس مشتهاها من غير تعب ولا نصب هذا قول المتكلمين ، وقال قوم آخرون : إنه تعالى يحدث الثمار والزروع بواسطة هذا الماء النازل من السماء ، والمسألة كلامية محضة ، وذلك أن الماء نزل من السحاب ، وسمي السحاب سماء اشتقاقا من السمو وهو العلو والارتفاع ، أو أنه تعالى أنزله من نفس السماء وهذا بعيد ؛ لأن الإنسان ربما كان واقفا على قلة جبل عال ، ويرى الغيم أسفل منه ، فإذا نزل من ذلك الجبل يرى ذلك الغيم ماطرا عليه فإذا كان هذا أمرا مشاهدا بالبصر كان النزاع فيه باطلا ، وقال أبو مسلم : لفظ الثمرات يقع في الأغلب على ما يحصل على الأشجار ، ويقع أيضا على الزروع والنبات كقوله تعالى : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) [الأنعام : الآية ١٤١]. والمراد أنه تعالى إنما أخرج هذه الثمرات لأجل أن يكون رزقا لنا ، والمقصود أنه تعالى قصد بتخليق هذه الثمرات إيصال الخير والمنفعة إلى المكلفين ؛ لأن الإحسان لا يكون إحسانا إلا إذا قصد المحسن بفعله إيصال النفع إلى المحسن إليه ، وقال صاحب الكشاف قوله : (مِنَ الثَّمَراتِ) [البقرة : الآية ٢٢]. بيان للرزق أي أخرج به رزقا هو ثمرات ، ويجوز أن يكون من الثمرات مفعول أخرج ورزقا حالا من المفعول أو نصبا على المصدر لأخرج ؛ لأنه في معنى رزق ، والتقدير ورزق من الثمرات رزقا لكم ، والثمرات أنواع وسنوردها عليك واحدا بعد واحد وفيها مباحث :

(المبحث الأول في الغلاف الثمري):

الغلاف الثمري جزء من الثمر مكون من المبيض المجرد عن أصول البذور ؛ ولذا يكون شكل المبيض دالا على شكل الثمر ، ويتكون الغلاف الثمري من ثلاثة أجزاء متميز ، عن بعضها ، فالغلاف الثمري الظاهر هو الغشاء الرقيق الذي ينفع للثمر بمنزلة البشرة ، ويكون غالبا شفافا سهل الانفصال في الثمار اللحمية ، وملتصقا جدا في الثمار اليابسة ، وليس الغلاف المذكور مكونا من غشاء مخصوص دائما ، فكلما كان المبيض سفليا كان ملتصقا بأنبوية الكأس فهذه الأنبوية هي التي تكون الغلاف الثمري الظاهر ، ويعرف أيضا بكيفية سهلة كون أنبوية الكأس هي المكونة للغلاف الثمري الظاهري بأن ينظر في قمة الغلاف فيرى بعيدا عن القمة الحقيقية تاج مسنن أحيانا طرفه مكون من أقسام قرص الكأس الخالد ، والغلاف الثمري المتوسط هو جزء لحمي عادة موضوع أسفل الغلاف الثمري الظاهري ، ويتميز عما عمداه بأنه مكون من جملة أوعية ، وهو الذي يشتمل على جميع الأوعية التي تخدم لتغذية الثمر ، وهي

١٥٥

تنضم مع بعضها بواسطة منسوج خلوي يكون كثيفا في بعض الأحيان كما في الثمار اللحمية مثلا ، وفي البعض الآخر يكون خفيفا كما في الثمار الجافة التي غلافها الثمري المتوسط لا يكون تمييزه إلا بعسر ، لكن يستدل على وجوده دائما بالأوعية التي يحتوي عليها هذا الغلاف الثمري ، أو ببقايا الأوعية التي تركتها العصارات المائية التي امتصت بعد النضج ، والغلاف الثمري الباطني : هو الجزء الباطني من الغلاف الثمري ، وهو رقيق غشائي عادة ، ومع ذلك فهذا الغلاف قديما يأخذ معه جزء من الغلاف الثمري المتوسط أحيانا ، ولا يكتسب صلابة عظيمة يتصل بالغلاف المتوسط بجملة أوعية تحمل العناصر المغذية وتخدم لبيان أصل الجزء العظمي المذكور بطريقة واضحة جدا كما في الخوخ ونحوه.

(المبحث الثاني في مساكن الغلاف الثمري):

إذا لم يوجد في باطن الغلاف الثمري إلا تجويف واحد يسمى أحادي المسكن ، وإذا كان منقسما من الباطن إلى مسكنين بواسطة حاجز واحد يسمى ثنائي المسكن ، وإذا كان منقسما إلى ثلاثة حواجز أو أكثر أي ثلاثة مساكن أو أكثر يسمى ثلاثي المساكن ، أو رباعيها ، أو خماسيها وهكذا على حسب ما يحتوي عليه ، وتكون البذور في تلك المساكن إما عارية أو مغطاة بمادة لينة رخوة تستعمل في الطب كما في خيار الشنبر والتمر الهندي.

(المبحث الثالث في المصاريع):

إذا كان الثمر مكونا من جملة قطع أي مصاريع يمكننا أن نعرف عددها بواسطة التداريز التي تتكون من التحامها ببعضها ، فيتضح عدد المصاريع من عدد التداريز التي توجد في الثمر ، ويختلف عدد المصاريع ، لكن شوهد أنه يكون واحد دائما في جميع الأنواع التي من جنس واحد ، فيمكننا حينئذ أن نستعمل صفة مميزة للأجناس ، ومن المشاهد عادة أن عدد المصاريع يكون دائما كعدد المساكن في الثمار ذات المساكن الكثيرة بحيث إن كل ثمرة ذات ثلاثة مساكن يكون لها ثلاثة مصاريع أيضا وبالعكس أي إن عدد المصاريع يدل على عدد المساكن ، ومع ذلك فليست هذه القاعدة مطردة فإن ثمار الفصيلة القرنفلية مثلا علبية ذات ثلاثة مصاريع ، وهي أحادية المسكن مع ذلك ، وقد يستعمل في علم النبات بعض ألفاظ اصطلاحية فيما يتعلق بالمصاريع فيقال ثمر ذو مصراعين وثلاثي المصاريع وكثيرها لأجل الدلالة على أن الثمار مكونة من مصراعين أو ثلاثة أو أكثر.

(المبحث الرابع في ترتيب الثمار):

الاختلافات العديدة التي توجد في الثمار بالنسبة لشكلها وتركيبها ألجأت النباتيين إلى

١٥٦

تقسيمها إلى جملة أجناس ، لكن الأوصاف التي أسس عليها ترتيب الثمار إلى الآن مأخوذة من هيئتها الظاهرة ومن تركيبها الباطني ، وتنقسم الثمار إلى ثلاث رتب :

(الأولى) : تكون بسيطة أي تنشأ من عضو تأنيث واحد ينسب إلى زهرة واحدة كما في الخوخ والمشمش والبرقوق.

(والثانية) : تكون أي الثمار متضاعفة التركيب أي تنشأ من أعضاء تأنيث تنسب إلى زهرة واحدة كما في التوت الأرضي والتوت الشوكي ونحوهما.

(والثالثة) : تكون مركبة أي ناشئة من جملة أعضاء تأنيث تنسب لأزهار مختلفة ، وهي تلتحم من بعضها بحيث يتكون عنها ثمر واحد ، وذلك كثمر الصنوبر والتنوب والتوت المعتاد ، وزيادة على ذلك توجد أوصاف أخرى ينبغي الاعتناء بمعرفتها وهي الثمار اليابسة واللحمية ، ويمكن تقسيم الثمار إلى ثمار قابلة للانفتاح أي ذات مصاريع مختلفة العدد وذلك كالثمار العلبية وإلى ثمار غير قابلة للانفتاح.

(الرتبة الأولى) : في الثمار البسيطة وفيها أمور :

(الأول) : تنقسم الثمار البسيطة التي تكلمنا على أوصافها إلى ثمار يابسة وإلى ثمار لحمية ، فاليابسة تنقسم أيضا إلى ثمار تنفتح وإلى ثمار لا تنفتح.

(الثاني) : في الثمار اليابسة التي لا تنفتح ، وهذه الثمار لا تحتوي إلا على بذور قليلة العدد إما أن تكون أحادية البذرة أو قليلة البذور ، وتتميز عن غيرها من الثمار بغلافها الثمري الرقيق الذي يلتحم غالبا مع البذرة بحيث يعسر تمييزه عنها ، وتشتمل هذه الرتبة على خمسة أنواع:

(النوع الأول في الثمر الرأسي):

الثمر الرأسي أو الثمر النجيلي وهو ثمر غير قابل للانفتاح أحادي البذرة ناشئ عن مبيض علوي ، وغلافه الثمري رقيق جدا يلتحم مع البذرة التحاما جيدا ، وهذا الثمر ينسب خصوصا للفصيلة النجيلية ، وذلك كالشعير والشوفان والقمح وغير ذلك.

(النوع الثاني في الثمر الفقري):

وهو ثمر لا ينفتح أحادي البذرة ناشئ عن مبيض سفلي غالبا ، وفي بعض الأحيان يكون ناشئا عن مبيض علوي وله غلاف ثمري متميز عن الغلاف البذري ، ويمكن أن ينفصل عنه ،

١٥٧

وإن كان يعسر ذلك في بعض الأحيان ، وهذا الثمر ينسب خصوصا للفصيلة المركبة ، والغالب أن يكون هذا الثمر متوجا بقنزعة بسيطة أو ريشية.

(النوع الثالث في الثمر الجناحي):

هو ثمر قليل البذر جاف غشائي كثير التفرطح ذو مسكن واحد أو كثير المساكن ، وله حافات مستعرضة على هيئة الأجنحة كما في لسان العصفور ، وهو ناشئ عن مبيض علوي ، وأحيانا يكون ناشئا عن مبيض سفلي.

(النوع الرابع في الثمر البلوطي):

هو ثمر ذو مسكن واحد وبذرة واحدة بسبب تلهوج جملة بذور منه ، وهذا الثمر ناشئ عن مبيض سفلي كثير المساكن وكثير البذور تشاهد على قمته أسنان صغيرة جدا كقرص الكأس ، وزيادة على ذلك يكون جزء من هذا الثمر محفوظا في لفافة تسمى بالظرف ، وهذا الثمر خاص بنباتات الفصيلة البلوطية كالبلوط وأبي فروة.

(النوع الخامس في الثمر الرماني):

وهو متوج بقطع الكأس ، ومنقسم إلى جملة مساكن بواسطة حواجز غشائية ، ويحتوي على حبوب كثيرة ذات غلاف لحمي جدا ، وثمر الرمان هو الذي يستعمل أنموذجا لهذا النوع ، وهو ناشئ عن مبيض محاط بالكأس.

في الثمار اليابسة التي تنفتح):

تسمى هذه الثمار بالعلبية أيضا ، وهي في الغالب كثيرة البذور ، وغالبا يختلف عدد مصاريعها ومساكنها ، والأنواع الداخلة تحت هذه القسم سبعة.

(النوع الأول في الثمر الجرابي):

هو ثمر غشائي ذو مصرع واحد إما أن يكون مزدوجا أو منفردا بسبب تلهوج أحدهما ، وينفتح بتدريز طولي ، ويشتمل على جملة بذور ملتصقة بمشيمة ، ويوجد الثمر المذكور في فصيلة شقيق النعمان والفصيلة الدفلية.

(النوع الثاني في الثمر الخردلي):

هو ثمر يابس ينفتح ، وشكله مستطيل مكون من مصراعين ينفصلان عن بعضهما بواسطة

١٥٨

حاجز مواز للمصراعين ، وليس الحاجر المذكور إلا امتدادا من المشيمة ، ويبقى غالبا بعد سقوط المصراعين ، وهذا الحاجز يكون ذا مسكنين وترتبط البذور على حافتي هذا الحاجز كما في الفصيلة الصليبية التي منها الخردل والكرنب ، وهو ينتهي نحو قمته بامتداد شوكي ليس إلا خيط عضو التأنيث الذي صار خالدا.

(النوع الثالث في الثمر الخريدلي):

هو يشبه المتقدم قبله ولا يتميز عنه إلا في كون طوله أقل منه بكثير كما في حب الرشاد ، وهو يشتمل عادة على بزور قليلة العدد ، والغالب أن لا يحتوي إلا على بذرة واحدة أو بذرتين ، وهذا الثمر ينسب إلى الفصيلة الصليبية أيضا.

(النوع الرابع في الثمر البقولي):

هو ثمر يابس ذو صدفتين وبذور محمولة على مشيمة يكون اتجاهها على حسب اتجاه التدريز العلوي ، وجميع النباتات التي تنسب إلى الفصيلة البقولية لها ثمر بقولي أو قرني كخيار الشنبر والتمر الهندي والسنا المكي ، ويكون الثمر المذكور عادة أحادي المسكن كالحمص واللوبيا ، ومع ذلك فقد يكون منقسما أحيانا إلى مسكنين أو مساكن كثيرة بواسطة حواجز فمثلا ثنائي المسكن في الاستراجالوس ، وكثير المساكن في خيار الشنير الذي تكون مساكنه مكونة بواسطة حواجز مستعرضة ، وفي السنا يكون هذا الثمر منتفخا مثانيا ، وجذوره رقيقة جدا ، ويحتوي الثمر البقولي على بذرة واحدة أو على بزور كثيرة ، وفي الحالة الأخيرة يكون عدد البذور مختلفا.

(النوع الخامس في الثمر الحقي):

هو ثمر جاف كروي الشكل ينفتح بواسطة شق دائري إلى مصراعين نصف كرويين موضويين فوق بعضهما فالمصراع السفلي لهذا الثمر يسمى بالعلبة ، والمصراع العلوي يسمى بالغطاء ، ويشاهد هذا النوع في فصيلة لسان الحمل والشوكران والبنج والبقلة الحمقاء.

(النوع السادس في الثمر المرني):

هو ثمر جاف كثير المساكن يحتوي على بذور قليلة العدد ، وتشاهد على سطحه غالبا أضلاع بارزة تنفتح عند نضج الثمر إلى مصارع متميزة عن بعضها عددها كعدد المساكن ، وهذا الانفتاح يحصل بواسطة المرونة عادة والمحور المتوسط للثمر يبقى خالدا بعد سقوط

١٥٩

المصاريع كما في الفربيون الحشيشي.

(النوع السابع في الثمر العلبي):

وهو يطلق على جميع الثمار الجافة التي تنفتح ، ولا يكن نسبتها إلى نوع من أنواع الثمار المتقدمة في الذكر ، ويعسر علينا ذكر وصف رئيس لتمييز النوع المذكور ؛ لأنه يختلف كثيرا في الشكل وفي كيفية الانفتاح ، وثمر الخشخاش ومثله في ذلك الوانيلا والحبهان والسواديلا ، وهناك أثمار علبية مكونة من مبيض منفرد أي علوي ، وأخرى مكونة من مبيض سفلي ، وتسمى الثمار العلبية بذات المصراعين أو بذات الثلاثة المصاريع أو الكثيرة المصاريع على حسب ما تحتوي عليه.

(في الثمار اللحمية):

هي ثمار لا تنفتح وتتميز عما عداها بأن لها غلافا ثمريا متوسطا سميكا لينا ذا قوام رخوا وعدد البزور فيها يختلف والأنواع الرئيسة منها سبعة :

(النوع الأول في الثمر الزيتوني):

وهو ثمر لحمي يحتوي على نواة في مركزه وليست هذه النواة مكونة كما يظن من الغلاف البزري الذي تعظم أي صار عظميا بل إنها مكونة من الغلاف الثمري الباطني ومن جزء من الغلاف الثمري المتوسط كما في الزيتون والبرقوق والكروز والعناب.

(النوع الثاني في الثمر اللوزي):

هو ثمر يشبه المتقدم ولا يختلف عنه إلا بكون غلافه المتوسط أو اللحمي أقل سمكا من الثمر الزيتوني كما في ثمر اللوز.

(النوع الثالث في الثمر اللوزي الصغير):

هو ثمر لحمي يحتوي باطنه على جملة نوايات صغيرة كما في البيلسان.

(النوع الرابع في الثمر الصلب الظاهر الرخو الباطن):

هو ثمر كثير المساكن كثير البذر لا ينفتح مخطط من الظاهر لحمي لين من الباطن كما في ثمر التيلدي.

١٦٠