إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٨

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٨

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٧

الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. بصير : خبر «إن» مرفوع بالضمة المنونة. والعائد إلى الموصول ضمير محذوف ـ ساقط ـ خطا واختصارا منصوب محلا لأنه مفعول به. التقدير : بما تعملونه. أو تكون «ما» مصدرية وجملة «تعملون» صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق ببصير. التقدير بعملكم.

(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) (١٢)

(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) : الواو عاطفة. لسليمان : جار ومجرور متعلق بمحذوف لم يذكر لأن ما قبله أي ما سبقه دال عليه. على تقدير : وسخرنا لسليمان الريح مثل وسخرنا له الطير .. وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنه اسم ممنوع من الصرف لأنه منته بألف ونون زائدتين. الريح : مفعول به منصوب بالفتحة.

(غُدُوُّها شَهْرٌ) : الجملة الاسمية في محل نصب حال من «الريح». غدو : مبتدأ مرفوع بالضمة و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة. شهر : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة المنونة.

(وَرَواحُها شَهْرٌ) : الجملة الاسمية معطوفة بالواو على (غُدُوُّها شَهْرٌ) وتعرب إعرابها.

(وَأَسَلْنا لَهُ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «سخرنا لسليمان» وتعرب إعرابها.

(عَيْنَ الْقِطْرِ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. القطر : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

(وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ) : الواو عاطفة. من الجن : جار ومجرور متعلق بسخرنا أي وذللنا من الجن. من : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به والجملة الفعلية (يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) صلة الموصول لا محل لها.

٢٠١

(يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) : فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بين : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بيعمل وهو مضاف. يديه : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء لأنه مثنى وهو مضاف والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر مضاف إليه ثان.

(بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ) : جار ومجرور متعلق بيعمل. ربه : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر مضاف إليه ثان. الواو استئنافية. من : اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «من» وجملة (يَزِغْ مِنْهُمْ) صلة الموصول لا محل لها.

(يَزِغْ مِنْهُمْ) : فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. من : حرف جر بياني و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بحال محذوف من الاسم الموصول «من» بتقدير : حال كونه منهم بمعنى ومن ينحرف أي يمل منهم.

(عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ) : جار ومجرور متعلق بيزغ و «نا» ضمير متصل ـ ضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع سبحانه مبني على السكون في محل جر بالإضافة. نذقه : الجملة الفعلية جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها وهي فعل مضارع مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به أو تكون الواو في (وَمَنْ يَزِغْ) اعتراضية والجملة بعدها لا محل لها لأنها جملة اعتراضية وحذفت الياء من «نذقه» أصله : نذيقه كما حذفت من «يزغ» أصله : يزيغ تخفيفا ولالتقاء الساكنين وحذف مفعول «نذق» الثاني لأن «من» التبعيضية دلت عليه.

(مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) : جار ومجرور متعلق بنذق و «من» للتبعيض. السعير : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

٢٠٢

(يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (١٣)

(يَعْمَلُونَ لَهُ ما) : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية لا محل لها لأنها من صلة الموصول «يعمل» في الآية الكريمة السابقة و (مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ) وجاءت «يعملون» جمعا على معنى «من» له : جار ومجرور متعلق بيعملون. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.

(يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. من محاريب : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «ما» المبهمة. التقدير حالة كونه من محاريب. و «من» بيانية.

(وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ) : معطوفة بالواو على «محاريب» وتعرب إعرابها. وعلامة جر الاسمين الفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنهما على وزن «مفاعيل» ممنوعان من الصرف أو لأنهما نهاية الجموع ثالث حروفهما ألف وبعد الألف حرفان أو ثلاثة. وجفان : معطوفة بالواو على «محاريب وتماثيل» وتعرب إعرابهما وعلامة جرها الكسرة المنونة.

(كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) : الكاف اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل جر صفة لجفان. الجواب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء المحذوفة خطا واكتفاء بالكسرة. وقدور : تعرب إعراب «جفان». راسيات : صفة ـ نعت ـ لقدور مجرورة مثلها وعلامة جرهما الكسرة المنونة.

(اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة الفعلية في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ أي حكاية ما قيل لآل داود. آل : منادى بأداة نداء محذوفة. التقدير : يا آل وهو منادى

٢٠٣

منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. داود : مضاف إليه مجرور بالفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنه ممنوع من الصرف للعجمة. شكرا : مصدر ـ مفعول مطلق ـ منصوب بفعل محذوف تقديره اشكروا وعلامة نصبه الفتحة المنونة أو يكون مفعولا لأجله على معنى اعملوا لله واعبدوه على وجه الشكر لنعمائه أو على الحال أي اعملوا شاكرين ونصب على المصدر لأن الفعل «اعملوا» فيه معنى «اشكروا» أو يكون مفعولا به منصوبا باعملوا.

(وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) : الواو استئنافية. قليل : مبتدأ مرفوع بالضمة المنونة وجاز الابتداء بالنكرة لأنه وصف. من عبادي : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «قليل» والياء ضمير متصل ضمير الواحد المطاع سبحانه في محل جر بالإضافة وفتحت الياء لالتقاء الساكنين وللوصل. الشكور : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة أو يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو والجملة الاسمية «هو الشكور» في محل رفع خبر «قليل».

** (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) : المعنى : وأنبعنا له النحاس المذاب من عينه أي من معدنه .. والقطر بكسر القاف هو الحديد أو النحاس المذاب .. يقال : قطر الماء يقطره ـ قطرا ـ من باب «قتل» وقطرانا ـ بفتح القاف والطاء وقطرته أي إن الفعل لازم ومتعد هذا قول الأصمعي. وقال أبو زيد : لا يتعدى الفعل بنفسه بل بالألف فيقال أقطرته. والقطرة هي النقطة وتقاطر الشيء : أي سال قطرة قطرة وقطرته تقطيرا مثل «قطرت وأقطرت والقطار ـ بكسر القاف ـ من الإبل ـ هو عدد على نسق واحد والجمع : قطر ـ بضم القاف والطاء .. أما بسكون الطاء فيعني : الجانب والناحية ويجمع على أقطار والقطر ـ بفتح القاف هو المطر ومن معاني «القطر» بضم القاف وسكون الطاء هو الإقليم أيضا وجمعه أقاليم .. وسمي إقليما لأنه مقلوم ـ أي مقطوع ـ من الأقاليم التي تتاخمه .. أما أقاليم الدنيا فهي جهاتها الأربع.

** (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ) : في هذا القول الكريم حذف مفعول «يعمل» أي ومن يعمل المصنوعات.

** (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) : وجاء الفعل «يزغ» وقبله الفعل «يعمل» مفردا على لفظ «من» وبصيغة الجمع في «منهم» على معنى «من» لأن «من» مفردة لفظا مجموع معنى. بدليل قوله في الآية الكريمة التالية «يعملون».

** (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثالثة عشرة .. والمحاريب : هي القصور الحصينة أو المساجد مفردها : محراب سميت بذلك لأنها يحارب من أجلها ويدافع عنها والتماثيل : هي الصور المجسمة ـ جمع تمثال ـ أما الجفان فهي جمع جفنة وهي الصحاف : جمع صحفة : أي القصعة الكبيرة أو المناقع الصغيرة للماء. والجواب : جمع جابية أي الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل أي يجمع واللفظة من الصفات الجارية مجرى الأسماء.

٢٠٤

** (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) : ورد هذا القول الكريم في آخر الآية الكريمة الرابعة عشرة الغيب : هو كل ما غاب عنك وجمعه : غيوب وفعله غاب ـ يغيب ـ غيبا وغيبة وغيبوبة وغيوبا وغيابا ـ بفتح الغين ـ ومغيبا فهو غائب ـ اسم فاعل ـ والغيبة ـ بكسر الغين ـ هي أن يتكلم خلف إنسان بما يغمه لو سمعه فإن كان صدقا سمي غيبة وإن كان كذبا سمي بهتانا. ولا يعلم الغيب إلا الله سبحانه ومن الأخطاء الشائعة إن المنجمين يقرءون الطالع ويعلمون الغيب فقيل عنهم : صدق المنجمون ولو كذبوا. وسبب ذلك أنهم ليسوا من الغيب. في شيء إنما دلالاتهم النجومية التي يتحدثون عنها هي ظنون حدسية وتخمينات مبنية على التأثيرات النجومية وهؤلاء ليست لهم مدارك غيبية بل هم يستخدمون ذكاءهم وفراستهم أو يستفيدون من كلمة أو حركة يأتيها من يطلبون منهم الكشف لهم عن الغيب ويستدرجونهم فيبدءون بحثهم على السرد يوهمونهم بأنهم يعرفون مستقبلهم وما فيهم والمنجمون تخيب تخميناتهم دائما. وما قصة فتح عمورية ـ المدينة البيزنطية ـ التي فتحها العرب على أيام المعتصم ـ ببعيدة عن الأذهان حين صاحت امرأة عربية قبض على معصمها أحد العلوج : وا معتصماه! و «العلوج» جمع «علج» وهو الرجل الضخم القوي من الكفار. وحين بلغ الخليفة المعتصم الخبر قرر أن يهاجم عمورية بجيش على خيول بلق كما قال ذلك العلج مستهزئا : سوف يأتيك المعتصم على خيول بلق ـ جمع أبلق ـ أي ما كان في لونه سواد وبياض. فقال المنجمون للخليفة : إنه سيخسر الحرب إذا غزا في ذلك الوقت فأبى الخليفة إلا أن يستجيب لنداء المرأة .. وتم له فتح عمورية. فقال أبو تمام يعرض بالمنجمين ويمدح الخليفة في قصيدته التي مطلعها :

السيف أصدق إنباء من الكتب

في حده الحد بين الجد واللعب

** (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ) : هذا القول الكريم ورد في الآية الكريمة الخامسة عشرة .. التقدير : لأهل سبأ بدليل قوله «مسكنهم» وهو مثل «اسألوا القرية» فحذف المضاف «أهل» وأقيم المضاف إليه «سبأ» مقامه. أو بمعنى لبني سبأ وهم أولاد يشجب بن يعرب من قبائل اليمن الشهيرة في مأرب على بعد ثلاثة أيام من صنعاء. وقوله تعالى : «عن يمين وشمال» التقدير والمعنى عن يمين واديهم وعن شماله فحذف المضاف إليه واديهم» فنون آخر المضاف «يمين» لانقطاعه عن الإضافة وكذلك «شمال» وحذف الجار من «شمال» لأن التقدير : وعن شمال حذف اكتفاء بذكره أول مرة ويجوز أن يكون في «مسكنهم» بتقدير : في مواضع مسكنهم أي سكناهم فحذف المضاف «مواضع» وحل المضاف إليه محله.

** (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) : قال أبو الفرج : هي مدينة السلام بل مدينة الإسلام .. وقيل : كان بعضهم ـ إذا ذكر بغداد ـ يقرأ قوله تعالى : «بلدة طيبة ورب غفور» وقيل : إن المأمون كان قد قال عنها : عين العراق بغداد والعراق عين الدنيا. وقال الجاحظ : الصناعة في البصرة .. والفصاحة في الكوفة .. والخير في بغداد. وقال الشاعر العراقي المعروف معروف الرصافي أيام حكم العثمانيين لبغداد أبياتا من الشعر تعبر عن وطنية أهل بغداد :

إليك إليك يا بغداد عني

فإني لست منك ولست مني

ولكني وإن كبر التجني

يعز علي يا بغداد أني

أراك على شفا هول شديد

٢٠٥

تتابعت الخطوب عليك تترى

وبدل منك صفو العيش مرا

فهلا تنجبين فتى أغرا

أراك عقمت لا تلدين حرا

وكنت لمثله أزكى ولود

ولمدينة بغداد صفات كثيرة .. منها : جنة الأرض .. مدينة السلام .. قبة الإسلام .. مجمع الرافدين غرة البلاد .. عين العراق .. دار الخلافة .. مجمع المحاسن والطيبات .. معدن الظرائف واللطائف .. حاضرة الدنيا .. سكة الدنيا .. أم الدنيا .. سيدة البلاد .. مدينة العلم .. ينبوع الآداب. المحارة .. وصدف الدر : وهو غشاؤه.

** (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) : هذا القول الكريم ورد في الآية الكريمة السادسة عشرة .. المعنى : فأرسلنا عليهم سيلا عارما دمر الله به سد مأرب الذي أقيم بين جبلين للتحكم في ماء المطر فأغرق الأراضي .. وهو السيل الذي لا يطاق لقوته وشدته وقيل : العرم : هو السيل .. وقيل : هو اسم واد وقيل : هو المطر الشديد فأضيف الموصوف إلى صفته أو يكون من باب إضافة الشيء إلى نفسه لاختلاف اللفظين .. أو بمعنى : سيلا عارما : بمعنى شديدا .. أو بتقدير : سيل الأمر العرم أي الأمر الصعب فحذف المضاف إليه الموصوف «الأمر» وحلت صفته ـ العرم ـ محله. يقال : عرم الشيء ـ يعرم ـ عرما : أي شرس وهو من بابي «ضرب» وقتل .. فهو عارم ـ اسم فاعل ـ وعرم ـ يعرم ـ عرما .. من باب «تعب» فهو عرم ـ فعل بمعنى فاعل ـ والعرم ـ بفتح العين وكسر الراء هو جمع «عرمة» مثل «كلم وكلمة» وهو السد وقيل : السيل الذي لا يطاق ..

** (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ) : وقد سمي البدل جنتين لأجل المشاكلة وفي القول الكريم ضرب من التهكم.

** (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة عشرة المعنى : ذلك التبديل أو الجزاء جزاؤهم بسبب كفرهم أو كفرانهم النعمة .. فحذف النعت أو البدل المشار إليه «الجزاء .. البدل» اختصارا .. كما حذف المضاف «سبب» وحل المصدر المضاف إليه محله.

** (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) : هذا القول الكريم هو بداية الآية الكريمة التاسعة عشرة .. التقدير : بين منازل أسفارنا .. وهي القرى التي كانوا ينزلون فيها ظهرا ومساء من اليمن إلى الشام فحذف المضاف «منازل» وأقيم المضاف إله «أسفارنا» مقامه.

** (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) : ورد هذا القول الكريم في آخر الآية الكريمة التاسعة عشرة .. المعنى : ومزقناهم في البلاد غاية التمزيق حتى ضرب بهم المثل الشهير : تفرقوا أيدي سبأ .. إن في ذلك العقاب لدلالات وعلامات فحذف البدل أو النعت المشار إليه «العقاب» لأن ما قبله دال عليه .. و «صبار شكور» من صيغ المبالغة ـ فعال وفعول بمعنى فاعل. أو بمعنى وفرقناهم كل تفريق .. وصبار شكور : أي الكثير الصبر على الطاعات الكثير الشكر لنعم الله.

** (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثانية والعشرين أي قل يا محمد للمشركين في مكة أو مشركي قومك أدعوا الأصنام الذين زعمتم أي ادعيتم أنهم آلهة لكشف الضر عنكم فحذف مفعول «ادعوا» أي نادوا وهو «الأصنام» وحلت صفته الاسم الموصول محله كما حذف مفعول «زعمتم» وهو المصدر المؤول من «أنهم آلهة» أو يكون مفعولا صريحا بمعنى الذين زعمتموهم آلهة من الأصنام.

٢٠٦

(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) (١٤)

(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) : الفاء استئنافية. لما : اسم شرط غير جازم بمعنى «حين» مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلقة بالجواب. قضينا : الجملة الفعلية في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد الظرف وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع سبحانه و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. عليه : جار ومجرور متعلق بالفعل «قضى». الموت : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى فحين انقضى أجله مات.

(ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ) : الجملة الفعلية مع الفاعل جواب شرط غير جازم لا محل لها. ما : نافية لا عمل لها. دل فعل ماض مبني على الفتح و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. على موته : جار ومجرور متعلق بدل والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب في محل جر بالإضافة.

(إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) : أداة حصر لا عمل لها. دابة : فاعل مرفوع بالضمة. الأرض : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهي الدويبة التي يقال لها : السرفة والأرض فعلها فأضيفت إليه يقال أرضت الخشبة أرضا : إذا أكلتها الأرضة.

(تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال من «الدابة» وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. منسأته : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل جر بالإضافة بمعنى : تقرض عصاه.

(فَلَمَّا خَرَّ) : أعرب. خر : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والجملة الفعلية «خرّ» في محل جر بالإضافة.

(تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها حركت

٢٠٧

بالكسر لالتقاء الساكنين. الجن : فاعل مرفوع بالضمة بمعنى فحين سقط سليمان علمت الجن.

(أَنْ لَوْ كانُوا) : حرف مشبه بالفعل مخفف واسمه ضمير الشأن بتقدير : أنهم والجملة من الشرط وجوابه في محل رفع خبر «أن» و «أن» مع اسمها وخبرها في محل رفع بدل من الجن ـ بدل اشتمال ـ لو : حرف شرط غير جازم. كانوا : فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسمها والألف فارقة.

(يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) : الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. الغيب : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

(ما لَبِثُوا) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها. ما : نافية لا عمل لها. لبثوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة بمعنى : ما مكثوا.

(فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) : جار ومجرور متعلق بحال من واو الجماعة في «لبثوا». المهين : صفة ـ نعت ـ للعذاب مجرور مثله وعلامة جره الكسرة.

(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) (١٥)

(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ) : اللام للابتداء والتوكيد. قد : حرف تحقيق. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح. لسبأ : جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر «كان» المقدم ونونت الكلمة ولم تمنع من الصرف لأنها اسم للحي.

(فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ) : جار ومجرور متعلق بحال مقدمة من «آية» و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة. آية : اسم «كان» المؤخر مرفوع بالضمة المنونة.

(جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) : بدل من «آية» مرفوع مثلها وعلامة الرفع الألف لأنه مثنى والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. أو تكون خبر مبتدأ

٢٠٨

محذوف تقديره : هي جنتان أو بتقدير : الآية جنتان بمعنى مجموعتان من البساتين والجار والمجرور «عن يمين» متعلق بصفة محذوفة من الموصوف «جنتان». وشمال : معطوف على «يمين» ويعرب مثله.

(كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ) : الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ حكاية لما قال لهم أنبياء الله عزوجل المبعوثون إليهم أو هم أحقاء بأن يقال لهم ذلك وهي فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. من رزق : جار ومجرور متعلق بكلوا و «من» للتبعيض. ربكم : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه ثان والميم علامة جمع الذكور وحذف مفعول «كلوا» لأن «من» دالة عليه.

(وَاشْكُرُوا لَهُ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «كلوا» وتعرب إعرابها. له : جار ومجرور متعلق باشكروا بمعنى واشكروه ولكن الفعل عدي باللام وهو الأفصح.

(بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) : خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة. طيبة : صفة لبلدة مرفوعة وعلامة رفعهما الضمة المنونة.

(وَرَبٌّ غَفُورٌ) : الواو عاطفة. رب : خبر مبتدأ محذوف تقديره : وربكم الذي غفر لكم ورزقكم وطلب شكركم رب غفور مرفوع بالضمة المنونة. غفور : صفة ـ نعت ـ لرب مرفوع مثله بالضمة المنونة أي غفور لمن شكره.

(فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) (١٦)

(فَأَعْرَضُوا) : الفاء استئنافية. أعرضوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة بمعنى : فصدوا عن شكر الله.

٢٠٩

(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ) : الفاء سببية. أرسل : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع سبحانه و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. على : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بأرسلنا.

(سَيْلَ الْعَرِمِ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. العرم : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

(وَبَدَّلْناهُمْ) : معطوفة بالواو على جملة «أرسلنا» وتعرب إعرابها «وهم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به.

(بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ) : جار ومجرور متعلق بالفعل بدل وعلامة جر الاسم الياء لأنه مثنى وحذفت نونه أصله : جنتين للإضافة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة. جنتين : مفعول به ثان منصوب ببدل وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) : صفة ـ نعت ـ لجنتين منصوب مثلها وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى «ذات» وذات مؤنث «ذو» والجمع : ذوات وحذفت النون ـ أصله : ذواتين ـ للإضافة. أكل : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. وأصله : أكل أكل خمط فحذف المضاف «أكل» وأقيم المضاف إليه «أكل» مقامه. خمط : صفة ـ نعت ـ لأكل مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المنونة أو تكون كلمة «أكل» على ما هي عليه وصفت بالخمط بمعنى : ذواتي أكل بشع ويجوز أن تكون «خمط» بدلا من «أكل» لأن الكلمتين يتقارب معناهما.

(وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ) : معطوف بالواو على «أكل» لا على «خمط» لأن الأثل لا أكل له. الواو عاطفة. شيء : معطوف على «أكل» أيضا .. والكلمتان مجرورتان وعلامة جرهما الكسرة المنونة.

٢١٠

(مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «شيء» و «من» حرف جر بياني .. من .. البيانية ـ لإبهام «شيء» بمعنى وشيء حالة كونه من سدر. قليل : صفة ـ نعت ـ لسدر مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى : وشيء من شجر النبق و «الأثل» شجر وهو نوع من الطرفاء مفردة أثلة.

(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ) (١٧)

(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب مفعول به بفعل يفسره «جزيناهم» بمعنى عاقبناهم ذلك. اللام للبعد والكاف للخطاب. أو يكون الاسم «ذلك» في محل رفع مبتدأ حذف الخبر اختصارا ولأن «جزيناهم» يفسره. التقدير : ذلك الجزاء جزاؤهم. جزى : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع سبحانه و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.

(بِما كَفَرُوا) : الباء حرف جر و «ما» مصدرية. كفروا : الجملة الفعلية صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء التقدير بكفرهم أي بسبب كفرهم والجار والمجرور متعلق بجزى. كفروا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

(وَهَلْ نُجازِي) : الواو استئنافية .. تفيد التعليل هنا. هل : حرف استفهام لا عمل له بمعنى «لا» هنا. نجازي : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن بمعنى لا أو ما نجازي.

(إِلَّا الْكَفُورَ) : أداة حصر لا عمل لها. الكفور : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والكلمة من صيغ المبالغة ـ فعول بمعنى فاعل ـ أي الشديد أو الكثير الكفر بمعنى المبالغ في كفران النعم والرسل.

(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) (١٨)

٢١١

(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) : الواو عاطفة على المقدر في «كلوا» أي قلنا لهم كلوا من رزق ربكم : جعل : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع سبحانه و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. بين : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بجعلنا وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة.

(وَبَيْنَ الْقُرَى) : معطوف بالواو على «بينهم» ويعرب إعرابه. وعلامة جر «القرى» الكسرة المقدرة على الألف للتعذر.

(الَّتِي بارَكْنا فِيها) : اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة ـ نعت ـ للقرى. باركنا : تعرب إعراب «جعلنا» والجملة الفعلية «باركنا» صلة الموصول لا محل لها. فيها : جار ومجرور متعلق بباركنا.

(قُرىً ظاهِرَةً) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر قبل تنوينها ونونت لأنها اسم مقصور ثلاثي نكرة. ظاهرة : صفة ـ نعت ـ لقرى منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة المنونة أي متصلة ببعضها.

(وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «جعلنا» وتعرب إعرابها. فيها : جار ومجرور متعلق بقدرنا. السير : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والجملة الفعلية بعدها «سيروا فيها» في محل نصب مفعول به أي وقلنا لهم سيروا.

(سِيرُوا فِيها) : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. فيها : جار ومجرور متعلق بسيروا.

(لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) : ظرف زمان ـ مفعول فيه ـ منصوب على الظرفية الزمانية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بسيروا ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن «مفاعل». وأياما : معطوفة بالواو على «ليالي» منصوبة مثلها أيضا

٢١٢

وعلامة نصبها الفتحة المنونة. آمنين : حال من ضمير «سيروا» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (١٩)

(فَقالُوا رَبَّنا) : الفاء عاطفة. قالوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. ربنا : منادى بأداة نداء محذوفة التقدير : يا ربنا منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة والجملة الفعلية بعدها في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ.

(باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) : فعل دعاء وتضرع بصيغة طلب مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. بين : ظرف مكان منصوب على الظرفية المكانية وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. أسفار : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة. أي مضاف إليه ثان والظرف «بين» متعلق بباعد أو بمفعوله لأنه يقال عند وقوع الفعل أو إسناده إلى الظرف : بوعد بين أسفارنا فتصبح الجملة كقولنا : سير فرسخان.

(وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) : تعرب إعراب «فقالوا». أنفس : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة. أي ظلموا أنفسهم بسبب كفرهم.

(فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) : الفاء سببية. جعل : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع سبحانه و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به أول. أحاديث : مفعول به ثان منصوب بجعلنا أي بالفعل «جعل» المتعدي إلى مفعولين وعلامة نصبه الفتحة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن «مفاعيل» أي فصيرناهم أصحاب أحاديث بين الناس تتناقل أخبارهم بينهم.

٢١٣

(وَمَزَّقْناهُمْ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «جعلناهم» وتعرب إعرابها بمعنى وفرقناهم.

(كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) : هذا القول الكريم أعرب في الآيتين الكريمتين السابعة والتاسعة و «آيات» اسم «إن» المؤخر منصوب وعلامة نصبه الكسرة المنونة بدلا من الفتحة المنونة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.

(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢٠)

(وَلَقَدْ صَدَّقَ) : الواو استئنافية. اللام للابتداء والتوكيد. قد : حرف تحقيق. صدق : فعل ماض مبني على الفتح.

(عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بصدق. إبليس : فاعل مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف للعجمة والعلمية. ظنه : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل جر بالإضافة أي ولقد حقق على أهل سبأ أو بني آدم ظنه. أو وجدوه صادقا حين أغواهم إبليس فاتبعه أهل سبأ أو بنو آدم.

(فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا) : الفاء سببية. اتبعوه : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به. إلا : أداة استثناء لا محل لها.

(فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) : مستثنى بإلا منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. من المؤمنين : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «فريقا» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) (٢١)

٢١٤

(وَما كانَ لَهُ) : الواو عاطفة. ما : نافية لا عمل له. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح. له : جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر كان.

(عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ) : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بحال مقدم من «سلطان». من : حرف جر زائد للتوكيد. سلطان : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه اسم «كان» المؤخر.

(إِلَّا لِنَعْلَمَ) : أداة حصر لا عمل لها. اللام لام التعليل حرف جر. نعلم : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. والجملة الفعلية «نعلم» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بسلطان أو بفعل محذوف بتقدير : ولكن ابتليناهم بوسوسته لنظهر من يؤمن علل ذلك التسليط بالعلم والمراد ما تعلق به العلم و «سلطان» بمعنى : تسلط أو حجة.

(مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ) : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يؤمن : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بالآخرة : جار ومجرور متعلق بيؤمن أي بالحياة الآخرة فحذف الموصوف «الحياة» وحلت الصفة «الآخرة» محلها.

(مِمَّنْ هُوَ) : جار ومجرور متعلق بنعلم «ومن» اسم موصول مدغم بنون «من» مبني على السكون في محل جر بمن. هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. والجملة الاسمية «هو منها في شك» صلة الموصول لا محل لها.

(مِنْها فِي شَكٍ) : جار ومجرور متعلق بحال من «شك». في شك : جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر «هو».

(وَرَبُّكَ عَلى كُلِ) : الواو استئنافية. ربك : مبتدأ مرفوع بالضمة والكاف ضمير المخاطب في محل جر بالإضافة. على كل : جار ومجرور متعلق بحفيظ.

٢١٥

(شَيْءٍ حَفِيظٌ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. حفيظ : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة المنونة.

(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) (٢٢)

(قُلِ ادْعُوا) : فعل أمر مبني على السكون وحذفت الواو ـ أصله : قول ـ تخفيفا ولالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت بمعنى قل يا محمد للمشركين في مكة. ادعوا : الجملة الفعلية وما بعدها في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ وهي فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

(الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. زعمتم : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور والجملة الفعلية «زعمتم» صلة الموصول لا محل لها والعائد ـ الراجع ـ إلى الموصول ضمير محذوف خطا واختصارا منصوب محلا لأنه مفعول به. التقدير : زعمتموهم أي عبدتموهم أي نادوهم لكشف الضر عنكم.

(مِنْ دُونِ اللهِ) : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الاسم الموصول «الذين» أو من مفعول «زعمتم» الأول أو متعلق بصفة محذوفة من مفعول «زعمتم» الثاني المحذوف. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة أي من غير الله من الأصنام والملائكة وسميتموهم باسمه ادعوهم لينصروكم.

(لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) : الجملة الفعلية في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره : هم وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «لا» نافية لا

٢١٦

عمل لها. مثقال : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والجملة الاسمية هي إجابة الله عنهم بقوله (لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) استئنافية لا محل لها من الإعراب. ذرة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة.

(فِي السَّماواتِ) : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من ذرة أو متعلق بيملكون. أي لا يملكون وزن ذرة من خير أو شر.

(وَلا فِي الْأَرْضِ) : معطوف بالواو على «في السموات» ويعرب مثله. و «لا» زائدة لتأكيد النفي.

(وَما لَهُمْ فِيهِما) : الواو عاطفة. ما : نافية لا عمل لها. اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور في محل رفع متعلق بخبر مقدم. فيهما : جار ومجرور متعلق بحال مقدمة من «شرك» والهاء ضمير متصل في محل جر بفي. الميم علامة الجمع والألف علامة التثنية أو «ما» علامة التثنية بمعنى في هذين الجنسين : جنس السموات وجنس الأرض.

(مِنْ شِرْكٍ) : حرف جر زائد للتأكيد. شرك : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر أي من شركة في الخلق ولا في الملك.

(وَما لَهُ مِنْهُمْ) : الواو عاطفة. ما : نافية لا عمل لها. له : جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر مقدم أي وما لله. من : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بحال مقدمة من «ظهير».

(مِنْ ظَهِيرٍ) : يعرب إعراب «من شرك» بمعنى : من معين.

(وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٢٣)

(وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ) : الواو عاطفة. لا : نافية لا عمل لها. تنفع : فعل مضارع مرفوع بالضمة. الشفاعة : فاعل مرفوع بالضمة.

٢١٧

(عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ) : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بتنفع وهو مضاف والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. إلا : أداة حصر لا عمل لها. لمن : جار ومجرور متعلق بحال محذوف من «الشفاعة» التقدير : إلا كائنة لمن أذن له من الشافعين ومطلقة له و «من» اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام أو بمعنى إلا كائنة لمن أذن له أي لشفيعه والجملة الفعلية «أذن له» صلة الموصول لا محل لها أي لأجل شفيعه.

(أَذِنَ لَهُ) : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. له : جار ومجرور متعلق بأذن.

(حَتَّى إِذا فُزِّعَ) : حرف غاية وابتداء. إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان مضمن معنى الشرط مبني على السكون خافض لشرطه متعلق بجوابه. فزع : الجملة الفعلية في محل جر بالإضافة وهي فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح.

(عَنْ قُلُوبِهِمْ) : جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة. بمعنى : كشف عنها الفزع أي كشف الله الفزع عن قلوبهم أي قلوب الشافعين والمشفوع لهم.

(قالُوا) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة والجملة بعدها في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ.

(ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) : اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم للفعل «قال». قال : فعل ماض مبني على الفتح و «ربكم» فاعل مرفوع بالضمة. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل جر بالإضافة والميم علامة جمع الذكور.

(قالُوا الْحَقَ) : أعربت. الحق : مفعول به منصوب بفعل مضمر دل عليه ما قبله أي قالوا قال الحق بمعنى تساءلوا قائلين بعضهم لبعض ما ذا قال

٢١٨

ربكم في الشفاعة قالوا قال الحق أي القول الحق وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى. فحذف المنصوب الموصول «القول» وأقيمت صفته «الحق» مقامه. وجملة «قالوا الحق» استئنافية لا محل لها. وجملة «قال الحق» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ بقالوا.

(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) : الواو استئنافية. هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. العلي الكبير : خبرا المبتدأ خبر بعد خبر أي خبران متتابعان للمبتدإ «هو» مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة ويجوز أن يكون «الكبير» صفة ـ نعتا ـ للعلي.

** (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثالثة والعشرين .. المعنى : حتى إذا كشف الله الفزع أي الخوف عن قلوبهم أي قلوب الشافعين ـ اسم فاعلين ـ والمشفوع لهم ـ اسم مفعولين ـ تساءلوا فيما بينهم ما ذا قال ربكم قالوا قال القول الحق وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى من المؤمنين فحذف المفعول المنصوب الموصوف «القول» وأقيمت صفته «الحق» مقامه. يقال : شفع ـ يشفع شفعا .. من باب «نفع» أو قطع بمعنى : سعى له وشفع له أو فيه إلى فلان شفاعة : طلب منه أن يعاونه.

** (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة والعشرين .. وكلمتا «بشيرا ونذيرا» من صيغ المبالغة «فعيل بمعنى فاعل» بمعنى : مبشرا للمؤمنين ومنذرا للكافرين أي مبشرا يا محمد من أطاعك بالفردوس ومخوفا من عصاك بالنار فحذف مفعولا اسمي الفاعلين «بشيرا ونذيرا» وهما «من أطاعك .. ومن عصاك ..» كما حذف مفعول «يعلمون» أي لا يعملون ذلك أي ما عند الله من النفع لهم وقوله «كافة للناس» معناه : جامعا للناس أي إلا إرسالة عامة لهم محيطة بهم بمعنى : إذا عمتهم فقد كفتهم أن يخرج أحد منهم والتاء على هذا هي للمبالغة كتاء «الراوية» والعلامة والنابغة. ولفظة «كافة» قدمت لفظا وأخرت معنى أو تكون «كافة» حالا من «الناس» قدمت عليها .. يقال : كفه عن الأمر أو الشيء يكفه ـ كفا .. من باب «رد» : أي صرفه ومنعه .. وكف عنه : أي انصرف وامتنع وكف ماء وجهه بمعنى : صانه ومنعه عن بذل السؤال فالفعل لازم ومتعد ويقال : تكفف الناس : بمعنى : مد كفه إليهم يستعطي .. وتكفف الرجل : أي أخذ الشيء بكفه .. وسميت «الكف» بهذا الاسم لأنها تكف الأذى عن صاحبها. والكاف ـ اسم فاعل ـ هو من كف نفسه عن الشيء .. أما «الكافة» فهي مؤنث «الكاف» وبمعنى الجماعة كما في الآية الكريمة المذكورة بمعنى للناس جميعا. وقال الفراء في «معاني القرآن» : نصبت لأنها بمعنى المصدر ولذلك لم تدخل العرب فيها الألف واللام لأنها آخر الكلام مع معنى المصدر وهي مثل قولك : قاموا معا وقاموا جميعا فلا يدخلون الألف واللام على «معا» و «جميعا» إذا كانت بمعناها أيضا. وقال الأزهري أيضا : كافة : منصوبة على الحال وهي مصدر على «فاعلة» كالعافية والعاقبة ولا يثنى ولا يجمع كما لو قلت : قاتلوا المشركين عامة أو خاصة لا يثنى ذلك ولا يجمع

٢١٩

ومن حكم «كافة» أن تأتي متعقبة ففي الآية معناها : كاف وإلحاق الهاء للمبالغة. وأما تصديرها في الآية الكريمة فقيل : إنه مما قدم لفظه وأخر معناه وإن تقدير الكلام : وما أرسلناك إلا جامعا بالإنذار والبشارة للناس كافة. ومثل هذه اللفظة في الحكم والإعراب لفظتا «عامة» و «قاطبة» بمعنى : جميعا أي كلهم. وقيل : إن الألفاظ «كل» و «عامة» و «أجمع» يؤكد بها فيقال جاء القوم عامة. وأغفلها جميع النحاة. و «العام» ضد «الخاص» وهو اسم فاعل وفعله : عم ـ يعم .. بمعنى : شمل وهو من باب «قعد» ومصدره : «عموما» وهو أيضا جمع «عم» أي أخو الأب والجمع الثاني : أعمام. ومؤنث «العم» : عمة وجمعها : عمات ويقال ـ كما قال الجوهري ـ : هما ابنا عم وابنا خالة ولا يقال : هما ابنا عمة ولا ابنا خال ولا ابنا أخت. و «قاطبة» تأتي حالا مؤكدة لعاملها ولصاحبها وتأتي «عامة» توكيدا وقيل : حالا. ويقال : تعمم الرجل واعتم واستعم : بمعنى : لبس العمامة : وهي ما يلف على الرأس وجمعها : عمائم. وقيل : العمائم تيجان العرب. و «العمامة» هي نوع من الملابس الخاصة بالرأس وقد غلب إطلاقها على اللفة التي تلف الرأس.

** (وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثالثة والثلاثين .. المعنى : لم يكن إجرامنا هو الذي صدنا كما تقولون بل تصديكم لنا بالمكر علينا ليلا ونهارا .. فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به وإضافة المكر إليه أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين على الإسناد المجازي. و «استضعفوا» بمعنى : استضعفهم الكفار في الدنيا.

** (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة والثلاثين التقدير : في أهل قرية فحذف المضاف «أهل» وحل المضاف إليه «قرية» محله.

** سبب نزول الآية : نزلت الآية الكريمة في رجل سأل شريكه عن أتباع محمد فقال له : إنه لم يتبعه أحد من قريش إلا رذالة الناس ومساكينهم فعرف بذلك أنه نبي حق فآمن به فنزلت هذه الآية الكريمة فقال له النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إن الله قد أنزل تصديق ما قلت».

** (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السابعة والثلاثين المعنى المقصود : وما جماعة أموالكم ولا جماعة أولادكم بالتي وذلك إن جمع التكسير يستوي في تأنيثه العقلاء وغير العقلاء .. وقيل : يجوز أن تكون «التي» هي التقوى وهي المقربة عند الله زلفى وحدها أي ليست أموالكم بتلك التي أي الموضوعة للقربى. وإذا كان ثمة أقوال في القرآن الكريم تحتمل المعنى واللفظ فإن أفعالها تتأثر بها فتجيء تارة مذكرة مع الاسم المذكر ومؤنثة مع الاسم المؤنث تارة أخرى وتأتي ضمائرها في الحالتين كلتيهما عائدة على الاسم المذكر وهي مؤنثة ويراعى في ذلك المعنى وليس اللفظ أو العكس إذا كان ذلك واردا فحري أن يتم معرفة ذلك وهو أن تأنيث الفعل أي فعل الفاعل يجوز في حالات .. منها : إذا كان الفاعل اسما ظاهرا مؤنثا تأنيثا حقيقيا منفصلا عن الفعل نحو حضر اليوم أو حضرت اليوم فاطمة. أو إذا كان الفاعل اسما ظاهرا مجازي التأنيث نحو طلعت الشمس أو طلع الشمس وإذا كان جمع تكسير .. نحو : جاء الغلمان أو جاءت الغلمان .. أجاد الخطباء أو أجادت الخطباء لأن الجمع المكسر عقلاؤه وغير عقلائه سواء في حكم التأنيث كما جاء في الآية الكريمة المذكورة.

٢٢٠