إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٨

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٨

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٧

(فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٨٣)

(فَسُبْحانَ الَّذِي) : الفاء استئنافية. سبحانه : مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره : أسبح بمعنى أنزه الله سبحانه عن النقائص تسبيحا أي تنزيها وهو مضاف. الذي : اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة.

(بِيَدِهِ مَلَكُوتُ) : الجملة الاسمية متعلقة بصلة الموصول لا محل لها. بيده : جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر مقدم. والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. ملكوت : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة وهو مضاف بمعنى بيده ملك كل شيء.

(كُلِّ شَيْءٍ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. شيء : مضاف إليه ثان مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة.

(وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) : الواو استئنافية. إليه : جار ومجرور متعلق بفعل «ترجعون». ترجعون : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. ويجوز أن تكون جملة «ترجعون» في محل رفع خبرا لمبتدإ محذوف اختصارا لأنه معلوم من سياق القول الكريم بتقدير : وأنتم إليه راجعون.

***

٣٨١

سورة الصافات

معنى السورة : الصافات : مؤنث الصافين .. ومفردهما : الصافة .. الصاف .. وهاتان اللفظتان اسما فاعلين للفعل «صف» نحو : صف القائد جنده ـ يصفهم ـ صفا .. من باب «رد» بمعنى : أقامهم صفوفا «جمع صف» وصف الإمام المصلين .. مثله .. أي أقيموا صفوفا في الحرب والجامع .. و «المصف» بفتح الميم والصاد : هو الموقف في الحرب وجمعه : المصاف .. وصفت الإبل قوائمها تصفها .. صفا : أي وضعتها صفا .. وصف الطائر جناحيه : بمعنى : بسطهما ولم يحركهما. وصف القوم : أي أقامهم صفوفا فاصطفوا واصطف الجند : أي قاموا صفوفا فهم مصطفون .. وهن مصطفات .. لاسم المفعول وهم صافون ـ اسم فاعلين ـ وهن صافات وصواف ـ اسم فاعلات. فالفعل «صف» يأتي متعديا .. نحو : صففت الشيء فهو مصفوف ويأتي لازما نحو : صففتهم فصفوا هم .. وعن صف الطائر جناحيه أي بسطهما في طيرانه ولم يحركهما ذكر في حديث «كل ما دف ودع ما صف أي يؤكل ما يحرك جناحيه في طيرانه كالحمام ولا يؤكل ما صف جناحيه كالنسر والصقر.

تسمية السورة : خص سبحانه وتعالى الملائكة الأطهار بسورة من سور كتابه العزيز وسماها بصفتهم «الصافات» بمعنى : المصطفين .. وأقسم تعالى بطوائف الملائكة المصطفين للعبادة صفا أو الصافين أي المصطفين في العبودية لله عزوجل أو بنفوسهم الصافات أقدامها في الصلاة أو أجنحتها في الهواء واقفة منتظرة لأمر الله سبحانه. وجاءت كلمة «الصافات» صفة أقيمت مقام الموصوف «الملائكة» المحذوف اختصارا لأنه معلوم وقال الصافات أي التي نظمت صفوفها طولا مستويا ولم يقل «الصافين» لأن «الملائكة» لفظة مؤنثة لفظا مذكرة معنى لأنها جمع «ملك» ومثلها كثير في القرآن الكريم نحو قوله تعالى في سورة «المرسلات» : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) وجاءت اللفظة مذكرة في آية أخرى : (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ).

٣٨٢

فضل قراءة السورة : قال الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ والصافات» أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل جني وشيطان وتباعدت عنه مردة الشياطين وبريء من الشرك وشهد له حافظاه يوم القيامة أنه كان مؤمنا بالمرسلين» صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمردة : جمع : مارد : وهو بمعنى العاتي : أي الجبار أو المستكبر المتجاوز للحدود سمي بذلك كأنه تجرد من كل خير. و «حافظاه» هما الملكان اللذان يكتبان حسنات الناس وسيئاتهم.

إعراب آياتها

(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) (١)

(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) : الواو واو القسم .. حرف جر. الصافات : مقسم به مجرور بواو القسم وعلامة جره الكسرة .. والواو بدل من الباء لأن الأصل : برب الصافات أي الملائكة الصافين أي المصطفين في العبودية لله والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف بتقدير : أقسم أو أحلف. صفا : مفعول مطلق ـ مصدر ـ لاسم الفاعلات «الصافات» منصوب بفعل المصدر وعلامة نصبه الفتحة المنونة أو بفعل من جنسه.

(فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) (٢)

(فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) : معطوف بالفاء على «الصافات صفا» ويعرب إعرابه بمعنى فالزاجرات أي الملائكة التي تسوق السحاب سوقا أو فالزاجرين الشياطين زجرا.

(فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) (٣)

(فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) : يعرب إعراب الآية الكريمة السابقة بمعنى : فالقارئات ذكر الله أو يكون «ذكرا» مفعولا به منصوبا باسم الفاعلات «التاليات» وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

(إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) (٤)

٣٨٣

(إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. و «إن» مع اسمها وخبرها لا محل لها لأنها جواب القسم المقدر. إله : اسم «إن» منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل جر بالإضافة والميم علامة جمع الذكور. اللام لام التوكيد المزحلقة. واحد : خبر «إن» مرفوع بالضمة المنونة أو يكون توكيدا لخبر «إن» المحذوف اختصارا ولأن ما قبله يدل عليه. التقدير : إن إلهكم لإله واحد.

(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) (٥)

(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : خبر ثان لإن مرفوع بالضمة أو خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو. السموات : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. والأرض : معطوفة بالواو على «السموات» وتعرب إعرابها.

(وَما بَيْنَهُما) : الواو عاطفة. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة لأنه معطوف على مجرور أي ورب ما بينهما. بين : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بفعل محذوف تقديره : استقر .. وجد. أو كان. وهو مضاف. والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة و «ما» علامة التثنية وجملة «استقر بينهما» صلة الموصول لا محل لها.

(وَرَبُّ الْمَشارِقِ) : معطوف بالواو على «رب السموات ..» ويعرب إعرابه.

** (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الأولى .. المعنى : أقسم برب الملائكة الصافات أي الملائكة الصافين أو بنفوس الملائكة الصافات أقدامها في الصلاة أو أجنحتها في الهواء فحذف الموصوف «الملائكة» وحلت الصفة «الصافات» محلها وجيء بالصفة مؤنثة على لفظ «الملائكة» أي جماعة الملائكة وليس على المعنى المذكر أي الصافين. وحذف مفعول اسم الفاعلات «الصافات» وهو «أقدامها .. أجنحتها».

** (فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية .. وينطبق تقدير الآية الكريمة الأولى على هذه الآية الكريمة أيضا .. المعنى : الملائكة الزاجرات السحاب زجرا أي سوقا أي الزاجرين الشياطين عن بني آدم أو الناس عن المعاصي فحذف مفعول اسم الفاعلات «الزاجرات» وهو «الشياطين» واصطفاف الملائكة المراد به : وقوفهم منتظرين أمر الله سبحانه وهو كما جاء في سورة «الفجر» في قوله عزوجل ـ : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) أي وحضرت الملائكة صفوفا أو ينزل ملائكة كل سماء.

٣٨٤

فيصطفون صفا بعد صف محدقين بالجن والإنس وقوله (وَجاءَ رَبُّكَ) معناه : وظهرت آيات قدرة الله ومعنى إسناد المجيء لله هو تشبيه لظهور آيات اقتداره سبحانه وتبيين آثار قهره وسلطانه شبهت الحالة في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة ما لا يظهر بحضور خواصه عن بكرة «أبيهم» أي جميعهم.

** (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة .. التقدير : ورب المشارق والمغارب .. مثل ورب السموات والأرض فحذف «والمغارب» اختصارا لأنه معلوم أو اكتفى بالمشارق لأنها أدل على قدرته سبحانه. أي مشارق الكواكب. وبعد حذف المضاف إليه «الكواكب» عوض المضاف «مشارق» بالألف واللام عن حذف المضاف إليه.

** (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة .. المعنى إنا زينا السماء القربى بزينة الكواكب .. والكواكب : بدل من «زينة» وهو بدل المعرفة من النكرة وكما يجوز بدل النكرة من المعرفة كما في قوله تعالى في سورة «البقرة» : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) فإن «قتال» هو اسم نكرة جاء بدلا من المعرفة «الشهر» فكذلك يجوز إبدال المعرفة «الكواكب» من النكرة «زينة».

** (دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة .. المعنى : ويطردون طردا وإبعادا قويا وهو مصدر «دحر» يقال : دحره ـ يدحره ـ دحورا .. من باب «خضع» يخضع خضوعا .. بمعنى : طرده وأبعده .. والمعنى في الآية : يقذفون قذفا لأن القذف والطرد متقاربان في المعنى ونقول : دحرنا القوات المعتدية دحورا : أي طردناها وأبعدناها فالقوات المعتدية مدحورة ـ اسم مفعول ـ ونحن داحرون ـ اسم فاعل ـ ولا نقول : اندحرت القوات فهي مندحرة لأن هذا الفعل «دحر» لم يأت منه الفعل المطاوع ـ اندحر ـ مثل الفعل «كسر» نحو : كسرنا الزجاج فانكسر.

** (وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة عشرة ..

المعنى : وقالوا : ما هذا الذي تأتينا به ـ أي القرآن ـ أو الذي نراه .. فحذف النعت أو البدل المشار إليه «القرآن» اختصارا لأنه معلوم وإن ما قبله دال عليه.

** (قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة عشرة .. أي قل لهم يا محمد نعم تبعثون جميعا وأنتم صاغرون ذليلون ـ أذلاء ـ لأن صيغة ـ فعيل ـ تجمع على ـ فعلاء ـ إذا كان فيها حرف مكرر فذليل فيها حرف اللام مكرر. يقال : دخر ـ يدخر ـ دخورا : أي ذل وهان. و «نعم» مثل «أجل» وزنا ومعنى أي حرف جواب لا محل له ومثله أيضا الحرف «جير» بفتح الجيم وسكون الياء وكسر الراء قال الأخفش : إن «أجل» أحسن من «نعم» في التصديق و «نعم» أحسن منه في الاستفهام. ويأتي «أجل» اسما ويطلق على عمر الإنسان وعلى الموت الذي ينتهي إليه الإنسان .. ويطلق أيضا على الغاية والأمد. قال تعالى في سورة «الطلاق» : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) قال الشاعر :

كل حي مستكمل مدة العم

ر ومود إذا انتهى أجله

و «مود» : اسم فاعل بمعنى : هالك. فعله : أودى ـ يودي ـ إيداء : أي هلك وأودى به الموت : أي ذهب وأجل الشيء : هو مدته ووقته الذي يحل فيه وهو مصدر الفعل «أجل» من باب «تعب» ويجمع على آجال .. أما «الآجل» على وزن ـ فاعل ـ فهو خلاف «العاجل» و «الآجلة» ضد «العاجلة» أي المسرع والمسرعة.

٣٨٥

** (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة والعشرين المعنى : يسأل بعضهم موبخا بعضهم الآخر أي يوبخ الضالون من أضلوهم .. وقيل : المعنى : يشربون ويتحادثون على الشراب على عادة الشرب وفيه لذتهم .. ولقد أحسن القائل في هذا المعنى حيث قال الأصمعي :

يوشك من فر من منيته

يوما على علة يوافقها

من لم يمت عبطة يمت هرما

للموت كأس والمرء ذائقها

و «عبطة» في البيت معناها : شابا صحيحا. ورويت الموت كأس لا بد ذائقها على أنها الشراب بعينه.

** (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية والثلاثين المعنى : فوجبت علينا كلمة العذاب أي وعيد الله ولو حكي الوعيد كما هو لقال : إنكم لذائقون عذابه أو العذاب ولكنه عدل به إلى لفظ المتكلم لأنهم متكلمون بذلك عن أنفسهم .. ويقال : قال المحلف للحالف : احلف لأخرجن ولتخرجن .. الهمزة لحكاية اللفظ ـ لفظ الحالف ـ اسم فاعل. والتاء لإقبال المحالف على المحلف كقوله تعالى في الآية المذكورة. وحذف مفعول اسم الفاعلين «ذائقين» أي ذائقوه. أي العذاب. قال الشاعر :

إني حلفت برافعين أكفهم

بين الحطيم وبين حوضي زمزم

التقدير : بقوم رافعين فحذف الموصوف وأقيمت الصفة «رافعين» مقام «قوم» و «الحطيم» اسم لحجر البيت الحرام في مكة وزمزم : اسم لبئر معروفة في مكة بجوار البيت الحرام.

(إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) (٦)

(إِنَّا زَيَّنَّا) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع سبحانه ـ مبني على السكون في محل نصب اسم «إن». زينا : الجملة الفعلية وما بعدها في محل رفع خبر «إن» وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل ـ ضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل رفع فاعل.

(السَّماءَ الدُّنْيا) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الدنيا : صفة ـ نعت ـ للسماء منصوبة وعلامة نصبها الفتحة المقدرة للتعذر.

(بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) : جار ومجرور متعلق بزين. الكواكب : بدل من «زينة» وبدل المبدل منه المجرور مجرور مثله وعلامة جره الكسرة.

(وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) (٧)

(وَحِفْظاً مِنْ كُلِ) : الواو عاطفة. حفظا : مفعول مطلق ـ مصدر ـ منصوب بفعل محذوف معطوف على «زينا» بتقدير وحفظنا السماء حفظا أو محمول

٣٨٦

على معنى : إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظا من الشياطين منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. من كل : جار ومجرور متعلق بالفعل المضمر فعل «حفظنا».

(شَيْطانٍ مارِدٍ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. مارد : صفة ـ نعت ـ لشيطان مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى : متمرد خارج عن الطاعة.

(لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ) (٨)

(لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ) : نافية لا عمل لها. يسمعون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وأصله لا يتسمعون فأدغمت التاء في السين فشددت السين. إلى الملأ : جار ومجرور متعلق بيسمعون.

(الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ) : صفة ـ نعت ـ للملإ مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المقدرة على آخره ـ الألف المقصورة ـ للتعذر. الواو عاطفة. يقذفون : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل بمعنى لا يمكنهم السماع رغم استراقهم السمع إلى الملائكة أو هم الكتبة من الملائكة.

(مِنْ كُلِّ جانِبٍ) : جار ومجرور متعلق بفعل «يقذفون». جانب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى : ويقذفون متى أرادوا التسمع من جميع جوانب السماء من أي جهة صعدوا للاستراق.

(دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) (٩)

(دُحُوراً وَلَهُمْ) : مفعول لأجله منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : ويقذفون للدحور وهو الطرد أو يكون حالا بمعنى : مدحورين. أو مفعولا مطلقا ـ مصدرا ـ منصوبا بفعل محذوف بتقدير يدحرون «دحورا». الواو استئنافية. اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور في محل رفع متعلق بخبر مقدم.

٣٨٧

(عَذابٌ واصِبٌ) : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة. واصب : صفة ـ نعت ـ لعذاب مرفوع مثله بالضمة المنونة أي دائم.

(إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) (١٠)

(إِلَّا مَنْ خَطِفَ) : أداة حصر لا عمل لها. من : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع بدل من الضمير في «لا يسمعون» أي لا يسمعون إلا الشيطان أي لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي خطف الخطفة. خطف : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو. والجملة الفعلية «خطف» صلة الموصول لا محل لها.

(الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ) : مصدر ـ مفعول مطلق ـ واقع موقع المفعول به بمعنى : إلا من استرق أو اختلس الاستراقة من كلام الملائكة. الفاء سببية. أتبعه : فعل ماض مبني على الفتح والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم.

(شِهابٌ ثاقِبٌ) : فاعل مرفوع بالضمة المنونة. ثاقب : صفة ـ نعت ـ لشهاب مرفوع مثله بالضمة المنونة بمعنى فانقض عليه كوكب يثقب ما ينزل عليه. والشهاب : هو ما يرى كأنه كوكب منقض. وثاقب : أي يثقب ما ينزل عليه.

(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) (١١)

(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ) : الفاء سببية للتعقيب. استفت : فعل أمر مبني على حذف آخره ـ حرف العلة ـ الياء وبقيت الكسرة دالة على الياء المحذوفة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به بمعنى : فاستخبر يا محمد مشركي قريش. الهمزة همزة تقرير بلفظ استفهام. هم : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ.

(أَشَدُّ خَلْقاً) : خبر «هم» مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن ـ أفعل ـ التفضيل ومن وزن الفعل. خلقا : تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : أأصعب على الله خلقا؟

٣٨٨

(أَمْ مَنْ خَلَقْنا) : حرف عطف وهي «أم» المتصلة لأنها مسبوقة بهمزة استفهام. من : اسم موصول بمعنى «الذين» مبني على السكون في محل رفع معطوف على «هم». خلق : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الواحد المطاع سبحانه و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والجملة الفعلية «خلقنا» صلة الموصول لا محل لها والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير : خلقناهم بمعنى : أهم أصعب على الله خلقا أم الذين خلقناهم من الملائكة والسموات والأرض.

(إِنَّا خَلَقْناهُمْ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير الواحد المطاع سبحانه مبني على السكون في محل نصب اسم «إن». خلقناهم : أعربت. والجملة الفعلية «خلقناهم» في محل رفع خبر «إن» أي خلقنا أباهم «آدم».

(مِنْ طِينٍ لازِبٍ) : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من ضمير الغائبين «هم» التقدير حال كونهم من طين. لازب : صفة ـ نعت ـ لطين مجرور مثله وعلامة جرهما ـ الصفة والموصوف ـ الكسرة المنونة بمعنى لازق أي متماسك.

(بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) (١٢)

(بَلْ عَجِبْتَ) : حرف إضراب للاستئناف. عجبت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل رفع فاعل بمعنى بل عجبت يا محمد من قدرة الله على هذه الخلائق.

(وَيَسْخَرُونَ) : الواو حالية. يسخرون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية «يسخرون» في محل رفع خبر لمبتدإ محذوف تقديره : هم. أي وهم يسخرون أي يستهزءون من تعجبك ومنك ومما تريهم من آثار قدرة الله .. والجملة الاسمية «هم يسخرون» في محل نصب حال من ضمير الغائبين والمعنى لا تسألهم فهم معاندون.

(وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ) (١٣)

٣٨٩

(وَإِذا ذُكِّرُوا) : الواو استئنافية. إذا : ظرف لما يستقبل من الزمن متضمن معنى الشرط مبني على السكون خافض لشرطه متعلق بجوابه. ذكروا : الجملة الفعلية في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد الظرف. وهي فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة أي وإذا وعظوا.

(لا يَذْكُرُونَ) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها. لا : نافية لا عمل لها. يذكرون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وحذف مفعول «يذكرون» اختصارا لأن ما قبله دال عليه .. التقدير : لا يذكرون قدرة الله على خلق هذه الخلائق.

(وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) (١٤)

الآية الكريمة معطوفة بالواو على الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها. رأوا : فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لاتصالها بواو الجماعة ولالتقاء الساكنين. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. آية : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى يبالغون في السخرية منها.

(وَقالُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ) (١٥)

(وَقالُوا) : الواو عاطفة. قالوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

(إِنْ هذا) : مخففة مهملة لا عمل لها بمعنى «ما» النافية. هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

(إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) : أداة حصر لا عمل لها. سحر : خبر «هذا» مرفوع بالضمة المنونة. مبين : صفة ـ نعت ـ لسحر مرفوع بالضمة المنونة.

(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) (١٦)

٣٩٠

هذه الآية الكريمة أعربت في الآية الكريمة الثانية والثمانين من سورة «المؤمنون».

(أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) (١٧)

(أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) : حرف عطف. آباء : معطوف على محل «إن» واسمها أو على الضمير في «مبعوثون» في الآية الكريمة السابقة مرفوع بالضمة وجاز العطف لأن الجملة مفصولة بهمزة الاستفهام و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة أي أن الواو في «أو» حرف عطف مسبوقة بهمزة استفهام. الأولون : صفة ـ نعت ـ للآباء مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى : آباؤنا الأقدمون .. أي أو يبعث أيضا آباؤنا الأقدمون؟

(قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) (١٨)

(قُلْ نَعَمْ) : فعل أمر مبني على السكون وحذفت واوه ـ أصله : قول ـ تخفيفا ولالتقاء الساكنين ـ والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت. نعم : حرف جواب لا عمل له ولا محل له. المعنى : نعم تبعثون. والجملة الفعلية «نعم تبعثون» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ.

(وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) : الواو حالية والجملة الاسمية في محل نصب حال من ضمير «تبعثون» أنتم : ضمير منفصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. داخرون : خبر «أنتم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى : نعم تبعثون وأنتم صاغرون ذليلون.

(فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) (١٩)

(فَإِنَّما هِيَ) : الفاء واقعة في جواب شرط مقدر تقديره : إذا كان ذلك فما هي إلا زجرة واحدة بمعنى : صيحة واحدة و «إنما» كافة ومكفوفة. أو أداة حصر لا عمل لها. هي : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ والضمير «هي» لا يرجع إلى شيء إنما هو مبهم موضحه خبره ويجوز أن يكون المعنى : فإنما البعثة وهي النفخة الثانية.

٣٩١

(زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) : خبر «هي» مرفوع بالضمة المنونة. واحدة : صفة ـ نعت ـ لزجرة مرفوعة مثلها بالضمة المنونة.

(فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) : الفاء استئنافية. إذا : حرف فجاءة ـ فجائية ـ لا محل لها. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. وخبر «هم» محذوف اختصارا تقديره : أحياء أي فإذا هم أحياء. ينظرون : الجملة الفعلية في محل رفع خبر ثان للمبتدإ «هم» أو في محل رفع صفة ـ نعت ـ لخبر «هم» المحذوف أي صفة لأحياء أو تكون في محل نصب حالا من ضمير الغائبين المبتدأ «هم» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى : يبصرون الساعة أو العذاب .. فحذف المفعول اختصارا.

(وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ) (٢٠)

(وَقالُوا يا وَيْلَنا) : الواو عاطفة. قالوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة والجملة بعده في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ يا : أداة نداء. ويل : منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة والنداء يقع هنا على المبالغة والكلمة تدعو بها العرب عند الهلاك. ويجوز أن تكون «يا» حرف تنبيه أو حرف نداء والمنادى به محذوفا مثل : يا ليتنا وكلمة «ويل» في الأصل مصدر لا فعل له معناه : تحسر وهلك وهي هنا منصوبة على المفعولية المطلقة لأنها مضافة على تقدير : ألزمنا أو أهلكنا الهلاك.

(هذا يَوْمُ الدِّينِ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يوم : خبر «هذا» مرفوع بالضمة. الدين : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة .. بمعنى : هذا يوم الحساب بمعنى فيقولون هذا يوم الحساب.

(هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (٢١)

(هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) : الجملة الاسمية في محل نصب لأنها بدل من جملة (هذا يَوْمُ الدِّينِ) وتعرب إعرابها بمعنى يوم الفصل في أمور الناس.

٣٩٢

(الَّذِي كُنْتُمْ) : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة ـ نعت ـ لليوم يوم الفصل ـ أو في محل جر صفة ـ نعت ـ للفصل. كنتم : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور.

(بِهِ تُكَذِّبُونَ) : جار ومجرور متعلق بتكذبون. تكذبون : الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والجملة الفعلية (كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب بمعنى : قالت الملائكة هذا يوم الحكم والقضاء بين الخلائق.

(احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ) (٢٢)

(احْشُرُوا الَّذِينَ) : الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ أي يقول الله سبحانه لملائكته اجمعوا الظالمين وهي فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.

(ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وحذف مفعول الفعل اختصارا لأنه معلوم بمعنى ظلموا أنفسهم. وأزواج : معطوف بالواو على الاسم الموصول «الذين» منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة.

(وَما كانُوا يَعْبُدُونَ) : الواو عاطفة. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على الاسم الموصول «الذين» و «ما» اسم موصول لغير العاقل. كانوا : فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو

٣٩٣

الجماعة الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. يعبدون : الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية (كانُوا يَعْبُدُونَ) صلة الموصول لا محل لها والعائد ـ الراجع ـ إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : وما كانوا يعبدونهم أو تكون «ما» مصدرية فتكون جملة (كانُوا يَعْبُدُونَ) صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به. التقدير : واحشروا معبوديهم.

(مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) (٢٣)

(مِنْ دُونِ اللهِ) : جار ومجرور متعلق بفعل «يعبدون» أو يكون متعلقا بحال محذوفة من الضمير العائد في «يعبدون» لأن «من» حرف جر بياني .. بمعنى : وما كانوا يعبدونهم من الآلهة حالة كونهم من دون الله. الله لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر : الكسرة بمعنى : من الله.

(فَاهْدُوهُمْ) : الفاء عاطفة للتسبيب. اهدوا : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به بمعنى فدلوهم.

(إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) : جار ومجرور متعلق بفعل «اهدوا» بتعدية الفعل بحرف الجر إلى مفعول الثاني. الجحيم : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى فدلوهم أو ارشدوهم أو فقودوهم على طريق جهنم أي النار العظيمة.

(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٢٤)

(وَقِفُوهُمْ) : معطوفة بالواو على «اهدوهم» وتعرب إعرابها بمعنى : وقفوهم أمامنا لأنهم كانوا مسئولين عما كانوا يعملونه.

٣٩٤

(إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) : حرف نصب وتوكيد يفيد هنا التعليل و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل نصب اسم «إن». مسئولون : خبر «إن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) (٢٥)

(ما لَكُمْ لا) : الجملة الاسمية في محل نصب مفعول به منصوب بفعل محذوف اختصارا لأنه معلوم أي يقول لهم سبحانه أي مقول القول. ما : اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. لكم : جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر المبتدأ. والميم علامة جمع الذكور. لا : نافية لا عمل لها بمعنى : ما لكم اليوم لا ينصر بعضكم بعضا؟

(تَناصَرُونَ) : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. وأصله : لا تتناصرون .. حذفت إحدى التاءين تخفيفا بمعنى : كيف لا تتناصرون اليوم أي لا ينصر بعضكم بعضا .. وقيل حذفت إحدى التاءين لتواليهما تخفيفا. والجملة الفعلية (لا تَناصَرُونَ) في محل نصب حال من ضمير المخاطبين أي غير متناصرين.

(بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) (٢٦)

(بَلْ هُمُ) : حرف إضراب للاستئناف. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ وحرك الميم بالضم للوصل ـ التقاء الساكنين ـ

(الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بخبر «هم». مستسلمون : خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (٢٧)

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ) : الواو استئنافية. أقبل : فعل ماض مبني على الفتح. بعض : فاعل مرفوع بالضمة وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة.

٣٩٥

(عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) : جار ومجرور متعلق بأقبل والتنوين عوض عن حذف المضاف إليه لأن التقدير على بعضهم. يتساءلون : الجملة الفعلية في محل نصب حال من ضمير المخاطبين في «بعضهم» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى : يسأل بعضهم موبخا بعضهم الآخر أي يوبخ الضالون من أضلوهم.

(قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) (٢٨)

(قالُوا إِنَّكُمْ) : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة والجملة بعده المؤولة من «إن» وما بعدها في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب اسم «إن» والميم علامة جمع الذكور.

(كُنْتُمْ تَأْتُونَنا) : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «إن» وهي فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. تأتون : الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به.

(عَنِ الْيَمِينِ) : جار ومجرور متعلق بتأتون وكسرت نون «عن» لالتقاء الساكنين. أي يقول الضالون لمضليهم وهم يؤنبونهم يوم القيامة إنكم كنتم تأتوننا من قبل الدين فتزيغون لنا ضلالتنا لأنهم كانوا يتفاءلون بالطير إذا أطاروه فجاءهم من جهة اليمين أي تأتوننا من أحب الجهات إلينا.

(قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٢٩)

(قالُوا بَلْ لَمْ) : أعرب في الآية الكريمة السابقة. بل : حرف إضراب للاستئناف. لم : حرف نفي وجزم وقلب.

٣٩٦

(تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) : فعل مضارع ناقص مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. مؤمنين : خبر «تكون» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد وحركته.

(وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) (٣٠)

(وَما كانَ لَنا) : الواو عاطفة. ما : نافية لا عمل لها. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح. لنا : جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر «كان».

(عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) : جار ومجرور متعلق بحال مقدمة من «سلطان» والميم علامة جمع الذكور. من : حرف جر زائد للتوكيد أي لتأكيد معنى النفي الواقع على «سلطان». سلطان : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه اسم «كان» بمعنى : تسلط.

(بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) : حرف إضراب للاستئناف. كنتم : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. قوما : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. طاغين : صفة ـ نعت ـ للموصوف «قوما» منصوب مثله وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن تنوين المفرد.

(فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ) (٣١)

(فَحَقَّ عَلَيْنا) : الفاء سببية. حق : فعل ماض مبني على الفتح. على : حرف جر و «نا» ضمير المتكلمين في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بحق.

(قَوْلُ رَبِّنا) : فاعل مرفوع بالضمة. رب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف و «نا» ضمير متصل «ضمير المتكلمين» مبني على السكون في محل جر مضاف إليه ثان بمعنى فلزم أو فوجبت علينا كلمة العذاب وعيد الله.

٣٩٧

(إِنَّا لَذائِقُونَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ في محل نصب اسم «إن» اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ ذائقون : خبر «إن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) (٣٢)

(فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا) : الفاء سببية. أغوى : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل رفع فاعل والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. و «إن» حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل نصب اسم «إن».

(كُنَّا غاوِينَ) : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «إن» وهي فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلمين و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع اسم «كان». غاوين : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى إنا تسببنا في جركم إلى الغي لتكونوا مثلنا.

** (فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية والثلاثين .. المعنى : دعوناكم لتكونوا على الحال التي كنا عليها أي تسببنا في جركم إلى الغي .. يقال : غوى ـ يغوي ـ غيا .. من باب «ضرب» بمعنى : انهمك في الجهل وهو ضد الرشد والاسم منه هو الغواية ـ بفتح الغين. وغوى أيضا : بمعنى : خاب وضل فهو غاو .. ـ اسم الفاعل ـ وجمعه : غواة ـ بضم الغين ـ ويتعدى الرباعي منه إلى المفعول فيقال : أغواه : أي أضله ومن تخريجاته : الغاية : أي المدى وجمعها : غاي وغايات. والغاية أيضا الراية وغايتك أن تفعل كذا : أي نهاية طاقتك وعملك. واسم المفعول من الرباعي «أغوى» هو غوي ـ صيغة فعيل ـ قال الأصمعي : ولا يقال غيره.

** (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة والثلاثين : يقال : شعر الرجل ـ يشعر .. من باب «قتل» بمعنى فطن وعلم وهو شاعر ـ اسم فاعل ـ وسمي شاعرا لفطنته وعلمه ـ هذا ما ذكره الفيومي ـ وأضاف : فإذا لم يقصده فكأنه لم يشعر به .. والشعر العربي هو النظم الموزون وحده ما تركب تركبا متعا ضدا وكان مقفى

٣٩٨

موزونا مقصودا به ذلك فما خلا من هذه القيود أو من بعضها فلا يسمى شعرا ولا يسمى قائله شاعرا ولهذا ما ورد في الكتاب أو السنة موزونا فليس بشعر لعدم القصد أو التفقية وكذلك ما يجري على ألسنة بعض الناس من غير قصد لأنه ماخوذ من شعرت إذا فطنت وعلمت .. وجمع «الشاعر» شعراء وجمع «فاعل» على «فعلاء» نادر ومثله : عاقل ـ عقلاء .. صالح ـ صلحاء. قال ابن خالويه : وإنما جمع «شاعر» على «شعراء» لأن من العرب من يقول : شعر ـ بضم العين فقياسه أن تجيء الصفة على «فعيل» نحو : شرف ـ بضم الراء ـ فهو شريف فلو قيل كذلك لالتبس بشعير الذي هو الحب فقالوا شاعر ولمحوا في الجمع بناءه الأصلي وأما نحو «علماء» و «حكماء» فجمع «عليم» و «حكيم» ومنه القول : شعرت بالشيء ـ اشعر ـ شعورا .. من باب «قعد» بمعنى : علمت. وقولهم : ليت شعري : معناه ليتني علمت. وقال الأخفش : الشاعر مثل لابن وتامر أي صاحب شعر وما كان شاعرا فشعر ـ من باب ظرف ـ وهو يشعر .. أما المتشاعر فهو الذي يتعاطى قول الشعر .. ويسمى الشعراء الذين أدركوا الجاهلية والإسلام : المخضرمين .. كحسان ولبيد : وهم طبقة من طبقات الشعراء الذين يسمون الجاهليين كامرئ القيس وزهير .. والمتقدمين من أهل الاسلام .. كالفرزدق وجرير .. وهؤلاء يستشهد بأشعارهم والمحدثين كالبحتري وأبي تمام وهم لا يستشهد بشعرهم.

** (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة والأربعين .. المعنى : من شراب معين أو من نهر معين : وهو الجاري على وجه الأرض الظاهر للعيون .. وصف بما يوصف به الماء لأنه يجري في الجنة في أنهار كما يجري الماء .. أي يطاف عليهم بكؤوس من خمر نابعة كأنها نهر ومن معين : أي من شراب معين .. فحذف الموصوف «شراب» وحلت صفته «معين» محله أو من نهر معين. أي ظاهر أو نابع من العيون .. يقال : عان الماء ـ يعين ـ عينا .. من باب «باع» بمعنى : جرى أو بلغ العيون والماء معين ومعيون وصف بها خمر الجنة لأنها تجري كالماء. والكأس : تلفظ ساكنة ويجوز تخفيفها .. وقيل : الكأس هي القدح مملوءا من الشراب والقدح هو إناء معروف وجمعه : أقداح : أي آنية يشرب فيها .. وقيل لا يقال : قدح إلا إذا كان فارغا. فإذا كان فيه شراب قيل له : كأس. والكأس : لفظة مؤنثة وجمعها : كئوس .. و «القدح» لفظة مذكرة .. نقول : ملأت القدح الفارغ .. وقال الجوهري : قال ابن الأعرابي : لا تسمى الكأس كأسا إلا وفيها الشراب ولهذا لا يصح القول : ملأت الكأس الفارغة. وقد أيد قول ابن الأعرابي معظم المصادر اللغوية وأورد «الصحاح» و «المصباح المنير» و «المعجم الوسيط» هذا أيضا إلا أن «تاج العروس» قال : الكأس والإناء : يشرب فيه .. أو ما دام الشراب فيه وجاراه في ذلك «متن اللغة» و «المحيط» و «محيط المحيط» يقال : قدح فلان في فلان ـ يقدحه ـ قدحا .. من باب «قطع» بمعنى : عابه وتنقصه وقدح في نسبه : أي طعن .. وفي عدالته .. أي عيبه وذكر ما يؤثر في انقطاع النسب ورد الشهادة .. ويقال : أضئ لي أقدح لك. أي كن لي أكن لك. ودليل تأنيث «كأس» هو قوله تعالى في الآية الكريمة التالية (بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) أي وصفت بصفة مؤنثة وهي «بيضاء» و «لذة» أما أن توصف الكأس «باللذة» كأنها نفس اللذة وعينها أو هي تأنيث «اللذ» .. يقال : لذ الشيء ـ يلذ ـ لذا .. ولذذت الشيء : أو وجدته لذيذا .. من باب «سلم» ومثله : التذ به وتلذذ به واستلذه : أي عده لذيذا فهو لذيذ ولذ كقولك : رجل طيب .. وجاءت لفظة «كأس» مؤنثة في قول الأعشى :

وكأس شربت على لذة

وأخرى تداويت منها بها

٣٩٩

يقول الشاعر : رب كاس شربت لطلب اللذة .. وكأس شربت للتداوي من خمارها .. كما قيل : ذهب الخمار بلذة الخمر. ومن معنى البيت قوله :

تداويت من ليلى بليلى من الهوى

كما يتداوى شارب الخمر بالخمر

وقيل : يقال للزجاجة فيها خمر : كأس .. وتسمى الخمر نفسها كأسا. وعن الأخفش : كل كأس في القرآن فهي الخمر .. وكذا في تفسير ابن عباس .. وهو مجاز شائع.

** (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة والأربعين .. المعنى : وهذه الخمر لا تسكر ولا تغتال العقول .. من أنزف الشارب .. أي ذهب عقله أي إن هذا الكأس أي الخمر لا غائلة فيها : بمعنى : لا تغتال العقل : أي تذهب به بمعنى : تأخذه غيلة أي خلسة وهو غافل أو على معنى : غائلة : وهي الصداع. من غاله ـ يغوله ـ غولا .. من باب «قال» واغتاله : إذا أخذه من حيث لم يدر .. وفي الآية الكريمة المعنى : ليس فيها صداع أو غائلة الصداع لأنه سبحانه قال في آية كريمة تالية : (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) و «الغول» بفتح الغين : الذي يغتال العقول .. أما الغول .. بضم الغين فهو من السعالي ـ أي تلفظ بالياء المنقوصة والألف المقصورة وجمعه أغوال وغيلان وكل ما اغتال الانسان فأهلكه فهو غول .. وأطلق على «الغضب» : غول الحلم لأنه يغتاله ويذهب به حيث قيل : أية غول أغول من الغضب .. واغتاله ـ غيلة : أي قتله. والغول : أحد المستحيلات الثلاثة. وقد اختلف في وجوده .. فمنهم من ينكر وجوده أصلا والعرب تسمي كل داهية غولا. وقال الكسائي : الغوائل ـ جمع غول ـ هي الدواهي .. وأراد الشاعر تأبط شرا أن يثبت وجود «الغول» بقوله :

بأني قد لقيت الغول تهوي

بسهب كالصحيفة صحصحان

يقول الشاعر : لقيت الغول تهبط بسهب أي بفضاء بعيد في الأرض والصحيفة : هي الكتاب والتصحيف : هو الخطأ في الصحيفة .. وقاع صحصحان وصعصعان : أي قاع مستو كأنه بلغ من السهب لما فيه من مبالغة الصحة وهي استواء واعتدال .. أما «ينزفون» في الآية الكريمة المذكور فمعناه ولا هم عنها تنزف عقولهم وهو فعل مضارع مبني للمجهول قياسا وللمعلوم سماعا لأنه من الأفعال التي سمعت عن العرب ملازمة للمجهول أي ملازمة للبناء للمجهول سماعا ويعربون المرفوع بعده فاعلا على السماع.

** (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة والأربعين. و «عين» جمع «عيناء» مؤنث «أعين» و «الأعين» هو من عنده عين ـ بفتح العين والياء ـ وهو كبر سواد العين مع سعة .. و «الطرف» هو العين. ولا يجمع لأنه في الأصل مصدر فيكون واحدا وجمعا قال تعالى في سورة «إبراهيم» : (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) و «الحور» بفتح الحاء والواو مثل «الطرف» له صلة بالعين أيضا وهو مثله مصدر .. وفعله : حور .. من باب «فرح» أو «تعب» نحو : حورت العين ـ تحور ـ حورا : أي اشتد بياض بياضها وسواد سوادها فالعين : حوراء وصاحبها أحور وجمعه : حور .. ويقال : الحور هو اسوداد المقلة كلها كعيون الظباء. قالوا : وليس في الإنسان حور وإنما قيل ذلك في النساء على التشبيه .. وفي مختصر العين : ولا يقال للمرأة : حوراء إلا للبيضاء مع حورها ويقال : احورت العين احورارا : بمعنى : حورت وبمعنى : ابيضت نحو احورّ الشيء : أي ابيض ـ وزنا ومعنى ـ وقال الأصمعي : ما أدري ما الحور في العين. وقال أبو عمرو : الحور هو أن تسود العين كلها مثل أعين الظباء والبقر قال : وليس في بني آدم حور وإنما قيل للنساء : حور العيون تشبيها بالظباء والبقر. و «الحور» جمع «حوراء» ومنه هذه امرأة حوراء أي بينة الحور.

٤٠٠