إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٨

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٨

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٧

(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٦٣)

(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ) : الجملة الاسمية في محل رفع خبر ثان للفظ الجلالة في الآية السابقة. له : جار ومجرور متعلق بخبر مقدم. مقاليد : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. السموات : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى بيده مفاتيح خزائن السموات.

(وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ) : معطوفة بالواو على «السموات» وتعرب مثلها بمعنى خزائن الأرض أي الكون كله. الواو استئنافية. أو هو متصل بقوله (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا) الوارد في الآية الكريمة الحادية والستين. أي ينجي الله المتقين .. بمفازتهم والذين كفروا هم الخاسرون وما بين الآيتين الكريمتين جمل اعتراضية. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.

(كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) : جار ومجرور متعلق بكفروا. أما الجملة الفعلية (كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) فهي صلة الموصول لا محل لها. كفروا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.

(أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) : الجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ «الذين». أولاء : اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ .. والكاف حرف خطاب. هم : ضمير منفصل ـ ضمير المخاطبين في محل رفع مبتدأ ثان وحرك بالضم للوصل ـ التقاء الساكنين ـ الخاسرون : خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى الخاسرون أنفسهم.

(قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) (٦٤)

(قُلْ) : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت أصله ـ قول ـ حذفت الواو تخفيفا ولالتقاء الساكنين.

٦٠١

(أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي) : الجملة في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ الهمزة همزة إنكار بلفظ استفهام. الفاء زائدة ـ تزيينية ـ وهمزة الاستفهام دون الفعل الذي هو «أعبد» لأن الإنكار في عبادة غير الله فكان أولى بالتقديم. غير : مفعول به منصوب بأعبد وعلامة نصبه الفتحة وتكون الجملة الفعلية «تأمروني» اعتراضية بين المفعول وفعله ومعناه أفغير الله أعبد بأمركم. الله : لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة أو تكون كلمة «غير» منصوبة بما تدل عليه جملة قوله (تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) لأنه في معنى تعبدونني وتقولون لي أعبد والأصل : تأمرونني أن أعبد فحذف «أن» ورفع الفعل وهو مثل القول : أفغير الله تقولون لي أعبده وأ فغير الله تقولون لي أعبد فكذلك أفغير الله تأمرونني أن أعبده وأ فغير الله تأمرونني أن أعبد. تأمروني : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون المدغمة بنون الوقاية ولهذا شددت. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. والياء ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ في محل نصب مفعول به.

(أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. أي : منادى مبني على الضم في محل نصب والأصل يا أيها حذفت أداة النداء اكتفاء بالمنادى و «ها» زائدة للتنبيه. الجاهلون : صفة ـ نعت ـ لأي مرفوع على لفظ «أي» لا محله وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٦٥)

(وَلَقَدْ أُوحِيَ) : الواو استئنافية. اللام للابتداء. قد : حرف تحقيق. أوحي : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح.

(إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ) : جار ومجرور متعلق بأوحي أو هو في محل رفع نائب فاعل للفعل «أوحي» الواو عاطفة. إلى : حرف جر. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بإلى والجار والمجرور في محل رفع أيضا لأنه معطوف على «إليك».

٦٠٢

(مِنْ قَبْلِكَ) : جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقديره وجدوا .. أو كانوا. والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر بالإضافة والجملة الفعلية «وجدوا من قبلك» صلة الموصول لا محل لها بمعنى الذين سبقوك.

(لَئِنْ أَشْرَكْتَ) : اللام موطئة للقسم ـ اللام المؤذنة ـ إن : حرف شرط جازم. أشركت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل رفع فاعل وحذفت الصلة اختصارا لأنها معلومة بمعنى لئن أشركت بالله والجملة الفعلية «إن أشركت» اعتراضية بين القسم المحذوف وجوابه لا محل لها. والفعل «أشرك» فعل الشرط في محل جزم بإن. وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم.

(لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) : الجملة الفعلية جواب القسم المقدر لا محل لها أو يكون جواب القسم قد سد مسد الجوابين جواب الشرط وجواب القسم. اللام واقعة في جواب القسم المقدر. يحبطن : فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ونون التوكيد لا محل لها. عملك : فاعل مرفوع بالضمة والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ في محل جر بالإضافة.

(وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) : الواو عاطفة. اللام أعربت. تكونن : فعل مضارع ناقص مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والنون لا محل لها واسمها ضمير مستتر وجوبا تقديره : أنت. من الخاسرين : جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر «تكون» بمعنى : تكونن محسوبا أو معدودا في الآخرة من جملة الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٦٦)

(بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ) : حرف إضراب للاستئناف وكسر آخره لالتقاء الساكنين. وفي القول الكريم حذف على سبيل الاختصار بتقدير لا تعبد ما أمروك

٦٠٣

بعبادته بل إن كنت عاقلا فاعبد الله فحذف الشرط وجعل تقديم المفعول عوضا منه. وقيل : إن مقتضى كلام سيبويه أن الأصل فيه : فاعبد الله ثم حذفوا الفعل الأول اختصارا فلما وقعت الفاء أولا استنكروا الابتداء بها ومن شأنها التوسط بين المعطوف والمعطوف عليه فقدموا المفعول وصارت متوسطة ودالة على أن هناك محذوفا اقتضى وجودها ولتعطف عليه ما بعدها ويضاف إلى هذه الغاية في التقديم فائدة الحصر كما تقدم من إشعار التقديم بالاختصاص. الله لفظ الجلالة : مفعول به مقدم منصوب للتعظيم بالفتحة. اعبد : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت.

(وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) : الواو عاطفة. كن : فعل أمر ناقص مبني على السكون وحذفت واوه ـ أصله : كون ـ لالتقاء الساكنين واسمه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. من الشاكرين : جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر «كن» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

** (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة والستين .. المعنى لقد أوحينا إليك وإلى الرسل الذين تقدموك لئن أشركت بعد الذي جاءك أو لئن أشركت بالله أحدا على سبيل الفرض ليبطلن عملك ولتكونن من الخاسرين بسبب حبوط العمل أو لتكونن في الآخرة من جملة الخاسرين الذين خسروا أنفسهم .. فحذف الموصوف «الرسل» اختصارا لأنه معلوم وحلت الصفة «الذين» الاسم الموصول محله كما حذف مفعول «أشركت» وصلته «بالله أحدا» و «الخاسرون» جمع «خاسر» وهو اسم فاعل يعمل عمل فعله المتعدي فحذف مفعوله وهو «أنفسهم» وقد جاءت كلمة «أشركت» للمخاطب المفرد والموحى إليهم جمع .. لأن المعنى : أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك وإلى الذين أي الرسل الذين من قبلك أي الذي سبقوك أو تقدموك مثلها .. أو أوحي إليك وإلى كل واحد منهم لئن أشركت.

** (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السابعة والستين .. المعنى : وما عظم المشركون الله تعالى حق تعظيمه حين جعلوا له شركاء والأرض مقبوضة في يده .. وأصل «القبضة» : المرة من القبض .. أطلقت بمعنى الشيء المقبوض باليد .. والمراد بالأرض جمعها أي الأرضون بدليل قوله «جميعا» وقوله «والسموات» وقبضته : بمعنى : ملكه .. أو ذوات قبضته يقبضهن قبضة واحدة.

٦٠٤

** سبب نزول الآية : قال ابن مسعود : أتى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رجل من أهل الكتاب فقال : يا أبا القاسم بلغك أن الله يحمل الخلائق على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على اصبع والثرى على إصبع؟ فضحك رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حتى بدت نواجذه .. فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة .. والمعنى أن الله تعالى يقدر على حمل السموات والأرضين كقدرة أحدنا ما يحمله بإصبعه.

** (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة والستين .. بمعنى : ونفخ يوم القيامة بالبوق وهو كناية عن حلول يوم القيامة ونشور البعث .. أي ونفخ في البوق النفخة الأولى فمات من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله سبحانه إبقاءهم أحياء وإماتتهم بعد ذلك .. قيل : هم حملة العرش وقيل : هم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فإنهم يموتون فيما بعد .. وقيل : الأصح : أنه لا دليل على تعيينهم. وقد جاء الفعل «صعق» بمعنى مات أو خر ميتا أو مغشيا عليه .. وأصله : الموت بالصاعقة .. يقال صعقته الصاعقة ـ تصعقه ـ صعقا .. من باب «قطع» بمعنى : نزلت عليه الصاعقة وهي نار تسقط من السماء في رعد شديد فأهلكته .. والصاعقة أيضا هي صيحة العذاب وفي الآية الكريمة جاء الفعل «صعق» بكسر العين بمعنى : مات .. وهو من باب «تعب» والصعقة لا تصيب شيئا إلا دكته وأحرقته.

** (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) : هذا القول الكريم هو مطلع الآية الكريمة التاسعة والستين ..

المعنى : وأشرقت الأرض بعدل ربها وقد استعار سبحانه وتعالى النور للحق والقرآن لأنه إضافة إلى اسمه ـ تقدست أسماؤه ـ وهو عزوجل الحق العدل .. وشرفها بإضافة اسمه إليها لأنه يزينها بنشره فيها عدله .. أي أشرقت الأرض بما يقيمه جلت قدرته فيها من الحق والعدل ويبسطه من القسط في الحساب ووزن الحسنات والسيئات وفي إضافة اسمه ـ تبارك وتعالى ـ إلى الأرض معناها أن رب الأرض وخالقها هو الذي يعدل فيها .. وجاءت لفظة «أشرقت» مع «الأرض» هنا وهي في آيات أخرى تلازم الشمس أيضا والسموات والأرض .. كما في قوله ـ عزوجل ـ في سورة «الرحمن» (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) وقد فسر القول الكريم على معنى : رب مشرقي الشتاء والصيف ومغربيهما .. و «المشرقان» مثنى «المشرق» وجمعه : المشارق .. كما أن جمع «المغرب» هو المغارب .. كقوله تعالى في سورة «الصافات» : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) أي مشارق الكواكب .. وقد اكتفى سبحانه بالمشارق عن المغارب لأنها أدل على القدرة ويقال : تشع الشمس ـ بضم التاء وكسر الشين ـ مثل الفعل «تشرق» بمعنى : تنشر أشعتها والمصدر هو «إشعاع» مثل «إشراق» وشعاع الشمس : هو ما يرى من ضوئها أو نورها. ولا يقال : تشع الشمس ـ بفتح التاء وضم الشين ـ بمعنى : تنشر شعاعها .. بل هو بمعنى : أسرع .. فرق .. تفرق للفعل «شع».

** (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) : ورد هذا القول الكريم في آخر الآية الكريمة الحادية والسبعين .. وجبت كلمة العذاب والمراد قوله تعالى في الآية الكريمة الثالثة عشرة من سورة «السجدة» : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) بمعنى : ثبت قضائي وسبق لأملأن جهنم من الجن والإنس أجمعين لاختيارهم الضلال.

٦٠٥

** (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) : و «سلام» هنا بمعنى : سلامة لكم من كل مكروه ونكرت اللفظة لأن العرب اعتادت أن تبدأ بهذه اللفظة نكرة ثم تختم بتعريفها وذلك في أثناء مكاتباتها أي تنكر في البداية وتعرف في النهاية .. ومن الكتب التي نكر فيها السلام في البداية وعرف في النهاية : كتاب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص الذي استهل : سلام عليك أما بعد .. فما تبالي يا عمرو إذا شبعت أنت ومن معك أن أهلك أنا ومن معي .. والسلام. و «من» في قوله «أنت ومن معك» و «أنا ومن معي» هي اسم موصول مبني على السكون في محل رفع لأنه معطوف على الضمير المستتر وجوبا في «شبعت» و «أهلك» وتقديره : أنت في الأول وأنا في الثاني وقد أكد الضمير المذكوران في الفعلين المذكورين بالضميرين المنفصلين «أنت» و «أنا» لأنه لا يصح العطف على الضمير المستتر المرفوع إلا بعد توكيده وكما في قوله تعالى في سورة «البقرة» : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) صدق الله العظيم.

(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٦٧)

(وَما قَدَرُوا اللهَ) : الواو استئنافية. ما : نافية لا عمل لها. قدروا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الله لفظ الجلالة : مفعول به منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة.

(حَقَّ قَدْرِهِ) : نائب عن المصدر ـ المفعول المطلق ـ منصوب وعلامة نصبه الفتحة. قدره : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه ثان بمعنى : ما عظم هؤلاء المشركون الله حق تعظيمه حين جعلوا أو تخيلوا له سبحانه شركاء.

(وَالْأَرْضُ جَمِيعاً) : الواو حالية والجملة الاسمية في محل نصب حال. الأرض : مبتدأ مرفوع بالضمة. جميعا : بمعنى مجتمعة منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. والمراد : الأرضون كلها.

(قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. يوم : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. القيامة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

٦٠٦

(وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ) : معطوفة بالواو على «الأرض قبضته» وتعرب إعرابها أي مبتدأ وخبر وعلامة رفع الخبر الضمة المنونة.

(بِيَمِينِهِ) : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «السموات» بمعنى مجموعات أو مفنيات بقدرته أو مفنيات بقسمه لأنه سبحانه أقسم أن يفنيها. وبيمينه : أي بقدرته.

(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) : هذا القول الكريم أعرب في الآية الكريمة الثامنة عشرة من سورة يونس. بمعنى : تقدس ونزه سبحانه وتعاظم عما يشركون معه من الولد أو الشريك أو الصاحبة.

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (٦٨)

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) : الواو استئنافية. نفخ : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. في الصور : جار ومجرور متعلق بنائب الفاعل المحذوف اختصارا لأنه معلوم أي ونفخ في الصور نفخة واحدة وحذفت نفخة لدلالة أخرى عليها.

(فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ) : الفاء سببية. صعق : فعل ماض مبني على الفتح. من : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. في السموات : جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقديره : وجد والجملة الفعلية «وجد في السماوات» صلة الموصول لا محل لها.

(وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) : معطوف بالواو على (مَنْ فِي السَّماواتِ) ويعرب إعرابه. (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) : أداة استثناء. من : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مستثنى بإلا. شاء : فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة والجملة الفعلية «شاء الله» صلة الموصول لا محل لها وحذف مفعول «شاء» اختصارا وهو كثير الحذف مع «شاء» في القرآن الكريم .. التقدير والمعنى : إلا من شاء الله إبقاءه حيا وإماتته أو وإماتتهم فيما بعد.

٦٠٧

(ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى) : معطوفة بثم على (نُفِخَ فِي الصُّورِ) وتعرب إعرابها. أخرى : نائب فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الألف المقصورة للتعذر أو تكون اللفظة صفة ـ نعتا ـ لنائب الفاعل المحذوف أي نفخة أخرى.

(فَإِذا هُمْ) : الفاء استئنافية والجملة الاسمية «هم قائمون» استئنافية لا محل لها. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أما «إذا» فهي حرف فجاءة ـ فجائية ـ لا محل لها.

(قِيامٌ يَنْظُرُونَ) : خبر «هم» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : فإذا هم أحياء أي جميع الخلائق الموتى. ينظرون : الجملة الفعلية في محل رفع صفة ـ نعت ـ لقيام أو في محل رفع خبر ثان للمبتدإ «هم» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى قائمون على أرجلهم من قبورهم ينتظرون ما يفعل بهم.

(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٦٩)

(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ) : الواو عاطفة. أشرقت : فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة حركت بالكسر لالتقاء الساكنين. الأرض : فاعل مرفوع بالضمة أي أضاءت أرض المحشر بعد النفخة الثانية بعدل ربها.

(بِنُورِ رَبِّها) : جار ومجرور متعلق بأشرقت. رب : مضاف إليه مجرور بالكسرة وهو مضاف و «ها» ضمير متصل في محل جر مضاف إليه ثان.

(وَوُضِعَ الْكِتابُ) : الواو عاطفة. وضع : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. الكتاب : نائب فاعل مرفوع بالضمة أي كتاب الحساب.

(وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ) : معطوف بالواو على «وضع» ويعرب مثله. بالنبيين : جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل للفعل «جيء» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. والشهداء : معطوف بالواو على «النبيين» ويعرب إعرابه وعلامة جره الكسرة والشهداء أي الذين يشهدون للأمم وعليها من الملائكة والناس .. وقيل :

٦٠٨

هم الشهود من الملائكة والمؤمنين والذين استشهدوا في سبيل الله ومنهم المؤمنون من أمة الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

(وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ) : يعرب إعراب «وجيء». بين : ظرف مكان في محل رفع نائب فاعل وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر بالإضافة. بالحق : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من المصدر ـ المفعول المطلق ـ المحذوف. التقدير : قضاء ملتبسا بالحق. أو يكون «بين» ظرف مكان منصوبا على الظرفية متعلقا بقضي ويكون الجار والمجرور «بالحق» في محل رفع نائب فاعل للفعل «قضي».

(وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) : الواو حالية والجملة الاسمية في محل نصب حال من ضمير الغائبين «هم» في «بينهم». هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ. لا : نافية لا عمل لها. يظلمون : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. والجملة الفعلية (لا يُظْلَمُونَ) في محل رفع خبر «هم».

(وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ) (٧٠)

(وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ) : الواو عاطفة. وفيت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها و «كل» نائب فاعل مرفوع بالضمة. نفس : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة.

(ما عَمِلَتْ) : مصدرية. عملت : الجملة الفعلية صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به. التقدير : وفيت عملها. و «عملت» فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هي.

(وَهُوَ أَعْلَمُ) : الواو استئنافية. هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. أعلم : خبر «هو» مرفوع بالضمة ولم ينون آخره لأنه ممنوع من الصرف على وزن أفعل ـ صيغة تفضيل ـ ومن وزن الفعل.

٦٠٩

(بِما يَفْعَلُونَ) : الباء حرف جر. ما : مصدرية. يفعلون : الجملة الفعلية صلة حرف مصدري لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بأعلم. ويجوز أن تعرب «ما» اسما موصولا مبنيا على السكون في محل جر بالباء ويكون الجار والمجرور متعلقا بأعلم أيضا وجملة «يفعلون» صلة الموصول لا محل لها والعائد إلى الموصول ضمير محذوف خطا واختصارا منصوب محلا لأنه مفعول به. التقدير : بما يفعلونه.

(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) (٧١)

(وَسِيقَ الَّذِينَ) : الواو عاطفة. سيق : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع نائب فاعل والجملة الفعلية بعده «كفروا» صلة الموصول لا محل لها.

(كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ) : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. إلى حرف جر. جهنم : اسم مجرور بإلى وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنه ممنوع من الصرف للتأنيث والمعرفة.

(زُمَراً حَتَّى إِذا) : حال من ضمير «كفروا» منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى جماعات والجار والمجرور إلى جهنم متعلق بسيق. حتى : حرف غاية للابتداء. إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان مبني على السكون متضمن معنى الشرط خافض لشرطه متعلق بجوابه والجملة الفعلية بعده «جاءوها» في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد الظرف.

(جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها) : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ها» ضمير متصل مبني

٦١٠

على السكون في محل نصب مفعول به. فتحت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. أبواب : نائب فاعل مرفوع بالضمة و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة .. والجملة الفعلية «فتحت أبوابها» جواب شرط غير جازم لا محل لها بمعنى أبوابها السبعة ليدخلوها.

(وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) : الواو عاطفة. قال : فعل ماض مبني على الفتح. اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بقال. خزنة : فاعل مرفوع بالضمة و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة.

(أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ) : الجملة في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ الهمزة همزة تقريع ـ تعنيف ـ بلفظ استفهام. لم : حرف نفي وجزم وقلب. يأتكم : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف آخره ـ حرف العلة .. الياء ـ وبقيت الكسرة دالة على الياء المحذوفة. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور. رسل : فاعل مرفوع بالضمة المنونة.

(مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ) : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «رسل» والميم علامة جمع الذكور. يتلون : الجملة الفعلية في محل رفع صفة ثانية لرسل أو في محل نصب حال من «رسل» بعد وصفها تكون قد اكتسبت التعريف وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. عليكم : جار ومجرور متعلق بيتلون والميم علامة جمع الذكور وهو قول خزنة جهنم الملائكة الزبانية قالوا لهم موبخين ألم يأتكم رسل منكم أي من جنسكم أو من أنفسكم.

(آياتِ رَبِّكُمْ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. ربكم : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه ثان والميم علامة جمع الذكور.

٦١١

(وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ) : معطوفة على جملة «يتلون» وتعرب إعرابها. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول والميم علامة جمع الذكور. لقاء : مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة. ويجوز أن يكون «لقاء» منصوبا على الظرفية الزمانية أو على المصدر بتقدير : وينذرونكم حين تلتقون ..

(يَوْمِكُمْ هذا) : يعرب إعراب «ربكم». هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر صفة لليوم.

(قالُوا بَلى) : تعرب إعراب «كفروا» والجملة استئنافية لا محل لها لأنها جواب عن استفهام التقدير قالوا نعم جاءوا أي جاءتنا أي أتانا الرسل. بلى : حرف جواب لا عمل له بمعنى نعم لأنه يجاب به عن النفي ويقصد به الإيجاب.

(وَلكِنْ حَقَّتْ) : الواو زائدة. لكن : حرف استدراك لا عمل له لأنه مخفف. حقت : فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث لا محل لها.

(كَلِمَةُ الْعَذابِ) : فاعل مرفوع بالضمة. العذاب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى وجبت كلمة العذاب.

(عَلَى الْكافِرِينَ) : جار ومجرور متعلق بحقت وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (٧٢)

(قِيلَ ادْخُلُوا) : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. ادخلوا : الجملة الفعلية في محل رفع نائب فاعل وهي فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وأصل الجملة ـ مقول القول ـ أي قالت لهم ملائكة العذاب : ادخلوا.

(أَبْوابَ جَهَنَّمَ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. جهنم : مضاف إليه مجرور بالفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنه ممنوع من الصرف.

٦١٢

(خالِدِينَ فِيها) : حال من ضمير «ادخلوا» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. فيها : جار ومجرور متعلق بخالدين .. أي في جهنم وجيء بضمير «ها» المؤنث لأن اللفظة «جهنم» مؤنثة.

(فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) : الفاء استئنافية. بئس : فعل ماض جامد مبني على الفتح لإنشاء الذم. مثوى : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الألف المقصورة للتعذر. المتكبرين : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته والمخصوص بالذم محذوف لأن ما قبله «جهنم» دال عليه. التقدير والمعنى : فساء المأوى أو المكان الدائم جهنم بمعنى : ساء محل إقامة أو منزل المترفعين عن اتباع الرسل واللام في المتكبرين هي لام الجنس لأن فاعل «بئس» اسم معرف بلام الجنس أو مضاف إلى مثله.

(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (٧٣)

هذه الآية الكريمة تعرب إعراب الآية الكريمة الحادية والسبعين مع الفارق بين الذين سيقوا هنا والذين سيقوا هناك. رب : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر بالإضافة. والواو في «وفتحت» يجوز أن تكون زائدة لتكون الجملة الفعلية (فُتِحَتْ أَبْوابُها) جواب «إذا» إلا أن الأصح كونها عاطفة وجواب «إذا» محذوف وإنما حذف لأنه في صفة ثواب أهل الجنة فدل بحذفه على أنه شيء لا يحيط به الوصف. التقدير : حتى إذا جاءوها جاءوها وفتحت أبوابها أي مع فتح أبوابها. وبتقدير : حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها وفي هذا التقدير تكون الواو حالية والجملة في محل نصب حالا.

(سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ) : مبتدأ مرفوع بالضمة المنونة. عليكم : جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ والميم علامة جمع الذكور أي سلام من الله

٦١٣

عليكم بمعنى : السلامة. وجاز الابتداء بالنكرة لأنها موصوفة بمن الله على التفسير .. والجملة الاسمية «سلام عليكم» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ طبتم : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور بمعنى : طهرتم من دنس المعاصي وخبث الخطايا .. وبمعنى : اطمئنوا فلن يصيبكم بعد اليوم ما تكرهون.

(فَادْخُلُوها خالِدِينَ) : الفاء سببية. ادخلوا : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. خالدين : حال من ضمير «ادخلوا» الواو منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته أي جعل دخول الجنة مسببا عن الطيب والطهارة والنقاء.

(وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (٧٤)

(وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ) : الواو عاطفة حرف عطف والمعطوف عليه محذوف اختصارا لأنه معلوم ولأن جملة «ادخلوا» دال عليه. التقدير : ودخلوا الجنة وقالوا. قالوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة الاسمية بعده «الحمد لله» في محل نصب مفعول به .. ـ مقول القول ـ الحمد : مبتدأ مرفوع بالضمة. لله : جار ومجرور للتعظيم متعلق بالخبر. التقدير الحمد مختص لله.

(الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) : اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة ـ نعت ـ للفظ الجلالة. صدق : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به أول. وعده : مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء

٦١٤

ضمير متصل في محل جر بالإضافة بمعنى : حقق لنا وعده الذي وعدنا به الرسل الكرام.

(وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «صدقنا وعده» وتعرب إعرابها بمعنى : أرض الجنة.

(نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال من ضمير المتكلمين في «صدقنا» وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. من الجنة : جار ومجرور متعلق بنتبوأ بمعنى نسكن أو ننزل من الجنة.

(حَيْثُ نَشاءُ) : اسم مبني على الضم في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بنتبوأ وهو مضاف. نشاء : تعرب إعراب «نتبوأ» والجملة الفعلية «نشاء» في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد الظرف.

(فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) : الفاء استئنافية. نعم : فعل ماض جامد لإنشاء المدح مبني على الفتح. أجر : فاعل «نعم» مرفوع بالضمة وهو مضاف. العاملين : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. والمخصوص بالمدح محذوف تقديره : فنعم أجر أي ثواب العاملين الجنة أي طاب أجرهم.

(وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٧٥)

(وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ) : الواو استئنافية. ترى : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. الملائكة : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. حافين : حال من «الملائكة» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

٦١٥

(مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) : جار ومجرور متعلق بحافين بمعنى محيطين بالعرش .. و «من» هنا : مزيدة ـ زائدة ـ العرش : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. والمخاطب هو الإنسان التقي السعيد.

(يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال ثانية من «الملائكة» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى ينزهون الله سبحانه من الشوائب ويقدسونه جلت قدرته. بحمد : جار ومجرور متعلق بيسبحون أو في محل نصب حال أخرى بمعنى حامدين إياه سبحانه. رب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه ثان.

(وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ) : أعرب في الآية الكريمة التاسعة والستين .. المعنى : وقضى الله سبحانه بين الخلق بالحق.

(وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ) : الواو عاطفة. قيل : فعل ماض مبني على الفتح بمعنى وقال المؤمنون الحمد لله. الحمد : مبتدأ مرفوع بالضمة. لله : جار ومجرور للتعظيم في محل رفع متعلق بخبر المبتدأ. المعنى : الحمد مختص لله .. والجملة الاسمية «الحمد لله» في محل رفع نائب فاعل للفعل «قيل» لأن أصل الجملة «مقول القول».

(رَبِّ الْعالَمِينَ) : صفة ـ نعت ـ للفظ الجلالة مجرور وعلامة جره الكسرة ويجوز أن يكون بدلا من لفظ الجلالة وهو مضاف. العالمين : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته والأصح أن يكون ملحقا بجمع المذكر السالم لأنه مفتوح اللام ـ جمع ـ عالم ـ ولو كان بكسر اللام لكان جمع مذكر سالما لأنه جمع «عالم» وهو اسم فاعل.

***

٦١٦

سورة غافر

معنى السورة : غافر : اسم فاعل للفعل «غفر» نحو : غفر الله له ـ يغفر ـ غفرا ـ وغفرانا ـ من باب «ضرب» بمعنى : صفح عنه فهو غافر والاسم منه هو «المغفرة» ويقال : استغفرت الله : بمعنى سألته سبحانه المغفرة. ومنه أيضا : اغتفرت : للجاني ما صنع .. وأصل «الغفر» هو الستر والتغطية .. ويقال أيضا : استغفر الله لذنبه ومن ذنبه فغفر سبحانه له. والله هو الغافر والغفور والغفار ـ وهما من صيغ المبالغة ـ فعول وفعال بمعنى فاعل ـ أي الكثير الغفران ويقال : غفر الله له الذنب : أي عفا عنه وغطى عليه .. وغفر الرجل صاحبه : بمعنى : قال غفر الله له وتغافر القوم : أي دعا كل واحد لصاحبه بالمغفرة. والغفور والغفار : هما من أسماء الله تعالى الحسنى .. ومعناهما : الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم.

تسمية السورة : سميت السورة بهذا الاسم الكريم لورود كلمة «غافر» في آيتها الكريمة الثالثة (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) صدق الله العظيم. وتسمى السورة أيضا سورة «المؤمن» لذكر قصة مؤمن آل فرعون في قوله عزوجل : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) وقد وردت كلمة «مؤمن» كثيرا في سور أخرى من التنزيل الحكيم وجمعها مؤمنون ومؤنثها : مؤمنة وجمعها : مؤمنات. كما سميت السورة أيضا سورة «الطول» لورودها في الآية الكريمة المذكورة آنفا (ذِي الطَّوْلِ) : بمعنى : ذي الفضل .. والمراد بمؤمن آل فرعون : أي من أقرباء آل فرعون الذي قال أتريدون قتل رجل لقوله : (رَبِّيَ اللهُ) ويعني بالرجل النبي موسى ـ عليه‌السلام ـ أما قوله تعالى في آية أخرى من السورة نفسها : (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) فهو أي «المؤمن» هنا تعني رجلا مؤمنا بالله ورسله

٦١٧

وكتبه واليوم الآخر. وقيل إن الرجل المؤمن من أقرباء آل فرعون كان ابن عمه وصاحب شرطته يخفي إيمانه خوفا من فرعون.

فضل قراءة السورة : قال الرسول الناصح محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «المؤمن» لم يبق روح نبي ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن إلا استغفر له وصلى عليه» صدق رسول الله .. صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

إعراب آياتها

(حم) (١)

هذه الأحرف ومثيلاتها التي تبدأ بها السور الشريفة سبق شرحها بإسهاب في سورة «يوسف» وعن قراءة «حم» قال الزمخشري : قرئ بإمالة ألف «حاء» وتفخيمها وبتسكين الميم وفتحها ووجه الفتح التحريك لالتقاء الساكنين وإيثار أخف الحركات .. نحو : أين وكيف .. أو النصب بإضمار فعل تقديره : أقرأ ومنع الصرف للتأنيث والتعريف وأنها على وزن أعجمي نحو قابيل وهابيل.

(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (٢)

هذه الآية الكريمة أعربت في الآية الكريمة الأولى من سورة «الزمر».

(غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (٣)

(غافِرِ الذَّنْبِ) : صفة ـ نعت ـ للفظ الجلالة مجرور بالكسرة لأنه معرفة بعد إضافته إلى معرف بألف ولام. الذنب مضاف إليه مجرور بالكسرة بمعنى الغافر للذنب أي قد غفر الذنب. وقيل : الكلمة «غافر ـ اسم فاعل ـ نكرة وليست معرفة بمعنى يغفر الذنب فتكون بدلا من لفظ الجلالة مثل «يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه».

(وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) : يعرب إعراب (غافِرِ الذَّنْبِ) على وجهي إعرابه : النعت والبدل ما عدا (شَدِيدِ الْعِقابِ) فهو بدل لأنه نكرة

٦١٨

تقديره : شديد عقابه لأنه من باب الصفة المشبهة و «ذي» مجرور بالياء لأنه من الأسماء الخمسة وهو مضاف. وقيل عن الواو في «وقابل» : فيها نكتة ـ أي مسألة دقيقة ـ وهي إفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين بين أن يقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات وأن يجعلها محاءة للذنوب كأنه لم يذنب كأنه قال : جامع المغفرة والقبول. أما كلمة «التوب» فهي التوبة وهي مصدر الفعل «تاب» و «الطول» بمعنى : الفضل.

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) : نافية للجنس تعمل عمل «إن». إله : اسم «لا» مبني على الفتح في محل نصب. إلا : أداة استثناء و «هو» ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع بدل من موضع «لا إله» لأن موضع «لا» وما عملت فيه الرفع على الابتداء وخبر «لا» محذوف وجوبا تقديره : كائن أو موجود وفي الآية الكريمة. يكون التقدير والمعنى : لا إله معبود أو يعبد إلا هو أي لا أحد يستحق العبادة إلا الله سبحانه.

(إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) : جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر مقدم. المصير : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة بمعنى إليه مرجع الكائنات جميعا والجملتان الاسميتان (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) و (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) صفتان أخريان للفظ الجلالة.

** (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ) : ورد هذا القول الكريم في بداية الآية الكريمة الثالثة .. و «التوب» بمعنى : التوبة. والتوبة : هي الرجوع عن الذنب .. يقال : تاب ـ يتوب ـ توبة .. من باب «قال» وقال الأخفش : التوب : جمع «توبة» ومن معاني «التوبة» المتاب ـ بفتح الميم ـ ويقال : تاب الله عليه : أي وفقه لها. وفي كتاب «سيبويه : التتوبة : هي التوبة وقال الفيومي : التوبة والتوب والمتاب : مصادر للفعل «تاب» وقيل : التوبة هي التوب ولكن الهاء لتأنيث المصدر .. وقيل : التوبة : واحدة كالضربة فهو تائب ـ اسم فاعل ـ وتاب الله عليه : معناه : غفر له وأنقذه من المعاصي فهو تواب ـ فعال بمعنى فاعل ـ من صيغ المبالغة.

** (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الخامسة. وفيه أنث الفعل «كذبت» مع فاعله «قوم» اللفظة المذكرة وذلك لأن الفعل فصل عن فاعله بفاصل. ولأن الفاعل «قوم» بمعنى «أمم» كأنما قال : كذبت أمم .. كما حذف مفعول «كذبت» اختصارا لأنه معلوم وهو «الرسل» أو على معنى : كذبت بالرسل قبل قومك يا محمد قريش قوم نوح والأحزاب أي والجماعات الذين تحزبوا على الرسل من بعدهم كعاد وثمود وفرعون وغيرهم .. كما أنث الفعل «همت» مع فاعله المذكر «كل» لأن «كل» بعد إضافته إلى المؤنث «أمة» اكتسب من هذه الإضافة

٦١٩

التأنيث .. وجاء الضمير «هم» في «رسولهم» بصيغة الجمع وكذلك في «يأخذوه» على المعنى لا اللفظ لأن «أمة» في اللفظ مفرد وفي المعنى جماعة أما التذكير فهو على معنى «أمة» الأهل .. كأنما قال : هم كل أهل برسولهم ليأخذوه بمعنى عزموا على إيذاء رسولهم كما حذف مفعول «جادلوا» اختصارا أيضا المعنى : وجادلوا رسلهم بالباطل أي بالقول الذي لا حقيقة له.

** (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة العاشرة. و «المقت» هو أشد الغضب أي إن غضب الله عليكم أكبر .. وقيل : المعنى : لمقت أي لغضب الله عليكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض .. والمقت : أشد أنواع البغض فوضع في موضع أبلغ الإنكار وأشده والتقدير : لمقت الله أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم فاستغنى عن المفعول «أنفسكم» اكتفاء بذكره مرة واحدة. ومن معاني «المقت» : الحقد .. البغض .. الكراهية قيل في الأمثال : العتاب خير من مكتوم الحقد .. ويروى : من مكنون الحقد أو ظاهر العتاب خير من باطن الحقد .. أو كثرة العتاب تورث البغضاء .. يقال : مقته ـ مقتا .. من باب «نصر» بمعنى : أبغضه فهو مقيت ـ فعيل بمعنى مفعول ـ وممقوت. وقيل المعنى في الآية الكريمة أيضا : لبغض الله إياكم وكراهيته لكم أكبر من مقتكم أنفسكم أي من كراهيتكم أنفسكم اليوم إذ عاينتم النار .. وقيل : المقت : هو أشد البغض عن أمر قبيح .. أما لفظة «الحقد» فهي الانطواء على العداوة والبغضاء.

(ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) (٤)

(ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ) : نافية لا عمل لها. يجادل : فعل مضارع مرفوع بالضمة. في آيات : جار ومجرور متعلق بيجادل. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.

(إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) : أداة حصر لا عمل لها. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. كفروا : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

(فَلا يَغْرُرْكَ) : الفاء استئنافية. لا : ناهية جازمة. يغررك : فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم بمعنى فلا يغررك إمهالهم وتركهم.

٦٢٠