تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن - ج ٢

أبي محمّد صدر الدين روزبهان بن أبي نصر البقلي

تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد صدر الدين روزبهان بن أبي نصر البقلي


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-7451-5743-X

الصفحات: ٥٧٤

يقال : حسنات التوبة تذهب سيئات الزلة.

ويقال : حسنات العرفان يذهبن سيئات العصيان.

ويقال : حسنات العناية تذهب سيئات الجناية ، ولمّا عظم شأن حفظ الأوقات ، وأشكل رعاياتها على أهل المشاهدات والمجاهدات أمر بالصبر عليها بقوله : (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي : (وَاصْبِرْ) في دفع الخطرات المذمومة عن مزار المجاهدة وأنوار المكاشفة.

وأيضا : واصبر تحت رجاء تجلّي الكبرياء ، فإني أجازي بإحسانك بذل وجودك بنعت طلب رؤيتي بكشف جمال بقائي حتى لا تفنى بنور كبريائي ، وتبقى معي بنور بقائي.

قيل : اصبر على أداء الطاعات ، وعن ارتكاب الجنايات ، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن في آداب العبودية.

وقيل : اصبر على الذكر ؛ فإن من ذكر الله على الحقيقة ذكره ، كما قال عليه‌السلام : «يقول الله : إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي ...» الحديث (١) ، وأي أجر أعظم وأجل وأبقى من ذكر باق يكون ثواب ذكر باق.

قوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) : القرى قلوب العارفين ، وأهلها الأرواح القدسية الملكوتية ، فإذا كانت الأرواح مخالفة لنفوسها الأمارات بألّا تجليها في حواشي الأذكار والأفكار ينزل عليها عساكر أنوار تجلي القدس ، وتكون قلوبها رياض الأنس ، وإنّ الله سبحانه لا يجليها على أيدي الخطرات والنفوس الأمّارات ، ولا يجري عليها أحكام القهريات ، وينورها بأنوار المشاهدات والقربات.

وأيضا : لا يهلك قلوب العارفين والمؤمنين والموقنين والمحبين ونفوسها مطمئنة بذكره.

قال تعالى : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) : فإن خطر عليها خاطر من قبل الهواجس والوسواس لا يحجب الحق أسرارها من جماله ومشاهدته بما خطر عليها من بعض الخواطر ، قال الله سبحانه : (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) [القصص : ٥٩] أي : بقليل ظلم أهل القرية ، أي : بقليل من هواجس النفوس.

وأيضا أي : بظلم منه تعالى على القلوب ؛ فإنّه منزّه عن الظلم ، وكيف يكون منه الظلم على المقبلين وهو تعالى اصطفاهم في الأزل بصلاحية قبول معرفته ؛ حيث عرفهم ذاته بكشف

__________________

(١) رواه البخاري (٦ / ٢٦٩٤) ، ومسلم (٤ / ٢٠٦١).

١٤١

صفاته إياهم ، فبقيت تلك الصلاحية.

قال بعضهم : ما أخذ أحدا إلا بجريرته ، ومن لزم الصلاح والطاعة وقاه الله الافات ومكاره الدارين ؛ لذلك قال : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ).

قال أبو سعيد القرشي : الصلاح هو الرجوع إلى الله في كل نفس بالابتهال والتضرع.

قيل : في تفسير الطاهر وأهلها ينصف بعضهم بعضا.

قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) : أي : على سبيل واحد من توحيده ومعرفته وقربته ومشاهدته ، ولكن حكمته الأزلية وعلومه القدمية تفرّقهم في طرق المعارف ، وأعطي كل واحد منهم سبيلا يسلك فيه من معرفة ذاته وصفاته جميعا ، فيسيرون إليه بسبيل الصفات وطريق الذات على حسب مذاقهم ومشاربهم ، فبعض في المعرفة ، وبعض في التوحيد ، وبعض في العشق ، وبعض في الشوق ، وبعض في الإرادة ، وبعض في الحالات وبعض في المعاملات ، ولا يشبه حال المريدين حال المتوسطين ، ولا حال المتوسطين حال العارفين ، وحال العارفين حال الأنبياء والمرسلين ، وتقدر علومهم ومعرفتهم ، ولم يرتفع الاختلاف بينهم.

قال الله تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) أي : مختلفين في الأحوال والمقامات والأفعال والأقوال ، (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) ويبلغه إلى مقام الغيبة عنه من ولهه في أنوار القدم ، وفنائه في سطوات الأزل ، وأيضا : إلا من يبلغه مقام الصحو والتمكين حتى يطلع على الكل ، فلا تخالفهم فيما هم فيه ؛ لأنه في مقام الاتصاف ونعت التمكين خارجا عن التلوين.

(وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) أي : طباعهم مجبولة باختلاف ترقي المقامات ودرجات الحالات ، وهذه سنة الله جرت في الجميع ، قال تعالى : (كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) ، ويمكن أن الجميع خلقهم للمخالفة في البدايات ، وللموافقة في النهايات في هذه المقامات وهذه الدرجات ، ويمكن أن الجميع خلقوا للرحمة ، وهي الموافقة في النهاية بعد عبورهم على بحار الأحوال والأعمال ، إذا وصلوا إلى بحار المشاهدة ، فيفرقون فيها ، ولا يعرف هناك في تلك الساعة الوضيع من الشريف ؛ لأنّها منازل الشرفات وحقائق المدانات ، وهو بجميعهم رءوف رحيم.

إذا طلع الصباح لنجم راح

تساوى فيه سكران وصاحي

(وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ

١٤٢

وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣))

قوله تعالى : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ).

قال الجنيد : خلقهم للاختلاف ، ولو خلقهم للموافقة لما رجعوا عنه إلى سواه ، (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) منهم فأيّدهم بأنوار الموافقة ، فلزموا الشدّة ، ولا يلتفتوا إلى الأغيار.

قوله تعالى : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) : أنّهم رزقهم الله فهم خطابه ، فإنّ الصادق العارف إذا وقع في بحر الأزل يرى عجائب كشوف الصفات وأنوار الذات سبحانه تعجّب بشأنه ، وظنّ أن واقعته لم تقع على أحد غيره ، خاصة في بداية حاله وبديع كشفه ، فظنّ أنه فريد في حاله ، فعرف الله سبحانه أحوال ما مضى على أوليائه ليعلم أن حاله لم يكن غريبا ، بل يكون معروفا عند العارفين ، ومعلوما عند الصدّيقين ، ومشروحا عند المرسلين ؛ ليفرح بسنة الله التي جرت باصطفائية أوليائه في أوليائه في الأزل ، ولا يغيرها طوارق الحدثان.

قال تعالى : (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) ، والشيء إذا كان معروفا عند العلماء والأولياء لا مدخل فيه للمعارضات والشبهات.

قال أبو بكر الكتّاني : سألت الجنيد عن مجارات الحكايات؟ قال : هي جنود من جنود الله في أرضه يقوي بها أحوال المريدين ؛ فقلت : أله أصل في الكتاب؟ قال : قال تعالى : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ) (١).

قوله تعالى : (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُ) أي : الكشف لك في هذه الخطابات على أثر كل خطاب جمال الحق سبحانه ، وكشوف صفاتك على وفاق الخطاب ، فحيث يخبر الخطاب عن الكبرياء ينكشف لك الكبرياء ، وكذلك العظمة والجلال والعزة والقدم والبقاء ، وإن أخبر عن الذات يكشف لك الذات صرفا ، فإذا كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم في منازل الابتداء يقويه الحق بذكر

__________________

(١) سكّن قلبه بما قصّ عليه من أنباء المرسلين ، وعرّفه أنه لم يرقّ أحدا إلى المحلّ الذي رقّاه إليه ، ولم ينعم على أحد بمثل ما أنعم عليه ، ويقال قصّ عليه قصص الجميع ، ولم يذكر قصته لأحد تعريفا له وتخصيصا. ويقال لم يكن ثبات قلبه بما قصّ عليه ولكن لاستقلال قلبه بمن كان يقص عليه ، وفرق بين من يعقل بما يسمع وبين من يستقل بمن منه يسمع. تفسير القشيري (٣ / ٣٨٨).

١٤٣

أحوال من الأنبياء ليطيق أن يحمل بدائع الواردات العجيبات له ، فإذا قوي بها يثبّته بكشف جماله وجلاله حتى يطيق أن يعبر على بحار نكرات القدم ، ولا يتغير بطوارق المكربات والامتحانات.

ثم إنّ الله سبحانه يقوي قلوب تابعيه من الأولياء والمؤمنين بما جرى عليه من أحكام الغيب وأنباء الأزلية ، ليطيقوا أن يحملوا أثقال ما أوحي إليه ، فثبّت قلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقصة الرسل ، وما كشف لهم ، وثبّت قلوبهم الأمة بقصته وحاله ، فما أشرف هذه الأمة ، حيث هو عليه‌السلام سبب تثبيت قلوبهم.

وتصديق ما ذكرنا قوله تعالى : (وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) : صورة القرآن موعظة لأهل المعاملات وحقائقه بنصره لأهل المعاينات ، يعرف الكل من بحار القرآن ما يوافق حاله وفهمه وإدراكه ، فالعموم متعلقون بظاهره ، والخصوص متعلقون بباطنه ، وخصوص الخصوص في تجلي الحق فيه ، وحقيقة القرآن هو الصفة الأزلية ، فإذا انكشف القرآن بأصله فقد انكشف الحق فيه لمن خص بخصوصية الصفة ، وأخبر بذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ فقال : إنّ الله يتجلى لعباده في القرآن.

قال أبو زيد : فوائد القرآن على حسب ما يؤهل له مستمعه ، فمن سمعه من أمثاله ففائدته فيه علم أحكامه ، ومن سمعه كأنما سمعه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ على أمّته موعظته منه بيان معجزته ، وانشراح صدره بلطائف خطابه ، ومن سمعه من جبريل عليه‌السلام كأنّما يقرأ إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فمشاهدته في ذلك مطالعات الغيوب والنظر إلى ما فيه من الموعود ، ومن سمع الخطاب فيه من الحق فني تحته ، ومحقت صفاته ، وصار موصوفا بصفات التحقيق يعني عن علم اليقين وعين اليقين ، ويحصل في درجات حق اليقين.

قوله تعالى : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : غيب السماوات الأرواح ، وغيب الأرض القلوب ، يعلم ما أودع الأرواح من علوم كنوز الذات ، ويعلم ما أودع بابه عن أسرار الصفات.

وأيضا : غيب السماوات ما في قلوب الملائكة من علوم المقادير التي تجري بنعوت القضاء والقدر على أفعال العباد ، وغيب الأرض علوم معرفة ذاته وصفاته في قلوب الأنبياء والمرسلين والعارفين والصادقين.

وقوله : (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) ، (الْأَمْرُ) هو الأرواح ترجع إليه على قدر مشاربها من عيون الصفات وأنوار الذات ، ثم رغبة إلى عبوديته التي تورث الحرية ، والحرية تورث التوحيد ، والتوحيد يورث التجريد ، والتجريد يورث التفريد ، والتفريد يورث المحو في

١٤٤

الذات ، والصحو في الصفات ، فإذا قرر هذه المقامات يؤمنه من زوال الشرف ، ومحو المحو عنه به ، فقال : (وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) أي : هو حسبك ، ارجع من قهره إلى لطفه ، ومنه إليه ؛ ولذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أعوذ بك منك» (١).

قال النهرجوري في قوله : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ) : لا يعملها إلا هو ، ولا يطّلع عليه إلا الأمناء من عباده ، وهم الذين يصلحون للقرب ، والمجالسة ، وحفظ الأسرار ، والنظر إلى المغيبات ، وهم الذين لم يبق عليهم منهم حظّ ، ولا لهم فيهم مطالبة ، وكانوا بلا كون ، وشهدوا بلا شهود ، بل يكونون بالتكوين ، ويشهدون بالأشهاد ، فلا هم هم ، ولا هم لا هم ، فهم من حيث الوجود لا هم ، من حيث الاتحاد هؤلاء أهل الغيب الذين غيبوا عنهم ، فلا لهم في أنفسهم حظّ ، ولا للخلق إليهم سبيل ؛ لأنهم أخرجوا عن حدود التفرقة إلى عين الجمع ، فلا ثمّ كلام ، ولا عنه عبارة بحال.

وقيل في قوله : (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) : مرجع الكل ؛ لأنّ منه مبدأ الكل.

(فَاعْبُدْهُ) : أسقط عنك حظوظ نفسك ، وقف مع الأمر بشرط الأدب والسنة ، وتوكل عليه لا تهتم بما قد كفيته ، واهتم بما ندبت إليه ، (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ، كيف يغفل عنك من قدر عليك عملك ، وما أنت لاقيه إلى آخر أنفاسك ، والله أعلم.

***

سورة يوسف عليه‌السلام

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣) إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤))

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) : الألف إشارة إلى أنائية التوحيد ، واللام إشارة إلى نكرة أهل التجريد ، والراء إشارة إلى ربانية أهل التفريد.

قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) أي : مظنات الإشارات في الأحرف

__________________

(١) تقدم تخريجه.

١٤٥

الثلاث علامات المعارف ، المعرفة في الصفات القديمة المبينة أنوارها في قلوب الصديقين ، وآثارها في شواهد الملك والملكوت ، وما ذكر في القرآن.

قوله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) : أوصاف ونعوت وأسماء وصفات مبينة أسرار الخطاب لأهل المكاشفات والمشاهدات من العارفين والمقربين ، والحكمة في الخطاب بالحروف كتمان الأسرار عن الأغيار ، وهي سنة الأحباب في رفع النقاب في الحجاب.

أبكي إلى الشرق إن كانت منازلكم

من جانب الغرب خوف القيل والقال

أقول بالخدّ خال حين أذكره

خوف الرقيب وما بالخد من خال

هذا سر الحبيب مع الحبيب ، ولا يطّلع عليه إلا من له شرب من بحره ، وسقي من نهره ، وطلوع من شرقه ، وأقول في غربة ؛ لأن بهذه الطائفة رموز وإشارات لا يقف عليها إلا طيّار في الملكوت وسيّار في الجبروت.

قال الأستاذ : في إنزال هذه الحروف المقطعة إشارة ، وهو أنّ من كان بعين الفضل والصحو استنبط من اللفظة اليسيرة كثيرا من المعاني ، ومن كان يشاهد الغيبة والمحو يسمع الكثير فلا يفهم منه اليسير.

وقال أيضا : الإشارة من الكتاب المبين ها هنا إلى حكمة السابق له بأن برقية إلى الرتبة التي لم يبلغها غيره.

قوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) : إنّ الله سبحانه لما أراد أن يوقع عنقاء همّته إتعاب قوسيبنية إلى شبكة عشق زينب ، وسقاها من مشارب سواقي الالتباس زلال بحر تجلى صفة الجمال بأقداح الأفعال ، رأى قدس همته عن علل الإنسانية في ذلك ، وغيرته على معهد مشاهدة الأزل تسلّى قلبه بهذه القصة التي هي مطية رواحل أسرار العاشقين والوامقين ، وهو تعالى بجوده واختياره له سيادة الكونين ورسالة العالمين يواسيه لئلا يضيق صدره في محل الامتحان ؛ لأنّ امتحان بالعشق الإنساني مراقي مشاهدة جمال الازال والاباد ليسير في ميادين القدم والأبد بمراكب العشق ، فإنّ بالعشق بلغوا إلى العشق ، وحسن القصة بيان عشق الإنساني في مراتب الأرواح العاشقة ، وطيرانها من هذه المقامة إلى عشق الألوهية ، ومشاهدة الأزلية.

بيّن تعالى أن قصة العاشق والمعشوق أحسن القصص لما فيها من الأمثال والعبر ، والذوق والشوق ، والفراق والوصال ، والبلاء والعناء ، وشأن يوسف عليه‌السلام كله عشق به أبوه ، وهكذا كل من رآه ؛ لأن حسن جمال القديم ألبس وجهه ، وكان مرآة الله في بلاد الله تجلّى الحق منها للعباد.

١٤٦

وكيف لا يكون أحسن القصص؟! وهذه القصة قديمة أزلية ، وكل حسن في العالم هي معدّ بها ، ومنها صدر كل الحسن والمستحسن ، ومن كمال حسنها أنّه تعالى أخرجها من تحت التكليف ، ولم يذكر في قصة العاشق والمعشوق الأمر والنهي ، كأنها خير الوصال وأثر الجمال ، ومثل لعشاقه معه ، (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

قال بعضهم : أعجب القصص ، وفيه تعزية وسلوة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما لقي من أهل بيته أنّ يوسف لقي من إخوته أكثر مما لقي هو من أهل بيته ، فلم يخرج عليهم بنفسه منتقما ، بل رأى ذلك كله من موارد القضاء ومواجب القدر ، فلما رجعوا إليه : (قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) ، كيف يكون عليكم فيه غيب وكنتم المجبورين عليه ، وكبت المقصود به من حيث القضاء والقدر.

قال علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر قال : اشتغل العوام لسماع القصص ، واشتغل الخواص بالاعتبار فيه ؛ لقوله : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ).

وقال بعضهم : هذا يدل على صدق أحوال المؤمنين ، ومعاني صفة المتقين ، وإلى حقائق صحبة المحبين ، وصفاء سر العارفين ، تنبيها على حسن عواقب الصابرين ، وحثّا على سلوك الصادقين ، وبعثا على سبيل المتوكلين ، والاقتداء بزهد الزاهدين ، ودلالة على الانقطاع إلى الله ، والاعتماد عليه عند نزول الشدائد ، وكشفا عن أحوال الخائبين ، وقبح طريق الكاذبين ، وابتلاء الخواص بأنواع المحن والفتن ، وكشف تلك المحن وعواقبها عن الإعزاز والإكرام ، وتبديل تلك الشدة بالراحة ، والبؤس بالنعمة ، والعبودية بالملك ، وفيه ما يدل على سياسة الملوك في مماليكهم وحفظ رعاياتهم وغير ذلك.

وقال الأستاذ : (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) ؛ لأنّا نحن نقص عليك أحسن القصص ، لخلوه عن الأمر والنهي الذي سماعه يوجب إشغال القلب.

وقيل : أحسن القصص ؛ لأنه غير مخلوق.

وقيل : لا فيها ذكر الحبيب والمحبوب.

ولما كان يوسف عليه‌السلام بتلك المثابة التي ذكرتها ، وأنه كان مرآة حسن الحق ، وأن حسنه تأثير معادن حسن الأزل ، يخضع له الحدثان لما عليه من كسوة جمال الرحمن ، أخبر عن رؤياه ، وما رأى فيها بقوله : (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (١) : جمع الله في اسم يوسف عليه‌السلام أربعة حرف : الياء ، والواو ،

__________________

(١) فائدة : والرؤيا تختص بالنوم ، والرؤية ، بالتاء بالبصر. قال البيضاوي : وهي انطباع الصورة المنحدرة من ـ

١٤٧

والسين ، والفاء ، والياء : يسار ملكه ، والواو : وضاحة وجهه ، والسين : اطلاعه على أسرار الغيب بحسن تأويل الرؤيا والمكاشفات ، والفاء : وفاءه في عهد الرسالة ، فإذا اجتمعت هذه الأوصاف في يوسف عليه‌السلام سمي يوسف عليه‌السلام ، وأيضا كان فيه خالص العبودية والحزن في شوقه إلى جمال الربوبية.

قال بعضهم : سمّي يوسف بيوسف عليه‌السلام ؛ لأن الأسيف العبد ، وتعبد يوسف ، ويقال : لحزنه ، والأسف الحزن.

جئنا إلى معنى رؤياه : رؤياه : أول مقام المكاشفة ؛ لأن أحوال المكاشفين أوائلها المنامات ، فإذا قويت الحال تصير الرؤيا كشفا ، وبين الرؤيا والمكاشفات مقامات ذكرتها في الكتاب المكاشفة ، وافهم رزقك الله فهم معاني المكاشفات أن الله سبحانه مثّل عالم الملكوت مما فيها مع أسرار الجبروت بنيران الكواكب والشموس والأقمار.

وأيضا : مثّل بها أحكام أكابر الأنبياء والأولياء ، فالشمس مثل الذات ، والقمر مثل الصفات ، والكواكب مثل الأوصاف والنعوت والأسماء ، وليس غرضي ها هنا بيان أشكال المكاشفات برقتها ، لكن أقول بعون الله وتأييده نبذة مما كوشف ليوسف عليه‌السلام : كان يوسف عليه‌السلام آدم الثاني ؛ لأن عليه كان من كسوة الربوبية ما كان على آدم ، فرأت الملائكة على آدم ما رأت ، فسجدوا له كلهم ، وها هنا سجد له أشراف الأنبياء ، وهم خير من الملائكة ، وكيف لا يسجدون لهما ، ومن وجهها تتلألأ الأنوار القدوسية ، وجلال السبوحية :

لو يسمعون كما سمعت حديثها

خرّوا لعزّه ركّعا وسجّدا

وفيه إشارة لطيفة : أن الخليل عليه‌السلام رأى ذلك المعنى من جبين الشمس ، وعارض القمر ، ونور الكواكب ، فقال : (هذا رَبِّي) ، وهذا عذر للملائكة والأنبياء في سجودهم لادم عليه‌السلام ويوسف عليه‌السلام ؛ لأن هناك يتجلى الحق سبحانه من أجرام الفلك التي معادنها الأفعال ، وهنا يتجلى الحق منها وهما من خصائص تجلي الصفات صادران ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) : أليس أنوار الهيبة على أجرام الفلك ، فهاجت إليها سرائرهم ، كما ألبس على طور أنوار الهيبة فهيج الله سرّ موسى إليها ، وألبس أنوار الجمال آدم عليه‌السلام ويوسف عليه‌السلام ، فهاجرت إليه أسرار الملائكة والأنبياء ، فياليت لو رأى الخليل يوسف عليه‌السلام وآدم عليه‌السلام لرأى فيها أكثر مما رأى في أجرام الفلك :

__________________

ـ أفق المتخيلة إلى الحس المشترك ، المصادفة منها إنما يكون باتصال النفس بالملكوت ؛ لما بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ. البحر المديد (٣ / ٨٨).

١٤٨

خليلي وعد أحسن الناس كلهم

ويحسدها من حسن شمس والبدر

فيا ليت الجميع لو رأوا جمال سيد الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليه لهاموا في البوادي والقفار ، وغرقوا في الفيافي والبحار ، وتطير الملائكة من السماء ؛ لأن نوره أنور ، وشمسه أزهر ، وبدره أشرق ، نوره كان من معادن جمال القدم ، وسراجه أسرج من سمة الكرم ، وفيه نكتة عجيبة من حقائق التوحيد : أن مشار الخليل ما قال : (هذا رَبِّي) سجدت لبعض نبيه بيانا لتنزيه جلال الكبرياء ، وتنزيه ساحة العزة والبقاء عن الأضداد والأنداد ، رأى الخليل عليه‌السلام هذا المعنى بنور النبوة ، فقال : (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) ، وفيه أدب المريد أن المكاشفة تذكر عند أستاذه ليفرق بين الكشف والخيال.

(قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦) لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧))

قال بعضهم : أعجبه حسن رؤياه حتى قصّها على أبيه ، فكأنه فيه أول بلية ومحنة إلى أن بلغ إلى تحقيق ما رأى ، فلمّا رأى يعقوب أسرار الرؤيا وتأويلها خاف على ابنه : (قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) ، وهكذا شأن أهل قصة المعرفة ، لا يجوز للمريد أن يفتق سر المكاشفة إلا عند أستاذه ، والأنفع في بحر الحجاب ، ومحن الدعاوى ، ويكون مرتهنا بعيون الغيرة ، كان يعقوب عليه‌السلام في ذلك الوقت في رؤية العلم من رؤية ما جرى في الأزل فدبّر وقاية ابنه بحسن التدبير قوة من صورة التدبير إلى عين التقدير.

قال بعضهم : إنّ يعقوب عليه‌السلام دبّر ليوسف عليه‌السلام في ذلك الوقت خوفا عليه أن يقع من إخوته في شيء ، فوكل إلى تدبيره ، ووقع به ما وقع ، ولو ترك التدبير ورجع إلى التسليم لحفظ ، ولما قال : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ، ولما قال : (أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) ، وقال : (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ) : أراه الله فيه ما كان يخافه عليه ؛ لذلك قيل : إن التفويض والتسليم خير من ملازمة التدبير ، ولمّا وصاه وقال : لا تقصص الرؤيا عرّفه اختصاصه في الرسالة والنبوة والحسن والجمال والخلق والخلق بقوله : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) : اجتباه بأن كساه من نوره نور الجمال ، وربّاه بمفرح الكمال ، ورزقه الرسالة والكشف وعلوم المدينة الإلهية التي قال :

١٤٩

(وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) ، وتمام نعمته عليه أن بلغ إلى مقام التمكين ، ورؤية التحقيق ، وفاز من التلوين ، وذاق طعم الاستقامة ، وبلغ أشده إلى ما بلغ الذبيح والخليل ، وخروجه من درك امتحان العشق بنعت القدس والجارة ، كما كان وصف الأنبياء والصديقين.

قال ابن هند : اجتباه ما منحه به من حسن الخلق ، ولطيف الصحبة مع أوليائه وأعدائه ، وترك الانتقام لنفسه بحال.

وقال بعضهم : اجتباك ربك فصرف عنك كيدهن ، ولولا اجتباه لورد عليك منهن ما ورد.

قال يحيي بن معاذ : من تمام نعمة الله على يوسف أن جعله منعما على إخوانه ، واضطرهم إلى الخضوع له والتذلل بين يديه بقوله : (إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ).

وقال سهل : ويتم نعمته عليك بتصديق الرؤيا التي رأيتها لك.

وقال بعضهم : ويتم نعمته عليك في أن عصمك عن ارتكاب ما لا يليق بك ولابائك.

وقال الأستاذ : من إتمام النعمة توفيق الشكر على النعمة ، ومن إتمام النعمة أن يصونك عن شهود النعمة برؤية المنعم ، فلما أعظم شأن يوسف في حسنه وجماله ، وقدسه وطهارته وظرافته مع إخوانه في احتمال البلاء منهم ، وترك الانتقام منهم لنفسه عظم الله ذلك.

وقال : (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) : آيات يوسف سواطع نور الحق من وجهه ، وظهور علوم الغيب في قلبه ، ومعرفته بذات الله وصفاته ، وكريم الاية ونعمائه ولطيف أفعاله وصنائعه ، وما وضع الله في النفس الأمارة من عظيم قهر شهواتها ، واستيلاء هواها ، وفترتها وشرتها ، ودقائق خدعتها ، ولطيفة ما بينها وبين طبائع الشياطين ، وحسن عاقبته ، وبلوغه إلى أهل التمكين ، وما بدا من إخوته من الغيرة والفرقة ، وهذه البراهين تذكرة وتبصرة للمريدين والمحبين العارفين.

قال حمدون القصّار : للخلق في يوسف عليه‌السلام آيات ، وله في نفسه آية ، وهو أعظم الايات ، وهو معرفته بمكر النفس وغدرها ، قال : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ).

وقال بعضهم : إنّ من الايات التي في يوسف أنه حجة على كل من حسّن الله خلقه ونعوته ألا يدنسه بمعصية.

قال ابن عطاء : آياته ألا يسمع قصته محزون إلا استراح إليه ، وأخرج منه ما فيه راحة لما هو فيه.

(إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ

١٥٠

(٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠) قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨))

قوله تعالى : (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) : بيّن الله سبحانه محل امتحانه بأن لم ينجو منه أحد حتى الأنبياء لئلا يأمن من مكره فإنّ كيده متين ، وهم في ذلك ما بلغوا مقام النبوة ، ولكن عجبت من شأن قهر الله سبحانه ، كيف غيّر فطرة المعروفين في ديوان الأزل بالولاية والرسالة حتى يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد ، وذلك منه تعالى عذر للمذنبين جميعا ، وبيّن أن مكان الصدق يخطر عليه آفاق النفس والحسد والخدعة ، بقوله : (لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) ، وهم كانوا يعرفون موضع الخطأ في نفوسهم من إضمار إيذاء يوسف عليه‌السلام ، سبحان من حجبهم من نفسه وكدّر عليهم مشارب الصفاء والمودة ، وحجبهم عن العلم بفراسة أبيهم ؛ حيث عرّفه الله مكائد نفوسهم!.

قال بعضهم : لم يكن يأمنهم عليه ؛ لما كان يرى من فراسة النبوة في شواهدهم من إضمار الحسد والبغضاء.

قوله تعالى : (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) (١) : إمهال يعقوب بنيه ، وتركه دفع لعبهم ، بأنه رأى لطافة خاطر يوسف عليه‌السلام ومواصلة حزن النبوة في قلبه ، وتأثير برحاء القبض

__________________

(١) أي : يتسع في أكل الفواكه ونحوها ، فإن الرتع هو الاتساع في الملاذ (ويلعب) بالاستباق والتناضل ونحوهما مما يكون الغرض منه تعلم المحاربة مع الكفار وإنما سموه لعبا لأنه في صورته وأيضا لم يكونوا يومئذ أنبياء وأيضا جاز أن يكون المراد من اللعب الإقدام على المباحات لأجل انشراح الصدر ، تفسير حقي (٦ / ٥٣).

١٥١

في صدره ، فأذن لهم بذلك ؛ ليخرج يوسف عليه‌السلام لحظة من تحت أثقال هموم المعرفة ، وتواتر تراكم حزن المحبة ، ومواجيد القربة ، ويستروح ساعة برؤية الالاء والنعماء ، فسامحهم بذلك ، ليس أنه غافل عن تأديبهم ، وزجرهم عن اللهو واللعب ، ورأى ما في ضمائرهم من لطيف المكر ، وعلم أنه موضع البلاء ، فجعل المعول عليهم وسبق التقدير على التدبير ، وحجب غيرة الله بينه وبين يوسف عليه‌السلام.

قال محمد بن على الترمذي : لما لم يزجرهم عن اللعب وسكت عنهم جاء من ذلك اللعب ما اتصل عليه به الحزن.

قال ابن عطاء : لو أرسله معهم وسلمه إلى القضاء لحفظ ، لكنه اعتمد على حفظهم : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ، فخانوه ، لو ترك تدبيره عليه وحفظهم له لكان محفوظا كما حفظ الاخرين ، قال : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً).

قال بعضهم : رجع يعقوب إلى نفسه في ثلاث مواطن فابتلي فيها : قال ليوسف عليه‌السلام : (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) فكادوا له ، ولما قالوا : (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً) قال : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) فقالوا : أكله الذئب ، ولمّا قال لهم : (لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ) ، أصابهم في ذلك ما حذر عليهم منه.

قوله : (قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) : صدق يعقوب خاف من ذئب حسدهم ، وبرؤيته في ذلك حقيقة ، وكل ما رأى يعقوب من هذه الواقعات فقوله فيها وقوع نظر سره على سابق التقدير ، وكل ما قال لبنيه من الزجر والنصيحة في حق يوسف عليه‌السلام مما رأى بنور النبوة ما يقع في المستقبلات من الواقعات ، وذلك غير مناقض لحقيقة التوحيد ، وكيف يكون استعمال معاملات العقل وعادة البشرية حجاب الأنبياء والصدّيقين من رؤيتهم حقائق التقدير ، وهم يعلمون أن من العرش إلى الثرى من الحريات والسكنات عاجزة بين حرفي الكاف والنون.

وأيضا : أخاف من ذئب التقدير أن يفرّق بيني وبين ابني وأنتم عما أراه غافلون ، رأى غيرة الحق عليه حتى لا ينظر إلى الوسائط في شهود حقيقته ، وتصديق ذلك أن الذئب لم يأكل يوسف ، فعلمنا أن الذئب ذئب الحسد ، وكيف كانت فراسة خطأ ، ورأى بنور فراسة ما كان يجري على يوسف إلى آخر عمره وافق في متابعة مراد الله ؛ لأنه أراد أن يفرق بينه وبين يوسف عليه‌السلام أريد وصالي ويريد هجري فأترك ما أريد لما يريد.

قال أبو على الجوزجاني : خاف الذئب فسلط عليه ، ولو خاف الله لمنع عنه كيد الإخوة.

١٥٢

وقال الجنيد : ما أوقعهم في الحسد إلا ما أظهر من شفقته عليه بهذا القول.

قوله تعالى : (قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) : لمّا رأى يعقوب أن حبال التقدير لا تضر وأن تواتر البلاء لا ينقطع وأنّ عساكر الغيرة لا تمتنع أرسله معهم ، وذهب مع سيول بحر القهريات مريد المرادة ، وكيف تدفع تقدير الأزل قوة العصبة وعلة التدبير ، وربما نفي نظر التوحيد في بعض الوسائط في بعض الأوقات ، فقطع الله ذلك حتى لا يستمسك غريق بحر المعرفة من قبلهم ، فالقوة في الجب ، ثم لما أرسل بنيامين قال : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً) : حفظه وردّه إلى يوسف عليه‌السلام ، وردّهم جميعا إلى يعقوب ، كذا حال من اعتمد على ربّه ، ومن اعتمد على غيره.

ولما وقع يوسف عليه‌السلام في بحر الامتحان ، وعجز في أيدي الأخوان ، وذاق طعم جفائهم ، رفع عروس الغيب رأسه عن بحر البلاء لتسلية قلب يوسف عليه‌السلام بالولاء بقوله : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) : لتنبئنّهم بأنباء الأزلية ، ومناطق الربوبية بلسان النبوة ما غاب عنهم ، وما علموا وفعلوا وصنعوا حين نبلغك إلى رتبة الأعلى من النبوة والرسالة والتمكين والاستقامة ، وهكذا كمال تسلية الله سبحانه صديقه في ابتلائه.

وقال الأستاذ : الإشارة فيه أنه لما حلّت به البلوى عجّلنا له تعريف ما ذكر من البشرى ليكون محمولا بالتعريف في عين ما هو محتمل له من البلاء العنيف.

ويقال : إن انقطع عن يوسف عليه‌السلام مراعاة أبيه إياه حصل له الوحي من قبل مولاه.

قوله تعالى : (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) : سرّ هذه الاية أن طبيعة البشر إذا ظفرت بمرادها رقّت ، فإذا دعيت بالبكاء أجابت ، ولكن لا يكون بكاءها إلا من فرح الخداع وحب الجاه والرياسة ، وإنّ ذلك البكاء أكثره تباكيا ، بكوا بغير عبرة ولا بفلق وحزن من أسف ، ولا بزفرة جاءوا عشاء حتى لا يتبين تباكيهم من بكائهم ، وليرتفع من بينهم وبين أبيهم سجون الاحتشام :

إذا اشتبكت دموع في خدود

تبيّن من بكى ممن تباكى

قيل : أخروا المجيء إلى وقت العشاء الاخرة ليدنسوا على أبيهم.

وقيل : ليكونوا إجراء في الظلمة على الاعتذار ، وترويح ما مكروا.

قوله : (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) : فتح الله سبحانه ثوب رزق الرازقين في هذه الاية ، الذين زينوه بالرزق والسود ، وادّعوا صدق المقامات والكرامات ، وإنّ دم الكذب إشارة إلى من يدعي جراحة المحبة على

١٥٣

قلبه ، ودم القلب من ذبح الله إياه بسيف محبته ، وليس كذلك ، فإنّ دم المقتولين بسيف المحبة دم صدق يصدق صاحبه في عيون الصادقين.

قال عليه‌السلام : «المتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ، ومن كذب وقع كذبه في قلوب العوامّ» (١).

والعجب أن ما يطّلع عليه العوام كيف لا تطّلع عليه قلوب الأنبياء والصدّيقين ، هاجت طبيعتهم بسر الحسد ، فيتولد منه الكذبات والجنايات ؛ لأن مثل الحسد كالنار المخفية في الزبد ، فإذا خرجت يحترق العالم بها.

قال الحسين بن الفضل : لما كذبوا في إجداء الأمر بقولهم : (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) : رجعوا في آخر الحال عند الاعتذار إلى الكذب حين قالوا : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) : بيّن الله سبحانه بقوله : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ) فراسة يعقوب عليه‌السلام ، واطلاعه على أسرارهم في المكر ، وعرفهم سر مكائد نفوسهم ولم يعرفوها ، والأنفس هاهنا أسرار تقدير قهر الأزل ؛ أي أنتم مخدوعون بخداعكم ، وأنا لا أرى في البين غير سابق التقدير ، فألبس سربال الصبر الجميل في مراد الجليل ، والصبر الجميل ما يصبر به صاحبه بالله لا بنفسه بنعت شهود سره مشاهدة المقدر والمبتلى في بلائه تقديره.

قال تعالى : (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) ، وقال سبحانه : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) ، وتحقيق هذا الصبر سكون القلب بما يجري عليه الرب سبحانه بنعت ذوقه صفاء الذكر ، وإدراك رؤية المذكور ، وتحقيق ذلك قوله تعالى : (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) أي : استعانتي في بلائه وصبري به لا بغيره.

وأنشد الشبلي في حقائق الصبر :

عبرات خططن في الخدّ سطرا

فقراء من لم يحسن يقرأ صابر الصبر

فاستغاث به الصبر

فصاح المحبّ بالصبر صبرا

قال الحسين : الصبر الجميل السكون إلى موارد القضاء سرّا وعلنا.

وقال أيضا : الصبر الجميل تلقي المحنة بمشاهدة المنّة.

قال الحكيم الترمذي : الصبر الجميل أن يلقي العبد عنانه إلى مولاه ويسلّم إليه نفسه مع حقيقة المعرفة ، فإذا جاءه حكم من أحكامه ثبت له مسلّما بوارد الحكم ، ولا يظهر بورود حكمه جزعا بحال.

__________________

(١) رواه البخاري (٥ / ٢٠٠١) ، ومسلم (٣ / ١٦٨١).

١٥٤

قال يحيى بن معاذ : الصبر الجميل أن يتلقى البلاء بقلب رحيب ووجه مستبشر.

(وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠))

قوله تعالى : (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ) : فلما خرجت الأرواح من أماكن العدم وطارت في هواء القدرة وطلبت أنوار موارد القدم فوجدت قاموس الكبرياء ، فأدلت دلاء الهمم فيها ، فانكشف لها من مطالع الأزل شموس المشاهدة وأقمار العزة ، فلما ظفرت بموارد الحقيقة صاحت بصياح العشق وقالت : يا بشرى ، هذا شاهد القدم وعروس الأزل ، فوجدت شاهدها ، وفرحت بمشاهدته ، وطارت سكرانة في هواء آزاله وآباده من الفرح ببقاء ؛ لأنها وجدت بضاعة المعارف وريح الكواشف.

قوله تعالى : (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) : جعلت أنوار جلاله في صميم أسرارها ، وسترها عن الأغيار ، وجعلها بضاعة التوحيد والمعرفة والمحبة ؛ ليريح بها مداناة الوصال والاستئناس بالجمال ، يا ليت لسيادة يوسف عليه‌السلام لو عرفت ما في وجه يوسف عليه‌السلام من تلألؤ أنوار حسن الأزل لسجدت له ، كما سجدت الملائكة لأنه كالعبودية ، ولكن للعشق والمحبة ؛ لأنه شاهد الله في شاهد الله.

قال جعفر : كان لله تعالى في يوسف عليه‌السلام سرّ ، فغطى عليهم موضع سرّه ، ولو كشف لهم عن حقيقة ما أودع فيه لماتوا ، ألا تراهم كيف قالوا : (هذا غُلامٌ) ، ولو علموا آثار القدرة فيه لقالوا : هذا نبيّ وصدّيق (١).

ولما كشف للنسوة بعض الأمر : (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) ، ولما لم يعرفوه بخاصية النبوة والولاية ، ولم يروا عليه آثار جمال الله سبحانه باعوه بثمن بخس ؛ لجهلهم به وبما فيه من ودائع كنوز القدرة وأنوار المشاهدة ، والعلوم اللدنية الغيبية بقوله : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ).

ولو كان فيهم ما كان في يعقوب عليه‌السلام من عشق الله ومحبته ، وما رأى في مرآة وجهه من أنوار قدرة الباري سبحانه ، ما باعوه بالكونين والعالمين ؛ لأن ما في وجه يوسف عليه‌السلام من جمال الظاهر لم يكن في الكونين إلا في أمثاله من الأنبياء والصدّيقين ، وجمال ظاهره كان من جمال

__________________

(١) نادى البشرى ، بشارة لنفسه ، أو لقومه ، كأنه قال : تعال هذا أوانك. وقيل : اسم لصاحبه ، ناداه ليعينه على إخراجه فأخرجوه. البحر المديد ـ (٣ / ٩٧).

١٥٥

باطنه ، ولو اطّلعوا على جمال باطنه لوقعوا بين يديه صرعى من سكر محبته ، ولرأوا عجائب الملكوت والجبروت في ظاهره وباطنه.

قال جعفر : باعوا بالبخس من الثمن ؛ لجهلهم بما أودع الله فيه من لطائف العلوم وبدائع الايات.

قال ابن عطاء : ليس ما باع إخوة يوسف عليه‌السلام من نفس لا تقع عليها البيع بأعجب من بيعك نفسك بأدنى شهوة ، بعد أن بعتها من ربك بأوفر الثمن ، قال الله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) ، فبيع ما قد تقدّم بيعه باطل ، وإنّما باع يوسف أعداؤه الذين كانوا يعادونه ، وأنت تبيع نفسك من أعدائك ، وهي شهواتك وهواك ، وأعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك.

وقال الجنيد : إنّما باعوه بذلك الثمن ؛ حيث لم يتفرسوا فيه ما كان به ؛ لأنه لم يكن وضع لهم في جنبه حظّ.

(وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١))

ألا ترى إلى الذي اشتراه لمّا كان له في يوسف عليه‌السلام حظّ كيف قال : (أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) ، فصدقت فيه فراسته ، ونال به الهداية.

وقال ابن عطاء : لو جعلوا ثمنه الكونين لكان بخس في مشاهدته ، وما خصّ به.

قال الجنيد : كل ما وقع تحت العدد والإحصاء فهو بخس ، ولو كان الكونين فلا يكن حظك البخس ، وهو كل شيء دونه ، ولمّا لم يعرفوا مكانته ، وباعوه اشتراه من رآه بعين الحقيقة وأعد مبوأ جلاله وقدره في أخص موضع في العالم ، وهو مكان المحبة والعشق بقوله : (أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) اشتراه بالدنيا للاخرة معرفة بجلالة وجماله ، وقال لامرأته : (أَكْرِمِي مَثْواهُ) : أي : لا تنظري إليه بنظر الشهوة ، فإن وجهه مرآة تجلي الحق في العالم ، وأين طور سيناء في مكانته من وجه يوسف عليه‌السلام ، وتجلّي الحق من طور سيناء المولى ، وتجلّى الحق من وجه آدم للملائكة ، وتجلّى الحق من وجه يوسف عليه‌السلام لأجرام الملكوت ، وسلاطين معارف الجبروت ، وليعقوب عليه‌السلام وأمثاله من أنظار الغيب.

ألا ترى كيف قال : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) ، وأيضا : أكرمي تقواه بتقواك ، وأيضا : (أَكْرِمِي مَثْواهُ) ؛ فإنّه بهديه أمر

١٥٦

الفعل في مجمع عين الجمع ، لا تنظري إليه بعين العبودية ، ولكن انظري إليه بنظر المعرفة ؛ لتري فيه أنوار الربوبية ، وأيضا : أكرمي : اجعلي محبته في قلبك لا في نفسك ، فإن القلب موضع المعرفة والطاعة ، والنفس موضع الفتنة والشهوة.

(عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) : أن يعرّفنا منازل الصدّيقين ، ومراتب الروحانيين ، ويبلّغنا بركة صحبته إلى مشاهدة رب العالمين.

قال بعضهم في قوله : (أَكْرِمِي مَثْواهُ) : أحسني صحبته في الدنيا ؛ لعله أن يكون لنا شفيعا في الاخرة.

قال الجنيد في قوله : (أَكْرِمِي مَثْواهُ) : لما نظر إلى يوسف عليه‌السلام ، وركزّ بقلبه إليه صار يوسف عليه‌السلام محنة عليه.

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤) وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٥) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٩) وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١))

قالت له امرأته : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ).

ثم إنّ الله سبحانه وصف ما وهب إلى يوسف عليه‌السلام من أحكام الغيب ، ورؤية كشوفات الملكوت ، وتمكينه في المعرفة والنبوة والرسالة بقوله : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) : مكنّاه صبرا عظيما في تمكين المعرفة ، وحمل وارد مشاهدة

١٥٧

الغيب ، وسكناه من فوران الأحوال ، وتغاير التلوين ، وبلّغناه حقائق الصحو ؛ ليكون كهفا لغرباء المعرفة ، والمسترشدين من أهل المحبة ، وليعرفه بعد تمكينه حقائق المكاشفات ، وتأويل لطائف المنامات ، وما يبرز من الملكوت في اللبس المجهولة من تصرف الملائكة ، وقوله : (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) : إن كان إنهاء راجعه إلى يوسف عليه‌السلام ، هو تعالى المتولي على أمر يوسف عليه‌السلام ؛ بأن خلّصه من مكان الامتحان ، وبلّغه إلى درجة الرضوان ، وبأن نجاه من فتنة الطغيان ، وورطة الحرمان ؛ بأن كشف له البرهان والسلطان حين مكر به الشيطان ، خلصه من كيد الحساد ، وجعله قبلة الأوتاد ، والله غالب على أمره حين دبّر يعقوب عليه‌السلام في حقه ما دبّر ؛ ليعرفه غلبة سلطان قهره واستيلاء تقديره على تدبيره غالب على أمر يوسف عليه‌السلام ؛ حين برّأه من آفة شهوة زليخا حين همّت به وهمّ بها ، قال تعالى : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ).

وأيضا : والله غالب على أمره على أمر عشقه ، وعشق زليخا ؛ لأنّ مكان العشق ممزوج بطباع الإنسانية ، وإن كان صرف العشق من زند نعوت عشق الأزل ، فكشف له سلطنة الكبرياء ، وخلّصه بالكبرياء من مقام العشق الممزوج بطبع البشر ؛ كأنه غلّب الصفة على الصفة ، وإن كان الهاء راجعا إلى الله سبحانه.

فيه إشارة لطيفة : إنّ أمره من عالم الفعل ، والأحكام والرسوم الشريعة والطريقة ، والعقول مكلفة به ، أمر رسما وغلب قهرا أمر بالشريعة ، وغلب مقادير الأزلية أمرا أمرا ، وغلب على أمره بنسخه وتبديله أمر يوسف عليه‌السلام بالتبرؤ من الأغيار ، وبألا يلتفت إلى الحدثان في مكان العرفان ، لكن غلب جلال قدره ، وانكشف ليوسف عليه‌السلام في وجه زليخا ، فأظهر القدس ، وجرّه بالقدس إلى الهمة ؛ ليذيقه حلاوة عشق الإنسان ؛ ليفوز به عشق الرباني ، ومن هناك رقاه إلى مدارج ملك الازال والاباد ، ومن لم تكن بدايته عشقا كان من المجاهدين لا من العارفين ، لا بأن العشاق طاروا إلى جناب مشاهدة الحق ، وإنّ العشق مركب عشقه ، والعشق من عشقه صدر ؛ لأنه كان عاشقا في الأزل ، وعشقه معادن جميع عشق العشاق.

قال تعالى : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة : ٥٤] : كما أنّ حسن يوسف وزليخا وجميع الحسن في العالم انشعب من حسنه وجلاله وجماله ، كأنّ عشقه غلب على أمر العبودية ؛ لأن العشق صفة الربوبية ، ولم يكن عجبا غلبة الربوبية على العبودية.

وأيضا : ما دام الأمر خارجا عن أماكن الأفعال وصار صرف الصفات فهو غالب على جميع الحدثان ، وتدبير أهل العرفان ؛ لأنّه واحد في ملكه ، أحد في ملكوته ، والكائنات خاضعة فانية لجبروته.

١٥٨

وما ذكرنا من هذه المعاني الغريبة والتفاسير العجيبة من حقائق أمر الإلوهية لا يعرفها إلا أبناء المعرفة ونظّار المشاهدة.

قال الله تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) : لا يعلمون مواضع تقدير الأزلية ؛ حيث دبّر أمور الحدثان من العرش إلى الثرى ، وكيف يطّلع الحدثان على قدم الرحمن.

قال ابن عطاء : غالب على أمر نفسه ، أجراه على ما شاء إلى من شاء ، وصرفه عمّن شاء ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أنه الغالب في أمره الذي أمر عباده من طاعتهم ، إن شاء يسّر لهم من طاعته ، وإن شاء أعجزهم فيها.

قال الواسطي : يصرفهم في تدبيره ويدبّرهم في تصريفهم ، ويجد منهم المفقود ، ويفقد منهم الموجود ، فالإضافات ضرب من الإشراك.

ثم وصف الله سبحانه بلوغ يوسف أشد النبوة والولاية والتأييد الأزلية ، وما وهبه من أنوار العلوم والحكمة بقوله : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) : (أَشُدَّهُ) : تمكينه واستقامته في المعاملات والحالات ومراتب الاداب في العبودية كشف له تصرفات الربوبية في معادن المكاشفة.

(حُكْماً وَعِلْماً) : حكما بالعبودية ، وعلما بالربوبية ، حكما بالطريقة ، وعلما بالحقيقة ، حكما بممالك الدنيا ، وعلما بممالك الاخرة.

(وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) : نجازي المحسنين الذين راقبوا الله سرّا وعلانية ، وبذلوا مهجتهم بالله وفي الله إلى الأبد.

قال النصر آبادي في هذه الاية : لما عقل عن الله أوامره ونواهيه والاستقامة معه على شروط الأدب أعطيناه حكما على الغيب في تعبير الرؤيا ، وعلما بنفسه في مخالفة هواها.

قوله تعالى : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) : كانت مستغرقة في العشق الروحاني فغلبت عليها شهوة العشق ، فراودته ، وذلك أن رعونة سر الطبيعة صارت منجذبة برقة عشق الروحاني إلى معدنه فغلظت وصارت محجوبة بالطبيعة من الحقيقة.

(وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) : لمّا كان عشق يوسف عليه‌السلام في قلبها ، وصورته مصورة في خيالها لا يحتاج إلى غلق الأبواب ، فإن قيد همتها حكمة همّت يوسف حين همّت به وهمّ بها أغلقت أبواب أسرار عشقها على يوسف ، فصارت فاشية بأن العشق لا يبقى الكتمان :

ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر

ولا تسقني سرّا إذا أمكن الجهر

١٥٩

فبح باسم من تهوى ودعني من الكنى

فلا خير في اللّذّات من دونها ستر

وأيضا : غارت على يوسف حتى لا يرى أحد أسرارهما ، فغلقت الأبواب ، كذا ينبغي للعاشق.

قال الشبلي في قوله : (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) (١) : قطعت الأسباب وجمعت الهمّة عليه ، ثم غلب على يوسف عليه‌السلام قدس النبوة فامتنع من مراودتها بقوله : (قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) أي : ربي سبحانه وتعالى أحسن مثواي في الاصطفائية الأزلية ، واختارني بالرسالة والنبوة ، وعلمني من تأويل الأحاديث ، وألبسني لباس حاله الذي هو يوجب أن ينظر إليها بنعت الهيبة والإجلال ، هذا سيد السادات ، وسيد الظاهر ، أحسن مثواي ؛ بأن اختارني لاخرته لا لدنياه ، وأحسن مثواه في قلبك بنعت محبة الله ، فلا ينبغي لك أن تنظر إلا بمحبة الله.

قيل : لما نظر في ترك المعصية إلى صاحبه وولي نعمته الأدنى ، ولم ينظر إلى ربه وولي نعمته الأعلى ، عوقب بالهم حتى قال : (هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها).

وقال بعضهم : برؤية الهمة امتنع من الفتنة.

قال الأستاذ : إنه أكرمني مولاي تعالى ؛ حيث خلقني من الحب ، وجعل في قلب العزيز لي محلا ، فقال لي : (أَكْرِمِي مَثْواهُ) ، فقال : لا ينبغي أن أقدم على عصيانه ، وقد أفردني بجميل إحسانه.

ثم أخبر سبحانه عن جذب مغناطيس الهم بعضها بعضا من سر حقيقة العشق الإلهي والروحاني والإنساني والطبيعي والفطري والجوهري ، التي معادنها من عالم الربوبية أفعالا وصفاتا وذاتا بقوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) ، خالص الحقيقة في هذا المعنى في تلك الهمتين ، إن همّة زليخا سبقت على همّة يوسف عليه‌السلام ، وحسن يوسف عليه‌السلام سبق بجذب قلب زليخا وهمّتها إلى معدنه ؛ لأنّ عشق زليخا وحسن يوسف صفتان صادرتان من المعدنيين الأزليين ، وهما صفة جمال القدم ومحبة الأزل ، فلمّا هاجت همّة زليخا بعد انجذاب قلبها إلى معدن عشق يوسف عليه‌السلام هاجت أيضا همة يوسف عليه‌السلام إلى أهلية عشقها وحسنها وهمتها ، فصارت الهمتان بعضها من بعض ، فهاجت همة الجوهر إلى الجوهر ، والفطرة إلى الفطرة ،

__________________

(١) هي أبواب أركان الشريعة يعنى إذا فتحت الدنيا على القلب أبواب شهواتها وحظوظها غلقت عليه أبواب الشريعة التي تدخل منها أنوار الرحمة والهداية ونفحات الألطاف والعناية ، تفسير حقي (٦ / ص ٧٨).

١٦٠