موسوعة أخلاق القرآن - ج ٦

الدكتور أحمد الشرباصي

موسوعة أخلاق القرآن - ج ٦

المؤلف:

الدكتور أحمد الشرباصي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الرائد العربي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٠٧

له. من دون الله جل جلاله.

ويقول تعالى في سورة «طه» :

«إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى ، فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى» (١).

أي ان القيامة آتية قائمة لا محالة ، أكاد أخفيها ، لا أطلع عليها أحدا غيري ، لأجزي كل عامل بعمله ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.

وهو يأمره بألا يتبع من كذب بالقيامة ، وأقبل على ملاذه في دنياه ، وعصى مولاه ، واتبع هواه ، حتى لا يصاب بالهلاك والعطب.

وقال تعالى في سورة «القصص» :

«فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» (٢).

أي اذا لم يستجيبوا لك ، ولم يتبعوا الحق ، فاعلم أنهم خسرة في تضليل لا حجة لهم ولا دليل ، وليس هناك أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله.

__________________

(١) سورة طه ، الآية ١٥ و ١٦.

(٢) سورة القصص ، الآية ٥٠.

١٨١

وقال تعالى في سورة «الرعد» :

«وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ» (١).

كما أرسلنا قبلك المرسلين ، وأنزلنا عليهم الكتب من السماء ، كذلك أنزلنا عليك القرآن محكما معربا ، شرفناك به ، وفضلناك على من سواك بهذا الكتاب ، ولئن اتبعت اهواءهم وآراءهم بعدما جاءك من العلم من عند الله تعالى مالك ولاية او وقاية. وهذا تهديد من الله ووعيد.

وقال تعالى في سورة «الروم» :

«بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ» (٢).

يذكر الله تعالى أن المشركين عبدوا غيره سفها وجهلا ، وهذا ضلال ليس بعده ضلال ، ولا أحد يهديهم اذا كتب الله عليهم الضلال ، وليس لهم من قدرة الله تعالى منقذ أو مجير.

ويقول تعالى في سورة «الفرقان» :

«أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً» (٣).

فالله تعالى ينفي عن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله القدرة على أن يكون

__________________

(١) سورة الرعد ، الآية ٣٧.

(٢) سورة الروم ، الآية ٢٩.

(٣) سورة الفرقان ، الآية ٤٣.

١٨٢

وليا وكيلا ونافعا لهذا الضال ، بعد أن جعل الهه هواه.

وقد روي عن ابن عباس أنه قال : «كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر الابيض زمانا ، فاذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني ، وترك الاول» ولن يستطع أحد غير الله أن يكون وكيلا له مدافعا عنه ، وفي هذا من التنفير عن عبادة الهوى ، والخضوع له ما فيه.

ويقول الله تعالى في سورة «محمد» :

«أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ» (١).

ليس من كان على بصيرة ويقين في أمر الله ودينه ، وما جبله الله عليه من الفطرة السليمة ، كمن هو أعمى البصيرة ، وبدا عمله السيء أمامه حسنا ، وفوق هذا هو ممن يتبعون أهواءهم ، فتضلهم هذه الاهواء ، وتبعدهم عن حمى الله تعالى ، فالفريقان ليسا سواء :

«لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ» (٢).

وقد عاد الله تعالى في سورة محمد ، فجعل فريقا في الحضيض ، وهم الذين يتبعون أهواءهم ، وأما الذين اهتدوا فقد بارك الله لهم. فقال تعالى في السورة نفسها :

«وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ

__________________

(١) سورة محمد ، الآية ١٤.

(٢) سورة الحشر ، الآية ٢٠.

١٨٣

قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ، وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ» (١).

وقال تعالى في سورة «النجم» عن الكافرين :

«إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى» (٢).

فهؤلاء المشركون ليسوا على صراط أو هدى ، بل يتبعون آباءهم الاقدمين الضالين ، والظن لا يغني من الحق شيئا ، وهوى نفوسهم يقودهم شر المعاطب.

ويقول تعالى في السورة نفسها :

«وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى» (٣).

فالنبي عليه الصلاة والسّلام تابع للحق ، ليس بضال ، وقوله الذي ينطق به لا يصدر عن الهوى ، وانما هو مبلغ عن الله عزوجل.

وقال تعالى في سورة «الشورى» :

«فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ

__________________

(١) سورة محمد ، الآية ١٦ و ١٧.

(٢) سورة النجم ، الآية ٢٣.

(٣) سورة النجم ، الآية ٣ و ٤.

١٨٤

وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» (١).

فالله يأمر نبيه أن يدعو الناس الى صراط ربهم ، وأن يستقيم ـ كما أمره ـ هو ومن اتبعه ، وحذره أن يتبع هوى المشركين فيما افتروه واختلقوه.

وكما حذر الله نبيه أن يتبع الهوى ، وكرر هذا التحذير والنهي ، نجده يعود الى توصيته بأن يحذر اتباع الهوى ، وان يستمسك بحبل الله القوي المتين ، وأن يستمسك بشريعة الله فيقول في سورة «الجاثية» :

«ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» (٢).

أي اتبع ما أوحي اليك من ربك ، لا اله الا هو ، وأعرض عن المشركين ، وذكر الله نبيه بأن هؤلاء المشركين جهلة لا يعلمون ، ولا يعرفون حقائق الامور.

ويقول تعالى في سورة الانعام :

«قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ

__________________

(١) سورة الشورى ، الآية ١٥.

(٢) سورة الجاثية ، الآية ١٨.

١٨٥

كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» (١).

أي أحضروا شهداءكم ليشهدوا لكم أن هذا الذي حرمتموه. وكذبتم في تحريمه افتراء على الله ، فان شهدوا فلا تشهد معهم ، لأنهم حينئذ يشهدون كذبا وزورا ، واحذر أن تتبع أهواء من كذبوا بآياتنا وأشركوا بالله وجعلوا له عديلا.

ويقول تعالى في سورة «المائدة» :

«قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ» (٢).

أي قل لهؤلاء العابدين غير الله : أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا ، وقل لهم : لا تغلوا في دينكم غير الحق ، ولا تجاوزوا الحد في اتباع هذا الحق ، وهؤلاء الذين غلوا في دينهم قد ضلوا في أنفسهم ، وأضلوا كثيرا من الناس عن صراط الحق المستقيم.

وقال في سورة الانعام :

«قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ» (٣).

__________________

(١) سورة الانعام ، الآية ١٥٠.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٧٧.

(٣) سورة الانعام ، الآية ٥٦.

١٨٦

يقول الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسّلام : قل لهؤلاء المشركين بربهم من قومك ، العادلين به الاوثان والانداد ، الذين يدعونك الى موافقتهم على دينهم وأوثانهم ، ان الله نهاني أن أعبد الذين تدعون من دونه ، فلن أتبعكم ، وان فعلت ذلك فقد تركت صراط الحق ، وتبعت طريق الضلال.

ويقول تعالى في سورة «البقرة» :

«وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ» (١).

أي ليس هؤلاء براضين عنك ، حتى تتبع ملتهم ودينهم وطريقتهم ، فلا تستمع اليهم ، ولا تستجب لأهوائهم ، فان هدى الله هو الهدى الحق ، والدين الصحيح الكامل. في حديث رسول الله : «لا تزال طائفة من أمتي يقتتلون على الحق ظاهرين ، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله».

والله جل شأنه يعلم أن نبيه لا يتبع أهواء المشركين بحال من الاحوال ، وقد عصم من الزيغ والضلال ، انما جاء هذا الاسلوب ـ كما قال الامام محمد عبده ـ ليرشد من يأتي بعد النبي ممن يتبع سنته ويأخذ بهديه ، فهو يرشدنا بهذا التهديد العظيم ، الى الصدع بالحق ، والانتصار له ، وعدم المبالاة بمن يخالفه ، مهما كان قويا وشديدا ، وانه لتهديد ترتعد منه فرائص الذين يخشون ربهم ، ولا سيما اذا أنسوا من أنفسهم ضعفا في الحق ، فمن عرف الحق ، لا يخاف في تأييده لومة لائم.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٢٠.

١٨٧

ويطالبنا تفسير «ظلال القرآن» أن نقف لحظة أمام هذا الجد الصارم ، في هذا الخطاب الالهي ، من الله سبحانه ، الى نبيه الكريم ، الذي حدثه منذ لحظة ذلك الحديث الرفيق الودود.

ان الامر هنا يتعلق بالاستقامة على هدى الله وتوجيهه ، ويتعلق بقاعدة التميز والتجرد الا من طاعة الله ونهجه.

ومن ثم يجيء الخطاب فيه بهذا الحزم والحزم ، وبهذه المواجهة والتحذير : «انك اذا لمن الظالمين».

ان الطريق واضح والصراط مستقيم ، فاما العلم الذي جاء من عند الله. واما الهوى في كل ما عداه. وليس للمسلم أن يتلقى الا من الله ، وليس له أن يدع العلم المستيقن الى الهوى المتقلب. وما ليس من عند الله فهو الهوى بلا تردد.

وجاء في سورة البقرة :

«وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ» (١).

أي لو أقام الرسول عليهم كل دليل بصحة ما جاءهم به ، لما اتبعوه وتركوا رذيلة اتباع الهوى ، وأنت بفضل الله وتوفيقه لن ترتكب هذه الرذيلة ، ولن تقبل هواهم ، بل تستمسك بأمر الله في كل الاحوال ، ونحن نحذرك من مخالفة الحق والركون الى اهوائهم ، والخطاب يشمل أمة النبي

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٤٥.

١٨٨

عليه الصلاة والسّلام وان كان موجها اليه في النص.

ويعلق الامام محمد عبده على هذا الوعيد بأنه لأعلى الناس مقاما عند الله تعالى ، هو أشد وعيد لغيره ممن يتبع الهوى ، ويحاول استرضاء الناس بمجاراتهم ، على ما هم عليه من الباطل ، ويستحيل على النبي أن يتبع أهواءهم ، أو يجاريهم في شيء نهاه الله عنه ، فان كان أفرده بالخطاب ، فقد أراد أمته ، ليتنبه الغافل ، ويعلم المؤمنون أن اتباع أهواء الناس من الظلم العظيم الذي يقطع طريق الحق ، ويردي الناس في مهاوي الباطل.

وقد قالت الآية : «ولئن اتبعت أهواءهم» فجاءت كلمة «الاهواء» بلفظ الجمع تنبيها على أن لكل واحد هوى غير هوى الآخر ، ثم ان هوى كل واحد لا يتناهى ، فاتباع أهوائهم اذا نهاية الضلال والحيرة.

وكما اتخذ الله تعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كما رأينا في الآيات المتقدمة ـ موضعا للنهي عن الهوى ، نجد أن الرسول قد حذر من اتباع الهوى ، فقال في حديثه الصحيح : «ثلاث مهلكات : شح مطاع ، وهوى متبع ، واعجاب المرء بنفسه».

وقد ذكر ابن ابي الحديد أن سبب هلاك النفس ليس الا هوى الانفس ، وقد قال هذا بمناسبة شرح خطبة للامام علي في «نهج البلاغة» جاء في أولها : «ان أخوف ما أخاف عليكم اثنتان : اتباع الهوى ، وطول الامل ، فاما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الامل فينسي الآخرة».

ولقد عني علماؤنا بالحديث عن مقاومة الهوى ، وللامام ابن الجوزي كتاب ضخم اسمه «ذم الهوى» ، كما تحدث الغزالي عن خطورة الاتباع للهوى.

ويقول ابن سهل الاصبهاني : «العقل مع الروح يدعوان الى الآخرة ،

١٨٩

ومخالفة الهوى والشهوات ، فلذلك يسمى روحا».

ويقول أبو بكر الوراق : «أصل غلبة الهوى مفارقة الشهوات ، فاذا غلب الهوى ، أظلم القلب ، واذا أظلم القلب ضاق الصدر ، واذا ضاق الصدر ساء الخلق ، واذا ساء الخلق أبغضه الخلق ، واذا أبغضه الخلق أبغضهم ، واذا أبغضهم جفاهم ، واذا جفاهم صار شيطانا».

وعلى الله قصد السبيل.

١٩٠

الرعاية

الرعاية من مادة «الرعي» واللغة تقول : ان المادة تدل على الحفظ والصيانة والملاحظة ، والراعي هو كل من ولي أمر قوم بالحفظ والسياسة. وراعيته اذا لاحظته محسنا اليه ، ومن ذلك مراعاة الحقوق. ورعى الانسان النجوم مراعاة اذا راقبها وتأمل فيها وانتظر مغيبها. وراعني سمعك ، أي استمع الي ، وراعيت أمر فلان مراعاة اذا حفظته.

والرعاية التي نريدها هنا خلق من أخلاق القرآن الكريم ، وفضيلة من فضائل الاسلام العظيم ، وجانب من هدى الرسول عليه الصلاة والتسليم. وقد عد الامام ابن القيم فضيلة «الرعاية» منزلة من منازل

«إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» (١).

وهي الآية الكريمة التي بنى الامام ابن القيم على الحديث عنها كتابه القيم «مدارج السالكين». وقد قال في تعريف الرعاية : انها مراعاة العلم ، وحفظه بالعمل ، ومراعاة العمل بالاحسان والاخلاص ، وحفظه من المفسدات. فالرعاية اذن صيانة وحفظ لما يكون بين يدي الانسان من أمانة

__________________

(١) سورة الفاتحة ، الآية ٥.

١٩١

أو قول أو سلوك.

وقد وردت مادة الرعاية في القرآن الكريم ، فقال في التنزيل في سورة الحديد :

«ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ» (١).

والرهبانية هي الفعلة المنسوبة الى الرهبان ـ بفتح فسكون ـ أي الخائف ، صيغة فعلان من رهب مثل : خشيان ، وكانوا يفرون الى الجبال والصحارى ، ويقطعون أنفسهم عن الزواج والنسل. ويخطىء من يظن أن كلمة «رهبانية» معطوفة في الاعراب على كلمتي «رأفة ورحمة» ، وعلى ذلك تكون الكلمة منصوبة بوقوع «الجعل» عليها ، وهذا الفهم خطأ ، والصواب أن كلمة «رهبانية» منصوبة على الاشتغال بفعل «ابتدعوها» ، والوقف يكون على كلمة «ورحمة» ثم نتابع القراءة بعدها ، أي ورهبانية ابتدعوها ، أي لم يشرعها الله لهم ، وانما ابتدعوها من عند انفسهم ، ولم يكتبها الله عليهم.

وفي هذه الآية السابقة استطاع العلماء أن يفهموا منها أن الله يذم من لم يلتزم رعاية شيء ألزم نفسه برعايته من أنواع الطاعة حتى ألزم كثير من الفقهاء من شرع في طاعة مستحبة باتمامها ، ويعلق على ذلك بعض العلماء

__________________

(١) سورة الحديد ، الآية ٢٧.

١٩٢

بقوله : «ابتدع النصارى الرهبانية زاعمين انها من سنن عيسى بن مريم وهداه عليه‌السلام ، فكذبهم الله في ذلك ، وبين انهم هم الذين ابتدعوها من عند أنفسهم. وعيسى عليه‌السلام بريء منها ، فانها على خلاف الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، والله لا يشرع ما يضاد الفطرة ، ولا يحبه ، ولذلك فانهم لم يستطيعوا ـ ولن يستطيعوا ـ أن يرعوها حق رعايتها ، لأن سنن الله لا يقدر أحد على تبديلها.

ويتحدث صاحب : «في ظلال القرآن» عن الآية السابقة فيقول ضمن ما يقول :

«والراجح في تفسير هذه الآية أن هذه الرهبانية التي عرفها تاريخ المسيحية كانت اختيارا من بعض اتباع عيسى عليه‌السلام ، ابتدعوها من عند أنفسهم ابتغاء رضوان الله ، وابتعادا عن أوضار الحياة ، ولم يكتبها الله عليهم ابتداء ، ولكنهم حين اختاروها وأوجبوها على أنفسهم صاروا مرتبطين أمام الله بأن يرعوا حقوقها ، ويحافظوا على مقتضياتها من تطهر وترفع ، وقناعة وعفة ، وذكر وعبادة ، مما يحقق في أنفسهم حقيقة التجرد لله ، التي قصدوا اليها بهذه الرهبانية التي ابتدعوها.

ولكنها انتهت الى أن تصبح في الغالب طفوسا وشعائر خالية من الروح ، وأن يتخذها الكثيرون مظهرا عاريا من الحقيقة ، فلا يصبر على تكاليفها الا عدد منهم قليل. «فما رعوها حق رعايتها ، فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون». والله لا يأخذ الناس بالمظاهر والاشكال ، ولا بالطقوس والمسوح ، انما يأخذهم بالعمل والنية ، ويحاسبهم على حقيقة الشعور والسلوك ، وهو الذي يعلم خبايا القلوب وذوات الصدور».

وأشار القرآن الى فضيلة الرعاية ، فقال في سورة المؤمنون :

١٩٣

«وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ» (١).

وقد جاءت الآية في مجال التعداد لصفات المؤمنين. يقول ابن كثير عنها : «اذا اؤتمنوا لم يخونوا ، بل يؤدونها الى أهلها ، واذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك ، لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : آية المنافق ثلاث : اذا حدث كذب ، واذا وعد أخلف ، واذا اؤتمن خان.

وقد تكررت الآية السابقة في سورة «المعارج» (٢) وعندها رجع ابن كثير الى تأكيد المعنى بقوله : أي اذا اؤتمنوا لم يخونوا ، واذا عاهدوا لم يغدروا ، وهذه صفات المؤمنين ، وضدها صفات المنافقين. كما ورد في الحديث الصحيح : آية المنافق ثلاث : اذا حدث كذب ، واذا وعد أخلف واذا اؤتمن خان. وفي رواية : اذا حدث كذب ، واذا عاهد غدر ، واذا خاصم فجر.

وحينما وردت الآية السابقة أولا في سورة المؤمنون علق عليها صاحب تفسير في ظلال القرآن بقوله : «والامانات كثيرة في عنق الفرد وعنق الجماعة ، وفي أولها أمانة الفطرة ، وقد فطرها الله مستقيمة متناسقة مع ناموس الوجود الذي هي منه واليه ، شاهدة بوجود الخالق ووحدانيته ، بحكم احساسها الداخلي بوحدة الناموس الذي يحكمها ويحكم الوجود ، ووحدة الارادة المختارة لهذا الناموس المدبرة لهذا الوجود.

والمؤمنون يرعون تلك الامانة الكبرى ، فلا يدعون فطرتهم تنحرف عن استقامتها ، فتظل قائمة بأمانتها شاهدة بوجود الخالق ووحدانيته ، ثم تأتي سائر الامانات تبعا لتلك الامانة الكبرى.

__________________

(١) سورة المؤمنون ، الآية ٨.

(٢) سورة المعارج ، الآية ٣٢.

١٩٤

والعهد الاول هو عهد الفطرة كذلك. هو العهد الذي قطعه الله على فطرة البشر بالايمان بوجوده وتوحيده ، وعلى هذا العهد الاول تقوم جميع العهود والمواثيق ، فكل عهد يقطعه المؤمن يجعل الله شهيدا عليه فيه ، ويرجع في الوفاء به الى تقوى الله وخشيته.

والجماعة المسلمة مسؤولة عن أماناتها العامة ، مسؤولة عن عهدها مع الله تعالى ، وما يترتب على هذا العهد من تبعات ، والنص يجمل التعبير ، ويدعه يشمل كل أمانة وكل عهد ، ويصف المؤمنين بأنهم لاماناتهم وعهدهم واعون ، فهي صفة دائمة لهم في كل حين ، وما تستقيم حياة الجماعة الا أن تؤدى فيها الامانات ، وترعى فيها العهود ، ويطمئن كل ما فيها الى هذه القاعدة الاساسية للحياة المشتركة ، الضرورية لتوفير الثقة والامن والاطمئنان».

وحينما وردت الآية نفسها في سورة «المعارج» أورد صاحب «الظلال» هذه الكلمات : «هذه من القوائم الاخلاقية التي يقيم الاسلام عليها نظام المجتمع ، ورعاية الامانات والعهود في الاسلام تبدأ من رعاية الامانة الكبرى التي عرضها الله على السماوات والارض والجبال ، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ، وحملها الانسان ، وهي أمانة العقيدة والاستقامة عليها اختيارا لا اضطرارا. ومن رعاية العهد الاول المقطوع على فطرة الناس وهم بعد في الاصلاب ان الله ربهم الواحد ، وهم بخلقهم على هذا العهد شهود. ومن رعاية تلك الامانة وهذا العهد تنبثق رعاية سائر الامانات والعهود في معاملات الارض. وقد شدد الاسلام في الامانة والعهد ، وكرر وأكد ، ليقيم المجتمع على أسس متينة من الخلق والثقة والطمأنينة ، وجعل رعاية الامانة والعهد سمة النفس المؤمنة ، كما جعل خيانة الامانة واخلاف العهد سمة النفس المنافقة والكافرة. وردد هذا في مواضع شتى من القرآن والسنة لا تدع مجالا للشك في أهمية هذا الامر البالغة في

١٩٥

عرف الاسلام».

وينبغي للقارىء هنا أن يرجع الى بحثنا الذي كتبناه عن «الامانة» في الجزء الثاني من كتابي «أخلاق القرآن» (١).

ويتحدث الهروي عن فضيلة الرعاية ، فيرى أن الرعاية ثلاث درجات : رعاية الاعمال ، ورعاية الاحوال ، ورعاية الاوقات. ويعلق على ذلك ابن القيم فيذكر أن معنى رعاية الاعمال هي توفيرها بتحقيرها ، والتوفير هنا معناه السلامة من طرفي التفريط بالنقص ، والافراط بالزيادة على الوجه المشروع في حدودها وصفاتها ، وشروطها وأوقاتها. وأما تحقير الاعمال فيراد به استصغارها في عينه. وأن ما يليق بعظمة الله وجلاله وحقوق عبادته أمر آخر ، وأنه لم يوفه حقه ، وأنه لا يرضى لربه بعمله. وقد قيل : علامة رضا الله عنك اعراضك عن نفسك ، وعلامة قبولك عملك احتقاره واستقلاله (عده حقيرا قليلا) وصغره في قلبك ، حتى ان العارف يستغفر الله عقب طاعته ، وقد كان رسول الله عليه الصلاة والسّلام اذا سلم من الصلاة استغفر الله ثلاثا ، وقد أمر الله عباده بالاستغفار عقيب الحج ، ومدحهم على الاستغفار عقب قيام الليل ، وشرع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عقيب الطهور التوبة والاستغفار. والسر في ذلك أن من عرف واجب ربه وهو عظيم جليل ، ثم نظر الى عمله في عبادته استصغره مهما كان عظيما ، فاندفع الى استغفار ربه ، لأنه يستصغر عبادته.

ويضيف ابن القيم ان رعاية الاحوال هي أن يعد الانسان الاجتهاد مراءاة ، فيتهم نفسه في اجتهاده ، فلا يطغى به ، ولا يسكن اليه ، وانما هناك فضل الله وعطاؤه ، ووديعته عنده ، ومجرد منته عليه.

وأما رعاية الاوقات فهي أن يقف العبد مع كل خطوة ، أي يقف مع

__________________

(١) كتابي «أخلاق القرآن» الجزء الثاني ، من صفحة ١٥ الى صفحة ٣٢. الطبعة الاولى.

١٩٦

كل حركة في الظاهر والباطن ، بمقدار تصحيحها ، نية وقصدا ، واخلاصا ومتابعة.

وحينما تحدثوا عن مراتب العلم قالوا ان العلم اما أن يكون رواية ، والرواية مجرد النقل وحمل المروي ، وهذه الرواية هي شغل النقلة ، واما دراية وهي فهم المعقول وتعقل معناه ، والدراية هي شغل العلماء ، واما رعاية ، وهي العمل بموجب ما علمه الانسان ، والرعاية هي شغل العارفين ، وينبغي لنا أو يجب علينا أن نتذكر هنا قول الحق تبارك وتعالى في سورة الصف :

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ؟ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ» (١).

وقد تحدث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن فضيلة الرعاية ، فأخبرنا في حديثه المتفق عليه أن كل واحد منا راع ، أي حافظ ومؤتمن ، وكل واحد مسؤول عن رعيته ، وهي كل من شمله بالرعاية والحفظ ، لأن الرعاية مراعاة ، والمراعاة ملاحظة ، والملاحظة حفظ ونظر. يقول عليه الصلاة والسّلام : «ألا كلكم راع ، وكل راع مسؤول عن رعيته ، فالامام الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده ، وهي مسؤولة عنهم ، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ، ألا

__________________

(١) سورة الصف ، الآية ٢ ـ ٤.

١٩٧

فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».

والراعي كما ذكرنا هو الحافظ المؤتمن على ما يليه ، وكل شخص راع ومسؤول ، فالحاكم راع على محكوميه ، والرجل راع على أهل بيته ، والمرأة راعية على بيت زوجها واولاده وماله ، وولد الرجل راع على مال أبيه ، والخادم راع على مال سيده ، والكل مسؤولون ان قصروا ، ومثابون أن أخلصوا في عملهم. ويبقى الشخص الفرد الذي لا زوج له ولا ولد ، ولا خادم له ، فهو راع على جوارحه ، بحفظها من الحرام ، وقيامها بالواجب عليها ، شكرا لله تبارك وتعالى ، فصدقت القاعدة : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».

وقد روى الشيخان البخاري ومسلم قول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه : «ما من وال يلي رعية من المسلمين ، فيموت وهو غاش لها الا حرم الله عليه الجنة».

ولقد روي في شأن هذا الحديث أن عبيد الله بن زياد كان أميرا على البصرة من جهة معاوية بن أبي سفيان ، فسمع بمرض معقل بن يسار الصحابي الجليل ، فذهب اليه ليعوده ، وفي أثناء العيادة قال ابن يسار رضي الله عنه : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : كل راع يموت وهو غاش لرعيته فالجنة عليه حرام.

ويعلمنا رسول الله عليه الصلاة والسّلام أن ولاية الانسان على الناس لون من أدق ألوان فضيلة الرعاية التي يدعونا الى فقهها الاسلام ، لانها تستلزم الوقاية من الزلل ، والتجنب للخلل ، ورعاية الله في حقوق عباده ، ومحاربة النفس فيما يتعلق بأمورهم ، وهذا مثلا أبو ذر الغفاري يطمع في الامارة والولاية على الناس ، فيتجه الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يطمع منه أن يوليه ولاية فيقول له : يا رسول الله ، ألا تستعملني؟ فضربه رسول الله على منكبه ، وقال له : يا أبا ذر ، انك ضعيف ، وانها امانة

١٩٨

وانها يوم القيامة خزي وندامة ، الا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها.

واذا تدبر الانسان الامور من حوله أدرك ان الولاية على الناس رعاية أي رعاية لامورهم ما دق منها أو جل ، ورقابة موصولة رعاية لتقوى الله فيهم ، والعدل بينهم. والرسول يقول : «انكم ستحرصون على الامارة ، وستكون ندامة يوم القيامة ، فنعم المرضعة وبئس الفاطمة» هي نعم المرضعة في تقدير الناس عند اقبالها ، وفي أيامها ، ولكنها بئس الفاطمة عند اعراضها ، وانقضاء لذاتها ، وبقاء حسراتها وتبعاتها.

وقد كان اعلام المسلمين في عهود السلف يزينون انفسهم بفضيلة الرعاية لما وضع الله بين أيديهم من أمانات وتبعات ، وكانوا يخشون أن تمر عليهم الايام ، فتبتليهم بهذه التبعات ، ويتوجسون خوفا من عجزهم عن وفائهم بحقوق هذه الرعاية.

وهذا عمر بن الخطاب يقول في أخريات أيامه : «اللهم كبرت سني ، وضعفت قوتي ، وانتشرت رعيتي ، وقلت حيلتي ، فاقبضني اليك غير مضيع ولا مفرط ، اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك ، واجعل موتي في بلد رسولك عليه الصلاة والسّلام».

وهذا حفيده عمر بن عبد العزيز كان من قوة فضيلة الرعاية عنده أن يقول : «اني نظرت الى نفسي فوجدتني قد وليت أمر هذه الامة كلها ، ثم ذكرت الغريب الضائع ، والفقير المحتاج ، والاسير المفقود ، وأشباههم في أقاصي البلاد واطراف الارض ، فعلمت أن الله تعالى سائلي عنهم ، وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم حجيجي فيهم ، فخفت ألا يثبت لي عند الله تعالى عذر ، ولا يقوم لي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حجة ، فخفت على نفسي خوفا دمعت له عيني ووجل له قلبي ، وأنا كلما ازددت لذلك ذكرا ازددت منه وجلا».

١٩٩

وكلمات عمر بن عبد العزيز في تصوير فضيلة الرعاية والاحساس بالتبعة نحو الواجب قد تكفل ببيانها كتابي «خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز» وخاصة الجزء الاول منه ، مما يعطينا فكرة واسعة عن أحد الذين تحلوا بهذا الخلق القرآني الاسلامي الكريم.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا نعمة الرعاية لحقوقه ، والاخلاص لوجهه الكريم ، وأن يجعلنا من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ، ذلك لمن خشي ربه.

٢٠٠