موسوعة أخلاق القرآن - ج ٦

الدكتور أحمد الشرباصي

موسوعة أخلاق القرآن - ج ٦

المؤلف:

الدكتور أحمد الشرباصي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الرائد العربي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٠٧

«وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ» (١).

ويقول الرازي في ذلك ان المعنى هو : فليرغب الراغبون في مثل ذلك ، بالمبادرة الى طاعة الله ، لأن التنافس يجب أن يكون في مثل ذلك النعيم العظيم الدائم ، لا في النعيم الدنيوي الذي هو مشوب بالكدر ، سريع الزوال والفناء. ويقول مفسر آخر : فليرغب الراغبون وليتبادر المتبادرون بالمبادرة الى طاعة الله تبارك وتعالى ، لأن كلا منهم يريد أن يتقدم غيره في طريق الخير والبر ، بما يظهر من نفسه من الجد والاجتهاد ، والاعتمال في الطاعة والعبودية لمولاه جل جلاله. ويقول الشيخ محمد عبده في تفسير الآية : في ذلك النعيم وما تلاه يرغب الراغبون ، ويسبق بعضهم بعضا اليه بالاعمال الصالحة التي تقرب منه.

والنص القرآني في هذا الموطن يتحدث عن الابرار أصحاب النعيم ، الذين يجلسون على الارائك ينظرون ، تعرف في وجوههم نضرة النعيم ، ويقول : «يسقون من رحيق مختوم. ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون» أي يسقى هؤلاء الابرار من خمر صرف لا غش فيها مزاجها وخلطها مسك ، وطعمها وريحها مسك ، فهؤلاء الابرار الذين يتنافسون في الخيرات ، ويتعاونون في المبرات ، وكل منهم يبذل جهده وطاقته ليكون سباقا الى المكرمات ، يسقون من خمر الجنة الصافي المختوم الذي لا غش فيه ، وعاقبة ما يشربونه مسك طيب وفي مثل هذا المجال الكريم فليتفاخر المتفاخرون ، وليستبق الى مثله المتسابقون وذلك كقوله تعالى : «لمثل هذا فليعمل العاملون» ، ويعبر القشيري بقوله : فليتنافس المتنافسون وتنافسهم فيه يكون بالمبادرة الى الاعمال الصالحة ، والمسابقة الى القربات ، وتعليق القلب الطهور بالله تبارك وتعالى ، والتنزه من الاخلاق الدنية والصفات

__________________

(١) سورة المطففين ، الآية ٢٦.

١٠١

الذميمة ، وجولان همة المؤمن بالتفكير في ملكوت السماوات والارض ، ودوام المناجاة لرحمن الدنيا والآخرة. ولنلاحظ أن السورة الكريمة ذكرت صفات هؤلاء الابرار وفي قمتها التنافس في الخير ، بعد أن ذكرت أولئك المطففين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، وبعد أن ذكرت الفجار الذين يكذبون بيوم الدين ، فحق عليهم العذاب الأليم ، وقد جاءت عبارة مبسوطة في تفسير «ظلال القرآن» وفي خلالها تمجيد بفضيلة التنافس في الخير والمسابقة في ميادين البر ، فهو يقول : «ان أولئك المطففين ، الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، ولا يحسبون حساب اليوم الآخر ، ويكذبون بيوم الحساب والجزاء ، ويرين على قلوبهم الاثم والمعصية. ان هؤلاء انما يتنافسون في مال أو متاع من متاع الارض الزهيد. يريد كل منهم أن يسبق اليه ، وأن يحصل على أكبر نصيب منه. ومن ثم يظلم ويفجر ويأثم ويرتكب ما يرتكب في سبيل متاع من متاع الارض زائل.

وما في هذا العرض القريب الزهيد ينبغي التنافس. انما يكون التنافس في ذلك النعيم وفي ذلك التكريم : «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون» فهو مطلب يستحق المنافسة ، وهو أفق يستحق السباق ، وهو غاية تستحق الغلاب. والذين يتنافسون على شيء من أشياء الارض مهما كبر وجل وارتفع وعظم ، انما يتنافسون في حقير قليل فان قريب. والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة. ولكن الآخرة ثقيلة في ميزانه. فهي اذن حقيقة تستحق المنافسة فيها والمسابقة ومن عجب أن التنافس في أمر الآخرة يرتفع بأرواح المتنافسين جميعا. بينما التنافس في أمر الدنيا ينحط بها جميعا. والسعي لنعيم الآخرة يصلح الارض ويعمرها ويطهرها للجميع. والسعي لعرض الدنيا يدع الارض مستنقعا وبيئا تأكل فيه الديدان بعضها البعض. أو تنهش فيه الهوام والحشرات جلود الابرار الطيبين. والتنافس في نعيم الآخرة لا يدع الارض خرابا بلقعا كما قد يتصور بعض المنحرفين.

١٠٢

انما يجعل الاسلام الدنيا مزرعة الآخرة. ويجعل القيام بخلافة الارض بالعمار مع الصلاح والتقوى وظيفة المؤمن الحق. على أن يتوجه بهذه الخلافة الى الله ، ويجعل منها عبادة له تحقق غاية وجوده كما قررها الله ـ سبحانه ـ وهو يقول :

«وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» (١).

وان قوله :

«وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ» (٢).

لهو توجيه يمد بأبصار أهل الارض وقلوبهم وراء رقعة الارض الصغيرة الزهيدة ، بينما هم يعمرون الارض ويقومون بالخلافة فيها. ويرفعها الى آفاق أرفع وأطهر من المستنقع الآسن بينما هم يطهرون المستنقع وينظفونه.

ان عمر المرء في هذه العاجلة محدود ، وعمره في الآجلة لا يعلم نهايته الا الله. وان متاع هذه الارض في ذاته محدود. ومتاع الجنة لا تحده تصورات البشر. وان مستوى النعيم في هذه الدنيا معروف ومستوى النعيم هناك يليق بالخلود. فأين مجال من مجال؟ وأين غاية من غاية؟ حتى بحساب الربح والخسارة فيما يعهد البشر من الحساب؟

ألا ان السباق الى هناك .. «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون».

ولقد كان سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خير من يبعث روح

__________________

(١) سورة الذاريات ، الآية ٥٦.

(٢) سورة المطففين ، الآية ٢٦.

١٠٣

التنافس في الخير بين أصحابه ، وفي كتابي «رجال صدقوا (١)» عرضت موقفا فيه حث على التنافس في الخير حيث قلت : «قبيل غزوة أحد وقف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أصحابه ، ورفع في يده سيفا له كان مكتوبا عليه :

في الجبن عار

وفي الاقدام مكرمة

والمرء بالجبن

لا ينجو من القدر

وقال الرسول لاصحابه : من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقال أكثر من واحد : أنا يا رسول الله. وكان من هؤلاء عمر الفاروق ، وعلي ابن عم الرسول ، والزبير بن العوام وهو ابن عمة الرسول ، ولكن الرسول لم يعط السيف أحدا من هؤلاء ، ولعل السبب في هذا هو أنهم لم يسألوا عن حق أخذ السيف ، وقد قال الرسول : «من يأخذ هذا السيف بحقه».

ثم قام أبو دجانة فقال : وما حقه يا رسول الله؟ قال : حقه أن تضرب به في وجه العدو حتى ينحني. فقال : أنا آخذه بحقه يا رسول الله».

وتحت عنوان : «يتنافسون في الخير» من كتابي «لمحات عن أبي بكر» قلت ما يلي : «نحن نفتخر اليوم بأشياء كثيرة ، فمنا الذي يفتخر بأنه أغنى من سواه ومنا الذي يفتخر بأن قوته أكثر من قوة غيره ، ومنا الذي يفتخر بأن ملابسه أجمل من ملابس غيره ، وهذا الافتخار بعيد عن الحق والصواب ، لأن الانسان الكامل لا يفتخر بهذه الاشياء التافهة ، والمظاهر الحقيرة ، وانما يكون التسابق والتنافس في العلم والادب والخلق والعمل الصالح ، وقديما كان آباؤنا واجدادنا يتنافسون في الخيرات ، ويتسابقون الى الطاعات ، ويسارعون الى المكرمات ، فكل منهم يود أن يسبق أخاه

__________________

(١) كتابي : «رجال صدقوا» صفحة ٥٠ نشر دار الهلال. سنة ١٩٧٦.

١٠٤

في ميدان الطاعة والبر ، لا في مهاوي الفجور والاثم ، ولقد كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينافس سيدنا ابا بكر في عمل الخير ، وهذا من قوة الايمان وحسن الجهاد وصدق النظر.

وذات يوم طلب النبي من صحابته أن يقدم كل منهم ما يستطيع من المال والمتاع والطعام والسلاح الى جيش المسلمين الذي سيخرج غازيا في سبيل الله ، وهو محتاج الى المعونة والمساعدة ، فقال عمر في نفسه : والله لأسبقن أبا بكر اليوم .. وعزم رضي الله عنه على أن يضحي بشيء يظن أن أبا بكر لا يضحي به ، فذهب الى بيته وقسم ماله وجميع ما يملكه نصفين ، وأبقى النصف الاول لعياله وأهله ، وذهب بالنصف الثاني الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : وما الذي أبقيت لاهلك يا عمر؟ فقال عمر : أبقيت نصف مالي يا رسول الله ، فيشكره النبي ويثني عليه بالخير ، وترتاح نفس عمر الى هذا الاحسان الذي قدمه لوجه الله ، ولكن سيدنا أبا بكر يأتي بعد قليل ، وقد حمل وراءه مالا كثيرا ، ومتاعا كبيرا لقد حمل ماله كله ، دون أن يبقى منه شيئا لأولاده وأهله ، وأراد النبي أن يسأله عما أبقى لأسرته فقال له : وماذا أبقيت لأهلك يا أبا بكر؟ فأجاب سيدنا أبو بكر اجابة المؤمن الواثق بالله ، المعتمد على رزقه ، المتكل على فضله : يا رسول الله ، لقد أبقيت لهم الله ورسوله.

نعم أبقى لهم الله ورسوله ، والله أكرم من كل كريم ، ورسوله أعز من كل عزيز ، وما عندكم ينفد وما عند الله باق.

هنا حدث عمر نفسه بأنه لن يستطيع أن يسبق أبا بكر بعد ذلك في ميدان الخير ، ورضوان الله على صحابة النبي أجمعين.

* * *

واذا كان التنافس في الخير فضيلة من فضائل القرآن فان رسول الله

١٠٥

عليه الصلاة والسّلام يحذرنا من لون خبيث وسيء من ألوان التنافس ، وهو التنافس على حطام الدنيا الزائلة ، ولذلك يقول عليه الصلاة والسّلام فيما يرويه البخاري : «والله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم ، فتتنافسوها كما تنافسوها ، وتلهيكم كما ألهتهم». وفي حديث آخر يقول صلوات الله وسلامه عليه : «اني والله لأنظر الى حوضي الآن ، واني قد أعطيت خزائن مفاتيح الارض ، واني والله ما أخاف بعدي أن تشركوا ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا في الدنيا» وفي رواية أخرى للبخاري : «اني لست أخشى عليكم أن تشركوا ، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها». وفي هذه النصوص بيان أن زهرة الدنيا ينبغي لمن فتحت عليه أن يحذر من سوء عاقبتها وشر فتنتها ، فلا يطمئن الى زخرفها ، ولا ينافس غيره فيها.

نسأل الله جل جلاله أن يرزقنا فضيلة التنافس في الخير ، والبعد عن التنافس في زائل متاع الحياة انه نعم المولى ونعم النصير.

* * *

١٠٦

الشوق الى لقاء الله

مادة الشوق تدل على تعلق الشيء بالشيء ، والشوق والاشتياق نزاع النفس الى الشيء ، والشوق حركة الهوى ، وشاقني حسنها وشوقني : هاجني وهيّج شوقي.

وقال السابقون ان الشوق هو هبوب القلب الى غائب ، أو سفر القلب الى محبوبه ، أو اهتياج القلوب الى لقاء المحبوب.

والشوق هو احتراق الاحشاء. ومنها يتهيج ويتولد ، ويلهب القلوب ، ويقطع الاكباد ، وقيل هو لهب ينشأ بين أثناء الحشا ، يسنح عن الفرقة ، فاذا وقع اللقاء انطفأ. وقيل الشوق ارتياح القلوب بالوجد ، ومحبة اللقاء بالقرب. والشوق أثر من آثار المحبة ، وحكم من أحكامها ، فانه سفر القلب الى المحبوب في كل حال.

والشوق الى لقاء الله خلق من أخلاق القرآن الكريم ، وفضيلة من فضائل الاسلام العظيم ، وجانب من هدي الرسول عليه الصلاة والتسليم ، ولم ترد مادة «الشوق» بلفظها في القرآن الكريم ، ولكن العلماء استدلوا على وجود هذه الفضيلة بقول الله تعالى في سورة العنكبوت :

«مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ

١٠٧

السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (١).

وقالوا في تفسير الآية الكريمة : كان الله تبارك وتعالى ـ وهو أعلم بمراده ـ يريد بهذه الآية الكريمة تعزية المشتاقين اليه ، والتسلية لهم ، ومن أراد لقاء الله فهو مشتاق اليه ، وقد ضمن الله لهذا المشتاق وعد اللقاء ، وحدد له أجلا يتحقق عما قريب ، فهو آت لا محالة ، وكل آت قريب.

وفي تفسير «لطائف الاشارات» يقول القشيري عن الآية : من خاف عذاب الله يوم الحساب فسيلقى يوم الحشر الامان الموعود منا لأهل الخوف اليوم. ومن أقل الثواب يوم البعث فسوف يرى ثواب ما اسلفه من العمل ، ومن زجّى عمره في رجاء لقائنا فسوف نبيح اليه النظر الينا ، وسوف يتخلص من الغيبة والفرقة ، والله هو السميع لأنين المشتاقين ، وهو العليم بحنين المحبين الوالهين.

وقد أشار بعض الشعراء الى أثر تعلل المشتاق برجاء اللقاء فقال :

لو لا التعلل بالرجاء لقطعت

نفس المحب صبابة وتشوقا

ولقد يكاد يذوب منه قلبه

مما يقاسي حسرة وتحرقا

حتى اذا روح الرجاء أصابه

سكن الحريق اذا تعلل باللقا

ويقول القرآن الكريم في سورة الكهف :

«فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» (٢).

__________________

(١) سورة العنكبوت ، الآية ٥.

(٢) سورة الكهف ، الآية ١١٠.

١٠٨

فالعارف بالله كما يقول القشيري يرجو لقاء الله والنظر اليه ، والعمل الصالح الذي بوجوده يصل الى لقائه هو صبره على لواعج اشتياقه وان يخلص في عمله.

وقد قال بعض المفسرين : عجلت شوقا اليك ، فستر الشوق بلفظ الرضا.

وعلامة الشوق الى لقاء الله تبارك وتعالى هو فطام الجوارح عن الشبهات. وقيل ان علامة الشوق حب الموت مع الراحة والعافية ، كحال يوسف عليه‌السلام لما ألقي في الجب لم يقل لربه : «توفني» ولما أدخل السجن لم يقل : «توفني». ولما تم له الامر والامن والنعمة قال :

«تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ» (١).

وقد اختلف العلماء في زوال الشوق باللقاء ، فبعضهم قال : ان الشوق ينطفىء باللقاء والوصول والقرب ، لأن الشوق قبل الوصول كان على الخبر والعلم ، وبعد الوصول صار على العيان والشهود ، والشاعر يقول :

وأبرح ما يكون الشوق يوما

اذا دنت الخيام من الخيام

وقال شاعر آخر :

وقد زعموا أن المحب اذا دنا

يمل وأن القرب يشفي من الوجد

بكل تداوينا فلم يشف ما بنا

على أن قرب الدار خير من البعد

على أن قرب الدار ليس بنافع

اذا كان من تهواه ليس بذي ود

ويقول أحمد شوقي على لسان قيس بن الملوح مصورا شوقه الى لقاء حبيبته :

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية ١٠١.

١٠٩

اذا طاف قلبي حولها جن شوقه

كذلك يطفي الغلة المنهل العذب

يحن اذا شطت ويصبو اذا دنت

فيا ويح قلبي كم يحن وكم يصبو

هذا هو القول الاول ، وبعضهم يقول ان الشوق يسكن باللقاء ، والاشتياق لا يزول باللقاء ، كقول من قال :

ما يرجع الطرف عنه عند رؤيته

حتى يعود اليه الطرف مشتاقا

والشوق كما ذكر ابن القيم ثلاث درجات ، أو ثلاثة أنواع :

١ ـ شوق العابد الى الجنة ، ليأمن الخائف ، ويفرح الحزين ، ويظفر الامل.

٢ ـ الشوق الى الله عزوجل ، لأن رؤية الله أطيب ما في الجنة.

٣ ـ الشوق الذي يضرمه صفو المحبة لله جل جلاله.

ولقد كان سيدنا وقائدنا ورائدنا رسول الله محمد عليه الصلاة والسّلام دائم الشوق الى لقاء الله عزوجل ، لم يسكن شوقه الى لقائه قط ، وكان من دعائه صلوات الله وسلامه عليه لربه عز شأنه : «أسألك لذة النظر الى وجهك ، والشوق الى لقائك».

وظل الرسول يشتاق الى لقاء ربه ، ويناجي مولاه : اللهم اني أحببت لقاءك فأحبب لقائي. وفي آخر خطبة خطبها في حياته قال فيها : ان الله خيّر عبدا بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ذلك العبد ما عند الله.

وروي أنه خطب فقال : ان رجلا خيّره ربّه بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يأكل منها ، وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه.

ولقد وصف الحديث النبوي أهل الجنة بأنهم أشوق شيء الى رؤية ربهم وسماع كلامه.

١١٠

ولقد تحدث الصوفية كثيرا ـ على طريقتهم ـ عن الشوق الى لقاء الله عزوجل فقد سئل رويم البغدادي عن الشوق ، فقال : ان تشوقه آثار المحبوب ، وتغنيه مشاهدته.

وقال أبو علي الجوزجاني «السابقون هم المقربون بالعطيات ، والمرتفعون في المقامات ، وهم العلماء بالله من بين البرية ، عرفوا الله حق معرفته ، وعبدوه باخلاص العبادة ، وأووا اليه بالشوق والمحبة ، وهم الذين قال الله عزوجل فيهم : «وانهم عندنا لمن المصطفين الاخيار».

وقال أبو حفص النيسابوري : «من تجرع كأس الشوق يهيم هياما لا يفيق الا عند المشاهدة واللقاء».

ويقول يحيى بن معاذ : «الهي ، أحلى العطايا في قلبي رجاؤك ، وأعذب الكلام على لساني ثناؤك ، وأحب الساعات الي ساعة يكون فيها لقاؤك».

ويقول عبد الله الانطاكي : «خلق الله القلوب مساكن للذكر ، فصارت مساكن للشهوات ، ولا يمحو الشهوات من القلوب الا خوف مزعج ، أو شوق مقلق».

نسأل الله جل جلاله أن يهبنا الشوق الدائم الى لقائه وان يكتب لنا نعيمه في ساحة رضوانه ، انه نعم المولى ونعم النصير.

* * *

١١١

الفرار الى الله

الفرار كلمة تدل على الهرب من شيء مخوف. وتفاروا : تهاربوا.

والمفر : جيد الفرار. والفرفرة : التمزيق ، وفي حديث عون بن عبد الله عن أبي حازم سلمة بن دينار : «ما رأيت أحدا يفرفر الدنيا فرفرة هذا الاعرج» أي يذمها ويمزقها بالذم والوقيعة فيها. وفرفر : أسرع وقارب الخطو. والفرفور : الغلام الشاب.

والفرار الى الله خلق من أخلاق القرآن الكريم ، وفضيلة من فضائل الاسلام العظيم ، وجانب من هدي النبي عليه الصلاة والتسليم ، ومعناه أن يلجأ الانسان دائما الى حمى ربه وساحته ، فيفر من أسباب العقاب الى أسباب الرحمة والثواب ، ويفرد الله وحده بالعبادة والطاعة لا يشرك به أحدا سواه ، وهذه الفضيلة تتحقق على وجهها اذا بذل الانسان ما في وسعه لاداء ما فرضه الله عليه ، واتيان ما يحبه ربه ويرتضيه ، ويواظب على المحاسبة والمراقبة ، حتى يكون مع الله في أحواله جميعها.

وقد وردت مادة الفرار في قوله تبارك وتعالى من سورة الذاريات :

«فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ، وَلا تَجْعَلُوا

١١٢

مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ» (١).

يقول الطبري في معنى هذا النص الكريم ما خلاصته : اهربوا أيها الناس من عقاب الله الى رحمته بالايمان به ، واتباع أمره ، والعمل بطاعته ، اني لكم من الله نذير أنذركم عقابه وأخوفكم عذابه الذي أحله بهؤلاء الامم الذين قص عليكم قصصهم ، والذي هو مذيقهم في الآخرة ، وهو مبين لكم انذاره. ولا تجعلوا أيها الناس مع معبودكم الذي خلقكم معبودا آخر سواه ، فانه لا معبود تصلح له العبادة غيره. اني لكم أيها الناس نذير من عقابه على عبادتكم الها غيره ، وأنا نذير مبين قد أبان لكم انذاره.

والآيات التي وردت في سورة الذاريات تسير هكذا :

«وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ، وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ ، وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ، وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ» (٢).

وقد أشار الفخر الرازي الى أن هذا النص فيه لطائف :

الاولى : قوله تعالى ففروا ينبىء عن سرعة الإهلاك ، كأنه يقول : ان الاهلاك والعذاب أسرع وأقرب من أن يحتمل الحال الابطاء في الرجوع ، فافزعوا الى الله سريعا وفروا.

__________________

(١) سورة الذاريات ، الآية ٥٠ و ٥١.

(٢) سورة الذاريات ، الآية ٤٧ ـ ٥١.

١١٣

الثانية : قوله تعالى «الى الله» بيان المهروب اليه ، ولم يذكر الذي منه الهرب لاحد وجهين :

اما لكونه معلوما وهو هول العذاب ، أو الشيطان الذي قال فيه : «ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا» واما ليكون عاما ، كأنه يقول : كل ما عدا الله عدو لكم ، ففروا الى الله من كل ما عداه. وبيانه هو أن كل ما عداه يتلف عليك رأس مالك ، وهو العمر ، ويفوت عليك ما هو الحق والخير ، ومتلف رأس المال ومفوت الكمال عدو. وأما اذا فررت الى الله ، وأقبلت على الله فهو يأخذ عمرك ، ولكنه يرفع أمرك ، ويعطيك بقاء لا فناء معه.

الثالثة : في النص تنويع للكلام وفيه فائدة بيانها أن الله تعالى قال : والسماء بنيناها ، والارض فرشناها ، ومن كل شيء خلقنا ، ثم جعل الكلام للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : ففروا الى الله اني لكم منه نذير مبين ، ولم يقل : ففروا الينا وذلك لان اختلاف الكلام له تأثير ، وكذلك لاختلاف المتكلمين تأثير ، ولهذا يكثر الانسان من النصائح مع ولده الذي حاد عن جادة الصواب ، ويجعل الكلام مختلفا : نوعا ترغيبا ، ونوعا ترهيبا وتنبيها بالحكايات ثم يقول لغيره تكلم معه ، لعل كلامك ينفع لما في أذهان الناس أن اختلاف المتكلمين واختلاف الكلام كلاهما مؤثر ، والله تعالى ذكر أنواعا من الكلام ، وكثيرا من الاستدلالات والآيات.

ويذهب تفسير «في ظلال القرآن» الى أن الله تبارك وتعالى في ظل هذه اللمسات القصيرة العبارة الهادئة المدى في أجواز الفضاء ، وفي آماد الارض ، وفي أعماق الخلائق ، يهتف بالبشر ليفروا الى خالق السماء والارض والخلائق ، متجردين من كل ما يثقل أرواحهم ويقيدها ، موحدين الله الذي خلق هذا الكون وحده بلا شريك : «ففروا الى الله اني لكم منه نذير مبين ، ولا تجعلوا مع الله الها آخر اني لكم منه نذير مبين».

١١٤

والتعبير بلفظ الفرار ـ كما يذكر التفسير ـ عجيب حقا ، وهو يوحي بالاثقال والقيود والاغلال والارهاق ، التي تشد النفس البشرية الى هذه الارض ، وتثقلها عن الانطلاق ، وتحاصرها وتأسرها وتدعها في عقال ، وبخاصة أوهاق الرزق والحرص والانشغال بالاسباب الظاهرة للنصيب الموعود ، ومن ثم يجيء الهتاف قويا للانطلاق والتملص والفرار الى الله من هذه الاثقال والقيود ... الفرار الى الله وحده منزها عن كل شريك ، وتذكير الناس بانقطاع الحجة وسقوط العذر «اني لكم منه نذير مبين» ... وتكرار هذا التنبيه في آيتين متجاورتين زيادة في التنبيه والتحذير.

ويرى القشيري ان معنى الفرار الى الله هو الرجوع الى الله ، لان الانسان باحدى حالتين ، اما حالة رغبة في شيء ، او حال رهبة من شيء ، أو حال رجاء أو حال خوف ، أو حال جلب نفع أو دفع ضر ، وفي الحالتين ينبغي أن يكون فرار الانسان الى الله تعالى ، فان النافع الضار هو الله جل جلاله.

ويقال : من صح فراره الى الله صح قراره مع الله. ويقال : يجب على العبد أن يفر من الجهل الى العلم ، ومن الهوى الى التقى ، ومن الشك الى اليقين ، ومن الشيطان الى الله.

وقد وردت مادة الفرار أيضا في سورة الشعراء في قوله تعالى على لسان موسى عليه‌السلام :

«فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ» (١).

أي ففررت منكم معشر الملأ من قوم فرعون لما خفت ان تقتلوني بقتل

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآية ٢١.

١١٥

القتيل منكم ، فوهب لي ربي نبوة ـ وهي الحكم ـ وألحقني بعداد من أرسلهم الى خلقه ، مبلغا عنه رسالته اليهم ، بارساله اياي اليك يا فرعون.

والفرار كما قالوا نوعان : فرار السعداء وفرار الاشقياء ، ففرار السعداء الى الله ، كما قال الله تعالى : «ففروا الى الله». وفرار الاشقياء ، وهو والعياذ بالله فرار من الله لا الى الله ، وهؤلاء هم أصحاب العاقبة السيئة وبئس المصير. وقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في شأن الفارين السعداء : فروا من الله الى الله وعملوا بطاعته ، أي هربوا من عذاب الله الى ثوابه بالايمان والطاعة.

وقال سهل بن عبد الله عنهم : فروا مما سوى الله الى الله عزوجل.

وقد تحدث ابن القيم عن فضيلة «الفرار الى الله» في كتابه «مدارج السالكين» عن درجات الفرار الى الله فجعلها ثلاث درجات :

الاولى : فرار العامة من الجهل الى العلم عقدا وسعيا ، أي اعتقادا وسعيا ونفعا بالعمل الصالح ، والجهل هو عدم العلم بالحق النافع ، وعدم العمل بموجبه ومقتضاه ، وقد قال قتادة : أجمع أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن كل ما عصي الله به فهو جهالة.

ويشمل هذا الفرار الفرار من داعي الكسل الى التشمير بالجد وصدق العمل ، واخلاصه من شوائب الفتور والتهاون ، ويشمل هذا الفرار أيضا الفرار من ضيق الصدر بالهموم والاحزان والمخاوف الى سعة الثقة بالله ، وحسن الرجاء لجميل صنعه ولطفه وبره ، فالله تعالى يجعل لمتقيه من كل ضيق مخرجا ، فانه كلما كان العبد حسن الظن بالله ، حسن الرجاء فيه. صادق التوكل عليه ، فان الله لا يخيب أمله فيه البتة ، فانه سبحانه لا يخيب أمل آمل ، ولا يضيع عمل عامل.

الثانية : فرار الخاصة وهو الفرار من ظواهر العلم والعمل الى حقائق

١١٦

الايمان ومعاملات القلوب ، ومن حظوظ النفس ورغباتها الى التجرد لعبادة الله عزوجل ، فصاحب هذا التجريد لا يقنع من الله بأمر يسكن اليه دون الله ، ولا يفرح بما حصل له دون الله ، ولا يأسى على ما فاته سوى الله ، ولا يستغني برتبة شريفة ، وان عظمت عنده أو عند الناس ، فلا يستغني الا بالله ، ولا يفتقر الا الى الله ، ولا يفرح الا بمرافقته لمرضاة الله ، ولا يحزن الا على ما فاته من الله ، ولا يخاف الا من سقوطه من عين الله واحتجاب الله عنه ، فكله بالله ، وكله لله ، وكله مع الله ، وسيره دائما الى الله.

الثالثة : فرار خاصة الخاصة : وهو الفرار مما دون الحق الى الحق.

وهناك فرار لا فائدة له ولا جدوى من ورائه كقول القرآن في سورة الاحزاب :

«قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً» (١).

وقوله تعالى في سورة الجمعة :

«قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (٢).

وتحدث القرآن عن نوع معيب من الفرار ، وهو الفرار من التبعة والواجب ، كقوله في سورة الاحزاب :

__________________

(١) سورة الاحزاب ، الآية ١٦.

(٢) سورة الجمعة ، الآية ٨.

١١٧

«وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً» (١).

وكقوله في سورة نوح :

«دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً ، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً» (٢).

ولأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرّم الله وجهه في كتابه «نهج البلاغة» كلمات بليغة في الاشارة الى الفرار الى الله ، عن طريق التقوى ، والاعراض عن الدنيا والاستعداد للقاء الموت ، ومن ذلك قوله : «أيها الناس ان أخوف ما أخاف عليكم اثنان : اتباع الهوى وطول الامل ، فاما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، واما طول الامل فينسي الآخرة. ألا وان الدنيا قد ولت حذّاء (أي مسرعة) ، فلم يبق منها الا صبابة (بقية) كصبابة الاناء اصطبها صابها. ألا وان الآخرة قد أقبلت ، ولكل منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فان كل ولد سيلحق بأمه يوم القيامة ، وان اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل».

وفي موطن ثان يخاطب الناس بقوله : «انظروا الى الدنيا نظر الزاهدين فيها ، الصادفين عنها ، فانها والله عما قليل تزيل الناوي الساكن ، وتفجع المترف الآمن ، لا يرجع ما تولى منها فأدبر ، ولا يدرى ما هو آت منها فينتظر ، سرورها مشوب بالحزن ، وجلد الرجال فيها الى الضعف

__________________

(١) سورة الاحزاب ، الآية ١٣.

(٢) سورة نوح ، الآية ٥ ـ ٦.

١١٨

والوهن ، فلا يغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها ، لقلة ما يصحبكم منها. رحم الله امرأ تفكر فاعتبر ، واعتبر فأبصر ، فكأن ما هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن ، وكأن ما هو كائن من الآخرة عما قليل لم يزل ، وكل معدود منقض ، وكل متوقع آت ، وكل آت قريب دان».

وفي موضع ثالث يقول : «أيها الغافلون غير المغفول عنهم ، والتاركون المأخوذ منهم ، مالي أراكم عن الله ذاهبين ، والى غيره راغبين ، كأنكم نعم أراح بها سائم الى مرعى وبيّ ومشرب دويّ (وبيل) ، انما هي كالمعلوفة للمدى (السكاكين) لا تعرف ماذا يراد بها ، اذا أحسن اليها تحسب يومها دهرها ، وشبعها أمرها».

وفي موطن آخر يقول : «أيها الناس ، انما الدنيا دار مجاز ، والآخرة دار قرار ، فخذوا من ممركم لمقركم ، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم ، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم ، من قبل أن تخرج منها أبدانكم ، ففيها اختبرتم ، ولغيرها خلقتم ، ان المرء اذا هلك قال الناس ما ترك؟. وقالت الملائكة : ما قدّم؟. فقدموا بعضا يكن لكم ، ولا تخلفوا كلا فيكون عليكم».

نسأل الله تباركت آلاؤه وعمت نعماؤه ، أن يجعلنا من الذين يفرون اليه رجاء رضوانه ، يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم.

١١٩

السلوك

السلوك معناه في لغة العرب : النفاذ في الطريق ، يقال سلكت الطريق سلوكا اذ امضيت فيه ، والمسلك أيضا : الطريق ، وسلك يده في جيبه أدخلها فيه ، والسلكى الامر المستقيم على طريقة واحدة. ومن أقوالهم المأثورة : خذ في مسالك الحق. وقد وردت مادة السلوك في مواطن من القرآن الكريم ، ففي سورة النحل قوله تعالى مخاطبا النحل :

«ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً» (١).

ويقول القرآن في سورة طه :

«الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً» (٢).

ويقول في سورة الزمر :

«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي

__________________

(١) سورة النحل ، الآية ٦٩.

(٢) سورة طه ، الآية ٥٣.

١٢٠