دروس في علم الأصول - ج ١

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

ضابط المفهوم :

ونريد الآن ان نعرف الربط المخصوص الذي يؤخذ في المنطوق ويكون منتجا للمفهوم. توضيح ذلك : أنّا اذا اخذنا الجملة الشرطية كمثال للقضايا التي يبحث عن ضابط ثبوت المفهوم لها نجد أنّ لها مدلولا تصوّريا ومدلولا تصديقيا. وحينما نفترض المفهوم للجملة الشرطيّة (تارة) نفترضه على مستوى مدلولها التصوّري ، بمعنى ان الضابط الذي به يثبت المفهوم يكون داخلا في المدلول التصوّري للجملة ، (وأخرى) نفترضه على مستوى مدلولها التصديقي ، بمعنى ان الضابط الذي به يثبت المفهوم لا يكون مدلولا عليه بدلالة تصوّرية بل بدلالة تصديقية.

أمّا الضابط لافادة المفهوم في مرحلة المدلول التصوّري فهو ان يكون الربط المدلول عليه بالاداة (١) او الهيئة (٢) في هذه المرحلة من النوع الذي يستلزم الانتفاء عند الانتفاء لان ربط قضية (٣) او حادثة (٤) بقضية او حادثة أخرى إذ اردنا ان نعبّر عنه بمعنى اسمي وجدنا بالامكان التعبير عنه بشكلين :

فنقول تارة : «زيارة شخص للانسان تستلزم او توجد وجوب اكرامه».

__________________

(١) كحرفي «إنّما» و «إلّا» ونحو ذلك.

(٢) كهيئتي الجملتين الشرطية والوصفية.

(٣) كوجوب الاكرام في مثال «اذا نجح زيد فاكرمه».

(٤) كوجود النهار في مثال «اذا طلعت الشمس فان النهار سيوجد».

٢٨١

ونقول أخرى : «ان وجوب اكرام شخص يتوقّف على زيارته او هو معلّق على فرض الزيارة وملتصق بها (١)».

ففي القول الاوّل استعملنا معنى الاستلزام ، وفي القول الثاني استعملنا معنى التوقف والتعليق والالتصاق. والمعنى الاوّل لا يدلّ التزاما على الانتفاء عند الانتفاء (٢) ، والثاني يدلّ عليه (٣).

فلكي تكون الجملة الشرطية ـ مثلا ـ مشتملة في مرحلة المدلول التصوّري على ضابط افادة المفهوم لا بدّ ان تكون دالّة على ربط الجزاء بالشرط (٤) بما هو معنى حرفي مواز للمعنى الاسمي للتوقف والالتصاق ، لا على الربط بما هو معنى حرفي مواز للمعنى الاسمي لاستلزام الشرط للجزاء.

__________________

(١) قال رحمه‌الله «وملتصق بها» ولم يقل «وان الزيارة ملتصقة بوجوب الاكرام» لأن المراد من الالتصاق في الاوّل هو الالتصاق من جهة الحكم لا الالتصاق من جهة الموضوع (الزيارة) ، فالالتصاق من جهة الحكم يعني ان الجزاء لا يحصل الّا اذا حصل هذا الشرط ، فكأنه وليد هذا الشرط فقط لا ايّ شرط آخر ، وهذا يكشف عن كون العلة منحصرة ، وهذا المعنى هو الذي يفيد المفهوم دون الالتصاق من ناحية الشرط.

(٢) إذ لعله يوجد علة أخرى غير زيارته تستلزم وجوب اكرامه فلا تدلّ بناء على هذا الاحتمال على انتفاء طبيعي الحكم عند انتفاء الزيارة ، نعم تدلّ على انتفاء شخص الحكم فقط عند انتفاء الزيارة.

(٣) لان التوقف يكشف عن تمامية العلّة وانحصارها بشرط ان يكون الحكم المتوقف عليها هو الطبيعي على ما سيقول المصنف رحمه‌الله بعد أسطر.

(٤) أي بمعنى توقّف الجزاء على الشرط والتصاقه به.

٢٨٢

ولا بد ـ إضافة الى ذلك ـ ان يكون المرتبط على نحو التوقف والالتصاق طبيعي الوجوب لا وجوبا خاصّا ، وإلّا لم يقتض التوقف إلا انتفاء ذلك الوجوب الخاص ، وهذا القدر من الانتفاء يتحقق بنفس قاعدة احترازية القيود ولو لم نفترض مفهوما.

واذا ثبتت دلالة الجملة في مرحلة المدلول التصوّري على النسبة التوقّفية والالتصاقية ثبت المفهوم ولو لم يثبت كون الشرط علة للجزاء او جزء علة له بل ولو لم يثبت اللزوم إطلاقا وكان التوقف لمجرّد صدفة.

وأمّا على مستوى المدلول التصديقي [الاستعمالي] للجملة فقد تكشف الجملة في هذه المرحلة عن معنى يبرهن على ان الشرط علة منحصرة او جزء علّة (١) منحصرة للجزاء ، وبذلك يثبت المفهوم ، وهذا من قبيل المحاولة الهادفة لاثبات المفهوم تمسّكا بالاطلاق الاحوالي للشرط (٢) لاثبات كونه مؤثّرا على ايّ حال سواء سبقه شيء آخر أو لا ، ثم لاستنتاج انحصار العلّة بالشرط من ذلك ، إذ لو كانت للجزاء علة أخرى

__________________

(١) أي جزء أخير للعلّة إذ لو اراد كونها جزء علة أو إحدى علّتين لذكر ذلك.

(٢) ففي قولنا «اذا نجح زيد فاكرمه» يقولون اننا نستفيد المفهوم من استفادة تمامية العلّة في الشرط المذكور ، اي نستفيد معنى وجوب اكرام زيد اذا نجح على ايّ حال سواء كان غنيا ام فقيرا ام غير ذلك ، ويستنتجون انحصار العلّة بالشرط المذكور وكون هذا الشرط هو العلّة الوحيدة للجزاء من هذا الاطلاق الاحوالي ايضا ، إذ لو كان لوجوب الاكرام علّة أخرى كمجيئه مثلا لما كان شرط النجاح مؤثّرا ومقتضيا لوجوب الاكرام في حال مجيء زيد.

٢٨٣

لما كان الشرط مؤثّرا في حال سبق تلك العلة ، فان هذا انتزاع للمفهوم من المدلول التصديقي (١) ، لان الاطلاق الاحوالي للشرط مدلول لقرينة الحكمة (٢) ، وقد تقدّم سابقا ان قرينة الحكمة ذات مدلول تصديقي (٣) ولا تساهم في تكوين المدلول التصوّري.

هذا ما ينبغي ان يقال في تحديد الضابط

وامّا المشهور فقد اتجهوا الى تحديد الضابط للمفهوم في ركنين ـ كما مرّ بنا في الحلقة السابقة ـ :

أحدهما : استفادة اللزوم العلّي الانحصاري ، والآخر : كون المعلّق مطلق الحكم لا شخصه (٤) ، ولا كلام لنا فعلا في الركن الثاني ، وأمّا الركن الاوّل فالالتزام بر كنيته غير صحيح ، إذ يكفي في إثبات المفهوم ـ كما تقدّم ـ دلالة الجملة على الربط بنحو التوقف ولو كان على سبيل

__________________

(١) لاننا نفهم مثلا من المدلول التصديقى لهيئة الجملة الشرطية توقف طبيعي الحكم على الشرط على أيّ حال ، من خلال هذا الفهم نستفيد وجود مفهوم لهذه الجملة.

(٢) بمعنى ان ما ذكره من فهم التوقّف والعلة التامّة المنحصرة ناتج من جريان قرينة الحكمة في الشرط ، إذ لو وجد علّة أخرى او كان الشرط المذكور جزء علة لذكر ذلك ... على ما سيأتي بيانه في الجملة الشرطية إن شاء الله تعالى.

(٣) إذ ان مدلولها هو «لو أراد لقيّد مع كونه في مقام البيان ...».

(٤) المراد من شخص الحكم هو الحكم المعلول لموضوع الحكم والناتج عنه.

٢٨٤

الصدفة (١).

مورد الخلاف في ضابط المفهوم :

ثمّ ان المحقق العراقي رحمه‌الله ذهب الى انه لا خلاف في ان جميع الجمل التي تكلّم العلماء عن دلالتها على المفهوم تدلّ على الربط الخاص المستدعي للانتفاء عند الانتفاء ، اي على التوقف ، وذلك بدليل ان الكلّ متفقون على انتفاء شخص الحكم بانتفاء القيد ـ شرطا او وصفا ـ وانما اختلفوا في انتفاء طبيعي الحكم ، فلولا اتفاقهم على ان الجملة تدلّ على الربط الخاص المذكور لما تسالموا على انتفاء الحكم ولو شخصا بانتفاء القيد ، وعلى هذا الاساس فالبحث في إثبات المفهوم في مقابل المنكرين له ينحصر في مدى إمكان اثبات ان طرف الربط الخاص المذكور ليس هو شخص الحكم ، بل هو طبيعيه ليكون هذا الربط مستدعيا لانتفاء الطبيعي بانتفاء القيد ، وإمكان اثبات ذلك مرهون باجراء الاطلاق وقرينة الحكمة في مفاد هيئة الجزاء ونحوها (٢) مما يدلّ على الحكم في القضية.

وهكذا يعود البحث في ثبوت المفهوم لجملة «إذا كان الانسان

__________________

(١) كما اذا قيل «اذا جاء زيد جاء عمرو» فهنا يوجد توقف ولا يوجد علّية أصلا(*).

(٢) كمفاد هيئة الحكم في الجملة الوصفية واللقبية ونحوهما.

__________________

(*) هذا الكلام وان كان لغة صحيحا ولكن في مجال الشرائع والقوانين لا بد من ان يكون الشرط علة شرعية كما هو واضح من كل توقف حكم على موضوع.

٢٨٥

عالما فاكرمه» او لجملة «اكرم الانسان العالم» الى انه هل يجري الاطلاق في مفاد «اكرم» في الجملتين لاثبات ان المعلق على الشرط او الوصف طبيعي الحكم أو لا ، ونسمّي هذا بمسلك المحقق العراقي في إثبات المفهوم (*).

مفهوم الشرط :

ذهب المشهور الى دلالة الجملة الشرطية على المفهوم ، وقرّب ذلك بعدّة وجوه :

الاوّل : دعوى دلالة الجملة الشرطية بالوضع على ان الشرط علّة منحصرة للجزاء ، وذلك بشهادة التبادر.

وعلى الرغم من صحّة هذا التبادر اصطدمت الدعوى المذكورة بملاحظة وهي : أنها تؤدّي الى افتراض التجوّز عند استعمال الجملة الشرطية في موارد عدم الانحصار (١) ، وهو خلاف الوجدان ، فكأنه يوجد

__________________

(١) كما في «اذا خفي الاذان فقصّر» ، فانه بناء على إدّعاء التبادر بالوجدان سيفهم ان خفاء الاذان هو العلّة المنحصرة للجزاء بحيث لو ورد «اذا خفيت الجدران فقصّر» سيدّعى المجازية والتعارض ، (مع) اننا لا نشعر بالمجازية بالوجدان أيضا ، فكيف نوفّق بين هذين الوجدانين؟ و

__________________

(*) ويرد عليه رحمه‌الله بعدم صحّة جريان الاطلاق في الحكم ، اذ كيف يصحّ جريان الاطلاق في وجوب الاكرام في جملة اللقب مثلا فنثبت إرادة طبيعي الحكم في مثال «اكرم العالم»؟! وقد تستعمل الجملة الشرطية مثلا لافادة توقف شخص الحكم على الشرط لا طبيعي الحكم ولا يكون المتكلّم قد استعمل هيئة في غير معناها الحقيقي.

٢٨٦

في الحقيقة وجدانان لا بدّ من التوفيق بينهما :

احدهما : وجدان التبادر المدّعى (١) في هذا الوجه ، والآخر :

وجدان عدم الاحساس بالتجوّز عند استعمال الجملة الشرطية في حالات عدم الانحصار.

الثاني : دعوى دلالة الجملة الشرطية على اللزوم (٢) وضعا ، وعلى كونه لزوما علّيّاً انحصاريا بالانصراف لانه اكمل افراد اللزوم.

ولوحظ على ذلك (٣) ان الأكمليّة لا توجب الانصراف ، وان

__________________

كقولنا «اذا غرقت تموت» فانّ هذا لا ينفي انه يموت بسبب آخر أيضا ، فبناء على هذا الوجدان الذي ذكره بعد سطرين تحت عنوان «والآخر» لا يكون للجملة الشرطية مفهوم لعدم استفادة الانحصار.

(ملاحظة) ينبغي ان يعلم ان أداة «إذا» التي يستعملونها عادة للدلالة على الشرط قد لا تدلّ احيانا على الشرط وتكون دالّة على الظرفية فحسب ، كما ورد في بعض الروايات الصحيحة انه يجوز النظر الى رءوس نساء الاعراب والقرويّات ونحوهن «لانهنّ لا ينتهين اذا نهين عن التكشف» ، فاذا هنا متمحّضة في الظرفية ولا تفيد الشرطية.

(١) والذي يستلزم ادّعاء انحصار العلّة بالشرط المذكور.

(٢) اللزوم هنا يعني ان يكون بين الشرط والجزاء ارتباط علّي ، فهو بالتالي يكون مقابل الاتفاق الذي يؤيّده السيد المصنف رحمه‌الله.

(٣) هذان الجوابان ذكرهما صاحب الكفاية (راجع منتهى الدراية ج ٣ ص ٣١٨) ، ببيان انك اذا سمعت يوما «جاءك رجل» او «العالم العادل ذو قيمة عند الله» ونحو ذلك فهل تفهم منها ان الذي جاءك هو اكمل افراد الرجال ، او ان اكمل افراد العلماء العدول ذو قيمة عند الله تعالى دون بقية الافراد؟!

٢٨٧

الاستلزام في فرض الانحصار ليس باقوى منه (١) في فرض عدم الانحصار.

الثالث : دعوى دلالة الأداة (٢) على الربط اللزومي وضعا ، ودلالة تفريع الجزاء على الشرط في الكلام على تفرّعه عنه (٣) ثبوتا ، وكون الشرط علة تامّة له لاصالة التطابق بين مقام الاثبات والكلام ومقام الثبوت والواقع ، ودلالة الاطلاق الاحوالي في الشرط على انه علّة تامّة بالفعل (٤) دائما (٥) ، وهذا يستلزم عدم وجود علّة أخرى للجزاء وإلّا لكانت العلة ـ

__________________

(١) اي «ليس باكمل منه ...» ، وذلك لكون العلّة تامّة في كلتا حالتي الانحصار وعدم الانحصار ، ولا مدخلية للانحصار وعدمه في اكملية العلّة وأقوائيّتها ، وعلى اي حال فهذا نقاش في صغرى الدليل ، كما ان قوله «ان الاكملية لا توجب الانصراف ...» نقاش في الكبرى.

(٢) لعلّك لاحظت الفرق بين هذا الوجه والسابق في الدّال على الربط اللزومي وضعا ، فانه هيئة الجملة الشرطية على الوجه الثاني واداة الشرط على هذا الوجه الثالث.

(٣) أي بنحو العلية في مرحلة التصوّر والجعل ، فانّ استعمال لفظ دالّ على الربط اللزومي وضعا دالّ على كون هذا الربط بنحو الربط العلّي والمعلولي في مقام التصوّر والاعتبار وهذا مقتضى الترتب التشريعي بينهما او قل هذا مقتضى فهم العرف للترتب في التشريعات.

(٤) لانّ الشرط المذكور لو كان ناقصا لقال «و» ، وهذا مقتضى الاطلاق الأحوالي في الشرط.

(٥) مراده ب «دائما» لوحده ، إذ لو لم يكن الشرط علّة دائمة ولكن كان علّة في بعض الاحيان وفي أحيان أخرى يوجد الجزاء بعلّة أخرى لقال «أو» ، وهذا أيضا مقتضى الاطلاق الأحوالي في الشرط.

٢٨٨

في حال اقترانها ـ المجموع لا الشرط بصورة مستقلّة لاستحالة اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد ، فيصبح الشرط جزء العلّة وهو خلاف الاطلاق الاحوالي المذكور.

ويبطل هذا الوجه بالملاحظات التالية :

أوّلا : انه لا ينفي ـ لو تمّ ـ وجود علّة أخرى للجزاء فيما اذا احتمل كونها مضادّة بطبيعتها للشرط (١) ، او دخالة عدم الشرط في عليّتها

__________________

(١) فمثلا اذا ورد «اذا رأيت زيدا يدرس فاكرمه» فاننا نتمسّك بالاطلاق الاحوالي للشرط لننفي احتمال وجود علل أخرى لوجوب الاكرام ، فننفي مثلا احتمال علّيّة مجيء زيد او علّيّة صيرورته ذا اخلاق حسنة لوجوب الاكرام وذلك بان نقول : ان قول المولى «اذا رأيت زيدا يدرس فاكرمه» مطلق اي اذا رأيته يدرس فاكرمه على ايّ حال سواء جاءك او لم يجئك وسواء صارت اخلاقه حسنة او لا ... (فردّ) عليهم سيدنا المصنف رحمه‌الله بقوله هنا : ان هذا الاطلاق الاحوالي يصحّ في امثال الموارد المذكورة ولكن لا يصحّ في موارد احتمال كون العلّة الثانية المحتملة للحكم مضادّة بطبيعتها للشرط المذكور في قضيتنا المفروضة (الذي هو رؤيته زيدا يدرس) ، فلو احتملنا كون «نوم زيد» علّة أخرى للحكم فان الاطلاق الاحوالي لا ينفيه وذلك لعدم صحّة قولنا اذا رأيت زيدا يدرس فاكرمه على أيّ حال سواء كان نائما ام لا ، وذلك لعدم كون النوم من احوال الدرس لتضادّهما بالطبائع(١).

__________________

(*) نعم يمكن أن يقال بصحّة نفي احتمال وجود «علّة مضادّة بطبيعتها للعلة المذكورة» بالاطلاق الافرادي للشرط بمعنى أننا اذا احتملنا شرطية نوم زيد مثلا لوجوب اكرامه ـ

٢٨٩

للجزاء (١) ، فان احتمال علّة أخرى من هذا القبيل لا ينافي الاطلاق الاحوالي للشرط ، إذ ليس من احوال الشرط حينئذ حالة اجتماعه مع تلك العلّة.

ثانيا : ان كون الشرط علّة للجزاء لا يقتضيه مجرّد تفريع الجزاء

__________________

(١) كأن يكون فوز زيد على اخيه الاكبر منه علّة تامّة عند والدهما لوجوب اكرامه ، وكانت خسارته من اخيه هذا وفوزه على الغريب علّة تامّة أخرى لوجوب اكرامه ـ بأن نفترض ان معنى خسارته من اخيه وفوزه على الغريب كاشف عن كون ولده الاكبر مسلّم الاقوائية على الغريب ـ ففي هذه الحالة لا يصحّ جريان الاطلاق الاحوالي في شرط القضيّة الاولى لننفي احتمال وجود علّة أخرى من القبيل الثاني ، وذلك لعدم كون العلّة الثانية (وهي خسارته من اخيه وفوزه على الغريب) من أحوال العلّة الاولى فان خسارته من اخيه ليست من احوال فوزه عليه كما هو واضح. (اذن) يصحّ جريان الاطلاق الاحوالي في الشرط لننفي احتمال وجود جزء علة للشرط المذكور فيما اذا كان جزء العلّة المحتمل من احوال الشرط المذكور في القضية ولا يصحّ جريانه لنفي وجود علّة مناقضة للعلّة المذكورة في القضية المفروضة(*).

__________________

اضافة الى شرطية درسه ـ فقد يقال باننا ننفيه بالاطلاق الافرادي للشرط بأن يقال اذا درس زيد فاكرمه لا اذا نام ، وسيأتي الجواب على هذا الاطلاق الافرادي أيضا في تعليقتنا صفحة ٢٩٩.

(*) نعم يمكن القول ـ كالسابق ـ بصحّة التمسّك بالاطلاق اللفظي للشرط المذكور لنفي احتمال وجود علّة أخرى ولو مناقضة للشرط المذكور ، وفيه نظر كالسابق.

٢٩٠

على الشرط في الكلام الكاشف عن التفريع الثبوتي والواقعي ، وذلك لانّ التفريع الثبوتي لا ينحصر في العلّيّة بدليل ان التفريع بالفاء كما يصحّ بين العلّة والمعلول كذلك بين الجزء والكل (١) والمتقدّم زمانا والمتاخّر كذلك ، فلا معيّن لاستفادة العليّة من التفريع.

ثالثا : اذا سلّمنا استفادة علّية الشرط للجزاء من التفريع نقول : ان كون الشرط علّة تامّة للجزاء لا يقتضيه مجرد تفريع الجزاء على الشرط لانّ التفريع يناسب مع كون المفرّع عليه جزء العلّة ايضا ، وانما يثبت (٢) بالاطلاق ، لان مقتضى اطلاق ترتب الجزاء على الشرط انه يترتب عليه في جميع الحالات ، مع انه لو كان الشرط جزء من العلّة التامّة لاختصّ ترتب الجزاء على الشرط بحالة وجود الجزء الآخر ، فاطلاق ترتب الجزاء على الشرط في جميع الحالات ينفي كون الشرط جزء العلّة ، إلّا انه انما ينفي النقصان الذاتي للشرط (٣) (والنقصان الذاتي معناه كونه بطبيعته محتاجا في

__________________

(١) فيقال «إذا كان الكتاب لزيد فجزؤه له» و «اذا كان السابق زيدا فعمرو متأخّر» مع انه ليس الشرط فيهما علّة للجزاء.

(٢) أي وانما يثبت «كون الشرط علّة تامّة ...».

(٣) بيان المطلب : ان أجزاء العلل تارة يكون كلّ منها ناقصا في نفسه اي بحاجة الى مكمّل له ، وتارة يكون عند انفراده علّة تامّة ولكن عند اجتماعه مع علّة تامّة أخرى يصير كلّ منهما جزء العلّة فيصير ناقصا بالعرض ، مثال الاوّل وهي حالة النقصان الذاتي للشرط قولنا «اذا كان العالم عادلا وجب اكرامه» فان كونه عالما جزء العلة لوجوب اكرامه وعدالته الجزء الآخر المتمّم ، ومثال الثاني وهي حالة النقصان العرضي للشرط ان يدفع شخصان رجلا عن حافّة سطح دفعة واحدة ،

٢٩١

__________________

فان دفع كلّ مهما لو يكون لوحده لكان علّة تامّة لالقائه عن السطح ، ولكن مع اجتماعهما صار كلّ واحد منهما جزء العلّة ـ أو قل علّة ناقصة بالعرض ـ ، وذلك لاستحالة اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد ، (إذ ان هذا المعلول له وجود واحد وهو كاشف عن وحدة علّته ، ولو نظرنا الى جهة العلّة لقلنا لا تسمّى العلّة علّة الّا اذا اوجدت معلولا فلو كان عندنا علّتان فهذا كاشف لمي عن وجود معلولين(*). فاذا عرفت هذين الصنفين من أجزاء العلل فاعلم ان الاطلاق الاحوالي انما ينفي احتمال وجود جزء علة غير مذكور في القضية اذا كان من الصنف الاوّل ، فاذا قال لنا المولى «إذا كان العالم عادلا فاكرمه» فاننا ننفي احتمال تقيّد العالم العادل بقيود أخرى من قبيل الفقر ونحوه بالاطلاق الاحوالي لانّ الفقر وعدمه من احوال العالم العادل ، فانّ معنى «اذا كان العالم عادلا فاكرمه» اي اذا كان

__________________

(*) قد يقال بعدم استحالة اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد ، مثال ذلك : لو فرضنا وجود شمسين في سمائنا كلّ واحدة منهما كانت علّة تامّة لوجود النهار ، بحيث لو فنت إحداهما لبقي النهار موجودا ، فان وجود النهار في هذه الحالة معلول لعلّتين مستقلتين تامّتين عقلا وعرفا. مثال آخر : لو دفع شخصان شخصا ثالثا من شاهق فوقع ، فانه يمكن افتراض ان يكون كل شخص منهما كافيا في إلقائه بتلك الدفعة بحيث حتّى ولو لم يدفع معه صاحبه لكفت حركة يد الاوّل في تسبيب الالقاء ، وكذا الكلام في الثاني.

أليس معنى ذلك امكان تعدّد العلل المستقلّة على معلول واحد؟ (والجواب) ان المعلول في المثال الاوّل هو ذاك النهار القوىّ الاضاءة ، وهو مختلف عن النهار الذي يتسبّب عن شمس واحدة ، والمعلول في الثاني هو الالقاء بقوّة مضاعفة والتي ستسبّب له بعدا عن حافّة الجبل او السطح أكثر مما تسبّبه احدى هاتين الدفعتين. إذن المعلول في المثال الاوّل سببه مجموع الشمسين والمعلول في الثاني سببه مجموع الدفعتين ، فتنبّه.

٢٩٢

__________________

العالم عادلا فاكرمه على ايّ حال كان وكيفما كان فقيرا كان ام غنيا هاشميا كان ام عامّيا ... ، وامّا اذا كان جزء العلّة المحتمل من الصنف الثاني كما إذا قال المولى «إذا القى شخص شخصا من شاهق فمات فعليه القود» فلو فرضنا احتمال وجود علّة أخرى إذا انضمّت الى العلّة المذكورة في القضية السابقة صارت كلّ منهما جزء العلّة (كما لو اجتمع شخصان على إلقائه من الشاهق فمات) وأردنا اجراء الاطلاق الاحوالي في الشرط المذكور في القضية لكانت النتيجة هكذا «اذا ألقى شخص شخصا من شاهق فمات فعليه القود سواء شاركه غيره او لم يشاركه» مع ان هذه النتيجة غير صحيحة ، إذ يحتمل تغيّر الحكم فيصير مثلا «فعلى كل واحد منهما التعزير مثلا او السجن أو القود ويردّ على ورثة كلّ منهما نصف دية المقتول» ، وعلى ايّ حال فلا يصحّ اجراء الاطلاق الاحوالي في الشرط ليشمل هذا الاحتمال لان العلّة الثانية فيها تمام القابلية لانتاج المعلول ، وانضمامها مع الاولى ليصبحا جزءين لعلة واحدة ليس من احوال الشرط الاوّل ، اذ ليس من احوال العلّة التامّة حالة كونها ناقصة ولو بالعرض ، ولذلك ينبغي ان يقال ـ مع هكذا احتمال ـ بعدم صحّة الحكم على كلّ من القاتلين بالقود من خلال الاطلاق الاحوالي وذلك لتغاير الحالتين ، إذ انه يفهم من القضيّة الاولى كون دفعته علّة تامّة اي بنسبة ١٠٠% وفي الحالة الثانية صارت ٥٠% ، اي صارت علّة ناقصة وهذا امر آخر يغاير الحالة الاولى ، فليست الحالة الثانية من حالات الحالة الاولى(*).

__________________

(*) فيما افاده سيدنا الشهيد رحمه‌الله نظر ، إذ كان ينبغي التفصيل في المسألة ، فانه (تارة) يكون عمل كلّ منهما قابلا لوحده لانتاج المعلول ، و (تارة أخرى) يكون عمل كلّ منهما متمّما للآخر وغير قابل لانتاج المعلول لوحده ، ففي الحالة الاولى (يكون عروض) علة تامّة أخرى

٢٩٣

ايجاد الجزاء الى شيء آخر) ، ولا ينفي النقصان العرضي الناشئ من اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد (حيث ان هذا الاجتماع يؤدّي الى صيرورة كل منهما جزء العلّة) ، لان هذا النقصان العرضي لا يضرّ باطلاق ترتّب الجزاء على الشرط (١).

الرابع : ويفترض فيه أنّا استفدنا العليّة على أساس سابق ، فيقال في كيفية استفادة الانحصار انه لو كانت هناك علّة أخرى فإمّا ان تكون كلّ من العلتين بعنوانها الخاص سببا للحكم ، وإمّا ان يكون السبب هو الجامع بين العلّتين بدون دخل لخصوصيّة كل منهما في العلّة (٢) ،

__________________

(١) يعني لانّ نقصان العلّة ليس من احوال العلّة التامّة فلا يضرّ باطلاق الشرط. او قل لان هذا الاطلاق الاحوالي للشرط في قول الشارع اذا القى شخص شخصا من شاهق عمدا فعليه القود لا ينخدش في حالة نقصان علّية الشرط لانه لا ينظر الى حالة تعدّد الملقين فانه ليس من حالات وحدة الملقي تعدّد الملقي ، فهو لا يشمل هذا المورد من الاصل.

(٢) وهذا الكلام قريب لما يقولونه في تفسير الوجوب التخييري ، فهناك قالوا بانّ قول المولى مثلا «اذا افطر الشخص في شهر رمضان عامدا

__________________

إذا انضمّت الى الاولى يصير كلّ منهما جزء للعلّة بالعرض (من احوال الشرط المذكور) فيصحّ جريان الاطلاق الاحوالي وذلك لصحّة قولنا ان زيدا مثلا قد القى فلانا من شاهق فمات سواء شاركه آخر أم لم يشاركه ، او قل للاكتفاء عقلا ـ كما قلنا ـ بالعلّة الاولى وصحّة استناد الفعل له حقيقة ـ مع غضّ النظر عن صاحبه اي سواء شاركه في الدفع ام لم يشاركه ـ فيحكم عليه قاعدة بالقود ، وكذا الكلام في صاحبه ، وفي الحالة الثانية يصحّ كلام السيد المصنف رحمه‌الله وذلك لتغاير حالتي الشرطين في القضيتين.

٢٩٤

وكلاهما غير صحيح ، أمّا الاوّل فلأن الحكم موجود واحد شخصي في عالم التشريع ، والموجود الواحد الشخصي يستحيل ان تكون له علتان ، وأمّا الثاني فلأن ظاهر الجملة الشرطية كون الشرط بعنوانه الخاص دخيلا في الجزاء.

والجواب بامكان اختيار الافتراض الاوّل ولا يلزم محذور ، وذلك بافتراض جعلين وحكمين متعددين في عالم التشريع :

احدهما : معلول للشرط بعنوانه الخاص ،

والآخر : معلول لعلة أخرى ،

فالبيان المذكور انما يبرهن على عدم وجود علّة أخرى لشخص الحكم لا لشخص آخر مماثل (١).

الخامس : ويفترض فيه أيضا أنّا استفدنا العلّية على أساس سابق ، فيقال في كيفية استفادة الانحصار :

__________________

فعليه ان يصوم شهرين او يعتق رقبة او يطعم ستين مسكينا» معناه ان الافطار المذكور سبب لمعلول واحد ، هذا المعلول (الجامع) له ثلاثة مصاديق. وهنا الامر كذلك لكن من جهة العلّة ، فان معنى «إن نجح زيد فاكرمه» و «إن صارت اخلاقه حسنة فاكرمه» هو ان علّة وجوب الاكرام هو سبب واحد له مصداقان.

(١) كما في المثالين السابقين «اذا نجح فاكرمه» و «اذا صارت اخلاقه حسنة فاكرمه» ، فالمعلول في الثاني وان ماثل المعلول في الاوّل نوعا الّا انه يغايره في الشخص والحقيقة ، وذلك كما في زيد وعمرو فانهما وان تماثلا في نوع الانسان الّا ان حقيقة كلّ منهما ووجوده تغاير ما للآخر

٢٩٥

ان تقييد الجزاء بالشرط على نحوين :

احدهما : ان يكون تقييدا بالشرط فقط ، والآخر ان يكون تقييدا به او بعدل له على سبيل البدل ، والنحو الثاني ذو مئونة ثبوتية تحتاج في مقام التعبير عنها الى عطف العدل بأو ، فاطلاق الجملة الشرطية من العطف ب «أو» يعيّن النحو الاوّل. وقد ذكر المحقّق النائيني رحمه‌الله ان هذا اطلاق في مقابل التقييد ب «أو» الذي يعني تعدّد العلّة ، كما ان هناك اطلاقا للشرط في مقابل التقييد ب «الواو» الذي يعني كون الشرط جزء العلّة وكون المعطوف عليه بالواو الجزء الآخر.

وكل هذه الوجوه الخمسة تشترك في الحاجة الى اثبات ان المعلّق على الشرط طبيعي الحكم ، وذلك بالاطلاق واجراء قرينة الحكمة في مفاد [هيئة] الجزاء (١).

__________________

(١) توضيح ذلك : ان الاطلاق يجري في مثل «اكرم العالم» ، فيجري في «العالم» ، فننفي منه كل القيود المحتملة من قبيل العدالة والعالمية ونحوهما ، وكذلك الامر فيما نحن فيه ، فان حملنا الحكم في مفاد هيئة الجزاء على شخص الحكم فاننا سنضيّق دائرة مفهوم هيئة الجزاء ، فيتعيّن ان نحمله على الطبيعي ، وذلك بالاطلاق واجراء قرينة الحكمة في مفاد هيئة الجزاء (*).

__________________

(*) اقول : ما ذكر هنا من جريان الاطلاق في مفاد هيئة الجزاء لا وجه له وهو بيت القصيد وأهمّ نقطة في بحث المفاهيم. بيان ذلك : انه ليست النسبة بين طبيعي الحكم وشخصه هي نسبة المطلق والمقيد ، وانما النسبة بينهما هي النسبة بين الجامع وأحد مصاديقه كالنسبة بين جامع الانسان وزيد ، وفي هذه الحالة لا يجري الاطلاق لاثبات ارادة جامع الانسان لانّ مفهومي «الانسان» و «زيد» متباينة من الاصل ، بل الامر في مفاد

٢٩٦

__________________

هيئة الامر أوضح لانها تفيد بنحو الاشتراك اللفظي احد معنيين امّا معنى طبيعي الوجوب وامّا معنى شخص الوجوب (اي الوجوب الناتج من الشرط المذكور) ولا معيّن لاحدهما. فلو فرضنا ان المولى قد امر عبده باكرام محمّد وكان اسم ولد المولى محمدا واحتمل العبد وجوب اكرام كل من هو مسمّى بمحمد اكراما لصاحب الاسم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، ففي هذه الحالة ـ وهي حالة التردّد بين ارادة الجامع وارادة احد مصاديقه ـ ترى العقلاء يحكمون بوجوب اكرام خصوص ولد المولى فقط لانه القدر المتيقّن ، ولا دليل على لزوم التمسّك بالجامع ، ولا محلّ لاجراء الاطلاق ، لانه لا يوجد مطلق ومقيّد في هذه الحالة ، بل لكلّ من الجامع والمصداق مفهوم مختص به كمفهوم الانسان ومفهوم زيد ، ومفهوم «زيد الجامع» و «زيد المعيّن في الخارج». وكذا الأمر في طبيعي الحكم وشخصه تماما ، فانه ليس مفهوم طبيعي الحكم مطلقا ومفهوم شخصه مقيّدا ، وان كان الامر كذلك مصداقا وخارجا ، فان النظر في باب الاطلاق والتقييد الى المفاهيم. وبتعبير آخر ، لا معيّن لارادة خصوص أحد المعنيين ـ الطبيعى او احد حصصه ـ وكلاهما محتمل الارادة ، واللفظ واحد له معنيان ، فلا مورد لجريان الاطلاق اصلا ، والقدر المتيقن إرادة خصوص الوجوب الناتج من الشرط المذكور ، فلا يثبت المفهوم بوجه. (ثمّ) لو تنزّلنا عن هذا فنقول : انه لا معيّن لفهم التوقّف من الربط في الجملة الشرطية ـ فضلا عن الوصفية واللقبية ـ ، فانه يحتمل ارادة معنى الاستلزام ـ كما ذكر سيدنا المصنف رحمه‌الله ـ ، وعليه فلا تدلّ الجملة الشرطية ح على انحصار العلّة بالشرط المذكور إذ كما ان الحكم يستلزم هذا الشرط المذكور فانه لا مانع من ان يستلزم شرطا آخر ، كالحرارة فانها كما تستلزم وجود النار في قولنا «إذا وجدت النار وجدت الحرارة» فكذلك لا مانع من ان تستلزم علة أخرى كالشمس والكهرباء والاحتكاك ، ومثلها قولنا «اذا اكلت السّمّ تموت». (فاذا) عرفت ما ذكرناه تعرف : اوّلا : انه لا فائدة من استفادة معنى العلّية من الربط المذكور وإن كنّا نستفيد العلية من الجمل الشرطية الواردة في مقام التشريعات. ثانيا : اننا نستفيد الانحصار من الجملة الشرطية اذا فهمنا منها معنى جملة الحصر ، بمعنى اننا اذا فهمنا من قول المولى «اذا حاضت الجارية وضع عليها

٢٩٧

والتحقيق ان الربط المفترض في مدلول الجملة الشرطية تارة يكون بمعنى توقّف الجزاء على الشرط ، وأخرى بمعنى استلزام الشرط واستتباعه للجزاء كما عرفنا سابقا. فعلى الاوّل يتمّ اثبات المفهوم بلا حاجة الى ما افترضه المحقّق النائيني رحمه‌الله من اطلاق مقابل للتقييد ب «أو» ، وذلك لانّ الجزاء متوقّف على الشرط بحسب الفرض ، فلو كان يوجد بدون الشرط لما كان متوقفا عليه ، وعلى الثاني لا يمكن اثبات الانحصار والمفهوم بما سمّاه الميرزا بالاطلاق المقابل ل «او» ، لان وجود علّة أخرى لا يضيّق من دائرة الربط الاستلزامي بين الشرط والجزاء (١) ، فلا يكون العطف ب «أو» تقييدا لما هو مدلول الخطاب لينفى بالاطلاق ، بل افادة

__________________

(١) بمعنى اننا ان فهمنا الربط بين الشرط والجزاء بمعنى الاستلزام لصارت الجملة الشرطية بقوّة الوصفية ، اي لصارت جملة «اذا كان العالم عادلا فاكرمه» بقوّة قولنا «اكرم العالم العادل» ، فكما ان كون الانسان عالما عادلا يستلزم وجوب اكرامه ولا ينفي وجود موضوع آخر كاليتيم قد يستلزم ايضا وجوب الاكرام ، فكذلك الحال في الجملة الشرطية بناء على فهم معنى الاستلزام من الربط.

__________________

القلم» معنى «انما يوضع القلم على الجارية اذا حاضت» فهذا صريح في ارادة المفهوم ، فانه لا شك عند الجميع في وجود مفهوم لجملة الحصر إذا كان الحصر ناظرا الى الحكم ، وذلك لانّه سيكون المراد من الحكم ح الطبيعي. فان فهمنا من الجملة الشرطية المذكورة معنى جملة الحصر المذكورة فان ذلك يعني اننا نفهم من الحكم في الجملة الشرطية الطبيعي ، وعهدة هذا الاستظهار على مدّعيه. ثالثا : انه لا معنى ولا فائدة من استفادة الانحصار إلّا إذا كان المراد من الحكم هو الطبيعي وقد أكّد ذلك المحقّقون ، فايّ فائدة من استفادة الانحصار ان كان المراد من الحكم الحصّة الخاصّة المعلولة للشرط المذكور.

٢٩٨

لمطلب اضافي ، وليس كلما سكت المتكلم عن مطلب إضافي امكن نفيه بالاطلاق ما لم يكن المطلب المسكوت عنه مؤدّيا الى تضييق وتقييد في دائرة مدلول الكلام.

فالاولى من ذلك كلّه ان يستظهر عرفا كون الجملة الشرطية موضوعة للربط بمعنى التوقّف والالتصاق من قبل الجزاء بالشرط ، وعليه فيثبت المفهوم (*) ، وأمّا ما نحسّه من عدم التجوّز في حالات عدم

__________________

(*) من بديهيات الامور عدم الايمان بمفهوم الشرط في الفقه ، ولذلك اذا وردت قضيتان شرطيتان مختلفتا الشرط ومتحدتا الجزاء ترى فقهاءنا ببديهيّتهم يعطفون الشرطين بأو ، اعطي على ذلك مثالا عمليا : ورد في باب سن تكليف الفتاة اربع طوائف من الروايات : الطائفة الاولى : تحدّد ذلك ببلوغ تسع سنين بنحو الاطلاق وهي :

١ ـ مصحّحة عبد الله بن سنان ـ الواردة في الكافي والتهذيب ـ عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال :

«اذا بلغ الغلام ثلاث عشر سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيّئة وعوقب ، واذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك ، وذلك لانها تحيض لتسع سنين» (أ).

٢ ـ مصحّحة ابن ابي عمير عن غير واحد ـ الواردة في الخصال ـ عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «حدّ بلوغ المرأة تسع سنين» (ب).

٣ ـ مصحّحة الفقيه قال قال ابو عبد الله عليه‌السلام : «اذا بلغت الجارية تسع سنين دفع اليها مالها وجاز امرها في مالها واقيمت الحدود التامّة لها وعليها». (ج).

الطائفة الثانية : وهي ما دلّت على انه تسع سنوات بشرط تزوّجها والدخول بها وهي :

١ ـ رواية حمران ـ الواردة في الكافي والتهذيب والسرائر ـ قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام

__________________

(أ) جامع الاحاديث ١ باب اشتراط التكليف بالبلوغ ـ حديث ١٣.

(ب) المصدر السابق ح ١٤.

(ج) وسائل ١٣ ابواب الحجر باب ٢ ح ٣ ص ١٤٣ ، وج ١٣ ابواب الوصايا باب ٤٥ ح ٤ ص ٤٣٣.

٢٩٩

__________________

... ـ الى ان قال ـ قلت فالجارية متى يجب عليها الحدود التامّة وتؤخذ بها وتؤخذ لها؟ قال : «ان الجارية ليست مثل الغلام ، إن الجارية اذا تزوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع اليها مالها وجاز امرها في الشراء والبيع واقيمت عليها الحدود التامّة واخذ لها واخذت بها» (أ).

٢ ـ مصحّحة يزيد الكنّاسي ـ الواردة في الكافي والتهذيبين ـ عن ابي جعفر عليه‌السلام ... ـ الى ان قال ـ قلت : أفتقام عليها الحدود وتؤخذ بها وهي في تلك الحال وانما لها تسع سنين ولم تدرك مدرك النساء في الحيض؟ قال : «نعم ، اذا دخلت على زوجها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع اليها مالها واقيمت عليها الحدود التامّة عليها ولها». (ب)

الطائفة الثالثة : ومفادها انها تبلغ اذا حاضت فعلا وهي :

١ ـ مصحّحة ابي بصير ـ الواردة في المقنع والتهذيب ـ عن ابي عبد الله عليه‌السلام انه قال :

«على الصبي اذا احتلم الصيام ، وعلى الجارية اذا حاضت الصيام والخمار الّا ان تكون مملوكة فانه ليس عليها خمار الّا ان تحب ان تختمر وعليها الصيام» ج ، ومثلها مرسلة الفقيه (د).

٢ ـ موثقة إسحاق بن عمّار ـ الواردة في الفقيه ـ قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن ابن عشر سنين يحج؟ قال : «عليه حجّة الاسلام اذا احتلم ، وكذلك الجارية عليها الحجّ اذا طمثت». (ه)

٣ ـ رواية شهاب بن عبد ربّه ـ الواردة في الكافي والتهذيبين ـ عن ابي عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث ـ قال : سألته عن ابن عشر سنين يحج؟ قال : «عليه حجّة الاسلام اذا

__________________

(أ) جامع الاحاديث ١ باب اشتراط التكليف بالبلوغ ح ٢ ص ٤٢٠.

(ب) وسائل ١٤ ابواب عقد النكاح وأولياء العقد ح ٩ ص ٢٠٩.

(ج) وسائل ٣ ابواب لباس المصلّي باب ٢٩ ح ٣ ص ٢٩٧.

(د) وسائل ١ ابواب مقدّمة العبادات باب ٤ ح ١٠ ص ٣٢.

(ه) وسائل ٨ ابواب وجوب الحج باب ١٢ ح ١ ص ٣٠.

٣٠٠