دروس في علم الأصول - ج ١

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

تحريم واحد ، كما في النهي المتعلّق بماهية لا تقبل التكرار من قبيل «لا تحدث» ـ بناء على ان الحدث لا يتعدّد ـ ، ففي هذه الحالة يكون التحريم واحدا ، كما ان الوجوب في «صلّ» واحد ، ولكن مع هذا نلاحظ ان هناك فارقا يظلّ ثابتا بين الامر والنهي او بين الوجوب والتحريم ، وهو ان الوجوب الواحد المتعلّق بالطبيعة لا يستدعي إلّا الاتيان بفرد من افرادها ، وامّا التحريم الواحد المتعلّق بها فهو يستدعي اجتناب كل افرادها ولا يكفي ان يترك بعض الافراد.

وهذا الفارق ليس مردّه الى الاختلاف في دلالة اللفظ او الاطلاق ، بل الى امر عقلي وهو ان الطبيعة توجد بوجود فرد واحد ، ولكنها لا تنعدم إلا بانعدام جميع افرادها. وحيث ان النهي عن الطبيعة يستدعي انعدامها فلا بدّ من ترك جميع (*) افرادها. وحيث ان الامر بها يستدعي ايجادها فيكفي ايجاد فرد من افرادها.

التنبيه الرابع : انه في الحالات التي يكون الاطلاق فيها شموليا يسري الحكم الى كل الافراد فيكون كل فرد من الطبيعة المطلقة شموليا موضوعا لفرد من الحكم ، كما في الاطلاق الشمولي للعالم في «اكرم العالم» ، ولكن هذا التكثر في الحكم والتكثر في موضوعه ليس على مستوى الجعل ولحاظ المولى عند جعله للحكم بوجوب الاكرام على طبيعي العالم ، فان المولى في مقام الجعل يلاحظ طبيعي العالم ولا يلحظ

__________________

(*) في النسخة الاصلية «سائر» بدل «جميع» ، ولما كان معنى «سائر» البقية من أيّ شيء وليس هذا المعنى مراد المصنف (قده) ابدلناها باللفظ المقصود.

٢٦١

العلماء بما هم كثرة (١) ، فبنظره الجعلي ليس لديه إلّا موضوع واحد وحكم واحد ، ولكن التكثر يكون في مرحلة المجعول ، وقد ميّزنا سابقا (٢) بين الجعل والمجعول وعرفنا ان فعلية المجعول تابعة لفعلية موضوعه خارجا فيتكثّر وجوب الاكرام المجعول في المثال تبعا لتكثر افراد العالم في الخارج. والخطاب الشرعي مفاده ومدلوله التصديقي انما هو الجعل (٣) اي الحكم على نحو القضيّة الحقيقية وليس ناظرا الى فعلية المجعول ، وهذا يعني ان الشموليّة وتكثّر الحكم في موارد الاطلاق الشمولي انما يكون في مرتبة غير المرتبة التي هي مفاد الدليل.

ومن هنا صحّ القول بانّ السريان بمعنى تعدّد الحكم وتكثّره الثابت بقرينة الحكمة ليس من شئون مدلول الكلام ، بل هو من شئون عالم التحليل والمجعول.

__________________

(١) انما قال (قدس‌سره) «فان المولى في مقام الجعل يلاحظ طبيعي العالم ولا يلحظ العلماء بما هم كثرة» للفرق الواضح بين «العالم» في قول المولى «اكرم العالم» و «العلماء» في قوله «اكرم العلماء» ، فان كلامنا هنا عن الفرضية الاولى ، وفرقها عن «العلماء» ان «العالم» منظور إليه في مرحلة الجعل بنحو الكلي الطبيعي وامّا «العلماء» فمنظور اليهم في مرحلة الجعل بنحو التكثر. وعلى هذا فلا يرد اشكال ان هذا نقص في علم الباري تعالى وتوجّهه.

(٢) في الحلقة الاولى بحث «الجعل والفعلية».

(٣) يقصد ان الخطاب الشرعي يكشف عن الجعل.

٢٦٢

(ادوات العموم)

تعريف العموم واقسامه :

العموم هو الاستيعاب المدلول عليه باللفظ ، وباشتراط ان يكون مدلولا عليه باللفظ يخرج المطلق الشمولي (١) ، فانّ الشمولية فيه ليست مدلولة للكلام لانها من شئون عالم المجعول (٢) ، والكلام (٣) انما ينظر الى عالم الجعل ، خلافا للعام فان تكثّر الافراد فيه ملحوظ في نفس مدلول الكلام وفي عالم الجعل.

__________________

(١) كالعالم مثلا في قولنا «اكرم العالم».

(٢) او قل من شئون مرحلة التطبيق في الخارج ، وامّا في مرحلة الجعل فالمطلق يدلّ على الطبيعة السارية في الافراد ، او قل المراد في قول المولى «اكرم العالم» معنى القضية الحقيقية وهي بقوّة القضية الشرطية ، ولا يدلّ على التكثر في مرحلة تصور العالم والجعل. اذن فالمولى حينما يقول «اكرم العالم» يتصوّر معنى «اذا كان الانسان عالما فاكرمه» ثم في مرحلة الامتثال يرى المكلف ان فلانا عالم ، فالشرط محقق فيه ، اذن وجوب اكرامه فعلي ، وهذا هو مراده من ان الشمولية في المطلق من شئون عالم المجعول اي كلما تحقق الشرط صار الحكم فعليا.

(٣) هنا اي في الاطلاق والعموم.

٢٦٣

ودلالة الكلام على الاستيعاب تفترض عادة دالّين :

احدهما يدلّ على نفس الاستيعاب ويسمّى بأداة العموم.

والآخر يدلّ على المفهوم المستوعب لافراده ويسمّى بمدخول الاداة.

ففي قولنا «اكرم كل فقير» الدّالّ على الاستيعاب كلمة «كل» والدّال على المفهوم المستوعب لافراده كلمة «فقير» ، وأداة العموم الدّالة على الاستيعاب تارة تكون اسما وتدلّ على الاستيعاب بما هو مفهوم اسمي كما في «كل» و «جميع» ، وأخرى تكون حرفا وتدل عليه بما هو نسبة استيعابية ، كما في لام الجمع في قولنا «العلماء» ـ بناء على ان الجمع المعرّف باللام يدل على العموم ـ ، فانّ اداة العموم فيه هي اللام ، واللام حرف ، فاذا دلّت على الاستيعاب فهي انما تدلّ عليه بما هو نسبة ، وسيأتي تصوير ذلك إن شاء الله تعالى.

ثمّ ان العموم ينقسم الى الاستغراقي والبدلي والمجموعي ، لان الاستيعاب لكل افراد المفهوم يعني مجموعة تطبيقاته على افراده ، وهذه التطبيقات تارة تلحظ عرضية وأخرى تبادلية ، فالثاني هو البدلي (١) ، والاوّل إن لوحظت فيه عناية وحدة تلك التطبيقات فهو المجموعي (٢) ، وإلّا فهو عموم استغراقي (٣).

__________________

(١) كأيّ عالم او احد العلماء.

(٢) كمجموع العلماء وسائر المفاهيم المجموعية كالجيش والفرقة ونحو ذلك.

(٣) نحو جميع العلماء.

٢٦٤

وقد يقال إن انقسام العموم الى هذه الاقسام انما هو في مرحلة تعلّق الحكم به (١) ، لان الحكم ان كان متكثّرا بتكثّر الافراد فهو استغراقي ، وان كان واحدا ويكتفى في امتثاله بايّ فرد من الافراد فهو بدلي ، وان كان يقتضي الجمع بين الافراد فهو مجموعي.

ولكن الصحيح ان هذا الانقسام يمكن افتراضه بقطع النظر عن ورود الحكم ، لوضوح الفرق بين التصوّرات التي تعطيها كلمات من قبيل «جميع العلماء» و «أحد العلماء» و «مجموع العلماء» حتى لو لوحظت بما هي كلمات مفردة وبدون افتراض حكم ، فالاستغراقية والبدلية والمجموعية تعبّر عن ثلاث صور ذهنية للعموم ينسجها ذهن المتكلّم وفقا لغرضه توطئة لجعل الحكم المناسب عليها (*).

__________________

(١) هذه مقالة صاحب الكفاية ومفادها : ان خصوصيّة الاستغراقية او البدلية او المجموعية خارجة عن معاني ادوات العموم وتابعة لكيفية تعلّق الحكم بموضوعه من كونه متعلقا بالموضوع المتكثر بشكل عرضى اي استغراقي وشامل لكل فرد فرد منه بحيث يتعلّق الحكم بكل فرد على حدة ، او بحيث يتعلّق الحكم بهم بنحو المجموع فيكون حكما واحدا متعلقا بالمجموع من حيث هو مجموعة واحدة ، او بشكل بدلي ، (راجع كفاية الاصول ج ١ ص ٣٣٢).

__________________

(*) ويمكن الجمع والتوفيق بين كلامي صاحب الكفاية وسيدنا المصنف رحمهما‌الله بان يقال بان نظر الاوّل الى مرحلة الحكم والثاني الى مرحلة الموضوع السابقة على مرحلة الحكم ، وح يصحّ كلا الكلامين.

٢٦٥

نحو دلالة ادوات العموم :

لا شك في وجود ادوات تدلّ على العموم بالوضع ككلمة «كل» و «جميع» ونحوهما من الألفاظ الخاصّة بافادة الاستيعاب ، غير ان النقطة الجديرة بالبحث فيها وفي كل ما يثبت انه من ادوات العموم هي ان اسراء الحكم الى تمام افراد مدخول الاداة ـ أي «عالم» مثلا في قولنا «اكرم كل عالم» ـ هل يتوقف على اجراء الاطلاق وقرينة الحكمة في المدخول (١) او ان دخول اداة العموم على الكلمة يغنيها عن قرينة الحكمة وتتولّى الاداة نفسها دور تلك القرينة (٢)؟

__________________

(١) وهذا ما ذهب اليه المحقق النائيني رحمه‌الله ، راجع المحاضرات ج ٥ ص ١٦٤ ـ ١٦٧.

(٢) وهذا ما ذهب اليه السيد الخوئي رحمه‌الله ، راجع المحاضرات ج ٥ ، ص ١٥٨ وبحوث السيّد الهاشمي ج ٣ ص ٢٢٧.

لا يخفى عليك انه قد تطلق ادوات العموم ويراد بها الافراد الخارجيون كما في قولك «قتل كل من في العسكر» او «اكل جميع من في الدار» ونحو ذلك ، وبما ان الموضوع هنا منظور اليه بنحو القضية الخارجية فلا يصحّ جريان قرينة الحكمة لانها تكون ح بمثابة قولك «قتل زيد» و «اكل عمرو» إنما بحثهم فيما اذا اطلقت اداة العموم واريد منها معنى القضية الحقيقية ، كما هو الأمر في الشكل الاوّل من الاشكال الاربعة للقياس ، فقولك «زيد نائم» و «كل نائم لا يلتفت» فزيد لا يلتفت ، فقولك «وكل نائم لا يلتفت» ليس المراد منها معنى القضية الخارجية وإلّا لما كان هناك داع لكل هذا القياس وذلك لعلمنا بان كل نائم ـ بما فيهم زيد ـ لا يلتفت ، وانما المراد منها معنى القضيّة الحقيقية اي معنى «إن كان الانسان نائما لا يلتفت».

(ومن) علمائنا من يرجع القضية الكلية الحقيقية الى الخارجية لان كل الموجودات حاضرة عند علّتها فقد تنتفي الفائدة من هذه التفرقة في الشرعيّات ويقولون بعدم الحاجة الى قرينة الحكمة في القضايا الكلية.

٢٦٦

ظاهر كلام صاحب الكفاية رحمه‌الله ان كلا الوجهين ممكن من الناحية النظرية ، لانّ اداة العموم اذا كانت موضوعة لاستيعاب ما يراد من المدخول (١) تعيّن الوجه الاوّل ، لان المراد بالمدخول لا يعرف حينئذ من ناحية الأداة بل من قرينة الحكمة ، واذا كانت موضوعة لاستيعاب تمام ما يصلح المدخول للانطباق عليه تعيّن الوجه الثاني ، لان مفاد المدخول (٢) صالح ذاتا للانطباق على تمام الافراد فيتمّ تطبيقه عليها فعلا بتوسّط الأداة مباشرة. وقد استظهر ـ بحقّ ـ الوجه الثاني (٣).

وقد يبرهن على إبطال الوجه الاوّل ببرهانين :

البرهان الاوّل : لزوم اللّغوية منه ، كما تقدّم توضيحه في الحلقة السابقة (٤).

__________________

(١) وبهذا استدلّ المحقق النائيني رحمه‌الله راجع الاجود ج ١ ص ٤٤١.

(٢) اي مفهوم «عالم» في مثال «اكرم كل عالم».

(٣) راجع اسفل ص ١٥٦ من محاضرات السيد الخوئي ج ٥.

(٤) برهان «لزوم اللغوية» هذا هو للسيد الخوئي رحمه‌الله ، وبيانه اننا اذا قلنا بالاحتياج الى اجراء قرينة الحكمة لاستفادة الشمول يصير استعمال لفظة «كل» الموضوعة للشمول بلا فائدة ح وسيصير قولنا «اكرم كل عالم» بمثابة قولنا «اكرم العالم» في عدم استفادة الشمول فيهما الّا بعد اجراء قرينة الحكمة ، مع اننا نشعر بالوجدان استفادة الشمول والاستغراق من نفس لفظة «كل عالم» بخلاف كلمة «العالم».

٢٦٧

ولكن التحقيق عدم تمامية هذا البرهان لعدم لزوم لغوية وضع الاداة للعموم من قبل الواضع ولا لغوية استعمالها في مقام التفهيم من قبل المتكلّم ، وذلك لان العموم والاطلاق ليس مفادهما مفهوما وتصوّرا شيئا واحدا ، فانّ اداة العموم مفادها الاستيعاب وإراءة الافراد في مرحلة مدلول الخطاب ، وامّا قرينة الحكمة فلا تفيد الاستيعاب ولا تري الافراد في مرحلة مدلول الخطاب (١) ، بل تفيد نفي الخصوصيات ولحاظ الطبيعة مجردة عنها ، فالتكثّر ملحوظ في العموم بينما الملحوظ في الاطلاق ذات الطبيعة ، وهذا يكفي لتصحيح الوضع حتى لو لم ينته الى نتيجة عملية بالنسبة الى الحكم الشرعي ، لان الفائدة المترقّبة من الوضع انما هي افادة المعاني المختلفة ، وذلك يكفي لتصحيح الاستعمال ، إذ قد يتعلّق غرض المستعمل بافادة التكثّر بنفس مدلول الخطاب.

البرهان الثاني : إن قرينة الحكمة ناظرة ـ كما تقدّم في بحث الاطلاق ـ الى المدلول التصديقي الجدّي ، فهي تعيّن المراد التصديقي ولا تساهم في تكوين المدلول التصوّري (٢) ، واداة العموم تدخل في تكوين المدلول التصوّري للكلام. فلو قيل بانها موضوعة لاستيعاب المراد من

__________________

(١) اي ولا تري الافراد من خلال اللفظ.

(٢) بيان هذا البرهان ان للالفاظ معان في نفسها حتّى لو خلت من الإرادة من قبل المستعمل ، كما في حالات النوم او السهو ونحو ذلك ، فكلمة «كل عالم» لها معنى في نفسها في مرحلة الدلالة التصوّرية قبل ان نصل إلى مرحلة الارادة ، ثم في مرحلة الارادة نقول ان المتكلم اراد مثلا ما ذكره ولم يرد ما لم يذكره ، وهذا هو الترتب الطولي لدلالات الكلام.

أمّا أن نقول بأنّ اداة العموم نحو «كل» مثلا استعملت بمعناها اللغوي

٢٦٨

المدخول الذي تعيّنه قرينة الحكمة ـ وهو المدلول التصديقي ـ كان معنى ذلك ربط المدلول التصوّري للاداة بالمدلول التصديقي لقرينة الحكمة (* ١) وهذا واضح البطلان ، لان المدلول التصوّري لكل جزء من الكلام انما يرتبط بما يناسبه (* ٢) من مدلول الاجزاء الاخرى ، اي بمدلولاتها التصوّرية ، ولا شك في ان للاداة مدلولا تصوريّا محفوظا حتّى لو خلا الكلام الذي وردت فيه من المدلول التصديقي نهائيّا ، كما في حالات الهزل ، فكيف يناط مدلولها الوضعي بالمدلول التصديقي (* ٣).

العموم بلحاظ الأجزاء والأفراد :

يلاحظ ان كلمة «كل» مثلا ترد على النكرة فتدلّ على العموم والاستيعاب لافراد هذه النكرة ، وترد على المعرفة فتدلّ على العموم والاستيعاب ايضا ، لكنه استيعاب لاجزاء مدلول تلك المعرفة لا لافرادها. ومن هنا اختلف قولنا «اقرأ كل كتاب» عن قولنا «اقرأ كلّ

__________________

ودخلت على «عالم» مثلا لتشمل خصوص المراد من العلماء دون معناها اللغوي ـ وهو جميع العلماء ـ فهذا ادخال المراد الجدّي في مرحلة الدلالة التصورية وهو واضح البطلان لكونه غير متعارف أصلا ، بل لا دليل اثباتا على كون المراد من المدخول خصوص الحصّة المرادة دون معناه اللغوي.

__________________

(* ١) كان الاولى ان يقول «... بالمدلول التصديقي لمدخولها ...»!

(* ٢) فى النسخة الاصلية قال «يساويه» والاولى ما اثبتناه.

(* ٣) كان الاولى ان يقول «فكيف يرتبط مدلولها الوضعي بمدلول مدخولها التصديقي؟!».

٢٦٩

الكتاب» ، وعلى هذا الاساس يطرح السؤال التالي :

هل ان لاداة العموم وضعين لنحوين من الاستيعاب؟ وإلا فكيف فهم منها في الحالة الاولى استيعاب الافراد وفي الحالة الثانية استيعاب الاجزاء؟

وقد اجاب المحقق العراقي رحمه‌الله على هذا السؤال : بان «كل» تدلّ على استيعاب مدخولها للافراد ، ولكن اتجاه الاستيعاب نحو الأجزاء في حالة كون المدخول معرّفا باللام من اجل ان الاصل في اللام ان تكون للعهد ، والعهد يعني تشخيص الكتاب في المثال المتقدّم ، ومع التشخيص لا يمكن الاستيعاب للافراد فيكون هذا قرينة عامّة على اتجاه الاستيعاب نحو الاجزاء كلما كان المدخول معرّفا باللام (*).

دلالة الجمع المعرّف باللام على العموم :

قد عدّ الجمع المعرّف باللام من ادوات العموم ، فلا بدّ من تحقيق كيفية دلالة ذلك على العموم ثبوتا (١) أوّلا ، ثم تفصيل الكلام في ذلك اثباتا :

__________________

(١) اي في مرحلة جعل الحكم وتصوّر الموضوع.

__________________

(*) ممّا ذكر تعرف ان الاولى حذف كلمة «اللام» واستبدالها بقوله «كلما كان المدخول معرفة» ، وذلك لان المناط معرفة المدخول وتشخّصه ولا خصوصية لتعريفه بخصوص اللام كما هو واضح.

٢٧٠

أمّا الامر الاوّل : فهناك تصويرات لهذه الدلالة :

منها ان يقال : إن الجمع المعرّف باللام يشتمل على ثلاثة دوالّ :

احدها : مادّة الجمع ، التي تدلّ في كلمة «العلماء» على طبيعي العالم.

والآخر : هيئة الجمع ، التي تدلّ على مرتبة من العدد لا تقلّ عن ثلاثة من أفراد تلك المادّة.

والثالث : اللام ، وتفترض دلالتها على استيعاب هذه المرتبة لتمام افراد المادّة ، ويكون الاستيعاب مدلولا للام بما هو معنى حرفي ونسبة استيعابية قائمة بين المستوعب وهو مدلول هيئة الجمع والمستوعب وهو مدلول مادّة الجمع (١).

__________________

(١) بيان المطلب : ان العموم هو استيعاب مفهوم لافراد مفهوم آخر ، كاستيعاب مفهوم «كل» لافراد «العالم» في مثال «اكرم كل عالم» ، وكاستيعاب مفهوم هيئة الجمع المحلّى باللام لافراد مادّتها وهم «العلماء» ، فهنا ثلاث دوالّ : مادّة الجمع وهي في مثال «العلماء» العالم ، وهيئة الجمع وهي تفيد التكثّر وأقلّه ثلاثة افراد ، واللام وهي تفيد معنى التعيّن ، وفي هذا الوضع تدلّ اللام بنحو المعنى الحرفي على ارادة مرتبة معيّنة من التكثّر والجمع بلحاظ افراد العالم ، وهو ما عبّر عنه هنا بالنسبة الاستيعابية القائمة بين هيئة الجمع ومادّته(*).

__________________

(*) وعلى هذا صارت الدوال اربعة ، فالرابعة هي هذا الربط القائم بين اللام ومدخولها (وهو هيئة الجمع) وهو الذي دلّ على النسبة الاستيعابية المذكورة. (ثمّ) في مرحلة الاثبات نقول : بما انه لا تعيّن لمدخول اللام إلّا للمرتبة الاخيرة وهي تمام الافراد فاننا سنستفيد منها ح ارادة العموم والشمول ... وعلى هذا الاساس يصحّ اعتبار الجمع المحلّى باللام

٢٧١

وامّا الامر الثاني : فاثبات اقتضاء اللام الداخلة على الجمع للعموم يتوقّف على احدى دعويين :

إمّا ان يدّعى وضعها للعموم ابتداء ، وحيث ان اللام الداخلة على المفرد لا تدلّ على العموم فلا بدّ ان يكون المدّعى وضع اللام الداخلة على الجمع بالخصوص لذلك (*).

وإمّا ان يدعى انها تدلّ على معنى واحد في موارد دخولها على المفرد والجمع ، وهو التعين في المدخول (١) على ما تقدّم في معنى اللام الداخلة على اسم الجنس في الحلقة السابقة.

فاذا كان مدخولها اسم الجنس كفى في التعين المدلول عليه باللام تعيّن الجنس الذي هو نحو تعين ذهني للطبيعة كما تقدّم في محلّه.

واذا كان مدخولها الجمع فلا بدّ من فرض التعيّن في الجمع ، ولا يكفي التعين الذهني للطبيعة المدلولة لمادّة الجمع ، وتعيّن الجمع بما هو

__________________

(١) وهي المقالة المعروفة بين العلماء قديما وحديثا.

__________________

من ادوات العموم باعتبار ان المستعمل قد لاحظ التكثر في مرحلة الثبوت وجعل الحكم ، فهو من هذه الجهة يغاير قولنا «اكرم العالم» الملحوظ فيه في مرحلة الجعل والثبوت طبيعة العالم. وممّا يكشف عن عمومية هذه الهيئة المحلّاة باللام ان العرف يفهم منها معنى «كل» فلا يحتاجون الى إجراء قرينة الحكمة في المدخول باعتبار انهم يفهمون التكثر وشمول الحكم للافراد من نفس اللفظ.

(*) وهذا خلاف وجداننا ، إذ لا نرى ان اللام موضوعة بوضعين بنحو الاشتراك اللفظي ، وضع تفيد فيه معنى التعيّن والتشخص والعهد فيما لو دخلت على المفرد ، ووضع يفيد معنى العموم والتكثر فيما لو دخلت على هيئة الجمع.

٢٧٢

جمع انما يكون بتحدّد الافراد الداخلة فيه ، وهذا التحدّد لا يحصل الّا مع ارادة المرتبة الاخيرة من الجمع المساوقة للعموم ، لانّ ايّ مرتبة أخرى (١) لا يتميّز فيها ـ من ناحية اللفظ ـ الفرد الداخل عن الخارج.

النكرة في سياق النهي او النفي :

ذكر بعض ان وقوع النكرة في سياق النهي او النفي من ادوات العموم ، واكبر الظن ان الباعث على هذه الدعوى ان النكرة ـ كما تقدّم في حالات اسم الجنس من الحلقة السابقة ـ يمتنع اثبات الاطلاق الشمولي لها بقرينة الحكمة ، لان مفهومها (٢) يأبى عن ذلك ، بينما نجد اننا نستفيد الشمولية في حالات وقوع النكرة في سياق النهي او النفي ، فلا بدّ أن يكون الدّال على هذه الشمولية شيئا غير اطلاق النكرة نفسها ، فمن هنا يدّعى ان السياق ـ أي وقوع النكرة متعلّقا للنهي او النفي ـ من أدوات العموم ليكون هو الدّال على هذه الشمولية.

ولكن التحقيق ان هذه الشمولية ـ سواء كانت على نحو شمولية العام او على نحو شمولية المطلق ـ بحاجة الى افتراض مفهوم اسمي (*)

__________________

(١) كمرتبة أقلّ الجمع وهي ثلاثة ، فانه لا تعين لهذه الثلاثة أفراد عن الثلاثة الاخرى ، كما لا تعين لافراد هذه الثلاثة واحدا واحدا عن غيرهم من الافراد.

(٢) وذلك لانّ التنكير فيها يدلّ على الوحدة ، ومع ظهورها في الوحدة لا تدلّ على الاطلاق الشمولي فلن نصل الى مرحلة اجراء قرينة الحكمة.

__________________

(*) الانصاف انه لا يلزم ان يكون الدّال على العموم مفهوما اسميا ، وانما المناط ان يكون

٢٧٣

قابل للاستيعاب والشمول لافراده بصورة عرضية لكي يدلّ السياق حينئذ على استيعابه لافراده ، والنكرة لا تقبل الاستيعاب العرضي كما تقدّم.

فمن اين يأتي المفهوم الصالح لهذا الاستيعاب لكي يدل السياق على عمومه وشموله؟

ومن هنا نحتاج إذن الى تفسير للشمولية التي نفهمها من النكرة الواقعة في سياق النهي او النفي ، ويمكن ان يكون ذلك بأحد الوجهين التاليين :

الاوّل : ان يدّعى كون السياق قرينة على اخراج الكلمة عن كونها نكرة (١) ، فيكون دور السياق اثبات ما يصلح للاطلاق الشمولي. واما

__________________

(١) فيكون مفاد قولنا «لا تكرم نحويا» «لا تكرم النحوي» ، ومفاد قولنا «لا رجل في الدار» «طبيعي الرجل غير موجود في الدار» ، وهذا الكلام وإن كان قريبا في نفسه حتّى في عالم الجعل للعلم بارادة نفي الطبيعة او النهي عنها في مرحلة التصوّر وجعل الحكم ، الّا أنّ هذه المقالة تنكر كون هذا السياق (اي النكرة في سياق النهي او النفي) من حالات

__________________

المفهوم دالّا على العموم والشمول في مرحلة الجعل والثبوت حتى ولو كان حرفيا كما في هيئة الجمع فانها تدلّ على التكثر بنحو المعنى الحرفي كما هو واضح ، والظاهر ان هذا من سهو قلمه الشريف.

نعم ان النكرة في سياق النفي نحو «لا رجل في الدار» أو «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد» أو «لا ضرر ولا ضرار في الاسلام» او النهي «مثل لا تكرم نحويا» تكون منظورا اليها كطبيعة منفية او منهيا عنها فالنحوي منهي عن اكرامه ولم ينظر اليه في مرحلة الجعل بنحو متكثّر وشامل لكل افراد النحوي ، ولذلك لا تكون «النكرة في سياق النهي او النفي» من ادوات العموم ، وانما تلحق بالمطلق الشمولي فتحتاج الى اجراء قرينة الحكمة لاستفادة الشمول ...

٢٧٤

الشمولية فتثبت باجراء قرينة الحكمة في تلك الكلمة بدون حاجة الى افتراض دلالة السياق نفسه على الشمولية والعموم.

والثاني : ما ذكره صاحب الكفاية رحمه‌الله من ان الشمولية ليست مدلولا لفظيا وانما هي بدلالة عقلية ، لان النهي يستدعي اعدام متعلقه ، والنكرة لا تنعدم ما دام هناك فرد واحد.

غير ان هذه الدلالة العقلية انما تعين طريقة امتثال النهي وان امتثاله لا يتحقق إلا بترك جميع افراد الطبيعة ، ولا تثبت الشمولية ـ بمعنى تعدّد الحكم والتحريم بعدد تلك الافراد (١) ـ كما هو واضح.

__________________

العموم رغم ذلك وتدخلها فى باب المطلق الشمولي ، وذلك لانّ كلمة «النحوي» في مثال «لا تكرم نحويا» او «لا تكرم النحوي» منظور اليها في مرحلة الجعل كطبيعة ، فهي بحاجة الى اجراء قرينة الحكمة لتدل على ارادة الجميع.

(١) في مرحلة الجعل.

ولك ان تبين الردّ على صاحب الكفاية بطريق المثال فان قول المولى مثلا «لا تشرب خمرا» بقوّة قولنا «شرب الخمر حرام» لا بقوّة قولنا «شرب اي نوع من انواع الخمر حرام» ، فانه في مرحلة الجعل لوحظت طبيعة الخمر فنهي عن شربه ، لا انه لوحظت جميع افراد الخمر فنهي عن شربها ، ولذلك لا تصح دعوى صاحب الكفاية بكون «النكرة في سياق النهي او النفي» من حالات العموم فانه من الواضح انّ المتكلم قد تصوّر الطبيعة في مرحلة الجعل وإن كنا في عالم الامتثال بحاجة الى اعدام كل الافراد حتّى تنعدم الطبيعة وهذا عين وضعيّة الاطلاق الشمولي ، ولذلك ترانا بحاجة الى اجراء قرينة الحكمة في كلمة «نحويا» في مثالنا فيما اذا شككنا في ارادة جميع افراد هذا الكلي الطبيعي حتى ننفيهم كلهم.

٢٧٥

(المفاهيم)

تعريف المفهوم :

لا شك في ان المفهوم مدلول التزامي للكلام ، ولا شك ايضا في انه ليس كل مدلول التزامي يعتبر مفهوما بالمصطلح الاصولي.

ومن هنا احتجنا الى تعريف يميّز المفهوم عن بقيّة المدلولات الالتزامية.

وقد ذكر المحقق النائيني رحمه‌الله بهذا الصدد ان المفهوم هو اللازم البيّن مطلقا أو اللازم البيّن بالمعنى الاخص في مصطلح المناطقة (١).

__________________

(١) لم يتّضح مبنى المحقق النائيني ـ على ما في الاجود ج ١ ص ٤١٣ ـ بالنسبة الى التفرقة بين المدلول البين بالمعنى الاخص والبين بالمعنى الاعم وغير البيّن ، ممّا دعا السيد الخوئي رحمه‌الله للتعليق على هذه النقطة في الحاشية ، ودعا السيد الشهيد (قدس‌سره) للتعبير ب «أو» هنا ، وان كان يظهر من الاجود ان ما يستفاد من نفس اللفظ ومن دون الاستعانة بمقدّمة عقلية فهو بيّن بالمعنى الاخص ، وما يستفاد بواسطة مقدمة عقلية فهو بيّن بالمعنى الاعم ، وهو تقسيم يخالف ما اصطلح عليه المناطقة من كون الاخير عندهم

٢٧٦

ونلاحظ على ذلك ان بعض الادلّة (١) التي تساق لاثبات مفهوم الشرط مثلا تثبت المفهوم كلازم عقلي بحت دون ان يكون مبيّنا على ما يأتي إن شاء الله تعالى (٢).

فالاولى ان يقال : ان المدلول الالتزامي تارة يكون متفرّعا على خصوصية الموضوع (٣) في القضيّة المدلولة للكلام بالمطابقة على نحو

__________________

«غير بيّن» ، وان ما اعتبره المحقق النائيني بيّنا بالمعنى الاخص قد قسّموه الى قسمين : (فاللازم) الذي يتعقّل بمجرّد تعقّل الملزوم هو بالمعنى الاخص كتصوّر العمى (الملزوم) ، فانه بمجرّد ان يتصوّر يتصور معه البصر (وهو ـ اي تصوّر البصر ـ اللازم) ، وذلك لان العمى هو عدم البصر. (والذي) يحتاج الى تصوّر اللازم والملزوم والنسبة بينهما ليتصوّر اللازم هو بيّن بالمعنى الاعم ويمثّلون لذلك عادة بقولهم إنّ «تصوّر انّ الكلّ اكبر من الجزء» هو لازم «لتصوّر الكل وتصوّر الجزء وتصوّر النسبة بينهما» (* ١).

(١) كدليل الاطلاق الذي سيأتي ذكره إن شاء الله في مفهوم الجملة الشرطية.

(٢) اراد المحقّق النائيني ان يعرف المفهوم باللازم البين الذي يظهر من حاقّ اللفظ ، فاجابه السيد الشهيد رحمه‌الله بانه قد يستفاد من دليل عقلي كدليل الاطلاق مثلا.

(٣) أي تارة يكون متفرّعا على خصوصية الموضوع (وهو «ابن الكريم» في المثال الآتي في المتن) في القضية المدلولة للكلام بالمطابقة ، فاذا وجب اكرام ابن الكريم لكرم والده وجب اكرام نفس الوالد بطريق اولى ، على نحو يزول المدلول الالتزامي (وهو المدلول عليه بالاولوية) باستبدال ابن الكريم بموضوع آخر كاليتيم ، فلا يجب اكرام والد اليتيم

٢٧٧

يزول باستبداله بموضوع آخر ، وأخرى يكون متفرّعا على خصوصية المحمول بهذا النحو (١) ، وثالثة يكون متفرّعا على خصوصية الربط القائم بين طرفي القضيّة على نحو يكون [الربط] محفوظا ولو تبدّل كلا الطرفين ، فقولنا «إذا زارك ابن كريم وجب احترامه» يدلّ التزاما على وجوب احترام الكريم نفسه عند زيارته ، وعلى وجوب تهيئة المقدّمات التي يتوقف عليها احترام الابن الزائر ، وعلى انه لا يجب الاحترام المذكور في حالة عدم الزيارة.

والمدلول الاوّل مرتبط بالموضوع ، فلو بدّلنا ابن الكريم باليتيم مثلا لم يكن له هذا المدلول (٢).

والمدلول الثاني مرتبط بالمحمول وهو الوجوب ، فلو بدّلناه بالاباحة (*) لم يكن له هذا المدلول (٣).

__________________

إن تبدّل موضوع الشرط في القضية وصار «اليتيم» مثلا ، وذلك لعدم وجود اولويّة ـ في مثال اليتيم ـ بين اليتيم ووالده كما هو واضح.

(١) سيأتي شرحه عند قوله «والمدلول الثاني مرتبط بالمحمول».

(٢) فلو وردنا «اذا زارك ابن كريم وجب احترامه» فمفهوم الموافقة له «إذا زارك نفس الكريم وجب احترامه» بطريق أولى ، ولكن ليس كل جملة لها مفهوم موافقة كهذه ، فجملة «إذا زارك يتيم فاكرمه» لا تفيد ـ بالاولوية ـ اذا زارك أبو اليتيم فاكرمه ، ولذلك ليست جملة «إذا زارك نفس الكريم فاكرمه» مفهوما بالمعنى المصطلح لعدم صحتها في جملة «إذا زارك ابو اليتيم فاكرمه».

(٣) اي فلو بدّلناه بالاباحة لم تكن المقدمة مباحة بالضرورة ، مما يعني ان

__________________

(*) كان الاولى ان يقول : «.. فلو بدّلناه بالحرمة مثلا لم يكن له هذا المدلول» ، اي ان

٢٧٨

والمدلول الثالث متفرّع على الربط الخاص بين الجزاء والشرط ، ومهما غيّرنا من الشرط والجزاء يظلّ المدلول الثالث بروحه ثابتا معبّرا عن انتفاء الجزاء بانتفاء الشرط ، وان كان التغيير ينعكس عليه فيغيّر من مفرداته تبعا لما يحدث في المنطوق من تغيّر في المفردات.

وهذا هو المفهوم ، لكن على ان يتضمّن انتفاء طبيعي الحكم (١) لا

__________________

الحكم بوجوب المقدمة ليس مفهوما بالمعنى المصطلح ، وذلك لعدم معرفة الحكم دائما ، اي لعدم وجود قاعدة دائمية في حكم المقدمة.

نعم الحكم المتفرّع على ربط مخصص هو المفهوم. (راجع تقريرات السيد الهاشمي ج ٣ ص ١٤٠).

(١) مرّ معك في الحلقة الثانية ـ بحث «تعريف المفهوم» ـ بيان هذه النقطة ، وتوضيحها : اننا اذا فهمنا من الجملة الشرطية ـ مثلا ـ المفهوم فان طبيعي الحكم سينتفي مع انتفاء الشرط ، وان لم نفهم من جملة اللقب ـ مثلا ـ المفهوم فان طبيعي الحكم لا ينتفي وانما سينتفي مع اختلاف اللقب شخص الحكم فقط ، مثال ذلك : ورد في صحيحة العيص بن القاسم في سؤاله عن مؤاكلة الكتابي انه عليه‌السلام قال «اذا كان من طعامك و

__________________

المدلول الالتزامي وهو حكم المقدّمة سيتبدّل ولا تكون المقدّمة على اطلاقها وشمولها محرّمة ، ببيان انه حينما حرّم الشارع المقدّس السرقة مثلا فانه لن تكون كل خطوة محرّمة وذلك لعدم وجود مفسدة الزامية في كل خطوة ، انما المحرّم منها خصوص المقدّمة الاخيرة التي يتولّد منها الفعل المحرّم على بيان يأتي تفصيله في بحث «مقدمات غير الواجب» ان شاء الله.

وبكلمة أخرى ان كلام السيد المصنف رحمه‌الله هنا هو عن تبدّل الحكم بين المقدّمة وذيها اذا تغيّر المحمول ، وفي مثال الاباحة لا يتبدّل الحكم في المقدّمة بل سيبقى حكمها الاباحة كما هو واضح.

٢٧٩

شخص الحكم المدلول عليه بالخطاب تمييزا للمفهوم عن قاعدة احترازية القيود التي تقتضي انتفاء شخص الحكم بانتفاء القيد (١).

__________________

توضّأ فلا بأس» ، فان هذا يعني انه ان لم يتوضّأ ـ اي لم يغسل يديه ـ ففيه بأس فلا تؤاكله ، فالمنع من مؤاكلته مطلق وعلى كل حال سواء كان الكتابي عالما او كريما او غير ذلك ، هذا المنع المطلق يسمّونه طبيعي الحكم.

ومثال جملة اللقب : إذا قال المولى «اكرم العالم» فانه ناظر فيها الى «العالم» وليس نظره الى الهاشمي مثلا او العادل ونحو ذلك ، ولذلك اذا انتفى العلم عن زيد من الناس فانّ وجوب اكرامه بحكم «اكرم العالم» سينتفي ، او قل سيرتفع شخص هذا الوجوب ، ولكن قد يجب اكرامه بحكم آخر كما لو كان هاشميا ورود «اكرم الهاشمي» ، وهذا معناه انه مع ارتفاع العلم لا يرتفع طبيعي وجوب اكرامه اي طبيعي الحكم وانما سيرتفع شخص الحكم الأوّل فقط.

(١) بيان الفرق بين هذه المسألة والمسألة الآتية بعنوان «ضابط المفهوم» هو : أن النظر في هذه المسألة الى التمييز بين المفهوم وبقية المدلولات الالتزامية ، ففيه نخرج ما يتفرّع من موضوع القضية كمفهوم الموافقة وما يتفرّع على محمولها كوجوب المقدّمة عند وجوب ذيها ، ونحو ذلك من أبحاث ، ونحصر المفهوم بما يفهم من خصوصية في الربط القائم بين موضوع القضية ومحمولها بنحو ينتفي طبيعي الحكم عند انتفاء الموضوع ، وامّا النظر في مسألة «ضابط المفهوم» فهو الى بيان خصوصيات وشروط ان وجدت في الجملة كان لها مفهوم كشروط العليّة التامّة الانحصارية وكون الحكم هو طبيعي الحكم ، ولذلك ففي مسألة «ضابط المفهوم» يتحدّد المفهوم اكثر.

٢٨٠