دروس في علم الأصول - ج ١

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

الدقة وليس عرفيا فلا يكون مؤثّرا في اثبات اطلاق عرفي يعيّن احد الحدّين (*).

ـ ثانيها (١) : وهو مركّب من مقدمتين :

المقدّمة الاولى : إن الوجوب ليس عبارة عن مجرّد طلب الفعل ، لانّ ذلك ثابت في المستحبّات ايضا فلا بدّ من فرض عناية زائدة بها يكون الطلب وجوبا ، وليست هذه العناية عبارة عن انضمام النهي والمنع عن الترك الى طلب الفعل ، لانّ النهي عن شيء ثابت في باب المكروهات ايضا (٢) ، وانما هي عدم ورود الترخيص في الترك ، لانّ هذا الامر

__________________

المؤكّد لانّ كليهما إرادة شديدة ، والاختلاف بينهما في غاية الدقّة ، فلم نحمل الارادة الشديدة على خصوص الوجوب؟!

(١) هذا الوجه الثاني شبيه بكلام السيد البجنوردي رحمه‌الله في منتهى اصوله ج ١ ص ١٢٥.

(٢) مراده ان النهي في باب الواجبات بمعنى لا تترك والنهي في باب المكروهات بمعنى لا تفعل ، ورغم وجود النهي فيهما الّا ان النهي في الاوّل الزامي وفي الثاني تنزيهي (ولم) يكن هناك ضرورة لذكر جملة «وليست هذه ... المكروهات ايضا».

__________________

(*) والجواب على هذا ان الاختلاف بين الحدّين في نظري الشرع المقدّس والمتشرّعة في غاية الاهميّة ، كيف لا يكون كذلك ومن وراء مخالفة الواجب استحقاق عقاب الجبّار نعوذ بالله منه ، فلو كان الامر استحبابيا لذكر المشرّع الحكيم قرينة على ذلك لاظهار ارادة الاستحباب. (وكان) الاولى الجواب بانّ الاستحباب ـ رغم عدم وصوله الى درجة الالزام ـ هو إرادة أيضا بالوجدان ، فاذا كان الامر يفيد معنى الارادة فبأيّ حجّة نخرج احتمال الاستحباب؟!

٢٢١

العدمي (١) هو الذي يميّز الوجوب عن باب المستحبات والمكروهات ، ونتيجة ذلك ان المميّز للوجوب أمر عدمي وهو عدم الترخيص في الترك فيكون مركّبا من امر وجودي وهو طلب الفعل وامر عدمي وهو عدم الترخيص في الترك ، والمميّز للاستحباب امر وجودي وهو الترخيص في الترك ، فيكون مركبا من امرين وجوديين.

المقدّمة الثانية : انه كلما كان الكلام وافيا بحيثيّة مشتركة [وهي الطلب] ويتردّد امرها بين حقيقتين المميّز لاحداهما امر عدمي والمميّز للاخرى امر وجودي تعيّن بالاطلاق الحمل على الاوّل ، لان الامر العدمي اسهل مئونة من الامر الوجودي ، فاذا كان المقصود ما يتميّز بالامر الوجودي (٢) مع انه لم يذكر الامر الوجودي فهذا خرق عرفي واضح لظهور حال المتكلم في [كونه بصدد] بيان تمام المراد بالكلام. وامّا اذا كان المقصود ما يتميّز بالامر العدمي فهو ليس خرقا لهذا الظهور بتلك المثابة عرفا ، لانّ المميّز حينما يكون امرا عدميا كأنّه لا يزيد على الحيثيّة المشتركة التي يفي بها الكلام.

ومقتضى هاتين المقدّمتين تعيّن الوجوب بالاطلاق.

ويرد عليه المنع من اطلاق المقدّمة الثانية ، فانه ليس كل امر عدمي لا يلحظ امرا زائدا عرفا (٣) ، ولهذا لا يرى في المقام ان النسبة عرفا بين

__________________

(١) وهو «عدم ورود الترخيص في الترك».

(٢) وهو الاستحباب.

(٣) كالعمى ، فانّه وان كان امرا عدميا بالدقّة العقلية ، الّا ان العرف يرونه امرا زائدا يميّز صاحبه عن اغلب الناس ، والوجوب كذلك ، فانه وان

٢٢٢

الوجوب والاستحباب نسبة الاقلّ والاكثر ، بل النسبة بين مفهومين متباينين ، فلا موجب لتعيين احدهما بالاطلاق (١).

ـ ثالثها : ان صيغة الأمر تدل على الارسال والدفع بنحو المعنى الحرفي ، ولمّا كان الارسال والدفع مساوقا لسدّ تمام ابواب العدم للتحرك والاندفاع (٢) ، فمقتضى اصالة التطابق بين المدلول التصوّري والمدلول

__________________

كان مميّزا بأمر عدمي ـ وهو عدم الترخيص ـ الّا ان العرف يرونه امرا مباينا للاستحباب.

(١) بيان الردّ : إننا لا نسلّم بكون المميّز للوجوب عن الاستحباب هو ما ذكر ، بل كلّ منهما امر بسيط لا مركب حتّى وإن اتّحدا في اصل المطلوبية ، ولذلك ترى العرف حينما يتردّدون بين الوجوب والاستحباب لا يرون النسبة بينهما نسبة الاقلّ والاكثر او المطلق والمقيّد حتّى يكشف لنا السكوت عن قيد الترخيص (الزائد) عن عدم ارادة الاستحباب وارادة المطلق (الوجوب) ، بل يرى العرف النسبة بينهما نسبة المتباينين ، ولذلك تراهم يرجعون إمّا الى ظهور اللفظ كما في الوجه الاوّل ، وامّا الى ادّعاء حكم العقل بلزوم الامتثال كما هو الوجه الثاني (*).

(٢) اي سدّ تمام ابواب الترخيص

__________________

(*) (إذا) فهمت هذا البيان تعرف أن نقاش سيدنا الشهيد رحمه‌الله هنا انما هو في الصغرى ـ اي في المقدّمة الاولى ـ لا في الكبرى ، وان قوله «المقدمة الثانية» في جملة «ويرد عليه المنع من اطلاق المقدمة الثانية» هو زلّة من قلمه الشريف ، اذ انه هنا ينكر كون النسبة بين الوجوب والاستحباب بنظر العرف نسبة الاقل والاكثر ، ثمّ يؤكّد ما ذكرناه قوله «فلا موجب لتعيين احدهما بالاطلاق».

٢٢٣

التصديقي ان الطلب والحكم المبرز بالصيغة سنخ حكم يشتمل على سدّ تمام ابواب العدم ، وهذا يعني عدم الترخيص في المخالفة (١).

ولعلّ هذا التقريب اوجه من سابقيه (٢) فإن تمّ فهو ، وان لم يتمّ يتعيّن كون الدلالة على الوجوب بالوضع.

وتترتّب فوارق عملية عديدة بين هذه الاقوال على الرغم من اتفاقها على الدلالة على الوجوب.

ومن جملتها : ان ارادة الاستحباب من الامر مرجعها على القول الاوّل (٣) الى التجوّز واستعمال اللفظ في غير ما وضع له ، ومرجعها على القول الاخير الى تقييد الاطلاق ، واما على القول الوسط فلا ترجع الى

__________________

(١) بيان هذا الوجه ان الطلب المبرز بصيغة الامر يفيد تصوّرا الارسال وإلقاء الشيء من شاهق بنحو تسدّ ابواب رجوعه ، وبمقتضى التطابق بين المدلولين التصوّري والتصديقي نفهم ان مراد المولى الجدّي هو سدّ ابواب الترخيص. وبعبارة أخرى : ان الطلب المبرز بصيغة الامر هو سنخ حكم يشتمل على عدم الترخيص في المخالفة ، فهو الطرف الاقلّ ، اي المطلق ، وامّا الاستحباب فهو سنخ حكم يشتمل على الترخيص في المخالفة فهو الطرف الأكثر لتقيده بجواز المخالفة.

(٢) وجه أوجهيته هو ان الارسال والدفع والطلب تغاير الترخيص. ففرق بين «صلّ» وبين «لك ان تصلّي».

(٣) عرفت أنّ المراد بالقول الاوّل هو قوله «إنّ ذلك بالوضع» ، والقول الوسط هو «ما ذهب اليه المحقق النائيني من ان دلالة الامر على الوجوب إنما هو بحكم العقل» ، والقول الثالث هو «أنّ دلالة الامر على الوجوب انما هي بالاطلاق».

٢٢٤

التصرّف في مدلول اللفظ اصلا.

وعليه فاذا جاءت اوامر متعدّدة في سياق واحد (١) وعلم ان اكثرها اوامر استحبابية اختلّ ظهور الباقي في الوجوب على القول الاول ، إذ يلزم من ارادة الوجوب منه حينئذ تغاير مدلولات تلك الاوامر (٢) مع وحدة سياقها (٣) ، وهو خلاف ظهور السياق الواحد في ارادة المعنى الواحد من الجميع. وامّا على القول الثاني فالوجوب ثابت في الباقي لعدم كونه دخيلا في مدلول اللفظ لتثلم وحدة المعنى في الجميع. وكذلك الحال على القول الثالث ، لانّ التفكيك بين الاوامر وكون بعضها وجوبية وبعضها استحبابية لا يعني على هذا القول تغاير مدلولاتها ، بل كلها ذات معنى واحد ، ولكنه اريد في بعضها مطلقا (٤) وفي بعضها مقيّدا (*).

__________________

(١) مثل «اغتسل للجنابة واغتسل للجمعة واغتسل للزيارة واغتسل للعيدين» ، ولا يصحّ التمثيل ب «اغتسل للجنابة والجمعة والزيارة والعيدين» لان الامر بها ح واحد ، لا اوامر متعدّدة.

وقوله «اختلّ ظهور الباقي في الوجوب على القول الاول» سببه ان القول الاول يعتمد على الظهور في كون المتكلم يستعمل اللفظة في المعنى الموضوعة له ، فاذا علم كون الاستعمال مجازيا في أكثر الاوامر يختلّ ذاك الظهور في كون الاستعمال حقيقيا.

(٢) في الوجوب.

(٣) في الاستحباب.

(٤) اي معنى الوجوب.

__________________

(*) الصحيح انه حتى على القولين الاخيرين لا يمكن الحكم بوجوب الامر المردّد بين الوجوب والاستحباب كاغتسل للجمعة مثلا ، وذلك لأنّ العقل عند رؤيته لهكذا سياق

٢٢٥

الاوامر الارشادية :

ومهما يكن فالاصل (١) في دلالة الامر انه يدلّ على طلب المادّة وايجابها ، ولكنه يستعمل في جملة من الاحيان للارشاد ، فالامر في قولهم «استقبل القبلة بذبيحتك» ليس مفاده الطلب والوجوب ، لوضوح ان شخصا لو لم يستقبل القبلة بالذبيحة لم يكن آثما ، وانما تحرم عليه الذبيحة.

__________________

(١) اي اننا إن شككنا في كون امر ما تكليفيا او ارشاديا فالاصل العقلائي والظهور العرفي يقتضيان حمله على التكليفي ، وهذه نقطة مهمّة في علم الفقه ، ولا أقل من اننا ننفي الشرطية بالبراءة.

__________________

واحتماله الاستحباب من صيغة الامر لا يحكم بالوجوب ، ولا اقلّ من باب قبح العقاب بلا بيان. وامّا التمسك بالاطلاق فقد يمنع التمسك به من باب ما ذكره استاذنا السيد الهاشمي في حاشية تقريراته ج ٢ ص ٢٥ من «ان وحدة السياق تشكّل ظهورا في وحدة الاوامر الواردة في سياق واحد من حيث الملاك والمدلول الجدّي ايضا فيصلح لان يكون ذلك قرينة على عدم تمامية الاطلاق في باقي الاوامر أيضا» ، (اقول) ومع وجود بعض الاوامر المعلومة الوجوب كاغتسل للجنابة مثلا يصحّ هذا الكلام أيضا ، وذلك لانّ وحدة هذا السياق تجعلنا نشك في كون المتكلم في مقام بيان طبيعة الحكم ، او قل ان علمنا بان المتكلم قد استعمل صيغة الامر في معنى الاستحباب في بعض الصيغ في سياق واحد يجعلنا نعلم انه ليس في مقام بيان حدود الحكم وشخصه (اي هل انه واجب او مستحب) بالنسبة الى هذه الصيغة ، وانما هو في مقام بيان اصل مطلوبيّة هذه الامور ، وعلى ايّ حال فلا شك في وجود خلل في مقدّمات الحكمة من هذه الناحية.

(ثمّ) إنّ ما ذكرناه بالنسبة الى الاوامر المتعدّدة آت بعينه في حال وحدة الاوامر مثل «اغتسل للجنابة والجمعة والزيارة» ، فانه بناء على الاقوال الثلاثة لا يمكن الحكم بوجوب الامر المردّد كغسل الجمعة مثلا في المثال المذكور بطريق اولى ، فلا نعيد.

٢٢٦

فمفاد الامر هنا اذن الارشاد الى شرطية الاستقبال في التذكية ، وقد يعبّر عن ذلك بالوجوب الشرطي ، باعتبار ان الشرط واجب في المشروط. والامر في «اغسل ثوبك من البول» ليس مفاده طلب الغسل ووجوبه ، بل الارشاد الى نجاسته بالبول ، وان مطهّره هو الماء. وامر الطبيب للمريض باستعمال الدواء ليس مفاده الّا الارشاد الى ما في الدواء من نفع وشفاء. وفي كل هذه الحالات تحتفظ صيغة الامر بمدلولها التصوّري الوضعي وهو النسبة الإرسالية ، غير ان مدلولها التصديقي الجدّي يختلف من مورد الى آخر (١).

__________________

(١) ففي المورد الاوّل المراد الجدّي الاخبار بشرطية الاستقبال في التذكية ، وفي المورد الثاني المراد الجدّي الاخبار بنجاسة الثوب بالبول ، وهكذا ...

وانما قال «... الجدّي» خروجا عن المدلول الاستعمالي ، فان المدلول الاستعمالي لا شك في انه هو نفس المدلول التصوّري ، فان المتكلم اراد استعمال هذه الصيغ في معناها الوضعي وان كان داعيه الجدّي افادة الشرطية ونحوها.

٢٢٧

(القسم الثاني)

ونقصد به الجملة الخبرية المستعملة في مقام الطلب (١) ، والكلام حولها يقع في مرحلتين :

الاولى : في تفسير دلالتها على الطلب ، مع انها جملة خبرية ، مدلولها التصوّري يشتمل على صدور المادّة من الفاعل ، ومدلولها التصديقي قصد الحكاية ، فما هي العناية التي تعمل لافادة الطلب بها؟

وفي تصوير هذه العناية وجوه :

الاوّل : ان يحافظ على المدلولين التصوّري والتصديقي معا ، فتكون الجملة اخبارا عن وقوع الفعل من الشخص ، غير انه يقيّد الشخص الذي تقصد الحكاية عنه بمن كان يطبّق عمله على الموازين الشرعية (٢) ، وهذا

__________________

(١) كما في قوله تعالى : (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) البقرة ـ ٢٨٠.

(٢) فكأن الامام مثلا اذا قال «يعيد صلاته» يتصوّر شخصا ملتزما تماما بتطبيق الاحكام الشرعية فيقول : هذا الشخص الملتزم يعيد صلاته ، وبايجاز : كأنّ الامام يقول : الملتزم يعيد صلاته(*).

__________________

(*) وهذا انصافا بعيد عن الفهم العرفي تماما ، بل الظاهر من الضمير المستتر في «يعيد» هو نفس الرجل المسئول عنه ، وان «يعيد صلاته» اختصار لجملة «يجب عليه ان يعيد صلاته».

٢٢٨

التقييد قرينته نفس كون المولى في مقام التشريع لا نقل انباء خارجية.

الثاني : ان يحافظ على المدلول التصوّري وعلى افادة قصد الحكاية ، ولكن يقال : ان المقصود حكايته ليس نفس النسبة الصدورية (١) المدلولة تصوّرا ، بل امر لازم (* ١) لها وهو الطلب من المولى ، فتكون من قبيل الاخبار عن كرم زيد بجملة «زيد كثير الرّماد» على نحو الكناية (* ٢).

الثالث : ان يفرض استعمال الجملة الخبرية في غير مدلولها التصوّري الوضعي مجازا ، وذلك بأن تستعمل كلمة «اعاد» او «يعيد» في نفس مدلول «أعد» ، اي النسبة الإرسالية (٢).

__________________

(١) اي صدور الاعادة من ذاك الشخص الملتزم.

(٢) لوجود شبه بين الإخبار والطلب أي بين «يعيد صلاته» و «أعاد صلاته» و «فليعد صلاته».

__________________

(* ١) في النسخة الاصلية بدل «لازم» ذكر «ملزوم» وهو خلاف الاصطلاح ، ولذلك اوردنا لفظة «لازم» انسياقا مع الاصطلاح.

(* ٢) لا يبعد صحّة هذا الوجه بالنسبة الى صيغ الماضي من قبيل «اعاد صلاته» فانّ المراد الاستعمالي منها هو الاخبار عن ثبوت وجوب الاعادة عليه في اللوح المحفوظ ، وهو كناية عن طلب الاعادة عليه وهو استعمال شائع جدّا مثل قوله تعالى «وكان الله سميعا عليما» ، فانه كناية عن ثبوت هذه الصفات لله جلّ وعلا ، ومثله ما نحن فيه فانّ نظر المتكلّم في «أعاد صلاته» متجها نحو اللازم الذي هو المراد الجدّي للمتكلّم ، وكذا الكلام فيما كان من قبيل صيغة الماضي ممّا يفيد ثبوت النسبة ، كالجملة الاسمية في قوله تعالى (فنظرة إلى ميسرة).

وامّا ما كان بصيغة الفعل الحاضر كقولهم «يعيد صلاته» او «تعيد صلاتك» فانه اختصار عن «يجب عليه ان يعيد صلاته» ، والاختصار في الكلام شائع جدّا ايضا.

٢٢٩

ولا شك في ان الاقرب من هذه الوجوه هو الاوّل ، لعدم اشتماله على ايّ عناية سوى التقييد الذي تتكفل به القرينة المتصلة الحالية.

الثانية : في دلالتها على الوجوب :

أمّا بناء على الوجه الاوّل في إعمال العناية فدلالتها على الوجوب واضحة ، لان افتراض الاستحباب يستوجب تقييدا زائدا في الشخص الذي يكون الاخبار بلحاظه ، إذ لا يكفي في صدق الاخبار (١) فرضه ممّن يطبّق عمله على الموازين الشرعية ، بل لا بد من فرض انه يطبقه على افضل تلك الموازين (٢)(*).

وامّا بناء على الوجه الثاني فتدلّ الجملة على الوجوب ايضا ، لانّ الملازمة بين الطلب والنسبة الصدورية (٣) المصحّحة للاخبار عن اللازم

__________________

(١) كان الاولى ان يقول «إذ لا يكفي في احتمال الاستحباب ...».

(٢) اي ان ظاهر حال السائل والامام انهم يفترضون المسئول عنه مؤمنا عاديا فيقول الامام : المؤمن العادي يعيد صلاته ، أي هذا مقتضى العمل بالموازين الشرعية من دون عمل بالاستحباب والاحتياط والأصل عدم إرادة سلمان الفارسي وأمثاله حتى يحتمل إرادة الاستحباب.

(٣) اي لانّ الملازمة بين الطلب واعادة الرجل الخيالي للصلاة ـ مثلا ـ المصحّحة (صفة للملازمة) للاخبار عن اللازم (وهو لزوم اعادة الصلاة) بذكر الملزوم (الاخبار عن اعادته للصلاة) انما هي في الطلب الوجوبي ، وامّا الطلب الاستحبابي فلا ملازمة بينه وبين اعادة الرجل الخيالي للصلاة ... (وانما) قال «النسبة الصدورية» ولم يقل صدور

__________________

(*) ويرد عليه : انّ هذا الشخص الملتزم الخيالي هل انه يعيد الصلاة على نحو الوجوب ام على نحو الاستحباب؟!

٢٣٠

ببيان الملزوم (* ١) انما هي في الطلب الوجوبي (١) ، وامّا الطلب الاستحبابي فلا ملازمة بينه وبين النسبة الصدورية ، او انه هناك ملازمة بدرجة اضعف.

وأمّا بناء على الالتزام بالتجوّز في مقام استعمال الجملة الخبرية ـ كما هو مقتضى الوجه الأخير ـ فيشكل دلالتها على الوجوب ، إذ كما يمكن ان تكون مستعملة في النسبة الإرسالية الناشئة من داع لزومي ، كذلك يمكن ان تكون مستعملة في النسبة الإرسالية الناشئة من داع غير لزومي (* ٢).

وكلّ ما قلناه في جانب مادّة الامر وهيئته والجملة الخبرية المستعملة في مقام الطلب يقال عن مادّة النهي وهيئته والنفي الخبري

__________________

الاعادة من المصلّي لان الكلام عن مفاد هيئة الجملة الخبرية ، ومفاد الهيئة معنى حرفي وهو هنا النسبة الصدورية.

(١) بحيث يحصل انصراف عند العرف ـ بسبب هذه الملازمة ـ من معنى الطلب (الملزوم) الى معنى الوجوب(* ٣).

__________________

(* ١) في النسخة الاصلية قال «... للاخبار عن الملزوم ببيان اللازم ...» ، وهو خلاف الاصطلاح.

(* ٣) بناء على التسليم بهذا الوجه الثاني لا يستفاد معنى الوجوب من الجملة الخبرية إلا اذا ادّعي الانصراف اليه ، وهذه الدعوى غير بعيدة عرفا.

(* ٢) ولكن الانصاف انّ ما مرّ في الوجه الثاني جار هنا ايضا ، إذ ان اقرب المجازات إلى معنى الطلب المراد من صيغة الامر هو الوجوب ، بحيث لا يبعد حصول الانصراف هنا ايضا ـ بناء على هذا الوجه ـ الى معنى الوجوب ، وان التفرقة بين الوجهين في هذا المجال غير عرفية.

٢٣١

المستعمل في مقام النهي ، غير ان مفاد الامر طلب الفعل ، ومفاد النهي الزجر عنه.

وكما توجد اوامر ارشادية توجد نواه ارشادية ايضا ، والمرشد إليه تارة يكون حكما شرعيا كالمانعية في «لا تصلّ في ما لا يؤكل لحمه» ، وأخرى نفي حكم شرعي من قبيل «لا تعمل بالقياس» (* ١) فانه ارشاد الى عدم الحكم بحجيته ، وثالثة يكون المرشد إليه شيئا تكوينيا ، كما في نواهي الاطباء للمريض عن استعمال بعض الاطعمة ارشادا الى ضررها (* ٢).

ثمّ ان الامر (١) لا يدلّ على الفور ولا على التراخي ، اي انه لا يستفاد منه لزوم الاسراع بالاتيان بمتعلقه ولا جواز (* ٣) التباطؤ ، لان الامر لا يقتضي الّا الاتيان بمتعلقه ، ومتعلقه هو مدلول المادّة (٢) ، ومدلول المادّة

__________________

(١) مادّة وصيغة.

(٢) كالصلاة في قولهم «صلّ» ، فمادّة «صلّ» هي الصلاة.

__________________

(* ١) في النسخة الاصلية «لا تعمل بخبر الواحد» وما اثبتناه اولى ، والامر في الأمثلة سهل.

(* ٢) وانّ الاصل ان يكون النهي نهيا تكليفيا لا ارشاديا الى المانعية ، وذلك كما مرّ في مسألة الامر.

(* ٣) في النسخة الاصلية «ولا لزوم التباطؤ» وهو زلّة من قلمه الشريف ، إذ الكلام في استفادة جواز التباطؤ من الامر وعدم استفادته منه ، وليس الكلام في استفادة لزوم التباطؤ من الامر.

٢٣٢

طبيعي الفعل الجامع بين الفرد الآني (١) والفرد المتباطإ فيه.

كما ان الامر لا يدلّ على المرّة ولا على التكرار ، اي انه لا يستفاد منه لزوم الاتيان بفرد واحد منه او بافراد كثيرة ، وانما تلزم به الطبيعة ، والطبيعة بعد اجراء قرينة الحكمة فيها يثبت اطلاقها البدلي (٢) ، فتصدق على ما يأتي به المكلف من وجود لها ، سواء كان في ضمن فرد واحد أو أكثر. فلو قال الآمر : «تصدّق» ، يتحقق الامتثال باعطاء فقير واحد درهما ، كما يتحقق باعطاء فقيرين درهمين في وقت واحد. وأمّا اذا تصدّق المكلّف بصدقتين مترتبتين زمانا فالامتثال (٣) يتحقق بالفرد الاوّل خاصّة.

__________________

(١) اي في هذه الآن.

(٢) اي وانما تلزم بالامر الطبيعة ، والامر بالطبيعة التي هي الصلاة مثلا في قولهم «صلّ» عند استكشاف وجود مقدّمات الحكمة فيها ـ من عدم تقيدها بعدد معيّن مع كونه في مقام البيان ـ يثبت ارادة فرد من افرادها كي تتحقق الطبيعة ، فكأن المتكلم قال «ائت بصلاة واحدة».

(٣) اي فالامتثال للأمر يتحقق ... ، وهذا لا يمنع من احتمال كون التصدق الثاني مستحبّا ، لكن هذا التصدّق الثاني ليس امتثالا للامر ، وذلك لانه بالتصدّق الاوّل قد سقط الامر المحرّك.

٢٣٣

(الاطلاق واسم الجنس)

الاطلاق يقابل التقييد ، فان تصوّرت معنى واخذت فيه وصفا زائدا او حالة خاصّة كالانسان العالم كان ذلك تقييدا ، واذا تصوّرت مفهوم الانسان ولم تضف اليه شيئا من ذلك فهذا هو الاطلاق.

وقد وقع الكلام في ان اسم الجنس هل هو موضوع للمعنى الملحوظ بنحو الاطلاق فيكون الاطلاق قيدا في المعنى الموضوع له (١) او لذات المعنى الذي يطرأ عليه الاطلاق تارة والتقييد أخرى (٢).

ولتوضيح الحال تقدّم عادة مقدمة لتوضيح أنحاء لحاظ المعنى واعتبار الماهية في الذهن لكي يحدّد نحو المعنى الموضوع له اللفظ على اساس ذلك ، وحاصلها ـ مع اخذ ماهية الانسان وصفة العلم كمثال ـ ان

__________________

(١) كما كان الرأي السائد قبل زمان سلطان العلماء رحمه‌الله.

(٢) كما هو رأي سلطان العلماء (١٠٠١ ـ ١٠٦٤ ه‍) والى زماننا هذا كالمحقق النائيني والسيد الخوئي وغيرهما ، راجع المحاضرات ج ٥ ص ١٥٩ و ٣٤٤ و ٣٧٣ ـ ٣٧٤.

وعلى ايّ حال فالسيد المصنف رحمه‌الله يريد ان يقول في كل هذا الدرس ان اسم الجنس ـ كالانسان ـ موضوع لماهية الانسان (أي المهملة من الاطلاق والتقييد) وهذا أمر بديهي ، ولذلك يصح ان يقيّد ويصح ان يستعمل مطلقا ويبقى الاستعمال حقيقيا.

٢٣٤

ماهية الانسان اذا تتبّعنا انحاء وجودها في الخارج نجد ان هناك حصتين ممكنتين لها من ناحية صفة العلم ، وهما : الانسان الواجد للصفة خارجا ، والانسان الفاقد لها خارجا ، ولا يتصوّر لها حصة ثالثة ينتفي فيها الوجدان والفقدان معا لاستحالة ارتفاع النقيضين. ومن هنا نعرف ان مفهوم الانسان الجامع بين الواجد والفاقد ليس حصة ثابتة في الخارج في عرض الحصتين السابقتين (١).

ولكن اذا تجاوزنا الخارج الى الذهن وتتبّعنا عالم الذهن في معقولاته الاوّلية التي ينتزعها من الخارج مباشرة نجد ثلاث حصص او ثلاثة أنحاء من لحاظ الماهية كل واحد يشكل صورة للماهية في الذهن تختلف عن الصورتين الاخريين ، لان لحاظ ماهية الانسان في الذهن تارة يقترن مع لحاظ صفة العلم ، وهذا ما يسمّى بالمقيّد او لحاظ الماهية بشرط شيء ، وأخرى يقترن مع لحاظ عدم صفة العلم (٢) ، وهذا نحو آخر من المقيّد و

__________________

(١) يقصد انه لا يوجد في الخارج شخص ثالث جامع بين العالم والجاهل.

(٢) وذلك بان نلحظه جاهلا ، كما نلاحظ الاعمى متصفا بصفة العمى مع ان العمى صفة عدمية ، فان العدم اذا اضيف الى الملكة كالعلم والبصر يصير قابلا للتصوّر. امّا العدم المطلق ـ بالحمل الشائع الصناعي ـ فانه لا يمكن تصوّره لعدم وجود مصداق له لا في الخارج ولا في الذهن ، او قل لانه لا شيئية له ولا حدّ له يحدّه ليتحصّص بحصّة معينة كما كان الامر في عدم الملكة ، نعم مفهوم العدم ـ اي العدم بالحمل الذاتي الاوّلي ـ موجود في الذهن كسائر المفاهيم ولذلك نصفه بصفات عديدة مثل انه يغاير مفهوم الوجود ونحو ذلك.

٢٣٥

يسمّى لحاظ الماهية بشرط لا (١) ، وثالثة لا يقترن بأيّ واحد من هذين اللحاظين ، وهذا ما يسمّى بالمطلق او لحاظ الماهية لا بشرط ، وهذه حصص ثلاث عرضية في اللحاظ في وعاء الذهن.

واذا دققنا النظر وجدنا ان هذه الحصص الثلاث من لحاظ الماهية تتميّز بخصوصيّات ذهنية وجودا وعدما ، وهي لحاظ الوصف ولحاظ عدمه وعدم اللحاظين ، وامّا الحصّتان الممكنتان للماهية في الخارج فتتميّز كل واحدة منهما بخصوصيّة خارجية وجودا وعدما ، وهي وجود الوصف وعدمه كذلك ، وتسمّى الخصوصيات التي تتميّز بها الحصص الثلاث للحاظ الماهية في الذهن بعضها عن بعض بالقيود الثانوية ، وتسمّى الخصوصيات التي تتميّز بها الحصّتان في الخارج احداهما عن الاخرى بالقيود الاوّليّة.

ونلاحظ ان القيد الثانوي المميّز للحاظ الماهية بشرط شيء ـ وهو لحاظ صفة العلم (٢) ـ مرآة (٣) لقيد أوّلي (وهو نفس صفة العلم المميّز

__________________

(١) اي بقيد عدم الصفة.

(٢) أي ان القيد الثانوي هو لحاظ صفة العلم في الذهن.

ملاحظة : بالتدقيق في المتن تعرف ان في المقام لحاظين : لحاظ للماهية ، وهو دائما موجود اي في القسمين الخارجيين وفي الاقسام الثلاثة الذهنية ، ولحاظ للخصوصيات وهو ما يطلق عليه بشرط شيء وبشرط لا.

(٣) «مرآة» خبر ل «ان القيد الثانوي».

ومراده ان يقول ان هذا الاتصاف في الذهن حاك عن الاتصاف في الخارج ومرآة عنه ، كما ان عدم الاتصاف في الذهن حاك عن عدم الاتصاف في الخارج.

٢٣٦

لاحدى الحصّتين الخارجيتين) ، ومن هنا كان لحاظ الماهية بشرط شيء مطابقا للحصّة الخارجية الاولى ، كما نلاحظ ان القيد الثانوي المميّز للحاظ الماهية بشرط لا (وهو لحاظ عدم صفة العلم) مرآة لقيد أوّلي (وهو عدم صفة العلم المميّز للحصّة الخارجية الاخرى) ، ومن هنا كان لحاظ الماهية بشرط لا مطابقا للحصّة الخارجية الثانية.

وامّا القيد الثانوي المميّز للحاظ الماهية لا بشرط (وهو عدم كلا اللحاظين) فليس مرآة لقيد اوّلي ، لانه عدم اللحاظ ، وعدم اللحاظ ليس مرآة لشيء. ومن هنا كان المرئي بلحاظ الماهية اللابشرط ذات الماهية (١) المحفوظة في ضمن المطلق والمقيّد. وعلى هذا الاساس صحّ القول بأنّ المرئي والملحوظ باللحاظ الثالث اللابشرطي جامع بين المرئيّين والملحوظين باللحاظين السابقين (٢) لانحفاظه فيهما ، وان كانت نفس الرؤية واللحاظ متباينة في اللحاظات الثلاثة ، فاللحاظ اللابشرطي (٣) بما هو لحاظ يقابل اللحاظين الآخرين وقسم ثالث لهما ، ولهذا يسمّى باللابشرط القسمي ، ولكن اذا التفت الى ملحوظه مع الملحوظ في اللحاظين الآخرين كان جامعا بينهما لا قسما في مقابلهما ، بدليل انحفاظه فيهما معا ، والقسم لا يحفظ في القسم المقابل له.

__________________

(١) وهو «الانسان» مع غضّ النظر عن كونه عالما او جاهلا.

(٢) أي ان مفهوم الانسان جامع بين الانسان العالم والانسان الجاهل لأن الانسان موجود فيهما.

(٣) اي فلحاظ ماهية الانسان مع غضّ النظر عن لحاظ اتصافه بالعلم او الجهل يقابل لحاظ ماهية الانسان العالم وماهية الانسان الجاهل وقسيم لهما.

٢٣٧

ثمّ اذا تجاوزنا وعاء المعقولات الاولية للذهن الى وعاء المعقولات الثانية التي ينتزعها الذهن من لحاظاته وتعقلاته الاوّلية وجدنا ان الذهن ينتزع جامعا بين اللحاظات الثلاثة للماهية المتقدمة ، وهو عنوان «لحاظ الماهية» من دون ان يقيّد هذا اللحاظ بلحاظ الوصف ولا بلحاظ عدمه ولا بعدم اللحاظين ، وهذا جامع بين لحاظات الماهية الثلاثة في الذهن ، ويسمّى ب «لحاظ الماهية اللابشرط المقسمي» (*) تمييزا له عن «لحاظ الماهية اللابشرط القسمي» ، لان ذاك (١) احد الاقسام الثلاثة للماهية في الذهن ، وهذا (٢) هو الجامع بين تلك الاقسام الثلاثة.

اذا توضّحت هذه المقدمة (٣) فنقول : لا شك في ان اسم الجنس ليس موضوعا للماهية اللابشرط المقسمي ، لان هذا جامع ـ كما عرفت ـ بين الحصص واللحاظات الذهنية لا بين الحصص الخارجية (٤) ، كما انه

__________________

(١) اي لحاظ الماهية اللابشرط القسمي.

(٢) اي لحاظ الماهية اللابشرط المقسمي.

(٣) ونظير هذه المقدمة ذكر السيد الخوئي في محاضراته ج ٥ ص ٣٤٤ ـ ٣٤٧.

(٤) بمعنى ان اسم الجنس كالفاظ انسان ، كتاب ، ... الخ موضوع لما ينطبق على الانسان الخارجي والكتاب الخارجي ، لا الانسان الذهني والكتاب الذهني اللذين لا ينطبقان على الخارج ، وهذا الجامع (اي الماهية اللابشرط المقسمي) ذهني لا وجود له في الخارج حتّى بافراده ، فان افراده ايضا ذهنية ، فكيف يمكن ان يكون اسم الجنس موضوعا لهذا الجامع الذهني المحض؟! هذا أوّلا ، وثانيا إن اسم

__________________

(*) في النسخة الاصلية «ويسمّى بالماهية اللابشرط المقسمي» ، وما اثبتناه اولى.

٢٣٨

ليس موضوعا للماهية الماخوذة بشرط شيء او بشرط لا لوضوح عدم دلالة اللفظ على القيد (١) غير الداخل في حاق المفهوم ، فيتعيّن كونه موضوعا للماهية المعتبرة على نحو اللابشرط القسمي ، وهذا المقدار مما لا ينبغي الاشكال فيه ، وانما الكلام في انه هل هو موضوع للصورة الذهنية الثالثة ـ التي تمثّل الماهية اللابشرط القسمي ـ بحدّها الذي تتميّز به عن الصورتين الاخريين (٢) ، او لذات المفهوم المرئي بتلك الصورة (٣) ، وليست الصورة بحدّها الّا مرآة لما هو الموضوع له. فعلى الاوّل يكون الاطلاق مدلولا وضعيا للفظ ، وعلى الثاني لا يكون كذلك ،

__________________

الجنس لم يوضع للماهية بعنوان كونها مقسما للاقسام الثلاثة المذكورة ، لان هذا العنوان خصوصية زائدة عن حاقّ المعنى كما هو واضح.

(١) كالعلم او الجهل ، اي لوضوح عدم دلالة لفظ «الانسان» مثلا على العالم او الجاهل الغير داخلين في مفهوم الانسانية.

(٢) اي لمفهوم «الانسان المطلق من قيدي العالم والجاهل».

(٣) اي لمفهوم «الانسان» المهمل من كل قيد حتّى من قيد الاطلاق.

ولا شك في انّه مع التردّد بينهما سنقول بوضع اسم الجنس لمفهوم «الانسان» المهمل من كل قيد حتى من قيد الاطلاق ، وذلك لانه على الاوّل سيكون استعمال اسم الجنس المقيد بقيد ما ـ كالانسان العالم ـ في معنى الانسان العالم استعمالا مجازيا ، لانّ لفظة انسان موضوعة للمعنى المطلق فحينما تستعمل معها قيدا تكون قد استعملت لفظا مع قرينة في معنى غير معناها الاصلي وهو المجاز ، وهذا بخلاف ما لو قلنا بالمعنى الثاني فان الاستعمال ح سيكون حقيقيا لاننا نكون قد استعملنا اسم الجنس في الطبيعة المهملة وهي تقبل الاطلاق والتقييد.

٢٣٩

لان ذات المرئي والملحوظ بهذه الصورة لا يشتمل إلا على ذات الماهية المحفوظة في ضمن المقيد ايضا ، ولهذا اشرنا سابقا الى ان المرئي باللحاظ الثالث جامع بين المرئيين والملحوظين باللحاظين السابقين لانحفاظه فيهما.

ولا شك في ان الثاني هو المتعيّن (١) ، وقد استدل على ذلك :

أوّلا : بالوجدان العرفي واللغوي.

وثانيا : بأن الاطلاق حدّ للصورة الذهنية الثالثة ، فاخذه قيدا معناه وضع اللفظ للصورة الذهنية المحدّدة به ، وهذا يعني ان مدلول اللفظ امر ذهني (٢) ولا ينطبق على الخارج (*).

__________________

(١) وهو ان اسم الجنس موضوع للماهية المهملة ، والى هذا ذهب ـ كما قلنا ـ سلطان العلماء ومن تبعه من المحققين المتأخّرين.

(٢) وذلك لان الاطلاق امر ذهني لا وجود له في الخارج ، فهل رأيت مرّة في الخارج شيء اسمه اطلاق او مطلق؟! وعليه فان قلنا بان اسم الجنس موضوع لمفهوم «الانسان المطلق» فهذا المعنى موجود في الذهن فقط ، مع اننا نعلم ان اسم الجنس كلفظة «انسان» تنطبق حقيقة على الخارج.

__________________

(*) ما افاده سيدنا الشهيد رحمه‌الله صحيح من حيث النتيجة ، لكن هذا «المفهوم المرئي من خلال الماهية المطلقة» هو نفس الماهية اللابشرط المقسمي كما هو معروف بين المحققين فانّ هذه الماهية موجودة ضمن افرادها الثلاثة ، وبعض هذه الافراد الثلاثة موجود في الخارج ، فهذه الماهية اللابشرط المقسمي والتي هي مفهوم «الانسان» موجودة في الخارج ضمن افرادها ، هذه الماهية هي في الحقيقة «الماهية المهملة» التي يقول بها المحققون كالميرزا النائيني والسيد الخوئي والسيد المصنف (رحمهم‌الله).

٢٤٠