دروس في علم الأصول - ج ١

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

للممتثل ، لان قيامهما بحقّ المولى على نحو واحد (١).

وامّا المعنى الثاني (٢) فكذلك ايضا ، لانّ عدم التحرّك عن القطع الذاتي بالتكليف يساوي عدم التحرّك عن اليقين الموضوعي في تعبيره عن الاستهانة بالمولى وهدر كرامته (٣) ، فيكون للمولى حقّ الطاعة فيهما على السواء وحقّ التحرّك (٤) عن كلّ منهما وفاء بحقّ المولى وتعظيما له.

وقد يقال انّ القطع الذاتي وان كان منجّزا لما ذكرناه ولكنه ليس بمعذّر ، فالقطّاع اذا قطع بعدم التكليف وعمل بقطعه وكان التكليف ثابتا

__________________

(١) وببيان آخر ، إن بذل زيد وعمرو جهدهما في امتثال اوامر الباري تبارك وتعالى ، وصادف احدهما الواقع ولم يصادفه الآخر ، فحينئذ من العدل الواجب على الله عزوجل ان يثيبهما نفس الثواب ، ولا مانع من ان يزيد المصيب ثوابا لكن من باب المنّ والتفضّل ، بل من الظلم القبيح المستحيل على الله جلّ وعلا ان يرى المصيب مستحقّا للثواب دون المخطئ ، لانّ الانسان غير مكلّف بمعرفة الغيب مما لا يقدر على التوصّل اليه.

(٢) وهو القطع المصيب للمبرّرات الموضوعية.

(٣) اي في نفس المتجرّئ.

(٤) معطوفة على «الطاعة».

__________________

وقد يكون العفو فيها من باب المنّ والتفضل بقرينة قوله عليه‌السلام ولكن الله عدل كريم ، فان تمّ ذلك وإلا فالطائفة الاولى مقدّمة من حيث الشهرة والصدور وجهته ، ومن المعلوم ان المتجرّئ لو لم يكن يستحقّ العقاب عقلا لما كان الشارع المقدّس يتبنّى هذه الفكرة ، فانّ المولى تعالى لا يظلم كما هو معلوم.

وهو امر يدعم ما ذكرناه سابقا من حكم العقل باستحقاق المتجرّئ للعقاب.

١٢١

في الواقع فلا يعذر في ذلك لاحد وجهين :

الاوّل : انّ الشارع ردع عن العمل بالقطع الذاتي او ببعض مراتبه المتطرّفة على الاقلّ ، وهذا الرّدع ليس بالنهي عن العمل بالقطع بعد حصوله ، بل بالنهي عن المقدّمات التي تؤدّي الى نشوء القطع الذاتي للقطّاع او الأمر (١) بترويض الذّهن على الاتّزان ، وهذا حكم طريقي يراد به تنجيز التكاليف الواقعية التي يخطئها قطع القطّاع (٢) وتصحيح العقاب على مخالفتها ، وهذا امر معقول غير انّه لا دليل عليه اثباتا.

الثاني : انّ القطّاع في بداية امره اذا كان ملتفتا الى كونه انسانا غير متعارف في قطعه ، كثيرا ما يحصل له العلم الاجمالي بانّ بعض ما سيحدث لديه من قطوع نافية [للتكليف] غير مطابقة للواقع ، لاجل كونه قطّاعا ، وهذا العلم الاجمالي منجّز (٣).

__________________

(١) اي وهذا الردع انما يكون من باب الامر بترويض الذهن ...

(٢) بسبب تقصيره في مقدمات قطعه.

(٣) يقول السيد الشهيد رحمه‌الله هنا : إذا علم القطّاع بأنّ بعض قطوعاته مخالفة للواقع فهنا لا يبقى علمه وقطعه بهذا المورد المعيّن الآن حجّة وذلك لعلمه ببطلان بعض قطوعاته. (فان قيل) ينحلّ علمه ذاك بهذا المورد المعيّن ، فيكون قطعه بهذا المورد حجّة (كان الجواب) بل لا ينحلّ علمه الاجمالي في هذا المورد ، فانه هو الذي اوقع نفسه ـ بتعجّله في اقناع نفسه ـ في حالة القطع الذاتي ، ولذلك لا يكون قطعه في هذا المورد الخارجي حجّة.

(سؤال) ما رأيك أنت ـ أخي الطالب ـ في المسألة؟ هل تعتقد بالانحلال اي بحجية قطعه في هذا المورد الخارجي رغم علمه ببطلان بعض قطوعاته أم ما ذا؟

١٢٢

فان قيل ان القطّاع حين تتكوّن لديه قطوع نافية [للتكليف] يزول من نفسه ذلك العلم الاجمالي (١) ، لانّه لا يمكنه ان يشك في قطعه وهو قاطع بالفعل.

كان الجواب انّ هذا (٢) مبني على ان يكون الوصول (٣) كالقدرة ، فكما انّه يكفي في دخول التكليف في دائرة حقّ الطاعة كونه مقدورا حدوثا وان زالت القدرة بسوء اختيار المكلّف ، كذلك يكفي كونه (٤)

__________________

(١) بمعنى انّه في هذا المورد المعيّن الذي يقطع فيه بالتعذير هو يقطع بان هذا المورد خارج عن اطراف علمه الاجمالي الكبير ـ بكون بعض قطوعاته تخالف الواقع او وظيفته العملية ـ فيحصل عنده انحلال لعلمه الاجمالي.

(٢) بيان الجواب : صحيح انّه الآن ـ في هذا المورد المعيّن ـ قاطع ولا يؤثّر عليه علمه الاجمالي الكبير ، لكنه رغم ذلك هو غير معذور لكونه هو الذي ورّط نفسه ابتداء في عادة القطع الذاتي ، فحاله كحال من القى بنفسه وبسوء اختياره من شاهق ثمّ تاب في الطريق ، فهذا لا يعذر عقلا ، وهذا ما اشار اليه تعالى في قصّة فرعون بقوله : (وجوزنا ببنى إسرءيل البحر فأتبعهم لآ فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتّى إذآ أدركه الغرق قالءامنت أنّه لآ إله إلّا الّذىءامنت به بنوا إسرءيل وأنا من المسلمين (٩٠) ءآلئن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين (٩١) فاليوم ننجّيك ببدنك لتكون لمن خلفكءاية وإنّ كثيرا مّن النّاس عنءايتنا لغفلون) (سورة يونس).

(٣) الى وظيفته الشرعية.

(٤) أي كذلك يكفي كون العلم الاجمالي بوجود بعض التكاليف المخالفة للواقع واصلا اليه وواضحا لديه رغم قطعه بالتعذير في المورد الذي

١٢٣

واصلا حدوثا ، وان زال الوصول بسوء اختياره (*).

__________________

ينظر اليه (يكفي) كونه مبرّرا لاستحقاق العقاب وإن زال العلم بتقصيره في خصوص هذا المورد المعيّن.

__________________

(*) ذكر السيد المصنّف رحمه‌الله في مسألة «حالات ارتفاع القدرة» من الجزء الثاني هذا الكلام فقال انه يكفي وجود القدرة حدوثا في بقاء التكليف الفعلي وترتّب استحقاق العقاب ، نعم لا فاعلية لهذا التكليف الفعلي اي لا محركية له للغويّته ، لعدم القدرة على الامتثال.

(وهذا) الكلام في غاية الصّحة ، وذلك لانّ فعلية التكليف مترتّبة على تمامية ملاك الحكم وفعلية شرائطه ، والقدرة ـ كالعلم ـ خارجة من ملاك الحكم ، فالصلاة ولو مع عدم القدرة على انجازها ـ لوجود مزاحم اهم مثلا ـ يبقى وجوبها فعليا لتمامية ملاكها والمصلحة والحسن فيها مع فعليّة شرائط وجوبها من الوقت والبلوغ ، ولذلك نقول بصحتها فيما لو اتى الشخص بها وترك الاهم ، وسياتيك في بحث الترتب اثبات الامر بها ـ بنحو الترتب ـ بدليل اطلاق الامر بها ... وكقتل المؤمن خطأ اعتقادا منه انه عدو حربي فانّ هذا القتل لا شك في حرمته الفعلية للسبب المذكور وهو تمامية المفسدة والقبح ، نعم لا محرّكية لهذا التحريم لعدم القدرة على امتثاله مع كونه معتقدا بكونه حربيا وانه مقبل مثلا ليقتله.

هذا بالنسبة الى كبرى الجواب ، ولكن الكلام مع سيدنا الشهيد في كون هذا المورد المفروض صغرى لهذه الكبرى الصحيحة.

فنقول : الصحيح انّ القطّاع حينما يقطع في خصوص امر معيّن فقد حصل عنده انحلال تفصيلي في اعتقاده ، بمعنى ان علمه الاجمالي بوجود بعض المخالفات بين مقطوعاته حاصل في غير قطعه في هذا المورد المعيّن ، ولذلك يكون قطعه هذا حجة ولا اثر لعلمه الاجمالي ذاك في قطعه الخاص هذا.

١٢٤

الأدلّة المحرزة

١٢٥
١٢٦

مبادئ عامّة

(تأسيس الاصل عند الشكّ في الحجيّة)

الدليل اذا كان قطعيا فهو حجّة على اساس حجّيّة القطع ، واذا لم يكن كذلك فان قام دليل قطعي على حجيّته اخذ به ، وامّا اذا لم يكن قطعيا وشكّ في جعل الحجية له شرعا مع (١) عدم قيام الدليل على ذلك فالاصل فيه عدم الحجية. ونعني بهذا الاصل ان احتمال الحجّية ليس له اثر عملي وإنّ كلّ ما كان مرجعا لتحديد الموقف ـ بقطع النظر عن هذا الاحتمال ـ يظلّ هو المرجع معه ايضا.

ولتوضيح ذلك نطبّق هذه الفكرة على خبر محتمل الحجّية يدلّ على وجوب الدّعاء عند رؤية الهلال مثلا ، وفي مقابله البراءة العقلية (اي قاعدة قبح العقاب بلا بيان) عند من يقول بها والبراءة الشرعية والاستصحاب واطلاق دليل اجتهادي تفرض دلالته على عدم وجوب الدّعاء.

امّا البراءة العقليّة فلو قيل بها كانت مرجعا مع احتمال حجية الخبر ايضا (٢) ، لانّ احتمال الحجّية لا يكمّل البيان والّا لتمّ باحتمال الحكم

__________________

(١) أي في حال عدم قيام دليل ... أو قل ... وذلك عند عدم قيام دليل على الحجّيّة.

(٢) اي كانت مرجعا مع وجود خبر ضعيف السند او الدلالة

١٢٧

الواقعي. ولو انكرناها (١) وقلنا انّ كل حكم يتنجّز بالاحتمال ما لم يقطع بالترخيص الظاهري في مخالفته ، فالواقع منجّز باحتماله (٢) من دون اثر لاحتمال الحجّية.

وامّا البراءة الشرعيّة فاطلاق دليلها شامل لموارد احتمال الحجّية ايضا ، لانّ موضوعها عدم العلم بالتكليف الواقعي (*) ، وهو (٣) ثابت مع

__________________

(١) أي ولو انكرنا البراءة العقلية وقلنا بالاحتياط العقلي بناء على مسلك حقّ الطاعة.

(٢) اي باحتمال ثبوت الوجوب في الواقع من دون أثر لاحتمال حجية الخبر.

(٣) اي اطلاق دليل البراءة.

__________________

(*) الصحيح ان يقال : لان موضوعها عدم العلم بوجود دليل حجّة ، وسياتيك فى تعليقتنا على مسلك حقّ الطاعة ان الصحيح والذي يحكم به العقل هو البراءة ، وان ما ورد من ادلة على البراءة كقوله تعالى : (قل لّآ أجد فى مآ أوحى إلىّ محرّما على طاعم يطعمه إلّآ أن يكون ميتة أو دما مّسفوحا) ما هي إلا ارشاد اليها ... فاذا عرفت هذا فلن يبقى موضوع لكلام السيد الشهيد (قدس‌سره) ، وسنبقى في اطار قوله السابق «امّا البراءة العقلية ...» ، اضافة الى أن الصحيح ان موضوع البراءة كما قلنا هو عدم العلم بالحجّة سواء كانت هذه الحجّة هي العلم بالحكم الواقعي ام العلم بالدليل المحرز (وهو الامارة الحجّة) ، وذلك واضح من خلال ادلتها ، فمثلا لو نظرنا الى حديث الرفع والقائل «رفع عن امتي ما لا يعلمون» لتبادر الى اذهاننا معنى ما لا يعلمون بالحجّة ـ لا بالحكم الواقعي فقط ـ وذلك لقلّة الاحكام الواقعية المعروفة عندنا بالنسبة الى المعروفة عندنا بواسطة الامارات ، فالفقيه عادة يحاول العلم عن طريق الادلّة المحرزة وذلك لانّ ضروريات الدين كما تعلم قليلة بالنسبة الى تلك ، ولا مانع من هذا الشمول المذكور للاحكام الواقعية والظاهرية المحرزة ، بل على هذا الاساس يقول الاصوليون

١٢٨

احتمال الحجية ايضا ، بل حتى مع قيام الدليل على الحجية ، غير انّه في هذه الحالة يقدم دليل حجّية الخبر (١) على دليل البراءة لانّه اقوى منه و

__________________

(١) نظر السيد المصنّف (قده) هنا الى وقوع التعارض بين دليل البراءة ودليل الحجية ـ كدليل حجية الخبر او الظهور ونحوهما ـ ولم ينظر الى التعارض بين دليل البراءة والامارة ، وذلك لانّ الامارة كخبر الثقة مثلا لا تكون دليلا وحجّة إلا بدليل الحجية ، فدليل الحجية هو السبب والعلّة لهذا التعارض ، ولذلك يقع التعارض بين دليل البراءة ودليل الحجية ، لا بين دليل البراءة والامارة الحجّة ، وهذه نكتة ينبغي للطالب الالتفات إليها.

ثم انك قد عرفت الفرق في الحلقة الثانية بين الحكومة والورود ، وانه اذا تصرّف دليل فى دليل آخر وفسّره فالاوّل حاكم على الثاني ، وانه اذا ألغى دليل موضوع دليل آخر فالاوّل وارد على الثاني.

__________________

بالبراءة في حال عدم علمهم ـ رغم الفحص ـ بالامارات الحجّة. (بل) ان تأويل متعلق «يعلمون» بالحكم الواقعي غريب على أذهان الاصوليين ، وذلك لانّ معنى هذا الحديث سيصير رفع عن امتي تنجيز الاحكام الواقعيّة المجهولة عندهم ، وعلى احسن التفاسير حينئذ ان نقول ان هذا الحديث ساكت عن حالات وجود امارة حجّة او عدم وجودها ، وهو كلام اقرب الى اللغوية من الافادة ، لشدّة وضوحه عند العقلاء ، اضافة الى ان الفقيه بحاجة الى بيان رفع التنجيز في حال عدم علمه بوجود امارة حجّة.

(والنتيجة) انه لا مورد لجريان الاصول العملية مع وجود ادلّة محرزة. ولقولنا بالطولية هذا بين الامارات والاصول ترانا نقول في بحث التعارض بكون تقدم الامارات على الاصول انما هو بالورود ، لا بالتخصيص كما يقول السيد المصنف ، فان قوله بالتخصيص هناك جعله يقول هنا بجريان الاصول العملية حتّى مع وجود ادلة محرزة ، لكنه لوجود المعارض ـ وهو الامارة ـ يقدم المعارض لان موضوع دليل حجية الامارة اخصّ ـ عنده ـ من موضوع الاصول العملية.

١٢٩

حاكم عليه مثلا (١) ، وامّا مع عدم ثبوت الدليل الاقوى (٢) فيؤخذ بدليل البراءة ، وكذلك الكلام في الاستصحاب.

وامّا الدليل الاجتهادي المفترض دلالته بالاطلاق على عدم الوجوب فهو حجّة حتّى (٣) مع احتمال حجّية الخبر المخصّص ايضا ، لانّ مجرّد احتمال التخصيص لا يكفي لرفع اليد عن الاطلاق.

ونستخلص من ذلك انّ الموقف العملي لا يتغيّر باحتمال الحجّية ، وهذا يعني ان احتمالها يساوي عمليا القطع بعدمها.

ونضيف الى ذلك انّ بالامكان اقامة الدليل على عدم حجّية ما يشكّ في حجّيته بناء على تصوّرنا المتقدّم للاحكام الظاهرية ، حيث مرّ بنا انّه يقتضي التنافي بينها بوجوداتها الواقعيّة (٤) ، وهذا يعني انّ البراءة عن

__________________

(١) قال (قده) «مثلا» لانه لا يؤمن بان تقدّم الامارات على الاصول بالحكومة ، وانما تتقدم عليها بالاخصّية على ما سوف يذكر ذلك في الجزء الرابع ص ٣٠٢ السطر الاوّل.

(٢) كالرواية الصحيحة ، فانها اقوى من البراءة ، وامّا مع عدم وجود دليل اقوى من البراءة كالرواية الضعيفة فانه يؤخذ ح بالبراءة.

(٣) كلمة «حتى» غير موجودة في النسخة الاصلية ووجودها اولى.

(٤) تقريب هذا المطلب : اننا اذا افترضنا حجّية ما يشك في حجيّته فسنقع في تناقض. (بيان ذلك) انّ ما يشكّ في حجيّته ـ كالقياس والاستحسان ـ لا يجعل عند الشخص علما وجدانيا ولا طريقا تعبديا للحكم الشرعي ، فهو لا يزال جاهلا شرعا وعرفا كما لو لم يرد عنده هذا الدليل ، ولذلك فهو داخل في موضوع دليل البراءة ، ويلزم من اتباع البراءة عدم الاعتبار بالدليل المشكوك الحجّية وكأنه لم يأتنا ،

١٣٠

التكليف المشكوك وحجّية الخبر الدّال على ثبوته حكمان ظاهريان متنافيان.

فالدليل الدّال على البراءة دالّ بالدلالة الالتزامية على نفي الحجّية المذكورة فيؤخذ بذلك ما لم يقم دليل اقوى على الحجّية.

وقد يقام الدليل على عدم حجّية ما يشك في حجيّته من الامارات بما اشتمل من الكتاب الكريم على النهي عن العمل بالظنّ وغير العلم ، فانّ كلّ ظنّ يشكّ في حجيته يشمله اطلاق هذا النهي.

وقد اعترض المحقّق النائيني (١) (قدس الله روحه) على ذلك بانّ

__________________

وهذا يساوي ـ بالنتيجة ـ القول بعدم حجيّة ما يشك في حجيّته.

فاذا اعتبرناه حجّة ظاهرا ، فقد اعتبرناه حجّة وهو لا حجّة وهو التناقض بعينه بين الاحكام الظاهرية بوجوداتها الواقعية.

(١) ذكر ذلك في اجود التقريرات ج ٢ ص ٨٦ ـ ٨٧ ، اذ يقول المحقق النائيني (قده) «... ولاجل ذلك يكون الشك في انشاء الحجية لامارة خاصّة موجبا للقطع بعدم حجّيتها ولا يترتّب عليها اثر اصلا» ثم قال «ان المثبت لعدم جعل الحجية الواقعية ـ اذا كانت الحجية مشكوكة ـ لا بدّ وان يكون امرا ناظرا الى الواقع ، وهو منحصر في الادلة الخاصّة الدّالة على الغاء الشارع لبعض الامارات واعطائهم صفة عدم الحجية له ، كالادلّة الدّالة على عدم حجية القياس في الاحكام الشرعية ، وهذه الادلة الخاصّة لا اشكال في جواز التمسّك بها ، وفي الادلة العامّة الدّالة على عدم حجية الظنّ والامارة الغير علمية ، وفي استصحاب عدم الحجية. امّا التمسّك بالادلّة العامّة لاثبات عدم حجية اي امارة غير علميّة شكّ في حجيتها ففيه اشكال ، وجه الاشكال : ان موضوع تلك

١٣١

حجيّة الامارة معناها جعلها علما ، لانّه بنى على مسلك جعل الطريقية ، فمع الشكّ في الحجيّة [كالشهرة] يشك في كونها علما ، فلا يمكن التمسّك بدليل النهي عن العمل بغير العلم حينئذ ، لانّ موضوعه غير محرز.

وجواب هذا الاعتراض ان النهي عن العمل بالظن ليس نهيا تحريميا ، وانما هو ارشاد الى عدم حجيته ، اذ من الواضح ان العمل بالظن ليس من المحرّمات النفسية ، وانّما محذوره احتمال التورّط في مخالفة الواقع فيكون مفاده عدم الحجية ، فاذا كانت الحجيّة بمعنى اعتبار الامارة علما فهذا يعني ان مطلقات النهي تدلّ على نفي اعتبارها علما ، فيكون مفادها في رتبة مفاد حجّية الامارة (١) ، وبهذا تصلح لنفي الحجية المشكوكة.

__________________

الادلة انما هو الظنون التي لم يعتبر لها الشارع صفة الحجية ، وامّا الامارة المشكوكة الحجية والطريقية (كالشهرة) فخارجة عن موضوع الادلّة العامّة على نحو الحكومة ، فيكون التمسّك بهذه الادلّة العامّة من باب التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية وهو غير جائز (لانّ النهي فيها انما هو عن الظنّ ، وهذه الامارة المشكوكة الحجية لا يعلم بانها ظن حتى يكون النهي شاملا لها ، فلعلها علم تعبدي ...) نعم نثبت عدم حجيتها بانّ الحجّة هي التي تكون معلومة فان لم تكن معلومة فلا اثر لها ...» انتهى كلامه قده ـ بتصرّف يسير ـ. واجابه السيد الخوئي رحمه‌الله في مصباحه ج ٢ ص ١١٥ ... بانّ العمل بما لم تصل حجيّته الى المكلّف عمل بغير علم ، وان كان حجّة في الواقع ، اذ كونه حجّة في الواقع ـ مع عدم علم المكلّف بالحجية ـ لا يجعل العمل به عملا بالعلم كما هو ظاهر.

(١) اي في رتبة اعطاء الحجيّة للامارة.

ومراده (قده) ... انه اذا كانت الحجية بمعنى اعتبار الامارة علما اي اذا

١٣٢

مقدار ما يثبت بدليل الحجية :

وكلما كان الطريق (١) حجّة ثبت به مدلوله المطابقي ، وامّا المدلول

__________________

كان مفاد ادلة الحجيّة ـ سواء حجية سند الخبر او حجية الظهور ـ اعتبار الامارة علما فهذا يعني ان قول الشارع (وما لهم به من علم إن يتّبعون إلّا الظّنّ وإنّ الظّنّ لا يغنى من الحقّ شيئا) (أ) أيدلّ على نفي اعتبار الظنّ علما ، لانّه اعتبره من عدم العلم ، وبالتالي تكون الادلة الناهية عن العمل بالظنّ كهذه الآية المباركة شاملة لموارد الظنون وناهية عن العمل بها ، وتكون ايضا الادلة الدالة على حجية خبر الثقة ونحوه في رتبة الادلّة الدالة على نفي الحجية للظنون الغير معتبرة كالقياس وفي عرضها ، لا في طولها.

(١) كخبر الثقة والظهور.

(يريد) السيد المصنف رحمه‌الله في هذا البحث ان يقول بان مثبتات الامارات ـ اي مداليلها الالتزامية ـ حجّة دون مثبتات الاصول. فلو نذر شخص ان يذبح شاة اذا نبتت لحية ولده ، ثم غاب عنه ولده هذا مدّة بحيث لو كان لا يزال حيّا لنبتت لحيته عادة ، ثم اخبرته بيّنة ببقائه حيا ، فهل يجب عليه الوفاء بنذره؟ المعروف هو وجوب الوفاء بنذره ، وهذا ما يعبّرون عنه بحجيّة مثبتات الامارات. امّا لو أردنا اثبات نباتها بالاستصحاب فالمعروف عدم وجوب الوفاء بنذره لعدم حجيّة الاصل المثبت ، اي الاصل الذي يترتب عليه الاثر الشرعي ـ وهو وجوب الوفاء بالنذر ـ بواسطة تكوينية ـ وهو نبات اللحية ـ ... وتقريب التفرقة بينهما ان الشارع المقدّس قد جعل الامارة حجة لكاشفيتها ، والكاشفية موجودة بنفس القوة في المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي ، ولكن في الاصول ـ كالاستصحاب ـ لم نعلم لم جعل الله الاستصحاب مثلا حجّة فقد يكون قد جعله حجّة لان الاستصحاب

__________________

(أ) النجم ـ ٢٨.

١٣٣

الالتزامي فيثبت في حالتين بدون شك وهما :

أولا : فيما اذا كان الدليل قطعيا (١).

وثانيا : فيما اذا كان الدليل على الحجيّة يرتّب الحجية على عنوان ينطبق على الدلالة المطابقية والدلالة الالتزامية على السواء ، كما اذا قام الدليل على حجيّة عنوان الخبر وقلنا : إنّ كلّا من الدلالة المطابقية والدلالة الالتزامية مصداق لهذا العنوان (٢).

وامّا في غير هاتين الحالتين فقد يقع الاشكال ، كما في الظهور العرفي الذي قام الدليل على حجيّته ، فانه ليس قطعيّا (٣) ، كما ان دلالته

__________________

هو الذي يناسب الارتكاز عند الناس ، وعلى ايّ حال فلم يعلم التعبد بلوازم الاستصحاب ايضا كنبات اللحية ...

(١) اي قطعي السند والدلالة او قل فيما اذا كان الدليل نصّا وكان قطعي الصدور كما لو كان آية او رواية متواترة ، ومراده (قدس‌سره) انّه اذا حصل العلم من خبر الثقة الذي اخبره بقيام زيد فانّ مدلوله الالتزامي وهو مثلا عدم جلوسه او عدم ركوعه سيثبت لا محالة ، او كما اذا حصل عندنا علم من خلال امارة حجّة بوجوب صلاة الجمعة يوم الجمعة مع علمنا بانّ الفرائض الواجبة في الليل والنهار هي خمسة ، فاننا في هذه الحالة سنعلم بالدلالة الالتزامية بعدم وجوب صلاة الظهر لمن صلّى الجمعة.

(٢) فبما ان المدلول الالتزامي من مداليل الخبر عرفا ـ بناء على فرض القول المذكور ـ فسيكون ح المدلول الالتزامي مشمولا لحجيّة الخبر ، كما اذا اخبر ثقة بدخول زيد في النار وبقائه فيها فانّ العرف يفهم من قوله هذا الاخبار باحتراقه.

(٣) أي فانّ الظهور العرفي ليس قطعي الدلالة والّا لكان نصّا.

١٣٤

الالتزامية ليست ظهورا عرفيا (١).

فقد يقال (٢) : إنّ امثال دليل حجيّة الظهور لا تقتضي بنفسها الا اثبات المدلول المطابقي ما لم تقم قرينة خاصّة على اسراء الحجيّة الى الدلالات الالتزامية ايضا.

ولكن المعروف بين العلماء التفصيل بين الامارات والاصول ، فكل ما (٣) قام دليل على حجيّته من باب الامارية ثبتت به مدلولاته الالتزامية ايضا ، ويقال حينئذ : انّ مثبتاته حجّة ، وكلّ ما قام دليل على حجيّته بوصفه اصلا عمليا فلا تكون مثبتاته حجّة ، بل لا يتعدّى فيه عن اثبات المدلول المطابقي إلّا اذا قامت قرينة خاصّة في دليل الحجية على ذلك.

وقد فسّر المحقق النائيني ذلك ـ على ما تبنّاه من مسلك جعل

__________________

(١) او قل بناء على عدم كون الدلالة الالتزاميّة ظهورا عرفيا ومصداقا للخبر ، وهو مقابل الفرض السابق بانّ كلّا من الدلالة المطابقية والدلالة الالتزاميّة مصداق للخبر. ولو عبّر بتعبير «وقلنا بانّ الدلالة الالتزامية ليست مصداقا للخبر» لكان اوضح.

(ملاحظة) : تجد هذا البحث في كتب الاصول في مسألة «الأصل المثبت» ، فانهم يقولون فيها عادة ان مثبتات الامارات (اي مداليلها الالتزامية) حجّة دون مثبتات الاصول ، على تفصيل وبيان يأتيك ان شاء الله تعالى. راجع مثلا مصباح الاصول ج ٣ ص ١٥٠ التنبيه الثامن وتقريرات السيد الهاشمي ج ٦ ص ١٧٥.

(٢) هذا القول لم اعرف صاحبه إلا انّه يناسب مسلك السيد الخوئي رحمه‌الله تماما ، راجع المصباح ج ٣ ص ١٥٤ و ١٥٥ ، ولعلّه لذلك قال «فقد يقال».

(٣) اي فكل امر كخبر الثقة والظهور قام ..

١٣٥

الطريقية في الامارات ـ بانّ دليل الحجية يجعل الامارة علما فيترتب على ذلك كل آثار العلم ، ومن الواضح انّ من شئون العلم بشيء العلم بلوازمه ، ولكن ادلّة الحجيّة في باب الاصول ليس مفادها إلا التعبّد بالجري العملي على وفق الاصل ، فيتحدّد الجري بمقدار مؤدّى الاصل ، ولا يشمل الجري العمليّ على طبق اللوازم إلّا مع قيام قرينة (١).

واعترض السيد الاستاذ على ذلك بانّ دليل الحجية في باب الامارات وان كان يجعل الامارة علما (٢) ولكنه علم تعبدي جعلي ، والعلم الجعلي تتقدّر [دائرة حجيته] بمقدار الجعل (٣) ، فدعوى ان العلم بالمؤدّى يستدعي العلم بلوازمه انما تصدق على العلم الوجداني لا العلم الجعلي ، ومن هنا ذهب الى ان الاصل في الامارات ايضا عدم حجية مثبتاتها ومدلولاتها الالتزاميّة ، وانّ مجرّد جعل شيء حجّة من باب الامارية لا يكفي لاثبات حجيّته في المدلول الالتزامي.

والصحيح ما عليه المشهور من ان دليل الحجية في باب الامارات يقتضي حجية الامارة في مدلولاتها الالتزامية ايضا ، ولكن ليس ذلك على

__________________

(١) تجد هذا الكلام مع اعتراض السيد الخوئي رحمه‌الله في المصباح ، ج ٣ ، ص ١٥٤. المهم انه يمكن للشارع المقدّس ان يحكم ظاهرا بطهارة اللحم والجلد المشكوك التذكية وبحرمة اكله ـ ظاهرا ـ لامكان التفكيك في الامور التعبدية.

(٢) ذكرنا دليل مسلك الطريقية في بحث «الامارات والاصول» في هذا الجزء ، ص ٧٥ تحت عنوان ثالثا.

(٣) في النسخة الاصلية «والعلم الجعلي يتقدّر بمقدار الجعل» وما اثبتناه اولى.

١٣٦

اساس ما ذكره المحقق النائيني من تفسير ، فانّه فسّر ذلك بنحو يتناسب مع مبناه في التمييز بين الامارات والاصول ، وقد مرّ بنا سابقا انّه قدّس الله روحه يميّز بين الامارات والاصول بنوع المجعول (١) والمنشأ في ادلة حجيتها ، فضابط الامارة عنده كون مفاد دليل حجيّتها جعل الطريقية والعلميّة ، وضابط الاصل كون دليله خاليا من هذا المفاد ، وعلى هذا

__________________

(١) كثيرا ما يعبّر في هذه المسألة بتعبير ان المجعول في باب الامارات هو المنجّزية والمعذّرية او الطريقية أو غير ذلك ، والمجعول في الاصول هو مثلا الجري العملي ، فيقولون «جعل الله تعالى الامارات منجزة ومعذّرة» او «اعتبرها طريقا الى الواقع» ونحو ذلك وبما أنّ آثار القطع الوجداني هي ١ ـ خصيصته الصفتية وهي حالة سكون النفس وعدم شكّها و ٢ ـ طريقيته وانكشاف الواقع به ، و ٣ ـ محرّكيته نحو المطلوب ، و ٤ ـ منجّزيته على العالم ومعذريته له ، فبعضهم يقول ان الشارع المقدّس قد اعطى للامارات الخصائص الاربعة كالمحقق النائيني ، ومنهم من يقول انه تعالى أعطى الخصائص الثانية والثالثة والرابعة كاكثر علمائنا ... ولذلك يختصرون التعبير فيقولون المجعول هي الطريقية مثلا او المنجزية والمعذرية.

ومنشأ هذه الأقوال هو كيفية ادلة الحجيّة من ظهور بعض الاخبار في اعتبار من قامت عنده الامارة عارفا كما ورد «من نظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا ...» ، وعالما كما في قوله عليه‌السلام «ولكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا ...» وغيرها ، فقد يقال كالمحقق النائيني إنه يستفاد من هذه الاخبار والسيرة الممضاة انّ الله تعالى نزّل الامارة منزلة القطع بكل خصوصياته حتى خصوصية الصفتية ، فتقوم الامارة مقام القطع الصفتي ، وبعضهم لا يستفيدون الطريقية هذه ، وانما يستفيدون تلك الخصائص الثلاثة فقط كاكثر علمائنا.

١٣٧

الاساس اراد ان يفسّر حجيّة مثبتات الامارات بنفس النكتة التي تميّزها عنده عن الاصول ، اي نكتة جعل الطريقية ، مع أننا عرفنا سابقا ان هذا ليس هو جوهر الفرق بين الامارات والاصول ، وانما هو فرق في مقام الصياغة والانشاء ويكون تعبيرا عن فرق جوهري اعمق ، وهو : ان جعل الحكم الظاهري على طبق الامارة [انما هو](١) بملاك الاهمية الناشئة من قوّة الاحتمال (٢) ، وجعل الحكم الظاهري على طبق الاصل [انما هو] بملاك الاهمية الناشئة من اهمية المحتمل (٣) ، فكلّما جعل الشارع شيئا حجّة بملاك الاهميّة الناشئة من قوّة الاحتمال كان امارة ، سواء كان جعله حجة بلسان انه علم او بلسان الامر بالجري على وفقه.

واذا اتضحت النكتة الحقيقية التي تميّز الامارة امكننا ان نستنتج ان مثبتاتها ومدلولاتها الالتزامية حجّة على القاعدة ، لانّ ملاك الحجيّة فيها هي حيثيّة الكشف التكويني في الامارة الموجبة لتعيين الاهميّة وفقا

__________________

(١) كلمة «انما هو» في هذه الجملة والجملة التالية ليست موجودة في النسخة الاصلية ووجودها اولى.

(٢) اي ناشئة من مطابقة الامارات للاحكام الواقعية في اكثرها ، هذه المطابقة الغالبة التي يعلمها الله سبحانه وتعالى جعلته يعتبر الامارة حجة ، وامّا تفسير قوّة الاحتمال بالظن بموافقة خبر الثقة للواقع فهذا مما لا يقول به السيد الشهيد ، فهو لا يشترط في حجية خبر الثقة الظن بصدقه. وانّما عبّر (قدس‌سره) بتعبير «قوّة الاحتمال» لانها تكون في نظرنا اذا نظرنا اليها بنظرة اجمالية مظنونة المطابقة للاحكام الواقعية.

(٣) في النسخة الاصلية «من قوّة المحتمل» ولعله سهو من قلمه الشريف.

وقد بيّن هذا المطلب في هذا الجزء في مسألة «الامارات والاصول».

١٣٨

لها (١) ، وهذه الحيثيّة نسبتها الى المدلول المطابقي والمداليل الالتزامية نسبة واحدة ، فلا يمكن التفكيك بين المداليل في الحجية ما دامت الحيثيّة المذكورة هي تمام الملاك في جعل الحجيّة كما هو معنى الاماريّة ، وهذا يعني انّا كلما استظهرنا الامارية من دليل الحجية كفى ذلك في البناء على حجية مثبتاتها بلا حاجة الى قرينة خاصّة.

تبعيّة الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية :

اذا كان اللازم المدلول عليه من قبل الامارة بالدلالة الالتزامية من قبيل اللازم الاعم (٢) فهو محتمل الثبوت حتّى مع عدم ثبوت المدلول المطابقي ، وحينئذ اذا سقطت الامارة عن الحجّية في المدلول المطابقي لوجود معارض او للعلم بخطئها فيه فهل تسقط حجيتها في المدلول

__________________

(١) ولذلك ـ اي لتمامية هذه الحيثية ـ جعل الشارع المقدّس خبر الثقة واليد والظهور ونحوها حجّة دون القياس والشهرة ونحوهما ، ففي القسم الاوّل حيثية الكشف التي فيه جعلت الشارع المقدّس يرى ان جعلها حجّة اهم من عدم اعطائها صفة الحجيّة بخلاف القياس ونحوه الذي لا تكون فيه حيثية الكشف كافية لجعلها حجّة.

(٢) اي اذا كان اللازم ـ كموت زيد ـ المدلول عليه من قبل الامارة ـ القائلة مثلا «احترق زيد» ـ بالدلالة الالتزامية من قبيل اللازم الاعم ـ لانّ طبيعى الموت اعم من الموت بخصوص الاحتراق الذي هو حصّة خاصّة من الموت ـ ... وبتعبير آخر : إذا اخبرنا ثقة باحتراق زيد بالنار ساعة فانه يحتمل ان يكون قد مات ولو بالسّم.

(وقد) ذكر السيد المصنف رحمه‌الله هذا البحث في بحوث في علم الاصول ج ٧ ص ٢٥٩.

١٣٩

الالتزامي (١) ايضا او لا؟

قد يقال : انّ مجرد تفرّع الدلالة الالتزامية على الدلالة المطابقية وجودا لا يبرّر تفرّعها عليها في الحجية ايضا (٢) ،

__________________

(١) الزائد عن الحصّة الخاصّة المقارنة ، فانّ سقوط الحصّة الخاصّة المقارنة وهي في مثالنا الموت بالاحتراق امر اجماعي ومسلّم ولا كلام فيه.

(٢) هذا القول هو للمحقّق النائيني(أ) أومفاده ان اللازم وان كان تابعا للملزوم بحسب مقام الثبوت والاثبات ، فان وجود الملزوم يستتبع وجود اللازم ، وكل دليل يدل على ثبوت الملزوم يدلّ على ثبوت اللازم ايضا ، إلّا انّه ليس تابعا للملزوم في الحجّية ، بمعنى انّ المدلول الالتزامي بعد تفرّعه على المطابقي في مرحلتي التصوّر والتصديق قد وصل تلقائيا الى مرحلة الحجيّة (اي التنجيز والتعذير) واستقلّ بالحجّية ، وبما انه لا معارضة معه فلا وجه لسقوطه عن مرحلة الحجيّة هذه. ولذلك اذا سقط شيء عن الحجية في الملزوم فانه لا يوجب سقوطه عن الحجية في اللازم غير المقارن ايضا.

والوجه في ذلك ان الاخبار عن شيء ـ بحسب التحليل ـ اخباران : اخبار عن الملزوم واخبار عن اللازم ، ودليل الحجية شامل لكليهما ، وبعد سقوط الاخبار بالملزوم عن الحجية للمعارضة بين هذا الخبر وخبر آخر لا وجه لرفع اليد عن الاخبار باللازم لعدم المعارض له ، فاذا اخبر ثقة عن الامام بوجوب حضور صلاة الجمعة واخبر آخر عنه عليه‌السلام باستحبابه ، ولم نعلم بصدق احدهما لا بنحو التفصيل ولا بنحو الاجمال فانّ المدلولين المطابقيين سيتساقطان لا محالة للمعارضة ، وامّا مدلولهما الالتزامي وهو

__________________

(أ) انظر مصباح الاصول ج ٣ ص ٣٦٨.

١٤٠