الدّارس في تاريخ المدارس - ج ٢

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في تاريخ المدارس - ج ٢

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

الخشبة يحصل بها المقصود فدعوني مع حسن ظني فلعل الله ينفعني به انتهى. ولكن التحقيق والصواب أن هذه المدرسة التي بناها نور الدين هي المسجد المشهور الآن بمسجد ناصر الدين غربي المدرسة العمرية بدليل قوله : وكان في سقف المسجد ، وقوله المجاورة للدير ، فإن العمرية يفصل بينها وبين المسجد الطريق ووصفها بالصغيرة فانها صغيرة بالنسبة إلى العمرية ، والمسجد المذكور يقال له ايضا مسجد عز الدين ، إمامته بيد الشيخ علي البغدادي ، وبه درس ابن الحبال بن شهاب الدين بن زريق ، مرتب فيه عشرون من الطلبة والدير المذكور يعرف بدير الحنابلة أيضا ، عليه أوقاف منها أضحية ست زينية تفرق في كل سنة بيد القاضي بدر الدين بن عبد الهادي ، والهامة اختلف فيها فقيل هي وقف عليه وفرقت على أهل الدير مدة ، وقيل على أهل الدين من الحنابلة ، وحكم بذلك القاضي محب الدين بن قاضي عجلون سنة ثمان وسبعين وثمانمائة ، وهي بيد شهاب الدين بن زريق وبني عبد الملك ، والمصنع المذكور وهو المشهور الآن ببير الشيخ قبلي الدير يفصل بينهما النهر ، والفرن ليس الآن بموجود ، قال ابن كثير في سنة اربع وعشرين وسبعمائة : القاضي سيف الدين بكتمر والي الولاة صاحب الأوقاف في بلدان شتى : من ذلك مدرسة بالصلت ، وله درس بمدرسة ابي عمر وغير ذلك ، توفي رحمه‌الله تعالى بالاسكندرية وهو نائبها في خامس شهر رمضان ، انتهى. وذكرت في ذيلي على ذيل ابن قاضي شهبة في سنة سبع وأربعين وثمانمائة ، وفي آخر يوم الخميس تاسع عشرين شهر رجب منها توفي بدمشق شهاب الدين أحمد بن زريق بن زين الدين عبد الرزاق الحنبلي المعروف بابن الديوان ، الكاتب بديوان ابن منجك قال ابن الزملكاني : وقد جاوز الخمسين سنة ، وأفادني ولده تاج الدين أن ميلاده سنة احدى وثمانمائة فعلى هذا لم يصل الخمسين بل تنقص عنها سنتان ، كان والده من طلبة الحنابلة رافق تقي الدين بن قاضي شهبة في الأخذ عن الشيخ علاء الدين بن اللحام ، وباشر عند الأمير محمد بن منجك ، وصار ابن منجك يلطخ بسببه باعتقاد الحنابلة ويساعدهم وكان فقيرا يركب حمارة ، لكنه لما باشر عند المذكور وعند والده تنبل وحصل له دنيا وظهر له

٨١

كفاية ونهضة وسياسة بحيث ان الأمير محمد سلم أمره إليه واعتمد عليه في أموره كلها وعمولة الجامعين المشهورين ، ولما مات أوصى إليه ، وطلب الى مصر فدارى ورجع ، وكان فيه حشمة وعقل تام ، وينصر الحنابلة ويذب عنهم ورؤوسهم مرتفعة به ، ووسع مدرسة ابي عمر من جهة الشرق ، وكان مقصدا كثير الصدقات والاحسان الى جيرانه والفقراء والأرامل ، توفي رحمه‌الله تعالى ليلة الخميس المذكورة بعد ضعف طويل نحو ثلاث سنين ، ومع ذلك كان لا ينقطع من الاشتغال وعمل مصالحه ، ودفن في الروضة ، وترك مالا كثيرا وعدة اولاد صغار وأوصى الى شمس الدين الباعوني زوج اخته انتهى. وهذه التوسعة المذكورة في مدرسة ابي عمر هي المسماة بالجديدة ، وقد وسعها استاذه قبله من حد ايوان الحنفية الى جهة الشرق ، وقد ذكرت في الذيل المذكور في سنة اربع واربعين وثمانمائة وفي يوم الأحد خامس عشر شهر ربيع الأول منها توفي الأمير ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك احد الامراء بدمشق وصلي عليه بجامع دنكز ، فإنه توفي رحمه‌الله تعالى بالمنيبع وكانت جنازته حافلة ، حضرها النائب والامراء وغالب أهل دمشق ومبارك شاه قاصد شاه رخ ملك العجم ثم حمل الى تربته التي أنشأها بجسر الفجل بميدان الحصى فدفن بها ، وكان ذا عقل تام ودين وافر ، وله مآثر حسنة منها أنه عمّر جامعا لصيق تربته المذكورة ، وجامعا آخر بمحلة مسجد القصب خارج سور دمشق ، وعمّر بمدرسة ابي عمر الجانب الشرقي منها وجاء في غاية الحسن ، وعمر بدرب الحاج بركة تبوك ، وأجرى على الفقراء وعلى الأرامل صدقات كثيرة ، وكان مغرما بالصيد وبالجوارح ماهرا في ذلك ، ثم انه حج ولما وصل إلى المدينة الشريفة على مشرفها افضل الصلاة وأتم السلام أراد المقام بها والتخلف عن الحج لمرض اعتراه ، واستمر متمرضا إلى أن عاد فأوصى الى كاتبه ابن عبد الرزاق ، وجعل النظر في ذلك للقاضي عظيم الدولة زين الدين عبد الباسط وخلف مالا كثيرا ، وترك ولدا أسمر من جارية حبشية اسمه ابراهيم انتهى. ثم قال عز الدين أول من ذكر بها الدرس الشيخ تقي الدين ثم من بعده عز الدين ولده ، ثم من بعد الشيخ شمس الدين الخطيب ثم

٨٢

اعطاها لولده نجم الدين الخطيب وهو مستمر بها إلى الآن انتهى. وقال ابن مفلح في الطبقات : عبد العزيز بن عبد الملك بن عثمان المقدسي الفقيه عز الدين ابو محمد ، سمع من اسعد بن سعيد بن روح ، وعمر بن طبرزد وغيرهما ، وتفقه في المذهب ودرس بمدرسة الشيخ ابي عمر وحدث ، توفي في حادي عشر ذي القعدة سنة اربع وثلاثين وستمائة وقال فيها : علي بن عبد الرحمن ابن أبي عمر ابن الشيخ الامام أبو الحسن علي ابن شيخ الإسلام شمس الدين المقدسي قتله التتار على مرحلتين من البيرة ، قال البرزالي : كان رجلا حسنا درس بحلقة الثلاثاء بجامع دمشق وبمدرسة جده الشيخ أبي عمر رحمه‌الله تعالى وأم بالجامع المظفري ، وقتل مع جماعة من الحنابلة ، مات في شهر ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وستمائة انتهى ، ثم قال : درس بها الخطيب عز الدين بن العز ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الضيائية ، ثم درس بها العلامة صاحب الفروع شمس الدين بن مفلح ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الصاحبة ، وقال تقي الدين ابن قاضي شهبة في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانمائة : وممن توفي فيه القاضي علم الدين أبو الربيع سليمان ابن الفقيه نجم الدين أبي المنجا فرج بن علم الدين الحجيني الحنبلي ، اشتغل في أول أمره بدمشق على الحنابلة الموجودين كابن الطحان (١) وابن غلام الدين الخطيب وعلى القاضي شهاب الدين الزهري وغيره ، ثم إنه قبل الفتنة سافر إلى الديار المصرية ، وقرأ على الشيخ سراج الدين بن الملقن وغيره ، ثم عاد بعد الفتنة الى دمشق وناب في القضاء للقاضي شمس الدين بن عبادة (٢) ثم لولده ، وكان يعرف طرفا من الفقه والنحو والأصول والفرائض ، ويجلس للاشتغال بالجامع الاموي ، ودرس بمدرسة أبي عمر ، وكان يكتب على الفتاوي ولكن في عبارته قصور وعليه الخمول ، وكان دنّي النفس جدا بحيث أنه بعد مباشرته نيابة القضاء جلس يكتب على الشعير الذي يجيء للسلطان برسم الإقامة ، وكان متساهلا في القضاء إلى الغاية القصوى كل قضية زور تروج عنده ، ودخل في مناقلات كثيرة مزمنة ، توفى رحمه‌الله تعالى يوم الخميس ثاني عشريه بالصالحية ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٢٥٩.

(٢) شذرات الذهب ٧ : ١٤٨.

٨٣

وصلي عليه بالجامع المظفري ، وحضر جنازته القضاة وبعض الفقهاء ، ودفن بالروضة شرقي قبر الشيخ الموفق على نحو خمس وستين سنة ، وترك ثلاث بنات صغار انتهى. ثم درس بها الشيخ الامام العالم العلامة ذو الفنون تقي الدين أبو بكر بن ابراهيم بن قندس وقد ذكر له ابن مفلح في طبقاته ترجمة فراجعها ، ثم درس بها القاضي برهان الدين بن مفلح يوم الاحد ويوم الأربعاء ، وقد مرت ترجمته في المدرسة الجوزية ، والقاضي علاء الدين المرداوي (١) يوم الاثنين ويوم الخميس ، والشيخ تقي الدين الجراعي (٢) يوم السبت ، ويقال إنه ناب عن ابن عبادة في حلقة الثلاثاء فإنها بيده ، ويزعمون أنها محصورة في عشرة أو عشرين ، وان الوقف عليها نصف حمام الشبلية ثم خرب فعمر بالنصف فبقي الربع ، والجنينة خلفه ، والبيت فوقه ، وأما حلقة الثلاثاء بالجامع الاموي فقد مرّ أنه درس بها أبو الحسن علي بن أبي عمر المارة ترجمته أعلاه ، ودرس بها الشيخ زين الدين بن رجب وقد مرت ترجمته في المدرسة الحنبلية ، ودرس بها الشيخ شمس الدين بن الفخر ، وستأتي ترجمته في المدرسة المسمارية ، وقال الشيخ تقي الدين الاسدي في تاريخه في جمادى الاولى سنة سبع وأربعين وثمانمائة : وفي يوم الاحد عشرينه درس زين الدين خطاب العجلوني الشافعي بمدرسة أبي عمر ، استجد له القاضي بهاء الدين بن حجي بها تدريسا وجعل له في الشهر مائة وخمسين درهما فتوقف الناظر في ذلك ، ثم اتفق الحال على أن قرر له في كل شهر تسعين درهما ، وحضر في هذا اليوم وحضرت أنا والقاضي يعني جمال الدين الباعوني وجمع من الشافعية وغيرهم ، ودرس درسا حسنا ، وبلغني أن ذلك شق على بعض الحنابلة كثيرا انتهى. وقد مرت ترجمة الشيخ زين الدين خطاب في المدرسة الركنية الشافعية. قال الجمال بن عبد الهادي : مدرسة الشيخ أبي عمر وقف على الحنابلة لم يدخل فيها غيرهم قط ، وأخبرت أن في أيام القاضي شرف الدين بن قاضي الجبل أراد غيرهم الدخول فيها ، فقال : والله لا تنزلون فيها أحدا إلا أنزلنا في الشامية الكبيرة نظيره ، فلما كان في أيام الشيخ عبد الرحمن بن داود ووقع بينه

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ٣٤٠.

(٢) شذرات الذهب ٧ : ٣٣٧.

٨٤

وبين الحنابلة ، أدخل فيها غيرهم من المذاهب فشق ذلك على أصحابنا ، وأما أنا فرأيته حسنا ، فان فضل الشيخ كان على الحنابلة فقط فصار على الاربع مذاهب ، وكان شهاب الدين بن عبد الرزاق قصد اخراج غيرهم منها وأرسل الى مصر ليخرج مراسيم بذلك فأدركته المنية قبل ذلك ، ودرس للشافعية بها الشيخ خطاب ثم الشيخ نجم الدين بن قاضي عجلون ، ثم اخو الشيخ تقي الدين يوم السبت ويوم الثلاثاء عند البئر ، وللحنفية بها الشيخ عيسى البغدادي ثم الشيخ زين الدين بن العيني كذلك في الايوان الشمالي وجدد القاضي المالكي درسا مدة ثم انقطع انتهى.

(فوائد) الأولى : قال الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة في جمادى الآخرة سنة ست عشرة وثمانمائة من ذيله : وممن توفي فيه الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن السلاوي عامل خانقاه خاتون وشيخ الاقراء بمدرسة الشيخ أبي عمر ، وكان عاقلا ساكنا ، حسن الكتابة ، مات في بعض القرى ، وحمل إلى أهله فغسل وصلي عليه بجامع دنكز يوم الخميس ثالثه ، ودفن بالصالحية انتهى. وشيوخ اقراء القرآن بها داخل المدرسة سبعة : أحدهم على الخزانة الغربية استجده ابن مبارك واقف المدرسة الحاجبية ، والآخر على الشرقية ، وآخر بينهما ، وشيخ المدرسة في المحراب ، وآخر شرقيه ، واثنان غربيه ، وحلقة الشيخ زين الدين بن الحبال لا قرائه واقراء العلم بين بابي المدرسة والسلم الشرقيين.

الثانية ـ قال ابن مفلح في طبقاته : محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الصمد بن مرجان الشيخ الصالح القدوة شمس الدين أبو عبد الله شيخ التلقين بمدرسة شيخ الاسلام أبي عمر رحمه‌الله تعالى ، روى عن التقي سليمان ويحيى بن سعد الكثير ، وحدث ، وسمع منه الحافظ ابن حجي توفي رحمه‌الله تعالى في عاشر شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة انتهى.

الثالثة ـ أم بمدرسة أبي عمر هذه الصلاح ابن أبي عمر ، قال ابن مفلح في طبقاته : محمد بن أحمد بن أبي الحسن بن عبد الله ابن شيخ الاسلام أبي عمر

٨٥

الشيخ البارع صلاح الدين ابن قاضي القضاة شرف الدين المعروف بابن قاضي الجبل ، ولي النظر على مدرسة جده ، قال الشيخ شهاب الدين بن حجي : وكان قد سمعه والده وأحضره ، وحسنت سيرته في آخر أيامه توفي في العشر الأخير من شهر رجب سنة احدى وثمانين (١) وسبعمائة ، ودفن عند والده بتربة جده أبي عمر رحمهما‌الله تعالى. وقال فيها : محمد بن محمد بن عبد الله الحاسب الامام العالم موفق الدين تفقه في المذهب وحفظ فيه المقنع حفظا جيدا ، وكان يستحضره ، وله فضيلة وكان من النجباء الأخيار ، وعنده حياء وتواضع ، وهو سبط الشيخ صلاح الدين ابن أبي عمر ، وكان يؤم بمدرسة شيخ الاسلام أبي عمر رحمه‌الله تعالى ، توفي رحمه‌الله تعالى يوم الأحد ثاني عشر صفر سنة أربع وثمانين وسبعمائة ، قال شيخنا تقي الدين لعله بلغ الثلاثين انتهى. وقال فيها أيضا : يوسف ابن أحمد بن العز ابراهيم بن عبد الله ابن الشيخ أبي عمر ، الشيخ الامام العالم جمال الدين أبو المحاسن المقدسي الأصلي ثم الصالحي ، امام مدرسة جده أبي عمر رحمهما‌الله تعالى ، سمع من الحجار وغيره ، وقال الشيخ شهاب الدين بن حجي : كان فاضلا ، جيد الذهن ، صحيح العلم وكان معروفا بذلك ، وكان مولعا بالفتوى بمسألة الطلاق على ما ذكره الشيخ تقي الدين بن تيمية ويسأل المناظرة عليها ، وهو اخو شيخنا صلاح الدين راوي المسند ، توفي رحمه‌الله تعالى يوم الاحد ثامن عشر شهر رمضان سنة ثمان وتسعين وسبعمائة وصلى عليه من الغد ودفن بمقبرة الشيخ ابي عمر انتهى.

الرابعة ـ قال الشيخ جمال الدين بن عبد الهادي : هذه المدرسة عظيمة لم يكن في بلاد الاسلام أعظم منها ، والشيخ بنى فيها المسجد وعشر خلاوي فقط ، وقد زاد الناس فيها ولم يزالوا يوقفون عليها من زمنه إلى اليوم ، قلّ سنة من السنين تمضي الا ويصير إليها فيها وقف ، فوقفها لا يمكن حصره ، من جملته : العشر من البقاع ، والمرتب على داريا من القمح ستون غرارة ومن الدار هم خمسة آلاف للغنم

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٢٦٥.

٨٦

في شهر رمضان ، ومما رأيناه وسمعنا به من مصالحها الخبز لكل واحد من المنزلين فيها رغيفان ، وللشيخ الذي يقري او يدرس ثلاثة ، وهو مستمر طول السنة والقمصان في كل سنة لكل منزل فيها قميص وقد رأيتاه والسراويل لكل واحد سروال سمعنا به ولم نره ، وطعام شهر رمضان بلحم ، وكان الشيخ عبد الرحمن ينوع لهم ذلك ويوم الجمعة العدس ثم انقطع التنوع واستمرت القمحية وزبيب وقضامة ، ليلة الجمعة يفرق عليهم بعد قراءة ما تيسر رأيناه ، ووقفه دكاكين تحت القلعة ، وكل سنة مرة زبيب وقفها تحت يد ابن عبد الرزاق خارج عن وقف المدرسة وفرا وبشوت في كل سنة ووقفها أيضا ، وحلاوة دهنية من وقفها سمعنا بها ولم نرها وحصر لبيوت المجاورين مستمرة ، وصابون سمعنا به ولم نره ، وختان من لم يكن مختونا في كل سنة من الفقراء والايتام النازلين فيها رأيناه ثم انقطع ، وسخانة يسخن فيها الماء في الشتاء لغسل من احتلم ، وكعك سمعنا به ولم نره ، ومشبك بعسل في ليلة العشرين من رمضان مستمر ، وكنافة ليلة العشر الأول من رمضان ثم نقلت الى النصف مستمرة ، وقنديل يشعل طول الليل في المقصورة للمدرسة مستمر ، وحلاوة في الموسم في شهر رجب ، لوزية وجوزية وغيرها مستمرة في نصف شعبان ، وأضحية في عيد الاضحى مستمرة ، وطعام في عيد الفطر حامض ولحم وهريسة ورز وحلو مستمر الى الآن انتهى.

١٥٢ ـ المدرسة العالمة

شرقي الرباط الناصري غربي سفح قاسيون تحت جامع الأفرم ، واقفتها الشيخة الصالحة العالمة أمة اللطيف بنت الشيخ الناصح الحنبلي المتقدم ذكره في المدرسة التي قبل هذه ، وكانت فاضلة لها تصانيف ، وهي التي أرشدت ربيعة خاتون بنت نجم الدين أيوب اخت الملك صلاح الدين إلى وقف المدرسة الصاحبية بقاسيون على الحنابلة أيضا ، ثم لما ماتت ربيعة خاتون وقعت العالمة المذكورة في المصادرات وحبست مدة ثم أفرج عنها وتزوجها الأشرف صاحب حمص ، وسافرت معه إلى الرحبة وتل باشر ، ثم توفيت رحمهما‌الله تعالى في سنة

٨٧

ثلاث وخمسين وستمائة ووجد لها بدمشق جواهر وذخائر نفيسة تقارب ستمائة ألف درهم غير الأملاك والأوقاف ، قال ابن كثير في سنة ثلاث وأربعين وستمائة. وتتمة كلامه مرّ في المدرسة الصاحبية ، قال الصفدي رحمه‌الله تعالى في المحمدين من تاريخه : ابن هامل المحدث محمد بن عبد المنعم بن عمار بن هامل شمس الدين ابو عبد الله الحراني سمع ابن الزبيدي ، وابن اللتي والأربلي والهمداني ، وابن رواحة والسخاوي والقطيعي وعمر بن كرم ، وابن رواح ، وجماعة بديار مصر ، وعنى بالحديث عناية كلية وكتب الكثير وتعب وحصل ، روى عنه ابن الخباز ، والدمياطي وابن أبي الفتح ، وابن العطار ، توفى رحمه‌الله تعالى في شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وسبعمائة ووقف اجزاءه بالضيائية ، وكان شيخ الحديث بالمدرسة العالمة المذكورة هذه انتهى. وقال ابن مفلح في طبقاته : يوسف ابن يحيى بن الناصح عبد الرحمن بن الحنبلي الشيرازي الأصلي الدمشقي ثم الصالحي ، من بيت مشهور بالعلماء والفضلاء. قال شيخنا الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة : هو الشيخ الأصيل المدرس المعتبر شمس الدين أبو المحاسن وأبو المظفر حضر على والده وسمع من ابن أبي عمر ، وابن البخاري ، وابن المحاور وولي مشيخة العالمة والنظر عليها وعلى الصاحبة ، ودرس بهما ، سمع منه ابن رافع ، وابن المقري ، وابن رجب والحسيني رحمهم‌الله تعالى ، توفي يوم الجمعة سادس شعبان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة بالصالحية ، وصلي عليه عقب الجمعة بالجامع المظفري ، ودفن بسفح قاسيون انتهى.

فائدتان : الأولى : الوقف عليها البستان بجسر البطة والغيضة.

الثانية : وحكر ابن صبح عند الشامية ، والقاضي برهان الدين يزعم انها محصورة في عشرين من أعيان الطلبة والله سبحانه وتعالى أعلم. قال ابن حجر (١) : محمد بن علي بن عبد الله اليمني ، توفي رحمه‌الله تعالى يوم الثلاثاء ثاني المحرم سنة خمس وسبعين وسبعمائة (٢) بمنزل شهاب الدين ابن المحب بالمدرسة العالمة المذكورة وكان صاحبه رحمهم‌الله تعالى أجمعين انتهى.

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٢٤٤.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٢٤٣.

٨٨

١٥٣ ـ المدرسة المسمارية

قبلي القيمرية الكبرى داخل دمشق ، قال عز الدين : بالقرب من مئذنة فيروز واقفها الشيخ مسمار رحمه‌الله تعالى وقال الأسدي : في تاريخ ابن عساكر الحسن ابن مسمار الهلالي الحوراني المقرئ التاجر ، قرأ بالروايات وسمع الحديث ، ورحل إلى بغداد وسمع بها من أبي القاسم بن حصين ، وكان يصلي بجامع دمشق بحلقة الحنابلة صلاة التراويح ، ويقرأ فيها بعدة روايات يخلطها ويردد الحرف المختلف فيه فأنكر ذلك عليه وقالوا : هذا مذهب ترتيب النظم في القرآن الكريم. وكان مثريا مقترا على نفسه ، بلغني أنه أوصى عند موته بإخراج جملة من زكاة ماله اجتمعت عليه من سنين عديدة على مدة حتى أمر بإخراجها ، توفي رحمه‌الله تعالى يوم الأحد سادس شهر رمضان سنة ست وأربعين وخمسمائة انتهى. وقال في تاريخه في سنة ست وستمائة : الوجيه بن المنجا أسعد بن المنجا ابن بركات بن المؤمل القاضي أبو المعالي وجيه الدين ، ويقال في أبيه أبو المنجا التنوخي المصري الأصل الفقيه الحنبلي ، ولد سنة تسع عشرة وخمسمائة ، وارتحل إلى بغداد وبها تفقه وبرع بالمذهب وسمع نوشتكين (١) الرضواني ، والقاضي أبا الفضل الأرموي (٢) ، وأبا جعفر العباسي (٣) ، وسمع بدمشق من نصر بن أحمد بن مقاتل (٤) وغيره ، وولي قضاء حران في آخر دولة نور الدين رحمه‌الله تعالى ، وأخذ الفقه عن الشيخ عبد القادر (٥) وأحمد الحربي (٦) ، وتفقه أيضا بدمشق على شرف الإسلام عبد الوهاب بن الشيخ أبي الفرج وهو آخر أصحابه ، أخذ عنه الشيخ الموفق. وروى عنه ابن خليل والضياء والشيخ شمس الدين والفخر علي والحافظ عبد العظيم والشهاب القوصي وآخرون رحمهم‌الله تعالى. قال الذهبي : ومن أجله بنى الشيخ مسمار المدرسة ووقفها عليه ، وله شعر

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ١٤٢.

(٢) شذرات الذهب ٤ : ١٤٥.

(٣) شذرات الذهب ١٤ : ١٧٠.

(٤) شذرات الذهب ٤ : ١٥١.

(٥) شذرات الذهب ٤ : ١٩٨.

(٦) شذرات الذهب ٤ : ١٧٤.

٨٩

حسن ، وفي ذريته علماء وأكابر. وقال غيره : كف بصره في آخر عمره ، توفي رحمه‌الله تعالى في شهر ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون ، ومن تصانيفه (الكفاية في شرح الهداية) في بضعة عشر مجلدا ، قال الحافظ ابن رجب رحمه‌الله تعالى : وفيها فروع ومسائل كثيرة غير معروفة في المذهب ، والظاهر أنه كان ينقلها عن كتب غير الأصحاب ويخرجها على ما يقتضيه المذهب عنده ، ومنها (الخلاصة في الفقه) مجلد و (العمدة في الفقه) أصغر منه انتهى. ثم قال عز الدين : ذكر من درس بها وأول من ذكر بها الدرس وجيه الدين بن منجا ثم ولده صدر الدين بن منجا ، ثم من بعده ولده زين الدين إلى حين انتقل إلى مدرسة سيف الإسلام ، ثم ذكر بعده وجيه الدين بن منجا أخوه وهو مستمر بها إلى الآن ، انتهى. قال الذهبي في العبر : وأسعد بن المنجا ابن ابي البركات القاضي وجيه الدين ابو المعالي التنوخي المصري ثم الدمشقي الحنبلي مصنف (الخلاصة في الفقه) ، روى عن القاضي الأرموي وجماعة ، وتفقه على شرف الإسلام عبد الوهاب بن الحنبلي بدمشق ، وعلى الشيخ عبد القادر الجيلي ببغداد ، رضي الله تعالى عنهم أجمعين ومن تصانيفه كتاب (النهاية في شرح الهداية) يكون في بضعة عشر مجلدا عاش سبعا وثمانين سنة انتهى ، وقال الأسدي : ودرس بها ناصح الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب ابن الشيخ ابي الفرج الشيرازي الأنصاري ، درس بها مع وجيه الدين أسعد ، ثم اشتغل بها الناصح بعد وفاة ابن منجا فيما أظن ، ثم في سنة خمس وعشرين استقر بنو منجا في التدريس بحكم ان نظرها لهم ، وتقدم القاضي الحربي إلى المفتين ان لا يكتبوا فتوى إلا بإذنه ، ثم بنت له الصاحبة مدرسة بالجبل توفى رحمه‌الله تعالى سنة أربع وثلاثين وستمائة انتهى. ثم قال : ودرس بها القاضي شمس الدين أبو الفتوح عمر ابن القاضي وجيه الدين أسعد بن المنجا في سنة خمس وعشرين انتهى. قال ابن كثير في سنة إحدى وأربعين وستمائة : الشيخ شمس الدين أبو الفتوح عمر بن أسعد بن المنجا التنوخي المصري الحنبلي ، قاضي حران قديما ، ثم قدم دمشق ودرس بالمسمارية ، وتولى خدما في الدولة المعظمية ، وكانت له رواية عن ابن جابر

٩٠

والقاضيين الشهرزوري وابن أبي عصرون ، وكانت وفاته في سابع شهر ربيع الأول من هذه السنة. وتوفي أخوه العز بعده في ذي الحجة ودفن بمدرسته التي بالجبل انتهى. وقال ابن مفلح في طبقاته : عمر بن أسعد بن المنجا بن بركات ابن المؤمل التنوخي القاضي شمس الدين ابو الفتوح وأبو الخطاب ابن القاضي وجيه الدين تفقه على والده ، وسمع من عبد الوهاب ابن أبي حبة (١) وقدم دمشق وسمع بها من القاضي أبي سعد بن أبي عصرون والقاضي ابي الفضل الشهرزوري وببغداد من ابن سكينة (٢) وغيره ، وأفتى ودرس ، وكان عارفا بالقضاء ، بصيرا بالشروط والحكومات والمسائل الغامضات ، درس بالمسمارية وحدث ، وروى عنه البرزالي ومجد الدين بن العديم ووزيرة ابنته وهي خاتمة من روى عنه بالسماع ، وأجاز لابن الشيرازي ، وفي المستوعب حاشية انه نقل عن والده ان مراد الأصحاب بقولهم يؤجل العنين سنة يراد بها السنة الشمسية لا الهلالية لأن الشمسية تجمع الفصول الأربعة توفي رحمه‌الله تعالى في سابع عشر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وستمائة ، ودفن بسفح قاسيون انتهى. وقال فيها : عثمان بن أسعد بن المنجا بن بركات بن المؤمل التنوخي الفقيه المدرس عز الدين أبو عمر ، سمع ببغداد من ابن يونس وابن سكينة ، وبمصر من البوصيري ويوسف بن الطفيل (٣) ، وحدث ، وسمع منه الحافظ ابن الحاجب وابن الحلوانية وجماعة ، وأجاز للقاضي تقي الدين سليمان بن حمزة ، ودرس بالمسمارية عن أخيه شمس الدين نيابة ، وكان تاجرا ذا مال وثروة ، توفي رحمه‌الله تعالى في مستهل ذي الحجة سنة مات اخوه عام احدى وأربعين وستمائة انتهى. ثم درس بها الشيخ وجيه الدين أبو المعالي محمد بن عز الدين عثمان بن وجيه الدين أسعد بن المنجا وأخوه زين الدين أبو البركات المنجا بعد وفاة عمهما شمس الدين سنة إحدى وأربعين ، وقد مرت ترجمة الشيخ وجيه الدين هذا في دار القرآن الوجيهية ، قال الذهبي في ذيل العبر في سنة إحدى وسبعمائة : ومات الشيخ وجيه الدين محمد بن عثمان بن المنجا التنوخي ، رئيس الدماشقة عن إحدى وسبعين

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٢٩٣.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٢٤.

(٣) شذرات الذهب ٤ : ٣٤٤.

٩١

سنة ، حدثنا عن جعفر الهمداني وغيره ، وهو واقف دار القرآن انتهى. وقال ابن مفلح في طبقاته : محمد بن عثمان بن أسعد بن المنجا الشيخ الإمام وجيه الدين صدر الرؤساء أبو المعالي التنوخي أخو الشيخ زين الدين ، حضر على ابن اللتي ومكرم وابن المقير وسمع من جعفر الهمداني والسخاوي ، وكان شجاعا عالما فاضلا ، كثير المعروف والصدقات والتواضع ، وله هيبة وسطوة وجلالة ، درس بالمسمارية والصدرية ثم تركهما لوالده ، ومات في حياته ، وحدث وروى عنه جماعة ، مات في شعبان سنة إحدى وسبعمائة انتهى. وقال الأسدي : رأيت في تاريخ الإسلام ومما جرى في سنة تسع وستين وقبلها الوجيه بن المنجا ولي المسمارية ، وقد درس بها فخر الدين عبد الرحمن بن يوسف بن محمد البعلي نيابة عن بني المنجا قاله الذهبي. ثم قال الأسدي : ونيابته إما عن وجيه الدين أو أخيه زين الدين ، وتوفي فخر الدين في شهر رجب سنة ثمان وثمانين وستمائة ، ودرس بها بعد وفاة زين الدين في شعبان سنة خمس وتسعين وستمائة ولداه شرف الدين محمد أبو عبد الله (١) ، وعلاء الدين أبو الحسن علي قاضي القضاة الحنابلة في النصف الذي كان معه ، ولا أدري من درس بعد وجيه الدين في النصف الذي له ، وكان له ثلاثة بنين انتهى. قلت قال الذهبي في العبر في سنة تسع وتسعين وستمائة : وابن الفخر المفتي شمس الدين محمد ابن الإمام فخر الدين عبد الرحمن بن يوسف البعلي الحنبلي احد الموصوفين بالذكاء المفرط وحسن المناظرة والتقدم في الفقه وأصوله والعربية والحديث وغير ذلك روى عن خطيب مردا وطبقته ، وعاش خمسا وخمسين سنة ، توفي رحمه‌الله تعالى في سابع شهر رمضان ، ودرس بالمسمارية وحلقة الجامع انتهى. وقال ابن مفلح في طبقاته : محمد ابن عبد الرحمن بن يوسف بن محمد البعلي ثم الدمشقي الفقيه المناظر المفنن شمس الدين ابو عبد الله ابن الشيخ فخر الدين ، سمع الكثير من خطيب مردا وابن عبد الدايم وغيرهما ، وتفقه وبرع وأفتى وناظر ، وحفظ عدة كتب ، ودرس بالمسمارية وحلقة الجامع ، وكان موصوفا بالذكاء المفرط والتقدم في الفقه وأصوله

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٦٥.

٩٢

والعربية والحديث. قال الذهبي : لم يتفرغ للحديث لأنه كان مشغولا بأصول المذهب وفروعه ، حضرت بحضرته مع شيخنا ابن تيمية ولي منه إجازة. قال الشيخ زين الدين بن رجب : وبلغني انه كان يحفظ الكافي في الفقه ، وأثنى عليه البرزالي ، توفي ليلة الأحد تاسع شهر رمضان سنة تسع وتسعين وستمائة ، وصلي عليه بالجامع الأموي ، ودفن بمقابر باب توما قبلي مقبرة الشيخ ارسلان رحمه‌الله تعالى ، وحضر جنازته جمع كثير انتهى. على ان ابن مفلح قال في الأحمدين : احمد بن احمد بن محمد بن عثمان بن أسعد بن المنجا الإمام الفقه الرئيس شمس الدين ، درس بالمسمارية وكان مليح الشكل فاضلا دينا عاقلا ، منقطعا عن الناس ، مات في شوال سنة اثنتين وتسعين وستمائة انتهى. وشرف الدين المذكور قال ابن مفلح في طبقاته : محمد بن المنجا بن عثمان بن أسعد المنجا التنوخي الدمشقي الشيخ شرف الدين أبو عبد الله ابن الشيخ زين الدين ، سمع الكثير من ابن أبي عمر وجماعة ، وسمع المسند والكتب الكبار ، وتفقه ، وأفتى ودرس بالمسمارية وكان من أصحاب بل خواص الشيخ تقي الدين بن تيمية مشهورا بالتقوى والديانة ، وروى عنه الذهبي في معجمه وقال : كان فقيها إماما حسن الوجه والفهم ، صالحا متواضعا ، توفي في رابع شوال سنة أربع وعشرين وسبعمائة ، وشيعه خلق كثير ، ودفن بسفح قاسيون انتهى. وقال الذهبي في ذيل العبر في سنة أربع وعشرين هذه : ومات الإمام شرف الدين محمد ابن الإمام زين الدين المنجا بن عثمان التنوخي مدرس المسمارية عن خمسين سنة ، وكان دينا صينا فاضلا انتهى. وعلاء الدين أخوه مرت ترجمته في المدرسة الجوزية ، ثم درس فيها حفيد الوجيه القاضي عز الدين محمد ابن شمس الدين أحمد بن وجيه الدين إلى أن توفي رحمه‌الله تعالى في جمادى الأولى سنة ست وأربعين وسبعمائة والقاضي صلاح الدين محمد بن شرف الدين عبد الله بن زين الدين المنجا توفي رحمه‌الله تعالى في شهر ربيع الآخر سنة سبعين وسبعمائة.

فائدة : الوقف عليها الحكر المعروف بها ، وحدّه من طريق جامع دنكز إلى مقابر الصوفية إلى الطريق الذي به القنوات إلى الطريق الآخذ على مدرسة شاذ

٩٣

بك ويعرف قديما بستانها ، وحكر الزقاق وهو المعروف بالساقية بأرض مسجد القصب.

١٥٤ ـ المدرسة المنجائية

وهي زاوية بالجامع الأموي تعرف بابن منجا قاله ابن شداد ، ثم قال : أول من ذكر الدرس بها زين الدين بن منجا ثم من بعده شمس الدين عبد الوهاب وهو مستمر بها إلى حين وضعنا هذا الكتاب انتهى. قال في العبر في سنة خمس وتسعين وستمائة : وابن المنجا العلامة زين الدين أبو البركات المنجا بن عثمان ابن أسعد بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي ، أحد من انتهت إليه رياسة المذهب وأصوله مع التبحر في العربية والنظر والبحث وكثرة الصلاة والصيام والوقار والجلالة ، روى عن ابن المقير حضورا ، ومات في شعبان عن أربع وستين سنة انتهى. وقال ابن مفلح في طبقاته منجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الفقيه الأصولي المفسر النحوي زين الدين أبو البركات بن عز الدين ابن القاضي وجيه الدين المذكور ، حضر على أبي الحسن بن المقير وجعفر الهمداني وغيرهما ، وتفقه على أصحاب جده وأصحاب الشيخ موفق الدين وقرأ الأصول على كمال الدين التفليسي والنحو على ابن مالك وبرع في ذلك كله ، وأفتى وصنف وناظر ، وانتهت إليه الرياسة لمذهبه بالشام ، وله تصانيف منها (شرح المقنع) ، وجلس في الجامع للاشتغال والفتوى نحو ثلاثين سنة متبرعا ، وكان حسن الأخلاق ، معروفا بالذكاء ، وصحة الفهم وسئل الشيخ جمال الدين ابن مالك عن شرح الألفية فقال شرحها لكم ابن المنجا ، درس بعدة مدارس ، وأخذ عليه الفقه الشيخ تقي الدين بن تيمية وتقي الدين الزريراني (١) وحدث فسمع منه ابن العطار والمزي والبرزالي ، توفي رحمه‌الله تعالى يوم الخميس رابع شعبان سنة خمس وتسعين وستمائة بدمشق انتهى.

تنبيه : وجدت بخط الشيخ تقي الدين الأسدي في تعداد مدارس الحنابلة :

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٨٩.

٩٤

للحنفية والحنابلة حلقة الأوزاعي ، وللحنابلة حلقة السفينية وحلقة المحراب انتهى. والمحراب المشار إليه ، قال ابن كثير في سنة أربع عشرة وستمائة في ترجمة العلامة عماد الدين المقدسي الحنبلي أخي الحافظ عبد الغني : وكان يؤم بمحراب الحنابلة مع الشيخ الموفق ، وإنما كانوا يصلون بغير محراب ، ثم وضع المحراب في سنة سبع عشرة وستمائة ، وكان يؤم بالناس لقضاء الفوائت وهو أول من فعل ذلك. وقال في سنة سبع عشرة : وفي هذه السنة نصب محراب الحنابلة بالرواق الثالث الغربي من جامع دمشق بعد ممانعة من بعض الناس لهم ، ولكن ساعدهم بعض الأمراء في نصبه لهم ، وهو الأمير ركن الدين المعظمي ، وصلى فيه الشيخ الموفق بن قدامة. قلت : ثم رفع في حدود سنة ثلاثين وسبعمائة وعوضوا عنه بالمحراب الغربي عند باب الزيادة ، كما عوض الحنفية عن محرابهم الذي كان في الجانب الغربي من الجامع بالمحراب المجدد لهم شرقي باب الزيادة ، حين جدد الحائط الذي هو فيه في الأيام التنكزية على يد ناظر الجامع تقي الدين بن مراجل أثابه الله تعالى انتهى. وقال الأسدي في سنة أربع وتسعين وخمسمائة : سلامة بن إبراهيم بن سلامة المحدث تقي الدين أبو الخير الدمشقي الحداد والد أبي العباس أحمد ، سمع أبا المكارم عبد الواحد بن محمد بن هلال وعبد الخالق بن أسد الحنفي وعبد الله بن عبد الواحد العثماني وأبا المعالي بن صابر وجماعة ، ونسخ الكثير بخطه ، وكان فقيرا صالحا فاضلا ، أم بحلقة الحنابلة بدمشق مدة ، روى عنه الحافظ الضياء وابن خليل والشهاب القوصي وابن عبد الدائم وآخرون ، توفي رحمه‌الله تعالى في شهر ربيع الآخر في أوان سن الشيخوخة ودفن بسفح قاسيون. قال الحافظ زين الدين بن رجب : وابن نقطة الحافظ يعتمد على خطه وينقل عنه في استدراكه انتهى. وقال الصفدي : سلامة بن إبراهيم بن سلامة المحدث أبو الخير الدمشقي الحداد والد أبي العباس أحمد ، سمع أبا المكارم عبد الواحد بن محمد بن هلال ، وعبد الخالق بن أسد الحنفي ، وعبد الله بن عبد الواحد الكتاني أبا المعالي بن صابر وجماعة ، ونسخ الكثير بخطه ، وكان ثقة صالحا فاضلا ، أمّ بحلقة الحنابلة بدمشق مدة ، وكان يلقب تقي الدين ، روى عنه

٩٥

الحافظ الضياء وابن خليل والشهاب القوصي وابن عبد الدائم وآخرون ، وتوفي رحمه‌الله تعالى سنة أربع وتسعين وخمسمائة انتهى. وقال الذهبي في العبر في سنة ثمان وسبعين وستمائة : وفيها توفي أبو العباس أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم الدمشقي الحداد الحنبلي ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة. وكان أبوه إماما بحلقه الحنابلة فمات وهو صغير ، سمع سنة ستمائة من الكندي ، وأجاز له خليل البرزالي وابن كليب والبوصيري وخلق ، وعمّر ، وروى الكثير ، توفي رحمه‌الله تعالى يوم عاشوراء ، وكان خياطا ودلّالا ، ثم قرر بالرباط الناصري ، وأضر بآخره وكان يحفظ القرآن انتهى. وقال شيخنا ابن مفلح في طبقاته : محمد بن أحمد بن الحسن بن عبد الله بن عبد الواحد الشيخ الإمام شمس الدين بن الشيخ شهاب الدين المقدسي الأصلي ثم الدمشقي ، كان إماما بمحراب الحنابلة بجامع دمشق ، وحضر على ابن البخاري المسند والغيلانيات ، وسمع من جده لأمه تقي الدين الواسطي وابن عساكر وغيرهما ، وحدث وسمع منه الحسيني وابن رجب ، وذكراه في معجميهما ، توفي رحمه‌الله تعالى يوم السبت سابع عشر شعبان سنة تسع وخمسين وسبعمائة بسفح قاسيون ودفن به ، وهو أخو الشيخ الإمام العالم القاضي تقي الدين عبد الله المتوفى سنة أربع وأربعين ، وقد أهمله ابن رجب في الطبقات انتهى. وقال فيها أيضا : الحسن بن أحمد بن الحسن ابن عبد الله بن عبد الغني الشيخ الإمام بدر الدين المقدسي ، سمع من قاضي القضاة تقي الدين سليمان بن حمزة وغيره ، وتفقه وبرع وأفتى وأمّ بمحراب الحنابلة بدمشق توفي رحمه‌الله تعالى بالصالحية ثاني عشر شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة انتهى.

(فوائد) الاولى : قال الأسدي في تاريخه في سنة تسع عشرة وثمانمائة : في شهر ربيع الاول منها رابع عشريه وضع الكرسي بجامع بني أمية ليجلس عليه شاب حنبلي يقال له عبد الرحمن ممن أخذ عن الشيخ علاء الدين ابن اللحام ، وسكن بعد الفتنة في الصالحية ، وأظهر الزهد والتقشف ، وله شعر ، وصار داعية الى اعتقاد ظاهر أحاديث الصفات ، وصار له أتباع بالصالحية ثم انتقل فصار يقرأ مواعيد بجامع يلبغا ، ثم اراد الانتقال الى الجامع الأموي فقام أصحابنا الشافعية

٩٦

كثر الله تعالى منهم عليه ، فحصل في ذلك كلام كثير ، وكان قاضي القضاة لينا في ذلك بسؤال الأمير محمد بن منجك في ذلك ، وهو ممن يميل الى هذه الطائفة ، وآخر الأمر منع وكفى بالله الناس شره انتهى. والشيخ علاء الدين المشار اليه قال ابن مفلح في طبقاته : علي بن عباس الشيخ الامام العلامة الأصولي علاء الدين الشهير بابن اللحام وشيخ الحنابلة في وقته ، اشتغل على الشيخ زين الدين ابن رجب ، وبلغني انه أذن له في الافتاء ، وأخذ الأصول عن الشيخ شهاب الدين الزهري ، ودرس وناظر ، واجتمع عليه الطلبة وانتفعوا به ، وصنف في الفقه والأصول وناب في الحكم عن قاضي القضاة علاء الدين بن المنجا رفيقا لعمي الشيخ برهان الدين ، ثم ترك النيابة وتوجه الى مصر وعين له وظيفة القضاء بها فلم يبرم ذلك ، واستقر يدرس بالمنصورية الى أن توفي في عيد الفطر سنة ثلاث وثمانمائة انتهى.

الثانية : قد قدمنا في المدرسة الجوزية أول حنبلي حكم بدمشق ، وأول حنبلي حكم بمصر شمس الدين ابو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن منصور الحراني الفقيه الأصولي المناظر ، باشر نيابة القضاء عن قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الاعز (١) ، ثم لما ولي الشيخ شمس الدين بن العماد قضاء الحنابلة بها استنابه مدة ، ثم رجع وترك ذلك الى دمشق ، فدرس الفقه في حلقة له بالجامع ، ويكتب بخطه على الفتوى ، وابتلي بالفالج قبل موته مدة أربعة أشهر ، وبطل شقه الأيسر ، وثقل لسانه ، توفي ليلة الجمعة بين العشاءين لست خلون من جمادى الأولى سنة خمس وسبعين وستمائة ، وصلي عليه بالاموي ودفن بباب الصغير انتهى. ورأيت في ترجمة موسى بن فياض بن عبد العزيز بن فياض الفندقي النابلسي أنه أجاز لجماعة منهم الشيخ شهاب الدين ابن حجي ، وأنه ولي قضاء حلب المحروسة في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة. قال ابن حبيب : وباشر حاكما رابعا وكان مبادرا الى الخير طارحا للتكلف جزيل الديانة والتعفف واستمر حريصا على المصلحة ومجدا في طلبها ، ولم نسمع أن قاضيا حنبليا قبله ولي بها

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٣١٩.

٩٧

انتهى. قال ابن مفلح : ثم أعرض عن وظيفة القضاء ، واستمر ولده شهاب الدين احمد فيها ، ثم أقبل على العبادة الى أن توفي في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة بحلب المحروسة ودفن رحمه‌الله تعالى بها انتهى.

الثالثة : قد قدمنا فيها قيم الجوزية وأما قيم الضيائية فقال ابن مفلح في طبقاته : أحمد بن محمد بن عمر بن حسين الشيخ الصالح السيد الايلي الشيرازي الأصلي ثم الدمشقي المعروف زغنش قيم الضيائية سمع من ابن البخاري وحدث ، قال الشيخ شهاب الدين بن حجي : وهو من الأخبار الصالحين ، وكان بيته في الضيائية ، موضع الباب الذي فتحه قاضي القضاة شرف الدين ابن قاضي الجبل ، وانتقل منه وترك الوظيفة ، ولم يزل كذلك حتى رأى من اولاده وأولاد اولاده مائة ، وهو جد صاحبنا المحدث شهاب الدين أحمد بن محمد ابن المهندس (١) توفي يوم الأحد ثامن المحرم سنة احدى وسبعين وسبعمائة ، ودفن بتربة الموفق بالروضة عن نيف وتسعين سنة انتهى.

الرابعة : قد قدمنا فيها تراجم بني مفلح ولم نذكر ترجمة اكمل الدين وهو : محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح بن مفرج الشيخ الامام العالم المفتي الأصولي اكمل الدين أبو عبد الله محمد ، اشتغل بعد الفتنة ولازم والده ومهر على يديه ، وكان له فهم صحيح وذهن مستقيم ، سمع من والده والشيخ تاج الدين ابن بردس (٢) افتى ودرس في حياة والده وبعد وفاته ، وناب في الحكم لشيخنا قاضي القضاة محب الدين بن نصر الله ، وعين لقضاء الشام ولم ينبرم ذلك ، وكان له سلطة على الاتراك ووعظ ، ووقع له مناظرات مع جماعات من العلماء الاكابر ، وظهر النقل معه ، وكان يستحضر مسائل وفروعا من فنون شتى ، ويتدبر ما يقول ، ولكنه لم يواظب الاشتغال على ما هو المعهود ، وحصل له في سنة ثلاث وأربعين داء الفالج ، وقاسى منه اهوالا ، ثم منّ الله تعالى عليه بالعافية ، ولكنه لم يتخلص منه بالكلية ، توفي ليلة السبت سادس عشر شوال سنة ست وخمسين

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ٤١.

(٢) شذرات الذهب ٧ : ١٩٤.

٩٨

وثمانمائة. وصلي عليه بالجامع المظفري ، وكانت جنازته حافلة ، حضرها النائب والقضاة والاعيان وغيرهم ، ودفن بالروضة على والده الى جانب جده صاحب الفروع رحمهم‌الله تعالى. قلت : تزوج بابنة زين الدين عمر بن ناصر الدين المزي واسمها مغل فأتت منه بالقاضي برهان الدين المار ذكره ، وكان لها أختان اخريتان إحداهما عائشة وهي أم محيي الدين الرجيحي انتهى.

الخامسة : وقف التزويج يعطى منه كل من تزوج من فقراء الحنابلة وهو بيد القاضي علاء الدين المرداوي ، ووقف الأعراض يعطى منه كل من أعرض كتابا على مذهب الامام أحمد رحمه‌الله تعالى ، وهو بيد ابن عبادة ، ووقف المرادوة من أولاد العجوز وفقراء الجماعليين من الحنابلة ، وهو قرية كتيبة من بلاد حوران فرقت زمانا ثم تغلب عليها بنو عبد الملك ، ثم حكم بانتزاعها منهم القاضي محب الدين ، وان النظر فيها لخطباء الجامع المظفري ، وفرقت سنة ثمان وسبعين وثمانمائة انتهى.

٩٩

فصل

مدارس الطب

١٥٥ ـ المدرسة الدخوارية

بالصاغة العتيقة بقرب الخضراء قبلي جامع الأموي أنشأها مهذب الدين عبد الرحيم بن علي بن حامد المعروف بالدخوار في سنة احدى وعشرين وستمائة بالصاغة العتيقة كما تقدم ، أول من درس بها واقفها ، ثم من بعده بدر الدين محمد ابن قاضي بعلبك ، ثم عماد الدين الدنيسري وهو بها الى الآن ، قاله في الأعلاق الخطيرة. قال الذهبي في تاريخ العبر فيمن مات سنة ثمان وعشرين وستمائة : والمهذب الدخوار عبد الرحيم بن علي حامد الدمشقي ، شيخ الطب وواقف المدرسة التي بالصاغة العتيقة على الاطباء ، ولد سنة خمس وستين وخمسمائة ، أخذ عن الموفق بن المطران (١) والرضي الرخي (٢) وأخذ الادب من الكندي ، وانتهت اليه معرفة الطب ، وصنف فيه التصانيف ، وحظي عند الملوك ، ولما جاوز سن الكهولة عرض له طرف خرس حتى بقي لا يكاد يفهم كلامه ، واجتهد في علاج نفسه فما أفاد ، بل ولد له أمراضا ، وكان يشغل الى أن مات في صفر ودفن بتربته انتهى. وقال في سنة احدى وثلاثين وستمائة : والرضي الرخي أبو الحجاج يوسف بن حيدرة ، شيخ الطب بالشام وأحد من انتهت إليه معرفة الفن ، قدم دمشق مع أبيه حيدرة الكحال في سنة خمس وخمسين ، ولازم الاشتغال على المهذب بن النقاش ونوه باسمه ونبه على محل علمه ، وصار من أطباء صلاح الدين وحياته امتدت وصار أطباء البلد تلامذته حتى أن من جملة أصحابه المهذب

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٢٨٨.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٤٧.

١٠٠