الدّارس في تاريخ المدارس - ج ٢

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في تاريخ المدارس - ج ٢

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

٢٢٥ ـ الزاوية الفرنثية

بسفح قاسيون. قال الذهبي في العبر في سنة احدى وعشرين وستمائة : والشيخ علي الفرنثي الزاهد ، صاحب الزاوية والأصحاب بسفح قاسيون وكان صاحب حال ، وكشف وعبادة وصدق ، توفي رحمه‌الله تعالى في جمادى الآخرة انتهى. وقال الأسدي في تاريخه المعروف بالأعلام : وفي السنة المذكورة علي الفرنثي. قال الذهبي : الرجل الصالح كبير القدر ، صاحب كرامات ورياضات وصيانة ، وله أصحاب ومريدون ، وله زاوية بسفح قاسيون ، وذكر الشيخ محمد بن أبي الفضل قال : شاهدت الشيخ الفرنثي والحجر ينزل من المقطع ، فيشير اليه يا مبارك يمين فينزل يمينة ويقول يا مبارك شمال فينزل شمالا ، توفي رحمه‌الله تعالى في جمادى الآخرة بقاسيون وبني على قبره قبة ا ه. وقال الذهبي في المشتبه : والزاهد الشيخ الفرنثي بسفح قاسيون وأولاده : قال ابن ناصر الدين في مسودة توضيحه في حرف الفاء : الكمال أبو الحسن علي بن محمد بن حسين بن علي الفونثي بفتح الفاء وسكون الواو وفتح النون وكسر المثلثة ويقال الفونفي بالفاء بدل المثلثة ، سمع من ابن اللتي ومن طبقته ، مات رحمه‌الله تعالى في شعبان سنة خمس وثمانين وستمائة بسفح قاسيون ، وكان الشيخ لزاويتهم بعد أبيه ، وأبيه هو خليفة الشيخ علي الفرنثي وابن زوجته وخادمه وصاحبه ، وقائم مقام ولده فيما ذكر العلم ابن البرزالي وأخوه موسى مات رحمه‌الله تعالى في شهر رمضان سنة ست وثمانين بزاويتهم بالجبل انتهى كلام ابن ناصر الدين ، وقال السيد الحسيني في ذيل العبر في سنة ست وأربعين وسبعمائة : ومات الشيخ الصالح الزاهد ابو عبد الله محمد بن موسى بن محمد بن حسين الفرنثي الصوفي الصالحي ، أحد مشايخها الزهاد ، ولد سنة ست وستين ، وسمع الحديث على الشيخ شمس الدين وابن البخاري وغيرهما ، توفي رحمه‌الله تعالى في شهر رمضان ودفن بزاوية جده بقاسيون انتهى.

١٦١

٢٢٦ ـ الزاوية القوامية البالسية

غربي قاسيون ، والزاوية السيوفية ، ودار الحديث الناصرية ، على حافة نهر يزيد. قال الذهبي فيمن مات في سنة ثمان وخمسين وستمائة من تاريخه العبر : وابن قوام الشيخ الزاهد الكبير أبو بكر بن قوام بن علي بن قوام البالسي ، جد شيخنا أبي عبد الله محمد بن عمر ، كان زاهدا عابدا صاحب حال وكشف وكرامات ، وله زاوية واتباع ، ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة ، وتوفي رحمه‌الله تعالى في سلخ شهر رجب ببلاد حلب المحروسة ، ثم نقل تابوته ودفن يسفح قاسيون في أوائل سنة سبعين ، وقبره ظاهر يزار انتهى. وقال في ذيل العبر في سنة ثمان عشرة وسبعمائة : ومات في صفر بزاوية الامام القدوة بركة الوقت الشيخ محمد بن عمر بن الشيخ الكبير ابي بكر بن قوام البالسي عن سبع وستين سنة ، روى لنا عن أصحاب ابن طبرزد ، وكان محمود الطريقة ، متين الديانة انتهى. وقال في مختصر تاريخ الاسلام في السنة المذكورة : وفيها توفي شيخنا القدوة الشيخ محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام البالسي وله ثمان وستون سنة انتهى. وقال تلميذه ابن كثير في سنة ثمان عشرة وسبعمائة : وممن توفي فيها من الأعيان الشيخ العالم العامل الصالح الناسك الورع الزاهد القدوة بقية السلف والخلف ، ابو عبد الله محمد ابن الشيخ الصالح عمر ابن السيد القدوة الناسك الكبير العارف أبي بكر بن قوام بن علي بن قوام البالسي ، ولد سنة خمسين وستمائة ببالس وسمع من أصحاب ابن طبرزد ، وكان شيخا جليلا بشوش الوجه : حسن السمت مقصدا لكل احد كثير الوقار ، عليه سيماء الخير والعبادة ، الى أن قال : توفي الشيخ محمد بن قوام ليلة الاثنين الثاني والعشرين من صفر بالزاوية المعروفة بهم غربي الصالحية والناصرية والعادلية ، وصلي عليه بها ودفن فيها ، وحضر جنازته ودفنه خلق كثير وجم غفير ، الى أن قال : ولم يكن للشيخ محمد مرتب على الدولة ولا غيرهم ، ولا لزاويته مرتّب ولا وقف ، وقد عرض عليه ذلك غير مرة فلم يقبل ، وكان يزار ، وله معرفة تامة ، وكان حسن العقيدة صحيح الطوية ، ومحبا للحديث ، وآثار السلف ، كثير التلاوة ، يحب الخلوة ، وقد

١٦٢

صنف جزءا فيه أخبار جده رحمه‌الله تعالى انتهى. وقال الصفدي رحمه‌الله تعالى : وقف عليها بعض التجار بعض قرية ، وجمع سيرة لجده ، قل أن ترى العيون مثله ، توفي رحمه‌الله تعالى سنة ثماني عشرة وسبعمائة ، ودفن بزاويتهم بسفح قاسيون ، وله من العمر ثمان وستون سنة انتهى. وخلف من الأولاد : ولده الشيخ الأصيل الفقيه نور الدين أبا عبد الله محمد ، ميلاده في شهر رمضان سنة سبع عشرة وسبعمائة ، وسمع من جماعة ، وتفقه ، ودرس ، وحدث ، قال ابن كثير : كان من العلماء الفضلاء ، درس بالناصرية البرانية مدة سنتين بعد أبيه ، وبالرباط الداوداري داخل باب الفرج ، وكان يحب السنة ويفهمها جيدا ، وقال الحافظ ابن رافع ، سمع وتفقه ودرس وكان حسن الخلق ، توفي رحمه‌الله تعالى في شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وسبعمائة ، ودفن بسفح قاسيون بزاويتهم انتهى وقد مرّ ذكره في دار الحديث الناصرية وترجمة والده أيضا رحمهم‌الله تعالى انتهى.

٢٢٧ ـ الزاوية القلندرية الدر كزينية

قال الاسدي في ترجمة محمود بن محمد شرف الدين الطالبي الدر كزيني (١) : إنه توفي بدر كزين ، قال : وهي بدال مهملة مفتوحة ثم راء ساكنة ثم كاف مكسورة ثم زاي بعدها ياء تحتية ثم نون ، هي بلدة من همدان بينهما اثني عشر فرسخا.

وهذه الزاوية بمقبرة باب الصغير شرقي محلة مسجد الذبان ، وشرقي مئذنة البصية ، قال الشيخ صلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي رحمه‌الله تعالى في المحدين من كتاب الوافي بالوفيات ما صورته : محمد بن يونس الشيخ جمال الدين الساوجي الزاهد شيخ الطائفة القلندرية ، قدم دمشق وقرأ القرآن والعلم ، وسكن قاسيون في زاوية الشيخ عثمان الرومي ، وصلى بالشيخ عثمان المذكور مدة ، ثم حصل له زهد وفراغ من الدنيا فترك الزاوية وأقام بمقبرة الباب الصغير بقرب

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ١٣٩.

١٦٣

موضع القبة التي بنيت لاصحابه ، وبقي مدة بقبة زينب بنت زين العابدين رضي الله تعالى عنهم ، واجتمع بالجلال الدر كزيني والشيخ عثمان كوهي الفارسي الذي دفن بالقنوات بمكان القلندرية ، ثم إن الساوجي حلق وجهه ورأسه ، ولاق حاله باولئك فوافقوه وحلقوا مثله ، ثم إن أصحاب الشيخ عثمان طلبوا الساوجي فوجدوه بالقبة فسبوه وقبحوا فعله فلم ينطق ، ثم إنه اشتهر وتبعه جماعة وحلقوا ، وذلك في حدود العشرين وستمائة ، ثم إنه لبس دلق شعر ، وسافر الى دمياط فانكروا حاله وزيه ، فزيق بينهم ساعة ثم إنه رفع رأسه فإذا هو بشيبة بيضاء كبيرة على ما قيل ، فاعتقدوا فيه ، وتوفي رحمه‌الله تعالى بدمياط ، وقبره هناك مشهور. وذكر شمس الدين بن الجوزي في تاريخه : أنه رأى كراريس بخطه من تفسير له ، وجلس في المشيخة بعده بمقبرة باب الصغير جلال الدر كزيني ، وبعده الشيخ محمد البلخي الذي شرع لهم الجولق الثقيل وأقام الزاوية وأنشأها ، وكثر أصحابه ، وكان للملك الظاهر فيه اعتقاد ، فلما تسلطن طلبه ، فلم يمض اليه ، فبنى لهم السلطان هذه القبة من مال الجامع ، وكان اذا قدم الشام يعطيهم الف درهم وشقتي بسط ورتب لهم ثلاثين غرارة قمح في السنة ، وفي اليوم عشرة دراهم ، وكان السويداوي منهم يحضر سماط السلطان الملك الظاهر ويمازح السلطان ، ولما أنكروا في دولة الأشرف موسى على الشيخ علي الحريري انكروا على القلندرية ونفوهم الى قصر الجنيد. وذكر نجم الدين ابن اسرائيل الشاعر : أن هذه الطائفة ظهرت بدمشق سنة ست عشرة وستمائة ، وكانت وفاة الساوجي المذكور في حدود الثلاثين وستمائة رحمه‌الله تعالى انتهى كلامه في الجزء الثامن من العشرة. وقال والد شيخنا الأسدي في آخر الجزء الثاني من تاريخه المسمى بالأعلام المنتقى من تاريخ الاسلام للذهبي وما أضيف اليه من تاريخ ابن كثير والكتبي وغيرهما ما صورته : محمد الشيخ جمال الدين الساوجي الزاهد شيخ الطائفة القلندرية ، قدم دمشق ، وقرأ القرآن والعلم ، وسكن جبل قاسيون بزاوية الشيخ عثمان الرومي ، وصلى بالشيخ عثمان مدة ، ثم حصل له زهد وفراغ عن الدنيا ، وترك الزاوية وانكمش وأقام بمقبرة الباب الصغير بقرب موضع القبة التي بنيت

١٦٤

لأصحابه ، وبقي مدة مديدة بقية زينب بنت زين العابدين رحمهما‌الله تعالى ، واجتمع فيها بالجلال الدركزيني والشيخ عثمان كوهي الفارسي الذي دفن بالقنوات بمكان القلندرية ، ثم ان الساوجي حلق رأسه ولحيته فانطلى حاله الشيطاني على جماعة فوافقوه وحلقوا ، ثم فتش أصحاب الشيخ عثمان على الساوجي فوجدوه بالقبة فسبوه وقبحوا فعله فلم ينطق ولا رد عليهم ، ثم اشتهر وتبعه خلق وحلقوا. قال الذهبي : وذلك في حدود العشرين والستمائة فيما أظن ، ثم لبس دلق شعر وسافر الى دمياط فانكروا حاله وزيه المنافي للشرع فزيق بينهم ساعة ثم رفع رأسه فإذا هو بشيبة فيما قيل كبيرة بيضاء ، فاعتقدوا فيه وضلوا به ، حتى قيل إن قاضي دمياط وأولاده وجماعة حلقوا لحاهم وصحبوه والله تعالى أعلم بصحة ذلك ، وتوفي بدمياط وقبره بها مشهور ، وله هناك اتباع. وذكر شمس الدين بن الجوزي في تاريخه : أنه رأى كراريس من تفسيرات القرآن للساوجي وبخطه ، وجلس في المشيخة بعده بمقبرة باب الصغير الشيخ جلال الدين الدركزيني وبعده الشيخ محمد البلخي ، وهو أعني البلخي من مشاهير القوم ، وهو الذي شرع الجولق الثقيل ، واقام الزاوية وأنشأها ، وكثر أصحابه ، وكان للملك الظاهر فيه اعتقاد ، فلما تسلطن طلبه فلم يمض إليه ، فبنى لهم السلطان هذه القبة من مال الجامع ، وكان إذا قدم يعطيهم الف درهم وشقتين من البسط ، ورتب لهم ثلاثين غرارة قمح في السنة وعشرة دراهم في اليوم. قال الذهبي : ولما انكروا في دولة الاشرف موسى على الشيخ علي الحريري انكروا على القلندرية ، وتفسيره بالعربية المحلقين ، ونفوهم الى قصر الجنيد ، وذكر ابن اسرائيل الشاعر : أن هذه الطائفة ظهرت بدمشق سنة ست عشرة وستمائة ، ثم أخذ يصف حالهم الملعون وطريقتهم الخارجة عن الدين. انتهى كلام الاسدي.

٢٢٨ ـ الزاوية القلندرية الحيدرية

قال ابن كثير في سنة خمس وخمسين وستمائة : وفيها دخلت الفقراء الحيدرية الشام ، ومن شعارهم لبس الفراجي والطراطير ، ويقصون لحاهم ويتركون

١٦٥

شواربهم ، وهو خلاف السنة ، وتركوها لمتابعة شيخهم حيدر حين أسره الملاحدة فقصوا لحيته وتركوا شواربه ، فاقتدوا به في ذلك وهو معذور مأجور وليس لهم فيه قدوة ، وقد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك ، وقد بنيت لهم زاوية بظاهر دمشق قريبا من العوينة انتهى.

٢٢٩ ـ الزاوية اليونسية

بالشرف الشمالي بدمشق غربي الوراقة والمدرسة العزية البرانية ، قال الذهبي في العبر في سنة تسع عشرة وستمائة : والشيخ يونس بن يوسف بن مساعد الشيباني المخارقي القنيي ، والقنية قرية من نواحي ماردين ، وهذا شيخ الطائفة اليونسية أولى الشطح وقلة العقل ، أبعد الله شرهم ، وكان رحمه‌الله صاحب حال وكشف ، يحكى عنه كرامات ، وقال ابن خلكان في وفياته : الشيخ يونس بن يوسف بن جابر بن ابراهيم بن مساعد الشيباني المخارقي شيخ الفقراء اليونسية وهم منسوبون إليه ويعرفون به ، وكان رجلا صالحا ، وسألت جماعة من أصحابه عن شيخه من ، فقالوا لم يكن له شيخ وإنما كان مجذوبا ، وهم يسمون من لا شيخ له بالمجذوب ، يريدون بذلك أنه جذب إلى طريق الخير والصلاح ، ويذكرون له كرامات كثيرة ، أخبرني الشيخ محمد بن أحمد بن عبيد ، وكان قد رآه وهو صغير ، وذكر أن أباه أحمد كان صاحبه ، قال : كنا مسافرين والشيخ يونس معنا ، فنزلنا في الطريق على عين بوار وهي التي يجلب منها الملح البواري ، وهي بين سنجار وعانة ، قال : وكانت الطريق مخوفة ، فلم يقدر أحد منا أن ينام من شدة الخوف ، ونام الشيخ يونس ، قال فلما انتبه قلت له كيف قدرت تنام؟ فقال لي : والله ما نمت حتى جاء إسماعيل بن ابراهيم الخليل على نبينا وعليهما الصلاة والسلام وتدرك القفل ، فلما أصبحنا رحلنا سالمين ببركة الشيخ يونس ، قال وعزمت مرة على دخول نصيبين ، وكنت عند الشيخ يونس في قريته فقال لي : إذا دخلت البلد فاشتر لأم مساعد كفنا. قال : وكانت في عافية وهي أم ولده ، فقلت : وما بها حتى نشتري لها الكفن؟ قال : ما يضر ، فذكر أنه لما عاد وجدها قد ماتت ، وذكر له غير هذا من الأحوال والكرامات وأنشد له مواليا :

١٦٦

أنا حميت الحمى وأنا مكثت فيه

وأنا رميت الخلائق في بحار التيه

من كان يبغي العطا مني أنا أعطيه

أنا فتى ما أداني من به تشبيه

وذكر الشيخ محمد المذكور : أن الشيخ يونس توفي في سنة تسع عشرة وستمائة في قريته وهي القنية من أعمال دارا ، وهي بضم القاف وفتح النون وتشديد الياء المثناة من تحت ، تصغير قناة ، وقبره مشهور بها يزار رحمه‌الله تعالى ، وقد كان ناهز التسعين سنة من عمره انتهى. وقال الأسدي في سنة تسع عشرة وستمائة : الشيخ يونس شيخ الطائفة اليونسية يونس بن يوسف بن مساعد الشيباني المخارقي المشرقي القنيي ، والقنية قرية من أعمال دارا من نواحي ماردين ، قال الذهبي : هذا شيخ الطائفة اليونسية من أولى الدعارة والشطارة والشطح وقلة العقل أبعد الله شرها ، كان شيخا زاهدا كبير الشأن ، له الأحوال والمقامات ، والكشف ، قال ابن خلكان : سألت رجلا من أصحاب الشيخ يونس فقلت له من شيخ الشيخ؟ فقال لم يكن له شيخ بل كان مجذوبا. قال القاضي : ويذكرون له كرامات. وذكر الذهبي : انه سمع ابن تيمية ينشد للشيخ يونس بيتا ظاهره شطح والحاد ، قال : وفي الجملة لم يكن الشيخ يونس من أولي العلم بل من أولي الحال والكشف ، وكان عاريا من الفضيلة ، وكان ابن تيمية يتوقف في أمره أولا ثم أطلق لسانه فيه وفي غيره من الكبار ، والثبات في ثبوت ما ينقل عن الرجل أولى والله تعالى المطلع.

وأما اليونسية فهم شر طوائف الفقراء ، ولهم أعمال تدل على الاستهتار والانحلال قولا وفعلا ، استحي من الله تعالى ومن الناس التفوه بها قال : ولا يغتر المسلم بكشف ولا بحال ، فقد تواترت الكشف والبرهان عن الكهان والرهبان ، وذلك إلهام الشيطان ، أما حال أولياء الله وكراماتهم فحق ، وأخبار ابن صياد بالمغيبات حال شيطاني دجالي ، وحال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وحال العلاء الحضرمي (١) رضي‌الله‌عنه حال رحماني ملكي ، وكثير من المشايخ يتوقف

__________________

(١) شذرات الذهب ١ : ٣٢.

١٦٧

في أمرهم فلا يتبين للناس أي القسمين حالهم والله تعالى أعلم انتهى كلام الأسدي رحمه‌الله تعالى. وقال الشيخ شهاب الدين بن العماد في كتاب الانتقاد على طائفتي الشهود والاعتقاد. فرع : جهلنا فسق الشاهد ولكن رأيناه يظهر الكرامات والمشي على الماء والطيران في الهواء وغير ذلك ، لم ينعقد النكاح به لثلاثة أوجه : الأول انه يجوز إظهار الكرامة على الكافر كما ظهرت على يد السامري في رؤيته لفرس جبريل عليه‌السلام دون بني إسرائيل حتى أخذ من تراب موضع حافر فرسه ، الثاني أن الولي يجب عليه إخفاء الكرامة كما صرح به أبو محمد في أول كتابه في اللطائف والحكم ، الثالث لو رأيت صاحب بدعة يطير في الهواء لم أقبله حتى يتوب من بدعته ، ذكره أبو نعيم (١) في ترجمة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه انتهى. وقال الذهبي في سنة عشرين وثلاثمائة من مختصر تاريخه : وفيها مات زاهد الشام أبو عمر الدمشقي ، وكان يقول : فرض على الولي كتمان الكرامات لئلا يفتتن بها انتهى.

وقال أبو يزيد البسطامي (٢) رحمه‌الله تعالى : لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وآداب الشريعة انتهى. وقال ابن كثير في سنة ست وسبعمائة : الشيخ الجليل سيف الدين الرجيحي بن سابق بن هلال بن يونس شيخ اليونسية بمقامهم ، صلّي عليه سادس شهر رجب بالجامع ثم أعيد إلى داره التي سكنها داخل باب توما ، وتعرف بدار أمين الدولة فدفن بها ، وحضر جنازته خلق كثير من الأعيان والقضاة والأمراء ، وكانت له حرمة كبيرة عند الدولة وعند طائفته ، وكان ضخم الهامة جدا ، محلوق الشعر ، وخلف أموالا وأولادا انتهى. وقال في السنة التي قبلها : وممن توفي فيها من الأعيان الشيخ عيسى بن الشيخ سيف الدين الرجيحي بن سابق ابن الشيخ يونس القنيي ودفن بزاويتهم التي بالشرف الشمالي بدمشق غربي الوراقة والعزية يوم الثلاثاء تاسع المحرم انتهى. وقال في سنة سبع وعشرين وسبعمائة : وفي ذي القعدة توفي الشيخ فضل ابن الشيخ

__________________

(١) شذرات الذهب ٣ : ٢٤٥.

(٢) شذرات الذهب ٢ : ١٤٣.

١٦٨

الرجيحي اليونسي ، وأجلس أخوه يوسف مكانه بالزاوية انتهى. وولي مشيختها ونظرها صاحبنا القاضي محيي الدين عبد القادر بن محمد بن محمد بن عمر بن عيسى ابن الشيخ يوسف أي سيف الدين الرجيحي بن سابق بن هلال ابن الشيخ يونس اليونسي (١) الشيباني الحنبلي ، ميلاده في صبيحة الجمعة ثاني عشر شهر ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة ، عرض على شيخنا بدر الدين ابن قاضي شهبة وعلى علماء الحنابلة ، ثم فوض إليه ابن خاله قاضي الحنابلة العلامة برهان الدين بن مفلح ، ثم ولي مشيخة زاوية جده اليونسية ، وكان بالمزة ثم انتقل الى الصالحية وبنى بها زاوية بحارة الجوبان ، ووقف عليها وقفا.

فائدة : عبد الله بن أبي الحسن علي بن أبي الفرج (٢) الطرابلسي الشامي الفقيه الزاهد ، أسلم وعمره إحدى عشرة سنة ، وقرأ القراآت بحلقة الحنابلة بالجامع ، وذكر له شيخنا ترجمة في طبقاته وانه قال : كنت أسمع كتاب (حلية الأولياء) على شيخنا أبي الفضل بن ناصر فرق قلبي وقلت في نفسي اشتهيت أن أنقطع عن الخلق وأن أشتغل بالعبادة ، فمضيت وصليت خلف الشيخ عبد القادر الجيلي ، فلما صلينا جلسنا بين يديه فنظر إلي وقال : أردت الانقطاع فلا تنقطع حتى تنفقه وتجالس الشيوخ وتتأدب بهم فحينئذ يصلح لك الانقطاع وإلا فتمضي وتنقطع قبل أن تنفقه وأنت فريخ ما ريشت ، فإن أشكل عليك شيء في أمر دينك تخرج من زاويتك وتسأل عن أمر دينك ، ما أحسن صاحب الزاوية أن يخرج من زاويته ويسأل الناس عن أمر دينه ، ينبغي لصاحب الزاوية أن يكون كالشمعة يستضاء بنوره ، سمع منه ابن القطيعي وابن خليل في معجمه ، توفي رحمه‌الله تعالى في ثالث جمادى الآخرة سنة خمس وستمائة بأصبهان والله سبحانه وتعالى أعلم.

٢٣٠ ـ الزاوية العمرية

غربي محلة العقيبة بالقرب من جامع التوبة. قال ولد مؤلف هذا الكتاب

__________________

(١) شذرات الذهب ٨ : ٤٦.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٥.

١٦٩

سيدنا ومولانا شيخ الإسلام بقية السلف الكرام أبو زكريا محيى الدين يحيى الشهير بوالده مؤلف هذا الكتاب : أنشأ هذه الزاوية رجل يقال له الشيخ عمر الإسكاف الحموي (١) أتى دمشق في أواخر قانصوه الغوري (٢) ، واشتهر في أول تولية السلطان سليم (٣) نصره الله تعالى على هذه المملكة الشامية ، وبنى لنفسه هذه الزاوية والدار سكنه بجانبها في سنة ثمان وعشرين وتسعمائة. وكان يدعي بأنه يربي الفقراء ويأمرهم بأن يلبسوا الفروة مقلوبة ، ويركبوا القصبة ، ويعلقوا في أرقابهم معلاق رأس الغنم ويدوروا بذلك في شوارع دمشق ، لأجل كسر النفس كما يزعم لهم شيخهم المذكور ، وهم يقولون لا إله إلا الله بأعلا صوتهم ولم يسلموا على أحد من غير طريقتهم ، وصار له أتباع كثيرة من دمشق وضواحيها وغيرهم ، ومن غضب عليه الشيخ منهم أخرجه وطرده ، فيستمر يأتي ويضع وجهه على عتبة باب الزاوية ويذكر مع الفقراء من خارج الباب فيما يزعم ، ويقرأ الآية من القرآن بلحن فاحش ، ويتكلم عليها برأيه ، وكذلك غالب أكابر أتباعه ، وأمر غالب من اتبعه إذا توفي أن يدفن شمالي تربة باب الفراديس وغربيها ، وجعل بينها وبين التربة جدار حائط دائر بها لتكون خاصة برسم فقرائه ، ولم يدفن هو عندهم فيها ، بل جعل له غربي زاويته المذكورة قبة برسم دفنه تحتها ، وشباك حديد مطل للطريق السالك لسويقة صاروجا والصالحية وغيرها. ولما كان عشية يوم الاثنين سلخ شهر ربيع الثاني سنة إحدى وخمسين وتسعمائة ، حادي عشرين تموز ، توفي الشيخ عمر المذكور ، وفي بكرة يوم الثلاثاء مستهل جمادى الأولى غسل وكفن وصلي عليه ، ودفن تحت القبة المذكورة بزاويته المذكورة ، وترك ولدين رجلين محمد وعلي ثم من بعده انحلت غالب اتباعه عن طريقته ، وصار ولده محمد المذكور مكانه بالزاوية المذكورة ، يجتمع عليه بها أناس قلائل ، يتكلم لهم بها على طريقة والده انتهى.

__________________

(١) شذرات الذهب ٨ : ٢٨٩.

(٢) شذرات الذهب ٨ : ١١٣.

(٣) شذرات الذهب ٨ : ١٤٣.

١٧٠

٢٣١ ـ الزاوية الصمادية

داخل باب الصغير ، شمالي السور على كتف نهر قليط بالزقاق الآخذ إلى باب الجابية ، أنشأها الشيخ محمد ابن الشيخ خليل الصمادي (١) في سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة ، وجعل له دار سكنه شماليها ، وجعل للزاوية المذكورة بركة ماء ومرتفعات ، وعلى بابها سبيل يجري إلى ذلك كله الماء من نهر القنوات ، توفي بكرة النهار يوم الجمعة خامس عشرين جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وتسعمائة سابع عشر أيلول ، وغسل وكفن ، وصلي عليه بالجامع الأموي قبل صلاة العصر إماما شيخ الإسلام وقدوة سائر الأنام ، بقية السلف الكرام مفتي المسلمين ، وصدر العلماء والمدرسين ، سيدنا الشيخ بدر الدين محمد بن رضي الدين الغزي (٢) ، ثم صلى عليه بعد العصر ثانيا بجماعة آخرين ، ثم أعيد به إلى الزاوية المذكورة ، وصارت المشيخة بعده لولده الشيخ محمد ، وأما الشيخ خليل والد المتوفي تحت القبة بقرية أذرعات ، فمشهور هناك. وفي شهر جمادى الأولى من سنة أربع وخمسين وتسعمائة حصل بدمشق قلقلة كبيرة بين الشيخ الإمام يونس العيثاوي الشافعي إماما وخطيبا بالجامع المعروف بدمشق بالجامع الجديد وبجانباك وبين الشيخ محمد ابن الشيخ محمد ابن الشيخ خليل الصمادي (٣) المذكور أعلاه وبين أتباعهم بسبب ضرب طبل الباز الذي يتخذونه في حلق الذكر فأنكره عليهم الشيخ يونس العيثاوي ولم يلتفت إليه في ذلك ، والحال أننا أدركنا مشايخنا القدماء من السادة الشافعية رحمهم‌الله تعالى لم ينكروه عليهم بل أقروه لهم وتبركوا بهم ، منهم : شيخنا شيخ مشايخ الإسلام تقي الدين أبو بكر ابن قاضي عجلون سلطان الفقهاء ، ومنهم شيخنا شيخ الإسلام السيد الحسيب النسيب كمال الدين محمد ابن السيد حمزة الحسيني ، ومنهم شيخ مشايخ الإسلام تقي الدين أبو بكر البلاطنسي (٤) ، ومنهم شيخ الإسلام علاء الدين علي بن أبي اللطف المقدسي (٥)

__________________

(١) شذرات الذهب ٨ : ٢٧٥.

(٢) شذرات الذهب ٨ : ٤٠٣.

(٣) شذرات الذهب ٨ : ٤٣٥.

(٤) شذرات الذهب ٨ : ٢١٣.

(٥) شذرات الذهب ٨ : ٢٠٣.

١٧١

ومنهم شيخ الإسلام نجم الدين محمد بن شكم (١) ومنهم شيخ مشايخ الإسلام الشيخ رضي الدين الغزي (٢) ، ومنهم الشيخ محمد الكفرسوسي ، ومنهم تقي الدين أبو بكر القاري وغيرهم رحمهم‌الله تعالى ، ومن السادة الحنفية شيخ الإسلام جمال الدين يوسف بن طولون ، وابن اخيه الشيخ شمس الدين محمد بن طولون (٣) والشيخ قطب الدين محمد بن سلطان (٤) وغيرهم رحمهم‌الله تعالى ، ومن السادة الحنابلة قاضي القضاة نجم الدين عمر بن مفلح (٥) وشيخ الإسلام شهاب الدين أحمد الشويكاني (٦) وابن أخيه شيخ الإسلام زين الدين عبد الرحمن الشويكاني وبقية الحنابلة رحمهم‌الله تعالى ، ومن السادة المالكية شيخ الإسلام عبد النبي المغربي (٧) المالكي والشيخ علاء الدين علي الخيوطي من بقية المالكية رحمهم‌الله تعالى. ولم نسمع أحدا من هؤلاء أنكر عليهم ذلك إلا إذا ضربوا الطبول في المساجد ولم يقع ذلك منهم قط. بل يضربون طبولهم في الطرقات في بعض الأوقات عند قدوم أقاربهم وملاقاتهم ، وفي وداعهم حين السفر ، ويضربونها أيضا في زواياهم وفي بعض بيوت مريديهم التي يقيمون فيها الذكر كما جرت به عوائدهم ، ولم ينكر عليهم في ذلك قديما ولا حديثا ، وثم الآن بدمشق المحروسة جماعة آخرون من السادة الشافعية ورؤسائهم ويرأسهم شيخنا شيخ الإسلام سيدي بدر الدين بن محمد بن رضي الدين الغزي وولده العلامة البحر الفهامة الشيخ العالم العامل الورع سيدي الشيخ شهاب الدين احمد عفا الله عنه وبقية العلماء ولم ينكر عليهم في ذلك أحد غير هذا الرجل المشار إليه الشيخ يونس العيثاوي وحده فقط ، وله طلبة غالبهم صبيان مردان ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. انتهى قول ولد المؤلف شيخ الإسلام أبو زكريا محيى الدين ختم الله له بخير وعفا عنه.

__________________

(١) شذرات الذهب ٨ : ٩٣.

(٢) شذرات الذهب ٨ : ٢٠٩.

(٣) شذرات الذهب ٨ : ٢٩٨.

(٤) شذرات الذهب ٨ : ٢٨٣.

(٥) شذرات الذهب ٨ : ٩٢.

(٦) شذرات الذهب ٨ : ٢٣١.

(٧) شذرات الذهب ٨ : ١٢٦.

١٧٢

٢٣٢ ـ الزاوية السعدية

خارج دمشق برأس العمائر ، نزل بها الشيخ المبارك حسن الجناني السعدي ، (١) قال والدي المؤلف لهذا الكتاب المشار إليه تغمده الله برحمته في تاريخه : وفي يوم الخميس حادي عشر جمادى الأولى سنة أربع عشرة وستعمائة توفي الشيخ المبارك حسن الجناني السعدي ، كان النساء وغالب العوام يعتقدون أنه يشفي من الجنون وأنه غريزة في أصله وفصله ، انتقل من بلده بيت جن وسقف تربة النائب إينال الجكمي ، كان نائب دمشق قديما ........................................... ولم يتمها ، ولم يدفن بها ، حتى نزل الشيخ حسن المذكور ، وسقفها ، وهي بأواخر قبلي دمشق وسكن بها ، ومات وله عدة أولاد وأولاد الأولاد ، ودفن قبلي الحصي جوار تربة شيخنا شهاب الدين أحمد ابن قرا رحمه‌الله تعالى.

قال ولد المؤلف لهذا الكتاب مولانا الشيخ العالم العلامة شيخ الإسلام الشيخ أبو زكريا محيى الدين النعيمي عفا الله عنه في ذيله على تاريخ والده المشار إليه : ثم ولي المشيخة مكانه بالزاوية المذكورة ولده الشيخ حسين واستمر على طريقة والده بفقراء وحلقات في غالب البلدان ، إلى أن توفي يوم الاثنين رابع عشر ربيع الثاني سنة ست وعشرين وتسعمائة. ودفن عند والده المذكور اعلاه ، وخلف أولادا كثيرة ، المتجه منهم للمشيخة بالزاوية المذكورة بعد والده وجده ، واستمر على طريقة والده وجده بفقراء وحلقات في غالب البلدان ، وحصل له سعد في إنفاذ الكلمة عند الحكام وبين الناس مع قلة ذات اليد من المال وكثرة الدين عليه لكثرة إطعامه الطعام لكل من يرد عليه دائما ، حتى قيل أنه وهاب نهاب ، توفي صبيحة يوم الأحد تاسع عشرين رجب الفرد سنة ثلاث وستين وتسعمائة ، سابع حزيران ، ودفن عند والده وجده رحمه‌الله تعالى ، وخلف بعده ولدا رجلا اسمه حسين من زوجته كانت ابنة الشهابي أحمد المحوجب التي هي

__________________

(١) شذرات الذهب ٨ : ٣٣٤.

١٧٣

الآن زوج للشيخ بركات الهندباني الشهير الآن بالموصلي ، ثم تولى المشيخة بالزاوية المذكورة بعده الشيخ سعد الدين أخو المتوفى المذكور ، وان الشيخ سعد الدين سقف الزاوية وعلاها ، وعمل قوس قنطرة من حجارة منحوتة ، وسقفها جديدا بالعريض ، وجعل لها قماري مضيئة ، وبيضها بالجص ، وذلك في أواخر سنة أربع وستين وتسعمائة ، وهو مستمر على طريقة والده وجده إلى يومنا هذا ، على ما كان عليه أخوه الشيخ احمد انتهى قول ولد المؤلف عفا الله عنه.

١٧٤

فصل

الترب

٢٣٣ ـ التربة الأسدية

بالجبل. قال الأسدي رحمه‌الله تعالى في تاريخه في سنة ثمان عشرة وستمائة : علي بن عبد الوهاب بن علي بن الخضر بن عبد الله نجم الدين أبو الحسن القرشي الأسدي الزبيري الدمشقي العدل ، أخو كريمة ، ولد سنة اثنتين وخمسين ، وسمع من علي بن أحمد الحرستاني وعبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني وحمزة ابن الجبولي وغيرهم ، وأجاز له جماعة ، وروى عنه ابن خليل والضياء المقدسي والشهاب القوصي ، توفي في صفر رحمه‌الله تعالى وله تربة في الجبل انتهى.

٢٣٤ ـ التربة الأفريدونية

وبها دار قرآن ، شرقي جامع حسان خارج باب الجابية بالشارع الأعظم غربي خندق سور المدينة قريبا منه ومن تربة الامير سيف الدين بهادر المنصوري (١) ومن تربة الأمير فرج بن منجك شماليهما. قال الحسيني في ذيل العبر فيمن توفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة : والتاجر الكبير شمس الدين افريدون العجمي ، واقف المدرسة المليحة الافريدونية خارج باب الجابية ، والذي يعلم من وقفها الآن : المزرعة المعينية جوار العدمل بالمرج ، وبستان معبد بقرينة زبدين ، وخمس قطع أراضي بقينية ، وحصة من بستان يعرف بدف الجوز بالجيم بأرض أرزة ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٩٣.

١٧٥

ونصف قرية سكاكة بالسين من بصرى وبستانان بقرية عين ترما ، وقطع أرض تعرف بحقول العجمي بقرية كفر بطنا ، والحصة من قاعة الحديثي بقصر حجاج ، والحصة من خان الطحين بباب الجابية ، ومحاكرة ابن الصلاح الغزولي جوار المدرسة البادرائية ، وقاعة النشا تجاه التربة من الغرب ، وربع القيسارية وبستان بتل كفرسوسيا ، وبيت بزقاق الداراني وبيت بزقاق حمام الزين ، وقاعة واصطبل داخل باب الفراديس بزقاق الماء ، وبيتان بحارة القصاصية ، وبيتان بقرية كفرسوسيا أيضا وشيء بتل الشعير انتهى.

٢٣٥ ـ التربة الايد مرية

بالقرب من اليغمورية بحارة السكر بسفح قاسيون ، هي تربة الامير عز الدين ايدمر بن عبد الله الحلبي الصالحي ؛ كان من أكابر الامراء واحظاهم عند الملوك ثم عند الملك الظاهر ، كان يستنيبه إذا غاب ، فلما كان سنة سبع وستين وستمائة أخذه معه فكانت وفاته بقلعة دمشق ، ودفن بتربته بالقرب من اليغمورية ، وخلف أموالا جزيلة ، وأوصى الى السلطان في أولاده ، وحضر السلطان عزاه بجامع دمشق ، قاله ابن كثير في السنة المذكورة ، وقال شيخه الذهبي في عبره في سنة سبع بمعناه في بعض نسخه رحمهم‌الله تعالى انتهى.

٢٣٦ ـ التربة الايدمرية

عند الجسر الأبيض بالخانقاه العزية. قال الذهبي في عبره في سنة سبعمائة : ايدمر الأمير الكبير عز الدين الظاهري الذي كان نائب دمشق في دولة مخدومه ، حبس مدة ثم اطلق ، فلبس عمامة مدورة ، وسكن بمدرسته عند الجسر الأبيض ، توفي في شهر ربيع الاول ، ودفن بتربته ، وكان أبيض الرأس واللحية انتهى. وقال في مختصر تاريخ الاسلام في سنة سبعمائة المذكورة : والامير عز الدين ايدمر الذي كان نائب دمشق في دولة الظاهر انتهى والله أعلم.

١٧٦

٢٣٧ ـ التربة الأكزية

قبلي تربة بهادر شرقي تربة يونس الداودار خارج باب الجابية. قال الأسدي في الذيل في محرم سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة : الامير سيف الدين أكز الفخري ، أصله من مماليك الأمير أياس أحد المقدمين بالشام ، ونائب طرابلس وغيرها ، وذكر لي أن أستاذه اشتراه أيام قاضي القضاة برهان الدين ابن جماعة وعمره سبع سنين ، وتنقل في هذه الفتن ، وكان من حزب الأمير نوروز ، ثم صار أمير طبلخانة بالشام ، ثم ولي نيابة القلعة في جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وتمكن وأثرى ، وكان يكتب الى مصر فلا ترد مكاتبته ، ودخل في المحكمات حتى قطع على النائب والحجاب ، وكان أحد السعاة في هلاك النائب تنبك البجاسي فانه كاتب مع غيره الى السلطان بأنه عاص ، ثم عزل من نيابة القلعة بعد أربع سنين وثلاثة أشهر في شعبان سنة تسع وعشرين واستمر على امرته ، وعمر له عمارة حسنة شرقي تربة يونس الداودار ، وكان من عقلاء الترك يعيب على القضاة وغيرهم ما يقضون فيه ، وفيه مروءة ومساعدة ، ولا يشرب الخمر ، ولا يفعل الفاحشة ، وكان قد توجه مع العسكر في السنة الماضية الى الرها فمات له ولدان ، فلما رجع سلمت عليه وعزيته بولديه ، فرأيته راضيا محتسبا. وقال لي : أحد ما يعصى على أستاذه. توفي ليلة السبت ثاني عشرية أول الليل ، واشتغل الناس عن جنازته من الغد لدخول المحمل ، ودفن بتربته التي أنشأها بباب الجابية الى جانب تربة بهادر ، وكان الفراغ منها في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين ، وعمره ستون سنة تقريبا رحمه‌الله تعالى انتهى.

٢٣٨ ـ التربة الاستدارية

جوار تربة ابن تميرك بقاسيون ، وقال الأسدي في تاريخه في سنة ثمان وعشرين وستمائة : شمس الدين بن استادار الأمير ، قال السبط : كان كيسا متواضعا ، حسن العشرة ، كريم الاخلاق ، مليج الصورة ، جوادا ، من بيت مشهور ، وكانت داره مأوى الفضلاء والعلماء والفقراء والأعيان ، توفي رحمه‌الله

١٧٧

تعالى ودفن بتربته بقاسيون المجاورة لتربة ابن تميرك انتهى.

٢٣٩ ـ التربة الجيبغائية

شمالي تربة مختار الطواشي خارج باب الجابية يمنة الذاهب في الطريق السلطاني ، وهي الآن قبلي الجامع الصابوني تجاه تربة سنبل الطواشي خازندار سودون بن عبد الرحمن وقال السيد الحسيني في ذيل العبر في سنة أربع وخمسين وسبعمائة ، ومات الأمير الكبير المعمر سيف الدين الجيبغاي العادلي توفي بدمشق انتهى. ولم يزد فليحرر والله أعلم.

٢٤٠ ـ التربة البزورية

بسفح قاسيون فوق سوق القطن. قال الذهبي في العبر في سنة أربع وتسعين وستمائة : وابن البزوري أبو بكر محفوظ بن معتوق البغدادي التاجر ، روى عن ابن القبيطي ، ووقف كتبه على تربته بسفح قاسيون. كان نبيلا سريا ، جمع تاريخا وذيل به على المنتظم ، توفي رحمه‌الله تعالى في صفر عن ثلاث وستين سنة وهو أبو الواعظ نجم الدين انتهى كلامه.

٢٤١ ـ التربة البهادر آصية

غربي مقبرة باب الصغير تجاه الخندق بجانب تربة اكز الفخري ، وشمالي المزار المعروف بأويس (١) قبلي الأفريدونية وتجاه تربة الأمير فرج بن منجك ، قال الذهبي في ذيل عبره في سنة ثلاثين وسبعمائة : ومات بدمشق سيف الدين بهادارآص المنصوري عن نيف وسبعين سنة ، وكان من أمراء الألوف بدمشق وتربته خارج باب الجابية انتهى. ورأيت بخط الحافظ المؤرخ علم الدين البرزالي في تاريخه في سنة ثلاثين وسبعمائة : في ليلة الثلاثاء التاسع عشر من صفر توفي الأمير الكبير سيف الدين أبو محمد بهادر بن عبد الله المنصوري الناصري بداره بدمشق ،

__________________

(١) شذرات الذهب ١ : ٤٦.

١٧٨

وحمل منها الى الجامع بكرة الثلاثاء وصلي عليه ودفن بتربته خارج باب الجابية ، وحضر الجنازة نائب السلطنة والامراء والقضاة وجمع كثير ، وكان أكبر الأمراء بدمشق لا يتقدمه أحد ، وطال عمره في الأمرة والحشمة والتقدم ، وكان مشهورا بالصدقة وله برّ ظاهر معروف مشهور انتهى. وقال الحافظ عماد الدين بن كثير رحمه‌الله تعالى : الامير الكبير رأس ميمنة الشام ، سيف الدين بهادر آص ابن عبد الله المنصوري الناصري أكبر أمراء دمشق ، وممن طال عمره في الثروة والحشمة ، وهو من اجتمعت به الآية الكريمة وهي قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ) الآية. وكان محببا إلى العامة ، وله برّ وصدقة واحسان ، توفي ليلة الثلاثاء تاسع عشر صفر بداره داخل باب توما المشهورة ، وحضر نائب السلطنة تنكز والأمراء جنازته ، ودفن بتربته خارج باب الجابية وهي مشهورة أيضا انتهى. وقال الصفدي رحمه‌الله تعالى في كتابه الوافي بالوفيات في حرف الباء الموحدة : بهادر آص الامير الكبير سيف الدين أكبر أمراء دمشق ، كان من المنصورية ، وكان هو القائم بأمر السلطنة أي السلطان الملك الناصر لما كان في الكرك تجيء إليه رسله في الباطن وتنزل عنده ، وهو الذي يفرق الكتب ويأخذ أجوبتها ، ويحلف الناس في الباطن الى أن استتبت له الأمور ، وكان آخر من يبوس الأرض ويد السلطان بالشام ، وكان ذا زخرف عظيم وعدة كاملة وسلاح هائل ، وتوجه الى صفد نائبا سنة احدى عشرة وسبعمائة كما قاله الذهبي في ذيله ، وأقام بها مدة تقارب سنة ونصف ثم عاد الى دمشق على حاله ، وجاء صفد بعده الأمير سيف الدين قطلوبغا الكبير ثم عزل بالأمير سيف الدين بلبان طرناه المتقدم ذكره ، ولما كان مع الأمير سيف الدين تنكز على ملطية أشار بشيء فيه خلافه ، فقال بهادر آص : كما نحن بالصبية ، فحقدها وكتب إلى السلطان يقبض عليه ، وأقام في الاعتقال مدة سنة ونصف ، ثم أفرج عنه ، واعيد إلى مكانه واقطاعه ، ولم يزل كذلك الى أن توفي سنة ثلاثين وسبعمائة فيما أظن ، ودفن في تربته خارج باب الجابية وخلف خمسة أولاد ذكور : الأمير ناصر الدين محمد ، والأمير علاء علي ، والأمير تقي الدين أبا بكر ، فلحقه الأمير زين الدين عمر وكان أحسنهم

١٧٩

صورة ، ثم الأمير شرف الدين أحمد وهو أصغرهم ، وكان الأمير علي أمير عشرة انتهى. ورأيت بخط الحافظ علاء الدين البرزالي في تاريخه في سنة احدى وثلاثين وسبعمائة أنه ولد لبهادر آص المذكور تقي الدين عمر ، وكان مسافرا مع المعسكر فمرض ، وحمل من حلب المحروسة في محفة على بغلين ، ووصل دمشق قبل موته بليلة واحدة الى داره ، ولم يفق على والدته وأهله ، وأنه توفي تاسع عشر ذي الحجة منها ، وأنه دفن بالتربة المذكورة ، وأنه كان شابا مليحا قد قارب الثلاثين سنة رحمه‌الله تعالى والله سبحانه وتعالى أعلم انتهى.

٢٤٢ ـ التربة البلبانية

جوار مئذنة فيروز قرب المدرسة المسمارية الحنبلية ، وهي تربة الامير سيف الدين طرناه بلبان ، وكان الأمير المذكور خازندار بالديار المصرية ، ثم انه جهزه السلطان الملك الناصر الى صفد نائبا فحضر إليها ، ووقع بينه وبين الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام فعزله السلطان ورسم بتوجيهه الى دمشق يطلبه ، فلما وصل إليها ودخل اليه ليقبل يده ويسلم عليه قبض عليه ، وبقي في الاعتقال عشر سنين فما حولها ، ثم إنه شفع فيه فأخرج من الاعتقال وجعل أمير مائة مقدم الف ، ثم إنه أقبل عليه واختص به ، وكان يشرب معه القمر؟ ، ولم يزل الى أن توفي بعد الأربع والثلاثين وسبعمائة ودفن بتربة جوار داره عند مئذنة فيروز قاله الصفدي رحمه‌الله تعالى ، وقال ابن كثير رحمه‌الله تعالى في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة : الأمير سيف الدين بلبان طرناه بن عبد الله الناصري ، كان من المقدمين بدمشق ، وجرت له فصول يطول ذكرها ، ثم توفي بداره عند مئذنة فيروز ليلة الأربعاء حادى عشر شهر ربيع الاول من السنة ودفن بتربة اتخذها الى جانب داره ، ووقف عليها مقرئين ورتب عندها مسجدا بإمام ومؤذن رحمه‌الله تعالى انتهى والله أعلم.

١٨٠