الدّارس في تاريخ المدارس - ج ٢

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في تاريخ المدارس - ج ٢

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

ربيع الأول ، ولم ينتطح فيها عنزان ولا اختلف سيفان ، فنزل في دار والده وهي دار العقيقي ، وهي التي بنيت مدرسة الملك الظاهر بيبرس وأحسن إلى أهل دمشق غاية الاحسان وكان في القلعة اذ ذاك الطواشي جمال الدين ريحان الخادم ، فلم يزل يكاتبه ويفعل له في الذروة والغارب حتى استماله وأجزل نواله فسلمها إليه ووفد عليه ومثل بين يديه ، فأكرمه واحترمه وأحسن اليه ، وأظهر أنه احق بتربية ولد نور الدين لما له عليهم من الاحسان المتين ، وذكر أنه خطب لنور الدين بديار مصر ، وضرب باسمه السكة ، ثم عامل الناس بالجميل ، وأمر بوضع ما حدث بعد نور الدين من المكوس والضرائب في أيام ولده اسماعيل الصالح ، وكان قاضي دمشق قاضي القضاة كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري ، وتوفي في أول سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة ، وكان من خيار القضاة وأخص الناس بنور الدين الشهيد رحمهم‌الله تعالى ، وفي سنة ثلاث وسبعين كسرته الفرنج على الرملة ، وفي سنة خمس وسبعين كسرهم وأسر ملوكهم وأبطالهم ، وفي سنة ست أمر ببناء قلعة القاهرة على جبل المقطم ، وفي سنة ثمان عبر الفرات وفتح سنجار وسروج ونصبين وامد والرها وحران والرقة والبيرة ، وحاصر الموصل ، وملك حلب المحروسة ثم حاصر الموصل ثانيا وثالثا ، وأنزل أخاه العادل عن قلعة حلب المحروسة وسلمها لولده الملك الظاهر غازي وعمره احدى عشرة سنة ، وسير أخاه العادل الى مصر ثانيا ، وكان تقي الدين عمر بها فقدم الشام ، وفي سنة ثلاث وثمانين فتح السلطان صلاح الدين رحمه‌الله تعالى طبرية ، ونازل عسقلان ، وكانت وقعة حطين ، وكان الفرنج فيها أربعين ألفا فأخذهم عن بكرة أبيهم وأسر ملوكهم ، وأخذ عكا وبيروت وقلعة كوكب والسواحل ، وسار فأخذ القدس الشريف بالأمان بعد قتال ليس بالشديد ، ودخل قراقوش التركي مملوك تقي الدين عمر المغرب فاستولى على أطرافها ، وكسر عسكر تونس ، وخطب لبني العباس ، ثم ان الفرنج نازلوا عكا مدة طويلة ، وكانوا مما لا يحصون كثرة ، يقال بلغت جموعهم مائة ألف ويقال ستمائة الف ، وقتل منهم مائة الف ، وتعب المسلمون واشتد الأمر وآل إلى أخذها قال عبد اللطيف : ومدة أيامه لم يختلف

١٤١

عليه أحد من أصحابه ، وكان الناس يأمنون ظلمه ويرجون بره ، واكثر ما كان عطاؤه يصل الى أهل العلم وأهل البيوتات ، ولم يكن ليمطل ، ولا لصاحب هزل عنده نصيب ، وكان حسن الوفاء بالعهد ، حسن القدرة اذا قدر كثير الصفح ، واذا نازل بلدا واشرفوا على أخذه ثم طلبوا منه الأمان امنهم ، فكان يتألم جيشه لذلك ، لفوات حظهم ، وقد عاقد الفرنج وهادنهم عند ما ضرس عسكره الحرب ومكر ، وقال القاضي بهاء الدين بن شداد : قال السلطان في بعض محاوراته في الصلح ، أخاف أن أصالح ، وما أدري أي شيء يكون مني ، فتقوى يد العدو ، وقد بقيت لهم بلاد فيخرجون الاستفادة ما في أيدي المسلمين ، ويرى كل واحد من هؤلاء يعني أخاه ويعني أولاده وأولاه أخيه قد قعد في رأس تلة يعني قلعة وقال لا أنزل ، ويهلك المسلمون ، فكان والله كما قال ، توفي رحمه‌الله تعالى عن قريب ، واستقل كل واحد من أهل بيته بناحية ، ووقع الخلف بينهم فكان الصلح مصلحة ، فلو قدر موته والحرب قائمة لكان الاسلام على خطر.

وقال أبو المظفر بن الجوزي : حسب ما أطلعه مدة مقامه على عكا مرابطا للفرنج الى انتقاله ، كان معه اثنا عشر الف رأس من الخيل العراب والأكاديش الجياد ، وقال المنذري : ومآثره رحمه‌الله تعالى في فتح بيت المقدس والاستيلاء على معاقل الفرنج وبلادها بالساحل مشهورة ، ومكارمه فيما أرصده في وجوه البرّ بالديار المصرية والشامية مذكورة ، وقال ابن خلكان : قدم به أبوه وهو رضيع ، فناب أبوه بعلبك لما أخذها الأتابك زنكي في سنة ثلاث وثلاثين ، ثم خدم نجم الدين أيوب وولده صلاح الدين نور الدين الشهيد فصيرهما آمرين وكان أسد الدين أرفع منهما منزلة عنده ، فانه كان مقدم جيوشه ، وولي صلاح الدين وزارة مصر وهي كالسلطنة في ذلك الوقت سنة أربع وستين ، فلما هلك العاضد في أول سنة سبع استقل بالأمر مع المداراة لنور الدين ومخادعته الى أن قال : وفي سنة ثلاث وثمانين افتتح بلاد الفرنج وقهرهم واباد عساكرهم واسر ملوكهم وفتح القدس وعكا وطبرية وغير ذلك ، وافتتح في هذا العام من الفتوحات ما لم يفتحه ملك قبله ، فطار صيته في الدنيا ، وهابته الملوك ، وبقي مرابطا على عكا نحو من

١٤٢

سنتين وكان متشرعا في ملبسه ومأكله ومشربه ومركبه ، فلا يلبس الا الكتان والقطن والصوف ، ولا يعرف أنه تخطى مكروها بعد أن أنعم الله تعالى عليه بالملك ، وكان همه الأكبر نصر الاسلام ، وكان عنده فضيلة تامة في اللغة والأدب وأيام الناس ، قيل إنه كان يحفظ الحماسة بكمالها ، وكان يفهم ما يقال بين يديه من البحث والمناظرة ، ويشارك في ذلك مشاركة قريبة حسنة ، وان لم يكن بالعادة المصطلح عليها ، وكان قد جمع له القطب أبو المعالي مسعود النيسابوري نزيل دمشق عقيدة ، فكان يحفظهما ويحفظها من عقل من أولاده ، وكان يحب سماع القرآن العظيم ، ويواظب على سماعه وسماع الحديث الشريف ، وكان رقيق القلب ، سريع الدمعة عند سماعه ، كثير التعظيم لشعائر الدين ، وكان قد لجأ الى ولده الظاهر غازي وهو بحلب شاب يقال له الشهاب السهروردي (١) وكان يعرف الكيمياء وشيئا من الشعوذة والابواب النارنجيات ، فافتتن به ولده ، وقربه وأحبه وخالف فيه حملة الشرع ، فكتب اليه أن يقتله لا محالة ، فصلبه ولده عن أمر والده وشهره ، ويقال إنه حبسه بين حائطين حتى مات كمدا ، وذلك في سنة ست وثمانين ، وكان صلاح الدين رحمه‌الله تعالى مواظبا على الصلوات في أوقاتها في جماعة ، يقال إنه لم تفته الجماعة في صلاة قبل وفاته بدهر طويل حتى في مرض موته ، وكان يدخل الامام فيصل به ، ويتجشم القيام مع ضعفه ، واستهلت سنة تسع وثمانين وخمسمائة وهو في غاية الصحة والسلامة ، وخرج هو وأخوه أبو بكر العادل معه الى الصيد شرقي دمشق ، وقد اتفق الحال بينه وبين أخيه العادل انه بعد ما قد يفرغ من أمر الفرنج هذه المدة يسير هو إلى بلاد الروم ، ويبعث أخاه الى بغداد ، وكان همه الأكبر ومقصوده الأعظم نصر الاسلام وكسر الأعداء اللئام ، ويعمل فكره في ذلك ، ورأيه وحده ومع من يثق به وبرأيه ليلا ونهارا سرا وجهرا ، فإذا فرغا من شأنهما سارا جميعا الى بلاد أذربيجان وبلاد العجم ، فانه ليس دونهما أحد يمانع عنها ولا يصدهم ، ولما قدم الحجيج من الحجاز الشريف في يوم الاثنين حادي عشر صفر منها خرج لتلقيهم وكان معهم ولد

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٢٩٠.

١٤٣

أخيه سيف الاسلام صاحب اليمن ، فاكرمه والتزمه واحترمه ، وعاد إلى القلعة المنصورة فدخلها من باب الحديد وكان ذلك آخر ما ركب في هذه الدنيا ، ثم انه اعتراه حمى صفراوية ليلة السبت سادس عشره ، فلما أصبح دخل عليه القاضي وابن شداد وابنه الأفضل ، فأخذ يشكو إليهم كثرة قلقة البارحة ، وطاب له الحديث ، وطال مجلسهم عنده ، ثم تزايد به المرض واستمر وفصده الأطباء في اليوم الرابع فاعتراه يبس وحصل له عرق شديد ، بحيث نفذ إلى الأرض ، فقوي اليبس أيضا ، فأحضر الأمراء والأكابر والرؤساء فبويع الأفضل نور الدين علي وكان نائبا على ملك دمشق ، وذلك عند ما ظهرت مخايل الضعف الشديد وغيبوبة الذهن في بعض الأوقاف وكان الدين يدخلون عليه في هذه الحال القاضي الفاضل وابن شداد وقاضي البلد ابن الزكي ، وتفاقم به الحال ليلة الأربعاء السابع والعشرين من صفر المذكور ، واستدعي الشيخ أبو جعفر إمام الكلاسة ليبيت عنده يقرأ القرآن ويلقنه الشهادة إذا جد به الأمر ، فذكر أنه كان يقرأ عنده وهو في غمرات الموت فقرأ قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) (الآية). فقال : وهو كذلك صحيح ، فلما أذن الصبح جاء القاضي الفاضل فدخل عليه وهو بآخر رمق ، فلما قرأ القارئ قوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) ، تبسم وتهلل وجهه وسلمها إلى ربه عزوجل ، ومات رحمه‌الله تعالى وأكرم مثواه ، وجعل جنة الفردوس مأواه ، عن سبع وخمسين سنة ، وغلقت الأسواق واحتفظ على الحواصل ، وأخذوا في تجهيزه وغسله ، وحضر جميع أولاده وأهله ، ويعزّ عليهم أن يأتوا بمثله ، وكان الذي تولى غسله خطيب البلد الفقيه الصالح ضياء الدين عبد الملك الدولعي. وكان الذي أحضر الكفن ومؤنة التجهيز هو القاضي الفاضل من صلب ماله الحلال ، هذا وأولاده الكبار والصغار يبرزون وينادون ويبكون وأخذ الناس في العويل والانتحاب والابتهال وابرز نعشه في تابوت بعد صلاة الظهر ، وأم الناس في الصلاة عليه قاضي القضاة محيي الدين محمد بن الزكي الشافعي ثم دفن في داره بالقلعة المنصورة ، وارتفعت الأصوات بالبكاء وعظم الضجيج ، حتى ان العاقل كان يتخيل أن الدنيا تضج

١٤٤

صوتا واحدا ، وتأسف الناس عليه حتى الفرنج ، لما كان عليه من صدق ووفائه إذا عاهد. وقال ابن شداد : وجد الناس عليه شبها بما يجدونه على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وما رأيت ملكا حزن الناس لموته سواه ، لأنه كان محببا يحبه البر والفاجر والمسلم والكافر ، وشرع ابنه في بناء تربة له ومدرسة للشافعية بالقرب من مسجد القدم لوصيته بذلك قديما ، فلم يكمل بناؤها ولم يتم ، وذلك حين قدم ولده العزيز ، وكان محاصرا لأخيه الأفضل ، فاشترى له الأفضل دارا شمالي الكلاسة في وراء ما زاده القاضي الفاضل في الكلاسة ، فجعلها تربة ، وبنى فيها قبة شمالي الجامع وهي التي شباكها القبلي أمام الكلاسة ، ونقله من القلعة اليها في يوم عاشوراء سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ، وصلى عليه تحت النسر قاضي القضاة محمد بن علي القرشي بن الزكي عن اذن الأفضل له ، ودخل في لحده ولده الأفضل فدفنه بنفسه وهو سلطان الشام ، ويقال إنه دفن معه سيفه الذي كان يحضر به الجهاد ، وذلك عن أمر القاضي الفاضل تفاؤلا بأن يكون يوم القيامة معه يتوكأ عليه حتى يدخل الجنة لما أنعم الله عليه تعالى من كسر الأعداء ونصر الأولياء ، ثم عمل عزاه في الجامع الأموي ثلاثة أيام بحضرة الخاص والعام رحمه‌الله تعالى. قال العماد الكاتب وغيره : لم يترك رحمه‌الله تعالى في خزانته من الذهب سوى دينار واحد صوري وستة وثلاثين درهما. قلت : وفي الروضتين في أخبار الدولتين لأبي شامة رحمه‌الله تعالى ، أن السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه‌الله تعالى لم يخلف في خزانته إلا سبعة وأربعين درهما ، ولم يترك دارا ولا عقارا ، ولا مزرعة ولا سقفا ، ولا شيئا من أنواع الأملاك ، هذا وله من الأولاد سبعة عشر ذكرا وابنة واحدة ، وتوفي له في بعض حياته غيرهم والذين تأخروا بعده ستة عشر ذكرا أكبرهم الملك الأفضل نور الدين علي ، ولد بمصر سنة خمس وستين ليلة عيد الفطر ، ثم العزيز عماد الدين أبو الفتح عثمان ، ولد بمصر أيضا في جمادى الأولى سنة سبع وستين ، ثم الظافر مظفر الدين أبو العباس الخضر ، ولد بمصر أيضا في نصف شعبان سنة ثمان وستين ، وهو شقيق الأفضل ، ثم الظاهر غياث الدين أبو منصور غازي ولد بمصر أيضا في نصف شهر رمضان

١٤٥

سنة ثمان وستين ، ثم العزيز فتح الدين أبو يعقوب إسحاق ، ولد بدمشق في شهر ربيع الأول سنة سبعين ، ثم المؤيد نجم الدين أبو الفتح مسعود ، ولد بدمشق سنة احدى وسبعين ، وهو شقيق العزيز : ثم الأعز شرف الدين أبو يوسف يعقوب. ولد بمصر سنة اثنتين وسبعين ، وهو شقيق العزيز أيضا ، ثم الزاهر مجد الدين (١) أبو سليمان داود ولد بمصر أيضا سنة ثلاث وسبعين ، وهو شقيق الظاهر ، ثم أبو الفضل قطب الدين موسى ، وهو شقيق الأفضل ، ولد بمصر أيضا سنة ثلاث وسبعين ، ثم نعت بالمظفر ، ثم الاشرف معز الدين أبو عبد الله محمد ، ولد بالشام سنة خمس وسبعين ، ثم المحسن ظهير الدين أبو العباس (٢) أحمد ، ولد بمصر ايضا سنة سبع وسبعين وهو شقيق الذي قبله ، ثم المعظم فخر الدين ابو منصور توران شاه ، ولد بمصر أيضا في شهر ربيع الأول سنة سبع وسبعين ، وتأخرت وفاته إلى سنة ثمان وخمسين وستمائة ثم الجواد ركن الدين أبو سعيد أيوب ، ولد سنة ثمان وسبعين وهو شقيق العزيز ، ثم الغالب نصير الدين أبو الفتح ملك شاه ، ولد في شهر رجب سنة ثمان وسبعين ، وهو شقيق المعظم ، ثم المنصور أبو بكر أخو المعظم لأبويه ، ولد بحران بعد وفاة السلطان ، وعماد الدين شاذي لأم ولد ، ونصرة الدين مروان لأم ولد أيضا ، وأما البنت فهي مؤنسة خاتون ، تزوجها ابن عمها الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب رحمهم‌الله تعالى أجمعين رحمهم أموات المسلمين ، وترجمته طويلة مشهورة ذكرها ابن خلكان رحمه‌الله تعالى في أربعين ورقة كبارا ، وقد ذكر الشيخ أبو شامة رحمه‌الله تعالى في كتاب الروضتين في أخبار الدولتين وكتاب الذيل عليها طرفا صالحا من سيرته وأيامه وعدله في سره وعلانيته وأحكامه. وقال أبو المظفر بن الجوزي رحمه‌الله تعالى : ذكره ابن شداد وأثنى عليه ، وحكى عنه العجائب ، ولم سكت أثنت عليه الحقائب. وقال ابن كثير رحمه‌الله تعالى : ومدة نور الدين وصلاح الدين متقاربة في السنين والأيام والعدل واجتناب الآثام ، وكلاهما لم يبلغ كل منهما ستين سنة وكم حصلا من فضيلة وسنة حسنة رحمهما‌الله تعالى انتهى.

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ١٤٨.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٦٧.

١٤٦

١٨٣ ـ الخانقاه النهرية

المشهورة بخانقاه عمر شاه ، وهي بأول شارع نهر القنوات ، ولي مشيختها والنظر عليها الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الحسيني الحنبلي الدمشقي المصري ، قال الأسدي رحمه‌الله تعالى في صفر سنة خمس وعشرين وثمانمائة : كان يقرأ المواعيد قراءة صحيحة فصيحة مليحة ، وولي امامة البراقية عند جامع دنكز وبها كان يسكن ، وولي مشيخة خانقاه عمر شاه والنظر عليها ، وعمل نقابة القاضي الباعوني شهاب الدين في سنة أربع وتسعين ، ثم انه سافر بعد الفتنة فيما أظن الى مصر وأقام بها ، وحصل له بها جهات تقوم به ، واشتهرت هناك ، وبلغني أنه عرض عليه قضاء الشام عدة نوب فلم يفعل ، وكان فاضلا في الحديث والعربية ، يحفظ كثيرا من السيرة النبوية والتفسير والأحاديث ، وقد قال شيخنا رحمه‌الله تعالى عند ذكر ولايته نقابة الباعوني : وهو أفضل من كثير من قضاة الشام مطلقا ومن الباقي في فهم معاني الكتاب والسنة والعربية وغير ذلك ، بلغني وفاته يوم الجمعة يوم عرفة بالديار المصرية ، وأظنه جاوز السبعين وصلي عليه بجامع الأموي صلاة الغائب في الجمعة الآتية انتهى. وولي مشيختها أيضا القاضي ناصر الدين محمد الحموي الدمشقي الحنفي المعروف بابن اللبودي اشتغل قليلا ودخل دمشق ، وجلس شاهدا بمركز باب الفرج ، فلما صارت الدولة للمؤيد ، ذهب المذكور الى مصر وناب في الحكم بها مدة. ثم عزل بالقاضي ناصر الدين البارزي ، ثم قدم دمشق ورتب له القاضي شهاب الدين بن العز شيئا لأنه كان فقيرا ، واستنابه مدة ثم عزله ، واستنابه القاضي شهاب الدين الصفدي مدة ثم افجع لم أر أي مستخلفه لا يلتفت إليه ، وكان في نفسه أنه قد احتيج اليه ، وكانت بضاعته مع العلم مزجاة ، ومع ذلك علق شيئا على ما نقله من الكتب من غير فهم ، وذكر أنه كان يقرأ ما يكتبه على مشايخه ، وكان له تصدير في الجامع وكان فقيرا جدا ، ودفن بباب الفراديس وقد جاوز السبعين أو قاربها. توفي رحمه‌الله تعالى في يوم الخميس ثامن عشر انتهى.

١٤٧

١٨٤ ـ الخانقاه اليونسية

بأول شرف العالي الشمالي ، غربي الخانقاه الطواويسية ، أنشأها الأمير الكبير الشرفي يونس داودار الظاهر برقوق في سنة أربع وثمانين وسبعمائة كما هو مكتوب على بابها ، وفي شهر ربيع الأول سنة خمس وثمانين المذكورة كما هو مكتوب في الداير داخلها ، ولعل الأول كان ابتداء الشروع في عمارتها والثاني انتهاؤها ، وذلك بنظر الكافلي بيدمر الظاهري ، وشرط في كتاب وقفها الأصلي أن يكون الشيخ بها والصوفية حنفية افاقية ، ولم يشرط في المختصر بكونهم أفاقية ، وشرط فيهما أن يكون الامام بها حنفيا وعشره من القراء. ووقف عليها الدكاكين خارج باب الفرج ، ثم احترقت في أيام الملك المؤيد شيخ فعمرها وأدخلها في وقفه ، وعوض الخانقاه بحمام العلاني خارج باب الفرج والفراديس ، والحمام بكفر عامر ، والآن آل اليها من وقف ذريته قطعة الأرض بسكة الحمام والقاعة لصيق الخانقاه ، وولي مشيختها الشيخ شمس الدين بن عزيز الحنفي ، وقد مرت ترجمته في المدرسة العزيزية ، ثم ولي مشيخة اليونسية الشيخ شمس الدين بن عوض الحنفي امام جامع يلبغا. قال تقي الدين ابن قاضي شهبة في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وثمانمائة اشتغل في الفقه على الشيخ شرف الدين بن منصور وغيره ، واشتغل في غير الفقه على جماعات. وكان يستحضر من الحاوي الصغير ، ولم يكن مبرزا في شيء وأم بجامع يلبغا مدة ، وولي مشيخة الخانقاه اليونسية ، وكان له تصدير بالجامع الأموي ، وربما جلس للاشتغال في بعض الأحيان وحصل له في آخر عمره غفلة شديدة ، توفي في ليلة الاثنين رابع عشره عن نحو سبعين سنة ، وترك ابنين لا يصلحان لصالحة وقررا في غالب جهاته فلا حول ولا قوة الا بالله انتهى.

١٥٨ ـ خانقاه مجهولة

رأيت في كتاب العبر في سنة تسع وتسعين وستمائة : وابن السفاري أمير الحاج عماد الدين يوسف ابن أبي النصر أبو الفرج الدمشقي حدث بالصحيح مرات ،

١٤٨

وروى لنا عن الناصح والاربلي وجماعة وحج مرات ، توفي في زمن التتار ووضع في تابوت ، فلما أمن الناس نقل الى النيرب ، ودفن بقبته التي في الخانقاه ، وله نحو من سبعين سنة انتهى. والله سبحانه وتعالى أعلم.

١٤٩

فصل

الرباطات

١٨٦ ـ الرباط البياني

داخل باب شرقي ، قال ابن شداد في ذكر الربط : رباط أبي البيان بناه بحارة درب الحجر انتهى. قال الذهبي في العبر : فيمن مات سنة احدى وخمسين وخمسمائة وأبو البيان بنا بن محمد بن محفوظ القرشي الشافعي الدمشقي الزاهد ويعرف بابن الحوراني سمع أبا الحسن علي بن الموازيني وغيره ، كان صالحا ملازما للعلم والمطالعة ، كثير المراقبة ، كبير الشأن ، بعيد الصيت ، صاحب أحوال ومقامات ، ملازما الأثر له تأليف ومجاميع ورد على المتكلمين ، وله أذكار مسجوعة ، وأشعار مطبوعة ، وأصحاب مريدون وفقراء بهديه يقتدون ، كان هو والشيخ رسلان شيخي دمشق عصرهما ، وناهيك بهما ، توفي في شهر ربيع الأول وقبره يزار بباب الصغير رحمه‌الله تعالى انتهى. ودفن بجانب الشيخ العالم الرباني الفندلاوي رحمه‌الله تعالى وقال الذهبي فيها ايضا في سنة خمس وثلاثين وستمائة : ومحمد بن نصر الدين بن عبد الرحمن بن محمد بن محفوظ القرشي الدمشقي شرف الدين ابن اخي الشيخ أبي البيان ، اديب شاعر صالح زاهد ، وولي مشيخة رباط أبي البيان ، وروى عن ابن عساكر توفي في شهر رجب رحمه‌الله تعالى انتهى.

١٨٧ ـ الرباط التكريتي

بالقرب من الرباط الناصري بقاسيون. قال ابن كثير في سنة سبعين وستمائة :

١٥٠

وجيه الدين محمد بن علي بن أبي طالب بن سويد التكريتي التاجر الكبير ابن سويد ذو الأموال الكثيرة ، وكان معظما عند الدولة ، ولا سيما عند الملك الظاهر ، كان يجله ويكرمه لأنه قد كان أسدى إليه جميلا في حال امرته قبل ان يلي السلطنة ، ودفن برباطه وتربته بالقرب من الرباط الناصري بقاسيون ، وكانت كتب الخليفة ترد إليه كل وقت ، وكانت مكاتباته مقبولة عند جميع الملوك ، حتى ملوك الفرنج في السواحل ، وفي أيام التتار وهولاكو ، وكان كثير الصدقات والبر انتهى رحمه‌الله تعالى انتهى.

١٨٨ ـ رباط صفية

قال البرزالي في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة من تاريخه في ترجمة بنت قاضي القضاة عبد الله بن عطاء الحنفي : إنها كانت شيخة رباط صفية القلعية جوار بيتنا بالقرب من المدرسة الظاهرية انتهى.

١٨٩ ـ رباط زهرة

بقرب حمام جاروخ بجوار دار الأمير مسعود ابن الست عذر صاحبة المدرسة ، ثم صارت هذه الدار للأمير جمال الدين موسى ابن يغمور.

وقد ذكر ابن شداد بعد ان ذكر هذه الربط المتقدمة رباطات أخر وهي :

١٩٠ ـ رباط طمان ، من امراء بني سلجوق تحت القلعة.

١٩١ ـ رباط جاروخ ، منسوب لجاروخ التركماني.

١٩٢ ـ رباط الغرس خليل ، كان واليا بدمشق.

١٩٣ ـ رباط المهراني بدرب المهراني.

١٩٤ ـ رباط البخاري عند باب الجابية.

١٩٥ ـ رباط السفلاطوني.

١٩٦ ـ رباط الفلكي.

١٩٧ ـ رباط بنت السلار ، داخل باب السلام.

١٥١

١٩٨ ـ رباط عذراء خاتون ، داخل باب النصر.

١٩٩ ـ رباط بدر الدين عمر.

٢٠٠ ـ رباط الحبشية ، بمحلة قصر الثقفيين ، يعني بمحلة المعينية.

٢٠١ ـ رباط أسد الدين شير كوه ، قبالة داره بدرب زرعة.

٢٠٢ ـ رباط القصاعين.

٢٠٣ ـ رباط بنت الدفين ، داخل المدرسة الفلكية.

٢٠٤ ـ رباط بنت عز الدين مسعود صاحب الموصل.

قلت زاد بعضهم :

٢٠٥ ـ الرباط الدواداري ، داخل باب الفرج ، ولي مشيخته نور الدين بن قوام.

٢٠٦ ـ الرباط الفقاعي ، بسفح قاسيون ذكره البرزالي في سنة خمس وثلاثين وستمائة.

فائدة : قال الشيخ كمال الدين الدميري (١) في باب الاحياء والأموات : والخانكاه بالكاف ، وهي بالعجمية دار الصوفية ، ولم يتعرضوا للفرق بينها وبين الزاوية والرباط ، وهو المكان المسبل للأفعال الصالحة والعبادة. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أدلكم على ما يمحو به الخطايا ويرفع الدرجات ، قلنا : بلى يا رسول الله قال :أسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة فذلكم الرباط» أو كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله تعالى : (وَرابِطُوا) قيل هي انتظار الصلاة بعد الصلاة ، ولم يكن في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غزو يرابط فيه انتهى.

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ٧٩.

١٥٢

فصل

الزوايا

٢٠٧ ـ الزاوية الأرموية

فوق الروضة بجبل قاسيون. قال الذهبي في العبر في سنة إحدى وثلاثين وستمائة : والشيخ عبد الله بن يونس الأرموي ، الزاهد القدوة ، صاحب الزاوية بجبل قاسيون ، كان صالحا ، متواضعا ، مطرحا للتكلف ، يمشي وحده ، ويشتري الحاجة ، وله أحوال ومجاهدات ، وقدم في الفقر ، توفي رحمه‌الله تعالى في شوال وقد شاخ انتهى. وقال فيها في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة في ترجمة الشيخ غانم بن علي المقدسي الزاهد ما عبارته : واتفق موته عند صاحبه الشيخ عبد الله الأرموي في غرة شعبان فدفن عنده انتهى. وقال فيها في سنة اثنتين وتسعين وستمائة : والأرموي الشيخ الزاهد ابراهيم ابن الشيخ القدوة عبد الله روى عن الشيخ الموفق وغيره ، توفي رحمه‌الله تعالى في المحرم وحضر جنازته ملك الأمراء والقضاة ، وحمل على الرءوس ، وكان صالحا خيرا متقيا قانتا لله انتهى. قال السيد الحسيني في ذيل العبر في سنة خمس وخمسين وسبعمائة : بالصالحية الشيخ الصالح المعمر القدوة علاء الدين علي بن ابراهيم بن الشيخ عبد الله الأرموي ، حدث عن الفخر بن البخاري في شوال ودفن بزاوية جده انتهى.

٢٠٨ ـ الزاوية الرومية الشرقية

بسفح قاسيون ، قال الشيخ الذهبي في العبر في سنة أربع وثمانين وستمائة : الشيخ الزاهد شرف الدين محمد ابن الشيخ الكبير عثمان بن علي صاحب الزاوية التي

١٥٣

بسفح قاسيون ، كان عجيبا في الكرم ، والتواضع ، ومحبة السماع ، توفي رحمه‌الله تعالى في جمادى الأولى وقد نيف على السبعين من السنين انتهى.

٢٠٩ ـ الزاوية الحريرية

ظاهر دمشق بالشرف القبلي ، قال الذهبي في العبر في سنة خمس وأربعين وستمائة : والشيخ علي الحريري أبو محمد ابن أبي الحسن علي بن مسعود الدمشقي الفقير ، ولد بقرية بسر من حوران ، ونشأ بدمشق ، وتعلم بها على الشيخ العتابي ثم تمفقر وعظم أمره ، وكثرت أتباعه ، وأقبل على المطيبة ، والراحة ، والسماعات ، والملاح ، وبالغ في ذلك ، فمن يحسن به الظن يقول : هو كان صحيحا في نفسه صاحب حال ، وتمكن ، ووصول ، ومن خبر امره رماه بالكفر والضلال ، وهو أحد من لا يقطع عليه بجنة ولا نار ، فإنا لا نعلم بما ختم له به ، لكنه توفي رحمه‌الله تعالى في يوم شريف يوم الجمعة قبيل العصر السادس والعشرين من شهر رمضان ، وقد نيف عن التسعين فجأة انتهى. وقال ابن كثير في سنة خمس وأربعين المذكورة : وممن توفي فيها من المشاهير ، الشيخ علي الحريري ابن أبي الحسن علي بن منصور البسري المعروف بالحريري ، أصله من قرية بسر شرقي زرع ، وأقام بدمشق مدة يعمل صنعة الحرير ، ثم ترك ذلك وأقبل يعمل الفقيري على يدي الشيخ علي المغربل ، تلميذ الشيخ أرسلان التركماني الجعبري فاتبعه طائفة من الناس يقال لهم الحريرية ، وابتنى لهم زاوية على الشرف القبلي ، وبدت منه أفعال أنكرها عليه الفقهاء ، كالشيخ عز الدين بن عبد السلام ، والشيخ تقي الدين بن الصلاح ، والشيخ أبي عمر ، وابن الحاجب شيخ المالكية وغيرهم ، فلما كانت الدولة الأشرفية سجنه بقلعة عزتا مدة سنين ثم أطلقه الصالح إسماعيل ، واشترط عليه ان لا يقيم بدمشق. فلزم بلده قرية بسر حتى كانت وفاته في هذه السنة انتهى. قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة في الذيل : وفي شهر رمضان توفي الشيخ علي المعروف بالحريري بقرية بسر في زاويته ، وكان يتردد إلى دمشق ، وتبعه طائفة من الفقراء وهم المعروفون بالحريرية أصحاب

١٥٤

الزي المنافي للشريعة ، وباطنهم شر من ظاهرهم إلا من رجع إلى الله تعالى منهم ، وكان عند هذا الحريري من الاستهزاء بأمور الشريعة والتهاون بها من اظهار شعار أهل الفسوق والعصيان شيء كثير ، وانفسد بسببه جماعة كثيرة من أولاد كبراء الدماشقة وصاروا على زي أصحابه ، وتبعوه بسبب انه كان خلع العذار ، يجمع مجلسه الغناء الدائم والرقص والمردان ، وترك الإنكار على ذلك فيما يفعله وترك الصلوات ، وكثرة النفقات وأضل خلقا كثيرا ، وأفسد جمعا غفيرا ، ولقد أفتى في قتله مرارا جماعة من علماء الشريعة ، ثم أراح الله تعالى منه ، هذا لفظه بحروفه انتهى كلام ابن كثير. وقال الصفدي رحمه‌الله تعالى في المحمدين من كتابه الوافي : محمد بن علي هو ابن الشيخ علي الحريري ، رجل صالح ، دين ، خير ، ومن محاسنه أنه كان ينكر على أصحاب والده ، ويأمرهم باتباع الشريعة ، ولما مات أبوه طلبوا منه الجلوس في المشيخة فطلب منهم شروطا لم يقدر أصحابه على اشتراطها ، فتركهم وانعزل عنهم ، توفي رحمه‌الله تعالى بدمشق في سنة إحدى وخمسين وستمائة ودفن عند الشيخ رسلان ، عاش سبعا وأربعين سنة والله أعلم انتهى.

٢١٠ ـ الزاوية الحريرية الأعقفية

بالمزة ، قال ابن كثير في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة : الشيخ احمد الأعقف الحريري شهاب الدين بن حامد بن سعيد التنوخي الحريري ، ولد سنة أربع وأربعين وستمائة ، واشتغل في صباه على الشيخ تاج الدين الفزاري في التنبيه ثم صحب الحريرية وخدمهم ، ولزم مصاحبة الشيخ نجم الدين ابن إسرائيل (١) ، وسمع الحديث ، وحج غير مرة ، وكان مليح الشكل ، كثير التودد إلى الناس ، حسن الأخلاق ، توفي يوم الأحد ثالث عشرين شهر رمضان بزاويته بالمزة ، ودفن رحمه‌الله تعالى بمقبرة المزة ، وكانت جنازته حافلة مشهودة انتهى.

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٥٩.

١٥٥

٢١١ ـ الزاوية الدهستانية

عند سوق الخيل بدمشق. قال ابن كثير في سنة عشرين وسبعمائة ، وممن توفي فيها من الأعيان الشيخ ابراهيم الدهستاني ، وكان قد أسن وعمّر وكان يذكر أن عمره حين أخذت التتار بغداد أربعون سنة ، وكان يحضر هو وأصحابه تحت قبة النسر إلى أن توفي ليلة الجمعة السابع والعشرين من شهر ربيع الآخر بزاويته التي عند سوق الخيل بدمشق ، ودفن بها رحمه‌الله تعالى ، وله من العمر مائة وأربع سنين كما قال هو ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب انتهى.

٢١٢ ـ الزاوية الحصنية

أنشأها الشيخ تقي الدين الحصني (١) بالشاغور ، وقف عليها وعلى ابن أخيه شمس الدين محمد وقفا الأمير سودون بن عبد الله التنبكي الدواداري في مرض موته ، لما ولي استاذه نيابة دمشق في أول سنة خمس وسبعين ، وكان دوادارا ثانيا ، فجعله دوادارا كبيرا في صفر سنة سبع وتسعين ، وباشر بعفة وعقل وسكون ، فلما مات السلطان الملك الظاهر في أواخر سنة إحدى وثمانمائة وعصى استاذه ، سافر إلى مصر في رسالة ، ورجع فأشار على استاذه بعدم العصيان ، فلم يلتفت إليه وعزله من دواداريته فلما جاء السلطان وانكسر تنبك ، أعطي امرة طبلخانه ، وشكره المصريون على صنيعه ، ثم ترك الإمرة وأقبل على الزراعة والغراس والاشتغال باستئجار الأرض وشرائها ، وحصل أملاكا جيدة كثيرة ، وكان عاقلا ساكنا متدينا ، توفي رحمه‌الله تعالى يوم الثلاثاء سادس عشر شوال سنة أربع وعشرين وثمانمائة ، وهو في عشر الستين ، ودفن بمقبرة الصوفية انتهى.

٢١٣ ـ الزاوية الدينورية

بسفح قاسيون ، قال الذهبي في العبر في سنة تسع وعشرين وستمائة : والشيخ

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ١٨٨.

١٥٦

عمر بن عبد الملك الدينوري الزاهد ، نزيل جبل قاسيون ، كان صاحب أحوال ومجاهدات واتباع ، وهو والد خطيب كفر بطنا جمال الدين (١) انتهى. وقال الأسدي في تاريخه الأعلام في السنة المذكورة : عمر بن عبد الملك بن ابراهيم الدينوري الزاهد ، نزيل جبل قاسيون ، كان شيخا زاهدا عابدا قانتا محببا ، منقطعا إلى عبادة الله تعالى عزوجل ، صاحب أحوال ومجاهدات ، له زاوية وأصحاب. قال الضياء : اجتمعت به بالبلاد ، وزرت شيخه ، وبدلالتي قدم الشام وسكن الجبل. قال الذهبي : وهو والد جمال الدين محمد الخطيب والإمام بقرية كفر بطنا ، مات رحمه‌الله تعالى في شعبان انتهى. وقال الذهبي في العبر في سنة خمس وثمانين وستمائة : والدينوري خطيب كفر بطنا الشيخ جمال الدين أبو البركات ابن القدوة العابد الشيخ عمر بن عبد الملك الصوفي الشافعي ، ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة بالدينور ، وقدم مع أبيه وله عشر سنين فسكن بسفح قاسيون ، وسمع الكثير ، ونسخ الأجزاء ، واشتغل وحصل ، وحدث عن ابن الزبيدي والناصح ابن الحنبلي وظائفه ، توفي رحمه‌الله تعالى في شهر رجب ، وكان دينا فاضلا عالما رحمه‌الله تعالى وأموات المسلمين انتهى.

٢١٤ ـ الزاوية الدينورية الشيخية

قال ابن كثير في سنة إحدى وستين وستمائة : الشيخ أبو بكر الدينوري ، هو باني الزاوية بالصالحية ، وكان له فيها جماعة مريدون يذكرون الله تعالى بأصوات حسنة طيبة انتهى.

٢١٥ ـ الزاوية السيوفية

بسفح قاسيون على نهر يزيد ، غربي دار الحديث الناصرية والعالمة : قال الذهبي رحمه‌الله تعالى في المختصر الذي هو أصغر من العبر : في سنة عشر وسبعمائة مات الشيخ السيوفي بزاويته التي بسفح قاسيون ، وهو نجم الدين عيسى بن شاه ارمن

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٩٣.

١٥٧

الرومي انتهى ، ولم يذكره في ذيل العبر ، وأوقف عليها وعلى ذرية الشيخ نجم الدين الملك الناصر قريتي عين الفيجة ودير مقرن بوادي بردى الثلث للزاوية والثلثان للذرية ، وبنى له ولجماعته بيوتا حولها رحمهم‌الله تعالى.

٢١٦ ـ الزاوية الداودية

بسفح قاسيون تحت كهف جبريل. أنشأها الشيخ الصالح العالم الرباني زين الدين عبد الرحمن ابن الشيخ أبي بكر بن داود القادري الصوفي الصالحي ، ميلاده سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة قال بعضهم : أنشأ هذه الزاوية التي لا نظير لها بدمشق ، وعمر خانا بقرية الحسينية من وادي بردى على طريق بعلبك وطرابلس يأوي إليه المسافرون ، وسهل وعزل عقبة دمر وغيرها من الطرق ، وعمر مدرسة أبي عمر بالصالحية لما كان ناظرا عليها ، وكذلك البيمارستان القيمري ، وكان ذا مكانة زائدة عند الحكام شاما ومصرا ، ذا نفع متعدد ، يساعد المظلوم والمظلومين عند الظلمة ويصدهم عنهم ، وكان يتردد إليه نائب الشام وأعيانها ، وكان مشاركا في علوم ، وله عدة مصنفات ، لم يأت الزمان من ابناء جنسه بمثله انتهى. توفي رحمه‌الله تعالى من غير علة ولا ضعف ليلة الجمعة تاسع عشرين شهر ربيع الآخر سنة ست وخمسين وثمانمائة عن نحو من ثلاث وسبعين سنة ، من غير ولد ذكر ، ودفن بزاويته هذه ، والذي في حفظي ان الذي أنشأها أي هذه الزاوية الداودية هو الشيخ أبو بكر والده وكانت وفاته رحمه‌الله تعالى سنة ست وثمانمائة انتهى.

٢١٧ ـ الزاوية السراجية

بالصاغة العتيقة داخل دمشق. قال السيد الحسيني في ذيله على العبر للذهبي فيمن توفي سنة أربع وستين وسبعمائة : وشيخنا الامام العلامة الزاهد القدوة بهاء الدين ابو الأدب هارون الشهير بعبد الوهاب بن عبد الرحمن بن عبد الولي الأخميمي المراغي المصري ثم الدمشقي الشافعي ، وكان عارفا

١٥٨

للمعقولات ، تخرج بالشيخ علاء الدين القونوي وروي لنا عن يونس بن ابراهيم الدبابيسي (١) : وألف أشياء منها (كتاب المنقذ من الزلل في القول والعمل) ، وكان يؤم بمسجد درب الحجر. توفي رحمه‌الله تعالى ودفن بزاوية ابن السراج بالصاغة العتيقة داخل دمشق بالقرب من سكنه انتهى.

٢١٨ ـ الزاوية الشريفية التغاراتية

شرقي المدرسة الناصرية الجوانية ، أنشأها السيد محمد الحسيني التغاراتي وكان يقيم وقته فيها ليلة الاربعاء ، مات رحمه‌الله تعالى ودفن بها انتهى.

٢١٩ ـ الزاوية الطالبية الرفاعية

يقصر حجاج. قال ابن كثير رحمه‌الله تعالى في سنة ثلاث وثمانين وستمائة : وممن توفي فيها من الاعيان الشيخ طالب الرفاعي بقصر حجاج ، وله زاوية مشهورة به ، وكان يزور بعض المريدين فمات انتهى.

٢٢٠ ـ الزاوية الوطية

شمالي جامع جراح ، برسم المغاربة على اختلاف أجناسهم ، بشرط أن لا يكون النازل بها مبتدعا ولا شريرا ، وقفها الرئيس علاء الدين علي المشهور بابن وطية الموقت بالجامع الاموي سنة اثنتين وثمانمائة ، ووقف عليها حوانيت وطباقا حولها ، وشرط على شيخها أن لا يكون بأبواب القضاة والحكام ، كذا وقفت على كتاب وقفها في أواخر جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعمائة ، وتعرف الآن بزاوية المغاربة انتهى.

٢٢١ ـ الزاوية الطيبية

شمالي القيمرية الكبرى. قال ابن كثير في سنة احدى وثلاثين وستمائة : الشيخ

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٩٢.

١٥٩

طي المصري ، أقام مدة بالشام في زاوية له بدمشق عند الرحبة التي يباع فيها الصناديق عند دار بني القلانسي شرقي حمام اسامة ، وكان ظريفا كيسا زاهدا ، يتردد اليه الاكابر ، مات رحمه‌الله تعالى ودفن بزاويته المشهورة والله اعلم.

٢٢٢ ـ الزاوية العمادية المقدسية

عند كهف جبريل بسفح قاسيون. قال شيخنا برهان الدين بن مفلح في طبقاته : أحمد بن ابراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور الشيخ الامام عماد الدين ابن الشيخ العماد المقدسي الصالحي ، سمع من ابي القاسم بن الحرستاني وابن ملاعب والشيخ موفق الدين ، ثم رحل الى بغداد متفرجا ، وله حظ من صيام وصلاة وذكر ، سمع منه المزي والبرزالي ، وأقام مدة بزاوية له بسفح قاسيون عند كهف جبريل ، وكف بصره في آخر امره ، توفي رحمه‌الله تعالى ودفن يوم عرفة عند قبر والده بالروضة سنة ثمان وثمانين وستمائة انتهى.

٢٢٣ ـ الزاوية الغسولية

بسفح قاسيون. قال الذهبي في ذيل العبر في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة : ومات بقاسيون شيخ الفقراء أبو عبد الله محمد بن ابي الزهر الغسولي عن ثلاث وثمانين سنة ، روى عن ابراهيم بن خليل حضورا ، وعن العماد ابن عبد الهادي وابن عبد الدايم وجماعة ، وله زاوية ومريدون رحمه‌الله تعالى انتهى.

٢٢٤ ـ الزاوية الفقاعية

بسفح قاسيون ، قال الذهبي في ذيل العبر في تسع وثلاثين وسبعمائة : والصواب سنة تسع وسبعين وستمائة والشيخ يوسف الفقاعي الزاهد ابن نجاح بن موهوب ، توفي رحمه‌الله تعالى في شوال ، ودفن بزاويته بسفح قاسيون ، وقد نيف على الثمانين ، وكان عبدا صالحا خائفا قانتا ، كبير القدر ، له أصحاب ومريدون انتهى.

١٦٠