الدّارس في تاريخ المدارس - ج ٢

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في تاريخ المدارس - ج ٢

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

جمادى الأولى سنة ست وتسعمائة دخل الدوادار الكبير بمصر طومان باي دمشق ، ودخل صحبته من مصر قاضي المالكية شمس الدين الطولقي وقد خلع عليه بخلعة حافلة ، ثم لما تسلطن طومان باي بدمشق وجلس على الكرسي دخل القضاة عليه يوم السبت ثاني جمادى الأولى المذكور دخل معهم الشمس بن يوسف الأندلسي المعزول عن قضاء المالكية وسلموا عليه ، فلما فرغوا وقاموا أمر الطولقي الذي أتى معه من مصر بالتزام بيته وإعادة الأندلسي المذكور مكانه ، ثم خرج لوداع السلطان المذكور الراجع إلى مصر ، وفي يوم الأربعاء سادس شعبان منها ورد الخبر من مصر إلى دمشق بعزل الشمس بن يوسف عن قضاء المالكية وإعادة الشمس الطولقي بتاريخ خامس عشرين شهر رجب منها ، وفي أثناء شعبان منها سافر الشمس الأندلسي المعزول إلى مصر ليسعى في عزل غريمه الطولقي ، وفي يوم الأحد ثالث عشري رمضان سنة ست وتسعمائة المذكورة شاع بدمشق ان ابن يوسف الذي كان قد عزل من قضاء المالكية في خامس عشرين شهر رجب منها بالطولقي ، قد أعيد إليها وعزل الطولقي منها وذلك في تاسع عشر شهر رمضان المذكور ، وانه لم يعط للسلطان طومان باي شيئا غير الفاتحة قرأها بعجلة وسرعة على قاعدة قراءة المغاربة ، وأن السلطان قال لكاتب السر ابن آجا : ومختصر الفاتحة أيضا؟ وأنه أرسل ليستناب في الحكم عن الشهاب الطرابلسي ، وأنه تصالح مع عبد النبي الذي كان سافر للشكوى عليه ، وفي بكرة يوم الخميس ثاني ذي الحجة منها دخل من مصر إلى دمشق قاضي المالكية بها الشمس بن يوسف الأندلسي المذكور ومعه خلعة لقاضي الشافعية ابن الفرفور ، وتلقاه نائب الغيبة جان بولاد والحاجب الكبير الفاجر إلى تربة تنم الحسيني بميدان الحصى قبل طلوع الشمس بساعة وقد مر أنه تولاها يوم تاسع عشر شهر رمضان منها ، وفي يوم الأربعاء مستهل شعبان سنة سبع وتسعمائة سافر قاضي المالكية ابن يوسف إلى مصر ، وفي أيام تشريفها أتى الشمس الطولقي المعزول الذي كان بمصر إلى دمشق وأخبر أنه اصطلح مع خصمه الشمس الأندلسي ، وأنه ولاه نائبا له ، فلم يمكن من الحكم لكونه ولاه في غير ولايته فولاه القاضي

٢١

الشافعي عنه واستمر هو بمصر ، وفي اثناء شوال سنة تسع وتسعمائة وردت الأخبار من مصر بعزل الطولقي المذكور ومنعه من الحكم ، وان محمد بن يوسف فقد ولم بعلم اين هو ، واشتهر بدمشق أنه غرق ، وبعضهم يقول خنق ، والطولقي إنما كان قد اذن له الشافعي في الحكم بدمشق ، ثم سافر الطولقي إلى مصر ، وفي يوم الاثنين ثاني عشر جمادى الأولى سنة عشر وتسعمائة دخل من مصر إلى دمشق الطولقي وقد أعيد إليها ، وفي ثاني عشر شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وتسعمائة تولى خير الدين أبو الخير محمد بن عبد القادر بن جبريل الغزي (١) وهو بغزة ، وعزل الشمس الطولقي ، وفي يوم الاثنين ثاني عشر جمادى الأولى وهو عشرون تشرين الأول دخل من غزة إلى دمشق قاضي المالكية الجديد خير الدين ومعه خلعة إلى دار العدل ، ثم ألبسه النائب أركماس الخلعة ثم ركب ودخل الجامع ، وقرىء توقيعه وتاريخه ثامن عشر شهر ربيع الأول كما تقدم.

__________________

(١) شذرات الذهب ٨ : ١٦٠.

٢٢

فصل

مدارس الحنابلة

١٤٤ ـ المدرسة الجوزية

قال عز الدين رحمه‌الله تعالى : هي بسوق القمح بالقرب من الجامع ، أنشأها محيي الدين ابن الشيخ جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي رحمه‌الله تعالى ورحمنا به بعد الثلاثين في أيام الملك الصالح عماد الدين انتهى. وقال الذهبي رحمه‌الله تعالى في تاريخه فيمن مات سنة ست وخمسين وستمائة : ومحيي الدين بن الجوزي الصاحب العلامة سفير الخلافة أبو المحاسن يوسف ابن الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد التيمي البكري الحنبلي البغدادي ، وهو استاذ دار المستعصم بالله ، ولد سنة ثمانين وخمسمائة وسمع من أبيه وذاكر ابن كامل (١) وابن يونس وطائفة ، وقرأ القراآت بواسطة علي ابن الباقلاني ، وكان كثير المحفوظ ، قوي المشاركة في العلوم ، وافر الحرمة ، ضربت عنقه هو وأولاده تاج الدين والمحتسب جمال الدين وشرف الدين في صفر. انتهى.

وقال تلميذه ابن كثير رحمه‌الله تعالى : ثم محيي الدين يوسف ، وكان أنجب أولاده وأصغرهم ، ولد سنة ثمانين ، ووعظ بعد أبيه ، واشتغل وحرر وأتقن وساد أقرانه ثم باشر حسبة بغداد ، ثم صار رسول الخلفاء إلى الملوك بأطراف البلاد ، ولا سيما إلى بني أيوب بالشام ، وقد حصل منهم من الأموال والكرامات ما ابتغى ، من ذلك بناء المدرسة الجوزية التي بالنشابين بدمشق ثم صار استاذ دار الخليفة المستعصم في سنة أربعين وستمائة ، واستمر مباشرها إلى أن قتل مع الخليفة

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٦.

٢٣

عام هولاكو بن تولي بن جنكيز خان. انتهى. وقال في سنة خمس عشرة وستمائة : وفهيا ولي حسبة الصاحب محيي الدين يوسف ابن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي ، وهو مع ذلك يذكر ميعاد الوعظ على قاعدة ابيه ، وشكرت مباشرته للحسبة انتهى. وقال في سنة ثلاث وعشرين ، وفيها قدم محيي الدين من بغداد في الرسلية إلى الملك المعظم بدمشق ، ومعه الخلع والتشاريف لأولاد العادل من الخليفة الظاهر بأمر الله ، إلى أن قال : وركب القاضي محيي الدين ابن الجوزي إلى الملك الكامل بالديار المصرية ، وكان ذلك أول قدومه إلى الشام ومصر ، وحصل له جوائز كثيرة من الملوك منها كان بناء المدرسة الجوزية بالنشابين من دمشق انتهى. ومثله قال الأسدي رحمه‌الله تعالى في السنة المذكورة وفي أولاد الملك الأشرف والملك المعظم والملك الكامل. ثم قال ابن كثير رحمه‌الله تعالى : ثم في سنة ست وخمسين وستمائة ، وممن قتل مع الخليفة واقف الجوزية بدمشق استاذ دار الخلافة الصاحب محيي الدين يوسف ابن الشيخ جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن حماد بن أحمد بن يعقوب بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النصر بن محمد بن أبي بكر الصديق ، المعروف بابن الجوزي القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي رحمه‌الله تعالى. ولد في ذي القعدة سنة ثمانين وخمسمائة ، ونشأ شابا حسنا ، وحين توفي والده رحمهما‌الله تعالى وعظ في موضعه فأجاد وأحسن وأفاد ، ثم تقدم وولي حسبة بغداد مع الوعظ الرائق والأشعار الحسنة الرائعة وولي تدريس الحنابلة بالمستنصرية سنة اثنتين وثلاثين وستمائة وكانت له مدارس أخر ، ولما ولي مؤيد الدين بن العلقمي الوزارة وشغر عنه الاستادارية وليها عنه محيي الدين هذا ، وانتصب ابنه عبد الرحمن للحسبة والوعظ فأجاد فيها وسار سيرة حسنة ، ثم كانت الحسبة تنتقل في بنيه الثلاثة جمال الدين عبد الرحمن ، وشرف الدين عبد الله ، وتاج الدين عبد الكريم ، وقد قتلوا معه في هذه السنة ، ولمحيي الدين هذا مصنف في مذهب الإمام احمد رضي الله تعالى عنه ، وذكر له ابن الساعي أشعارا حسنة يهنئ بها الخليفة في المواسم والأعياد تدل على فضيلة تامة وفصاحة بالغة. وقد وقف المدرسة الجوزية بدمشق

٢٤

وهي من أحسن المدارس وأوجهها تقبل الله منه وأثابه الرحمة والجنة وإيانا وجميع المسلمين أجمعين آمين انتهى. ثم قال عز الدين البغدادي : ثم من بعده الشيخ عز الدين بن التقي سليمان ، ثم من بعده الشيخ شمس الدين خطيب الجامع وهو مستمر بها إلى الآن انتهى. وقال الذهبي في العبر فيمن مات سنة تسع وخمسين وستمائة ، والشرف حسن ابن الحافظ أبي موسى عبد الله ابن الحافظ عبد الغني أبو محمد المقدسي الحنبلي ، ولد سنة خمس وستمائة ، وسمع من الكندي ومن بعده ، وبرع في المذهب ودرس بالجوزية مدة توفي رحمه‌الله تعالى في المحرم انتهى ، زاد أبو شامة وكان خيرا توفي في ثامن المحرم بدمشق ودفن بسفح قاسيون ، وقال الصفدي رحمه‌الله تعالى ، الحسن بن عبد الله بن الحافظ عبد الغني ابن عبد الواحد الإمام شرف الدين أبو محمد بن الجمال أبي موسى المقدسي الحنبلي رحمه‌الله تعالى ، ولد سنة خمس وستمائة ، وتوفي سنة تسع وخمسين وستمائة ، وسمع من الكندي ، وابن الحرستاني ، وابن ملاعب ، وموسى بن عبد القادر وابن راجح ، والشيخ الموفق وتفقه عليه وعلى غيره رحمهم‌الله تعالى ، وأتقن المذهب وأفتى ودرس ، ورحل في طلب الحديث ، ودرس بالجوزية ، وكتب عنه الدمياطي والأبيوردي (١) وروى عنه ابن الخباز ، وابن الزراد ، والقاضي تقي الدين سليمان ، وولي القضاء ولده شهاب الدين وناب عنه أخوه شرف الدين انتهى ، وفيه نظر فإن الذي تولى القضاء إنما هو شرف الدين عبد الله ابنه واستناب ابن أخيه التقي عبد الله كما سيأتي. وقال شيخنا ابن مفلح الحسن بن محمد بن سليمان بن حمزة المقدسي أقضى القضاة بدر الدين ابن قاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين ، سمع من جده ومن عيسى المطعم ، ويحيى بن سعد وغيرهم ، وحدث ودرس بدار الحديث الأشرفية بسفح الجبل ، وقيل كان يحفظ شيئا من شرح المقنع للشيخ شمس الدين أبي محمد بن أبي عمر رحمه‌الله تعالى مقدار جهده ، ويلقيه في التدريس ، ويتكلم الحاضرون فيه ، قال ابن رافع رحمه‌الله تعالى : ودرس بالجوزية ، وكان له نصف تدريسها ، وناب في الحكم عن

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٢٥.

٢٥

ابن قاضي الجبل بعد عزله لصلاح الدين بن المنجا ، وقد أعيد بعد وفاته رحمه‌الله تعالى ، ومات ليلة الخميس خامس شهر ربيع الأول سنة سبعين وسبعمائة ودفن بسفح قاسيون انتهى.

وقد مرت له ترجمة في دار الحديث الاشرفية الصالحية من كلام الصفدي رحمه‌الله تعالى. وقد اشتهرت قضاة الحنابلة بهذه المدرسة ، وأول من ولي قضاءهم بدمشق الامام ابو محمد شيخ الجبل شمس الدين ابن أبي عمر رحمهم‌الله تعالى ، وقد مرت ترجمته باختصار في دار الحديث المذكورة ، وله ترجمة طويلة في الطبقات لابن مفلح رحمه‌الله تعالى. قال بعضهم : وكان رحمة للمسلمين ، ولولاه لراحت املاك الناس لمّا تعرض اليها السلطان فقام فيها قيام المؤمنين ، وعاداه جماعة الحكام ، وتحدثوا فيه بما لا يليق ، ونصره الله سبحانه وتعالى عليهم بحسن نيته. وأخذ عنه الشيخ النواوي رحمهما‌الله تعالى ، وكان يقول هو اجل شيوخي ، وتولى قضاء الحنابلة مدة تزيد على اثنتي عشرة سنة ولم يتناول عليه معلوما ، ثم عزل نفسه في آخر عمره ، وبقي قضاء الحنابلة شاغرا مدة حتى وليه ولده نجم الدين أحمد ، مولده سنة احدى وخمسين وستمائة ، وسمع حضورا من خطيب مردا ، وسمع من ابراهيم بن خليل ، وابن عبد الدائم كان شابا مليحا مهيبا تام الشكل ، ليس له من اللحية الا شعرات يسيرة ، وكان له مع القضاء خطابة بالجبل ، وامامة بحلقة الحنابلة ، وكان حسن السيرة في احكامه ، مليح الدرس له قدرة على الحفظ ، وله مشاركة جيدة في العلوم ، تولى القضاء في ايام والده لما عزل نفسه كما تقدم ، توفي رحمه‌الله تعالى في ثالث جمادى الاولى سنة تسع وثمانين وستمائة ، ودفن عند والده في مقبرة جده رحمهم‌الله تعالى ، عاش ثماني وثلاثين سنة ، وقول ابن كثير رحمه‌الله تعالى عاش أربعين سنة سهو ووهم فتأمله. ثم تولى بعد نجم الدين المذكور ابن عمه شرف الدين الحسن بن عبد الله بن قدامة رحمهم‌الله تعالى ، وهو المقدسي الاصل ، ثم الصالحاني ، قاضي القضاة شرف الدين أبو الفضل ابن الخطيب شرف الدين بن أبي بكر ابن شيخ الاسلام أبي عمر رحمه‌الله تعالى ، سمع من جماعة منهم ابن مسلمة ، تفقه وبرع في

٢٦

المذهب ، وشارك في الفضائل ، وولي القضاء بعد نجم الدين أحمد يعني ابن عمه. قال ابن كثير رحمه‌الله تعالى في سنة تسع وثمانين وستمائة : وفيها باشر الشرف حسن قضاء الحنابلة عوضا عن ابن عمه نجم الدين ابن شيخ الجبل ، عن مرسوم الملك المنصور قبل موته انتهى. واستمر الى حين وفاته ، وقال البرزالي رحمه‌الله تعالى : كان قاضيا بالشام ، ومدرسا بدار الحديث الاشرفية ومدرسة جده ، وكان مليح الشكل ، حسن المناظرة ، كثير المحفوظ ، عنده فقه ونحو ولغة ، مات رحمه‌الله تعالى ليلة الخميس ثاني عشر شوال سنة خمس وتسعين وستمائة وله تسع وخمسون سنة كما قال في العبر ، ودفن بمقبرة جده ، وحضر جنازته النائب والقضاة والأعيان ، وعمل له صبيحة بكرة الجمعة بالجامع المظفري ، وحضر خلق كثير ، وهو والد الشيخ شرف الدين أحمد ابن قاضي الجبل ، الذي تولى القضاء في شهر رمضان سنة سبع وستين وسبعمائة ، بعد موت جمال الدين المرداوي (١) واستمر فيه إلى أن مات كما سيأتي وقد مرت ترجمته في دار الحديث الاشرفية الصالحية من كلام الصفدي وغيره رحمهما‌الله تعالى. ثم تولى بعد شرف الدين المذكور الشيخ تقي الدين سليمان بن حمزة بن احمد بن عمر بن الشيخ ابي عمر محمد بن احمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الصالحي الشيخ الامام العلامة قاضي القضاة تقي الدين ابو الفضل رحمهم‌الله تعالى. قال الصفدي رحمه‌الله تعالى في الوافي : ولد في نصف شهر رجب. قال ابن كثير رحمه‌الله تعالى : في سنة ثمان وعشرين وستمائة ، سمع الصحيح حضورا في الثانية (٢) من ابن الزبيدي ، وسمع صحيح مسلم وما لا يوصف كثرة من الحافظ ضياء الدين ربما عنده عنه ستمائة جزء ، وسمع حضورا من جده الجمال ، وابن المقير وابي عبد الله الاربلي ، وسمع من ابن اللتي ، وجعفر الهمداني ، وابن الجميزي وكريمة الميطورية وعدة غيرهم. واجاز له محمد بن عمار (٣) ، وابن باقا (٤) ، والمسلم المازني (٥) ، ومحمود بن

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٢١٧.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٤٤.

(٣) شذرات الذهب ٥ : ١٥٥.

(٤) شذرات الذهب ٥ : ١٣٥.

(٥) شذرات الذهب ٥ : ١٤٧.

٢٧

منده ، ومحمد بن عبد الواحد المديني (١) ، ومحمد بن زهير شعوانه (٢) ، وأبو حفص السهروردي (٣) ، والمعافا ابن ابي السنان ، والمقري ابن عيسى (٤) وخلق كثير رحمهم‌الله تعالى. قال البرزالي : هم بالسماع نحو مائة شيخ ، وبالاجازة اكثر من سبعمائة شيخ. قال الصفدي رحمه‌الله تعالى وخرج له ابن المهندس (٥) مائة حديث ، وخرج له شمس الدين جزءا في مصافحات وموافقات ، وخرج له ابن الفخر معجما ضخما ، وتفرد في عصره ، ورحل إليه ، وروى الكثير لا سيما بقراءة الشيخ علم الدين البرزالي ، زاد بعضهم : وحدث بثلاثيات البخاري وبجميع صحيح مسلم ، وسمع منه جماعة منهم ابن الخباز. وتوفي قبله ، قال الصفدي رحمه‌الله تعالى : وتفقه بالشيخ شمس الدين بن ابي عمر وصحبه مدة وبرع في المذهب ، وتخرج به الاصحاب ، وله معرفة بتآليف الشيخ موفق الدين وأقرأ المقنع وغيره ، ودرس بعدة مدارس ، وكان جيد الادراك والايراد لدرسه يحفظه من ثلاث مرات ، وولي القضاء عشرين سنة ، ومن تلاميذه ولده قاضي القضاء عز الدين وقاضي القضاة ابن مسلم ، والامام عز الدين محمد بن العز ، والامام شرف الدين أحمد القاضي (٦) وطائفة رحمهم‌الله تعالى أجمعين ، وسمع منه المزي وابن تيمية وابن المحب ، والواني والعلائي صلاح الدين (٧) ، وابن رافع ، وابن خليل وعدد كثير رحمهم‌الله تعالى وعزل سنة تسع عن القضاء بالقاضي شهاب الدين ابن الحافظ (٨) عزله الجاشنكير (٩) ، ثم ولي القضاء لما جاء الملك الناصر من الكرك واجتمع به فولاه ، وقرأ طرفا من العربية وتعلم الفرائض والحساب ، وحفظ الاحكام لعبد الغني والمقنع ، وكان اذا أراد أن يحكم قال : صلوا على طه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإذا صلوا حكم رحمه‌الله تعالى انتهى ، قال ابن كثير رحمه‌الله تعالى في تاريخه في سنة خمس وتسعين وستمائة : وفي يوم الاحد سادس عشر ذي القعدة ولي

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ١٥٥.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٥٥.

(٣) شذرات الذهب ٥ : ١٥٣.

(٤) شذرات الذهب ٥ : ١٣٢.

(٥) شذرات الذهب ٦ : ١٠٥.

(٦) شذرات الذهب ٦ : ١٥٧.

(٧) شذرات الذهب ٦ : ١٩٠.

(٨) شذرات الذهب ٦ : ٢١.

(٩) شذرات الذهب ٦ : ١٨.

٢٨

قضاء الحنابلة الشيخ تقي الدين سليمان بن حمزة المقدسي عوضا عن شرف الدين رحمه‌الله تعالى انتهى ، وقال في سنة سبع وتسعين وستمائة : وفي شهر ربيع الأول درس بالجوزية عز الدين ولده ، وحضر عنده إمام الدين القاضي الشافعي وأخوه جلال الدين وجماعة من الفضلاء رحمهم‌الله تعالى ، وبعد التدريس جلس وحكم. عن أبيه بإذنه له. وقال في سنة تسع وتسعين وستمائة : وفي مستهل جمادى الآخرة وصل بريدي بتولية قضاء الحنابلة بدمشق للشيخ شهاب الدين أحمد بن شرف الدين حسن ابن الحافظ جمال الدين أبي موسى عبد الله ابن الحافظ عبد الغني المقدسي عوضا عن التقي سليمان بن حمزة بسبب تكلمه في نزول الملك الناصر عن الملك يعني لجاشنكير وإنه إنما نزل عنه مضطرا إلى ذلك ليس بمختار ، وقد صدق فيما قال انتهى. والقاضي شهاب الدين المشار اليه هو أحمد بن حسن بن عبد الله بن عبد الواحد المقدسي ثم الصالحي الفقيه قاضي القضاة شهاب الدين ابن الشيخ شرف الدين ، سمع من ابن عبد الدائم وبرع ، وتفقّه في المذهب ، وأفتى ، ودرّس بالصالحية ، وبحلقة الحنابلة بالجامع الأموي ، وتولى القضاء نحو ثلاثة أشهر من سنة تسع وتسعين في دولة اليشبكي ، ثم عزل لما عاد الملك الناصر إلى الملك ، وأعيد القاضي سليمان. قال البرزالي : كان رجلا جيدا من أعيان الحنابلة وفضلائهم ، مات في تاسع عشرين شهر ربيع الأول سنة عشر وسبعمائة ، ودفن بمقبرة الشيخ أبي عمر رحمه‌الله تعالى : وكان عود الملك الناصر لدمشق في يوم السبت الثاني والعشرين من شعبان سنة تسع وتسعين المذكورة. قال ابن كثير رحمه‌الله تعالى : وفي هذا اليوم رسم السلطان بتقليد قضاء الحنابلة وعوده إلى تقي الدين سليمان ، وجاء إلى السلطان الى القصر فسلم عليه ، ومضى إلى الجوزية فحكم بها ثلاثة أشهر انتهى. واستمر بالقضاء إلى أواخر سنة خمس عشرة فتوفي فجأة بعد مرجعه من البلد وحكمه بالجوزية ، فلما وصل إلى منزله بالدير تغيرت حاله ومات عقب صلاة المغرب ليلة الاثنين حادي عشرين ذي القعدة. قال الذهبي رحمه‌الله تعالى : وله ثمان وثمانون سنة ، وكان مسند الشام في وقته ، ودفن من الغد بتربة جده رحمهم‌الله تعالى ، وحضره خلق كثير وجم غفير ، ثم تولى بعد تقي الدين المذكور القاضي ابن مسلم

٢٩

بتشديد اللام وهو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مسلم بن مالك بن مزروع بن جعفر الزيني الصالحي الفقيه قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد ، مولده كما قال ابن كثير سنة ستين وستمائة ، ومات أبوه وكان من الصالحين سنة ثمان وستين ، فنشأ يتيما فقيرا لا مال له ، ثم اشتغل وحضر على ابن عبد الدائم ، وعني بالحديث ، وتفقّه وبرع وأفتى ، وتصدى للاشتغال والافادة ، فطار ذكره واشتهر اسمه مع الديانة والورع والزهد ، فلما مات التقى سليمان ذكر للقضاء والنظر في أوقافهم ، فتوقف في القبول ، ثم استخار الله تعالى وقبل بعد ان شرط أن لا يلبس خلعة حرير ، ولا يركب في المواكب ، ولا يقتني مركوبا ، فأجيب إلى ذلك ، ثم لبس الخلعة وتوجه الى الجامع الأموي ماشيا ومعه الأعيان ، فقريء تقليده في سادس عشر صفر سنة ست عشرة وسبعمائة ، وتاريخ تقليده في سادس ذي الحجة بحضور القضاة والحاجب والأعيان ، ومشوا معه وعليه الخلعة إلى دار السعادة ، فسلم على النائب ، ثم خلع الخلعة وتوجه الى الصالحية ، ثم نزل من الغد الى الجوزية ، فحكم بها على عادة من تقدمه ، واستناب بعد أيام الشيخ شرف الدين ابن الحافظ ، وكان من قضاة العدل ، مصمما في الحق ، وقد حدث وسمع منه جماعة ، وخرج له المحدثون تخاريج عدة ، وحج ثلاث مرات ثم لما حج الرابعة في سنة ست وعشرين مرض في الطريق بعد رحيلهم من العلا ، فورد المدينة الشريفة على مشرفها أفضل الصلاة وأزكى السلام يوم الاثنين ثالث وعشرين ذي القعدة وزار الضريح النبوي على الحال به الف الف سلام وصلى في مسجده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان بالأشواق إلى ذلك ، وكان قد تمنى موته هناك لما مات رفيقه في بعض الحجات وهو شرف الدين بن نجيح ، ودفن بالبقيع شرقي ابن عقيل رضي الله تعالى عنه وغبطه بذلك ، فلما كان عشية ذلك اليوم ليلة الثلاثاء رابع عشرين الشهر المذكور توفي رحمه‌الله وصلي عليه في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالروضة ودفن بالبقيع الى جانب قبر رفيقه شرف الدين بن نجيح المذكور فرحمة الله تعالى عليهما ، وقد ذكر له الصفدي رحمه‌الله تعالى في كتابه الوافي ترجمة مهمة ، ثم تولى بعد ابن مسلّم المذكور القاضي عز الدين محمد ابن قاضي القضاة تقي الدين ابن قاضي القضاة سليمان المتقدم ذكره ، سمع الحديث ،

٣٠

وناب عن والده في شهر ربيع الاول سنة سبع وتسعين ، ودرس بالجوزية كما تقدم في ترجمة والده بعد أن كان والده يدرس بها فتركه له في حياته ، وكتب على الفتوى ودرس بعد والده بدار الحديث الاشرفية بالسفح ، ثم ولي القضاء بعد ابن مسلّم المتقدم قبله ، وقريء تقليده في يوم الجمعة تاسع عشر ربيع الاول سنة سبع عشرة بمقصورة الخطابة ، بحضرة القضاة والأعيان ، وحكم وكان قبل ذلك قريء اي تقليده بالصالحية. قال ابن كثير رحمه‌الله تعالى : وكان ذا فضل وعقل وحسن خلق وتودد رحمه‌الله تعالى.

قال الذهبي رحمه‌الله تعالى : وروى عن الشيخ وعن ابي بكر الهروي رحمهما‌الله تعالى ، وبالاجازة عن ابن عبد الدائم رحمه‌الله تعالى ، وكان متوسطا في العلم والحكم متواضعا ، مات رحمه‌الله تعالى ، في تاسع صفر سنة احدى وثلاثين وسبعمائة بالجوزية هذه ، وله ست وثلاثون سنة ، وكان عاقلا ، ثم تولى بعده القاضي شرف الدين عبد الله بن شرف الدين حسن ابن الحافظ أبي موسى عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الفقيه المحدث قاضي القضاة شرف الدين ابو محمد ولد سنة ست واربعين ، وسمع من مكي بن علان ومحمد بن عبد الهادي وابراهيم بن خليل وغيرهم واجاز له جماعة وطلب بنفسه وقرأ على ابن عبد الدايم وتفقه وناب في الحكم عن أخيه ثم عزل عن ابن مسلم ثم ولي القضاء في آخر عمره بعد عز الدين بن التقي فوق سنة ، ودرس بالصالحية ، وولي مشيخة دار الحديث بالصدرية والعالية ، ثم بدار الحديث الأشرفية بالسفح ، وكان فقيها عالما صالحا خيرا منفردا بنفسه ذا فضيلة جيدة ، حدث وسمع منه الذهبي وغيره. قال ابن كثير رحمه‌الله تعالى في احدى وثلاثين : وفي يوم الخميس آخر شهر ربيع الاول لبس القاضي شرف الدين عبد الله بن شرف الدين حسن ابن الحافظ أبي موسى ابن الحافظ عبد الغني المقدسي خلعة قضاء الحنابلة عوضا عن عز الدين بن التقي سليمان لما توفي رحمه‌الله تعالى ، وركب من دار السعادة الى الجامع الاموي ، فقريء تقليده تحت قبة النسر بحضرة القضاة والأعيان ، ثم ذهب الى المدرسة الجوزية فحكم بها ، ثم ذهب الى الصالحية وهو لابس الخلعة ، واستتاب يومئذ ابن

٣١

اخيه التقي عبد الله بن شهاب الدين احمد انتهى. توفي رحمه‌الله تعالى فجأة وهو يتوضأ لصلاة المغرب آخر نهار الأربعاء مستهل جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة بمنزله بالدير بعد ان حكم يومئذ بالجوزية ، قال الذهبي رحمه‌الله تعالى في المختصر : عن ست وثمانين سنة وهو الصواب لما قاله في أنه عاش ثماني وثمانين سنة ، ودفن بمقبرة أبي عمر رحمه‌الله تعالى ، وحضره خلق كثير ، ثم تولى بعده القاضي علاء الدين علي ابن الشيخ زين الدين منجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا ، هو الشيخ الامام العلامة قاضي القضاة علاء الدين علي أبو الحسن التنوخي الدمشقي ولد سنة سبعة وسبعين وستمائة ، وسمع أباه وابن البخاري وأحمد بن شيبان (١) وطائفة استوعبهم ابن سعد في معجم خرجه له ، وتفقه بأبيه وغيره. وافتى ودرس ، وولي قضاء الحنابلة بعد وفاة شرف الدين بن التقي المذكور

قال ابن كثير رحمه‌الله تعالى في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة : وفي يوم الأربعاء حادي عشر شهر رجب خلع على قاضي القضاة علاء الدين علي بن الشيخ زين الدين المنجا بقضاء الحنابلة عوضا عن شرف الدين ابن الحافظ ، وقرأ تقليده بالجامع وحضره القضاة والاعيان ، وفي اليوم الثاني استناب برهان الدين الزرعي وحدث بالكثير انتهى. قال الشيخ زين الدين بن رجب (٢) رحمه‌الله تعالى انه قرأ عليه الاحاديث التي رواها مسلم في صحيحه عن الامام أحمد رحمهم‌الله تعالى بسماعه للصحيح من أبي عبد الله محمد بن عبد السلام بن ابي عصرون باجازة من المؤيد الطوسي رحمهم‌الله تعالى ، توفي رحمه‌الله في شعبان سنة خمسين وسبعمائة بدمشق ، ودفن بسفح قاسيون. قال الحسيني رحمه‌الله تعالى في ذيل العبر : ولي القضاء بعد ابن الحافظ فشكرت سيرته ، وكان رجلا وافر العقل حسن الخلق كثير التودد رحمه‌الله تعالى ، توفي في ثامن شعبان ، وولي بعد القاضي جمال الدين المرداوي انتهى. والقاضي جمال الدين المذكور هو يوسف بن محمد ابن التقي عبد الله بن محمد بن محمود وهو جد بيت ابن مفلح الشيخ الامام العالم

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٤١.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٣٣٩.

٣٢

العلامة الصالح الخاشع قاضي القضاة جمال الدين المرداوي رحمه‌الله تعالى ، سمع صحيح البخاري من أبي بكر بن عبد الدايم وابن الشحنة ووزيرة ، وبعضه عن فاطمة بنت عبد الرحمن الفرا وقاضي القضاة تقي الدين سليمان بن حمزة ، وشرح عليه كتاب المقنع ولازم قاضي القضاة شمس الدين بن مسلم إلى حين وفاته ، وأخذ النحو عن نجم الدين بن القحفازي وباشر وظيفة قضاء الحنابلة بالشام سبع عشرة سنة بعد موت القاضي علاء الدين علي بن المنجا في شهر رمضان سنة خمسين بعد تمنع زائد وشروط شرطها عليهم ، واستمر الى ان عزل في شهر رمضان سنة سبع وستين بالقاضي شرف الدين أحمد ابن قاضي الجبل ، وذلك لخيرة عند الله تعالى.

قيل أنه كان يدعو الله تعالى أن لا يتوفاه وهو قاض فاستجاب الله تعالى دعاءه. وقال الذهبي رحمه‌الله تعالى في (المعجم المختص) في حقه : الامام المفتي الصالح أبو الفضل شاب خير ، إمام في المذهب : نسخ الميزان بخطه ، وله اعتناء بالمتن والاسناد. وقال الشيخ شهاب الدين بن حجي السعدي رحمه‌الله تعالى : كان عفيفا ، نزها ، ورعا ، صالحا ، ناسكا ، خاشعا ذا سمعت حسن ووقار ، ولم يغير ملبسه ولا هيأته ، ويركب الحمارة ، ويفصل الحكومات بسكون ، ولا يحابي أحدا ، ولا يحضر مع النائب إلا يوم دار العدل ، وأما في العيد والمحمل فلا يركب ، وكان مع ذلك عالما بالمذهب لم يكن فيهم مثله مع فهم حسن وكلام جيد في النظر والبحث ، ومشاركة في الأصول والعربية ، وجمع كتابا فيه أحاديث الأحكام حسنا ، وكان قبل القضاء يتصدر بالجامع المظفري للاشتغال والفتوى ، لم يتفق لي السماع منه ، ولكن أجاز لي انتهى. وقال قاضي القضاة برهان الدين بن مفلح رحمه‌الله تعالى في طبقاته : وقد أجاز لجملة قال الشيخ شرف الدين وأخوته وجماعة آخرين ، وكتابه هذا أسماه (الانتصار) وبوبه على أبواب المقنع وهو محفوظنا. قال ابن حبيب في تاريخه : عالم ، علمه ظاهر ، وبرهان ورعه ظاهر ، وإمام تتبع طرائقه ، وتغتنم ساعاته ودقائقه ، كان لين الجانب ، متلطفا بالطالب ، رضي الأخلاق ، شديد الخوف والاشقاق ، عفيف اللسان ، كثير التواضع والاحسان ، لا يسلك في ملبسه مسلك أبناء الزمان ، ولا يركب حتى إلى دار

٣٣

الأمارة غير الأتان. تولى الحكم بدمشق عدة أعوام ، ثم صرف واستمر الى أن لحق بالسالفين من العلماء والأعلام ، وناب له صهره القاضي الامام العالم العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح المقدسي رحمه‌الله تعالى ، فشكرت سيرته وأحكامه ، افتى ودرس ، وناظر وصنف وأفاد. وكان ذا حظ من زهد وتعفف ، وله صيانة وورع ثخين ، ودين متين ، حدث عن عيسى المطعم وغيره ، توفي رحمه‌الله تعالى بالصالحية في شهر رجب سنة ثلاث وستين وسبعمائة عن إحدى وخمسين سنة انتهى. وناب عن جمال الدين المرداوي ابن أخيه : الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن التقي (١) من حين توجه الى الحج سنة ستين ، واستمر يحكم عنه سبع سنين إلى أن عزل مستخلفه ، توفي جمال الدين المذكور يوم الثلاثاء ثامن شهر ربيع الأول سنة تسع وستين وسبعمائة بالصالحية وصلي عليه بعد الظهر بالجامع المظفري ، ودفن بتربة شيخ الاسلام موفق الدين في الروضة بسفح قاسيون ، وحضره جمع كثير رحمه‌الله تعالى ، ثم تولى بعده شرف الدين ابن قاضي الجبل هو أحمد ابن قاضي القضاة شرف الدين حسن الذي تقدم أوائل القضاة بدمشق ، ولد في الساعة الاولى من يوم الاثنين تاسع شعبان سنة ثلاث وتسعين وستمائة ، وكان من أهل البراعة والفهم ، متفننا عالما بالحديث وعلله ، والنحو واللغة والأصلين والمنطق ، وكان في الفروع له القدم العالي ، قرأ على الشيخ تقي الدين عدة مصنفات في علوم شتى ، وقرأ عليه المحصل للرازي ، وأفتى في شبيبته وأذن له بالافتاء هو وغيره ، وسمع في صغره من اسماعيل الفراء (٢) ومحمد ابن الواسطي ، ثم طلب بنفسه بعد العشر وسبعمائة فسمع من القاضي تقي الدين سليمان وأجازه والده والمنجا التنوخي وابن القواس وابن عساكر ، وخرج له المحدث شمس الدين مشيخة عن ثمانية عشر شيخا حدث بها ، ودرس بعدة مدارس ، ثم طلب في آخر عمره الى مصر للتدريس بمدرسة السلطان حسن ، وولي مشيخة سعيد السعداء ، وأقبل عليه أهل مصر وعنه أخذوا ، ثم عاد إلى الشام وأقام بها مدة يدرس ويشتغل ويفتي ورأس على أقرانه

__________________

(١) شذرات الذهب ٦ : ٣٠٤.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٨٩.

٣٤

الى ان ولي القضاء بعد قاضي القضاة جمال الدين المذكور قبله في شهر رمضان سنة سبع وستين وسبعمائة ، فباشره مباشرة لم يحمد فيها ، وكان عنده مداراة وحب للمنصب ، ووقع بينه وبين الحنابلة من المرادرة وغيرهم. قال ابن كثير رحمه‌الله تعالى : لم تحمد مباشرته ولا فرح به صديقه بل شمت به عدوّه وباشر القضاء دون اربع سنين إلى أن مات وهو قاض ، ذكره الذهبي في المعجم المختص والحسيني في ذيله كيف كان ذلك ولعل الحسيني ذكره في معجم له أو مشيخته كما سبق وقال فيه مفتي الفرق سيف المناظرين ، وبالغ ابن رافع وابن حبيب في مدحه ، وكان فيه مزح وانكات في البحث ، ومن انشاده وهو بالقاهرة المحروسة رحمه‌الله تعالى :

الصالحية جنة

والصالحون بها أقاموا

فعلى الديار وأهلها

مني التحية والسلام

وقال أيضا رحمه‌الله تعالى :

نبيّي أحمد وكذا امامي

وشيخي أحمد كالبحر طامي

واسمي أحمد وبذاك ارجو

شفاعة احمد الرسل الكرام

وكان يحفظ كما قيل عنه نحو عشرين الف بيت شعر ، وله رحمه‌الله تعالى اختيارات في المذهب. منها : اختار أن النزول عن الوظيفة تولية وهي مسألة تنازع فيها هو والقاضي برهان الدين الزرعي ، وأفتى كل منهما بما اختاره ، وله مصنفات منها ما وجد في الفائق ، ومنها كتاب في أصول الفقه وشرح المنتقى ولم يكمله ، توفي رحمه‌الله تعالى بمنزله بالصالحية يوم الثلاثاء رابع عشر رجب سنة احدى وسبعين وسبعمائة ، وصلي عليه بعد الظهر بالجامع المظفري ودفن بمقبرة جده الشيخ ابي عمر رحمه‌الله تعالى وشهده جمع كثير ، ثم تولى بعده القاضي الإمام العالم العلامة علاء الدين أبو الحسن علي ابن قاضي القضاة صلاح الدين محمد بن محمد بن المنجا ابن عثمان بن اسعد بن المنجا التنوخي المعري الدمشقي ، مولده سنة خمسين وسبعمائة بعد وفاه عمه قاضي القضاة علاء الدين

٣٥

بسبعة ايام ، قرأ القرآن واشتغل ودرس بالمسمارية وغيرها ، واستنابه قاضي القضاة شرف الدين ابن قاضي الجبل باشارة قاضي القضاة تاج الدين بن السبكي الشافعي رحمه‌الله تعالى ، قال الشيخ شهاب الدين بن حجي السعدي نشأ في صيانة وديانة ، سمع شيئا من الحديث ، ومات رحمه‌الله تعالى معزولا وكان رئيسا نبيلا لم يبق في الحنابلة أنبل منه ، وكان حسن الشكل كثير التواضع والحياء لا يمر بأحد الا ويسلم عليه ، وكان كثير الاحسان والاكرام ، قليل المداخلة لأمور الدنيا ، توفي يوم الاثنين ثالث عشر رجب سنة ثمانمائة بمنزله بالصالحية مطعونا وانقطع ستة أيام ، وصلي عليه بعد الظهر بالجامع الأفرم ، تقدم بالصلاة عليه الشيخ علي بن أيوب ، ودفن في داره ، وشيعه جماعة كثيرون ، وقد كمل خمسين سنة الا شهرين ويومين قاله ابن مفلح شيخنا ، ولم يذكر هنا انه تولى مستقلا ، بل ذكره في ترجمة اخيه تقي الدين احمد ثم تولى بعده القاضي شمس الدين النابلسي ، هو محمد ابن أحمد بن محمود الشيخ الامام العلامة قاضي القضاة شمس الدين النابلسي ، تفقه على الشيخ شمس الدين بن عبد القادر ، وقرأ عليه العربية واحكمها ، ثم قدم دمشق بعد السبعين ، وقاضي الحنابلة اذا ذاك علاء الدين علي العسقلاني واستمر في طلب العلم ، وحضر حلقة قاضي القضاة بهاء الدين السبكي ، ثم جلس في الجوزية يشهد ، واشتهر امره وعلا صيته ، وكان له معرفة تامة وكتابة حسنة وقصد في الاشتغال ، ولم يزل يترقى حتى سعى على قاضي القضاة علاء الدين بن المنجا لأمر وقع بينهما فولي في شهر ربيع الآخرة سنة ست وتسعين وسبعمائة ، ووقع له العزل والولاية مرات وكانت له حلقة لاقراء العربية يحضره الفضلاء ، درس بدار الحديث الأشرفية بالسفح والحنبلية ، وله حرمة وأبهة زائدة ، لكن باع من الأوقاف كثيرا رحمه‌الله تعالى ، توفي رحمه‌الله تعالى في ليلة السبت ثاني عشر المحرم سنة خمس وثمانمائة بمنزله بالصالحية ، ودفن رحمه‌الله تعالى بها. قال شيخنا قاضي القضاة برهان الدين ابن مفلح في المحمدين من طبقاته رحمه‌الله تعالى : زاد الأسدي ، عزل وولي خمس مرات وحكم بفسقه في جمادى الأولى سنة أربع.

٣٦

قال الحافظ شهاب الدين بن حجي : ولم يكن بالمرضي في شهاداته ولا قضائه وباع كثيرا من الاوقاف بدمشق ، قيل أنه ما بيع في الاسلام من الاوقاف ما بيع في أيامه ، وقل ما وقع منها شيء صحيح في الباطن ، وافتتح على الناس بابا لا يسد أبدا ، ولما جاء تمرلنك دخل معهم في أمور منكرة ، ونسب إليه أشياء قبيحة من السعي في أذى الناس وأخذ أموالهم ، توفي في المحرم منها ودفن بسفح قاسيون ، ثم تولى عنه القضاء شيخ الحنابلة هو إبراهيم بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج الأرمني الأصل المقدسي ثم الدمشقي الامام العلامة الفقيه رئيس الحنابلة برهان الدين وتقي الدين أبو إسحاق ، مولده سنة تسع وأربعين وسبعمائة ، وحفظ كتبا عديدة وأخذ عن جماعة ، منهم والده وجده قاضي القضاة جمال الدين المرداوي ، وقرأ على القاضي بهاء الدين السبكي رحمهم‌الله تعالى ودرس بدار الحديث الأشرفية وبالصالحية وغيرهما ، وصنف كتاب (فضل الصلاة على النبي) صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكتاب (الملائكة) ، و (شرح المقنع) ، و (مختصر ابن الحاجب) ، وعدم غالبها في فتنة تمرلنك ، وله كتاب (طبقات اصحاب الامام أحمد) رضي الله تعالى عنه احترق غالبها ، وناب في الحكم مدة للقاضي علاء الدين علي ابن المنجا وغيره ورافقه في النيابة لعلاء الدين علي المذكور شيخ الحنابلة علاء الدين علي بن اللحام (١) ، وانتهت إليه في آخر عمره مشيخة الحنابلة ، وكان له ميعاد بمحراب الحنابلة بالجامع الأموي بكرة يوم السبت ، ثم ولي القضاء مستقلا في شهر رجب سنة إحدى وثمانمائة ، وتأخر بدمشق لما جاء تمر لنك وخرج إليه ومعه جماعة ، وجرى له ولأهل دمشق منه أمور وتفاقم الأمر ، وحصل له تشويش في بدنه من بعضهم ، وتألم إلى ان توفي يوم الثلاثاء سابع عشرين شعبان سنة ثلاث وثمانمائة ، ودفن تحت رجلي والده بالروضة ، ثم ولي القضاء بعده الشيخ الامام قاضي القضاة تقي الدين أبو العباس أحمد بن القاضي صلاح الدين محمد بن محمد بن المنجا ابن محمد بن عثمان بن أسعد بن محمد بن المنجا التنوخي رحمه‌الله تعالى ، حصل ودأب ، وكان له مهابة ومعرفة ، وذهن مستقيم ، وناب في الحكم لأخيه

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ٣١.

٣٧

قاضي القضاة علاء الدين علي ، ثم استقل بالوظيفة بعد الفتنة مدة أشهر. قال شيخنا ابن مفلح رحمه‌الله تعالى : وذكر لي جدي شرف الدين إنه ابتدأ عليه قراءة الفروع لوالده ، فلما انتهى في القراءة إلى الجنائز حضر اجله ومات معزولا في ذي الحجة سنة اربع وثمانمائة انتهى. ثم ولي القضاء القاضي عز الدين الخطيب ، هو محمد بن علي بن عبد الرحمن بن محمد الخطيب الشيخ الامام العلامة قاضي القضاة عز الدين خطيب الجامع المظفري وابن خطيبه ، تفقه في المذهب ، وكان خطيبا بليغا ، له مؤلفات حسنة وقلم جيد ، وله (النظم المفيد الأحمد في مفردات الامام أحمد) ، ناب في القضاء عن قاضي القضاة علاء الدين علي بن المنجا ثم استقل بالوظيفة بعد موت القاضي شمس الدين النابلسي ، واستناب شمس الدين بن عبادة (١) ثم سعى عليه وصارت الوظيفة بينهما دولا ، وكان في بعض الولايات يمكث فيها أربعين يوما ، ثم توفي رحمه‌الله تعالى في سنة عشرين وثمانمائة كذا قاله شيخنا ابن مفلح ولم يفصل ، قال شيخنا تقي الدين بن قاضي شهبة رحمه‌الله تعالى في سنة سبع وثمانمائة : في آخر المحرم وصل القاضي شمس الدين بن عبادة متوليا قضاء الحنابلة ومشيخة دار الحديث الأشرفية بالسفح ، وتدريس المدارس ، ووصل مع توقيع الشيخ شهاب الدين بن حجي بالخطابة ، ثم اصطلح القاضيان الحنبليان على أن تكون الوظائف بينهما نصفين خلا الجوزية ينفرد بها القاضي عز الدين ، ويستقل القاضي شمس الدين بالقضاء ، ودفع الى القاضي عز الدين خمسة آلاف ، وأشهد على نفسه القاضي عز الدين أن لا يسعى في القضاء ولا يتولاه ، وكلما ولي فهو معزول وحكم بصحة هذا التعليق القاضي الحنفي ، والتزم أنه متى وليه كان للقاضي عنده عشرة آلاف درهم ، وحكم بصحة الإلزام المالكي أيضا انتهى ، والقاضي شمس الدين المذكور هو محمد بن محمد بن عبادة الشيخ الإمام قاضي قضاة الحنابلة بالشام ، كان فردا في معرفة الوقائع والحوادث ناب في الحكم لعز الدين المذكور قبله. ثم سعى عليه بعد أن كان من أعيان الموقعين رفيقا لشمس الدين النابلسي وغيره ، ثم استقل بالقضاء بعد وفاة بني المنجا ، وكانت وظيفة القضاء دولا بينه وبين

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ١٤٨.

٣٨

القاضي عز الدين الخطيب كما تقدم الى أن لحق بالله تعالى في شهور سنة كذا. بيض له قاضي القضاة برهان الدين ابن مفلح في الطبقات ، ويقول كاتبه توفي شمس الدين المذكور في خامس شهر رجب سنة عشرين وثمانمائة ، ودفن بالروضة قريبا من الشيخ موفق الدين ، ثم أخذ القضاء عنه القاضي صدر الدين ابن مفلح وهو أبو بكر بن ابراهيم بن محمد بن مفلح الامام العالم الواعظ صدر الدين ، ولي نيابة الحكم عن قاضي القضاة شمس الدين بن عبادة مدة ثم اشتغل بالوظيفة مدة يسيرة ، ثم عزل منها وأعيد القاضي شمس الدين بن عبادة ، واستمر معزولا إلى أن لحق بالله تعالى ، وكان يعمل الميعاد بالجامع الأموي بعد صلاة الجمعة بمحراب الحنابلة ، ويجتمع فيه الناس ويستفيدون منه ، ويعمل في غيره ، هكذا ذكره برهان الدين بن مفلح ولم يزد رحمه‌الله تعالى ، قال الشيخ تقي الدين الأسدي في تاريخه رحمه‌الله تعالى ، في شوال سنة سبع عشرة وثمانمائة وفي يوم الأحد سابع عشرة وصل من مصر دوادار النائب ناصر الدين بن العطار الى أن قال : وجاء مع الامير ناصر الدين المذكور ولاية بقضاء الحنابلة لصدر الدين ابن الشيخ تقي الدين بن مفلح عوضا عن القاضي شمس الدين بن عبادة ، وهو شاب صغير السن قليل البضاعة ، لا يعرف شيئا من العلوم إلا أنه يعظ العوام والنساء على الكراسي ، ولبس من الغد الخلعة ، وجاءمعه القضاة الى الجامع ، فجلس بمحراب الحنابلة وقريء توقيعه وهو مؤرخ بخامس عشرين شهر رمضان انتهى ، وذلك عقيب وصول السلطان الملك المؤيد شيخ إلى مصر ، فإنه خرج من دمشق عقب رجوعه من حلب يوم السبت رابع شعبان منها وفي يوم الثلاثاء عشرينه نودي بالزينة بدمشق لمجيء الخبر بوصول السلطان الى مصر سالما ، ثم عزل صدر الدين المذكور في مستهل شهر ربيع الاول ، وأعيد القاضي شمس الدين بن عبادة في مستهل ربيع الاول سنة ثماني عشرة وثمانمائة ، ثم وصل توقيعه إلى دمشق في شهر ربيع الآخر منها بوظيفة القضاء والمدارس : دار الحديث بالصالحية ، والصاحبية ، والحنبلية ، والأنظار عوضا عن صدر الدين بن مفلح ، وخلع عليه عند النائب بالمرح ، وقريء توقيعه بالجامع المظفري بالصالحية ، وهو مؤرخ

٣٩

بمستهل شهر ربيع الأول المذكور ، وذلك بعد شر كبير وقع بينهما في ولاية صدر الدين ، كان كتب عليه محضر بمال كثير لما أراد عبادة السعي عليه ، ثم اصطلحا ، ثم إنه طلب المحضر فقال صدر الدين أرسلته الى مصر ، ثم عمل ابن عبادة وليمة وطلب الجماعة الى بيته ، فأخرج العبيد والمهاترة عليهم بالسكاكين وانقلب الناس على ابن عبادة واستمر إلى أن توفي ، وقد ذكر له الأسدي ترجمة ، وأنه أخذ عن الشيخ زين الدين بن رجب ، ثم عن علاء الدين علي بن اللحام ، ثم اشتغل بفن الشهادة ، ثم أنه ولي القضاء ، وأنه باشره مباشرة سيئة ، وأنه دخل في مناقلات كثيرة قبيحة ، ثم بالغ في ذلك مبالغة عظيمة ، وتأثل مالا وعقارا ، وأنه سمع من شيخه ابن حجي يقول عنه وعن شرف الدين الرمثاوي كلاما لا أوثر ذكره ، وإنه توفي في ليلة الخميس خامس شهر رجب سنة عشرين ، وأنه صلي عليه بالجامع المظفري ، ودفن بالروضة عن سبع وخمسين سنة ، وأنه روي له منامات قبيحة ، وإنه خلف ثلاثة بنين الواحد نائبه وآخرهم أشغله شافعيا ، ثم ذكر ترجمة جده ثم والده فراجعه عفا الله عنه وعنا وعنهم ، ثم أعيد القاضي عز الدين الخطيب بعده وفاة خصمة شمس الدين بن عبادة ، قال الأسدي في شهر ربيع الأول سنة احدى وعشرين : وولي القضاء القاضي شهاب الدين ابن القاضي شمس الدين بن عبادة (١) وليس فيه صفة تقتضي ذلك فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم مع أنه لم يبق بالحنابلة من يصلح لذلك إلا الشيخ شرف الدين بن مفلح لو لا كلام في سيرته. ثم قال : في صفر سنة ثلاث وعشرين وفي يوم السبت سلخه وصل القاضي عز الدين الحنبلي ومعه كتب المصريين باكرامه ، وإنه طلب القضاء ورسم له بنفقة من الخزينة. ثم قال : في شهر ربيع الأول منها وفي يوم الاثنين ثانيه لبس القاضي عز الدين الحنبلي وقرىء توقيعه بالجامع الأموي بحضور القضاة ، وهو مؤرخ بالعشر الأخير من المحرم انتهى. والقاضي شهاب الدين المذكور قال قاضي القضاة برهان الدين بن مفلح في الطبقات : قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن القاضي شمس الدين محمد بن محمد بن عبادة كان من خيار المسلمين

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ١٤٨.

٤٠