الدّارس في تاريخ المدارس - ج ٢

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في تاريخ المدارس - ج ٢

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

٢٨١ ـ التربة العمادية

شمالي تربة جركس بقاسيون ، قال الصفدي في ترجمة أبي بكر بن الداية : واتفق موته وموت العمادي بدمشق فحزن عليهما نور الدين الشهيد وقال : قص جناحاي ، وأعطى أولاد العمادي بعلبك وكانت وفاة ابن الداية سنة خمس وستين وخمسمائة ، وللعمادي المذكور بقاسيون تربة مشهورة شمالي تربة جركس ، وهي أول تربة بنيت بالجبل ، واسمه مكتوب على بابها انتهى ملخصا ، وقد قال الذهبي وتبعه الاسدي في سنة خمس وستين المذكورة ، وقال أبو شامة في الروضتين أولاد الداية خمسة : سابق الدين عثمان ، وشمس الدين علي ، وبدر الدين حسن ، وبهاء الدين عمر ومجد الدين محمد وهو الأكبر وكان رضيع نور الدين الشهيد ، وقد تربى معه ولزمه وتبعه ، وقد ذكر كل واحد وما جرى له فيها والله تعالى أعلم.

٢٨٢ ـ التربة العزية البدرانية الحمزية

بالصالحية عند الجامع الافرم ، أنشأها حمزة بن موسى بن أحمد بن الحسين بن بدران الشيخ الامام العلامة عز الدين أبو يعلى المعروف بابن شيخ السلامية ، وسمع من الحجار وتفقه على جماعة ، ودرس بالحنبلية ، قال ابن قاضي شهبة : ووقف درسا بتربته بالصالحية وكتبا وعين لذلك الشيخ زين الدين بن رجب ، توفي ليلة الاحد حادي عشرين ذي الحجة سنة تسع وستين وسبعمائة ، ودفن عند والده وجده عند جامع الافرم بتربته انتهى.

٢٨٣ ـ التربة العادلية البرانية

غربي دار الحديث الناصرية البرانية بسفح قاسيون ، قال الذهبي في ذيل العبر في سنة اثنتين وسبعمائة : ومات متولي حماه الملك العادل زين الدين كتبغا المعلى المنصوري ونقل ودفن بتربته بسفح قاسيون ، مات يوم الجمعة يوم الاضحى ، وكان في آخر الكهولة ، اسمر قصيرا دقيق الصوت ، شجاعا ، قصير العنق ،

٢٠١

منطويا على دين وسلامة باطن وتواضع ، تسلطن بمصر عامين ، وخلع في صفر سنة ست وتسعين فالتجأ الى صرخد ، ثم اعطي حماة انتهى. وقال تلميذه ابن كثير في سنة اثنتين المذكورة : الملك العادل زين كتبغا ، توفي بحماة نائبا عليها بعد صرخد يوم الجمعة يوم عيد الاضحى ونقل الى تربته بسفح قاسيون غربي الرباط الناصري ، يقال لها العادلية ، وهي تربة مليحة ذات شبابيك وبوابة ومئذنة ، وله عليها أوقاف دارة على وظائف من قراءة وأذان وامامة ، وكان من كبار الامراء المنصورية ، وقد ملك البلاد بعد مقتل الاشرف خليل بن المنصور ، ثم انتزع الملك منه لاجين وجلس في قلعة دمشق ، ثم تحول الى صرخد فكان بها حين قتل لاجين وأخذ الملك الناصر بن قلاوون ، فاستنابه بحماه حتى كانت وفاته بها كما ذكرنا ، وكان من خيار الملوك وأعدلهم وأكثرهم برا ، وكان من خيار الامراء والنواب رحمه‌الله تعالى انتهى. ولنا كتبغا غير هذا معاصرا له. قال الذهبي في ذيل العبر سنة احدى وعشرين وسبعمائة : ومات كبير الحجاب زين الدين كتبغا رأس النوبة بدمشق وكان فيه كرم وخير انتهى. وقال ابن كثير في سنة احدى وعشرين المذكورة : الامير حاجب الحجاب زين الدين كتبغا المنصوري حاجب دمشق ، كان من خيار الامراء وأكثرهم برا للمساكين والفقراء ، يحب الختمة والمواعيد وسماع الحديث ، ويكرم أهله ويحسن اليهم كثيرا ، الى أن توفي يوم الجمعة آخر النهار ثامن عشرين شوال ، ودفن من الغد بتربته قبلي القبيبات وشهده خلق كثير وأثنوا عليه انتهى. وقد وافق في الاسم واللقب والنسبة.

٢٨٤ ـ التربة العادلية الجوانية بالمدرسة العادلية الكبرى

تجاه الظاهرية. قال الأسدي في تاريخه في سنة خمس عشرة وستمائة : الملك العادل أبو بكر بن أيوب بن محمد بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدويني ثم التكريتي ثم الدمشقي السلطان الملك العادل أبو بكر ابن الامير نجم الدين أيوب ، ولد ببعلبك في سنة أربع وثلاثين ، وهو أصغر من أخيه السلطان صلاح الدين يوسف بسنتين ، وقيل مولده سنة ثمان وثلاثين وقيل في أول

٢٠٢

سنة أربعين ، نشأ في خدمة نور الدين الشهيد مع أبيه وأخوته ، وحضر مع أخيه صلاح الدين فتوحاته ، وكان صلاح الدين يعول عليه كثيرا ، واستنابه بمصر مدة ، ثم أعطاه حلب المحروسة ، ثم أخذها منه لولده الظاهر وأعطاه الكرك عوضها ثم حران.

قال بعضهم : وكان أقعد الملوك بالملك ، وملك من بلاد الكرج إلى قرب همدان والجزيرة والشام ومصر والحجاز واليمن وحضر موت ، وأبطل كثيرا من الظلم والمكوس. وقال أبو المظفر السبط : كان خليقا بالملك ، حسن التدبير ، حليما ، صفوحا ، مجاهدا ، عفيفا ، متصدقا ، آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، طهر جميع ولايته من الخمور والمكوس والخواطيء والمظالم ، وكان الحاصل من ذلك بدمشق خصوصا مائة ألف دينار ، فأبطل الجميع لله تعالى. وأعانه على ذلك وإليه المعتمد (١) ، ثم ذكر ما نقله في غلاء مصر وبالغ ، حتى نسبه الذهبي إلى المجازفة ، وقضاياه مشهورة مع الأفضل والعزيز ، وآخر الأمر استقل بمملكة الديار المصرية ، ودخل القاهرة في شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين وملك معها البلاد الشامية والشرقية ، وصفت له الدنيا ، ثم ملك اليمن سنة اثنتي عشرة وستمائة ، ولما تمهدت البلاد قسمها بين أولاده الكامل والمعظم والأشرف ، وكان يتردد بينهم وينتقل من مملكة إلى أخرى ، وكان في الغالب يصيف بالشام ويشتي بمصر ، وأمر بعمارة قلعة دمشق ، وألزم كل واحد من ملوك أهل بيته بعمارة برج. وقال الموفق عبد اللطيف في سيرة العادل : كان أصغر الإخوة ، وأطولهم عمرا ، وأعفهم ذكرا ، وأنظرهم في العواقب ، وأشدهم إمساكا ، وأحبهم للدرهم ، وكان فيه حلم وأناة وصبر على الشدائد ، وكان سعيد الحظ مظفرا بالأعداء ، وكان أكولا نهما يحب الطعام ، ويحب اختلاف الألوان ، وكان أكثر أكله بالليل وبالخل ، وعند ما ينام آخر الليل يصنع له ويأكل رطلا بالدمشقي من خبيص السكر ، وكان كثير الصلاة ويصوم الخميس ، وله صدقات في كثير من الأوقات فخاصة عند ما تنزل به الآفات ، وكان كريما على الطعام ، يحب من

__________________

(١) ابن كثير ١٣ : ١٢٤.

٢٠٣

يواكله وكان قليل الأمراض ، وكان يكثر من اقتناء السراري ، وكان عفيف الفرج ، لا يعرف له نظر إلى غير حلاله ، نجب له أولاد ، وكان العادل قد وقع بغضه في قلوب رعاياه ، والمخامرة عليه في قلوب جنده ، وعملوا في مقتله أنواعا وأصنافا من الحيل الدقيقة مرات كثيرة ، وعند ما يقال أن الحيلة قد تمت تنتسخ وتنكشف وتنحسم موادها ، ولو لا أولاده يعولون بلاده لما ثبت ملكه بخلاف أخيه صلاح الدين فإنه إنما حفظ ملكه بالمحبة له وحسن الطاعة ، ولم يكن بالمنزلة المكروهة ، وإنما الناس قد ألفوا دولة السلطان صلاح الدين وأولاده ، فتغيرت عليهم العادة دفعة واحدة ، ثم أن وزيره ابن شكر بالغ في الظلم وتفنن ، ومن صفات العادل الجميلة انه كان يعرف حق المحبة والصحبة ، ولا يتغير على أصحابه ولا يضجر منهم ، وهم عنده في حظوة ، وكان يواظب على خدمة أخيه السلطان صلاح الدين ، يكون أول داخل عليه وآخر خارج من عنده ، وكان أخوه يشاوره في الأمور لما جرب من نفوذ رأيه ، وحصل له في آخر عمره ضعف ورعشة توضأ مرة فقال : اللهم حاسبني حسابا يسيرا ، فقال له رجل فاجر : يا مولانا ان الله قد يسر حسابك قال : ويلك وكيف ذلك ، فقال : إذا حاسبك فقل له المال كله في قلعة جعبر لم افرط منه في قليل ولا كثير ، وكانت خزانته بالكرك ثم نقلها إلى قلعة جعبر ، ثم نقلها إلى قلعة دمشق ، فحصلت في قبضة المعظم فلم ينازعه فيها اخوته ، توفي بعالقين بقرب دمشق في جمادى الآخرة ، فحمل إلى القلعة ، فلما صار بالقلعة أظهروا موته ودفنوه بالقلعة ، ثم نقل إلى تربته بمدرسة في سنة تسع عشرة ، وكان له من الأولاد الذكور سبعة عشر ولدا ، مات بعضهم في حياته ، وكان يعتريه مرض في أنفه في زمن الورد ويضرب له الوطاق بمرج الصفر ، ثم يدخل البلد بعد ذلك انتهى ، وقال ابن كثير في سنة أربع عشرة وستمائة : وفيها انقضت الهدنة التي كانت بين العادل والفرنج ، واتفق قدوم العادل من مصر فاجتمع هو وابنه المعظم ببيسان ، فركبت الفرنج من عكاء وبمقدمتهم وصحبتهم ملوك السواحل كلهم وساروا كلهم قاصدين معافصة الملك العادل فلما أحس بهم فر منهم لكثرة جيوشهم وقلة من كان معه ، فقال له ابنه

٢٠٤

المعظم إلى أين يا أبت؟ فشتمه أبوه بالعجمية ، وقال له : أقطعت الشام مماليك وتركت ابناء الناس بها خلقا ، فتوجه العادل إلى دمشق وكتب إلى واليها المعتمد ليحصنها من الفرنج وينقل إليها من المغلات من داريا وغيرها إلى القلعة ، ويرسل الماء على أراضي داريا وقصر حجاج والشاغور ففزع الناس من ذلك وابتهلوا إلى الله تعالى بالدعاء ، وكثر ضجيجهم بالجامع ، وأقبل السلطان فنزل بمرج الصفر ، وأرسل إلى ملوك الشرق لقتال الفرنج ، فكان أول من ورد صاحب حمص أسد الدين شيركوه فتلقاه الناس ، فدخل من باب الفرج ، وجاء فسلم على ست الشام بدارها عند البيمارستان ، ثم عاد إلى داره ، ولما قدم أسد الدين المذكور سري عن الناس وأمنوا ، ولما أصبح توجه إلى السلطان بمرج الصفر ، وأما الفرنج فإنهم وردوا إلى بيسان فنهبوا ما كان بها من الغلات والدواب ، وفتكوا وأسروا أشياء كثيرة وعاثوا في الأرض فسادا يقتلون وينهبون ويسبون ما بين بيسان إلى بانياس ، وخرجوا إلى أراضي الجولان إلى نوى وخسفين وغير ذلك من الأراضي ، وسار الملك المعظم فنزل على عقبة اللبن بين نابلس والقدس خوفا على القدس الشريف ، ثم حاصرت الفرنج حصن الطور حصارا هائلا ومانع فيه الذين به من الأبطال ممانعة عظيمة ، ثم كر الفرنج راجعين إلى عكا ، وجاء الملك المعظم إلى الطور فخلع على الأمراء الذين به وطيب نفوسهم ، وأمر بخرب حصن الطور فخرب ، ونقل ما فيه من آلات الحرب إلى البلدان خوفا عليها من الفرنج ، ثم التقى المعظم والفرنج على القيمون فكسرهم وقتل منهم خلقا كثيرا ، وأسر من الداورية مائة فأدخلهم القدس منكسة أعلامهم ثم قصدوا بلاد مصر من ثغر دمياط فنزلوا عليه فحاصروه مدة أربعة أشهر ، والكامل محمد مقابلهم يقاتلهم ويمانعهم ويصدهم عما يريدون ، فتملكوا على المسلمين برج السلسلة وهو كالقفل على ديار مصر ، وصفته في وسط جزيرة في النيل عند انتهائه إلى البحر ومن هذا البرج إلى دمياط ، وهو على شاطيء النيل ، وعلى حافته سلسلة منه إلى الجانب الآخر وعليه الجسر وسلسلة اخرى لتمنع دخول المراكب من البحر إلى النيل ، ولما ملكت الإفرنج هذا البرج

٢٠٥

شق ذلك على المسلمين بديار مصر وغيرها ، وحين وصول الخبر إلى الملك العادل وهو بمرج الصفر تأوه لذلك شديدا ودق بيده على صدره أسفا وحزنا ، ومرض من ساعته مرض الموت لأمر يريده الله تعالى عزوجل ، فلما كان يوم الجمعة سابع جمادى الآخرة من السنة الآتية بعدها توفي رحمه‌الله تعالى بقرية عالقين ، فجاء ولده المعظم إليه مسرعا فجمع حواصله وأرسله في محفة ومعه خادم بصفة أنه مريض ، وكلما جاء أحد من الأمراء ليسلم عليه منعه عنه الخادم يعني لضعفه عن الرد عليهم ، فلما انتهى به إلى القلعة دفن بها مدة ثم حول إلى تربته بمدرسة العادلية الكبرى ، وقد كان من خيارهم وأجودهم سيرة ، وأحسنهم سريرة ، دينا عاقلا صبورا وقورا ، أبطل المحرمات والخمور والمعازف والمكوس من ممالكه كلها ، وقد كانت مملكته ممتدة من أقصى بلاد مصر واليمن والجزيرة والشام إلى همدان كلها ، أخذها بعد أخيه السلطان صلاح الدين سوى حلب فإنه أقرها بيد ابن أخيه الظاهر غازي بن صلاح الدين لأنه كان زوج ابنته ضيفة الست خاتون ، وكان صفوحا صبورا على الأذى ، كثير الجهاد ، وحضر مع أخيه مواقعه كلها أو أكثرها ، وله في تلك الأيام اليد البيضاء والراية العلياء ، وكان ماسك اليد ، لكنه انفق في عام الغلاء بمصر أموالا عظيمة جدا وتصدق على أهل الحاجة من أبناء الناس وغيرهم شيئا كثيرا ، ثم في العام بعده في الفناء كفن ثلثمائة الف إنسان من الغرباء ، وكان كثير الصدقة في أيام مرضه حتى كان يخلع ما عليه جميعا ويتصدق به وبركوبه وما يحبه من أمواله ، وكان كثير الأكل ، ممتعا بصحته وعافية مع كثرة صيامه يأكل في اليوم الواحد أكلات عدة ، ثم بعد كل هذا يأكل وقت النوم رطلا بالدمشقي من الحلوى السكرية اليابسة ، وكان يعتريه مرض في أنفه في زمن الورد ، وكان لا يقدر على الإقامة بدمشق حتى يفرغ زمن الورد ، وكان لا يقدر على الإقامة بدمشق حتى يفرغ زمن الورد ، وكان يضرب له الوطاق بمرج الصفر ثم يدخل البلد بعد ذلك ، وتوفي عن خمس وسبعين سنة ، وكان له من الأولاد جماعة : محمد الكامل صاحب مصر ، وعيسى المعظم صاحب دمشق ، وموسى الأشرف صاحب الجزيرة وخلاط وحران وغير ذلك ، والأوحد

٢٠٦

أيوب ومات قبله ، والفائز ابراهيم (١) ، والمظفر غازي صاحب الرها ، والعزيز عثمان ، والأمجد حسن وهما شقيق المعظم والمغيث محمود (٢) ، والحافظ أرسلان صاحب جعبر ، والصالح إسماعيل والقاهر إسحاق ، ومجير الدين يعقوب ، وقطب الدين أحمد ، وخليل وكان أصغرهم ، وتقي الدين عباس وكان آخرهم وفاة بقي إلى سنة ستين وستمائة ، وكان له بنات أشهر هن الست ضيفة خاتون زوجة الظاهر غازي صاحب حلب وأم الملك العزيز والد الناصر يوسف الذي ملك دمشق ، وإليه تنسب الناصريتان بدمشق والجبل ، وهو الذي قتله هولاكو انتهى كلام ابن كثير ملخصا. وقال في سنة أربع وخمسين وستمائة : مجير الدين يعقوب ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب توفي ودفن عند والده بتربة العادلية انتهى. وولي مشيخة الإقراء والنحو بهذه المدرسة التي فيها هذه التربة جماعة. قال الذهبي في تاريخه العبر فيمن مات سنة إحدى وستين وستمائة : والعلم أبو القاسم والأصح أبو محمد القاسم بن أحمد بن موفق بن جعفر المرسي اللورقي المقرئ النحوي المتكلم ، شيخ القراء بالشام ، ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة ، وقرأ القراءات على ثلاثة من أصحاب ابن هزيل (٣) ، ثم قرأها على أبي الجود (٤) ثم على الكندي ، وسمع ببغداد من ابن الأخضر (٥) ، وكان عارفا بالكلام والأصلين والعربية ، اقرأ واشتغل مدة ، وصنف التصانيف ودرس بالعزيزية نيابة ، وولي مشيخة الإقراء والنحو بالعادلية ، توفي رحمه‌الله تعالى في سابع شهر رجب وقد شرح الشاطبية انتهى. وقال الصفدي في حرف الباء أبو بكر بن يوسف بن أبي بكر بن محمود بن عثمان بن عبد الله الإمام المقرئ المدرس بقية المشايخ زين الدين المزي الدمشقي الشافعي ، عرف بالحريري ، لأن أمه تزوجت بالشمس الحريري نقيب ابن خلكان فرباه ، ولد سنة ست وأربعين تقريبا ، وتوفي سنة ست وعشرين وسبعمائة ، تلا بالسبع على الزواوي وغيره ، وسمع من الصدر

__________________

(١) ابن كثير ١٣ : ٩٩.

(٢) ابن كثير ١٣ : ٦٠.

(٣) شذرات الذهب ٤ : ٢١٣.

(٤) شذرات الذهب ٥ : ١٧.

(٥) شذرات الذهب ٥ : ٤٦.

٢٠٧

البكري وخطيب مردا وجماعة ، ودرس التنبيه وغيره ، ودرس بالقليجية الصغرى وغيرها ، وولي القراآت والنحو بالعادلية مدة ، وسمع ابنه وابن ابنه شرف الدين ، وكان فيه ود وخير ، سمع منه قاضي القضاة عز الدين بن جماعة وابنه والطلبة انتهى. وقال الذهبي في معجمه : محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران بن رحمة الشيخ العلامة قاضي القضاة علم الدين ابن القاضي شمس الدين السعدي الاخنائي المصري قاضي دمشق ، مولده في شهر رجب سنة أربع وستين وستمائة بالقاهرة ، وسمع الكثير ، وأخذ عن الدمياطي وغيره ، وولي قضاء الإسكندرية ثم الشام بعد وفاة القونوي ، وكان من نبلاء العلماء وقضاة السداد ، وقد شرع في تفسير القرآن وجملة من صحيح البخاري ، وكان أحد الأذكياء ، وكان يبالغ في الاحتجاب عن الحاجات فتعطل أمور كثيرة ، ودائرة علمه ضيقة ، لكنه وقور قليل الشر انتهى. وقال ابن كثير : كان عفيفا نزها ذكيا ، كثير العبادة محبا للفضائل ومعظما لأهلها ، كثير الأسماع للحديث بالعادلية الكبرى ، خيرا دينا توفي بدمشق في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة ، ودفن بسفح قاسيون بتربة العادل كتبغا انتهى. ثم ولي هذه المشيخة شيخ القراء العلامة شمس الدين بن الجزري ، وقد مرت ترجمته في دار القرآن له ، ثم انتقلت إلى ولده فتح الدين ، ثم نزل عنها قبيل وفاته في صفر سنة أربع عشرة للشيخ شرف الدين صدقة الضرير ، ثم تلقاها عنه الشيخ فخر الدين عثمان ابن الصلف رحمهم‌الله انتهى.

٢٨٥ ـ التربة الغرلية

بقاسيون. قال الذهبي في ذيل العبر في سنة تسع عشرة وسبعمائة : ومات بدمشق الامير سيف الدين غرلو العادلي الذي استنابه العادل كتبغا على دمشق في آخر سنة خمس وتسعين وكان احد الشجعان العقلاء وله تربة مليحة بقاسيون انتهى.

٢٠٨

٢٨٦ ـ التربة القراجية الصلاحية

في عقبة على جادة الطريق عند تربة ابن تميرك بالسفح. قال ابن كثير في سنة أربع وستمائة : الأمير زين الدين قراجا الصلاحي صاحب صرخد ، وكانت له دار عند باب الصغير عند قناة الزلاقة ، وتربة بالسفح على جادة الطريق عند تربة ابن تميرك ، وأقر العادل ولده يعقوب على صرخد أه.

٢٨٧ ـ التربة القراجية

بميدان الحصى. قال ابن كثير في المحرم سنة ثلاث وسبعمائة : وفي هذا الشهر توفي الأمير زين الدين قراجا استاد دار الأفرم ، ودفن بتربته بميدان الحصا عند النهر انتهى.

٢٨٨ ـ التربة القيمرية

قال الذهبي في العبر في سنة ثلاث وخمسين وستمائة وسيف الدين القيمري صاحب البيمارستان بالجبل ، وكان من جملة الامراء وأبطالهم المذكورين ، توفي بنابلس ونقل ودفن برتبته التي هي تجاه البيمارستان انتهى. وقال في المختصر في السنة المذكورة : فيها توفي الأمير البطل الاوحد سيف الدين القيمري ، ودفن بقبته التي تجاه البيمارستان الذي عمله بسفح قاسيون انتهى. قال ابن كثير في سنة أربع وخمسين وستمائة : واقف بيمارستان الصالحية الأمير الكبير سيف الدين ابو الحسن يوسف بن أبي الفوارس موسك القيمري الكردي اكبر امراء القيامرة ، كانوا يقفون بين يديه كما تعامل الملوك ، ومن اكبر حسناته وقفه البيمارستان الذي بسفح قاسيون ، وكانت وفاته ودفنه بالسفح بالقبة التي تجاه البيمارستان المذكور ، وكان ذا مال كثير وثروة رحمه‌الله تعالى انتهى.

٢٠٩

٢٨٩ ـ التربة القطلوبكية

شمالي باب الفراديس ، وهي تربة الأمير سيف الدين قطلوبك الشنكير (١) الرومي ، كان من أكابر الأمراء ، وولي الحجوبية في وقت ، وهو الذي عمر القناة بالقدس ، توفي يوم الاثنين سابع شهر ربيع الأول ، ودفن بتربته شمالي باب الفراديس ، وهي مشهورة حسنة ، وحضر جنازته بسوق الخيل النائب والامراء رحمه‌الله تعالى انتهى.

٢٩٠ ـ التربة القطينية

قال الذهبي بذيل العبر في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة : ومات كبير المتولين بدمشق شهاب الدين أحمد بن محمد بن القطينة الزرعي عن ثمانين سنة ودفن بتربة مليحة بطريق القابون ، بلغت زكاته في عام قازان خمسة وعشرين ألفا ، وفي دولة الظاهر كان رأس ماله ألف درهم انتهى. وقال ابن كثير في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة : شهاب الدين أحمد بن محمد بن قطينة الزرعي التاجر المشهور بكثرة الاموال والبضائع والمتاجر قيل بلغت زكاة ماله في سنة قازان خمسة وعشرين الف دينار ، وتوفي في شهر ربيع الأول من هذه السنة ، ودفن بتربته التي بباب بستانه المسمى بالموقع عند ثوري في طريق القابون ، وهي تربة هائلة ، وكان له أملاك انتهى رحمه‌الله تعالى.

٢٩١ ـ التربة القمارية

بسفح قاسيون ، رأيت بخط الاسدي : قماري خاتون بنت حسام الدين الحسن بن ضياء الدين ابي الفوارس القيمري ، وقفت الخان بمسجد القصب سنة أربع وتسعين وستمائة ، وهي صاحبة التربة بالسفح انتهى. رحمها الله تعالى.

__________________

(١) ابن كثير ١٤ : ١٥٠.

٢١٠

٢٩٢ ـ التربة القانبائية البهلوانية

قبلي تربة يونس الداودار لصيقها الآتية ، عمرها قان باي البهلوان ، تنقل في ولايات صفد ثم حماة الى أن تولى نيابة حلب المحروسة عن قان باي وهو الحمزاوي في شهر ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وثمانمائة ، واستقر عوضه برسباي الناصري نائب طرابلس رحمه‌الله تعالى انتهى.

٢٩٣ ـ التربة الكركية الاياسية الفخرية

بطريق الصالحية عند حمام الورد. قال الأسدي في تاريخه في سنة أربع وثلاثين وثمانمائة : فخر الدين أياسي الكركي الحاجب الثالث ، توفي في تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثلاثين المذكورة ، انقطع يومين فقط ، ودفن بتربته عند حمام الورد ، وكان يأخذ أموره كلها بالضحوكية ، ووطأته على الناس خفيفة ، ويداري العرب بطريق الحجاز ويضحك عليهم باليسير ، والناس معهم بسببه بخير ، عمل امرة الحاج مرارا انتهى ملخصا ، وكان فراغه من انشائها سنة ثمان وعشرين وثمانمائة كما هو مرسوم عقب ذكر وقفها بالواجهة الحجر فوق الشبابيك ، وتفتح أبوابها الى جهة الغرب ، وقد أحكم بناءها فإنها قبو مكين وله فيها فستقيتان ، وعلى هذا البناء الروح رحمه‌الله تعالى انتهى.

٢٩٤ ـ التربة الكوكبائية

وهي تربة الست ستيته الخوندة المعظمة المحجبة بنت الأمير سيف الدين الكبير كوكبائي المنصوري ، زوجة نائب الشام تنكز الملقب بسيف الدين ، شرقي الاكزية وغربي الطيبة وقبلي النورية الكبرى. قال ابن كثير في سنة ثلاثين وسبعمائة : وصاحبة التربة بباب الخواصين ، توفيت بدار الذهب ، وصلي عليها بالجامع ودفنت بالتربة التي أمرت بانشائها عند باب الخواصين ، وفيها مسجد ، والى جانبها الغربي رباط للنساء ومكتب للأيتام ، وفيها صدقات وبر وصلاة وقراء ، كل ذلك أمرت به ، وكانت قد حجت في العام الماضي رحمها الله تعالى

٢١١

انتهى. وقال البرزالي في تاريخه في سنة ثلاثين المذكورة ، ومن خطه نقلت : وفي ليلة الاثنين ثالث شهر رجب توفيت زوجة نائب السلطنة بالشام المحروسة الأمير سيف الدين تنكز الملكي الناصري وهي الست الكبيرة المحترمة بنت الأمير سيف الدين كوكباي المنصوري الناصري ، وصلي عليها بكرة الاثنين بجامع دمشق ، ودفنت بمكان اشترته لدفنها الى جانب المدرسة الطيبة بقرب الخواصين داخل دمشق ، وحضرها جمع كثير : القضاة والامراء والاكابر وعامة الناس ، وعمل عزاها بالمدرسة القليجية جوار الدار التي توفيت فيها ، وشرع في عمارة المكان الذي دفنت فيه ، واحضرت الآلات والصناع وحصل الاتمام بذلك ، وبلغني أنها أوصت أن يعمل قبة على الضريح وفي جواره مسجد ورباط للنساء رحمها الله وتقبل منها فعمل ذلك جميعه ، وكانت حجت بالعام الماضي وتصدقت واثنى الناس عليها انتهى.

٢٩٥ ـ التربة الكندية

بسفح قاسيون ، وهي تربة العلامة تاج الدين ابي اليمن الكندي الحنفي ، قال الصفدي في تاريخه في حرف الزاي : ودفن بتربته بالسفح ، وله ترجمة طويلة في نحو كراسة مذكورة فيه لخصت منها شيئا في المدرسة التاجية الحنفية فراجعها انتهى.

٢٩٦ ـ التربة الكاملية الصلاحية البرانية

بالجبل تحت كهف جبريل. قال الحافظ علم الدين البرزالي ومن خطه نقلت : في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة وفي ليلة الأربعاء وقت السحر الثالث والعشرين من شوال توفي الشيخ الفقيه الامام المحدث المفيد العدل شمس الدين ابو عبد الله محمد بن ابراهيم بن غنائم بن وافد بن المهندس الصالحي الحنفي ، وصلي عليه عقيب الظهر بالجامع المظفري بسفح جبل قاسيون ، ودفن بتربة والده بالقرب من المدرسة المعظمية ومولده في سنة خمس وستين وستمائة تقريبا ، وكان

٢١٢

اشتغل بالفقه ، وسمع الكثير من اصحاب ابن طبرزد وحنبل والكندي ومن بعدهم ، ونسخ بخطه كثيرا ، وحصل النسخ والاصول وتعب في ذلك ، وخرج لنفسه ولبعض الشيوخ ، ورحل الى الديار المصرية والى حلب المحروسة ، وحج مرات ، وزار القدس الشريف ، وسمع في البلاد وحصل تحصيلا كثيرا ، وكان من أعيان الشهود العدول لازم الشهادة وكتابة الشروط مدة طويلة ، وكان رجلا جيدا فيه ديانة وخير ومحبة للعلم ، واسمع جملة من مسموعاته ، ورافقته في الحج فرأيت فيه حرصا على العبادة والخير ، وكان شيخ الحديث بمشهد ابن عروة وبالتربة الكاملية الصلاحية ، بالصالحية ، وله وظائف وجهات انتهى. وقال الذهبي في ذيل العبر : في سنة ثلاث وثلاثين المذكورة : ومات الامام المحدث العدل شمس الدين محمد بن ابراهيم بن غنائم بن المهندس الصالحي الحنفي في شوال عن ثمان وستين سنة ، سمع ابن ابي عمر وابن شيبان ومن بعدهما ، وكتب الكثير ، ورحل وخرج وتعب ، ونسخ تهذيب الكمال للمزي مرتين ، مع الدين والتواضع ومعرفة الشروط انتهى. وقال السيد في ذيل العبر في سنة سبع وأربعين وسبعمائة : ومات شيخنا ابو العباس أحمد بن ابراهيم بن المهندس الحنفي ، سمع الفخر وابن شيبان وخلقا باعتناء أخيه المحدث شمس الدين ، وولي مشيخة الكاملية بالجبل بعد أخيه ، توفي في شوال انتهى رحمه‌الله تعالى.

٢٩٧ ـ التربة الكاملية الجوانية

شرقي الخانقاه السميساطية ، قال عز الدين الانصاري الحلبي : ولما ملكها يعني دمشق الملك الكامل وتوفي بها ، عمدت بناته الثلاث الى أماكن في جوار باب الناطفائيين فاشتروها وعمروها تربة مفتوحة الشبابيك الى الجامع وبها قراء انتهى. وقال الذهبي في العبر في سنة خمس وثلاثين وستمائة : والكامل سلطان الوقت ناصر الدين ابو المعالي محمد بن العادل ابي بكر بن ايوب ، ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة ، وتملك الديار المصرية تحت جناح والده عشرين سنة وبعده عشرين سنة ، وملك دمشق قبل موته بشهرين وتملك حران وأمد وتلك الديار ،

٢١٣

وله مواقف مشهودة وكان صحيح الاسلام ، معظما للشريعة والسنة وأهلها ، محبا لمجالسة العلماء ، فيه عدل وكرم وحياء ، وله هيبة شديدة ، مرض بقلعة دمشق بالسعال والاسهال نيفا وعشرين ليلة ، وكان في رجله نقرس ، ومات في الحادي والعشرين من شهر رجب ، ومن عدله المخلوط بالجبروت والظلم ، شنق جماعة من أجناده على أمد في أكيال شعير غصبوه انتهى. وقال في مختصر تاريخ الاسلام في سنة خمس وثلاثين المذكورة : وفيها مات الاخوان الملك الاشرف مظفر الدين موسى في اول السنة وتملك البلد الملك الكامل فمات في القلعة بعد سنة اشهر ، وكان مولدهما بالقاهرة في عام واحد أيضا وهو سنة ست وسبعين وخمسمائة ، فأما الاشرف الى ان قال : وأما الكامل فإنه تملك الديار المصرية أربعين سنة ، وعمر دار الحديث بها ، وقبة على ضريح الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه ، وله مواقف مشهودة في الجهاد وكان معظما للسنن ، محبا لمجالسة العلماء ، فيه عقل ودين ، ولما بلغه موت الاشرف أخيه سار الى دمشق ، وقد تسلطن بها أخوه الصالح اسماعيل فأخذها منه واستقر بالقلعة ، فما بقي شهرين حتى فاجأته المنية بالسعال والاسهال ، وكان فيه نقرس ، وكان فيه أيضا جبروت وسخف انتهى ، وقال ابن كثير في سنة خمس وثلاثين المذكورة أيضا : وكان الملك بعده لأخيه الصالح اسماعيل ، فلما توفي أخوه الاشرف المذكور ركب في ابهة الملك ومشى الناس بين يديه وركب الى جانبه صاحب حمص أسد الدين شيركوه (١) بن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شاذي وعز الدين ايبك المعظمي حامل الغاشية على رأسه ، وصادر جماعة من الدماشقة الذين قبل عنهم انهم مع أخيه الكامل صاحب مصر ، منهم : المعلم معاسف وأولاد ابن مزهر وحبسهم ببصرى ، واطلق الحريري من قلعة عزتا وشرط عليه ان لا يدخل دمشق ، ثم قدم أخوه الكامل من مصر وانضاف اليه الناصر داود صاحب الكرك ونابلس والقدس ، فحاصروا دمشق حصارا شديدا ، وقد حصنها الصالح اسماعيل ، وقطعت المياه ورد الكامل ماء بردى الى ثورى ، واحرقت العقبة وقصر حجاج ، وجرت

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ١٨٤.

٢١٤

خطوب كثيرة ، ثم آل الحال في آخر جمادى الأولى من السنة المذكورة الى أن سلم الصالح دمشق الى أخيه الكامل على أن له بعلبك وبصرى ، وسكن الأمر ، وكان الصلح بينهما على يد القاضي محي الدين يوسف ابن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي ، لأنه كان بدمشق قد قدم في رسالة من جهة الخليفة الى دمشق فجزاه الله خيرا ، ودخل الكامل دمشق واطلق الفلك بن المسيري (١) من سجن الحيات بالقلعة الذي اودعه فيه الأشرف ، ونقل الأشرف الى تربته شمالي الكلاسة من قلعة دمشق بعد دفنه بها ، وأمر الكامل في يوم الاثنين سادس جمادى الآخرة أئمة الجامع الأموي أن لا يصلي أحد منهم المغرب سوى الإمام الكبير لما كان يقع من التشويش والخلاف والاختلاف بسبب اجتماعهم في وقت واحد ، ولنعم ما فعل رحمه‌الله تعالى ، وقد فعل هذا في زماننا في صلاة التراويح ، اجتمع الناس على قاريء واحد وهو الإمام الكبير في المحراب المقدم عند المنبر ، ولم يبق معه إمام حينئذ سوى الذي بالحلبية عند مشهد علي ، ولو ترك لكان حسنا ، ولد الكامل في سنة ست وسبعين وخمسمائة ، وكان اكبر أولاد الملك العادل سيف الدين ابي بكر بعد مودود ، وإليه أوصى الملك العادل لعلمه بثباته وكمال عقله ووفور معرفته ، وقد كان جيد الفهم ، يحب العلماء ويسألهم أسئلة مشكلة ، وله كلام جيد على صحيح مسلم ، وكان ذكيا مهيبا ذا بأس شديد ، عادلا منصفا له حرمة وافرة وسطوة قوية ، ملك مصر ثلاثين سنة كاملة ، وكانت الطرقات في زمانه آمنة ، والرعايا متناصفة ، لا يتجاسر أحد أن يظلم أحد ، شنق جماعة من الاجناد أخذوا شعيرا لبعض الفلاحين بأرض آمد ، واشتكى إليه بعض الركبدارية ان استاذه استعمله ستة اشهر بلا اجرة ، واحضر الجندي وألبسه ثياب الركبداري وألبس الركبداري ثياب الجندي وأمره أن يخدم الركبداري ستة أشهر على هذه الهيئة ، ويحضر الركبداري الموكب والخدمة حتى ينقضي الأجل ، فتأدب الناس بذلك غاية الأدب رحمه‌الله تعالى. وكانت له اليد البيضاء في رد ثغر دمياط الى المسلمين بعد أن استحوذ عليه الفرنج ، فرابطهم اربع سنين حتى استنقذه منهم ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٢٢١.

٢١٥

وكان يوم اخذه له واسترجاعه إياه يوما مشهودا ، ثم بعد شهرين من حين تملك دمشق حدث له أمراض مختلفة من ذلك سعال واسهال ونزلة في حلقه ونقرس في رجليه ، وكانت وفاته ليلة الخميس ثاني عشرين شهر رجب في البيت الصغير الذي توفي فيه جده الملك الناصر من قلعة دمشق ، ولم يكن عند الكامل أحد عند موته من شدة هيبته ، بل دخلوا عليه فوجدوه ميتا رحمه‌الله تعالى ، ودفن بالقلعة المذكورة حتى كملت تربته التي أنشأها بناته بالحائط الشمالي من الجامع ذات الشبابيك التي هناك قريبا من مقصورة ابن سنان ، وهي الكندية التي عند الحلبية ، فنقل إليها ليلة الجمعة حادي عشرين شهر رمضان منها ، ومن شعره يستحث أخاه الملك الاشرف من بلاد الجزيرة حين كان محاصرا بدمياط وهو قوله :

يا مسعفي ان كنت حقا مسعفي

فارحل بغير تفند وتوقف

ودع المنازل والديار ولا تلج

الا على باب المليك الأشرف

قبل يديه لا عدمت وقل له

عني بحسن تعطف وتلطف

أن مات صنوك عن قريب تلقه

ما بين حد مهند ومثقف

او تبط عن انجاده تلقاه في

يوم القيامة في عراص الموقف

وكان قد عهد لولده العادل وكان صغيرا بالديار المصرية وبالبلاد الشامية ، ولولده الصالح أيوب ببلاد الجزيرة ، فأمضى الأمراء ذلك انتهى ملخصا. وقال الذهبي في مختصر تاريخ الإسلام : فلما مات الكامل كان بالحضرة عز الدين إيبك صاحب المدرسة العزية ، وسيف الدين علي بن قليج صاحب المدرسة القليجية ، وفخر الدين ابن الشيخ (١) وأخوه ، وركن الدين ابن الهكاري فاشتوروا فيمن يسلطنون ، وكان الملك الناصر بن المعظم بدار أسامة فهموا أن يولوه ، وكان أضر ما عليه عماد الدين ابن الشيخ (٢) لأنه أهانه في بحث ، فأشار بالجواد ، فوافقه الأمراء وأرسلوا في الوقت أميرا إلى الناصر ليخرج من البلد فخرج إلى القابون

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٢٣٨.

(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٨١.

٢١٦

وسلطنوا الملك الجواد مودود بن العادل فأنفق الأموال وبذر ، وسارع الناصر وأخذ غزة وأما مصر فسلطنوا بها الملك العادل ولد الكامل انتهى. وفي سنة إحدى وأربعين وستمائة ترددت الرسل بين الصالح نجم الدين أيوب وبين عمه الصالح إسماعيل ابن الملك العادل صاحب دمشق ، على أن يرد إليه ولده المغيث عمر بن الصالح نجم الدين أيوب المعتقل في قلعة دمشق ، وتستقر دمشق في يد الصالح إسماعيل ، فوقع الصلح على ذلك ، وخطب للصالح أيوب صاحب مصر بدمشق ، فخاف الوزير أمين الدولة أبو الحسين غزال المسلماني وزير الصالح اسماعيل. فقال لمخدومه : لا ترد هذا الغلام لأبيه تخرج البلاد من يدك ، هذا خاتم سليمان في يدك ، فعندها أبطل ما كان وقع من الصلح ورد الغلام الى القلعة ، وقطعت الخطبة للصالح أيوب ، فوقعت الوحشة بين الملكين ، وأرسل الصالح أيوب إلى الخوارزمية يستحضرهم لحصار دمشق ، وكانوا قد أخذوا بلاد الروم من ملكها ابن علاء الدين (١) الذي مات من عضة السبع لما لعب به ، وكان قليل العقل يلعب بالكلاب والسباع ، ويسلطها على الناس ، فاتفق أنه عضه سبع فمات فتغلبوا حينئذ على البلاد ، وفي سنة اثنتين وأربعين توفي الملك المغيث عمر ابن الصالح أيوب كان الصالح اسماعيل عم أبيه قد أسره وسجنه في برج قلعة دمشق حين أخذها في غيبة الصالح أيوب أبيه ، فاجتهد أبوه بكل ممكن بخلاصه فلم يقدر ، وعارضه فيه أمين الدولة غزال المسلماني المذكور ، وهو واقف المدرسة الأمينية ببعلبك ، فلم يزل محبوسا بالقلعة من سنة ثمان وثلاثين إلى ليلة الجمعة ثاني عشر شهر ربيع الآخر من هذه السنة ، فأصبح ميتا في محبسه غما وحزنا ، ويقال إنه قتل والله سبحانه وتعالى أعلم ، وكان من خيار الملوك ، ومن أحسنهم شكلا ، وأكملهم عقلا ، ودفن عند جده الكامل في تربته شمالي الجامع ، فاشتد حنق أبيه الصالح أيوب سلطان مصر على الصالح صاحب دمشق ، وفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة بعث الصالح أيوب الخوارزمية ومعهم ملكهم بركات خان في صحبته معين الدين ابن الشيخ ، فأحاطوا بدمشق يحاصرون عمه الصالح اسماعيل

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٢٠٩.

٢١٧

أبا الجيش صاحب دمشق ، واحرق قصر الحجاج ، وحكر السماق ، وجامع جراح وباب الصغير ، ومساجد كثيرة ، ونصب المنجنيق عند باب الصغير وعند باب الجابية ، ونصب داخل البلد أيضا منجنيقات : وترامى الفريقان ، وأرسل الصاحب الصالح اسماعيل إلى الأمير معين الدين ابن الشيخ بسجادة وعكازة وابريق وأرسل يقول له : اشتغالك بهذا أولى من اشتغالك بمحاصرة الملوك ، فأرسل إليه المعين بزمر وجنك وغلالة حرير أحمر وأصفر وأرسل يقول له : أما السجادة فإنها تصلح لي ، وأما أنت فهذا الأولى بك ، ثم أصبح ابن الشيخ واشتد الحصار بدمشق ، وأرسل الصالح اسماعيل فأحرق جوسق والده العادل ، وامتد الحريق في زقاق الرمان الى العقيبة فاحترقت بأسرها ، وقطعت الأنهار ، وغلت الأسعار وأخيفت الطرق وجرى بدمشق أمور شنيعة بشعة جدا لم يتم عليها قط ، وامتد الحصار شهورا من أول هذه السنة إلى جمادى الأولى ، فأرسل أمين الدولة يطلب من الأمير معين الدين ابن الشيخ شيئا من ملابسه ، فأرسل إليه بفرجية وعمامة وقميص ومنديل فلبس ذلك الأمين وخرج إلى معين الدين ، فاجتمع به بعد العشاء طويلا ، ثم عاد ثم خرج مرة اخرى فاتفق الحال على أن يخرج الصالح اسماعيل إلى بعلبك ويسلم دمشق إلى الصالح أيوب ، ودخل معين الدين ابن الشيخ إلى دمشق ونزل دار أسامة ، فولي وعزل وقطع ووصل ، وفوض قضاء القضاة إلى صدر الدين بن سني الدولة ، وعزل القاضي محيي الدين بن الزكي واستناب ابن سني الدولة التفليسي (١) الذي ناب لابن الزكي والفوز السنجاري ، وأرسل معين الدين ابن الشيخ أمين الدولة غزال المسلماني وزير الصالح اسماعيل تحت الحوطة إلى الديار المصرية. واما الخوارزمية فإنهم لم يكونوا حاضرين وقت الصلح ، فلما علموا بالصلح غضبوا وساروا نحو داريا فنهبوها وساروا نحو بلاد الشرق ، فكاتبوا الصالح اسماعيل فحالفوه على الصالح أيوب ، ففرح بذلك ونقض الصلح الذي كان وقع منه ، وعادت الخوارزمية فحاصروا دمشق ، وجاء إليهم الصالح إسماعيل من بعلبك فضاق الحال على الدماشقة ، فعدمت الأقوات وغلت الأسعار

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٣٧.

٢١٨

جدا ، حتى أنه بلغت الغرارة ألفا وستمائة ، وصار قنطار الدقيق بسبعمائة والخبز كل أوقتين إلا ربعا بدرهم ، ورطل اللحم بسبعة ، وأبيعت الأملاك بالدقيق ، وأكلت القطاط والكلاب والميتات والجيف ، وتماوت الناس في الطرقات ، وعجزوا عن الغسل والتكفين والاقبار ، فكانوا يلقون موتاهم في الآبار ، حتى أنتنت المدينة وضج الناس ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وفي هذه الأيام توفي الشيخ تقي الدين بن الصلاح ، شيخ دار الحديث وغيرها من المدارس ، فما أخرج من باب الفرج ودفن بالصوفية إلا بالجهد الجهيد ، وما صحبه إلى التربة إلا نحو العشرة أنفس رحمه‌الله تعالى. ولما بلغ الصالح أيوب أن الخوارزمية قد مالئوا عليه وصالحوا عمه الصالح اسماعيل كاتب الملك المنصور ابراهيم بن أسد الدين شيركوه (١) صاحب حمص فاستماله إليه ، وقوى جانب نائب دمشق معين الدين ابن الشيخ ، ولكنه توفي في شهر رمضان منها ودفن إلى جانب أخيه عماد الدين بقاسيون ، ولما رجع المنصور صاحب حمص عن موالاة اسماعيل الصالح شرع في جمع الجيوش من الحلبيين والتركمان والأعراب لاستنقاذ دمشق من الخوارزمية ومن حصارهم اياها ، فبلغ الخوارزمية ذلك فخافوا من ذلك وعائلته ، وقالوا : دمشق ما تفوت والمصلحة قتاله عند بلده ، فساروا إليه إلى عند بحيرة حمص ، وأرسل الناصر داود جيشه إلى الصالح إسماعيل مع الخوارزمية ، فساق جيش دمشق فانضافوا إلى صاحب حمص ، والتقوا مع الخوارزمية عند بخيرة حمص ، وكان يوما مشهودا ، قتل فيه عامة الخوارزمية ، وقتل ملكهم بركات خان وجيء برأسه على رمح ، وتفرق شملهم وتمزقوا شذر مذر ، وساق المنصور صاحب حمص على بعلبك فتسلمها للصالح أيوب ، وجاء إلى دمشق فنزل ببستان سامه خدمة للصالح أيوب ، ثم حدثته نفسه بأخذها فاتفق مرضه ، فمات في السنة الآتية ، وهي سنة أربع وأربعين ، ونقل إلى حمص ، وتسلم نواب الصالح أيوب بعلبك وبصرى ، ولم يبق للصالح اسماعيل بلد يأوي إليه ولا أهل ولا مال ، بل أخذ جميع ماله ،

__________________

(١) شذرات الذهب ٥ : ٢٢٩.

٢١٩

ونقلت عياله تحت الحوطة إلى الديار المصرية ، وسار هو فاستجار بالملك الناصر ابن العزيز بن الظاهر غازي صاحب حلب المحروسة ، فآواه وأكرمه واحترمه ، وأما الخوارزمية فساروا إلى ناحية الكرك فأكرمهم الناصر داود صاحبها وصاهرهم وأنزلهم بالصلت فأخذوا معها نابلس ، فأرس الملك الصالح جيشا مع فخر الدين ابن الشيخ فكسرهم على الصلت وأجلاهم عن تلك البلاد ، وحاصر الناصر بالكرك وأهانه غاية الإهانة ، وقدم الملك الصالح نجم الدين أيوب من الديار المصرية فدخل دمشق في أبهة عظيمة ، وأحسن إلى أهلها ، وتصدق ، وسار إلى بعلبك وإلى بصرى وصرخد ، فتسلمها من صاحبها عز الدين ايبك ، وعوضه عنها ، ثم عاد إلى مصر في سنة أربع وأربعين مؤيدا منصورا مسرورا ولله الحمد ، وجميع هذه الفتن نشأت عن رأي الوزير السامري ، الذي أسلم في الظاهر ، وهو واقف الأمينية التي ببعلبك أمين الدولة أبو الحسن غزال وزير الصالح إسماعيل أبي الجيش ، الذي كان مشؤوما على نفسه وعلى سلطانه ، وسبب زوال النعمة عنه وعن مخدومه ، وهذا هو وزير السوء ، وقد اتهمه السبط بأنه كان مستترا بالدين ، وانه لم يكن في الحقيقة دين. فأراح الله تعالى منه عامة المسلمين ، وكان قتله في سنة ثمان وأربعين لما عدم الصالح اسماعيل بديار مصر ، عمد من الأمراء إليه وإلى ناصر الدين بن يغمور فشنقوهما وصلبوهما على القلعة بمصر ، وقد وجد لأمين الدولة هذا من الأموال والتحف والجواهر والأثاث ما يساوي ثلاثة آلاف ألف دينار ، وعشرة آلاف بخط منسوب وغير ذلك من الخطوط النفيسة الفائقة ، وهو الذي أهلك قاضي القضاة رفيع الدين الجيلي في الدنيا والآخرة انتهى.

وقال الصفدي في المحمدين من تاريخه : محمد بن عبد الملك بن اسماعيل ، الملك الكامل ناصر الدين ابن الملك السعيد ابن السلطان الملك الصالح بن العادل الأيوبي سبط السلطان الملك الكامل وابن خاله صاحب الشام الناصر سيف وابن خالة صاحب حماه ، ولد سنة ثلاث وخمسين ، وحدث عن ابن عبد الدائم ، وكان دينا خيرا خبيرا بالأمور ، وفيه انبساط كثير ولطف وافر ، وله النوادر في التعذيب الحلو الداخل ، وهي مشهورة بين أهل دمشق ، وبسط

٢٢٠