الدّارس في تاريخ المدارس - ج ٢

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في تاريخ المدارس - ج ٢

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

٤٨ ـ مسجد عبد الكريم الأبيض رحمه‌الله تعالى.

٤٩ ـ مسجد العمري بحكر السماق.

٥٠ ـ مسجد الشيخ قطب الدين النيسابوري رحمه‌الله تعالى.

٥١ ـ مسجد اليمني جوار الخانقاه الحسامية (١).

٥٢ ـ مسجد خان السبيل جوار النارنج.

٥٣ ـ مسجد حارة العجم.

٥٤ ـ مسجد البرهان الموصلي.

٥٥ ـ مسجد بيت رانس.

٥٦ ـ مسجد ببيلا.

٥٧ ـ مسجد الشاغوري بعقربا.

٥٨ ـ مسجد قصير القوافل.

٥٩ ـ مسجد قصير النور.

٦٠ ـ مسجد الغزلانية.

٦١ ـ مسجد دير الحجر.

٦٢ ـ مسجد قرحتا.

٦٣ ـ مسجد الأشرفية.

٦٤ ـ مسجد سكّا.

٦٥ ـ مسجد السويحة.

٦٦ ـ مسجد ذيرين.

٦٧ ـ مسجد اللقيّا.

٦٨ ـ مسجد حران المرج.

٦٩ ـ مسجد العبادية.

٧٠ ـ مسجد الحارثية.

٧١ ـ مسجد القاسمية.

٧٢ ـ مسجد حزرما.

__________________

(١) ابن كثير ١٤ : ١٨٣.

٢٨١

٧٣ ـ مسجد الزنبقية.

٧٤ ـ مسجد الشماسية.

٧٥ ـ مسجد النشابية.

٧٦ ـ مسجد الفضالية.

٧٧ ـ مسجد الرمانية.

٧٨ ـ مسجد الزملكانية.

٧٩ ـ مسجد دير العصافير.

٨٠ ـ مسجد بالا.

٨١ ـ مسجد حرستا القنطرة.

٨٢ ـ مسجد زبدين.

٨٣ ـ مسجد قرية البلاط.

٨٤ ـ مسجد دير بحدل.

٨٥ ـ مسجد البحدلية.

٨٦ ـ مسجد الخيارة.

٨٧ ـ مسجد بيت قوفا.

٨٨ ـ مسجد جرمانا.

٨٩ ـ مسجد تلفياثا.

٩٠ ـ مسجد العمري بجوبر.

٩١ ـ مسجد زملكا.

٩٢ ـ مسجد حجيرة.

٩٣ ـ مسجد حمورية.

٩٤ ـ مسجد داعية.

٩٥ ـ مسجد بيت سوا.

٩٦ ـ مسجد كفر مديرة.

٩٧ ـ مسجد مسرابا.

٩٨ ـ مسجد دوما.

٢٨٢

٩٩ ـ مسجد كفربطنا.

١٠٠ ـ مسجد القاعة بها.

١٠١ ـ مسجد المقصص بها.

١٠٢ ـ مسجد العنابة خارج المدينة من جهة باب السلامة.

١٠٣ ـ مسجد الوراقة.

١٠٤ ـ مسجد الشهاب الفاضلي رحمه‌الله تعالى.

١٠٥ ـ مسجد العفيف بن أبي الفوارس عامل المساجد رحمه‌الله تعالى.

١٠٦ ـ مسجد أبي بكر المهتار ، جدد في الأيام الصالحيه النجمية.

١٠٧ ـ مسجد زاوية سوق الخيل.

١٠٨ ـ مسجد كريم الدين الخلاطي رحمه‌الله تعالى.

١٠٩ ـ مسجد الغرباء ، الخارج عن البلد.

١١٠ ـ مسجد الشيخ القرشي رحمه‌الله تعالى بالحارة الشهرزورية.

١١١ ـ مسجد الاقطع الهندي رحمه‌الله تعالى.

١١٢ ـ مسجد سليمان الحلبي رحمه‌الله تعالى.

١١٣ ـ مسجد ابن دبوقة رحمه‌الله تعالى بمرج الدحداح رضي الله تعالى عنه.

١١٤ ـ مسجد القطب بن أسود رحمه‌الله.

١١٥ ـ مسجد الزبيرية.

١١٦ ـ مسجد حسون رحمه‌الله تعالى.

١١٧ ـ مسجد جوشن رضي الله تعالى عنه بميدان الحصى.

١١٨ ـ مسجد ساباط جراح.

١١٩ ـ مسجد جوار دار البطيخ.

١٢٠ ـ مسجد شعيفات التراب رحمه‌الله تعالى.

١٢١ ـ مسجد صفوان.

انتهى كلام العز بن شداد رحمه‌الله تعالى مع بعض زيادات ، وقد وقع له كلام وفي كلامه أوهام فاحشة يعتمد ما ينفرد به ، وغالب هذه المساجد زالت

٢٨٣

أعيانها ، وتغيرت احوالها وخططها ، داخل البلد وخارجها وتجددت مساجد كثيرة وخصوصا في ضواحيها ، وها أنا أذكر ما يحضرني الآن من مشهورها : مسجد المؤيد.

قال الأسدي في ذيله في سنة عشرين وثمانمائة وفي جمادى الاولى منها ، فرغ من بناء هذا المسجد الذي أنشأه الملك المؤيد تحت القلعة بالمؤيدية ، وفي هذه السنة شرع في عمارة المدرسة المؤيدية بالقاهرة المعزية انتهى.

٢٨٤

الذيل في ذكر الجوامع

من ملحقات سيدي الوالد الماجد

جامع بني أمية

١ ـ جامع دمشق ، ويقال له جامع بني أمية ، والجامع الأموي ، والجامع المعمور ، عن يزيد بن ميسرة قال : أربعة أجبل مقدمات بين يدي الله عزوجل ، طورزيتا ، وطور سينا ، وطور تينا ، وطور تيماء ، قال فطور زيتا بيت المقدس ، وطور سينا طور موسى عليه‌السلام ، وطور تينا مسجد دمشق ، وطور تيماء مكة المشرفة.

وعن قتادة (١) أنه قال : أقسم الله تبارك وتعالى بمساجد أربعة ، فقال : والتين ، وهو مسجد دمشق ، والزيتون ، وهو مسجد بيت المقدس ، وطور سينين ، وهو حيث كلم الله تعالى موسى عليه‌السلام ، والبلد الأمين ، وهو مكة المشرفة.

وذكر ان جماعة أدركوا في مسجد دمشق شجرا من تين قبل أن يبنيه الوليد. وقال الحافظ شمس الدين الذهبي رحمه‌الله تعالى في مختصر تاريخ الإسلام ، خلافة الوليد بن عبد الملك ، كان وليّ عهد أبيه فقام بالأمر بعده ، وكان مهيبا شجاعا ، ودولته عشرة أعوام ، بنى جامع دمشق وزخرفه ، وكان قبله نصفه كنيسة للنصارى ونصف الذي محراب الصحابة به للمسلمين ، فأرضى الوليد النصارى بعدة كنائس صالحهم عليها فرضوا ، ثم هدمه سوى حيطانه الأربعة ،

__________________

(١) شذرات الذهب ١ : ١٥٣.

٢٨٥

وأنشأ قبة النسر والقناطر ، وحلاه بالذهب والجواهر وأستار الحرير ، وبقي العمل فيه تسع سنين ، حتى قيل كان يعمل فيه اثنا عشر ألف مرخم ، وغرم عليه من الدنانير المصرية زنة مائة قنطار وأربعة وأربعين قنطارا بالدمشقي ، حتى صيره نزهة الدنيا ، وأمر نائبه على المدينة المنورة ببناء مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتوسيعه وزخرفته ، ففعل ، وهو ابن عمه عمر بن عبد العزيز رضي‌الله‌عنه. أه.

وقال العز بن شداد : أخبرني احمد بن عبد الكريم المعروف بابن الخلال الحمصي انه وقف على كتاب ألف للوزير الأكرم وفيه انه قال بحضرة أبي العلاء المعري (١) إن حائط جامع دمشق الشرقي أمر الوليد ان لا يبنى إلا على جبل ، فحفر أسّه فوجد حائط فانتهى إليه ، فأمر ان يحفر امام الحائط فحفر فوجد في الحائط باب ، ففتح فوجد خلفه صخرة عليها كتابة ، فحملت إلى بين يدي الوليد ، فأمر بغسلها ، ونقل ما عليها من الكتابة فكان عليها : لما كان العالم محدثا ، ثبت أن له محدثا أحدثه ، وصانعا صنعه ، فبنى هذا الهيكل لمضي ثلاثة آلاف وسبعمائة سنة لأهل الأسطوان ، فإن رأى الداخل إليه أن يذكر بانيه عند باريه بخير فعل والسلام فقيل لأبي العلاء من أهل الاسطوان؟ فقال : لا أعرف وأنشد :

سيسأل قوم ما الحجيج وما منى

كما قال قوم من جديس ومن طسم

ورؤي وقريء على حجر في المئذنة الشرقية كتابة باليونانية ، ففسرت بالعربية فإذا عليه مكتوب : لما كان العالم محدثا ، والحدث داخل عليه ، وجب ان يكون له محدث ، وكانت الضرورة تعود إلى التعبد لمحدثه ، لا كما يقول ذو اللحيين وذو اللسنين وأشباههما ، فلما دعت الضرورة إلى عبادة هذا الخالق المحدث بالحقيقة ، تجرد لإنشاء البيت وتولى النفقة عليه محب الخير وتقربا إلى منشئ العالم ومبدئه ، وإيثارا لما عنده ، وذلك في سنة ثلثمائة وألفين لأصحاب الاسطوان فليذكر كل من دخل هذا البيت للصلاة فيه العاني به ، وقال ابن عساكر في تاريخه : وأخبرني

__________________

(١) شذرات الذهب ٣ : ٢٨٠.

٢٨٦

أبو التقى هشام بن عبد الملك حدثنا الوليد قال : لما أمر الوليد بن عبد الملك ببناء مسجد دمشق ، وجدوا في حائط المسجد القبلي لوحا من حجر فيه كتابة نقش ، فأتوا به الوليد ، فبعث إلى الروم فلم يستخرجوه ، فبعث إلى العبرانيين فلم يستخرجوه ، ثم بعث به إلى من كان بدمشق من بقية الأشبان فلم يستخرجوه ، فدل على وهب بن منبه (١) ، فبعث إليه ، فلما قدم عليه أخبره بموضع ذلك اللوح ، فوجد ذلك الحائط بناء هود عليه‌السلام ، فلما نظر إليه وهب (٢) حرك رأسه وقرأه ، فإذا هو يقول فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ابن آدم لو رأيت يسير ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك ، وإنما تلقى ندمك إذا زلت به قدمك ، وأسلمك أهلك وحشمك ، وانصرف عنك الحبيب ، وودعك القريب ، ثم صرت تدعي فلا تجيب فلا أنت إلى أهلك عائد ولا في عملك بزائد ، فاعمل لنفسك قبل يوم القيامة ، وقبل الحسرة والندامة ، وقبل ان يحل بك أجلك ، فلا ينفعك مال جمعته ، ولا ولد ولدته ، ولا أخ تركته ، ثم تصير إلى برزخ الثرى ، ومجاورة الموتى فاغتنم الحياة قبل الموت ، والقوة قبل الضعف ، والصحة قبل السقم ، قبل أن تؤخذ بالكظم ويحال بينك وبين العمل ، وكتب في زمان سليمان بن داود عليهما‌السلام. وأنبأ أبو الفضائل محمود عن زيد بن واقد (٣) قال : وكلني الوليد على العمال في بناء جامع دمشق ، فوجدنا فيه مغارة ، فعرفنا الوليد ذلك. فلما كان الليل وافى وبين يده الشمع ، فنزل ، فإذا هي كنيسة لطيفة ثلاثة أزرع في ثلاثة أزرع ، وإذا فيها صندوق ففتح الصندوق فإذا فيه سفط وفي السفط رأس يحيى ابن زكريا عليهما‌السلام ، مكتوب عليه : هذا رأس يحيى بن زكريا ، فأمر به الوليد فرد الى المكان ، وقال اجعلوا العمود الذي فيه مغيرا بين الأعمدة ، فجعل عليه عمود مسفط الرأس. وروى الوليد بن مسلم حدثنا زيد بن واقد قال : ورأيت يحيى بن زكريا حين ارادوا بناء المسجد الجامع أخرج من تحت ركن من اركان القبة ، وكانت البشرة والشعر على رأسه لم يتغير. وقيل ان رأس يحيى بن زكريا نقل من دمشق إلى بعلبك ، ثم نقل منها إلى حمص ، ثم نقل منها إلى حلب

__________________

(١) شذرات الذهب ١ : ٣٤٤.

(٢) شذرات الذهب ١ : ١٥٠.

(٣) شذرات الذهب ١ : ٢٠٧.

٢٨٧

المحروسة في جرن رخام فدخل في القلعة ، وحين استيلاء التتار المخذولين على حلب وقلعتها قنل من قلعتها إلى جامعها ، وأنبأ ابو محمد الأكفاني (١) عن كعب في قول الله عزوجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) الآية. فقال : إذا هدمت كنيسة دمشق ، يعني كنيسة يوحنا ، فبنيت مسجدا وظهر لبس القصب ، فحينئذ تأويل هذه الآية ، فهدمها الوليد. وقرأت على أبي محمد السلمي (٢) عن يحيى بن عمر ونحوه ، وأنبأ أبو الفضل القاسم السمرقندي عن يعقوب بن سفيان (٣) قال سألت هشام بن عمار (٤) عن قصة مسجد دمشق وهدم الكنيسة قال : كان الوليد قال للنصارى من أهل دمشق إنا أخذنا كنيسة توما عنوة والكنيسة الداخلة صلحا ، فأنا أهدم كنيسة توما ، قال هشام : وتلك أكبر من الداخلة ، قال فرضوا أن يهدم الكنيسة الداخلة فهدمها وأدخلها في المسجد ، قال وكان قبلة المسجد اليوم بالمحراب الذي يصلى فيه ، قال : وهدم الكنيسة في اول خلافة الوليد سنة ست وثمانين ، وكانوا في بنائه سبع سنين حتى مات الوليد ولم يتم بناؤه ، فأتمه سليمان من بعده.

وفي كتاب البلاذري (٥) في البلدان : قالوا لما ولي معاوية بن أبي سفيان أراد أن يزيد كنيسة يوحنا في الجامع فأبى النصارى ذلك فأمسك ، ثم طلبها عبد الملك في أيامه للزيادة في المسجد وبذل لهم مالا فأبوا ، ثم إن الوليد بن عبد الملك ابن مروان جمعهم في أيامه وبذل لهم مالا عظيما على أن يعطوه إياها فأبوا فقال : لئن لم تفعلوا لأهدمنها ، فقال بعضهم : يا أمير المؤمنين إن لهذه الكنيسة شأنا إن من هذه هذه الكنيسة جنّ أو أصابه عاهة فأحفظه قولهم ، ودعا بمعول وجعل يهدم حيطانها بيده وعليه قباء خز أصفر ، ثم جعل الفعلة والنقاض يهدمونها ، وبنى الجامع ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه شكا النصارى إليه ما فعل الوليد بهم في كنيستهم ، فكتب إلى عامله يأمره برد ما زاده في الجامع

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ٧٣.

(٢) شذرات الذهب ٤ : ٧٨.

(٣) شذرات الذهب ٢ : ١٧١.

(٤) شذرات الذهب ٢ : ١٠٩.

(٥) ابن كثير ١١ : ٦٩.

٢٨٨

عليهم فكره أهل دمشق ذلك ، وقالوا : يهدم مسجدنا بعد أن أذنا فيه وصلينا ويرد بيعة ، وفيهم يومئذ سليمان بن حبيب المحاربي (١) قلت : وهو قاضي دمشق يومئذ ، وغيره من الفقهاء ، فأقبلوا على النصارى وسألوهم أن يعطوهم جميع كنائس الغوطة التي أخذت عنوة وصارت في أيدي المسلمين على أن يصفحوا عن كنيسة يوحنا ويمسكوا عن المطالبة لها ، فرضوا بذلك وأعجبهم ، فكتب به إلى عمر بن عبد العزيز فسرّه وأمضاه.

وقرأت على أبي محمد السلمي عن عبد العزيز بن أحمد وأنبأنا أبو محمد بن الأكفاني عن يحيى بن يحيي ، قال : لما همّ الوليد بن عبد الملك بهدم كنيسة يوحنا ليزيدها في الجامع ، دخل الكنيسة ، ثم صعد منارة ذات الأصابع المعروفة بالساعات ، وفيها راهب يأوي في صومعة له فأحدره من الصومعة فأكثر الراهب كلامه ، فلم يزل الوليد في قفاه حتى احدره من المنارة انتهى حديث عبد العزيز ، زاد ابن الأكفاني : ثم همّ بهدم الكنيسة ، فقال له جماعة من نجاري النصارى : ما نجسر على هدمها يا أمير المؤمنين نخشى أن نجن أو يصيبنا شيء فقال الوليد : تحذرون وتخافون ، يا غلام هات المعول ، ثم أتى بسلم فنصبه على محراب المذبح وصعد ، فضرب بيده المذبح حتى أثر فيه أثرا كبيرا ، ثم صعد المسلمون فهدموها ، وأعطاهم الوليد مكان الكنيسة التي في المسجد الكنيسة التي تعرف بحمام القاسم بحذاء دار أم البنين في الفراديس. قال يحيى بن يحيى : أنا رأيت الوليد بن عبد الملك فعل ذلك بكنيسة مسجد دمشق وقرأت على أبي محمد السلمي عن أبي محمد التميمي عن أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الملك (٢) بن مروان المقري ، إن المغيرة مولى الوليد بن عبد الملك دخل يوما على الوليد بن عبد الملك ابن مروان فرآه مغموما ، فقال له : يا أمير المؤمنين ما شأنك فأعرض عنه ، ثم إنه عاوده فقال له : يا أمير المؤمنين ما شأنك؟ فقال له : يا مغيرة إن المسلمين قد كثروا وقد ضاق بهم المسجد ، وقد بعثت إلى هؤلاء النصارى أصحاب هذه الكنيسة لندخلها في المسجد فأبوا علينا ، وقد أقطعتهم قطائع كثيرة وبذلت لهم

__________________

(١) شذرات الذهب ١ : ١٧١.

(٢) شذرات الذهب ٢ : ٢٦٨.

٢٨٩

أموالا فامتنعوا ، فقال له المغيرة : لا تغتم يا أمير المؤمنين قد دخل خالد بن الوليد من الباب الشرقي بالسيف ، ودخل أبو عبيدة بن الجراح من باب الجابية بالأمان ، فنماسحهم إلى موضع بلغ السيف ، فإن يكن لنا فيه حق أخذناه ، وإن لم يكن لنا فيه حق داريناهم حتى نأخذ باقي الكنيسة فندخله في المسجد ، فقال له : فرجت عني فتولّ هذا الأمر ، قال فتولاه ، فبلغت المساحة إلى سوق الريحان حتى حاذى من القنطرة الكبيرة أربعة أذرع بالذراع الهاشمي ، فإذا باقي الكنيسة قد دخل في المسجد ، فبعث إليهم وقال : هذا حق قد جعله الله عزوجل لنا ، فقالوا : يا أمير المؤمنين قد أقطعتنا كنائس وبذلت لنا من المال كذا وكذا ، فإن رأيت يا أمير المؤمنين ان تتفضل به علينا فعلت ، فامتنع عليهم حتى سألوه وطلبوا إليه ، فأعطاهم كنيسة حميد بن درة ، وكنيسة اخرى إلى جانب سوق الجبن ، وكنيسة المصلبة وكنيسة مريم ، قال : ثم أن الوليد بعث إلى المسلمين حتى اجتمعوا لهدم الكنيسة واجتمع النصارى ، فقال للوليد بعض القسيسين والفأس على كتفه وعليه قباء سفرجلي ، وقد شدّ بزور قبائه : يا أمير المؤمنين إني أخاف عليك من الشاهد ، قال : ويلك ما أضع فأسي إلا في رأس الشاهد ، ثم إنه صعد ، فأول من وضع فأسه في هدم الكنيسة الوليد وسارع الناس في الهدم ، وكبر الناس ثلاث تكبيرات وزادها في المسجد.

ولما بلغ ملك الروم هدمها ، كتب إليه : إنك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها ، فإن كان حقا فقد خالفت أباك ، وإن كان باطلا فقد أخطأ أبوك ، فلم يدر ما جوابه ، فكتب إلى الكوفة وإلى البصرة وسائر البلدان أن يجيبوه ، فلم يجبه احد ، فوثب الفرزدق فقال : أصلح الله أمير المؤمنين قد رأيت رأيا فإن كان حقا فخذه وإن كان خطأ فمني ، وهو قول الله عزوجل (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) الآية. قال : فكتب الوليد إلى ملك الروم فلم يجبه ، وأنشأ الفرزدق يقول :

فرقت بين النصارى في كنائسهم

والعابدين مع الأسحار والعتم

٢٩٠

وهم معا في مصلاهم وأوجههم

شتى إذا سجدوا لله والصنم

وكيف يجتمع الناقوس يضر به

أهل الصليب مع القراء لم تنم

فهمك الله تحويلا لبيعتهم

عن مسجد فيه يتلى طيب الكلم

فهمت تحويلها عنهم كما فهما

إذ يحكمان لهم في الحرث والغنم

داود والملك المهدي إذ حكما

اولادها واجتزاز الصوف بالجلم

ما من أب حملته الأرض نعلمه

خير بنين ولا خير من الحكم

وقيل لما أراد الوليد بناء مسجد دمشق احتاج إلى صناع كثيرة ، فكتب إلى الطاغية ان وجّه إلي بمأتي صانع من صناع الروم ، فإني أريد أن أبني مسجدا لم يبن من مضى قبلي ولم يبن من بعدي مثله ، فإن أنت لم تفعل غزوتك بالجيوش ، وأخرجت الكنائس في بلدي وكنيسة بيت المقدس ، وكنيسة الرها ، وسائر آثار الروم في بلدي ، فأراد الطاغية أن يغضه عن بنائه وأن يضعف عزمه ، فكتب إليه ، والله لئن كان أبوك فهمها وأغفلت عنها انها لوصمة عليك ، وإن كنت فهمتها وغيبت عن أبيك أنها لوصمة عليه وأنا موجه لك ما سألت ، فأراد أن يجعل له جوابا ، فجلس له عقلاء الرجال في حظيرة المسجد يفكرون في ذلك ، فدخل عليهم الفرزدق فقال : ما بال الناس أراهم مجتمعين حلقا ، فقيل له السبب كيت وكيت ، فقال : أنا أجيبه من كتاب الله تعالى : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) الآية. وقال : قرأت في الكتاب الذي فيه أخبار الأوائل ، إن هذه الدار المعروفة بالخضراء مع الدار المعروفة بالمطبق مع دار المعروفة بدار الخيل مع المسجد الجامع أقاموا وقت بنائها يأخذون لها الطالع ثماني عشرة سنة وقد اجتهدوا في ذلك وما حفروا اساس الحيطان حتى وافاهم الوقت الذي طلع فيه الكوكبان اللذان أرادوا بطلوعهما ان المسجد لا يخرب أبدا ولا يخلو من العبادة ، وأن هذه الدار إذا بنت لا تخلو أن تكون دار الملك والسلطنة ، والضرب ، والحبس وعذاب الناس والقتل ، ومأوى الجند والعساكر والبلاء والفتنة ، فبنى عليه هذا ، وكانت في ذلك الزمان كلها دارا واحدة.

وقد بنى الوليد بن عبد الملك بن مروان كل ما كان داخل حيطان المسجد

٢٩١

وزاد في سمكها ، ولما بنى القبة فيه واستقلت وتمت ، وقعت ، فشق ذلك على الوليد ، فأتاه رجل من البنائين فقال له : أنا أتولى بنيانها على أن تعطيني عهد الله أن لا يدخل معي أحد في بنيانها ، ففعل ذلك ، فحفر موضع الأركان حتى بلغ الماء ثم بناها ، فلما استعلت على وجه الأرض غطاها بالحصر وهرب عن الوليد ، فأقام بطلبه ولم يقدر عليه ، فلما كان بعد سنة لم يعلم الوليد إلا وهو على بابه ، فقال له : ما دعاك إلى ما صنعت ، قال : تخرج معي حتى أزيك فخرج الوليد والناس معه حتى كشف الحصر فوجد البنيان قد انحط حتى صار مع وجه الأرض فقال : من هذا ، ثم بناها ببنائها الذي هي عليه حتى قامت ، ويقال إنه حفر الأساس أي أساس مسجد دمشق حتى بلغ الحفير إلى الماء ، وألقي فيه جراز الكرم ، وبنى عليه ذلك الأساس ، وقد روى عن بعض قومة المسجد في بنائه ، قال : حدث ان الوليد بن عبد الملك بعث إليه يوما عند فراغه من القبة الكبيرة ولم يبق منها إلا عقد رأسها ، فقال : إني عزمت أن أعقدها بالذهب ، فقال له : يا أمير المؤمنين هل اختلطت هذا شيء لا تقدر عليه ، فقال له : يا ماص هن امه ، تقول لي هذا ، وأمر به فضرب خمسين سوطا ، ثم قال : اذهب فافعل ما أمرت به ، قال : فذكر لي انه عمل لبنة من ذهب فأمر بحملها إليه ، فلما نظر إليه وعرف ما فيها وما تحتاج القبة إلى مثلها قال : هذا شيء لا يوجد في الدنيا فرضي عنه وأمر له أي للمضروب بخمسين دينارا.

ثم اراد ان يبني المسجد اسطوانات الى الكوى ، فدخل بعض البنائين فقال : لا ينبغي ان يبني كذا ولكن يبنغي أن يبني فيها قناطر وتعقد اركانها بعضها الى بعض ، ثم تجعل اساطين ، ويجعل عمدا ، ويجعل فوق العمد قناطر تحمل السقف وتخف عن العمد البناء ، ويجعل بين كل عمودين ركن ، فبني كذلك. قال ابن الرامي يرفعه عن رجل : ولما قطع الوليد بن عبد الملك بن مروان بالرصاص لمسجد دمشق على اهل الكور ، كانت كورة الاردن اكثرهم في ذلك فطلبوا الرصاص في النواويس ، فانتهوا الى قبر من حجارة في داخله قبر من رصاص ، فأخرجوا الميت الذي فيه فوضعوه فوق الأرض ، فوقع في هوة من الارض

٢٩٢

فانقطع عنقه فسال من فيه دم ، فهالهم ذلك ، فسألوا عنه ، فكان فيمن سألوا عبادة بن نسي الكندي (١) ، فقال لهم : هذا قبر طالوت الملك ، كذا قرأه على عبد الكريم.

وأنبأنا ابو محمد بن الاكفاني قال : قرأت على أبي محمد السلمي عن بعض المشايخ قال : لما فرغ الوليد بن عبد الملك من بناء المسجد قال له بعض ولده اتعبت الناس طينته كل سنة ، ويخرب سريعا ، فأمر أن يسقف بالرصاص ، فطلب الرصاص من كل بلد فوصل اليه ، فبقي عليه موضع لم يجد له رصاصا ، فكتب الى عماله يحرضهم في طلبه ، فكتب اليه بعض عماله : انا وجدنا عند امرأة منه شيئا وقد ابت ان تبيعه الا وزنا بوزن من النضار ، فكتب اليه : أن خذه وزنا بوزن ، فأخذه وزنا بوزن ، فلما وافاها النضار ، قالت : هو هدية مني للمسجد ، فقال لها : العامل انت ابيتي ان تبيعيني إياه إلا وزنا بوزن شحا منك ، فكيف تهديه الى المسجد ، فقالت : انما فعلت ذلك ظننت ان صاحبكم يظلم الناس في بنائه ويأخذ اموالهم ، فلما رأيت الوفاء منكم علمت انه لم يكن يظلم فيه أحدا ، ويبتاع وزنا بوزن فكتب الى الوليد بذلك ، فأمر ان يعمل في صفائحه لله ولم يدخله في جملة ما عمله فهو الى اليوم مكتوب عليه : لله ، طبع بطابع على السقف انتهى.

وكان سليمان بن عبد الملك هو المقيم مع الصناع ، فكان يفضل عند الرجل الفلس ورأس المسمار فيجيء به فيرميه في الخزانة.

أنبأنا ابو الحسن علي الخطيب يرفعه الى احمد بن هشام يقول : سمعت ابي يقول ما في مسجد دمشق شيء من الرخام الا ما كان من رخاميّ المقام فإنه يقال انهما من عرش بلقيس ، واما الباقي فكله مرمر. وقيل انه اجتمع في ترخيمه اثنا عشر الف مرخم ، قال بعضهم كتب لي ابو عبد الله محمد الفراوي (٢) ، وقيل انه الفاه يخبرني عن أبي بكر احمد بن الحسين الحافظ يرفعه الى عبد الرحمن بن عبد

__________________

(١) شذرات الذهب ١ : ١٥٥.

(٢) شذرات الذهب ٤ : ٩٦.

٢٩٣

الله بن عبد الحكم قال : سمعت الشافعي يقول : عجائب الدنيا خمسة اشياء ، احدها منارتكم هذه يعني منارة ذي القرنين ، والثانية اصحاب الرقيم الذين هم بالروم اثنا عشر رجلا او ثلاثة عشر رجلا ، والثالثة مرآة في بلاد الاندلس معلقه على باب المدينة اي مدينة الاندلس الكبيرة فإذا غاب الرجل من بلادهم على مسيرة مائة فرسخ في مائة فرسخ اتى بعض اهله الى تلك المرآة يقعد تحتها وينظر في المرآة يرى صاحبه من مائة فرسخ ، والرابعة مسجد دمشق وما يوصف به ومن الانفاق عليه وكثرة محاسنه ، والخامسة الرخام والفسيفساء فإنه لا يدرى له موضع. ويقال ان الرخام الذي فيه كله معجون والدليل على ذلك انه لو وضع على النار لذاب ، وهذا من العجب العجاب وقيل لما اخذ الوليد في بناء مسجد دمشق ، وظهر من تزويقه وتنميقه وبنائه وعظم مؤنته ما ظهر تكلم الناس فقالوا : انفق فيئنا واتلف ما في بيوت اموالنا في نقش الخشب وتزويق الحيطان ، ثم كأنا به قد حرمنا اعطاءنا ، واعتل علينا بذهاب المال وقلته ، فبلغ الوليد كلامهم والذي قالوه ، فصعد المنبر ، فحمد الله واثنى عليه ثم قال : يا ايها الناس قد بلغني مقالتكم ، وانتهى اليّ ما خفتم من حبس اعطائكم ، ودفعكم عن حقوقكم ، وليس الامر كما ظننتم اما واني امرت باحصاء ما في بيوت الاموال فاصبت اعطاكم فيه ست عشر سنة مستقبلة من يومي هذا ، ثم نزل ، وقيل انهم حسبوا ما انفق على الكرمة التي قبلي المسجد الاموي فكان سبعين الف دينار. وقال ابو قصي : انفق في عمارة مسجد دمشق اربعمائة صندوق ، في كل صندوق اربعة عشر الف دينار وقيل انه قال : رأيتكم يا اهل دمشق تفتخرون على الناس بأربع خصال ، فأحببت ان يكون مسجد كم الخامس ، تفتخرون بمائكم وهوائكم وفاكهتكم وحماماتكم فأردت ان يكون مسجدكم الخامس. وقيل انه اشترى العامودين الاخضرين اللذين تحت قبة النسر من حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية بألف وخمسمائة دينار ، وأخبرني ابو الفضل القاسم بن السمرقندي قال : قال ابو يوسف يعقوب بن سفيان قرأت في صفائح في قبلة مسجد الجامع بدمشق مذهبة بلازورد :

٢٩٤

بسم الله الرحمن الرحيم

(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ). الى آخر الآية ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه ، ربنا الله وحده ، وديننا الاسلام ، ونبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، امر ببناء هذا المسجد وهدم الكنيسة التي كانت فيه عبد الله الوليد امير المؤمنين في ذي القعدة من سنة ست وثمانين في ثلاث صفايح منها ، وفي الرابعة فاتحة الكتاب الى آخرها ، ثم النازعات الى آخرها ، ثم عبس الى آخرها ، ثم اذا الشمس كورت الى آخرها ، قال ابو يوسف : وقدمت بعد ذلك فرأيت هذا قد محي وكان هذا قبل المأمون. وقال ابن الرامي : سمعت ابا مروان عبد الرحيم بن عمر المازني يقول : لما كان في ايام الوليد بن عبد الملك وبنائه المسجد الجامع احتفر فيه موضعا فوجدوا بابا من حجارة مغلقا فلم يفتحوه ، وأعلموا به الوليد ، فخرج من داره حتى وقف عليه وفتح بين يديه ، فإذا داخله مغارة فيها تمثال انسان من حجارة على فرس من حجارة في يد التمثال الواحدة الدرة التي كانت في المحراب ، ويده الاخرى مقبوضة فأمر بها فكسرت فإذا فيها حبتان ، حبة قمح وحبة شعير ، فسأل عن ذلك فقيل لو تركت الكف لم يكسرها لم يسوس في هذا البلد قمح ولا شعير.

وأنبأنا ابو محمد بن الاكفاني اخبرني ابو القاسم غنائم بن احمد الخياط حدثني ابو احمد الحافظ الوراق وكان قد عمر مائة سنة ، قال : سمعت بعض الشيوخ يقولون إنه لما دخل المسلمون دمشق وقت فتحها وجدوا على العمود الذي في المقسلاط على السفود الحديد الذي في أعلاه صنما مادا يده بكف مطبقة فكسروه فإذا فيه حبة قمح ، فسألوا عن ذلك فقيل لهم هذه الحبة القمح جعلها حكماء اليونان في كف هذا الصنم طلسما حتى لا يسوس القمح ولو أقام سنين كثيرة. قال ابن عساكر قلت : ورأيت انا هذا السفود على قناطر كنيسة بالمقسلاط. وأنبأنا ابو القاسم علي بن ابراهيم الحسيني قال : سمعت جماعة من شيوخ أهل دمشق يقولون ان العمود الحجر الذي بين سوق الشعير وبين سوق ام حكيم عليه حجر مدور مثل الكرة ، كبير ، لعسر بول الدواب ، اذا دار الفرس او الحمار ثلاث

٢٩٥

مرات حول العمود انطلق البول منه ، عملته حكماء الروم من اليونايين.

وكان مبدأ شروع الوليد في عمارة المسجد سنة سبع وثمانين ، وتوفي يوم السبت منتصف جمادى الآخرة سنة ست وتسعين ، وكانت مدة ولايته تسع سنين وثمانية أشهر. قال الذهبي في العبر : وكان مع ظلمه كثير التلاوة للقرآن. قيل : إنه كان يختم في كل ثلاث ، ويقرأ في شهر رمضان سبع عشرة ختمة ، ورزق سعادة سعيدة في أيامه ، فافتتحت الهند في ايامه ، والترك ، والاندلس ، وكان كثير الصدقات ، جاء عنه انه قال : لو لا ما ذكر الله آل لوط في القرآن ما ظننت أن أحدا يفعله ، وكان يكنى أبا العباس ، وكان ذميما سافلا ، يتبختر في مشيه ، وأدبه ناقص ، حتى قيل إنه قرأ في الخطبة قوله تعالى : (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) بضم التاء من ليت ، وأنشأ هذا الجامع ولم يكمله كما تقدم فأتمه أخوه سليمان.

وأنبأ ابو محمد الاكفاني عن ابن مسهر (١) قال : عملت المقصورة لسليمان بن عبد الملك حين استخلف. وقال الذهبي في العبر في سنة اثنتين وسبعين ومائة : وفي هذه السنة توفي امير دمشق الفضل بن صالح بن علي العباسي (٢) ابن عم المنصور ، وهو الذي انشأ القبة الغربية التي بجامع دمشق ، وتعرف بقبة المال انتهى.

وقال الأسدي في تاريخه في سنة اثنتين وستمائة : قال ابن كثير في شعبان منها هدمت القنطرة الرومانية التي عند الباب الشرقي ونشرت حجارتها لتبليط الجامع الاموي بسفارة الوزير صفي الدين بن شكر وزير العادل ، فكمل تبليطه في سنة اربع وستمائة. وقال ابن كثير في سنة احدى وتسعين وستمائة : وفي ليلة السبت ثالث عشر صفر جيء بهذا الجرن الاحمر الذي بباب البرادة من عكا ، فوضع في مكانه الآن انتهى.

ورأيت بخط البرزالي في تاريخه في سنة ست وثلاثين وسبعمائة وفي جمادى الاولى أخربت مساطب سوق النحاسين بدمشق ، فوجدوا حائط دار الخطابة متعتقا فأخرب ، ووجد فيه حجارة كبار وظهر باب كبير مليح له اسكفة

__________________

(١) شذرات الذهب ٢ : ٤٤.

(٢) شذرات الذهب ١ : ٢٨١.

٢٩٦

وجوانب ، والجميع مخرب خلف مخراب المقصورة ، ونقلت الحجارة الكبار الى باب الفرج فاستعين بها في البناء ، ذكره وذكر ذلك كله شمس الدين سبط ابن الجوزي انتهى.

وباب الجامع القبلي الغربي يعرف بباب الزيادة وبباب الساعات ، وتعرف تلك الحارة بحارة القباب وهناك دار مسلمة بن عبد الملك. قال ابن كثير في سنة احدى وثلاثين وستمائة : وفيها كملت عمارة القاسارية التي هي قبلي النحاسين ، وحول اليها سوق الصاغة ، وشغر سوق اللؤلؤ الذي كان فيه الصاغة العتيقة عند الحدادين ، وفيها جددت الدكاكين التي بباب الزيادة. قلت : وقد جددت شرقي هذه الصاغة الجديدة قاساريتان في زماننا ، وسكن بهما الصواغ وتجار الذهب والجوهر ، وهما حسنتان ، والجميع وقف الجامع المعمور انتهى.

وقال ابن عساكر رحمه‌الله تعالى وأخبرني أبو محمد الاكفاني عن ابي عبد الله محمد بن أحمد بن زيد القاضي قال : إنما سمي باب الساعات لأنه كان عمل عناك منكاب الساعات يعلم بها كل ساعة تمضي من النهار ، عليها عصافير من نحاس ، وحية من نحاس ، وغراب ، فإذا تمت الساعة خرجت فصفرت العصافير وصاح الغراب وسقطت حصاة. وقال الصفدي في تاريخه في المحمدين : محمد بن عبد الكريم مؤيد الدين ابو الفضل الحارثي الدمشقي المهندس ، كان ذكيا استاذا في نجارة الدف ، ثم برع في علم اقليدس ثم ترك نقش الرخام وضرب الخيط ، وأقبل على الاشتغال ، وبرع في الطب والعلم الرياضي ، وهو الذي صنع الساعات على باب الجامع ، وسمع من السلفي ، وضع كتبا مليحة ، واختصر الاغاني وهو بخطه في مشهد عروة ، وكتاب (الحروب والسياسات) و (الادوية المفردة) و (مقالة في رؤية الهلال) توفي في سنة تسع وتسعين وخمسمائة ، وأورد له ابن أبي أصيبعة في تاريخ الاطباء ، ونقلته من خطه من رسالة في رؤية الهلال ألفها القاضي محي الدين بن الزكي ويقول فيها يمدحه :

خصصت بالأب لما أن رأيتهم

دعوا بنعتك أشخاصا من البشر

ضد النعوت تراهم ان بلوتهم

وقد يسمى بصيرا غير ذي بصر

٢٩٧

والنعت ما لم تك الافعال تعضده

اسم على صورة خطت من الصور

وما الحقيق به لفظ يطابقه ال

معنى كنجل القضاة الصيد من مضر

فالدين والملك والاسلام قاطبة

برأيه في أمان من يد الغير

كم سن سنة خير في ولايته

وقام لله فيها غير معتذر

قلت : هو شعر مقبول غير مردود ، ومات رحمه‌الله تعالى بداء الاسهال بدمشق وله سبعون سنة انتهى. وقال الصفدي في حرف الراء : رضوان بن محمد ابن علي بن رستم الخراساني فخر الدين بن الساعاتي ، مولده ومنشؤه بدمشق ، وكان ابوه من خراسان ، وانتقل الى الشام وأقام بدمشق الى أن توفي ، وهو الذي عمل الساعات بباب الجامع الاموي ، ووضعها أيام الملك العادل نور الدين محمود ، وكان له منه الانعام الكثير ، ولما توفي خلف ولدين : احدهما بهاء الدين ابو الحسن علي بن الساعاتي ، والآخر فخر الدين رضوان المذكور انتهى.

وقال الصفدي في المحمدين : محمد بن نصر الدين بن صغير بن خالد هو ابو عبد الله مهذب الدين او عدة الدين الشاعر المشهور صاحب الديوان ، المعرف بابن القيسراني حامل لواء الشعر في زمانه ، ولد بعكا سنة ثمان وسبعين واربعمائة ، ونشأ بقيسارية الساحل فنسب اليها ، وسكن دمشق ، وتولى ادارة الساعات التي على باب الجامع وسكن فيها في دولة تاج الملوك ، وبعده سكن حلب المحروسة مدة ، وولي بها خزانة الكتب ، وتردد الى دمشق وبها مات سنة ثمان واربعين وخمسمائة وقرأ الأدب على توفيق بن محمد ، وأتقن الهندسة والحساب والنجوم ، وأطال الكلام على ماله من نظم ونثر فراجعه. وقال فيه : علي بن ابراهيم بن محمد بن الهمام ابي محمد ابراهيم بن حسان بن عبد الرحمن بن ثابت الأنصاري الاوسي ، هو الامام فريد الزمان ، المحقق ، المتقن ، البارع ، الرضي ، أعجوبة الدهر الشيخ علاء الدين ابو الحسن علي ، المعروف بابن الشاطر ، رئيس المؤذنين بالجامع الاموي بدمشق ، قرأ على علي بن ابراهيم بن يوسف وكان يعرف بابن الشاطر فسمي هو بذلك ، سألته عن مولده فقال في خامس عشر شعبان سنة خمس وسبعمائة بدمشق ، رأيته غير مرة ، ودخلت الى منزله في

٢٩٨

شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ، لرؤية الاسطرلاب الذي ابدع وضعه ، فوجدته قد وضعه في قائم حائط في منزله داخل باب الفراديس في درب الطيار ، ورأيت هذا الاسطرلاب ، فأنشأ لي طربا ، ووجد لي في المعارف أربا ، وقلت : ان من تقدمه من الافاضل عند جبل علمه الراسخ هباء ، ولو رآه اقليدس لما كان عنده إلا نقطة من خطه ، او ارشميدس لرأى شكله قطاعا في تحريره وضبطه ، فسبحان من يفيض على بعض النفوس ما يشاء من المواهب ، ويجدد في كل عصر من يحيي رسوم الفضل الذي عدم في الليالي الذواهب ، وصورة الاسطرلاب المذكور ، قنطرة مقدار نصف او ثلث ذراع تقريبا ، يدور أبدا على الدوام في اليوم والليلة من غير رحى ولا ماء على حركات الفلك ، لكنه قد رتبها على اوضاع مخصوصة تعلم منه الساعات المستوية والساعات الزمانية انتهى. واليه ينسب عمل المنحرفتين في قبلة مأذنة العروس بالجامع الاموي المذكور انتهى. وحدث ابو الفضل يحيى بن علي (١) القاضي أن ادرك في الجامع الاموي قبل حريقه طلسمات لسائر الحشرات معلقة في السقف فوق البطائن مما يلي السبع ، وأنه لم يوجد في الجامع الاموي شيء من الحشرات قبل الحريق ، فلما احترقت الطلسمات وجدت انتهى.

وكان حريق الجامع الاموي ليلة النصف من شعبان بعد العصر سنة احدى وستين واربعمائة. قال الذهبي في كتاب العبر : في سنة احدى وستين هذه في نصف شعبان احترق جامع دمشق الاموي كله من حرب وقع في الدولة فضربوا بالنار دارا مجاورة للجامع الاموي فقضي الامر واشتد الخطب ، وأتى الحريق على سائره ، ودثرت محاسنه وانقضت ملاحته انتهى.

ووجد في كتاب لبعض أهل دمشق : أقيمت قبة الرخام التي فيها فوارة الماء في سنة ست وتسعين وثلاثمائة. وقال جعفر بن دواس الكناني المعروف بقمر الدولة يصف هذه الفوارة شعر :

__________________

(١) شذرات الذهب ٤ : ١٠٥.

٢٩٩

رأيت بالجامع المعمور معجزة

في جلق احدى (كذا) من بها سمعا

فوارة كلما فارت فرت كبدي

وماؤها فاض بالانفاس فاندفعا

كأنها الكعبة العظمى فكل فتى

من حيث قابل انبوبا لها ركعا

وقرأت بخط ابراهيم بن محمد الحناء قال : أنشئت الفوارة المنحدرة وسط جيرون سنة ست عشرة وأربعمائة ، وجرت ليلة الجمعة لسبع ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة سبع عشرة وأربعمائة وأمر بجر القصعة من ظاهر قصر حجاج إلى جيرون وأجرى ماءها الشريف القاضي فخر الدولة أبو يعلى حمزة بن الحسين بن العباس الحسيني جزاه الله خيرا ، ونحته بخطه محمد بن أبي نصير الحميدي (١) انتهى. وسقطت هذه الفوارة في صفر سنة سبع وخمسين وأربعمائة من جمال تحاكت فيها ، فأنشئت كرة أخرى ، ثم سقطت وعمرت وما عليها في حريق اللبادين ورواق دار الحجارة ودار خديجة في سنة اثنتين وستين وخمسمائة. وقال الذهبي في مختصر تاريخ الإسلام : في سنة اثنتين هذه وفيها احترقت اللبادين وباب الساعات بدمشق حريقا عظيما ، واذهب أموال الناس ، طلعت النار من دكان هراس انتهى. وقال الأسدي في تاريخه في شهر ربيع الآخر. سنة خمس وعشرين وثمانمائة : وفيها جدد قاضي القضاة جمال الدين بن حجي الشافعي بالمقصورة من الجامع الأموي ربعة قرآن تفرق على الناس وقت صلاة الجمعة وجعل عليها قبة صغيرة غربي المنبر نظير القبة التي شرقيه انتهى. وقال الذهبي في المختصر من تاريخ الإسلام : في سنة إحدى وثمانين وستمائة وفي شهر رمضان احترقت اللبادين والكتبيين والزجاجين المرجانيين والخواتميين وجميع ما فوق ذلك وما تحته ، وكان منظرا مهولا ، ذهب فيه من الأموال ما لا يحصى وسلم الله تعالى الجامع الأموي ، ثم عمر ذلك كله مع الملازمة في سنين انتهى. وقال الأسدي رحمه‌الله تعالى في ذيله في سنة سبع وعشرين وثمانمائة : في شهر ربيع الآخر منها وفي يوم الأربعاء سادسه جاء النائب هو الجديد سودون بن عبد الرحمن إلى الجامع الأموي ، وجلس بمحراب الحنفية ، ومعه الشيخ المالكي والشيخ الحنبلي

__________________

(١) شذرات الذهب ٣ : ٣٩٢.

٣٠٠