الدكتور لبيب بيضون
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٥
فلما صار ب (زبالة) قام فيهم خطيبا فقال : ألا إنه أتاني خبر فظيع. ألا إن أهل الكوفة وثبوا على مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة فقتلوهما ، وقتلوا أخي من الرضاعة عبد الله بن يقطر ، وقد خذلتنا شيعتنا ، فمن أحبّ منكم أن ينصرف فلينصرف من غير حرج ، وليس عليه منا ذمام. فتفرق الناس وأخذوا يمينا وشمالا ، حتّى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من مكة وعددهم (٨٢) ، وإنما أراد ألا يصحبه إنسان إلا على بصيرة. ولما كان السحر أمر أصحابه فاستسقوا ماء وأكثروا ، ثم رحل من زبالة متجها إلى (القاع).
وأورد أبو مخنف في مقتله ص ٤٣ شبيه هذا الكلام ، هذا نصه :
وجعل عليهالسلام لا يمرّ ببادية إلا ويتبعه خلق كثير ، حتّى انتهى إلى (زبالة) فنزل بها ، ثم قام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فصلى عليه ، ثم نادى بأعلى صوته : أيها الناس إنما جمعتكم على أن العراق في قبضتي ، وقد جاء في خبر صحيح أن مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة قتلا ، وقد خذلتنا شيعتنا ، فمن كان منكم يصبر على ضرب السيوف وطعن الرماح ، وإلا فلينصرف من موضعه هذا ، فليس عليه من ذمامي شيء. فسكتوا جميعا وجعلوا يتفرقون يمينا وشمالا ، حتّى لم يبق معه إلا أهل بيته ومواليه ، وقالوا : والله ما نرجع حتّى نأخذ بثأرنا ونذوق الموت غصّة بعد غصة ، وهم نيّف وسبعون رجلا ، وهم الذين خرجوا معه من مكة.
٦٧٢ ـ رجل نصراني يسلم على يد الحسين عليهالسلام :
(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ٤٣)
قال أبو مخنف : لما نزل الحسين عليهالسلام الثعلبية ، أقبل رجل نصراني وأمه ، فأسلما على يديه.
(أقول) : لعله وهب بن حباب الكلبي ، وأمه أم وهب.
«بطن العقبة»
٦٧٣ ـ لقاء الحسين عليهالسلام بعمرو بن لوذان في (بطن العقبة) وما جرى بينهما من محاورة : (الحسين في طريقه إلى الشهادة ، ص ٩٠)
ولما كان وقت السحر أمر عليهالسلام غلمانه وفتيانه ، فاستقوا الماء وأكثروا ، ثم سار عليهالسلام حتّى مرّ (ببطن العقبة) في طريقه إلى الكوفة. وهناك لقي شيخا من بني
عكرمة يقال له عمرو بن لوذان ، فسأله أين تريد؟. فقال الحسين عليهالسلام : الكوفة. فقال الشيخ : أنشدك الله لما انصرفت. فوالله ما تقدم إلا على الأسنة وحدّ السيوف ، وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطّؤوا لك الأشياء ، فقدمت عليهم ، كان ذلك رأيا ، فأما على هذه الحال التي تذكر ، فإني لا أرى لك أن تفعل. ثم قال الحسينعليهالسلام : والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا سلّط الله عليهم من يذلهم حتّى يكونوا أذلّ فرق الأمم.
٦٧٤ ـ ما قاله الحسين عليهالسلام في (بطن العقبة) لجعفر بن سليمان الضبعي :
(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢١٣)
وقال عليهالسلام لجعفر بن سليمان الضبعي في (بطن العقبة) : إنهم لن يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام الأمة (١).
٦٧٥ ـ إخبار الحسين عليهالسلام بشهادته وهو في طريقه إلى كربلاء :
(تاريخ ابن عساكر ، ص ٢١١ ؛ وتاريخ الإسلام للذهبي ، ج ٢ ص ٣٤٥ ؛ وتاريخ ابن كثير ، ج ٨ ص ١٦٩)
عن يزيد الرّشك ، قال : حدثني من شافه الحسين عليهالسلام قال : رأيت أبنية مضروبة بفلاة من الأرض. فقلت : لمن هذه؟. قالوا : هذه لحسين عليهالسلام. قال : فأتيته ، فإذا شيخ يقرأ القرآن ، والدموع تسيل على خديه ولحيته. (قال) فقلت : بأبي أنت وأمي يابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما أنزلك هذه البلاد ، والفلاة التي ليس بها أحد؟. فقال : هذه كتب أهل الكوفة إليّ ، ولا أراهم إلا قاتليّ. فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلا انتهكوها ، فيسلّط الله عليهم من يذلهم حتّى يكونوا أذلّ من فرم الأمة [يعني مقنعتها].
٦٧٦ ـ تعريف ببعض منازل الطريق :
(معجم البلدان لياقوت الحموي)
قال هشام : (واقصة) و (شراف) ابنتا عمرو بن معتق ، من أحفاد إرم ابن سام بن نوح عليهالسلام. (واقصة) : منزل بطريق مكة بعد (القرعاء) نحو مكة وقبل (العقبة) لبني
__________________
(١) فرام المرأة : هو ما تحتشي به المرأة في موضعها ، وقيل هو خرقة الحيض. والأمة : هي العبدة المملوكة.
شهاب من طيّئ. ويقال لها : واقصة الحزون ، وهي دون (زبالة) بمرحلتين. وإنما قيل لها واقصة الحزون ، لأن الحزون [أي الأراضي الصعبة الوعرة] أحاطت بها من كل جانب.
ـ تعريف بنوعيات الأرض من الكوفة إلى مكة :
والسائر إلى مكة ينهض في أول الحزن (١) من (العذيب) في أرض يقال لها (البيضة) ، حتّى يبلغ مرحلة (العقبة) في أرض يقال لها البسيطة ، ثم يقع في (القاع) وهو سهل. ويقال : (زبالة) أسهل منه. فإذا جاوزت ذلك استقبلت الرمل ، فأول رمل تلقاها يقال لها الشيحة [انظر الشكل ١٠].
(الشكل ١٠) : طبيعة الأرض من الكوفة إلى مكة
من العذيب تكون الأرض حزنة ثم بسيطة ثم سهلة ثم تبدأ الرمال من الشيحة
وهكذا انتهت سنة ٦٠ ه
وبدأت سنة ٦١ هجرية
(وذلك قبل يومين من وصول الحسين عليهالسلام إلى كربلاء)
__________________
(١) الحزن : ما غلظ من الأرض ، ضد السهل.
بداية سنة ٦١ هجرية
(١ محرم الحرام سنة ٦١ ه)
(١ تشرين الأول سنة ٦٨٠ م)
مدخل :
انتهت سنة ٦٠ هجرية ، وبدأت سنة ٦١ ه بشهرها المحرم الحرام ، الّذي حرّم الله فيه القتل والقتال حتّى مع الكفار ، والذي ارتكبت فيه أكبر مجزرة في تاريخ الأمم والإسلام. حيث قتل الحزب الأموي الحاكم سيد شباب أهل الجنة ، الحسين بن علي عليهماالسلام ، كما ذبح أخاه العباس عليهالسلام وابنه علي الأكبر عليهالسلام وابن أخيه القاسم بن الحسن عليهالسلام ، وأربعا وعشرين بدرا من بدور بني هاشم ، من سلالة المجاهد الأكبر أبي طالب عليهالسلام ، الّذي علمّ أولاده نصرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنصروا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والإمام عليا عليهالسلام وابنيه الحسن والحسين عليهماالسلام ، فكانوا خير خلف لخير سلف.
وقد مضى على مسير الحسين عليهالسلام إلى كربلاء ٢٢ يوما ، وبقي له يومان ليصل إليها.
«شراف»
٦٧٧ ـ التزود بالماء من (شراف):
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٨)
ثم سار الحسين عليهالسلام من بطن العقبة حتّى نزل (شراف). فلما كان في السحر أمر فتيانه أن يستقوا من الماء ويكثروا. ثم سار منها حتّى انتصف النهار.
٦٧٨ ـ طلائع الخطر :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٨)
فبينا هو يسير إذ كبّر رجل من أصحابه ، فقال الحسين عليهالسلام : الله أكبر ، لم كبّرت؟. قال : رأيت النخل. فقال له جماعة من أصحابه : إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط!. فقال لهم الحسين عليهالسلام : فما ترون؟. قالوا : نراه والله أسنة الرماح وآذان الخيل.
ثم قال عليهالسلام : فهل لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا ، ونستقبل القوم بوجه واحد؟. فقالوا : بلى ، هذا (ذو حسم) إلى جنبك ، فمل إليه عن يسارك ، فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد. فأخذ إليه ذات اليسار وملنا معه.
لقاء الحرّ بن يزيد التميميّ
«ذو حسم»
٦٧٩ ـ التقاء الحسين عليهالسلام بأول كتيبة للجيش الأموي بقيادة الحر بن يزيد الرياحي : (لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٨)
فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي [جمع هادي : وهو العنق ومقدمة كل شيء] الخيل ، فتبيّناها وعدلنا. فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا ، كأن أسنتهم اليعاسيب [جمع يعسوب : وهو النحل ، وشبّه لمعان أسنّتهم بلمعان أجنحة النحل أثناء طيرانها] وكأن راياتهم أجنحة الطير. فاستبقنا إلى (ذي حسم) فسبقناهم إليه.
وأمر الحسين عليهالسلام بأبنيته فضربت. وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر ابن يزيد التميمي ، حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين عليهالسلام في حرّ الظهيرة ، والحسين عليهالسلام وأصحابه معتمّون متقلدون أسيافهم.
٦٨٠ ـ الحسين عليهالسلام يسقي جنود أعدائه :
(المصدر السابق ؛ ومقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٠)
فقال الحسين عليهالسلام لفتيانه : اسقوا القوم وارووهم من الماء ، ورشّفوا الخيل ترشيفا [أي اسقوهم قليلا]. وكانوا شاكّين في السلاح ، لا يرى منهم إلا الحدق. فأقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء ، ثم يدنونها من الفرس ، فإذا عبّ منها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه ، وسقي آخر ، حتّى سقوها عن آخرها.
قال علي بن الطعّان المحاربي : كنت مع الحر يومئذ ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه. فلما رأى الحسين عليهالسلام ما بي وبفرسي من العطش ، قال : أنخ الرواية ،
فلم أفهم (لأن الرواية عندي السّقاء). ثم قال : يابن الأخ أنخ الجمل ، فأنخته (١). فقال : اشرب ، فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء. فقال الحسين عليهالسلام : أخنث السقاء [أي اعطفه] فلم أفهم ، ولم أدر كيف أفعل!. فقام عليهالسلام فعطفه بيده ، فشربت وسقيت فرسي.
وكان مجيء الحر بن يزيد من القادسية ، وكان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير ، وأمره أن ينزل القادسية ، ويقدّم الحر بين يديه في ألف فارس ، يستقبل بهم الحسين عليهالسلام. وكانت ملاقاة الحر للحسين عليهالسلام على مرحلتين من الكوفة [حوالي ٩٠ كم].
ـ تعليق السيد عبد العزيز المقرّم :
يقول السيد المقرّم : فانظر إلى هذا اللطف والحنان من أبي الضيم الحسين عليهالسلام على هؤلاء الجمع في تلك البيداء المقفرة ، التي تعزّ فيها الجرعة الواحدة ، وهو عالم بحراجة الموقف ونفاد الماء ، ولكن العنصر النبوي والكرم العلوي ، لم يتركا صاحبهما إلا أن يحوز الفضل. وإن فعلها فقد فعلها أبوه من قبله في صفين ، وكل إناء ينضح بما فيه.
٦٨١ ـ الحسين عليهالسلام يتعرف على الحر :
(مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري ، ص ٤٢)
ثم قال الحر : السلام عليك يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته. فقال الحسين عليهالسلام : وعليك السلام ، من أنت يا عبد الله؟. فقال : أنا الحر بن يزيد. فقال : يا حرّ ، ألنا أم علينا؟. فقال الحر : والله يابن رسول الله لقد بعثت لقتالك ، وأعوذ بالله أن أحشر من قبري وناصيتي مشدودة إلى رجلي ، ويدي مغلولة إلى عنقي ، وأكبّ على حرّ وجهي في النار. يابن رسول الله ، ارجع إلى حرم جدك ، أين تذهب فإنك مقتول!.
__________________
(١) الرواية في لسان أهل الحجاز : اسم للجمل الّذي يستقى عليه. وفي لسان أهل العراق : اسم للسقاء الّذي يملأ بالماء. فلذلك لم يفهم ابن الطعان مراد الحسين عليهالسلام حتّى قال له : أنخ الجمل.
٦٨٢ ـ من خطبة للحسين عليهالسلام بعد لقائه بالحر في (ذي حسم) وقد صلّى عليهالسلام صلاة الظهر بالعسكرين :
(مقتل الخوارزمي ، ص ٢٣١ ؛ ولواعج الأشجان ، ص ٨٠)
قال الشيخ المفيد : فلم يزل الحر موافقا للحسين عليهالسلام حتّى حضرت صلاة الظهر. فقال الحسين عليهالسلام للحجاج بن مسروق : أن أذّن يرحمك الله وأقم الصلاة حتّى نصلي. فأذّن الحجّاج للظهر. فلما فرغ صاح الحسين عليهالسلام بالحر : يابن يزيد أتريد أن تصلي بأصحابك ، وأنا أصلّي بأصحابي؟. فقال الحر : لا بل تصلي ، ونحن نصلّي بصلاتك يا أبا عبد الله!. فقال عليهالسلام للحجاج : أقم ، فأقام.
وتقدم الحسين عليهالسلام للصلاة ، فصلى بالعسكرين جميعا. فلما فرغ وثب قائما متكئا على قائم سيفه ، وكان في إزار ورداء ونعلين. فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس معذرة إليكم ، أقدّمها إلى الله وإلى من حضر من المسلمين. إني لم آتكم (وفي رواية : لم أقدم إلى بلدكم) حتّى أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ، أن أقدم إلينا ، فإنه ليس علينا إمام ، فلعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فإن تعطوني ما أطمئن إليه وأثق به من عهودكم ومواثيقكم أدخل معكم إلى مصركم ، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين ولقدومي عليكم باغضين ، انصرفت عنكم إلى المكان الّذي منه جئت إليكم. فسكتوا جميعا (١).
ثم دخل عليهالسلام فاجتمع إليه أصحابه. وانصرف الحر إلى مكانه الّذي كان فيه ، فدخل خيمة قد ضربت له واجتمع إليه جماعة من أصحابه. وعاد الباقون إلى صفّهم الّذي كانوا فيه ، فأعادوه. ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته وجلس في ظلها.
٦٨٣ ـ كتاب ابن زياد للحر يأمره فيه بالتضييق على الحسين عليهالسلام :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣١)
فبينا هم على تلك الحال ، وإذا بكتاب ورد من الكوفة من عبيد الله بن زياد إلى الحر: أما بعد يا حر ، فإذا أتاك كتابي هذا ، فجعجع (٢) بالحسين بن علي ، ولا
__________________
(١) كذا في مقتل المقرم ص ٢١٥ ، ومناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٦ ط نجف. ولم يذكر الخوارزمي موضع الخطبة وهو (شراف). وفي مقتل أبي مخنف ، ص ٤٤ أنه خطبها في (الثعلبية).
(٢) جعجع بالحسين : أي احبسه وضيّق عليه.
تفارقه حتّى تأتيني به ، فإني قد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى تأتي بإنفاذ أمري إليك والسلام.
فلما قرأ الحر الكتاب بعث إلى ثقات أصحابه فدعاهم ، ثم قال : ويحكم إنه قد ورد عليّ كتاب عبيد الله بن زياد ، يأمرني أن أقدم على الحسين بما يسوؤه ، ولا والله ما تطاوعني نفسي ولا تجيبني إلى ذلك أبدا. فالتفت رجل من أصحاب الحر يكنى (أبا الشعثاء الكندي) إلى رسول ابن زياد وقال له : فيم جئت ثكلتك أمك؟. فقال له الرسول : أطعت إمامي ووفّيت بيعتي وجئت برسالة أميري. فقال له أبو الشعثاء : لعمري لقد عصيت ربك وإمامك ، وأهلكت نفسك ، واكتسبت والله عارا ونارا ، فبئس الإمام إمامك الّذي قال فيه الله : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) [القصص : ٤١] (١).
٦٨٤ ـ من خطبة له عليهالسلام بالعسكرين بعد أن صلى بهما صلاة العصر :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٢)
ودنت صلاة العصر ، فأمر الحسين عليهالسلام مؤذنه أيضا بالأذان ، فأذّن وأقام ، وتقدمعليهالسلام فصلى بالعسكرين. فلما انصرف من صلاته وثب قائما على قدميه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله تعالى وتعرفوا الحق لأهله يكن رضا الله عنكم. وإنا أهل بيت نبيكم محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أولى بولاية هذه الأمور عليكم ، من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالظلم والجور والعدوان ، وإن كرهتمونا وجهلتم حقنا ، وكان رأيكم على خلاف ما جاءت به كتبكم ، انصرفت عنكم (٢).
فقال له الحر : أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر. فقال الحسينعليهالسلام لبعض أصحابه : يا عقبة بن سمعان أخرج إليّ الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ. فأخرج خرجين مملوءين صحفا من كتب أهل الكوفة ، فنثرت بين يديه.
__________________
(١) كان أبو الشعثاء الكندي رحمهالله منصفا. وستجد عدوله إلى الحسين عليهالسلام واستشهاده معه في الجزء الثاني من هذه الموسوعة.
(٢) مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرم ، ص ٢١٦.
فقال له الحر : إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك (١). وقد أمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتّى نقدمك الكوفة على الأمير عبيد الله. فتبسّم الحسين عليهالسلام وقال له : يابن يزيد ، الموت أدنى إليك من ذلك!.
ترجمة عقبة بن سمعان
عقبة بن سمعان ، عدّه الشيخ الطوسي في (رجاله) من أصحاب الحسين عليهالسلام. وقد ذكره الطبري وغيره من مؤرخي الواقعة ، ويفهم مما ذكروه أنه كان عبدا للرباب زوجة الحسين عليهالسلام ، وأنه كان يتولى خدمة أفراسه وتقديمها له. فلما استشهد الحسين عليهالسلام فرّ على فرس ، فأخذه أهل الكوفة ، فزعم أنه عبد للرباب بنت امرئ القيس الكلابية ، فأطلق سراحه. وجعل يروي الواقعة كما حدثت ، ومنه أخذ كثير من أخبارها. (مقتل أبي مخنف المقتبس ، ص ١٣)
٦٨٥ ـ محاورة الحسين عليهالسلام مع الحر وقد حاول التضييق عليه حتّى يقدمه على عبيد الله بن زياد بالكوفة :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٢)
ثم التفت الحسين عليهالسلام إلى أصحابه فقال : احملوا النساء ليركبن ، حتّى ننظر ما الّذي يقدر أن يصنع هذا [أي الحر] وأصحابه .. فتقدمت خيل أهل الكوفة فحالت بينهم وبين المسير. فضرب الحسين عليهالسلام بيده إلى سيفه وصاح بالحر : ثكلتك أمك يابن يزيد ، ما الّذي تريد أن تصنع؟. فقال الحر : أما والله يا أبا عبد الله ، لو
__________________
(١) جاء في (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، أنه لما نادى الحسين عليهالسلام يوم عاشوراء : يا شبث بن ربعي ويا حجّار بن أبجر ويا فلان ويا فلان .. ألم تكتبوا إليّ ، فقالوا : ما ندري ما تقول. وكان الحر بن يزيد الرياحي من ساداتهم ، فقال له : بلى والله لقد كاتبناك ونحن الذين أقدمناك ، فأبعد الله الباطل وأهله ، والله لا أختار الدنيا على الآخرة. يقول الشيخ حبيب آل إبراهيم في كتابه (ذكرى الحسين) من حاشية.
ص ٨٢ : فيمكن أن يكون حمل الحر على الإنكار تعصبه لمن كان معه أولا ، فلما رأى منهم ما رأى رجع إلى الحق وهداه الله تعالى.
قالها غيرك من العرب لرددتها عليه كائنا من كان ، ولكن والله مالي إلى ذكر أمك [أي فاطمة] من سبيل ، غير أنه لا بدّ لي من أن أنطلق بك إلى الأمير. قال عليهالسلام : إذن والله لا أتبعك. فقال الحر : إذن والله لا أدعك.
فقال الحسين عليهالسلام : فذر إذن أصحابك وأصحابي وابرز إليّ ، فإن قتلتني حملت رأسي إلى ابن زياد ، وإن قتلتك أرحت الخلق منك. فقال الحر : إني لم أؤمر بقتالك ، وإنما أمرت أن لا أفارقك أو أقدم بك على الأمير. وأنا والله كاره أن يبتليني الله بشيء من أمرك. غير أني أخذت بيعة القوم وخرجت إليك. وأنا أعلم أنه ما يوافي القيامة أحد من هذه الأمة إلا وهو يرجو شفاعة جدك ، وإني والله لخائف إن أنا قاتلتك أن أخسر الدنيا والآخرة ، ولكن أما أنا يا أبا عبد الله فلست أقدر على الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا ، ولكن خذ غير الطريق وامض حيث شئت (وفي رواية : ولكن خذ طريقا نصفا بيننا لا يدخلك الكوفة ولا يردّك إلى المدينة (١)) حتّى أكتب إلى الأمير أن الحسين خالفني الطريق فلم أقدر عليه ، وأنا أنشدك الله في نفسك (وفي رواية : وإني أذكّرك الله في نفسك (٢)) فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ. فقال الحسين عليهالسلام : كأنك تخبرني بأني مقتول!. فقال له : نعم يا أبا عبد الله ، لا أشك في ذلك إلا أن ترجع من حيث جئت. فقال الحسين عليهالسلام : لا أدري ما أقول لك ، ولكني أقول كما قال أخو الأوس وهو يريد نصرة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فخوّفه ابن عمه حين لقيه ، وقال : أين تذهب فإنك مقتول ، فقال له :
سأمضي فما بالموت عار على الفتى |
|
إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما |
وواسى الرجال الصالحين بنفسه |
|
وفارق مذموما (٣) وخالف مجرما |
أقدّم نفسي لا أريد بقاءها |
|
لتلقى خميسا في النزال (٤) عرمرما |
فإن عشت لم أذمم (٥) وإن متّ لم ألم |
|
كفى بك ذلّا أن تعيش وترغما |
__________________
(١) مقتل المقرم ص ٢١٧. وفي تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٢٨ ط أولى مصر ، قال الحر : «فخذ ههنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية" وبينه وبين العذيب ٣٨ ميلا.
(٢) مقتل الحسين للمقرم ص ٢١٧.
(٣) وفي رواية : (مثبورا).
(٤) وفي رواية (في الهياج). والخميس : الجيش ، لأنه مؤلف من خمس فرق. ويوم الهياج : يوم القتال. العرمرم : الجيش الكثير.
(٥) وفي رواية (لم أندم).
٦٨٦ ـ التقاء الحسين عليهالسلام بالحر وإخباره بمصرع مسلم :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٦ ط ٢ نجف)
قال علماء السير : ولم يزل الحسين عليهالسلام قاصدا الكوفة ، مجدّا في السير ، ولا علم له بما جرى على مسلم بن عقيل. حتّى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال تلقّاه الحر بن يزيد التميمي ، فسلّم عليه وقال له : أين تريد يابن رسول الله؟. فقال : أريد هذا المصر. فقال له : ارجع فوالله ما تركت لك خلفي خيرا ترجوه. وأخبره بقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة. وقدوم ابن زياد الكوفة واستعداده له.
فهمّ بالرجوع ، وكان معه إخوة مسلم بن عقيل ، فقالوا : والله لا نرجع حتّى نصيب بثأرنا أو نقتل. فقال عليهالسلام : لا خير في الحياة بعدكم (١).
«البيضة»
٦٨٧ ـ من كتاب للحسين عليهالسلام إلى أشراف الكوفة بعد علمه بمقتل مسلم ابن عقيل ، يدعوهم فيه إلى البرّ بعهودهم ، ويبيّن لهم أن الهدف من نهضته هو تقويم الانحراف :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٤)
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). من الحسين بن علي إلى سليمان بن صرد والمسيّب بن نجبة ورفاعة بن شداد وعبد الله بن وال وجماعة المؤمنين. أما بعد فقد علمتم أن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم قد قال في حياته : «من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ، ناكثا لعهد الله ، مخالفا لسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، ثم لم يغيّر بقول ولا فعل ، كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله». وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان ، وتولوا عن طاعة الرحمن ، وأظهروا في الأرض الفساد ، وعطّلوا الحدود والأحكام ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله. وإني أحقّ بهذا الأمر ، لقرابتي من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم ، أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن وفيتم لي بيعتكم فقد أصبتم حظكم ورشدكم ، ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع أهليكم وأولادكم ، فلكم بي أسوة. وإن لم تفعلوا
__________________
(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٢٠.
ونقضتم عهودكم ونكثتم بيعتكم ، فلعمري ما هي منكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم ، والمغرور من اغترّ بكم ، فحظّكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيّعتم (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) [الفتح : ١٠] وسيغني الله عنكم والسلام. ثم طوى الكتاب وختمه ، ودفعه إلى قيس بن مسهر الصيداوي ، وأمره أن يسير به إلى الكوفة (١).
استشهاد قيس بن مسهر الصّيداوي رحمهالله
٦٨٨ ـ مصرع قيس بن مسهر الصيداوي على يد عبيد الله بن زياد :
(المصدر السابق)
فلما انتهى قيس إلى القادسية ، اعترضه الحصين بن تميم [الصحيح : الحصين بن نمير] ليفتشه ، فأخرج قيس الكتاب وخرّقه. فحمله الحصين إلى ابن زياد. فلما مثل
__________________
(١) في اللهوف ص ٤٣ أن هذا الكتاب كتبه الحسين عليهالسلام من الحاجر. وفي كتاب الفتوح لابن أعثم أنه كتبه في (عذيب الهجانات). وفي مناقب ابن شهراشوب أنه كتبه من كربلاء أول نزوله بها ، وأنه أرسله مع قيس بن مسهر. وذكر المقرم ص ٢١٨ نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٢٩ ، أن هذا الكلام خطبه عليهالسلام في موضع (البيضة) بعد خطبتيه المتقدمتين في جماعة الحر ، وعليه فقد اختلف بين أن يكون هذا الكلام خطبة أم كتابا. وجاء في (لواعج الأشجان) ص ٩٤ أن ذكر لفظة (والسلام) في آخر الكلام على رواية الطبري وابن الأثير يؤيد أنه كتاب لا خطبة ، لأن ذلك متعارف في الكتب لا في الخطب. هذا وإن أغلب الروايات دلّت على أن إرسال قيس كان من الطريق لا من كربلاء كما روى ابن شهراشوب ، فضلا عن أن التمكن من إرساله من كربلاء بعيد ، والله أعلم.
(أقول) : وقد ذكرنا سابقا أن الحسين عليهالسلام قد بعث قيس بن مسهر بكتاب إلى أهل الكوفة جوابا على كتاب مسلم من (الحاجر) وهو مغاير لهذا الكلام ، فإذا صحّ أن هذا الكلام هو كتاب لا خطبة ، وأنه بعثه مع قيس كما تدل الروايات ، فتكون نسبة الكتاب الأول إلى قيس غير صحيحة ، وأنها لعبد الله بن يقطر كما رجّحنا.
بين يديه ، قال له : من أنت؟. قال : أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه. قال : فلماذا خرّقت الكتاب؟. قال : لئلا تعلم ما فيه. قال : وممن الكتاب وإلى من؟. قال : من الحسين عليهالسلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم. فغضب ابن زياد ، فقال : والله لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم ، أو تصعد المنبر فتسبّ الحسين بن علي وأباه وأخاه ، وإلا قطّعتك إربا إربا. فقال قيس : أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم ، وأما سبّ الحسين عليهالسلام وأبيه وأخيه فأفعل (وفي رواية أنه قال له : اصعد المنبر ، فسبّ الكذّاب ابن الكذاب ، الحسين ابن علي).
فصعد قيس المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي وآله ، وأكثر من الترحم على علي والحسن والحسين عليهمالسلام ، ولعن عبيد الله بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني أمية. ثم قال : أيها الناس ، إن هذا الحسين بن علي عليهماالسلام خير خلق الله ، ابن فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنا رسوله إليكم ، وقد خلّفته (بالحاجر) فأجيبوه.
فأمر به ابن زياد ، فرمي من أعلى القصر ، فتقطعّ (وتكسّرت عظامه) فمات. (وفي مقتل المقرم ص ٢١٩) ويقال : كان به رمق ، فذبحه عبد الملك ابن عمير اللخمي. فعيب عليه ، فقال : أردت أن أريحه.
ترجمة قيس بن مسهر الصيداوي
قيس أحد بني الصيداء ، وهي قبيلة من بني أسد. قال علماء السير : كان قيس رجلا شريفا شجاعا مخلصا في محبة أهل البيت عليهمالسلام. وقد بعثه أهل الكوفة بكتبهم إلى الحسين عليهالسلام بمكة ، ثم أرسله الحسين عليهالسلام مع مسلم بن عقيل ، ثم أرجعه مسلم بكتاب منه إلى الحسين ، فردّ عليهالسلام الجواب معه. وبقي مصاحبا لمسلم حتّى أتى الكوفة ، ولما بايعه من بايعه من أهلها كتب إلى الحسين مع قيس إلى مكة. وبقي قيس مع الحسين عليهالسلام حتّى بلغ (الحاجر) ، فبعثه إلى أهل الكوفة بكتاب ، فأمسكه الحصين بن نمير كما ذكرنا ، وقتله.
توضيح : (حول مهمات الشهيد قيس بن مسهر)
كانت مهمات قيس بن مسهر الصيداوي خطيرة ، وهي تأمين المراسلة بين الحسينعليهالسلام والعراق. فبعثه أهل الكوفة أولا برسالة إلى الحسين عليهالسلام وهو بمكة. ثم صحب مسلم بن عقيل حتّى قدم الكوفة. ثم بعثه مسلم برسالة إلى الحسين عليهالسلام يخبره فيها بمبايعة أهل الكوفة. ثم حين خرج الحسين عليهالسلام من مكة إلى العراق صحبه قيس ، حتّى إذا انتهىعليهالسلام إلى الحاجر بعثه إلى أهل الكوفة يخبرهم بقدومه. وفي الطريق قبض عليه الحصين بن نمير التميمي ، فأتلف الرسالة كما مرّ ، وجيء به إلى ابن زياد فقتله صبرا ، رضوان الله عليه.
وبما أن هناك تضاربا كبيرا بين استشهاد (عبد الله بن يقطر) و (قيس بن مسهر) فقد رجّحنا أن يكون الحسين عليهالسلام بعث عبد الله بن يقطر بكتاب من (الحاجر) وبلغه نبأ استشهاده في (زبالة). ثم بعث قيس بن مسهر بكتاب من (البيضة) ووصله خبر استشهاده في (العذيب) ، فهذا أقرب إلى تسلسل الأحداث والروايات كما أسلفنا.
«الرّهيمة»
٦٨٩ ـ محاورة الحسين عليهالسلام مع رجل من أهل الكوفة يدعى أبا هرّة الأزدي :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٦)
ولما أصبح عليهالسلام إذا برجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرّة الأزدي (١) قد أتاه فسلّم عليه ، ثم قال له : يابن رسول الله ما الّذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم؟. فقال له الحسين عليهالسلام : يا أبا هرّة إن بني أمية قد أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت. يا أبا هرة لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنّهم الله تعالى ذلا شاملا وسيفا قاطعا ، وليسلّطنّ الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ ، إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم.
__________________
(١) هذا الكلام مطابق لما جاء في (اللهوف) ص ٣٩. وذكر المقرم في مقتله ص ٢١٨ هذا الكلام أنه جرى بين الحسين عليهالسلام ورجل من أهل الكوفة يقال له أبو هرم ، وذلك في موضع يدعى (الرهيمة) نقلا عن (أمالي الصدوق) ص ٩٣. وفي مقتل الخوارزمي ومثير الأحزان لابن نما ، أنه جرى في (الثعلبية).
«عذيب الهجانات»
٦٩٠ ـ وصول خبر مصرع قيس بن مسهر الصيداوي في (عذيب الهجانات):
(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٠ ط أولى مصر)
فلما وصل الحسين عليهالسلام إلى (عذيب الهجانات) (١) فإذا بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة ، وهم : عمرو بن خالد الصيداوي ، وسعد مولاه ، ومجمع ابن عبد الله المذحجي ، ونافع بن هلال. ومعهم دليلهم الطرمّاح بن عدي على فرسه ، وكان قد امتار لأهله من الكوفة ميرة. فخرج بهم على غير الطريق ، حتّى إذا قاربوا الحسين عليهالسلام حدا بهم الطرماح يقول :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٣٣)
يا ناقتي لا تذعري من زجري |
|
وشمّري قبل طلوع الفجر |
بخير فتيان وخير سفر |
|
آل رسول الله أهل الفخر |
السادة البيض الوجوه الغرّ |
|
الطاعنين بالرماح السّمر |
الضاربين بالصفاح البتر |
|
حتّى تحليّ بكريم النّجر |
الماجد الحر الرحيب الصدر |
|
أتى به الله لخير أمر |
عمّره الله بقاء الدهر |
|
وزاده من طيّبات الذكر |
يا مالك النفع معا والضرّ |
|
أيّد حسينا سيدي بالنصر |
على الطغاة من بقايا الكفر |
|
على اللعينين سليلي صخر |
يزيد لا زال حليف الخمر |
|
وابن زياد العاهر ابن العهر |
فقال لهم الحسين عليهالسلام : أخبروني خبر الناس وراءكم. فقال له مجمع بن عبد الله العائذي وهو أحد الأربعة : أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم ، وملئت غرائرهم [الغرائر : جمع غرارة ، وهي الكيس من الشعر أو الصوف] يستمال ودّهم ، ويستخلص به نصيحتهم ، فهم إلب واحد [أي جماعة] عليك. وأما سائر الناس بعد ، فإنّ أفئدتهم تهوي إليك ، وسيوفهم غدا مشهورة عليك. قال : أخبروني فهل
__________________
(١) ذكر المقرم في مقتله ص ٢٢٠ هذا الموضع ولم يذكره الخوارزمي. وذكر أبو مخنف في مقتله مثل هذا الكلام ص ٤٦. وعذيب الهجانات : موضع كان النعمان بن المنذر يضع فيه هجانه لترعى ، فسمي : عذيب الهجانات.
لكم برسولي إليكم؟. قالوا : من هو؟. قال : قيس بن مسهر الصيداوي. فقالوا : نعم ، أخذه الحصين بن نمير ، فبعث به إلى ابن زياد فقتله. فترقرقت عينا الحسين عليهالسلام ولم يملك دمعه. ثم قال : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (٢٣) [الأحزاب : ٢٣]. الله م اجعل لنا ولهم الجنة نزلا ، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك ، ورغائب مذخور ثوابك ، يا أرحم الراحمين.
٦٩١ ـ نصيحة الطرماح ودعوته للحسين عليهالسلام إلى قومه من طيء :
(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٧٧)
وقال الطرمّاح بن عدي : والله (لا) أرى معك كثير أحد ، ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم. ولقد رأيت قبل خروجي من الكوفة بيوم ظهر الكوفة ، وفيه من الناس ما لم تر عيناي ـ جمعا في صعيد واحد ـ أكثر منه قط ، ليسيروا إليك. فأنشدك الله إن قدرت على أن لا تقدم إليهم شبرا فافعل. فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به ، حتّى ترى رأيك ويستبين لك ما أنت صانع ، فسر حتّى أنزلك جبلنا (أجأ) (١) فهو والله جبل امتنعنا به من ملوك غسان وحمير والنعمان بن المنذر ، ومن الأحمر والأبيض. والله ما إن دخل علينا ذل قط ، فأسير معك حتّى أنزلك القرية. ثم تبعث إلى الرجال ممن ب (أجا) وسلمى من طيّئ ، فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام حتّى تأتيك طيء رجالا وركبانا. ثم أقم فينا ما بدا لك. فإن هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي ، يضربون بين يديك بأسيافهم ، فوالله لا يوصل إليك أبدا وفيهم عين تطرف.
فجزاه الحسين عليهالسلام وقومه خيرا ، وقال : إن بيننا وبين القوم عهدا وميثاقا ، ولسنا نقدر على الانصراف حتّى تتصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة.
فاستأذن الطرمّاح وحده بأن يوصل الميرة إلى أهله ، ويعجّل المجيء لنصرته ، فأذن له ، وصحبه الباقون.
فأوصل الطرماح الميرة إلى أهله ورجع سريعا ، فلما بلغ (عذيب الهجانات) بلغه خبر قتل الحسين عليهالسلام ، فرجع إلى أهله (٢).
__________________
(١) لدى الرجوع إلى المصورات الجغرافية ، تبّين أن (أجا) جبل يقع إلى جهة الغرب من بلدة (حائل) المعروفة في السعودية.
(٢) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٠.
(أقول) : هذا معارض لبعض الروايات التي تقول : إن الطرماح كان مع الحسين عليهالسلام في كربلاء. وبعضها يذكر أنه جرح وسقط عن فرسه وبه رمق ، فأخذه قومه وداووه وبرئ. بينما يذكر بعضها أنه استشهد مع الحسين عليهالسلام.
«قصر بني مقاتل»
٦٩٢ ـ محاورة الحسين عليهالسلام مع عبيد الله بن الحر الجعفي في (قصر بني مقاتل) ودعوته إلى نصرته فأبى :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٧ ؛ ومقتل المقرّم ، ص ٢٢٤)
ثم سار الحسين عليهالسلام حتّى نزل (قصر بني مقاتل) ، فإذا بفسطاط مضروب (١) ورمح مركوز وسيف معلق وفرس واقف على مذود [أي معتلف]. فقال الحسين عليهالسلام : لمن هذا الفسطاط؟. فقيل : لرجل يقال له عبيد الله بن الحر الجعفي.
وحكى في (القمقام) أن عبيد الله بن الحر كان عثمانيا ، وكان يعدّ من الشجعان ومن فرسان العرب ، وكان في وقعة صفين في جيش معاوية. ولما قتل أمير المؤمنين عليهالسلام انتقل إلى الكوفة وكان بها. حتّى إذا بلغه قدوم الحسين عليهالسلام إلى الكوفة خرج منها لئلا يحضر قتله».
فأرسل إليه الحسين عليهالسلام برجل من أصحابه يقال له : الحجاج بن مسروق الجعفي. فأقبل حتّى دخل عليه في فسطاطه ، فسلّم عليه ، فردّ عليه عبيد الله السلام. ثم قال له : ما وراءك؟. قال : ورائي والله يابن الحر الخير. إن الله تعالى قد أهدى إليك كرامة عظيمة إن قبلتها. فقال عبيد الله : وما ذاك؟. قال الحجاج : هذا الحسين ابن علي عليهماالسلام يدعوك إلى نصرته ، فإن قاتلت بين يديه أجرت ، وإن قتلت استشهدت. فقال عبيد الله : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله يا حجّاج ما خرجت من الكوفة إلا مخافة أن يدخلها الحسين عليهالسلام وأنا فيها لا أنصره. فإنه ليس له فيها
__________________
(١) أورد الخوارزمي في مقتله أن ملاقاة عبيد الله بن الحر كانت بين الثعلبية وزرود. وذكر الجواهري في مثيره ص ٤٢ أن ملاقاته كانت في القطقطانية قبل قصر بني مقاتل. بينما ذكر المقرم في مقتله هذا الموضع ص ٢٢٢. وفي معجم البلدان : قصر بني مقاتل موضع بين عين التمر والشام. وفي ظني أنه هو قصر الأخيضر.
شيعة ولا أنصار إلا مالوا إلى الدنيا وزخرفها ، إلا من عصم الله منهم. فرجع إليه وأخبره بذلك.
فقام الحسين عليهالسلام فانتعل ، ثم صار إليه في جماعة من أهل بيته وإخوانه ، فدخل عليه الفسطاط ، فوسّع له عن صدر المجلس.
يقول ابن الحر : ما رأيت أحدا قطّ أحسن من الحسين ولا أملأ للعين منه ، ولا رققت على أحد قط رقّتي عليه ، حين رأيته يمشي والصبيان حوله. ونظرت إلى لحيته فرأيتها كأنها جناح غراب ، فقلت له : أسواد أم خضاب؟. قال : يابن الحر عجّل عليّ الشيب. فعرفت أنه خضاب (١).
ولما استقرّ المجلس بالحسين عليهالسلام حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد يابن الحر ، فإن أهل مصركم هذا كتبوا إليّ وأخبروني أنهم مجتمعون عليّ أن ينصروني وأن يقوموا من دوني ، وأن يقاتلوا عدوي. وسألوني القدوم عليهم ، فقدمت ولست أرى الأمر على ما زعموا ، لأنهم قد أعانوا على قتل مسلم بن عقيل ابن عمي وشيعته ، وأجمعوا على ابن مرجانة عبيد الله بن زياد ، مبايعين ليزيد بن معاوية.
يابن الحر إن الله تعالى مؤاخذك بما كسبت وأسلفت من الذنوب في الأيام الخالية ، وإني أدعوك إلى توبة تغسل ما عليك من الذنوب. أدعوك إلى نصرتنا أهل البيت ، فإن أعطينا حقنا حمدنا الله تبارك وتعالى على ذلك وقبلناه ، وإن منعنا حقنا وركبنا بالظلم كنت من أعواني على طلب الحق. فقال له عبيد الله : يابن رسول الله لو كان بالكوفة لك شيعة وأنصار يقاتلون معك لكنت أنا من أشدهم على عدوك ، ولكن يابن رسول الله رأيت شيعتك بالكوفة قد لزموا منازلهم خوفا من سيوف بني أمية ، فأنشدك الله يابن رسول الله أن تطلب مني غير هذه المنزلة ، وأنا أواسيك بما أقدر عليه. خذ إليك فرسي هذه (الملحقة) فوالله ما طلبت عليها شيئا قط إلا وقد لحقته ، ولا طلبت قط وأنا عليها فأدركت. وخذ سيفي هذا فوالله ما ضربت به شيئا إلا أذقته حياض الموت. فأعرض عنه الحسين عليهالسلام بوجهه ، ثم قال : يابن الحر إنا لم نأتك لفرسك وسيفك ، إنما أتيناك نسألك النصرة ، فإن كنت بخلت علينا في
__________________
(١) لم يورد الخوارزمي هذه الفقرة في مقتله ، بل أوردها المقرم ص ٢٢٤ نقلا عن (خزانة الأدب) للبغدادي ، ج ١ ص ٢٩٨ ط بولاق ، وأنساب الأشراف ، ج ٥ ص ٢٩١.
نفسك فلا حاجة لنا في شيء من مالك ، ولم أكن بالذي أتّخذ المضلّين عضدا (١).(وفي اللواعج ص ٩٩ : ثم تلا قوله تعالى : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) (٥١) [الكهف : ٥١]. ولكن فرّ فلا لنا ولا علينا ، لأني قد سمعت جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «من سمع بواعية أهل بيتي ، ثم لم ينصرهم على حقهم ، أكبّه الله على وجهه في نار جهنم». ثم قام الحسين عليهالسلام من عنده وصار إلى رحله.
ـ تعليق السيد مرتضى العسكري :
(مرآة العقول للمجلسي ـ مقدمة الكتاب لمرتضى العسكري ، ج ٢ ص ٢١٥)
قال السيد مرتضى العسكري : لعل الباحث يجد تناقضا بين موقف الإمام عليهالسلام ممن تجمّع عليه في منزل (زبالة) يفرّقهم من حوله ، وبين موقف الإمام هنا مع ابن الحر ، وقبله مع زهير بن القين ، حيث كان يدعو الناس فرادى وجماعات إلى نصرته. ولكن من تدبّر في خطب الحسين عليهالسلام وكلامه مع الناس ، أدرك أن الإمام عليهالسلام كان يبحث عن أنصار حقيقيين ينضمون تحت لوائه ، ويبايعونه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واستنكار بيعة أئمة الضلالة ، أمثال يزيد. أنصارا واعين لأهداف قيامه ، يقاومون الإغراء بالدنيا ، يصارعون الحكم الغاشم حتّى يقتلوا في سبيل ذلك.
ترجمة عبيد الله بن الحر الجعفي
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٢٣)
في تاريخ الطبري ، ج ٧ ص ١٦٨ : كان عبيد الله بن الحر عثماني العقيدة ، ولأجله خرج إلى معاوية ، وحارب عليا يوم صفين. وفي ص ١٦٩ ذكر أحاديث في تمرده على الشريعة بنهبه الأموال وقطعه الطرق. وذكر ابن الأثير في تاريخه ، ج ٤ ص ١١٢ : أنه لما أبطأ على زوجته في إقامته بالشام زوّجها
__________________
(١) ذكر هذا الكلام أبو مخنف في مقتله بشكل مختصر ، ص ٤٧ ، وذكر أنه عليهالسلام نزل بهذا الموضع بعد (العذيب).
أخوها من عكرمة بن الخبيص ، ولما بلغه الخبر جاء وخاصم عكرمة إلى الإمام (علي بن أبي طالب). فقال له : ظاهرت علينا عدونا!. قال ابن الحر : أيمنعني عدلك من ذلك؟. فقال عليهالسلام : لا. ثم أخذ أمير المؤمنين المرأة وكانت حبلى ، فوضعها عند ثقة حتّى وضعت ، فألحق الولد بعكرمة ، ودفع المرأة إلى عبيد الله ابن الحر ، فعاد إلى الشام إلى أن قتل الإمام علي عليهالسلام.
وفي أيام عبد الملك سنة ٦٨ ه قتل عبيد الله بالقرب من الأنبار.
ويذكر ابن حبيب في (المحبّر) ص ٤٩٢ : أن مصعب بن الزبير نصب رأس عبيد الله بن الحر الجعفي بالكوفة.
وجاء في (مجالس المؤمنين) : أن أول من زار حائر الحسين عليهالسلام بعد مقتله هو عبيد الله بن الحر الجعفي. وقف على القبر الشريف واستعبر باكيا على ما فاته من القيام بالشهادة ، وفوزه بمراتب السعادة ، بين يدي سيّد السادة.
وفي (العيون العبرى) للسيد إبراهيم الميانجي ، ص ٧٥ :
ولعبيد الله هذا أشعار رائقة تخبر عن ندامته على قعوده عن نصرة الحسين عليهالسلام. ويظهر من (مقتل الخوارزمي) أنه أنشدها على قبر الحسين عليهالسلام ، فضجّ من معه بالبكاء والعويل والنحيب ، وأقاموا عند القبر يومهم ذلك وليلتهم يصلّون ويبكون ويتضرعون ، منها :
فيا لك حسرة ما دمت حيا |
|
تردّد بين صدري والتراقي |
حسين حين يطلب نصر مثلي |
|
على أهل الضلالة والنفاق |
غداة يقول لي بالقصر قولا |
|
أتتركني وتزمع بالفراق |
ولو أني أواسيه بنفسي |
|
لنلت كرامة يوم التّلاق |
مع ابن المصطفى نفسي فداه |
|
تولى ، ثم ودّع بانطلاق |
فلو فلق التلهّف قلب حيّ |
|
لهمّ اليوم قلبي بانفلاق |
فقد فاز الألى نصروا حسينا |
|
وخاب الآخرون ذوو النفاق |