الدكتور لبيب بيضون
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٥
الفصل الثالث :
توطئة في أهل البيت عليهمالسلام وفضائلهم
مقدمة الفصل :
نبدأ الفصل ببحث قيّم حول معنى (أهل البيت) والألفاظ المختلفة التي تطلق عليهم ، مثل : آل الرسول ـ عترة النبي ـ ذوو القربى. فهم بالمعنى الضيّق الخمسة أصحاب الكساء. وبالمعنى الموسّع المعصومون الأربعة عشر ؛ وهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وفاطمة والأئمة الاثنا عشر عليهمالسلام. وبالمعنى الأوسع كل أقرباء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعشيرته الذين حرموا الصدقة من بعده.
ويلجئنا هذا إلى الحديث حول ثبوت إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهمالسلام الذين أولهم علي عليهالسلام وآخرهم المهدي عليهالسلام.
وبعد هذه المقدمة نشرع في ذكر فضائل أهل البيت عليهمالسلام مبتدئين بالإمام علي عليهالسلام وزوجته فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، ثم بفضائل الخمسة أصحاب الكساء عليهمالسلام والذين من ضمنهم الفرقدان الحسن والحسين عليهماالسلام ، ثم بفضائل الأئمة الاثني عشر عليهمالسلام. ومن أبرز هذه الفضائل توصية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بمحبة أهل البيت عليهمالسلام ومودتهم وموالاتهم ونصرتهم والمحافظة عليهم. والفرق بين المحبة والمودة ، أن المحبة شيء قلبي ، بينما المودة فشيء تطبيقي ، يقول تعالى على لسان نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣].
١ ـ من هم أهل البيت عليهمالسلام؟
٣١ ـ من هم أهل البيت عليهمالسلام؟ :
نستخدم عبارة (أهل البيت) كثيرا في كتاباتنا وخطبنا. كما نطلق عبارات أخرى على أهل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مثل (آل الرسول) و (عترة النبي).
و (ذوي القربى). فلنحدد مدلول هذه العبارات والمصطلحات ، التي يحتلّ الحسين عليهالسلام ذروة سنام المجد منها.
ولم أجد لهذه الغاية أفضل من فضل عقده محبّ أهل البيت عليهمالسلام كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي في أول كتابه :
(مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول)
هذا الكتاب الّذي فتّشت عنه كثيرا حتّى وجدت نسخة حجرية منه في مكتبة الأسد ، مطبوعة في ذيل كتاب لسبط ابن الجوزي هو :
(تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة)
وهي طبعة حجرية قديمة طبعت في إيران سنة ١٢٨٧ ه.
يقول ابن طلحة الشافعي في سبب تأليفه لكتابه الجليل (مطالب السّؤول) : كنت في شبابي ألّفت كتابا باسم (زبدة المقال في فضائل الآل) ثم وسّعته وألّفت كتاب (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول).
وفي مقدمة الكتاب (ص ٣ ـ ٥) يقول رحمهالله :
هناك أربعة ألفاظ يوصف بها (أهل النبي) وتطلق عليهم ، هي :
١ ـ آل الرسول |
|
٢ ـ أهل البيت |
٣ ـ العترة |
|
٤ ـ ذوو القربى. |
ثم يشرع في شرح مضمون هذه الألفاظ ، فيقول :
٣٢ ـ من هم آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ :
قد تعددت أقوال الناس في تفسير (الآل). فذهب قوم إلى أن آل الشخص أهل بيته. وقال آخرون : إن آل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هم الذين حرّمت عليهم الزكاة ، وعوّضوا عنها خمس الخمس. وقال آخرون : آل الشخص من دان بدينه وتبعه فيه. فهذه الأقوال الثلاثة أشهر ما قيل.
واستدل من قال بالقول الأول بما أورده القاضي الحسين بن مسعود البغوي في كتابه الموسوم «بشرح سنة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من الأحاديث المتفق على صحتها «يرفعه بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي إليك هدية سمعتها من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟. فقلت : بلى ، فاهدها إليّ. فقال : سألنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقلنا : يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟. قال : قولوا : «اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم ؛
وبارك على محمّد وآل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم. إنك حميد مجيد». فالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فسّر أحدهما (أي الأهل والآل) بالآخر ، فالمفسّر والمفسّر به سواء في المعنى ، فقد بدّل لفظا بلفظ مع اتحاد المعنى ، فيكون آله أهل بيته ، وأهل بيته آله. فيتحدا به في المعنى على هذا القول. ويكشف حقيقة ذلك أن أصل (آل) أهل ، فأبدلت الهاء همزة. ويدل عليه أن الهاء ترد في التصغير ، فيقال في تصغير (آل) أهيل ، والتصغير يردّ الأسماء إلى أصولها.
واستدل من قال بالتفسير الثاني بما خرّجه الأئمة في أسانيدهم المتفق على صحتها : الإمام مسلم وأبو داود والنسائي ، يرفعه كل واحد منهم بسنده في صحيحه ، إلى عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ، قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ ، وإنها لا تحلّ لمحمد ولا لآل محمّد. وبما نقل إمام دار الهجرة مالك بن أنس في موطئه بسنده إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لا تحل الصدقة لآل محمّد ، إنما هي أوساخ الناس. فجعل حرمة الصدقات من خصائص آله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقد قيل لزيد بن أرقم : من آل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الذين حرّمت عليهم الصدقات؟ قال : آل علي وآل جعفر وآل عباس وآل عقيل. وهذا التفسير قريب من الأول.
واستدل من قال بالتفسير الثالث بقوله تعالى : (إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) (٥٩) [الحجر : ٥٩]. وأجمع المفسرون على أن المراد ب (آله) من آمن به وتبعه في دينه.
وإذا ظهر ما قيل في تفسير (الآل) ، فالمعاني كلها مجتمعة فيهم عليهمالسلام : فهم أهل بيته ، وتحرم عليهم الزكاة ، وهم دائنون بدينه ومتّبعون منهاجه وسبيله ، فإطلاق اسم الآل عليهم حقيقة فيهم بالاتفاق.
٣٣ ـ من هم أهل البيت عليهمالسلام؟ :
وأما اللفظة الثانية وهي (أهل البيت) فقد قيل هم من ناسبه إلى جده الأدنى ، وقيل من اجتمع معه في رحم ، وقيل من اتصل به بنسب أو سبب.
وهذه المعاني كلها موجودة فيهم عليهمالسلام. فإنهم يرجعون بنسبهم إلى جده عبد المطلب ، ويجتمعون معه في رحم ، ويتصلون به بنسبهم وسببهم ، فهم أهل بيته حقيقة. فالآل وأهل البيت سواء ، اتحد معناهما على ما شرح أولا ، واختلف على ما ذكر ثانيا ، فحقيقتهما ثابتة لهم عليهمالسلام.
وقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن حيان ، قال : انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ؛ رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه ، لقد لقيت خيرا كثيرا. حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. قال : يابن أخي لقد كبر سني وقدم عهدي ، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فما أحدثكم فاقبلوه وما لا فلا تكلّفونيه.
ثم قال : قام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوما خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وعظ وذكّر ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس إنما أنا بشر ، يوشك أن يأتيني رسول ربي (أي ملك الموت) فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثّقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي.
فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ، أليس نساؤه بأهل بيته؟. قال : لا ، أهل بيته من حرموا الصدقة بعده.
٣٤ ـ من هم العترة؟ :
وأما اللفظة الثالثة وهي (العترة) ، فقد قيل : العترة هي العشيرة ، وقيل العترة هم الذرية ، وقد وجد الأمران فيهم ؛ فإنهم عترته وذريته. وأما العشيرة فالأهل الأدنون ، وهم كذلك. وأما الذرية ، فإن أولاد بنت الرجل ذريته. ويدل عليه قوله تعالى عن إبراهيم عليهالسلام : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٨٥) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥]. فجعل الله سبحانه وتعالى هؤلاء المذكورين ، من ذرية إبراهيم ، ومن جملتهم عيسى عليهالسلام ، ولم يتصل بإبراهيم إلا من جهة أمه مريم عليهاالسلام.
قصة الشعبي مع الحجاج :
وقد نقل أن الشعبي كان يميل إلى عترة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكان لا يذكرهم إلا ويقول : هم أبناء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وذريته. فنقل ذلك عنه إلى الحجاج بن يوسف الثقفي وتكرر ذلك ، وكثر نقله عنه إليه ، فأغضبه ذلك منه ونقمه عليه.
فاستدعاه الحجاج يوما إلى مجلسه ، وقد اجتمع لديه أعيان المصرين الكوفة
والبصرة وعلماؤهما وقراؤهما. فلما دخل الشعبي عليه وسلّم ، فلم يبشّ به ، ولا وفّاه حقه من الرد عليه. فلما جلس قال له : يا شعبي ما أمر تبلّغني عنك يشهد عليك بجهلك؟. قال : ما هو يا أمير؟. قال : ألم تعلم أن أبناء الرجل من ينسبون إليه ، وأن الأنساب لا تكون إلا للآباء؟ فما بالك تقول عن أبناء علي أنهم أبناء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وذريته ، وهل لهم اتصال برسول الله إلا بأمهم فاطمة عليهاالسلام؟ ، والنسب لا يكون بالبنات ، وإنما يكون بالآباء. فأطرق الشعبي ساعة ، حتّى بالغ الحجاج في الإنكار عليه ، وقرّع إنكاره مسامع الحاضرين ، والشعبي ساكت.
فلما رأى الحجاج سكوته أطمعه ذلك في زيادة تعنيفه. فرفع الشعبي صوته وقال : يا أمير ، ما أراك إلا متكلما كلام من يجهل كتاب الله وسنة رسوله ، ومن يعرض عنهما. فازداد الحجاج غيظا منه ، وقال : ألمثلي تقول هذا ، يا ويلك!. قال الشعبي : نعم ، هؤلاء قرّاء المصرين حملة الكتاب العزيز ، فكلّ منهم يعلم ما أقول. أليس قد قال الله تعالى حين خاطب عباده بأجمعهم بقوله (يا بَنِي آدَمَ) [وقال (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) [المائدة : ٧٢]. وقال عن إبراهيم : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) [الأنعام : ٨٤] إلى أن قال : (وَيَحْيى وَعِيسى) [الأنعام : ٨٥] أفترى يا حجاج اتصال عيسى بآدم وباسرائيل الله.
(أي يعقوب) وبإبراهيم خليل الله ، بأي آبائه كان؟. أو بأي أجداد أبيه؟ هل كان إلا بأمه مريم عليهاالسلام. وقد صحّ النقل عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال للحسن : «إنّ ابني هذا سيّد ...».
فلما سمع الحجاج ذلك منه أطرق خجلا. ثم عاد يلطف بالشعبي ، واشتدّ حياؤه من الحاضرين.
وإذا وضح ذلك ، فالعترة الطاهرة هم ذريته صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبناؤه وعشيرته ، فقد اجتمعت فيهم المعاني بأسرها.
٣٥ ـ من هم ذوو القربى؟ :
وأما اللفظة الرابعة وهي (ذوو القربى) فمستندها ما رواه الإمام أبو الحسن علي ابن أحمد الواحدي في تفسيره ، يرفعه بسنده إلى ابن عباس ، قال :
لما نزل قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣] قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمرنا الله تعالى بمودتهم؟. قال : علي وفاطمة وأبناؤهما عليهمالسلام.
٢ ـ أهل البيت عليهمالسلام هم الأئمة الاثنا عشر
ثم يخصص ابن طلحة الشافعي القسم الثاني من مقدمته الرائقة (ص ٥) لذكر المعاني التي ذكر اختصاصهم بها ، وهي الإمامة الثابتة لكل واحد منهم ، وكون عددهم منحصرا في اثني عشر إماما.
٣٦ ـ ثبوت الإمامة لأئمة أهل البيت عليهمالسلام :
يقول ابن طلحة الشافعي في (مطالب السّؤول) ص ٥ :
أما ثبوت الإمامة لكل واحد منهم ، فإنه حصل ذلك لكل واحد بمن قبله. فحصلت للحسن النقي من أبيه علي بن أبي طالب عليهالسلام. وحصلت بعده لأخيه الحسين الزكي منه عليهالسلام. وحصلت بعد الحسين لابنه زين العابدين منه عليهالسلام. وحصلت بعد زين العابدين لولده محمّد الباقر منه عليهالسلام. وحصلت بعد الباقر لولده جعفر الصادق منه عليهالسلام. وحصلت بعد الصادق لولده موسى الكاظم منه عليهالسلام. وحصلت بعد الكاظم لولده علي الرضا منه عليهالسلام. وحصلت بعد الرضا لولده محمّد القانع منه عليهالسلام. وحصلت بعد القانع لولده علي المتوكل منه عليهالسلام. وحصلت بعد المتوكل لولده الحسن الخالص منه عليهالسلام. وحصلت بعد الخالص لولده محمّد الحجة المهدي منه عليهالسلام.
وأما ثبوتها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام فمستقصى على أكمل الوجوه في كتب الأصول. انتهى كلامه.
٣٧ ـ الخلفاء بعدي اثنا عشر :
(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)
أخرج ابن حنبل في مسنده عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول في حجة الوداع : لا يزال هذا الدين ظاهرا على من ناواه ، ولا يضرّه مخالف ولا مطارق ، حتّى يمضي من أمتي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش.
وذكر القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة) باب ٧٧ ، عن كتاب (مودة القربى) بسنده عن جابر بن سمرة ، قال : كنت مع أبي عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «بعدي اثنا عشر خليفة». ثم أخفى صوته. فقلت لأبي : ما الّذي أخفى صوته؟. (قال) قال : «كلهم من بني هاشم».
وروى أيضا في ينابيعه عن جابر (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنا سيد النبيين ، وعليّ سيد الوصيين ، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر ، أولهم علي وآخرهم المهدي».
٣٨ ـ من هم الاثنا عشر خليفة غير أئمة أهل البيت عليهمالسلام؟ :
(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)
وروي عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود ، أنه عهد إلينا نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة ، بعدد نقباء بني إسرائيل.
وقال القندوزي في (ينابيع المودة) أيضا : ذكر يحيى بن الحسن في كتاب
(العمدة) من عشرين طريقا ، أن الخلفاء بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ؛ في البخاري من ثلاثة طرق ، وفي مسلم من تسعة طرق ، وفي أبي داود من ثلاثة طرق ...
ثم قال : ذكر بعض المحققين أن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم اثنا عشر ، قد اشتهرت من طرق كثيرة. فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان ، علم أن مراد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من حديثه هذا ، الاثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر ، ولا يمكن حمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز ، ولكونهم غير بني هاشم ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «كلهم من بني هاشم». وفي رواية عبد الملك عن جابر ، وإخفاء صوته صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذا القول ، يرجّح هذه الرواية ، لأنهم لا يحبون خلافة بني هاشم. ولا يمكن أن يحمله على الملوك العباسية لزيادتهم عن العدد المذكور ، ولقلة رعايتهم للقربى.
٣٩ ـ إمامة أهل البيت عليهمالسلام منصوصة في كتب السنّة :
(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٩)
يقول الفاضل الدربندي : فيا ليتهم قد تأملوا في الأخبار المتكاثرة المتضافرة المتواترة المفيدة القطع واليقين ، والمروية عن طرقهم عن سيد المرسلين صلىاللهعليهوآلهوسلم ، في باب أن الخلفاء والأئمة من قريش ، بعد تأملهم في قصة يوم الطف ، وما جرى على آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من يزيد الطاغي الكافر الزنديق وجنوده. فلو كانوا متأملين في ذلك لعلموا أن إمامة أهل بيت العصمة آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم منصوصة في طرقهم ، بالنصوص المتضافرة المتواترة. فإنكار قطعيات الشرع وضرورياته كفر ، وحمل
ما في تلك الأخبار المتضافرة على غير آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كفر وجهل ، واستيقنتها أنفسهم ، وعتوا عتوّا كبيرا.
وبيان ذلك أنه قد روى البخاري ومسلم والترمذي والنّسائي وابن ماجة وابو داود والسجستاني في صحاحهم الستة ، ومالك في موطّئه ، وصاحب المصابيح ، وصاحب المشكاة ، وصاحب كتاب الفردوس ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، والفقيه ابن المغازلي في مناقبه ، والحافظ أبو نعيم في حليته ، وغيرهم من حذقة الحديث من العامة ، بأسانيدهم المصححة عندهم عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أن الخلفاء والأئمة بعده اثنا عشر ، لا يزال الدين بهم مستقيما إلى أن تقوم الساعة.
ففي صحيح مسلم مسندا إلى عامر بن سعيد بن أبي العاص ، قال : كتبت إلى ابن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فكتب إليّ : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم جمعة ـ عشية رجم الأسلمي ـ يقول : «لا يزال هذا الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة».
وفي (مصباح البغوي) عن الصحاح عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلهم من قريش».
وأورد شيخ العامة جلال الدين السيوطي في (جامعه الصغير) في حرف الهمزة : إن عدة الخلفاء بعدي عدد نقباء موسى عليهالسلام.
ثم يقول الفاضل الدربندي : ولا يخفى عليك أن علماء العامة لا بدّ أن يتدبروا ويتبصروا ويعطوا الإنصاف من أنفسهم. لأنهم لو حملوا هذه الأخبار المتضافرة على ما عندهم ، من كون أول السلسلة في باب الخلافة والإمامة ، الخلفاء الأربعة ... وهكذا ، لزم أن يكون يزيد الطاغي الكافر الزنديق هو سابع الخلفاء عندهم والأئمة المنصوصين بنصّ النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم. فأي مسلم يرضى من نفسه أن ينسب أبغض خلق الله تعالى إلى الله وملائكته ورسله ، وأكفر الناس وأشرّهم ، إلى كونه منصوصا بالخلافة والإمامة ، متّصفا بالأوصاف الحسنة الموجودة في هذه الأخبار.
إذن فما عليه العامة من حمل هذه الأخبار ، لا يمكن أن يستصحّ بوجه من الوجوه. فإذا وجب بحكم الضرورة العقلية طرح هذا الحمل ، لزم حملها على ما عليها الإمامية الاثني عشرية ، مما قد استفاضت به كتب العامة.
٤٠ ـ الأئمة هم أهل البيت عليهمالسلام :
(المصدر السابق)
ثم يقول الفاضل الدربندي : ومن أعجب العجاب غفلتهم وذهولهم وطيّهم الكشح عن الأخبار المستفيضة في طرقهم ، المفسرة لهذه الأخبار ، المذكورة بغاية التفسير والبيان.
فقد روى فخر خوارزم في مقتله بإسناده (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها أمناء ربي ؛ حبل ممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلفّ عنه هوى».
٤١ ـ رواية حذيفة بن اليمان :
(المصدر السابق)
ومن رواية حذيفة بن اليمان ، قال : صلى بنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم أقبل بوجهه الكريم علينا ، فقال : معاشر أصحابي أوصيكم بتقوى الله ... كأني أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، من تمسّك بعترتي بعدي كان من الفائزين ، ومن تخلّف عنهم كان من الهالكين.
فقلت : يا رسول الله على من تخلّفنا؟. قال : على من خلّف موسى بن عمران قومه. قلت : على وصيّه يوشع؟. قال : وصيي وخليفتي من بعدي علي ابن أبي طالب ، قائد البررة ، قاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله.
قلت : يا رسول الله ، كم تكون الأئمة من بعدك؟. قال : عدد نقباء بني إسرائيل (أي اثنا عشر) ، التسعة من صلب الحسين عليهالسلام ، أعطاهم الله تعالى علمي وفهمي ، خزّان علم الله ومعادن وحيه. قلت : يا رسول الله ، فما لأولاد الحسن؟ قال : إن الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسين عليهالسلام وذلك قوله عزوجل : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) [الزخرف : ٢٨].
٤٢ ـ رواية سلمان الفارسي :
(المصدر السابق ، ص ٣٠)
ومن رواية سلمان الفارسي ، قال : خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : معاشر الناس ،
إني راحل عن قريب ، ومنطلق إلى الغيب. أوصيكم في عترتي خيرا ، وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة ، والضلالة وأهلها في النار.
معاشر الناس ، من افتقد الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، فإذا فقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزّهر بعدي.
قال : فلم يزل حتّى دخل بيت عائشة ، فدخلت إليه. فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، سمعتك تقول : إذا فقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر ... فما الشمس وما القمر ، وما الفرقدان ، وما النجوم الزهر؟. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنا الشمس ، وعلي القمر ، فإذا فقدتموني فتمسّكوا به بعدي. وأما الفرقدان فالحسن والحسين عليهماالسلام ، فإذا فقدتم القمر فتمسكوا بهما. وأما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسين عليهالسلام والتاسع مهديّهم.
ثم يقول الفاضل الدربندي : وبالجملة فإن روايات التنصيص على الأئمة الاثنا عشر وتسميتهم بأسمائهم ، وذكر أن أولهم علي عليهالسلام وآخرهم المهدي (عج) يصلي خلفه المسيح بن مريم عليهالسلام ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم متواترة. وحديث جابر ابن عبد الله الأنصاري في ذلك مستفيض مشهور ، وكذلك غيره من الأحاديث.
(أقول) : وإليك رواية أخرى ، ذكرها الخوارزمي في مقتله ، فيها شفاء لما في الصدور ، وهدى ورحمة للمؤمنين.
٤٣ ـ رؤية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للأئمة الاثني عشر عليهمالسلام حين أسري به :
(مقتل الحسين عليهالسلام للخوارزمي ، ج ١ ص ٩٤)
ذكر ابن شاذان ... عن أبي سلمى ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : ليلة أسري بي إلى السماء ، قال لي الجليل جلّ وعلا : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) ، قلت : (وَالْمُؤْمِنُونَ) [البقرة : ٢٨٥]. قال : صدقت يا محمّد. ومن خلّفت في أمّتك؟. قلت : خيرها. قال : علي بن أبي طالب؟. قلت : نعم يا ربّ.
قال : يا محمّد ، إني اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها ، فشققت لك اسما من أسمائي ، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم. ثم اطّلعت الثانية فاخترت عليا ، وشققت له اسما من أسمائي ، فأنا الأعلى وهو علي عليهالسلام. يا محمّد ، إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن
والحسين والأئمة من ولده عليهمالسلام من سنخ نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل الأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين. يا محمّد ، لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشّنّ (أي الجلد اليابس المتجعد) البالي ، ثم أتاني جاحدا لولايتكم ، ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم.
يا محمّد أتريد أن تراهم؟. قلت : نعم يا رب. فقال لي : التفت عن يمين العرش ، فالتفتّ فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام وعلي بن الحسين (زين العابدين) ومحمد بن علي (الباقر) وجعفر بن محمّد (الصادق) وموسى بن جعفر (الكاظم) وعلي بن موسى (الرضا) ومحمد بن علي (الجواد) وعلي بن محمّد (الهادي) والحسن بن علي (العسكري) والمهدي عليهمالسلام ، في ضحضاح من نور ، قياما يصلّون ، وهو وسطهم (يعني المهدي) كأنه كوكب درّي. قال : يا محمّد هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتك. وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي ، والمنتقم من أعدائي.
٤٤ ـ الإمام علي عليهالسلام يؤكد كون الأئمة من بني هاشم :
وجاء علي عليهالسلام يفسر حديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويوضح إبهامه في نهج البلاغة ، فقال : إن الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم (نهج البلاغة ، الخطبة ١٤٢).
٤٥ ـ الإنجيل يتنبّأ بالأئمة الاثني عشر :
جاء في الإصحاح الحادي عشر عن تنبؤات يوحنا اللاهوتي ما نصه :
«وظهرت آية عظيمة في السماء ، امرأة متسربلة بالشمس ، وتحت رجليها القمر ، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا».
فكأنه يتكلم عن مولاتنا فاطمة الزهراء عليهاالسلام وقد تسربلت بالشمس يعني أبيها محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتزوجت بالقمر وهو علي بن أبي طالب عليهالسلام ، وعلى رأسها إكليل من أبنائها المعصومين الاثني عشر ، الذين أولهم الحسن والحسين وآخرهم المهدي عليهالسلام. وليس هناك فيما تنبّأ به يوحنا اللاهوتي فيما سيحصل من أمور ، شيء شبيه بالذي ذكر ، غير فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها عليهمالسلام.
٤٦ ـ الحجة المهدي عليهالسلام هو الإمام الثاني عشر :
(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٤١)
قال الشيخ محمّد الصبان : يكون ظهور المهدي عليهالسلام في يوم عاشوراء. وقال سيدي عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر) : المهدي عليهالسلام من ولد الإمام الحسن العسكري ، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه ، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليهالسلام.
وقال الشيخ محيي الدين بن العربي في (الفتوحات المكية) : اعلموا أنه لا بدّ من خروج المهدي عليهالسلام ، لكن لا يخرج حتّى تمتلئ الأرض جورا وظلما ، فيملؤها قسطا وعدلا. وهو من عترة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من ولد فاطمة عليهاالسلام ، جده الحسين بن علي عليهمالسلام ووالده الإمام حسن العسكري ابن الإمام علي النقي ، ابن الإمام محمّد التقي ، ابن الإمام علي الرضا ، ابن الإمام جعفر الصادق ... يواطئ اسمه اسم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. يبايعه المسلمون بين الركن والمقام ، يشبه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الخلق ، وينزل عنه في الخلق ، إذ لا يكون أحد مثل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في أخلاقه.
٣ ـ أهل البيت عليهمالسلام هم الخمسة أصحاب الكساء
٤٧ ـ من هم أهل البيت عليهمالسلام المقصودون في آية التطهير؟ :
(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١٠)
يقول الشيخ مؤمن الشبلنجي : اختلف في المراد من (أهل البيت) فقيل :
١) ـ هم نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنهن في بيته.
٢) ـ هم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام.
٣) ـ هم من تحرم عليهم الصدقة بعده ، وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.
وقال الفخر الرازي : والأولى أن يقال : هم أولاده وأزواجه ، والحسن والحسين. وعلي عليهمالسلام منهم ، لأنه كان من أهل بيته ، لمعاشرته فاطمة بنته وملازمته له.
تعليق المؤلف :
إن تعبير (أهل البيت) كما شرحنا سابقا يطلق على عدة أشياء ، فيقصد به الخمسة الذين ضمهم الكساء ، وقد يقصد به الأئمة الاثنا عشر ، وقد يقصد به ذرية النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم وهم السادة الأشراف. وقد يقصد به نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. لكن إذا كنا نبحث بالمقصود بهم في آية التطهير ، وهي قوله تعالى :
(يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣] فهم حصرا الخمسة أصحاب الكساء ، الذين نزلت فيهم الآية على وجه الخصوص كما سترى. أما الزوجات فهن مختلفات في الفضل فيما بينهن ، لكنهن لا يرقين إلى درجة هؤلاء الخمسة الذين طهّرهم الله وعصمهم من كل رجس ، منذ ولادتهم وحتى وفاتهم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ثم يقول الشبلنجي : هذا ويشهد للقول بأن (أهل البيت) هم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام عدة آيات ودلالات ، منها : حديث الكساء ، وآية المباهلة ، وآية المودة.
٤٨ ـ حديث الكساء :
(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١١)
ثم يقول الشبلنجي : وروي من طرق عديدة صحيحة أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جاء ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ، ثم أخذ كلّ واحد منهما على فخذه ، ثم لفّ عليهم كساء ، ثم تلا هذه الآية :
(يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣) وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.
(وفي رواية) : الله م هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، كما جعلتها على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد.
(وفي رواية أم سلمة) قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه صلىاللهعليهوآلهوسلم من يدي. فقلت : وأنا معكم يا رسول الله. فقال : إنك من أزواج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على خير.
وروى أحمد بن حنبل والطبراني عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : أنزلت هذه الآية في خمسة : فيّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمة عليهمالسلام.
وروى سبط ابن الجوزي الحنفي المذهب في كتابه (تذكرة الخواص ، ص ٦٥٤ ط نجف) حديث الكساء بسنده عن واثلة بن الأسقع قال : أتيت فاطمة أسألها عن علي عليهالسلام فقالت : توجّه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فجلست أنتظره ، فإذا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أقبل ومعه علي والحسن والحسين قد أخذ بيد كل واحد منهم ، حتّى دخل الحجرة ، فأجلس الحسن على فخذه اليمنى ، والحسين على فخذه اليسرى ، وأجلس عليا وفاطمة بين يديه ، ثم لفّ عليهم كساه (أي ثوبه) ، ثم قرأ : (يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣). ثم قال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي حقا».
وقد أخرج العلامة الفقيه محب الدين الطبري الشافعي في كتابه (ذخائر العقبى ، ص ٢١ ـ ٢٤) أحاديث متعددة في قصة الكساء. منها حديث عن عائشة قالت : خرج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ذات غداة وعليه مرط (كساء) مرجّل من شعر. فجاء الحسن بن علي فأدخله فيه ، ثم جاء الحسين فأدخله فيه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها فيه ، ثم جاء علي عليهالسلام فأدخله فيه ، ثم قال :
(يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣). أخرجه مسلم. وأخرج أحمد معناه عن واثلة ، وزاد في آخره : «اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وأهل بيتي أحقّ».
ومنها حديث عن أم سلمة أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لفاطمة : ائتني بزوجك وابنيك. فجاءت بهم ، وأكفأ عليهم كساء فدكيا ، ثم وضع يده عليهم ، ثم قال : «اللهم إن هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، إنك حميد مجيد».
قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال : «إنك على خير». (أخرجه الدولابي في كتاب الذرية الطاهرة).
وروى ابن شيبة وأحمد والترمذي وحسّنه ، وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصحّحه ، عن أنس ، أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد نزول هذه الآية (كما في رواية الترمذي) كان يمرّ ببيت فاطمة عليهاالسلام إذا خرج إلى صلاة الفجر ، ويقول : الصلاة أهل البيت (يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣).
وفي رواية ابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم جاء أربعين صباحا إلى دار فاطمة ، يقول : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة رحمكم الله (يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣).
وفي رواية له عن ابن عباس : سبعة أشهر. وفي رواية لابن جرير وابن المنذر والطبراني : ثمانية أشهر.
وذكر ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) آية التطهير ، ثم قال : ذكر الترمذي في صحيحه أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان من وقت نزول هذه الآية إلى قريب من ستة أشهر إذا خرج إلى الصلاة يمر بباب فاطمة ، ثم يقول : (يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣).
وذكر ابن حجر أحاديث غير ما تقدم ، وقال : وأشار المحب الطبري إلى أن هذا الفعل (أي وضع الكساء عليهم) تكرر منه صلىاللهعليهوآلهوسلم في بيت أم سلمة وبيت فاطمة وغيرهما. وهذا يفسّر لنا تعدد الروايات بأشكال مختلفة ، في هيئة اجتماعهم وما جللهم به وما دعا به لهم.
وقال الشيخ كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي الشامي في كتابه (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول ، ص ٨ ط إيران) بعد أن ذكر حديث الكساء : فهؤلاء أهل بيته المرتقون بتطهيرهم إلى ذروة أوج الكمال ، المستحقون لتوقيرهم مراتب الإعظام والإجلال ، الموفّقون لتأييدهم لانتهاج مناهج الاستقامة والاعتدال ، المستبقون لتسديدهم إلى مدارج الفضائل والافضال.
٤٩ ـ حديث المباهلة يؤيد حديث الكساء :
(محمّد وعلي وبنوه الأوصياء للشريف العسكري ، ص ٣٢٣ ـ ٣٢٦)
ومما يؤكد أن أهل بيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هم الخمسة على وجه التحديد دون غيرهم ، ما وقع من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حين أراد المباهلة مع وفد نجران.
خرّج جماعة من علماء الجمهور حديث المباهلة بعبارات مختلفة في أحاديث مختلفة. وقصة المباهلة المشهورة حدثت في السنة العاشرة للهجرة. وهي أن وفدا من آل نجران وهم من النصارى ، جاؤوا إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يجادلونه في المسيح عليهالسلام ، فلما تعنّتوا في غلوائهم ، دعاهم الرسول إلى المباهلة ، وهي أن يجتمع فريق من كل طرف ، فيدعو الواحد على الآخر ، فتكون الغلبة لمن يستجيب الله دعاءه. فطلبوا منه الإنظار إلى صبيحة الغد. فقال لهم الأسقف : انظروا محمدا في غد ، فإن جاء بولده وأهله فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فباهلوه ، فإنه على غير شيء. فلما جاء الغد جاء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم آخذا بيد علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين بين يديه ، وفاطمة خلفه. وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم ، فلما رآهم قال الأسقف : يا معشر النصارى ، إني لأرى وجوها لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها ، فلا تباهلوهم فتهلكوا. فامتنعوا عن المباهلة .. وفي ذلك نزلت الآية : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (٦١) [آل عمران : ٥٩ ـ ٦١].
ذكر الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه (ينابيع المودة ، ص ٥٢) حديث المباهلة وقال : أخرج صاحب المناقب عن جعفر الصادق عليهالسلام عن أبيه عن جده علي بن الحسين عليهمالسلام ، أن الحسن بن علي عليهماالسلام قال في خطبته : قال الله تعالى لجدي صلىاللهعليهوآلهوسلم حين جحده كفرة أهل نجران وحاجّوه : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (٦١) [آل عمران : ٦١]. فأخرج جدي صلىاللهعليهوآلهوسلم معه من الأنفس أبي ، ومن البنين أنا وأخي ، ومن النساء فاطمة أمي. فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ، ونحن منه وهو منا.
(وفيه أيضا ، ص ٥٣) : قال الإمام الرضا رضي الله عنه (في تفسير آية المباهلة) : عنى الله تعالى من (أَنْفُسَنا) نفس علي عليهالسلام. ومما يدل على ذلك قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لوفد ثقيف : «لتنتهنّ بني وليعة ، أو لأبعثنّ إليكم رجلا كنفسي «يعني علي بن أبي طالب. فهذه خصوصية لا يلحقه فيها بشر.
(وفي ينابيع المودة أيضا ، ص ٢٦٦) قال : أخرج الدارقطني بسنده عن واثلة
(قال) قال الإمام علي عليهالسلام يوم الشورى : والله لأحتجّنّ عليهم بما لا يستطيع قرشيّهم ولا عربيّهم ولا عجميّهم ردّه. ثم قال لهم خصالا صدّقوها.
(إلى أن قال عليهالسلام) : أنشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم مني؟. وهل فيكم من جعل الله نفس نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم نفسه ، وأبناءه أبناءه ، ونساءه نساءه ، غيري؟. قالوا : لا. قال : فأنشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنت أبو ولدي ، غيري؟. قالوا : لا.
٥٠ ـ آية المودّة :
ويقول الشبلنجي في (نور الأبصار) : ما قدّمناه من أن أهل البيت عليهمالسلام هم : علي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام هو ما جنح إليه الفخر الرازي في تفسيره والزمخشري في كشافه. وعبارته عند تفسير قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) : روي أنها لما نزلت ، قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟. قال : علي وفاطمة وابناهما عليهمالسلام. وسوف نتناول تفسير هذه الآية فيما بعد ، عند حديثنا عن محبة أهل البيت عليهمالسلام ومودتهم.
٥١ ـ آية السلام :
قال الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في مناقبه : ومن الآيات التي نزلت في أهل البيت عليهمالسلام ، آية السلام ، وهي قوله تعالى : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) (١٣٠) [الصافات : ١٣٠]. وقد عدّ ابن حجر في صواعقه هذه الآية من الآيات النازلة بحقهم. ونقل أن جماعة من المفسرين رووا عن ابن عباس أنه قال : المراد بها السلام على آل محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم. إلى أن قال :
(وذكر الفخر الرازي) أن أهل بيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يساوونه في خمسة أشياء :
في السلام ، قال تعالى (السلام عليك أيها النبي) ، وقال : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) (١٣٠). وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهد في الصلاة. وفي الطهارة ، قال تعالى (طه) (١) [طه : ١] أي يا طاهر ، وقال : (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣). وفي تحريم الصدقة. وفي المحبّة ، قال تعالى (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) [آل عمران : ٣١] ، وقال : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى). ا ه.
٥٢ ـ الصلاة على محمّد وآل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم :
وقد أخرج البخاري في كتاب تفسير القرآن ، من الجزء الثالث من صحيحه ، في
تفسير قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٥٦) [الأحزاب : ٥٦]. فقال الصحابة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا رسول الله ، أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك؟. فقال :
«قولوا : اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد». وقد أخرج هذا الحديث مسلم في باب الصلاة على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من كتاب الصلاة ، في الجزء الأول من صحيحه ، وأخرجه سائر المحدّثين .. فعلم أن الصلاة على آل محمّد جزء من الصلاة المأمور بها في هذه الآية. ولذا عدّها العلماء من الآيات النازلة بحقهم ، حتّى عدّها ابن حجر في صواعقه من آياتهم الخاصة عليهمالسلام.
وحسبنا في إيثارهم على من سواهم ، إيثار الله عزوجل إياهم ، حتّى جعل الصلاة عليهم جزءا من الصلاة المفروضة على جميع عباده ، فلا تصحّ بدونها صلاة أحد من العالمين أيا كان شأنه. بل لابدّ لكل من امتثل أمر الله بفرائضه ، أن يمتثل أمره في أثنائها بالصلاة عليهم ، كما يمتثل أمره بالشهادتين. ولذلك أثر عن جابر أنه كان يقول : لو صلّيت صلاة لم أصلّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ، ما رأيت أنها تقبل. وهذه منزلة عنت لها وجوه الأمة ، وخشعت أمامها أبصار العلماء الأئمة ، لذلك قال الشافعي إمام المذهب :
يا آل بيت رسول الله حبّكم |
|
فرض من الله في القرآن أنزله |
كفاكم من عظيم الفضل أنّكم |
|
من لا يصلّي عليكم لا صلاة له |
٤ ـ فضائل أهل البيت عليهمالسلام
٥٣ ـ منزلة أهل البيت عليهمالسلام :
(الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٥٨)
قال بعض أهل العلم : إن آل البيت عليهمالسلام حازوا الفضائل كلها ؛ علما وحلما ، وفصاحة وصباحة ، وذكاء وبديهة ، وجودا وشجاعة. فعلومهم لا تتوقف على تكرار درس ، ولا يزيد يومهم فيها على ما كان بالأمس ، بل هي مواهب من مولاهم ، من أنكرها وأراد سترها كان كمن أراد ستر وجه الشمس. فما سألهم في العلوم مستفيد ووقفوا ، ولا جرى معهم في مضمار الفضل قوم إلا عجزوا وتخلّفوا.
٥٤ ـ بعض فضائل أهل البيت عليهمالسلام :
وحسب أئمة العترة الطاهرة أن يكونوا عند الله ورسوله بمنزلة الكتاب الكريم ، لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ... فهم أعدال القرآن ، وشجرة النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومعدن العلم ، وأهل بيت الوحي.
فيهم نزلت آية التطهير في قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣] وفيهم نزلت آية الرحمة والبركة في قوله تعالى : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (٧٣) [هود : ٧٣].
وفيهم نزلت آية المباهلة في قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (٦١) [آل عمران : ٦١]. وفيهم نزلت آية الإطعام في قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) (٩) [الإنسان : ٨ ـ ٩]. وفيهم نزلت آية المودة في قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٣٣) [الشورى : ٢٣]. وفيهم نزلت آية النور في قوله تعالى: (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) (٣٥) [النور : ٣٥]. وفيهم نزلت آية الهداية في قوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (٨٢) [طه : ٨٢]. وفيهم نزلت آية الولاية في قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٥٥) [المائدة : ٥٥]. وفيهم نزلت آية الطاعة في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩]. وفيهم نزلت آية النعمة في قوله جلّ من قائل : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة : ٣]. وفيهم نزلت آية الميثاق في قوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) [المائدة : ٧]. يشير تعالى في هذه الآية إلى حادثة الغدير في حجة الوداع.
بعض فضائل الإمام علي عليهالسلام
٥٥ ـ فضائل الإمام علي عليهالسلام لا تحصى :
فضائل الإمام علي عليهالسلام جمّة لا تحصى ، فهي بعدد ذرات الثرى. وكما قال ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدمة شرحه لنهج البلاغة (ج ١ ص ١٧ ط مصر ، تحقيق أبي الفضل إبراهيم) :
وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جحد مناقبه ، ولا كتمان فضائله. فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق
الأرض وغربها ، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره والتحريض عليه ، ووضع المعائب والمثالب له ، ولعنوه على جميع المنابر ، وتوعّدوا مادحيه ، بل حبسوهم وقتلوهم ، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة ، أو يرفع له ذكرا ، حتّى حظّروا أن يسمى أحد باسمه ، فما زاده ذلك إلا رفعة وسموا ، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه ، وكلما كتم تضوّع نشره ، وكالشمس لا تستر بالراح ، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة ، أدركته عيون كثيرة.
وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة ، وتنتهي إليه كل فرقة ، وتتجاذبه كل طائفة ؛ فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبو عذرها ، وسابق مضمارها ، ومجليّ حلبتها ، كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى. اه.
(أقول) : وإنما أحببت أن أسوق في هذه الموسوعة بعض مناقبه وفضائله عليهالسلام للتبرك بذكره وتعطير الكتاب بأريج عطره.
٥٦ ـ بعض الروايات في فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٣ ط نجف)
عن الإمام الرضا عليهالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : يا علي إن الله قد غفر لك ولأهلك وشيعتك ، ومحبّي شيعتك ومحبّي محبّي شيعتك ، فأبشر فإنك الأنزع البطين ؛ منزوع من الشرك ، بطين من العلم.
وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام عن آبائه عن الحسين عليهالسلام قال : سمعت جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : من أحبّ أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربي ، فليتولّ علي بن أبي طالب وذريته ، فإنهم لن يخرجوك من باب الهدى إلى باب الضلالة.
وروى الحمويني في (فرائد السمطين) عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : من أحبّ أن يتمسّك بديني ، ويركب سفينة النجاة بعدي ، فليقتد بعلي بن أبي طالب عليهالسلام ، وليعاد عدوّه ، وليوال وليّه ، فإنه وصيي وخليفتي على أمتي ، في حياتي وبعد وفاتي ، وهو إمام كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي. قوله قولي وأمره أمري ونهيه نهيي ، وتابعه تابعي وناصره ناصري وخاذله خاذلي.
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليّ سيّد العرب. فقيل : ألست سيد العرب؟. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم: أنا سيد العالمين (فضائل الخمسة ، ج ٢ ص ٩٧).