موسوعة كربلاء - ج ١

الدكتور لبيب بيضون

موسوعة كربلاء - ج ١

المؤلف:

الدكتور لبيب بيضون


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٥
الجزء ١ الجزء ٢

وقد اقتصرنا على رواية واحدة من هذه الروايات ، سوف ترد في معرض حديث الإمام علي عليه‌السلام عند مروره بكربلاء ، عما حدث ويحدث فيها.

١٧٤ ـ معرفة زكريا عليه‌السلام بما سيجري على الإمام الحسين عليه‌السلام :

الظاهر أن كل الأنبياء كانوا على علم بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقد أطلعهم الله تعالى على مجيء خاتم النبيين وأهل بيته عليهم‌السلام. فكانوا على علم بالخمسة أصحاب الكساء وأسمائهم ومكانتهم. ومن ذلك ما وجد على لوح سفينة نوح عليه‌السلام فقد وجد مرسوما عليه كف لها خمسة أصابع ، مكتوب عليها :

(محمد ـ إيليا ـ شبّر ـ شبير ـ فاطما)

وكان كل نبي يتوسل بهذه الأسماء المباركة إلى الله تعالى في الملمات والأزمات فيفرج الله عنه. فبهذه الأسماء توسل آدم إلى الله فتاب عليه ، وبها توسل نوح عليه‌السلام حين كادت سفينته تغرق فاستوت على الموج ، وبها دعا يوسف عليه‌السلام دعاء الفرج وهو في السجن ففرج الله عنه وجعله ملكا.

ولذلك لا نستغرب معرفة زكريا عليه‌السلام للحسين عليه‌السلام ولما سيجري عليه. فحين وهبه الله يحيى بعد أن بلغ من الكبر عتيا ، وقدر له أن يقتل ، واساه بمقتل الحسين عليه‌السلام سبط محمد خاتم الأنبياء وأفضلهم ، وقصّ عليه قصته.

١٧٥ ـ حديث مقتل يحيى بن زكريا عليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٨ ط نجف)

«في حديث مقاتل عن علي زين العابدين عن أبيه الحسين عليه‌السلام قال» :

إن امرأة ملك بني اسرائيل (١) كبرت وأرادت أن تزوج بنتها منه للملك (أي هيرودس) ، فاستشار الملك يحيى بن زكريا فنهاه عن ذلك. فعرفت المرأة ذلك ، وزينت بنتها وبعثتها إلى الملك ، فذهبت ولعبت بين يديه (أي رقصت في مجلس شرابه). فقال لها الملك : ما حاجتك؟ قالت : رأس يحيى بن زكريا. فقال الملك :

__________________

(١) اسم المرأة (هيروديا) وكانت زوجة فيليبس ، ولدت منه بنتا اسمها (سالومي). ثم عشقها أخوه الملك هيرودس ، فهربت هيروديا معه وتزوجها. والمفهوم من الكلام اللاحق أنها حين كبرت أرادت أن تزوج ابنتها سالومي من الملك أيضا. فاستشار زكريا فأنكر ذلك. فحقدت عليه هيروديا ودبرت له المكيدة لقتله عليه‌السلام.

٢٠١

يا بنية حاجة غير هذه. قالت : ما أريد غيره. وكان الملك إذا كذب فيهم عزل عن ملكه (اعتبر الإخلاف بالوعد هنا كذبا) فخير بين ملكه وبين قتل يحيى ، فقتله. ثم بعث برأسه إليها في طشت من ذهب ، فأمرت الأرض فأخذتها.

وسلط الله عليهم (بخت نصر) فجعل يرمي عليهم بالمجانيق ولا تعمل شيئا. فخرجت عليه عجوز من المدينة فقالت : أيها الملك إن هذه مدينة الأنبياء (أي طبريا) لا تنفتح إلا بما أدلك عليه. قال : لك ما سألت. قالت : ارمها بالخبث والعذرة ، ففعل فتقطعت فدخلها. فقال : علي بالعجوز فقال لها : ما حاجتك؟ قالت : في المدينة دم يغلي فاقتل عليه حتى يسكن ، فقتل عليه سبعين ألفا حتى سكن.

يا ولدي يا علي ، والله لا يسكن دمي حتى يبعث المهدي (١) فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفا.

١٧٦ ـ الله سيثأر للحسين عليه‌السلام مثلما ثأر ليحيى عليه‌السلام :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ج ٤ ص ١٣٦)

روى الحاكم في المستدرك بعدة أسانيد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس.

قال : أوحى الله تعالى إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني قتلت بيحيى بن زكريا (أو على دم يحيى بن زكريا) سبعين ألفا ، وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا.

(وفي مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٣٤ ط نجف) :

عن تاريخ بغداد ، وخراسان ، والإبانة ، والفردوس ، قال ابن عباس : أوحى الله تعالى إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وأقتل بابن بنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا.

وعن الصادق عليه‌السلام : قتل بالحسين مائة ألف وما طلب بثأره ، وسيطلب بثأره.

١٧٧ ـ مقارنة بين محنة النبي يحيى ومحنة الإمام الحسين عليه‌السلام :

(بقلم المؤلف)

لقد جرت قدرة الله تعالى على أن يكون الأنبياء محط ابتلائه سبحانه وامتحانه

__________________

(١) الإمام المهدي (ع) هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (ع) ، وهو الإمام الحجة القائم الذي سيظهر في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا.

٢٠٢

واختباره ... فها هو ابراهيم عليه‌السلام يبلغ من الكبر عتيا وقد رزقه الله اسماعيل ، وما كاد يفرح به وتقرّ به عينه ، حتى أمره سبحانه بذبحه ، فامتثل أمره وامتثل ابنه أمره أيضا ، وكاد يذبح إسماعيل لو لا أن فداه الله بذبح عظيم. قال تعالى في سورة الصافات : (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (١٠٧). والذبح العظيم هو الحسين عليه‌السلام.

وها هو زكريا عليه‌السلام يحرم الولد والنسل حتى إذا أدركه الكبر دعا ربه مخلصا ، فرزقه الله من زوجته العاقر ولدا اسمه (يحيى) تقر به عينه ويرثه من بعده. حتى إذا شب يافعا اختاره الله إلى جواره مذبوحا مقتولا.

وها هو النبي الكريم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ، يختم حياته بامتحان عظيم وقد حرمه الله الولد والنسل إلا من ابنته الزهراء عليها‌السلام ، فشاء سبحانه في سابق قضائه وتقديره أن يرى حفيده الحسين مقتولا مذبوحا في أرض كربلاء ، هو وجميع أهل بيته ما عدا الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، وأن يرى حرمه ورهطه مشردين وأطفاله صرعى ونساءه سبايا مقيدات بالأصفاد.

ومن التشابه العجيب بين محنة يحيى عليه‌السلام ومحنة الحسين عليه‌السلام أن يحيى قضى مذبوحا وأخذ رأسه فقدم مهرا لبغيّ من بغايا بني إسرائيل ، تماما كما قضى الحسين عليه‌السلام مذبوحا وحمل رأسه لأبغى رجل من آل أبي سفيان وهو يزيد بن معاوية. وهذا مفاد قول الحسينعليه‌السلام: «من هوان الدنيا على الله أن يؤتى برأس يحيى بن زكريا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل ، والرأس ينطق بالحجة عليهم ، فلم يضر ذلك يحيى». يومي بذلك عليه‌السلام إلى ما سيؤول إليه حاله من قتله وقطع رأسه وحمله إلى أشقى أهل الأرض ، وكيف أن رأسه الشريف سينطق بالحق ويسمع ويجيب ، تماما كما حدث ليحيى بن زكريا ، وذلك أن رأس الحسين عليه‌السلام كان يقرأ وهو على رمح طويل في الكوفة قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) (٩) [الكهف : ٩].

هذا مع أن محنة الحسين عليه‌السلام لا تقارن في وطأتها مع محنة يحيى عليه‌السلام فيحيى قتل وحده ، والحسين قتل معه من أهل بيته سبعة عشر رجلا ما لهم على وجه الأرض

٢٠٣

شبيه. ويحيى لم تقتل له أطفال ولم تسب له نساء ولا عيال ، والحسين عليه‌السلام ذبحت أطفاله وسبيت نساؤه وعياله. ويحيى لم يمنع من شرب الماء ، بينما الحسين عليه‌السلام منع هو وعياله وأطفاله من شرب الماء حتى قضوا عطاشى ظامئين.

ولعله لهذا التشابه الكبير بين يحيى والحسين عليهما‌السلام وبين زكريا وخاتم النبيين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان من إعجاز القرآن الكريم أن يبتدىء سبحانه قصة يحيى بن زكريا (التي وردت في مطلع سورة مريم) برموز تشير بشكل خفي إلى ما سيكون من محنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بولده الحسين عليه‌السلام ، كما كان من محنة زكريا بيحيى عليه‌السلام ، فابتدأ سبحانه قصة يحيى عليه‌السلام بقوله (كهيعص) (١) [مريم : ١].

١٧٨ ـ معنى (كهيعص) :

هناك روايتان في هذا الموضوع عن الإمام الحجة عليه‌السلام. إحداهما عن إسحق الأحمر (وردت في مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٣٧ ط نجف) والثانية عن سعد بن عبد الله (وردت في معالي السبطين لمحمد مهدي المازندراني ج ١ ص ١١٠ ط حجر إيران). وسوف ندمج الروايتين.

عن سعد بن عبد الله ، قال : قلت لصاحب الأمر (عج) : أخبرني يابن رسول الله عن تفسير (كهيعص)؟. فقال : «هذه الحروف من أنباء الغيب ، الذي أطلع الله عليه عبده زكريا ، ثم قصّها على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وذلك أن زكريا عليه‌السلام سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة عليه‌السلام ، فأهبط عليه جبرئيل وعلمه إياها. فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن عليهم‌السلام سرّي عنه همه وانجلى كربه (أو : سرّ وزال عنه غمومه وفرج عنه همومه وانجلى كربه) ، وإذا ذكر الحسين عليه‌السلام غلبته العبرة ووقعت عليه الزفرة (أو : خنقته العبرة ووقعت عليه الكدورة).

فقال ذات يوم : إلهي (ما بالي) إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين عليه‌السلام تدمع عيني وتثور زفرتي (ويكسر خاطري)؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته ووقعته ، فقال :.

(كهيعص)

فالكاف : اسم كربلاء ، والهاء : هلاك العترة ، والياء : يزيد ، وهو ظالم الحسين عليه‌السلام ، والعين : عطشه ، والصاد : صبره.

٢٠٤

وما أحسن ما قيل في ذلك : (معالي السبطين ج ١ ص ١١١)

يا قتيلا صبره الممدوح من رب العباد

حيث قال الله فيه : كاف ها يا عين صاد

كربلا الكاف وقد حلّ بها البلا

قتلت فيه بيوم الطف سادات الملا

ويزيد ياؤها المعهود والعين تلا

عطش السبط وقد أضرم نارا للفؤاد

فلما سمع زكريا ذلك لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب ويقول : إلهي أتفجع خير خلقك بولده؟ إلهي أتنزل الرزية بفنائه؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي أتحل هذه الفجيعة بساحتهما؟

ثم كان زكريا عليه‌السلام يقول : إلهي ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر ، واجعله وارثا رضيا يوازي محله الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبه ، ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده.

فاستجاب الله دعاءه ، فرزقه يحيى وفجعه به. وكان يوم استجابة دعائه يوم أول المحرم ، وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي في محرابه : (إن الله يبشّرك بيحيى) «انتهى كلام الحجة عليه‌السلام».

١٧٩ ـ قصة حياة يحيى بن زكريا من مولده إلى مقتله كما وردت في العهد الجديد بتصرف :

(إنجيل لوقا ، إصحاح ١ ؛ وإنجيل متى ، إصحاح ١٤)

كان في أيام الملك (هيرودس) حاكم الرومان على فلسطين ، كاهن اسمه زكريا. وكان هو وزوجته (إليصابات) من الأبرار ، القائمين بكل أحكام الله ووصاياه. وكانت (إليصابات) عاقرا لا تنجب أولادا ، وكانت متقدمة في السن كزوجها زكريا. فنادى ربه أن يهبه غلاما بارا ... ويوما كان في المعبد فأصابته القرعة أن يحضر أعمال الهيكل. وبينما هو داخل الهيكل ظهر له ملاك من عند الله واقفا عن يمين مذبح البخور. فلما رآه زكريا اضطرب وخاف. فقال له الملاك : لا تخف يا زكريا فإن مناجاتك قد سمعت ، وإن الله يبشّرك بغلام من امرأتك اليصابات اسمه يحيى (أي يوحنا) وستفرح به ويفرح به كثير من الناس. لأنه سيكون تقيا ، ولا يشرب

٢٠٥

الخمر ولا المسكر. وسيمتلىء بالروح القدس وهو في بطن أمه ، فيردّ الكثيرين من بني إسرائيل إلى ربهم. فلم يصدّق زكريا هذه البشرى وقال للملاك : كيف أصدق هذا وأنا شيخ وامرأتي عاقر ، فقال له الملاك : سوف تبقى صامتا لا تقدر على الكلام حتى ترى وليدك ، لأنك لم تصدّق كلامي الذي سيتم في حينه .. وكان الناس ينتظرون زكريا وقد أبطأ عن الخروج من الهيكل. فلما خرج لم يستطع أن يكلمهم ، ففهموا أنه قد رأى رؤيا في الهيكل ، فكان يومي إليهم. ولما انتهت مدة خدمته للهيكل مضى إلى بيته .. وبعد تلك الأيام حملت إليصابات وأنجبت طفلا ، وعندما اختلف الموجودون في تسميته نطق والده قائلا : لا تختلفوا فقد سماه الله (يحيى). وقص على أهله ما جرى له في الهيكل وكيف بشره الملاك بولادة يحيى.

كان يحيى يعيش في البراري ويأكل عسل النحل ، ويلبس نطاقا من جلد على وسطه وثيابا عادية. وكان يدعو الناس إلى الرجوع لطريق الخير ويحثهم على الأعمال الحسنة ، وكان يقف دائما في وجه الباطل ولا يسكت عنه ، مما دعا إلى حقد الحكام عليه.

ولما أراد (هيرودس) أن يتزوج من زوجة أخيه (هيروديا) قام يحيى بوجه هذا العمل لأنه حرام في الشريعة اليهودية ، وانتقد هيرودس وقال له : لا يحل أن تكون لك. ولما أراد أن يقتله بناء على نقمة (هيروديا) خاف من الشعب ، لأن يحيى كان عندهم بمنزلة النبي ، فأودعه السجن.

ثم لما صار يوم ميلاد هيرودس رقصت ابنة هيروديا في جموع المدعوين ، فسرّت هيرودس. فوعدها بأن يعطيها ما تطلب وأقسم على ذلك. فقالت وقد لقّنتها أمها شيئا : أريد رأس يوحنا المعمدان على طبق. فاغتم الملك ، ولكنه وجد نفسه ملزما بالتنفيذ بناء على إلحاح الموجودين وما أخذ على نفسه من الأقسام ، فأرسل وقطع رأس يحيى في السجن. فأحضر رأسه على طبق ودفعه إلى الصبية (وهي سالومي) فجاءت به إلى أمها. ثم تقدم تلاميذ يحيى ورفعوا الجسد ودفنوه ، ثم أتوا إلى المسيح عليه‌السلام فأخبروه بما حدث (١).

__________________

(١) لزيادة الاطلاع راجع كتاب قصة المسيح بن مريم عليه‌السلام لعبد الحميد جودت السحار ، تجد قصة يحيى بن زكريا بشكل مفصل.

٢٠٦

١٨٠ ـ أوجه الشبه بين يحيى والحسين عليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٩١١١

يقول السيد محمد مهدي المازندراني الحائري :

ولقد أشبه يحيى الحسين عليه‌السلام من جهات شتى :

١ ـ في مدة الحمل ، فكان حمل يحيى ستة أشهر كالحسين عليه‌السلام.

٢ ـ يحيى بشر به زكريا قبل ولادته ، كما بشّر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بولادة الحسين عليه‌السلام.

٣ ـ يحيى لم يسمّ باسمه أحد قبله ، وكذلك الحسين عليه‌السلام.

٤ ـ يحيى لم يرضع من ثدي أمه وأرضع من السماء ، والحسين عليه‌السلام لم يرضع من فاطمة عليها‌السلام بل أرضع من لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبهامه.

٥ ـ يحيى رفع إلى السماء بعد الولادة ، والحسين عليه‌السلام أيضا رفع إلى السماء لتزوره الملائكة يوم السابع من ولادته ، ويوم شهادته.

٦ ـ يحيى كان يتكلم في بطن أمه ، والحسين عليه‌السلام كذلك ، قال : يقول في بطن أمه فاطمة عليها‌السلام : يا أماه أنا العطشان ، يا أماه أنا العريان ، يا أماه أنا السحقان.

٧ ـ يحيى لم ير فرحا طول عمره ، وكذلك الحسين عليه‌السلام.

٨ ـ يحيى قتل مظلوما ، والحسين عليه‌السلام قتل كذلك.

٩ ـ الذي قتل يحيى مشكوك في نسبه ، وكذلك قاتل الحسين عليه‌السلام.

١٠ ـ يحيى بكت عليه ملائكة السموات ، والحسين عليه‌السلام بكت عليه ملائكة السموات والأرض وجميع الموجودات.

١١ ـ يحيى بقي دمه يغلي ، فكلما وضعوا عليه التراب ازداد غليانا ، حتى صار تلا عظيما ، فما سكن حتى سلّط الله على بني إسرائيل بخت نصر ، وقتل سبعين ألفا من بني إسرائيل ، ولكن الحسين عليه‌السلام دمه يغلي حتى يظهر ولده المهدي (عج).

وهو وإن كان قتل به سبعون ألفا وسبعون ألفا ولكنه ما يسكن دمه حتى يطلب المهدي عليه‌السلام بثأره.

١٢ ـ يحيى قطع رأسه ووضع في طشت من ذهب بين يدي عدوه ونطق بكلمة ، وهي أن قال : اتق الله يا أيها الملك ، فإنها لا تجوز لك ، أن تباشر ابنتك (أي

٢٠٧

ربيبتك). والحسين عليه‌السلام لما قتل سمعوا رأسه الشريف يقرأ القرآن على الرمح ، ولما وضع في الطشت بين يدي يزيد قرأ آية من القرآن ، واللعين يضرب ثناياه بقضيب من خيزران.

ولكن شتان بين مصيبة يحيى ومصيبة الحسين عليه‌السلام ، فيحيى قتل لوحده ، أما الحسين عليه‌السلام فقد قتل هو وكل إخوته وأولاده وأبناء عمومته ، وذبح ابنه في حجره ، وقتل عطشانا ، ورضّ جسده الشريف ، ثم سبيت حريمه وذريته.

(أقول) : ولأن مصيبة يحيى عليه‌السلام شبيهة بمصيبة الحسين عليه‌السلام ، كان الحسين عليه‌السلام يذكر يحيى ومصيبته وهو في طريقه إلى الشهادة في كربلاء.

فأول ما ذكره ، حين أقبل إليه عبد الله بن عمر ونصحه ، فقال له : «يا أبا عبد الرحمن ، إن من هوان هذه الدنيا على الله أن يؤتى برأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل ، والرأس ينطق بالحجة عليهم ، فلم يضر ذلك يحيى بن زكريا ، بل ساد الشهداء ، فهو سيدهم يوم القيامة».

كما ذكره عليه‌السلام كثيرا وهو في طريقه إلى العراق. فعن الإمام زين العابدين عليه‌السلام قال : خرجنا مع الحسين عليه‌السلام فما نزل منزلا ولا ارتحل عنه إلا وذكر يحيى بن زكريا عليه‌السلام.

٢ ـ إخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ب

ما يجري على أهل بيته عليهم‌السلام من بعده

١٨١ ـ إخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشهادة الحسين وما يلاقيه أهل بيته عليهم‌السلام :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٥١ ط نجف)

روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ذات يوم جالسا ، وحوله علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فقال لهم : كيف بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتى (أي متفرقة)؟ فقال الحسين عليه‌السلام : نموت موتا أو نقتل؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل تقتل يا بني ظلما ، ويقتل أخوك ظلما ، وتشرد ذراريكم في الأرض.

فقال الحسين عليه‌السلام : ومن يقتلنا يا رسول الله؟ قال : شرار الناس. قال : فهل يزورنا بعد قتلنا أحد؟ قال : نعم طائفة من أمتي يريدون بزيارتكم برّي وصلتي ، فإذا

٢٠٨

كان يوم القيامة جئتهم إلى الموقف حتى آخذ بأعضادهم ، فأخلهم من أهواله وشدائده.

١٨٢ ـ ما يحصل لذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٦٦ ط نجف)

أخبرنا عين الأئمة أبو الحسن علي بن أحمد الكرباسي ، حدثنا ... خالد بن نافع مولى ابن عباس ، قال : سمعت ابن عباس يقول : أخذ بيدي علي عليه‌السلام وقال : يا عبد الله بن عباس ، كيف بك إذا قتلنا وولغت الفتنة في أولادنا ، وسبيت ذرارينا كما تسبى الأعاجم؟ قال : فقلت أعيذك بالله يا أبا الحسن يا بن عم ، لقد كلمتني بشيء ساءني ، وما ظننت أنه يكون هذا. أما ترى الإيمان ما أحسنه ، والإسلام ما أزينه ، أتراهم فاعلين ذلك بنا؟ لعلها أمة غير هذه الأمة. قال عليه‌السلام : لا والله ، بل هذه الأمة!

١٨٣ ـ وعيد شديد لظلمة آل بيت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٦ ط نجف)

عن ميمون بن مهران ، في قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم : ٤٢] قال : هذا وعيد من الله لظلمة أهل بيت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعزية للمظلوم.

وسوف نستعرض في هذا الفصل طائفة من الأخبار المستفيضة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي تنبأت باستشهاد الحسين عليه‌السلام.

وكما أن هذه الأخبار هي من كرامات مولانا الحسين عليه‌السلام ، فهي من معجزات الحبيب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إخباره بالغيب ، وهو مما علمه الله تعالى وأطلعه عليه ، مصداقا لقوله تعالى : (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) وهذا الإعلام هو جزء مما أطلع الله عليه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأمور التي ستحدث على أهل بيته وعلى أمته من بعده. وهو ما أملاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإمام علي عليه‌السلام فكتبه علي عليه‌السلام بخط يده ، على جلد خاص ، فسمي فيما بعد (الجفر).

فاسمحوا لي أن أعرفكم على الجفر وعلومه قبل سرد تلك الروايات.

٢٠٩

علوم أهل البيت عليه‌السلام بالمغيبات

١٨٤ ـ علم الجفر :

(كتاب الحسين في طريقه إلى الشهادة للسيد علي بن الحسين الهاشمي ص ١٦١)

الجفر لغة : هو الجلد المشغول ، إذ كان الناس في القديم يعملون جلود الأنعام ويرققونها ليكتبوا عليها. ثم تقدمت هذه الصناعة حتى صاروا يكتبون على جلد الغزال وأطلقوا عليه اسم (رق الغزال). وإلى الآن نجد بعض الكتب والحروز مكتوبة على هذا النوع من الجلد. ومن ثم أطلقت كلمة (الجفر) على (علم الجفر) وهو من العلوم التي اختص بها الإمام علي عليه‌السلام بادىء بدء ، كما اختص بغيره من العلوم ، وهو من العلوم التي علمه إياها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخصه به دون غيره كعلم المنايا والبلايا. ولقد دوّن الإمام هذا العلم على جلد الجفر ، وصار يتوارثه من بعده أولاده الميامين. وهو من الأسرار التي لم يطلّع عليها أحد من الناس حتى أيام الإمام الصادق عليه‌السلام حيث أفضى به عليه‌السلام إلى بعض خواص أصحابه.

وقد ذكر كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي في (الدر المنظم في السر الأعظم) قال : جفر الإمام علي عليه‌السلام ألف وسبعمائة مصدر من مفاتيح العلوم ومصابيح النجوم المعروف عند علماء الحروف (بالجفر الجامع والنور اللامع) وهو عبارة عن لوح القضاء والقدر عند الصوفية. وقيل العلم المكنون والسر المصون. وقيل باللغة الخفية عند السادة الحرفية ، وهو عبارة عن أسرار الغيوب. وقيل مفتاح اللوح والقلم. وقال أهل الملاحم هو عبارة عن سر حوادث الكون ، وقيل مفتاح العلم اللدني.

والجفر عبارة عن كتابين : أحدهما ذكره الإمام علي عليه‌السلام على المنبر وهو قائم يخطب بالكوفة ، والآخر أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكتابته في هذا العلم المكنون ، وهو المشار إليه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها. فكتبه الإمام علي عليه‌السلام حروفا مفرقة على طريقة سفر آدم عليه‌السلام. وفي ذلك قال الشاعر :

(دائرة المعارف ج ١ ص ٢)

وقد عجبوا لأهل البيت لما

أتاهم علمهم في مسك جفر

ومرآة المنجم وهي صغرى

أرته كلّ عامرة وقفر

وتوجد في مخازن الكتب نوادر مخطوطة في هذا العلم. فإن في دار الكتب

٢١٠

المصرية كتاب مخطوط اسمه (الجفر الجامع والنور الساطع) للإمام الأعظم علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقع في مجلدين ضخمين. وقد ضمت مكتبة الدكتور حسين علي محفوظ على كتاب مخطوط اسمه (الدر المنظم في السر الأعظم في الجفر الجامع والنور اللامع) لمؤلفه كمال الدين أبو سالم محمد بن طلحة النصيبي الشافعي المتوفى سنة ٦٥٢ ه‍ وتاريخ كتابة النسخة عام ١٢٧٣ ه‍. وفي مكتبة السيد علي بن الحسين الهاشمي النجفي نسخة خطية عنوانها (الجفر الجامع : جفر علي وجفر جعفر الصادق) لمؤلفه محي الدين بن العربي.

١٨٥ ـ علوم أهل البيت ٣ : (المجالس السنية ، ج ٥ ص ٣١٠)

قال الشيخ المفيد وغيره : كان الإمام الصادق عليه‌السلام يقول : علمنا غابر ومزبور ، ونكت في القلوب ، ونقر في الأسماع. وإن عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة عليها‌السلام ، وإن عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج إليه الناس.

فسئل عن تفسير ذلك ، فقال : (أما الغابر) فالعلم بما يكون ، (وأما المزبور) فالعلم بما كان ، (وأما النكت في القلوب) فهو الإلهام ، (والنقر في الأسماع) حديث الملائكة ، يسمع كلامهم ولا ترى أشخاصهم. وأما (الجفر الأحمر) فوعاء فيه سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولن يظهر حتى يقوم قائمنا أهل البيت. وأما (الجفر الأبيض) فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله الأولى. وأما (مصحف فاطمة) ففيه ما يكون من حادث وأسماء من يملك إلى أن تقوم الساعة. وأما (الجامعة) فهي كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخط علي بن أبي طالب بيده ، فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة ، حتى أن فيه أرش الخدش ، والجلدة ونصف الجلدة.

شرح : الأرش : هو الدية أو الغرامة ، والمعنى أن هذا الكتاب فيه كل الأحكام الشرعية ، حتى غرامة من يخدش جلد غيره.

١٨٦ ـ لكل إمام صحيفة يعرف منها كل ما يجري عليه :

(مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني ، ص ٢٨٨ ط حجر)

عن أبي عبد الله البزاز عن حريز ، قال : قلت لأبي عبد الله الصادق عليه‌السلام : جعلت فداك ، ما أقل بقاءكم أهل البيت وأقرب آجالكم بعضها من بعض ، مع حاجة الناس إليكم؟ فقال : إن لكل واحد منا صحيفة ، فيها ما يحتاج إليه أن يعمل في

٢١١

مدته ، فإذا انقضى ما فيها مما أمر به ، عرف أن أجله قد حضر. فأتاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينعى بنعي إليه نفسه ، وأخبره بما له عند الله. وإن الحسين عليه‌السلام قرأ صحيفته التي أعطيها وفسّر له ما يأتي ، بنعي ينعى. وبقي فيها أشياء لم تقض ، فخرج للقتال ، وكانت تلك الأمور التي بقيت.

١٨٧ ـ صحيفة بإملاء علي عليه‌السلام فيها كل شيء :

(كتاب سليم بن قيس الكوفي ، ص ٢٧)

عن سليم بن قيس أنه قال : لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام بكى ابن عباس بكاء شديدا. ثم قال ما لقيت هذه الأمة بعد نبيها! ... ولقد دلت على ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذي قار ، فأخرج صحيفة وقال لي : يا بن عباس هذه صحيفة أملاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطي بيدي. قال : فأخرج لي الصحيفة ، فقلت : يا أمير المؤمنين اقرأها علي ، فقرأها. وإذا فيها كل شيء منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكيف يقتل الحسين عليه‌السلام ومن يقتله ، ومن ينصره ومن يستشهد معه. وبكى بكاء شديدا وأبكاني. وان فيما قرأه : كيف يصنع به ، وكيف تستشهد فاطمة عليها‌السلام وكيف يستشهد الحسن عليه‌السلام وكيف تغدر به الأمة. فلما قرأ مقتل الحسين عليه‌السلام ومن يقتله ، أكثر البكاء. ثم أدرج الصحيفة ، وفيه ما كان ويكون إلى يوم القيامة.

١٨٨ ـ لوح عند فاطمة عليها‌السلام رآه جابر الأنصاري ، وفيه ذكر الأئمة عليهم‌السلام :

(المنتخب لفخر الدين الطريحي ، ص ٠٩٣)

روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه قال : دخل جابر الأنصاري إلى أبي في مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له : يا جابر ، بحق جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أخبرتني عن اللوح ، أرأيته عند أمي فاطمة الزهراء عليها‌السلام. فقال جابر : أشهد بالله العظيم ورسوله الكريم ، لقد أتيت إلى فاطمة الزهراء عليها‌السلام في بعض الأيام لأهنّئها بولدها الحسين عليه‌السلام بعد ما وضعته بستة أيام ، فإذا هي جالسة وبيدها لوح أخضر من زمردة خضراء ، وفيه كتابة أنور من الشمس ، وله رائحة أطيب من المسك (الأذفر). فقلت له : ما هذا اللوح يا بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقالت : هذا اللوح أهداه الله إلى أبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيه اسم محمد المصطفى واسم علي المرتضى واسم ولديّ الحسن والحسين ، وأسماء الأئمة الباقين من ولدي. فسألتها أن تدفعه إلي لأنظر ما

٢١٢

فيه ، فدفعته إلي فسررت به سرورا عظيما فقلت لها : يا ست النساء ، هل تأذنين لي أن أكتب نسخته؟ فقالت : افعل. فأخذته ونسخته عندي.

فقال له الباقر عليه‌السلام : هل لك أن تريني نسخته بعينها الآن؟ فمضى جابر إلى منزله ، فأتى بصحيفة من كاغذ (أي ورق) مكتوب فيها :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). هذا كتاب من (العزيز) العليم ، أنزله الروح الأمين ، على خاتم النبيين أجمعين. أما بعد ، يا محمد عظّم أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي ، ولا ترج سوائي ولا تخش غيري ، فإنه من يرجو سوائي ويخش غيري ، أعذبه عذابا لا أعذب به أحدا من العالمين.

يا محمد ، إني اصطفيتك على سائر الأنبياء ، وفضلت وصيك عليا على سائر الأوصياء. وجعلت ولدك الحسن عليه‌السلام عيبة علمي بعد انقضاء مدة أبيه. وجعلت الحسين عليه‌السلام خير أولاد الأولين والآخرين ، ومن نسله الأئمة المعصومين ، وعليه تشب فتنة صماء ، فالويل كل الويل لمن حاربه وغصبه حقه. ومنه يعقب زين العابدين ، وبعده محمد الباقر لعلمي ، والدايع إلى سبيلي على منهاج الحق. ومن بعده جعفر الصادق القول والعمل. ومن بعده الإمام المطهر موسى بن جعفر. ومن بعده علي بن موسى الرضا ، يقتله كافر عنيد ، ذو بأس شديد. ومن بعده محمد الجواد يقتل مسموما. ومن بعده علي الهادي يقتل بالسم. ومن بعده الحسن العسكري يقتل بالسم. ومن بعده القائم المهدي عليه‌السلام وهو الذي يقيم اعوجاج الدين ، ويأخذ ثأر الأئمة الطاهرين ، صلوات الله عليهم أجمعين ، وهو رحمة للعالمين ، وسوط عذاب على الظالمين. وسألقي عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب عليه‌السلام ، فتذل أوليائي قبل ظهوره ، وتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ، فيظهر حجتي منهم ، فيقتلون ويحرقون وتصبغ الأرض من دمائهم ، ويفشو الويل والرنة في نسائهم. أولئك أوليائي حقا ، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندسية ، وبهم أكشف الزلازل وأدفع الأصفاد والأغلال. أولئك عليم صلوات من ربهم ورحمة ، وأولئك هم المهتدون.

فقال بعض أصحاب الصادق عليه‌السلام : يا مولانا لو لم نسمع في دهرنا إلا فضل هذا الحديث لكفانا فضله.

وقال عليه‌السلام : ولكن فصنه إلا عن أهله.

٢١٣

١٨٩ ـ نزول الوصية الإلهية على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصورة كتاب مختوم يفكه الأئمة عليهم‌السلام ويعملون بمقتضاه : (أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٠)

في رواية معاذ بن كثير عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : إن الوصية نزلت من الله تعالى على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتابا لم ينزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتاب مختوم إلا الوصية. فقال جبرئيل : يا محمد هذه وصيتك إلى أمتك عند أهل بيتك. وكان كلما استلم إمام فض خاتما منها وعمل بما فيه.

وقد ورد هذا الحديث في الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى. فقد وردت تلك الأخبار بأسانيد معتبرة ومتون متقاربة.

وقد ورد في بعض منها : ثم دفعه إلى الحسين عليه‌السلام ففك خاتما ، فوجد فيه : أن قاتل وتقتل ، واخرج بقوم إلى الشهادة ، فلا شهادة لهم إلا معك ، واشر نفسك لله عزوجل ، ففعل. ثم دفعه إلى علي بن الحسين عليه‌السلام ففك خاتما ، فوجد فيه : أن اطرق واصمت والزم منزلك ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ، ففعل.

ثم دفعه إلى محمد بن علي (الباقر) ففك خاتما ، فوجد فيه : فسّر كتاب الله وصدّقه آباءك وورّث ابنك واصطنع الأمة وقم بحق الله ، وقل الحق في الخوف ، ولا تخافنّ إلا الله عزوجل ، فإنه لا سبيل لأحد عليك. ثم دفعه إلى ابنه جعفر (الصادق) ففك خاتما ، فوجد فيه : أن حدّث الناس وافتهم ، وانشر علوم أهل بيتك ، وصدّق آباءك الصالحين ، ولا تخافن إلا الله عزوجل وأنت في حرز وأمان ، ففعل. ثم دفعه إلى ابنه موسى (الكاظم) ، وكذلك دفعه موسى إلى الذي بعده ، ثم كذلك إلى العلم المهدي عليه‌السلام.

٣ ـ إخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باستشهاد الحسين عليه‌السلام

* راجع الفقرات رقم ١١٣ و ١١٤ و ١١٥ و ١٢٨ و ١٤٥ و ١٤٦ و ١٤٧.

١٩٠ ـ إخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل الحسين عليه‌السلام ودعوته إلى مودة أهل البيتعليهم‌السلام : (مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٦٣)

ولما أنت على الحسين عليه‌السلام من مولده سنتان كاملتان ، خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر ، فلما كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه. فسئل عن ذلك؟ فقال : هذا جبريل يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات يقال لها كربلاء ، يقتل فيها

٢١٤

ولدي الحسين بن فاطمة عليه‌السلام. فقيل : من يقتله يا رسول الله؟ فقال : رجل يقال له يزيد ، لا بارك الله في نفسه. وكأني أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه ، وكأني أنظر إلى السبايا على أقتاب المطايا ، ويهدى رأسه إلى يزيد.

ثم صعد المنبر مغموما مهموما ، حزينا كئيبا باكيا ، وأصعد معه الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ووضع يده اليمنى على رأس الحسن عليه‌السلام واليسرى على رأس الحسين عليه‌السلام وقال : «اللهم إن محمدا عبدك ورسولك ، وهذان أطائب عترتي وخيار أرومتي وأفضل ذريتي ومن أخلفهما في أمتي ، وقد أخبرني جبرئيل أن ولدي هذا مخذول مقتول بالسم ، والآخر شهيد مضرج بالدم. اللهم فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء. اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله ، وأصله حرّ نارك ، واحشره في أسفل درك الجحيم». قال : فضج الناس بالبكاء والعويل فقال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أتبكون ولا تنصرونه؟ اللهم فكن أنت له وليا وناصرا».

وقال ابن عباس : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل موته بأيام يسيرة إلى سفر له ثم رجعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو متغير اللون محمر الوجه فخطب خطبة أخرى موجزة وعيناه تهملان دموعا (١). ثم قال : «يا قوم إني مخلف فيكم الثّقلين : كتاب الله ، وعترتي وأرومتي ومزاج مائي وثمرة فؤادي ومهجتي ، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. ألا وإنني لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي (أسئلكم عن الموؤدة في القربى) واحذروا أن تلقوني على الحوض غدا وقد آذيتم عترتي وقتلتم أهل بيتي وظلمتموهم».

والآن نذكر ما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنحو التواتر ، في إخباره عن شهادة الحسينعليه‌السلام بكربلاء وبكائه عليه قبل وقوع الحادثة. نبدأ بروايات أمير المؤمنين عليه‌السلام.

١٩١ ـ مرور أمير المؤمنين عليه‌السلام على كربلاء :

(تاريخ ابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين عليه‌السلام ص ٩١٦٥

عن عبد الله بن نجيّ عن أبيه ، أنه سافر مع علي بن أبي طالب عليه‌السلام وكان صاحب مطهرته ، فلما حاذوا نينوى ، وهو منطلق إلى صفين ، نادى علي عليه‌السلام : صبرا أبا عبد الله ، صبرا أبا عبد الله بشط الفرات. قلت : من ذا أبو عبد الله؟ قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعيناه تفيضان. فقلت : يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما

__________________

(١) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ١١ وذكر هذا الكلام وعمر الحسين عليه‌السلام سنتان.

٢١٥

شأن عينيك تفيضان؟ قال : ما أغضبني أحد ، بل قام من عندي جبرئيل قبل ، فحدثني أن الحسين عليه‌السلام يقتل بشط الفرات. وقال : هل لك إلى أن أشمك من تربته؟ قال : قلت نعم. فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عينيّ أن فاضتا.

١٩٢ ـ رواية مشابهة :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص ٢٦١)

وذكر ابن سعد أيضا عن الشعبي ، قال : لما مرّ علي عليه‌السلام بكربلاء في مسيره إلى صفين وحاذى نينوى (قرية على الفرات) ، وقف ونادى صاحب مطهرته (أي وضوئه) : أخبر أبا عبد الله ما يقال لهذه الأرض. فقال : كربلاء.

فبكى حتى بلّ الأرض من دموعه. ثم قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يبكي ، فقلت له : ما يبكيك؟ فقال : كان عندي جبرئيل آنفا ، وأخبرني أن ولدي الحسين عليه‌السلام يقتل بشط الفرات بموضع يقال له كربلا. ثم قبض جبرئيل قبضة من تراب ، فشمني إياها ، فلم أملك عينيّ أن فاضتا.

١٩٣ ـ روايات أم سلمة (رض): (تاريخ بغداد ، ج ١ ص ١٤٢ ط ١)

عن أبي جعفر عليه‌السلام عن أم سلمة ، قالت : قال رسول الله عليه‌السلام : يقتل حسين على رأس ستين من مهاجري. وفي معجم الطبراني ، عن أم سلمة ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقتل الحسين عليه‌السلام حين يعلوه القتير (أي بوادر الشيب).

١٩٤ ـ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرى مقتل الحسين عليه‌السلام في كربلاء :

(إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢١٧ ط بيروت)

عن أم سلمة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج من عندنا ذات ليلة ، فغاب عنا طويلا ، ثم جاءنا وهو أشعث أغبر ، ويده مضمومة. فقلت له : يا رسول الله ، مالي أراك أشعث أغبر؟ فقال : أسري بي في هذه الليلة إلى موضع من العراق ، يقال له : كربلاء ، فرأيت فيه مصرع الحسين عليه‌السلام وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألتقط دماءهم فيها في يدي ، وبسطها فقال : خذيه واحتفظي (به) فأخذته فإذا هي شبه تراب أحمر. فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها.

فلما خرج الحسين عليه‌السلام متوجها نحو أهل العراق ، كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة ، فأشمها وأنظر إليها ، ثم أبكي لمصابها. فلما كان يوم العاشر من المحرم ـ وهو اليوم الذي قتل فيه ـ أخرجتها في أول النهار وهي بحالها ، ثم عدت

٢١٦

إليها آخر النهار ، فإذا هي دم عبيط (أي طري طازج). فضججت في بيتي وكظمت غيظي ، مخافة أن يسمع أعداءهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة. فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي ينعاه ، فحقق ما رأيت.

١٩٥ ـ حديث أم سلمة (خبر القارورة): (تاريخ ابن عساكر ، ص ١٧٥)

عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة :

عن أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت : كان الحسن والحسين عليهما‌السلام يلعبان بين يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي ، فنزل جبرئيل فقال : يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك! وأومأ بيده إلى الحسين عليه‌السلام. فبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضمه إلى صدره ، ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة ، وديعة عندك هذه التربة. قالت : فشمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : ريح كرب وبلاء. قالت : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة ، إذا تحولت هذه التربة دما فأعلمي أن ابني قد قتل.

قال : فجعلتها أم سلمة في قارورة ، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول : إن يوما تحوّلين دما ليوم عظيم.

١٩٦ ـ الحسين عليه‌السلام يري أم سلمة مضجعه في كربلاء :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٥ ص ٨٩ ط ٣)

جاء في (الخرايج والجرايح) للقطب الراوندي :

من معجزات الحسين عليه‌السلام أنه لما أراد العراق ، قالت له أم سلمة : لا تخرج إلى العراق ، فقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : يقتل ابني الحسين بأرض العراق ، وعندي تربة دفعها إلي في قارورة. فقال الحسين عليه‌السلام : إني والله مقتول كذلك ، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا. وإن أحببت أن أريك مضجعي ومصرع أصحابي. ثم مسح بيده عليه‌السلام على وجهها ، ففسح الله عن بصرها ، حتى رأيا ذلك كله ، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضا في قارورة أخرى ، وقال عليه‌السلام : إذا فاضت دما فاعلمي أني قتلت.

فقالت أم سلمة : فلما كان يوم عاشوراء ، نظرت إلى القارورتين بعد الظهر ، فإذا هما قد فاضتا دما ؛ فصاحت.

٢١٧

١٩٧ ـ إخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقتل الحسين عليه‌السلام :

(ينابيع المودة لسليمان القندوزي ج ٢ ص ١٤٣)

أخرج ابن سعد والطبراني عن أم المؤمنين عائشة (رض) رفعته ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف ، وجاءني بهذه التربة ، وأخبرني أن فيها مضجعه.

١٩٨ ـ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبر عائشة بمقتل الحسين عليه‌السلام :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٨)

عن أبي الفرج الجوزي عن رجاله ، عن عائشة قالت : دخل الحسين على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو غلام يدرج ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أي عائشة ألا أعجبك ، لقد دخل علي آنفا ملك ما دخل علي مثله (وفي رواية : ملك المطر أو ملك القطر). فقال : إن ابنك هذا مقتول ، وإن شئت أريتك من تربته التي يقتل بها ، فتناول ترابا أحمر ، فأخذته أم سلمة فخزنته في قارورة. فأخرجته يوم قتله وهو دم.

١٩٩ ـ رواية أنس بن مالك الأنصاري :

(تاريخ ابن عساكر ص ١٦٩)

عن أنس بن مالك قال : استأذن ملك القطر على ربه عزوجل أن يزور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأذن له ، فجاءه وهو في بيت أم سلمة. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد. فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين عليه‌السلام ففتح الباب ، فجعل يتقفز على ظهر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنبي يلثمه ويقبله. فقال له الملك : أتحبه يا محمد؟ قال : نعم. قال: أما إن أمتك ستقتله! وإن شئت أن أريك من تربته المكان الذي يقتل فيها! (فأراه إياه). قال : فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه ، فأتاه بسهلة حمراء (أو تراب أحمر). فأخذتها أم سلمة فجعلتها في ثوبها. قال ثابت : كنا نقول إنها كربلاء.

٢٠٠ ـ رواية أبي أمامة :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ص ١٧١)

في تاريخ ابن عساكر ، والذهبي ، ومجمع الزوائد للهيثمي وغيرها ، عن أبي أمامة (قال) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنسائه : لا تبكوا هذا الصبي «يعني حسينا».

٢١٨

قال : وكان يوم أم سلمة ، فنزل جبرئيل ، فدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الداخل ، وقال لأم سلمة : لا تدعي أحدا أن يدخل علي.

فجاء الحسين عليه‌السلام فلما نظر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البيت أراد أن يدخل ، فأخذته أم سلمة فاحتضنته وجعلت تناغيه وتسكته. فلما اشتد في البكاء خلت عنه. فدخل حتى جلس في حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال جبرئيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن أمتك ستقتل ابنك هذا. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقتلونه وهم مؤمنون بي؟ قال : نعم يقتلونه. فتناول جبرئيل تربته فقال: مكان كذا وكذا.

فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد احتضن حسينا ، كاسف البال مهموما. فظنت أم سلمة أنه غضب من دخول الصبي عليه. فقالت : يا نبي الله ، جعلت لك الفداء ، إنك قلت لنا : لا تبكوا هذا الصبي ، وأمرتني أن لا أدع أحدا يدخل عليك ، فجاء فخليت عنه. فلم يرد عليها.

فخرج إلى أصحابه وهم جلوس ، فقال لهم : «إن أمتي يقتلون هذا» وفي القوم أبو بكر وعمر ، وكانا أجرأ القوم عليه. فقالا : يا نبي الله ، يقتلونه وهم مؤمنون؟!. قال : نعم. هذه تربته ، فأراهم إياها.

٢٠١ ـ إخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقتل الحسين عليه‌السلام وأصحابه في عمورا :

(بحار الأنوار للمجلسي ج ٤٥ ص ... ط ٣)

عن جابر عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : قال الحسين عليه‌السلام لأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول الله قال لي : «يا بني إنك ستساق إلى العراق ، وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين ، وهي أرض تدعى (عمورا). وانك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك ، لا يجدون ألم مس الحديد. وتلا : (قلنا : (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) [الأنبياء : ٦٩]. يكون الحرب بردا وسلاما عليك وعليهم». فأبشروا فو الله لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا.

٢٠٢ ـ الإخبار بقتل الحسين عليه‌السلام قبل ولادته :

(دائرة المعارف لمحمد حسين الأعلمي ج ١٥ ص ١٨٠)

في الكافي ومرآة العقول (ج ١ ص ٢٩٣) عن الصادق عليه‌السلام أن جبرئيل نزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : يا محمد إن الله (يقرئك السلام) ويبشرك بمولود يولد من فاطمةعليها‌السلام تقتله أمتك من بعدك. فقال : يا جبرئيل ، وعلى ربي السلام ، لا حاجة

٢١٩

لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أمتي من بعدي ... ثم عرج إلى السماء ثم هبط ، فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ، ويبشرك بأنه جاعل في ذريته الإمامة والوصية. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد رضيت.

٢٠٣ ـ روايات ابن عباس (رض): (مثير الأحزان لابن نما ص ١٢)

عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (رض) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع الحسن والحسين وفاطمة وعلي عليهما‌السلام ، فلما نظر إليهم بكى. فقال له أصحابه : يا رسول الله ، ما ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت ، أو ما فيهم من تسرّ برؤيته؟ فقال : والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية ، ما على وجه الأرض نسمة أحب إلي منهم. وإنما بكيت لما يحل بهم من بعدي ، وذكرت ما يصنع بهذا ولدي الحسين. كأني به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار ، ويرتحل إلى أرض مقتله ومصرعه ، أرض كرب وبلاء. تنصره عصابة من المسلمين ، أولئك سادة شهداء أمتي يوم القيامة ، فكأني أنظر إليه وقد رمي بسهم فخر عن فرسه صريعا. ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوما.

ثم انتحب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبكى وأبكى من حوله ، وارتفعت أصواتهم بالضجيج. ثم قام وهو يقول : اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي.

٢٠٤ ـ رواية أخرى : (البداية والنهاية لابن كثير ج ٦ ص ٢١٦)

قال أبو الحافظ أبو بكر البزاز في مسنده عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : كان الحسين عليه‌السلام جالسا في حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال جبرئيل : أتحبه؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وكيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي؟ فقال : أما إن أمتك ستقتله ، ألا أريك من موضع قبره؟ فقبض قبضة ، فإذا تربة حمراء.

إخبار الإمام علي عليه‌السلام

٢٠٤ ـ رواية ميثم التمار : (أمالي الصدوق ، ص ١١٠)

حدثنا الشيخ الصدوق ، قال : حدثنا ... عن جبلة المكية ، قالت : سمعت ميثم التمار يقول : والله لتقتلن هذه الأمة ابن نبيها في المحرم ، لعشر مضين منه ، وليتخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة. وان ذلك لكائن ، قد سبق في علم الله تعالى ذكره. أعلم ذلك بعهد عهده إلي مولاي أمير المؤمنين عليه‌السلام ...

٢٢٠