موسوعة كربلاء - ج ١

الدكتور لبيب بيضون

موسوعة كربلاء - ج ١

المؤلف:

الدكتور لبيب بيضون


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٥
الجزء ١ الجزء ٢

وإن الثائر في دمائنا كالحاكم في حق نفسه ، وهو الله الّذي لا يعجزه من طلب ، ولا يفوته من هرب. فأقسم بالله يا بني أميّة ، عما قليل لتعرفنّها في أيدي غيركم ، وفي دار عدوكم».

سمات الحكم الأموي

٣٦٠ ـ مدخل حول معنى الخلافة :

في تقديري أن إطلاق لفظة (خلافة) على ملك بني أمية خطأ شائع ، يتعارض مع معنى الكلمة ، والأخبار الواردة في ذلك. فالخليفة في مفهوم الإسلام هو الرئيس الّذي ينتخبه المسلمون ، أما الّذي يفرض نفسه عليهم بغير جدارة ولا حقّ ولا رضا ، فهو ملك من الملوك الذين وصفهم الله تعالى بقوله : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها) [النمل : ٣٤]. ثم إن الخليفة في مفهوم الإسلام هو القدوة للمسلمين ، الّذي يطبّق الإسلام بحذافيره ويحق حقوق الله. وملوك بني أمية وغيرهم كانوا أبعد ما يكونون عن تعاليم الإسلام وحدوده ، فهم تشبّهوا بملوك الروم والفرس ، وتسلّطوا على المسلمين وعلى أموالهم يتصرفون بها كما يشاؤون ، ويحرمون منها أصحابها ، ليصرفوها على أنفسهم وأغراضهم وتعزيز سلطانهم.

هذا عدا عن خروجهم عن ربقة الإسلام بحربهم لولي الأمر الواجب الطاعة ، الّذي نصبه الله تعالى ، أو الّذي ينتخبه السابقون إلى الإسلام من المهاجرين والأنصار. ثم إلقاحهم الفتن وقتلهم لآلاف المسلمين بدون حق.

فكيف نسمّي من يفعل هذه الأشياء المنكرة ب (خليفة الإسلام والمسلمين)؟.

وقد وردت أخبار كثيرة تؤيد هذا المعنى ، نذكر بعضها.

٣٦١ ـ حكم بني أمية ملكية وليس خلافة :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢)

روى البيهقي من طريق هشيم عن العوام بن حوشب ، عن سليمان بن أبي سليمان ، عن أبيه عن أبي هريرة (قال) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخلافة بالمدينة ، والملك بالشام».

وقال نعيم بن حماد : حدثنا راشد بن سعد ... عن حذيفة بن اليمان ، قال : يكون بعد عثمان اثنا عشر ملكا من بني أمية. قيل له : خلفاء؟. قال : لا ، بل ملوك.

٣٤١

٣٦٢ ـ حكم معاوية خلافة أم ملكية؟ :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ١٩٩ ط مصر)

أخرج ابن أبي شيبة في (المصنف) عن سعيد بن جمهان (قال) قلت لسفينة : إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم!. قال : كذب بنو الزرقاء ، بل هم ملوك من أشدّ الملوك ، وأول الملوك معاوية.

٣٦٣ ـ الفرق بين الخليفة والملك :

(صبح الأعشى في كتابة الإنشا للقلقشندي ، السفر الثالث ، ص ٢٧٥)

قال القلقشندي : ثم قد كره جماعة من الفقهاء منهم «أحمد بن حنبل «إطلاق اسم الخليفة على ما بعد خلافة «الحسن بن علي عليهما‌السلام» ، فيما حكاه النحاس وغيره ، محتجين بحديث : «الخلافة بعدي ثلاثون «يعني ثلاثون سنة ، وكان انقضاء الثلاثين بانقضاء خلافة الحسن عليه‌السلام. ولما انقضت الخلافة صارت ملكا.

قال المعافى بن إسماعيل في تفسيره : وقد روي أن عمر بن الخطاب سأل طلحة والزبير وكعبا وسلمان عن الفرق بين الخليفة والملك؟. فقال طلحة والزبير : لا ندري ، فقال سلمان : الخليفة الّذي يعدل في الرعية ، ويقسم بينهم بالسوية ، ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهله والوالد على ولده ، ويقضي بينهم بكتاب الله تعالى. فقال كعب : ما كنت أحسب أن في هذا المجلس من يفرّق بين الخليفة والملك ، ولكن الله ألهم سلمان حكما وعلما.

٣٦٤ ـ حكم معاوية ويزيد :

(خطط الشام لمحمد كرد علي ، ص ١٤٠)

يقول محمّد كرد علي : أخرج معاوية الخلافة من أصولها ، وكانت بالعهد لأفضل الصحابة ، أو بالشورى بينهم لمن يقع اختيارهم عليه. وجعلها كالملك يورثها الأب لابنه ، أو لمن يراه أهلا لها من خاصته ، أو كسروية أو قيصرية على سنة كسرى وقيصر كما قالوا. وبذلك نقم على معاوية بعض الصحابة والتابعين من الأنصار والمهاجرين.

(أقول) : وقد لا حظت في كتب المسعودي ، أنه حتّى عصر الحسن عليه‌السلام يستخدم لفظة (خلافة) ، وبعده يسمّيها (أيام معاوية) و (أيام يزيد) ... وهكذا. أي ينفي عن ملوك بني أمية صفة الخلافة والشرعية.

٣٤٢

٣٦٥ ـ الحكم الأموي لم يكن حكما إسلاميا ، بل تسوده النزعة الجاهلية :

(ضحى الإسلام لأحمد أمين ، ج ١ ص ٢٧)

يتحدث أحمد أمين في (ضحى الإسلام) عن الحكم الأموي ، فيقول :

الحق أن الحكم الأموي لم يكن حكما إسلاميا ، يسوّى فيه بين الناس ، ويكافأ المحسن ، عربيا كان أو مولى ، ويعاقب المجرم عربيا كان أو مولى ، وإنما الحكم فيه عربي والحكام خدمة للعرب ، وكانت تسود العرب فيه النزعة الجاهلية ، لا النزعة الإسلامية.

٣٦٦ ـ النزعة القبلية : (تاريخ الدولة العربية لفلهوزن ، ص ٦٥)

يقول فلهوزن : الّذي كان يحدث في الغالب أن يستظهر الوالي بقبيلة واحدة على غيرها ، وكان يستظهر خصوصا بقبيلته هو ، وكان هو الّذي يأتي بها معه أحيانا.

ـ شأن قيس (ثقيف):

ولقد لعبت قيس في الشام وفي خراسان دورا سياسيا كبيرا ، وكانوا منتشرين في كل مكان. وكانوا بفضل ما ينتمي إليهم من (ثقيف) يشغلون كثيرا من المناصب العليا. وكانوا أشدّ ما تكون القبيلة اتحادا. وكانوا أول من كوّن عصبة بالمعنى الحقيقي في جميع أنحاء الدولة. وقد شقّوا طريقهم إلى الحكم بأشدّ الوسائل خزيا.

وقد اعتمد الأمويون عليولاة معينين يكفونهم شرّ العراق ، بما فيها الكوفة والبصرة ، حتّى ملأ ذكرهم التاريخ. فالأخبار تقصّ لنا من أخبار المغيرة بن شعبة وزياد ابن أبيه أكثر مما تقصّ من أخبار معاوية نفسه. كما أنها تجعل عبد الملك بن مروان متواريا وراء الحجاج. وكان هؤلاء الولاة الثلاثة المشهورون كلهم ثقفيّين ، ومن الذين أخلصوا الولاء لبني أمية. وفي عهد يزيد لمع نجم عبيد الله بن زياد ، وهو ثقفي أيضا.

٣٦٦ ـ إثارة معاوية النعرات القبلية ، وسياسة فرّق تسد :

(كتاب سليم بن قيس الكوفي ، منشورات دار الكتب الإسلامية ، ص ١٧٤)

قال أبان عن سليم بن قيس ، قال : كان لزياد بن سميّة كاتب يتشيّع ، وكان لي صديقا ، فأقرأني كتابا (سرّيا) كتبه معاوية إلى زياد ، جواب كتابه إليه ، يقول فيه :

٣٤٣

أما بعد ، فإنك كتبت إليّ تسألني عن العرب ، من أكرم منهم ومن أهين ، ومن أقرب ومن أبعد ، ومن أأمن منهم ومن أحذر؟. وأنا يا أخي أعلم الناس بالعرب [هذا بعد أن استلحق معاوية زيادا ، فخاطبه على أنه أخوه].

انظر إلى هذا الحي من (اليمن) ، فأكرمهم في العلانية وأهنهم في السر ، فإني كذلك أصنع بهم ، أكرمهم في مجالسهم وأهينهم في الخلاء ، إنهم أسوأ الناس عندي حالا ، ويكون فضلك وعطاؤك لغيرهم سرا منهم.

وانظر (ربيعة بن نزار) ، فأكرم أمراءهم وأهن عامتهم ، فإن عامتهم تبع لأشرافهم وساداتهم.

وانظر إلى (مضر) ، فاضرب بعضها ببعض ، فإن فيهم غلظة وكبرا ونخوة شديدة ، فإنك إذا فعلت ذلك وضربت بعضهم ببعض ، كفاك بعضهم بعضا. ولا ترض بالقول منهم دون الفعل ، ولا الظن دون اليقين.

وانظر إلى (الموالي) ومن أسلم من الأعاجم ، فخذهم بسنة عمر بن الخطاب ، فإن في ذلك خزيهم وذلهم ، أن تنكح العرب منهم ولا ينكحهم ، وأن يرثهم العرب ولا يرثوا العرب ، وأن تقصر بهم في عطائهم وأرزاقهم ، وأن يقدّموا في المغازي ، يصلحون الطريق ويقطعون الشجر ، ولا يؤمّ أحد فيهم العرب في صلاة ، ولا يتقدم أحد منهم في الصف الأول إذا حضرت العرب إلا أن يتموّا الصف ، ولا تولّ أحدا منهم ثغرا من ثغور المسلمين ولا مصرا من أمصارهم ، ولا يلي أحد منهم قضاء المسلمين ولا أحكامهم ، فإن هذه سنة عمر فيهم وسيرته ... ولو لا أن عمر سنّ دية الموالي على النصف من دية العرب وذلك أقرب للتقوى ، لما كان للعرب فضل على العجم. فإذا جاءك كتابي هذا فأذلّ العجم وأهنهم وأقصهم ، ولا تستعن بأحد منهم ، ولا تقض لهم حاجة.

(أقول) : أهكذا علمّهم الإسلام أن يفعلوا بغير العرب ، أم أنهم أرادوا أن يفعلوا عكس ما أمرهم الله تعالى؟!. حيث قال في صريح كتابه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (١٣) [الحجرات : ١٣].

٣٤٤

٣٦٧ ـ محاولة معاوية نقل منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الشام :

(النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ، ج ١ ص ١٣٨)

في سنة خمسين للهجرة أراد معاوية نقل منبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة ، وأن يحمل إلى الشام ... وحرّك المنبر فكسفت الشمس حتّى رؤيت النجوم بادية. فأعظم الناس ذلك ، فتركه معاوية.

وفي تاريخ الطبري : فقال معاوية : لم أرد حمله ، إنما خفت أن يكون قد أرض [أي أكلته الأرضة ، وهي العث] فنظرت إليه. ثم كساه يومئذ.

٣٦٨ ـ مثال حيّ على تحريف بني أمية لمبادىء الإسلام ـ اهتمام عبد الملك بن مروان ببناء قبة الصخرة لأغراض سياسية :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٣٠١)

قال الواقدي : قال صاحب (مرآة الزمان) : وفي هذه السنة ٦٦ ه‍ ابتدأ عبد الملك بن مروان ببناء القبة على صخرة بيت المقدس وعمارة الجامع الأقصى. وكملت عمارته في سنة ٧٣ ه‍. وكان السبب في ذلك أن عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة ، وكان يخطب في أيام منى وعرفة ، ومقام الناس بمكة ، وينال من عبد الملك ، ويذكر مساوئ بني مروان ، ويقول : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن الحكم [والد مروان] وما نسل ، وأنه طريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعينه. وكان يدعو إلى نفسه ، وكان فصيحا ، فمال معظم أهل الشام إليه.

وبلغ ذلك عبد الملك فمنع الناس من الحج ، فضجّوا. فبنى القبة على الصخرة والجامع الأقصى ، ليشغلهم بذلك عن الحج ، ويستعطف قلوبهم. وكانوا يقفون عند الصخرة ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة ، وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم.

وقد عملوا في بيت المقدس من الإشارات والعلامات المكذوبة شيئا كثيرا مما في الآخرة ، فصوّروا فيه صورة الصراط وباب الجنة ، وقدم رسول الله ووادي جهنم ، وكذلك في أبوابه ومواضع منه.

وبالجملة إن صخرة بيت المقدس لما فرغ من بنائها لم يكن لها نظير على وجه الأرض ، بهجة ومنظرا. وقد كان فيها من الفصوص والجواهر والفسيفساء وغير ذلك شيء كثير وأنواع باهرة.

٣٤٥

ولم يكن يومئذ على وجه الأرض بناء أحسن ولا أبهى من قبة صخرة بيت المقدس ، بحيث أن الناس التهوا بها عن الكعبة والحج.

٣٦٩ ـ محاولات بني أمية للحط من قيمة أهل البيت عليهم‌السلام :

استخدم الأمويون الذين ساروا على المبدأ (الغاية تبرر الواسطة) كلّ الوسائل للحط من قيمة الإمام علي عليه‌السلام وأهل البيت عليهم‌السلام بعد أن أعطاهم الله أعلى مقام محترم في الإسلام ، حتّى اعتبر مودتهم أجر الرسالة المحمدية.

ومن أبرز هذه الوسائل استخدام أبي هريرة وغيره من الرواة لوضع الأحاديث في الكيد من أهل البيت عليهم‌السلام ونسب فضائل وهميّة لغير أهل البيت عليهم‌السلام نكاية بهم.

وغير خاف تقريع عمر بن الخطاب لأبي هريرة ، وضربه بالدرة لكثرة ما اختلق من الأحاديث ، وقال له : لقد أكثرت الحديث يا أبا هرة. وقد روى آلاف الأحاديث ، في حين كانت فترة صحبته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تتعدى ثلاث سنوات [أسلم أبو هريرة بعد فتح خيبر في آخر سنة ٧ ه‍ ، هو وعكرمة بن أبي جهل]. وكان من أهل الصفة.

ونعرض فيما يلي بعض هذه الأحاديث الموضوعة والمحاولات المفضوحة :

١ ـ يروي المعتزلة ، وهم سنّة معتدلون ، أن معاوية كان يدفع الأموال الطائلة لأبي هريرة ليصطنع الأحاديث. من ذلك قوله على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن آل أبي طالب ليسوا بأوليائي ، إنما أوليائي هم الصالحون.

٢ ـ اختلقوا أحاديث في فضل الشيخين ، ليس غرضها تعظيمهما بقدر ما غرضها التوهين من منزلة علي عليه‌السلام وأولاده ، فكل منقبة تفردّ بها الإمام علي عليه‌السلام وضعوا في مقابلها حديثا لشخص آخر يشاركه بها ، حتّى لا يكون هو الوحيد المتصف بها.

فحين قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا مدينة العلم وعلي بابها». أضافوا إلى الحديث : وأبو بكر سقفها ، وعمر حيطانها ، وعثمان أرضها ... (حجر وطين ، ج ١ ص ١٧٣).

وحين قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة». وضعوا الحديث : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة. علما بأنه في الجنة لا يوجد كهول ، بل يحشر كل المؤمنين شبانا.

وفي اعتقادي أن هذه الأحاديث كلها من وضع الأمويين للتوهين من أهل البيت

٣٤٦

والهاشميين. ولو أن الشيخين اطّلعوا على هذه الأحاديث الموضوعة في حقهم لأنكروها ولعنوا واضعها ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ستكثر عليّ الكذّابة ، فمن كذب عليّ عامدا متعمدا ، فليتبوّأ مقعده من النار».

٣ ـ وقالوا : إن الإمام الحسن عليه‌السلام مطلاق ، أي كان يتزوج كثيرا ويطلّق كثيرا. ولعمري من من الصحابة لم يتزوج عدة نساء وينجب العديد من الأولاد. في حين كان كثير من النساء يعرضن أنفسهن على الإمام الحسن للزواج ، ليكسبوا شرف مصاهرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم يطلقهن على شرع الله ورسوله ، ويعطيهن كامل حقوقهن برضائهن.

٤ ـ ومن ذلك قولهم على سكينة بنت الحسين عليهما‌السلام بهتانا وإثما مبينا ، وهو أنها كانت تعقد مجالس الأدب وتجلب الشعراء ... الخ. وكل ذلك كذب وافتراء عليها ، فالتي كانت تقوم بذلك هي سكينة الزبيرية وليست سكينة بنت الحسين عليهما‌السلام ، فنسبوا ما كانت تفعله تلك إلى هذه عمدا ، للتوهين من قدسية أهل البيت عليهم‌السلام.

وقد ورد في أخبار أهل البيت عليهم‌السلام أنه لما خطب عبد الله بن الحسن عليه‌السلام من عمه الحسين عليه‌السلام إحدى بناته ، قال له الحسين عليه‌السلام : أما سكينة ، فإنها دائمة الاستغراق مع الله ، ولا تصلح لرجل. ولكن أزوّجك فاطمة الصغرى ، فإنها أشبه ما تكون بجدتها فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، فزوّجه إياها.

٥ ـ في مقابل سلامة نظرة الغالبية العظمى لعلماء السنة تجاه أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم ، نجد نوادر من الأفراد قد أعماهم التعصب النابع من منطلق غير ديني ولا إسلامي ، فكانوا يحاولون التشنيع على الشيعة وتصويرهم على غير حقيقتهم. من هؤلاء ابن حجر العسقلاني الّذي بعد أن ساق الأحاديث المتواترة في فضائل أهل البيت عليهم‌السلام التي لا تحصى ، ولا يمكن لأحد أن ينكرها ، ثم الأحاديث الصحيحة في نجاة أتباعهم وأنصارهم وشيعتهم ، قال : ولكن إياكم أن تظنوا أن شيعتهم هم الشيعة ، إنما هم السنة. ولو كان منصفا لقال : إن شيعتهم هم من أحبهم وعمل على هداهم من الشيعة والسنة. فنحن في غنى عن إثارة الأحقاد وإلقاح الفتن ، التي لا تفيد الإسلام ، بل تفتّ في عضد المسلمين.

ومن هؤلاء جهبذ العلماء (ابن كثير) الّذي حاول عمدا الخلط بين الشيعة

٣٤٧

والروافض. ونسب إلى الشيعة ما يقوله الروافض زورا وبهتانا. وهو يقصد بالروافض الذين كانوا يسبّون الشيخين. مع أن الشيعة لا تسبّ الشيخين ، بل تحترم كل الصحابة الكرام ، وتعطي كل ذي حق حقه بلا مداهنة ولا إبهام.

٦ ـ وقد دفع ذلك بعض المتعصبين من الأولين والآخرين ، إلى إنكار كل حديث في فضائل أهل البيت عليهم‌السلام لا يروق لمزاجهم. حتّى أن الدكتور أبا اليسر عابدين ألفّ كتابا سمّاه (أغاليط المؤرخين) زعم فيه أن كثيرا من الأحاديث في فضل أهل البيت عليهم‌السلام والتي روتها علماء السنة الأعلام ، أنها ليست صحيحة. ظنا منه أنه بذلك يخدم الإسلام ، والإسلام يحتاج إلى أمور أهم من ذلك في هذه الأيام ، سامحه الله.

٧ ـ ومنها ما فعله الشاعر ابن عبد ربه الأندلسي صاحب كتاب (العقد الفريد) ، الّذي جمع فيه أخبارا من الأدب. فإنه ألف كتابا نظم فيه أرجوزة تاريخية ، ذكر فيها الخلفاء الراشدين وجعل معاوية رابعهم ، ولم يذكر عليا عليه‌السلام أبدا. وهذا يعني أنه اعتبر معاوية من الخلفاء الراشدين ، ولم يعتبر عليا عليه‌السلام منهم .. ياله من داء عضال ، وضلال ليس بعده ضلال! .. ومثل هذه الأعمال والأقوال كثير ، وهي من ثمرات الجهل المطبق ، أو التعصب المقيت ، أعاذنا الله منهما.

٣٦٩ ـ سياسة بني أمية ومعاوية ويزيد :

(في رحاب دمشق لمحمد أحمد دهمان ، ص ٢٦٤)

يقول الأستاذ دهمان : كانت سياسة بني أمية تقوم على تقديس رجالاتهم والطعن في خصومهم ، خصوصا الطالبيين ، وهذا بدهي لا يحتاج إلى سرد نصوص تؤيد ذلك.

فمعاوية وابنه يزيد ، ومروان بن الحكم وابنه عبد الملك ، والحجاج بن يوسف الثقفي وأضرابهم ، كان لهم من القدسية والاحترام في العصر الأموي ، وإلى منتصف العصر العباسي ، مثلما لآل البيت النبوي في عصرنا.

يذكر المقدسي في (أحسن التقاسيم) ص ٣٩٩ : أنه دخل مدينة إصبهان ، فوصف له رجل معروف بالزهد والتعبد. قال : فقصدته وتركت القافلة خلفي وبتّ عنده تلك الليلة ، وجعلت أسائله إلى أن قلت : وما قولك في الصاحب بن عبّاد؟ فجعل يلعنه. ثم قال : إنه أتانا بمذهب لا نعرفه. قلت : وما هو؟. قال : يقول معاوية لم يكن

٣٤٨

مرسلا. قلت : وما تقول أنت؟. قال : أقول كما قال الله تعالى : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥]. أبو بكر كان مرسلا ، وعمر كان مرسلا ، حتى ذكر الأربعة ، ثم قال : ومعاوية كان مرسلا. قلت : لا تفعل ، أما الأربعة فكانوا خلفاء ، ومعاوية كان ملكا ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخلافة بعدي إلى ثلاثين ، ثم تكون ملكا. فجعل الشيخ يشنّع عليّ ، وأصبح يقول للناس : هذا رجل رافضي ، فلو لم أتدارك القافلة لبطشوا بي. ولأهل إصفهان في هذا الباب حكايات كثيرة.

ويقول المقدسي في كتابه ، ص ١٢٦ : وببغداد غالية يفرطون في حب معاوية.

وهناك نصّ يفيد بأن أهل الكرخ كانوا من جماعة معاوية وأنصاره. فقد سبّ إبراهيم بن رستم معاوية ، فقال له رجل : لم لا تقول هذا بالكرخ؟. فقال إبراهيم : ولم لا تصلي أنت على محمّد بالقسطنطينية؟.

ويقول المقدسي في كتابه ، ص ١٢٦ أيضا : كنت يوما بجامع واسط ، وإذ برجل قد اجتمع عليه الناس ، فدنوت منه ، فإذا هو يقول :

حدثنا فلان عن فلان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله يدني معاوية يوم القيامة ، فيجلسه إلى جنبه ويغلفه بيده ، ثم يجلوه على الخلق كالعروس. فقلت له : بماذا؟ بمحاربته عليا!.

فقال : رضي الله عن معاوية ، وكذبت أنت يا ضال. فقال : خذوا هذا الرافضي. فأقبل الناس عليّ ، فعرفني بعض الكتبة ، فكركروهم عني.

مثل هذا الاحترام والتقديس عند بعض الناس لمعاوية ، انتقل إلى ابنه يزيد ، فكان فيهم من يعتقد مثل هذا أو قريبا منه في يزيد (وهؤلاء سمّوا اليزيدية ، ولهم أتباع في الجزيرة في سورية ، وفي دربند على ساحل بحر الخزر ، وفي ميافارقين في تركيا).

ثم يقول الأستاذ دهمان : وتفيد فتوى ابن تيمية أن بعضا من الناس في عصره كان يعتقد أن يزيد كان صحابيا ، وبعضا آخر يعتقد أنه كان نبيا. وقد ردّ ابن تيمية على هذين القولين في (سؤال في يزيد بن معاوية) ، وذكر اعتقاد أهل السنة في يزيد.

(راجع المجلد ٣٨ ص ٤٥٢ من مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق)

٣٤٩

هنات معاوية

٣٧٠ ـ مبتدعات معاوية :

(خطط الشام لمحمد كرد علي ج ١ ص ١٤٣)

قال الأستاذ محمّد كرد علي : توفي معاوية سنة ٦٠ ه‍ بعد أن وطّأ أكناف الملك ، وابتكر في الدولة أشياء لم يسبقه أحد إليها. منها أنه أول من وضع الحشم للملوك ، ورفع الحراب بين أيديهم ، ووضع المقصورة التي يصلي الملك أو الخليفة بها في الجامع منفردا عن الناس ... واستخدم المسيحيين في مصالح الدولة ، فعهد بنظارة المالية إلى منصور وسرجون من نصارى العرب السوريين.

وقال السيوطي في (تاريخ الخلفاء) ص ٢٠٠ : معاوية أول من اتخذ الخصيان لخاص خدمته ، وأول من عبثت به رعيته ، وأول من خطب الناس قاعدا ، وذلك حين كثر شحمه وعظم بطنه (أخرجه ابن أبي شيبة).

وقال الزهري : أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية.

وقال سعيد بن المسيب : أول من أحدث الأذان في العيد معاوية. وقال : أول من أنقص التكبير معاوية.

٣٧١ ـ أربع موبقات كبيرة لمعاوية :

(تاريخ أبي الفداء ، ج ٢ ص ١٠٠)

روى ابن الجوزي بإسناده عن الحسن البصري أنه قال : أربع خصال كنّ في معاوية ، لو لم يكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة ، وهي :

١ ـ أخذه الخلافة بالسيف من غير مشورة ، وفي الناس بقايا الصحابة وذوو الفضل.

٢ ـ واستخلافه ابنه يزيد ، وكان سكيّرا خميّرا ، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير.

٣ ـ وادّعاؤه زيادا ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحج».

٤ ـ وقتله حجر بن عدي وأصحابه (بعد أن أعطاهم الأمان). فيا ويلا له من حجر وأصحاب حجر!.

٣٥٠

وروي عن الشافعي أنه أسرّ إلى الربيع أنه لا يقبل شهادة أربعة من الصحابة ، وهم : معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد ابن أبيه.

رواية أخرى : (المجالس السنيّة للسيد الأمين ، ج ٣ ص ٨٢)

قال المرزباني : قال الحسن البصري :

أربع خصال كنّ في معاوية ، لو لم يكن فيه إلا واحدة منهن كانت موبقة : انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء (حتّى ابتزّها أمرها بغير مشورة منهم) وفيها بقايا الصحابة وذوو الفضل. وادّعاؤه زيادا ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». واستخلافه يزيد من بعده ، سكيّرا خميرا ، يزوّج بين الدب والذئب والكلب والضبع ، ينظر ما يخرج منهما. وقتله حجر بن عدي وأصحابه. فيا ويله ثم يا ويله!.

٣٧٢ ـ تولية يزيد من أكبر أخطاء معاوية :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٩٦ ط ٢ نجف)

ذكر علماء السير عن الحسن البصري أنه قال :

قد كانت في معاوية هنات ، لو لقي أهل الأرض ببعضها لكفاهم : وثوبه على هذا الأمر [أي الخلافة] ، واقتطاعه من غير مشورة من المسلمين ، وادّعاؤه زيادا ، وقتله حجر بن عدي وأصحابه ، وتوليته يزيد على الناس.

قال : وقد كان معاوية يقول : لو لا هواي في يزيد لأبصرت رشدي.

تسلّط معاوية على الأمة بالسفهاء

٣٧٣ ـ قصة بسر بن أبي أرطاة وقتله أولاد عبيد الله بن العباس :

كان عبيد الله بن العباس أخو المحدث الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه واليا على اليمن من قبل الإمام علي عليه‌السلام. ولما حدثت الهدنة بين الإمام علي عليه‌السلام ومعاوية بعد خدعة التحكيم ، بعث معاوية عدة فرق تهجم على السواحل ، وأمر بسر بن أبي أرطاة بالهجوم على اليمن وقتل أهلها. فأتى بسر صنعاء حتّى دخل على زوجة عبيد الله بن العباس ، فسألها : أين زوجك؟. فقالت : خرج من أيام. فقال : إذن أعطني أولادك ، وكانا صغيرين قد لجآ إلى حجر أمهما. فأنشأت تقول لهما :

٣٥١

اقتربا من عمّكما وسلّما عليه. فقالا : لا يا أماه!. إنا نخاف منه. فما كان من ابن أبي أرطاة إلا أن نزع الولدين من حجر أمهما ، وشهر سيفه وذبحهما أمام عينها. فشرد عقلها وجنّت من ساعتها.

٣٧٤ ـ ما فعله بسر بن أبي أرطاة بأهل البيت عليهم‌السلام في عهد معاوية :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٨)

ومثل فعل يزيد ، فعل بسر بن [أبي] أرطاة العامري أمير معاوية ، في أهل البيتعليهم‌السلام من القتل والتشريد ، حتّى خدّ لهم الأخاديد. وكانت له أخبار شنيعة في علي عليه‌السلام ، وقتل ولدي عبيد الله بن العباس وهما صغيران ، على يد أمهما ، ففقدت عقلها وهامت على وجهها. فدعا عليه علي عليه‌السلام أن يطيل عمره ويذهب عقله ، فقال عليه‌السلام : الله م لا تمته حتّى تسلبه عقله ، ولا توجب له رحمتك ولا ساعة من نهار. فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتّى ذهب عقله. وكان يهذي بالسيف ، ويقول : أعطوني سيفا أقتل به ، لا يزال يردد ذلك ، حتّى اتّخذ له سيف من خشب. وكانوا يدنون منه المرفقة فلا يزال يضربها حتّى يغشى عليه ، فلبث كذلك إلى أن مات (انظر المجالس السنية ، ج ٣ ص ٥٠ ط ٣).

إستلحاق معاوية لزياد ابن أبيه

٣٧٥ ـ استلحاق معاوية لزياد :

(المختصر في أخبار البشر لابن الوردي ، ج ١ ص ٢٥٣ ط ١)

في سنة ٤٤ ه‍ استلحق معاوية زياد بن سميّة ، أمة الحارث بن كلدة الثقفي ، وكان زوّجها بعبد رومي له اسمه (عبيد) فولدت زيادا على فراشه. وكان أبو سفيان في الجاهلية قد وقع عليها بالطائف ، ووضعت زيادا سنة الهجرة.

٣٧٦ ـ قصة استلحاق معاوية لزياد ابن أبيه :

(الفخري في الآداب السلطانية لابن الطقطقا ، ص ١٠٩)

كانت سميّة (أم زياد) بغيّا من بغايا العرب ، ولها زوج اسمه (عبيد). فاتفق أن أبا سفيان (أبا معاوية) نزل بخمّار يقال له (أبو مريم) ، فطلب منه أبو سفيان بغيّا. فقال له أبو مريم : هل لك في سميّة!. وكان أبو سفيان يعرفها. فقال : هاتها على طول

٣٥٢

ثديها وذفر بطنها. فأتاه بها ، فوقع أبو سفيان عليها ، فعلقت منه بزياد ، ثم وضعته على فراش زوجها عبيد.

فلما نشأ زياد تأدّب وبرع وتقلّب في الأعمال ، فولاه عمر بن الخطاب عملا فأحسن القيام به. فحضر يوما مجلس عمر وفيه أكابر الصحابة ، وأبو سفيان في جملة القوم. فخطب زياد خطبة بليغة لم يسمعوا بمثلها. فقال عمرو بن العاص : لله درّ هذا الغلام ، لو كان أبوه من قريش لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان : والله إني لأعرف أباه الّذي وضعه في رحم أمه.

(وفي شرح النهج لابن أبي الحديد ، ج ١٦ ص ١٨١ ط مصر) :

روى أحمد بن يحيى البلاذري قال : تكلم زياد ـ وهو غلام حدث ـ بحضرة عمر كلاما أعجب الحاضرين. فقال عمرو بن العاص : لله أبوه!. لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان : أما والله إنه لقرشي ، ولو عرفته لعرفت أنه خير من أهلك. فقال : ومن أبوه؟. قال : أنا والله وضعته في رحم أمه!. فقال : فهلا تستلحقه؟. قال : أخاف هذا العير الجالس [يقصد عمر] أن يخرّق عليّ إهابي.

وصية الإمام الحسن عليه‌السلام ووفاته

٣٧٧ ـ بعض أخلاق معاوية وأعماله :

(مختصر تاريخ العرب للسيد مير علي ، ص ٦٢)

يوجز لنا كاتب إنكليزي محايد هو (أوسبرن) أخلاق معاوية والظروف التي ساعدته على النجاح في قوله : كان الخليفة الأموي الأول معاوية ذكي الفؤاد ، قاسي القلب ، لا يحجم عن القتل في سبيل توطيد ملكه ، كذلك كان الاغتيال وسيلته الوحيدة لإزاحة أعدائه. وهو الّذي حرّض على تسميم ابن بنت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣٧٨ ـ وصية الحسن عليه‌السلام بالإمامة إلى الحسين عليه‌السلام :

(مخطوطة مصرع الحسين [مكتبة الأسد] ص ١)

لما سقي الحسن عليه‌السلام السم وتحقق الموت (وذلك في صفر سنة ٥٠ ه‍) فوّض الأمر في الإمامة إلى أخيه الحسين عليه‌السلام ، وما كان عنده من الوديعة وتابوت السكينة. وأقامه مقامه الّذي أقامه الله ورسوله فيه.

٣٥٣

٣٧٩ ـ وصية الحسن عليه‌السلام لأخيه الحسين عليه‌السلام حول الحكم :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦١)

قال الإمام الحسن عليه‌السلام وهو يحتضر لأخيه الحسين عليه‌السلام : وأبى الله أن يجعل فينا أهل البيت النبوة ، والدنيا أو الخلافة أو الملك. فإياك وسفهاء أهل الكوفة أن يستخفّوك فيخرجوك ويسلموك ، ولات حين مناص.

٣٨٠ ـ سمّ الإمام الحسن عليه‌السلام :

(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ، ص ٣٦)

قال أبو الفرج الإصفهاني : وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد ، فلم يكن شيء أثقل عليه من أمر الحسن عليه‌السلام وسعد بن أبي وقاص ، فدسّ إليهما سمّا ، فماتا فيه.

وقال ابن الجوزي : مات الحسن عليه‌السلام مسموما ، سمّته زوجته جعدة بنت الأشعث. دسّ إليها يزيد بن معاوية أن تسمّه ويتزوجها ، ففعلت. فلما مات الحسن عليه‌السلام بعثت إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها ، فقال : إنّا لم نكن نرضاك للحسن ، أفنرضاك لأنفسنا؟. فخسرت الدنيا والآخرة.

٣٨١ ـ كيفية وفاة الإمام الحسن عليه‌السلام :

(أمالي الصدوق ، ج ٣ ص ١١١)

ولما أراد معاوية الباغي تنصيب ابنه يزيد خليفة من بعده على المسلمين ، لم يجد بدّا من قتل الإمام الحسن عليه‌السلام بأية وسيلة ليخلوا له الجو ، فأغرى زوجة الحسن عليه‌السلام بسمّه ، وهي جعدة بنت الأشعث ، ووعدها بمال كثير وبزواج يزيد. فسمّته وتوفي الحسن عليه‌السلام شهيد الواجب صريع الجهاد في سبيل الحق (وعمره ٤٧ سنة).

أما جعدة فقد طالبت معاوية بوعده ، فأعطاها المال ولم يزوّجها يزيد. كما فعل بعبد الله بن سلّام زوج (أرينب بنت اسحق) الّذي سوف تأتي قصته مفصلة في آخر هذا الفصل.

ـ دفن الإمام الحسن عليه‌السلام :

وقبل أن يدفن الحسن عليه‌السلام في مقبرة البقيع ، أراد الحسين عليه‌السلام أن يجدد به عهدا عند قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل دفنه. فجاء بنو أمية بسلاحهم كي يردّوه ، وكان

٣٥٤

فيهم مروان ابن الحكم ، فبادره ابن عباس قائلا : ارجع يا مروان من حيث جئت ، فإنا لا نريد دفن صاحبنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكنّا نريد أن نجدد به عهدا بزيارته ، ثم نرده إلى جدته فاطمة بنت أسد في البقيع ، فندفنه عندها حسب وصيته بذلك ، ولو كان أوصى بدفنه عند جده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلمت أنك أقصر باعا من أن تردّنا عن ذلك ، لكنه كان أعلم بالله وبرسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدم كما طرق ذلك غيره ، ودخل بيته بغير إذنه.

وهكذا نرى أن الصراع بين الفريقين صراع لا ينتهي ، بين الحق وأهله ، والباطل وأهله ؛ فريق هدى الله ، وفريق حقّت عليه الضلالة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (١٣) [آل عمران : ١٣].

٣٨٢ ـ عائلة الغدر :

عن الإمام الصادق عليه‌السلام : إن الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وابنته جعدة سمّت الحسن عليه‌السلام ، ومحمد ابنه شرك في دم الحسين عليه‌السلام.

٣٨٣ ـ تعريف بمقبرة البقيع في المدينة :

تقع مقبرة بقيع الغرقد بجوار مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي فيه قبره الشريف ، من جهة الشرق. وهذه المقبرة خاصة بأهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأجلاء الصحابة. وقد كان على كل قبر منها قفص منصوب. أما الآن فقد أزيلت أكثر القبور ودرست ولم يبق لها أثر.

هذا وتضم مقبرة البقيع أربعة أئمة من أهل البيت عليهم‌السلام هم : الإمام الحسن وزين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق عليهم‌السلام ولم يبق لقبورهم أي أثر سوى أربعة أحجار سوداء ملقاة على الأرض (أنظر الشكل ٣). وبجانب هذه القبور قبر العباس عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبر فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب ومربية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

كما يوجد في المقبرة ابن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إبراهيم ، وبناته : زينب ورقية وأم كلثوم عليهم‌السلام. ثم طائفة من زوجاته. ويوجد من عماته : عاتكة وصفية ، إضافة لعقيل وجعفر أخوي الإمام علي عليهم‌السلام. وفي إحدى الزوايا يوجد قبر حليمة السعدية مرضعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد نبت عليه العشب الأخضر. أما من الصحابة فيوجد قبر

٣٥٥

(الشكل ـ ٣) : مقبرة بقيع الغرقد

٣٥٦

المقداد بن الأسود وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وما يربو على ألف من الصحابة والصحابيات ، وفي آخرها قبر عثمان.

٣٨٤ ـ حجر بن عديّ يطلب من الحسين النهوض :

(الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري ، ص ٢٢٠)

كان حجر بن عدي قد لام الإمام الحسن عليه‌السلام على قبوله الصلح والبيعة لمعاوية ، وطلب منه النهوض ، فلم يوافق.

فخرج حجر من عنده ودخل على الحسين عليه‌السلام وحرّضه على النهوض والحرب ، فقال عليه‌السلام : إنّا قد بايعنا وعاهدنا ، ولا سبيل إلى نقض بيعتنا.

٣٨٥ ـ مراسلة أهل الكوفة للحسين عليه‌السلام بعد وفاة الإمام الحسن عليه‌السلام :

(المصدر السابق ، ص ٢٢١)

وبلغ أهل الكوفة وفاة الحسن عليه‌السلام فاجتمع عظماؤهم فكتبوا إلى الحسين عليه‌السلام يعزّونه.

وكتب إليه جعدة بن هبيرة بن أبي وهب ، وكان أمحضهم حبا ومودة :

أما بعد ، فإن من قبلنا من شيعتك متطلعة أنفسهم إليك ، لا يعدلون بك أحدا ، وقد كانوا عرفوا رأي الحسن أخيك في دفع الحرب ، وعرفوك باللين لأوليائك والغلظة على أعدائك ، والشدة في أمر الله. فإن كنت تحب أن تطلب هذا الأمر فاقدم علينا ، فقد وطّنّا أنفسنا على الموت معك.

٣٨٦ ـ جواب الحسين عليه‌السلام بالتريّث :

(المصدر السابق ، ص ٢٢٢)

فكتب إليهم الحسين عليه‌السلام : أما أخي فأرجو أن يكون الله قد وفّقه وسدده فيما يأتي. وأما أنا فليس رأيي اليوم ذلك [أي الحرب] ، فالصقوا رحمكم الله بالأرض ، واكمنوا في البيوت ، واحترسوا من الظّنّة ، ما دام معاوية حيا ، فلن يحدث الله به حدثا وأنا حي ، كتبت إليكم برأيي والسّلام.

٣٨٧ ـ وصية الحسين عليه‌السلام لوفد أهل الكوفة بعد وفاة الحسن عليه‌السلام :

(أنساب الأشراف للبلاذري ، ج ٢ ص ٤٥٧ ط دمشق)

وقال الحسين عليه‌السلام لوفد أهل الكوفة : ليكن كل امرئ منكم حلسا من أحلاس

٣٥٧

بيته (أي كالبساط الساكن في البيت) ما دام هذا الرجل حيا ، فإن يهلك وأنتم أحياء ، رجونا أن يتخيّر الله لنا ، ويأتينا رشدنا ، ولا يكلنا إلى أنفسنا ، ف (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (١٢٨) [النحل : ١٢٨].

٣٨٨ ـ طلب أهل الكوفة من الحسين عليه‌السلام الشخوص إليهم في خلافة معاوية :

(تاريخ ابن عساكر ، ص ١٩٧)

قالوا : لما بايع معاوية بن أبي سفيان ليزيد بن معاوية ، كان حسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ممن لم يبايع له. وكان أهل الكوفة يكتبون إلى حسين بن علي عليهما‌السلام يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية ، وفي كل ذلك يأبى عليهم الحسين عليه‌السلام.

فأقام حسين عليه‌السلام على ما هو عليه من الهموم ، مرة يريد أن يسير إليهم ، ومرة يجمع الإقامة.

٣٨٩ ـ نصيحة أبي سعيد الخدري :

(المصدر السابق)

فجاءه أبو سعيد الخدري ، فقال : يا أبا عبد الله ، إني لكم ناصح ، وإني عليكم مشفق. وقد بلغني أنه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة ، يدعونك إلى الخروج إليهم ، فلا تخرج فإني سمعت أباك يقول بالكوفة : «والله لقد مللتهم وأبغضتهم ، وملوّني وأبغضوني ، وما بلوت منهم وفاء ، ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب». والله ما لهم ثبات ولا عزم على أمر ، ولا صبر على السيف.

٣٩٠ ـ وفاء الإمام الحسين عليه‌السلام :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٠٠)

سجّل الشيخ المفيد الموقف الأخلاقي للحسين عليه‌السلام والسلوك الشرعي ، وذلك في التزامه ببنود الصلح وإن نكثها معاوية. ونقل ما رواه الكلبي والمدائني وغيرهم من أصحاب السير ، قالوا : لما مات الحسن عليه‌السلام تحركت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسين عليه‌السلام في خلع معاوية والبيعة له ، فامتنع عليهم ، وذكر أن بينه وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوز له نقضه حتّى تمضي المدة. فإذا مات معاوية نظر في ذلك.

٣٥٨

أما معاوية فلم يف بشيء من بنود الصلح ، ومن أهمها أن لا يتعرض لأصحاب الحسين عليه‌السلام بسوء. فقتل العديد منهم ظلما وعدوانا ، ولا سيما عمرو بن الحمق وحجر ابن عدي.

قتل عمرو بن الحمق وحجر بن عديّ

٣٩١ ـ استشهاد عمرو بن الحمق الخزاعي :

ولما توفي الإمام علي عليه‌السلام قام حجر بن عدي في منع بني أمية من سبّ علي عليه‌السلام. ولما أمر زياد ابن أبيه بالقبض على حجر هرب عمرو بن الحمق إلى الموصل واختفى في غار ، فلدغته حيّة به فمات. فلما وصل إليه جماعة زياد يطلبونه وجدوه ميتا في الغار ، فقطعوا رأسه وذهبوا به إلى زياد ، فبعث به إلى معاوية. وهو أول رأس حمل من بلد إلى بلد في الإسلام. وصارت سنّة أموية. قتل عمرو بن الحمق في نفس السنة التي قتل فيها حجر بن عدي رحمهما‌الله.

ترجمة عمرو بن الحمق

(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان ، ص ٤٣١)

هو عمرو بن الحمق بن كاهل بن حبيب الخزاعي ، صحابي جليل القدر ، من خواص أمير المؤمنين عليه‌السلام. شهد معه مشاهده كلها. ودعا له علي عليه‌السلام قال : «اللهم نوّر قلبه بالتقى ، واهده إلى صراطك المستقيم. ليت أن في جندي مائة مثلك».

وقال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٢١٥ :

كان عمرو بن الحمق من الحواريين الأربعة لأمير المؤمنين عليه‌السلام وهم : عمرو بن الحمق ، وأويس القرني ، وميثم التمار ، ومحمد بن أبي بكر.

٣٥٩

٣٩٢ ـ قتل حجر بن عدي :

(الدرجات الرفيعة ، ص ٤٢٨)

وأما سبب قتل حجر رحمه‌الله ، فكان من صدقه وجرأته بالله. فقد كان المغيرة بن شعبة والي العراق ، لا ينام عن شتم علي عليه‌السلام وأصحابه واللعنة بهم ، والترحم على عثمان وأصحابه. وكان حجر بن عدي إذا سمع ذلك يقول : إنّ من تذمّون أحقّ بالفضل والتقدم ، ومن تمدحون أولى بالذم. فلما كان في آخر زمان المغيرة ، نال من علي عليه‌السلام وقال في عثمان ما كان يقول. فقام حجر بن عدي وصاح به وقال : إنك لا تدري بمن تولع ، أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ومدح المجرمين. فقام معه نحو ثلاثين ألفا يقولون : صدق حجر .. فلما خلا المغيرة بقومه شجّعوه على قتل حجر ، فأبى ذلك لاقتراب أجله.

فلما ولىّ معاوية زياد ابن أبيه الكوفة ، خطب في الناس متوعدا حجرا. وجاءه أمر من معاوية بشدّه بالحديد وتسييره إلى الشام. فوفد زياد إلى معاوية ومعه حجر بن عدي وتسعة من أهل الكوفة وأربعة من غيرهم. فلما وصلوا إلى (مرج عذراء) على اثني عشر ميلا من دمشق ، قال حجر : ما هذه القرية؟. فقيل : عذراء. فقال : الحمد لله ، أما والله إني لأول مسلم ذكر الله فيها وسجد ، وأول مسلم نبح عليّ كلابها في سبيل الله ، ثم أنا اليوم أحمل إليها مصفّدا في الحديد!. ثم تقدّم البريد بأخبارهم إلى معاوية. فبعث إليهم رجلا أعور. فلما وصل إليهم قال لحجر : إن أمير المؤمنين أمرني بقتلك وقتل أصحابك ، إلا أن توالوا أمير المؤمنين وترجعوا إلى طاعته ، فأبوا.

فلما قدّم حجر ليقتل قال : دعوني أصلي ركعتين ، فصلى. ثم قال : إن كنت أمرت بقتل ولدي (همّام) فقدّمه. فقدمه فضربت عنقه. فقيل له : تعجلت الثكل. فقال : خفت أن يرى هول السيف على عنقي فيرجع عن ولاية علي عليه‌السلام ، فلا نجتمع في دار المقامة التي وعدها الله للصابرين.

ثم قدّم حجر وأصحابه فقتلوا ، وكان عددهم ثمانية. ودفنوا في (عدره) شرق دمشق.

ولما بلغ عائشة قتلهم قالت لمعاوية : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء». فقال معاوية : يا أم المؤمنين ، دعيني وحجرا نلتقي عند ربنا.

٣٦٠