الدكتور لبيب بيضون
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٥
جالسا ذات يوم وعنده علي بن أبي طالب عليهالسلام ، إذ دخل الحسين عليهالسلام فأخذه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وجعله في حجره ، وقبّل بين عينيه ، وقبّل شفتيه ، وكان للحسين عليهالسلام ست سنين. فقال علي عليهالسلام : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أتحبّ ولدي الحسين؟. قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : كيف لا أحبه وهو عضو من أعضائي؟!. فقال : يا رسول الله ، أيّنا أحبّ إليك ، أنا أم الحسين؟. فقال الحسين : يا أبت ، من كان أعلى شرفا ، كان أحبّ إلى رسول الله وأقرب إليه منزلة. قال علي عليهالسلام : أتفاخرني يا حسين؟. قال : نعم إن شئت يا أبتاه. فقال عليهالسلام : أنا أمير المؤمنين ، أنا لسان الصادقين ، أنا وزير المصطفى .. حتّى عدّ من مناقبه نيّفا وسبعين منقبة ، ثم سكت. فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للحسين عليهالسلام : أسمعت يا أبا عبد الله ، وهو عشر ما قاله من فضائله ، ومن ألف ألف فضيلة ، وهو فوق ذلك وأعلى. فقال الحسين عليهالسلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين ، وعلى جميع المخلوقين. ثم قال : أمّا ما ذكرت يا أمير المؤمنين ، فأنت فيه صادق أمين. فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أذكر أنت فضائلك يا ولدي. فقال الحسين عليهالسلام : أنا الحسين ابن علي بن أبي طالب ، وأمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، وجدي محمّد المصطفى سيد بني آدم أجمعين ، لا ريب فيه. يا أبت أمي أفضل من أمك عند الله وعند الناس أجمعين ، وجدي خير من جدك وأفضل عند الله وعند الناس أجمعين ، وأبي خير من أبيك عند الله وعند الناس أجمعين ، وأنا في المهد ناغاني جبرائيل وتلقّاني إسرافيل. يا أبت أنت عند الله أفضل مني ، وأنا أفخر منك بالآباء والأمهات والأجداد. ثم اعتنق أباه فقبّله ، وعليّ عليهالسلام أيضا يقبّله ، ويقول : زادك الله شرفا وتعظيما وفخرا وعلما وحلما ، ولعن الله قاتليك يا أبا عبد الله.
١٤٤ ـ قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : دعوا الحسنين يتمتعان بي وأتمتّع بهما :
روي أنه لما ثقل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في مرضه ، والبيت غاصّ بمن فيه ، قال : ادعوا إليّ الحسن والحسين عليهالسلام. قال : فجعل يلثمهما حتّى أغمي عليه. قال : فجعل علي عليهالسلام يرفعهما عن وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ففتح النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عينيه وقال : دعهما يتمتّعان مني وأتمتّع منهما ، فإنهما سيصيبهما بعدي أثرة».
١٤٥ ـ جبرائيل يخبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بمقتل الحسين عليهالسلام :
(بحار الأنوار ، ج ٤٤ ص ٢٣٨ ط ٣)
في (كامل الزيارة) ص ٦٧ ، عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : بينا رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في منزل فاطمة عليهاالسلام ، والحسين عليهالسلام في حجره ، إذ بكى وخرّ ساجدا ، ثم قال : يا فاطمة يا بنت محمّد ، إن العليّ الأعلى تراءى لي في بيتك هذا ، ساعتي هذه ، في أحسن صورة وأهيأ هيئة ، وقال لي : يا محمّد ، أتحبّ الحسين عليهالسلام؟. فقلت : نعم ، قرة عيني ، وريحانتي ، وثمرة فؤادي ، وجلدة ما بين عينيّ. فقال لي : يا محمّد ـ ووضع يده على رأس الحسين ـ بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي ورحمتي ورضواني ، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله ، وناصبه وناواه ونازعه. أما إنه سيد الشهداء من الأولين والآخرين ، في الدنيا والآخرة ، وسيد شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين. وأبوه أفضل منه وخير ، فأقرئه السلام وبشّره بأنه راية الهدى ، ومنار أوليائي ، وحفيظي وشهيدي على خلقي ، وخازن علمي ، وحجتي على أهل السموات وأهل الأرضين ، والثقلين : الجن والإنس.
١٤٦ ـ محبة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للحسين عليهالسلام : (معالي السبطين ، ج ١ ص ٥٢)
في (البحار) سئل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أي أهل بيتك أحب إليك؟. قال : الحسن والحسين ، من أحبهما أحببته ، ومن أحببته أحبّه الله ، ومن أحبه الله أدخله الجنّة. ومن أبغضهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن أبغضه الله خلّده النار.
أيها الناس ، من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في درجتي في الجنّة يوم القيامة».
ولنعم ما قال القائل :
أخذ النبي يد الحسين وصنوه |
|
يوما ، وقال وصحبه في مجمع |
من ودّني يا قوم أو هذين أو |
|
أبويهما ، فالخلد مسكنه معي |
وعن أسامة بن زيد ، قال : أتيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ذات يوم في بعض الحاجة ، فخرج إليّ وهو مشتمل على شيء ، ما أدري ما هو!. فلما فرغت من حاجتي ، قلت : ما هذا الّذي أنت مشتمل عليه؟. فكشف ، فإذا هو الحسن والحسين عليهماالسلام على وركيه. فقال : هذان ابناي ، وابنا ابني. الله م إني أحبهما فأحبّهما ، وأحبّ من يحبّهما ، ألا فمن أحبّهما كان معي».
وفي (البحار) عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : خرج علينا رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم آخذا بيد الحسن والحسين عليهماالسلام ، فقال : إن ابنيّ هذين ، ربّيتهما صغيرين ودعوت لهما كبيرين ، وسألت الله أن يجعلهما طاهرين مطهّرين زكيين ، فأجابني إلى ذلك.
وسألت أن يقيهما وشيعتهما من النار ، فأعطاني ذلك. وسألت الله أن يجمع الأمة على محبتهما ، فقال : يا محمّد ، إني قضيت قضاء وقدّرت قدرا ، وإن طائفة من أمتك ستفي لك بذمتك في اليهود والنصارى والمجوس ، وسيخفرون ذمتك في ولدك. وإني أوجبت على نفسي لمن فعل ذلك أن لا أحلّه محل كرامتي ولا أسكنه جنّتي ، ولا أنظر إليه بعين رحمتي إلى يوم القيامة.
١٤٧ ـ السيدة عائشة تستغرب : (البحار للمجلسي ج ٤٤ ص ٢٦٠)
عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : كان الحسين بن علي عليهماالسلام ذات يوم في حجر النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم يلاعبه ويضاحكه. فقالت عائشة : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي؟!. فقال لها : ويلك وكيف لا أحبه ولا أعجب به ، وهو ثمرة فؤادي وقرّة عيني؟. أما إن أمتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي».
١٤٨ ـ خبر فداء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الحسين عليهالسلام بابنه إبراهيم عليهالسلام :
(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٤ ط نجف)
عن تفسير النقاس بإسناده عن سفيان الثوري ، عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كنت عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي عليهماالسلام ، وهو تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا ، إذ هبط جبرئيل بوحي من رب العالمين. فلما سرّي عنه قال : أتاني جبرئيل من ربي فقال : يا محمّد إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول : لست أجمعهما ، فافد أحدهما بصاحبه. فنظر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى إبراهيم فبكى ، وقال : إن إبراهيم أمّه أمة ، ومتى مات لم يحزن عليه غيري ، وأمّ الحسين فاطمة ، وأبوه علي ابن عمي لحمي ودمي ، ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه ، وأنا أؤثر حزني على حزنهما. يا جبرئيل اقبض إبراهيم فديته بالحسين.
قال : فقبض بعد ثلاث. فكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا رأى الحسين عليهالسلام مقبلا قبّله وضمّه إلى صدره ورشف ثناياه ، وقال : فديت من فديته با بني إبراهيم.
* وسوف ترد قصة حبات اللؤلؤ السبع ، وهي التي حكاها رسول ملك الروم ليزيد ، في آخر الجزء الثاني من الموسوعة ، ضمن الحوادث التي حدثت في مجلس يزيد.
١٤٩ ـ مجلس الحسين عليهالسلام : (ريحانة الرسول لأحمد فهمي محمّد ، ص ٣٩)
قال أحمد فهمي محمّد يصف مجلس الحسين عليهالسلام : وكان مجلس الحسين عليهالسلام مجلس وقار وعلم ، والناس من حوله يتحلقون ، يأخذون عنه ما يلقيه عليهم ، وهم في خشوع كأن على رؤوسهم الطير.
١٥٠ ـ خطابة الحسين عليهالسلام : (المصدر السابق ، ص ٤٠)
وقد آتاه الله أعنّة الخطابة ، فكان عليهالسلام طليق اللسان ، مشرق ديباجة البيان ، نديّ الصوت ، خلّاب المنطق. تتفجّر ينابيع الحكمة على لسانه ، وتتدفق سيول الموعظة حول بيانه. لا يتلكأ في منطقه ولا يتلجلج. إذا ما عنّ له أمر تدفّق تدفق اليعسوب ، وملأ الأسماع والقلوب.
١٥١ ـ عبادته عليهالسلام : (المجالس السنيّة للسيد الأمين ، ج ١ ص ٢٤)
روى ابن عساكر في (التاريخ الكبير) عن مصعب بن عبد الله ، قال : حج الحسينعليهالسلام خمسا وعشرين حجة ماشيا ، وإنّ نجائبه تقاد معه.
وفي (تذكرة الخواص) قال علماء السير : أقام الحسين عليهالسلام بعد وفاة أخيه الحسنعليهالسلام يحج في كل عام من المدينة إلى مكة ماشيا [المسافة نحو ٥٠٠ كم] إلى أن توفي معاوية وقام يزيد سنة ستين.
وروى ابن عبد ربه في (العقد الفريد) أنه قيل لعلي بن الحسين عليهالسلام : ما كان أقلّ ولد أبيك؟!. قال : العجب كيف ولدت أنا له ، ولقد كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء؟.
وكان عليهالسلام إذا توضأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله ، فقيل له في ذلك ، فقال : حقّ لمن وقف بين يدي الجبار أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله.
وحسبه عليهالسلام وقوفه للصلاة في يوم عاشوراء ، والسهام تخطر بين يديه ، وقد وقف أمامه سعيد بن عبد الله الحنفي وزهير بن القين البجلي يقيانه من النبل.
١٥٢ ـ كرم الحسين عليهالسلام وحسن معاملته :
(الحسين إمام الشاهدين للدكتور علي شلق ، ص ٥٢)
قال الدكتور علي شلق : جاءت جارية تحمل في يدها زهيرات نضرات ، طفح
منها اللون الأخضر ، والعطر الأزهر. فقدّمتها إلى الحسين عليهالسلام بعد أن سلّمت بخفر وحياء. فتناولها عليهالسلام بيده الكريمة ، وقال لها : أنت حرّة لوجه الله تعالى.
عند ذلك تحرك أنس بن مالك ، وكان في مجلسه قائلا : ألهذا الحدّ يابن الأكرمين؟. تعتق جارية على طاقة ريحان؟!. فأجاب الحسين عليهالسلام : كذا أدّبنا ربّنا ، ألم تسمع قوله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) [النساء : ٨٦] وكان أحسن منها عتقها.
وفي (نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٨ : قيل كان بين الحسين عليهالسلام وبين أخيه الحسن عليهالسلام كلام ووقفة ، فقيل له : اذهب إلى أخيك الحسن واسترضه وطيّب خاطره ، فإنه أكبر منك. فقال عليهالسلام : سمعت جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : أيّما اثنين بينهما كلام فطلب أحدهما رضا الآخر ، كان السابق سابقه إلى الجنّة ، وأكره أن أسبق أخي الأكبر إلى الجنّة. فبلغ قوله الحسن عليهالسلام فأتاه وترضّاه.
١٥٣ ـ سخاؤه وتواضعه عليهالسلام :
مرّ الحسين عليهالسلام بمساكين وهم يأكلون كسرا على كساء ، فسلّم عليهم. فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم ، وقال : لو لا أنه صدقة لأكلت معكم. ثم قال : قوموا إلى منزلي ، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.
١٥٤ ـ رأفته بالفقراء والمساكين وإحسانه إليهم :
ولقد وجد على ظهر الحسين عليهالسلام يوم الطف أثر ، فسئل زين العابدين عليهالسلام عن ذلك ، فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين.
١٥٥ ـ إباء الحسين عليهالسلام للضيم : (أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١١٢)
أما إباؤه عليهالسلام للضيم ومقاومته للظلم ، واستهانته القتل في سبيل الحق والعزّ ، فقد ضربت به الأمثال وسارت به الركبان.
فأول ذلك ما قاله الحسين عليهالسلام حين دعاه والي المدينة إلى البيعة ليزيد ، وكان مروان بن الحكم حاضرا ، قال :
«إنا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الرحمة. بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».
فقد أبى عليهالسلام أن يبايع يزيد بن معاوية ، السكّير الخمّير ، صاحب القيان والطنابير ، واللاعب بالقرود والفهود ، والمجاهر بالكفر والإلحاد ، والاستهانة بالدين. بل قال لمروان : وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.
وحين دعا مروان الوالي إلى قتل الحسين ، قال عليهالسلام : ويلي عليك يابن الزرقاء ، أتأمر بضرب عنقي ، كذبت والله ولؤمت. والله لو رام ذلك أحد لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك.
ولما أحاط القوم بالحسين عليهالسلام في كربلاء ، وقيل له : انزل على حكم بني عمك. قال : لا والله! لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد.
وقال عليهالسلام : ألا وإن الدّعيّ ابن الدعي [يقصد عبيد الله بن زياد] قد ركز بين اثنتين : السّلّة (أي استلال السيوف) أو الذلةّ ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله ذلك لنا ، ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.
١٥٦ ـ شجاعته عليهالسلام : (المصدر السابق ، ص ١١٥)
أما شجاعة الحسين عليهالسلام فقد أنست شجاعة الشجعان وبطولة الأقران وفروسية الفرسان ، من مضى ومن سيأتي إلى يوم القيامة. فهو الّذي دعا الناس إلى المبارزة يوم كربلاء ، فلم يزل يقتل كل من برز إليه ، حتّى قتل مقتلة عظيمة.
وما أصدق وصف أحد الرواة للحسين عليهالسلام يوم كربلاء ، حيث قال : والله ما رأيت مكثورا قط ، قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه ، أربط جأشا ، ولا أمضى جنانا ، ولا أجرأ مقدما منه. والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، وإن كانت الرجّالة لتشدّ عليه ، فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عن يمينه وعن شماله ، انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمّلوا ثلاثين ألفا ، فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر.
١٥٧ ـ شجاعة موروثة : (معالي السبطين ، ج ١ ص ٦٦)
قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لله درّ أبي طالب ، لو ولد الناس كلهم كانوا شجعانا». وقد ورث الحسين عليهالسلام الشجاعة من أبيه علي عليهالسلام وجده محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وجده أبو طالب عليهالسلام. وعلي عليهالسلام هو القائل : وأنا من رسول الله كالصّنو من الصنو ، والذراع من العضد. والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليّت عنها ، ولو
أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها. وهو القائل : جنونان لا أخلاني الله منهما : الشجاعة والكرم.
وقد ظهرت شجاعة الحسين عليهالسلام يوم عاشوراء في أهل الكوفة ، بحيث ذكّرتهم بشجاعة أبيه أمير المؤمنين عليهالسلام في غزواته وجولاته.
وما عسى أن يقول القائل فيمن جده محمّد المصطفى ، وأبوه علي المرتضى ، وأمه فاطمة الزهرا ، وجدته خديجة الكبرى ، وأخوه الحسن المجتبى ، مع ماله في نفسه من الفضائل التي لا تحصى!.
٦ ـ الذريّة والإمامة
إن من أكبر فضائل الإمام علي عليهالسلام أن الله جعل ذرية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في صلبه من فاطمة الزهراء عليهاالسلام كما جاء في عدة أحاديث سوف نذكرها. وإن من أكبر الفضائل التي حباها الله تعالى للحسين عليهالسلام أن جعل الأئمة من ذريته ، أولهم زين العابدين وآخرهم المهدي عليهالسلام.
قال النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة ، وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالب عليهالسلام».
١٥٨ ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هو عصبة الحسن والحسين عليهماالسلام :
(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٥١)
أخرج الحاكم عن جابر (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبة ، إلا ولدي فاطمة عليهمالسلام [أي الحسن والحسين] فأنا وليهما وعصبتهما».
وفي رواية الخوارزمي في مقتله ، ج ١ ص ٥ : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم».
ثم يقول الخوارزمي : والأخبار في أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يسمّي الحسن والحسين عليهماالسلام ابنيه ، كالحصى لا تعدّ ولا تحصى.
وأخرج الطبراني عن فاطمة الزهراء عليهاالسلام قالت : قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه ، إلا ولد فاطمة ، فأنا وليهم وأنا عصبتهم».
وفي (إسعاف الراغبين لمحمد الصبان ، بهامش نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٣ : وفي رواية صحيحة قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ، ما خلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم».
تعليق : هذه الخصوصية هي لأولاد مولاتنا فاطمة بنت محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فقط ، دون أولاد بقية بناته ، فلا يطلق عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه أب لهم ، وأنهم بنوه ، بل يطلق عليهم أنهم من ذريته ونسله وعقبه. وقد خصّ أولاد فاطمة عليهمالسلام بهذا الفضل دون غيرها من بقية بناته لسببين : لأنها أفضلهن ، ولأنها هي الوحيدة التي أعقبت ذكرا ، فانحصرت فيها ذرية النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام.
١٥٩ ـ الإمامة في الحسين عليهالسلام وفي صلبه :
(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٦ ط نجف)
روى الأعرج عن أبي هريرة ، قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن قوله تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) [الزخرف : ٢٨]. قال : جعل الإمامة في عقب الحسين عليهالسلام يخرج من صلبه تسعة من الأئمة ، منهم مهديّ هذه الأمة.
* الاحتجاج على الحجّاج :
وقد وردت في الكتب قصة مع الحجّاج فيها استدلال على أن الحسن والحسينعليهماالسلام أبناء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وذريته ، وليس كما حاول الأمويون نفيه ، ومن بعدهم العباسيون ، وقالوا : إن أبناء البنت ليسوا من ذرية الرجل.
ولهذه القصة روايتان ؛ إحداهما تذكر أن الاستدلال كان من الشعبي وقد مرّت سابقا في الفقرة رقم ٣٤ ، والثانية أن الاستدلال كان من يحيى بن يعمر بحضور الشعبي ، وإليك الرواية الثانية بصيغتين.
يقول الخوارزمي في مقدمة مقتله :
ومن خذلان مبغضيهم المستحكم القواعد ، وإدبارهم المستحصف المقاعد ، وغوايتهم التي حشرتهم إلى دار البوار ، وشقاوتهم التي كبّتهم على مناخرهم في دركات النار ، أن حملهم بغض أحبّاء الله وأحباء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على أن أنكروا أولاد علي عليهمالسلام من فاطمة عليهمالسلام أنهم أولاد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فمن أولئك الحجّاج المحجوج ، الحقود اللجوج. ثم ساق هذه القصة.
١٦٠ ـ قصة يحيى بن يعمر مع الحجّاج :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٥)
قال الخوارزمي : أخبرنا عاصم بن بهدلة عن يحيى بن يعمر العامري ، قال : بعث
إليّ الحجّاج ، فقال : يا يحيى أنت الّذي تزعم أن ولد علي من فاطمة ولد رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم؟. قلت له : إن أمّنتني تكلمت. قال : فأنت آمن. قلت : أقرأ عليك كتاب الله عزوجل ، إن الله يقول : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٨٥) [الأنعام : ٨٣ ـ ٨٥].
وعيسى عليهالسلام كلمة الله وروحه ألقاها إلى البتول العذراء ، وقد نسبه الله تعالى إلى إبراهيم عليهالسلام.
قال الحجاج : ما دعاك إلى نشر هذا وذكره؟. قال : ما أوجب الله تعالى على أهل العلم في علمهم (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) [آل عمران : ١٨٧]. قال : صدقت ، ولا تعودنّ لذكر هذا ولا نشره.
ثم قال الخوارزمي : وقد ابتلي المكابر الحجّاج ، بالمحجاج يحيى بن يعمر ، المؤيّد من الله بالجواب الصواب ، الّذي أوتي عند سؤاله فصل الخطاب ... لعن الله الحجّاج وكل ملعون من نسله ، وكل من انضوى إلى حفله ، واحتطب في حبله ، من مبغضي أهل البيت عليهمالسلام ، ولعن الله من لم يلعن مبغضيهم ، وقاتليهم وسافكي دمائهم ، والذين أعانوا على قتلهم ، وأشاروا إليه ودلّوا عليه. انتهى كلامه.
١٦١ ـ رواية أخرى للقصة :
(آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، ص ٤٢١)
يروى أن الحجاج أحضر يحيى بن يعمر ، وقال : أنت الّذي تقول : الحسين ابن علي من ذرية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟. قال : نعم. قال : فوالله لتأتينّ بالمخرج عما قلت ، أو لأضربنّ عنقك!. فقال يحيى : إن جئت بالمخرج فأنا آمن؟. قال : نعم. قال : اقرأ (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ) [الأنعام : ٨٣] إلى قوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) [الأنعام : ٨٤] إلى قوله (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى) [الأنعام : ٨٥]. فمن يعدّ عيسى عليهالسلام من ذرية إبراهيم لا يعدّ الحسين عليهالسلام من ذرية محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم؟!.
فقال الحجاج : والله كأني ما قرأت هذه الآية قط!. فولاه قضاء المدينة ، وكان قاضيها إلى أن مات.
١٦٢ ـ رواية أشمل وأوسع للقصة :
(المنتخب للطريحي ج ٢ ص ٤٩١)
حكي عن الشّعبي الحافظ لكتاب الله تعالى ، أنه قال : استدعاني الحجاج ابن يوسف [الثقفي] في يوم عيد الضحيّة ، فقال لي : أيها الشيخ أي يوم هذا؟. فقلت : هذا يوم الضّحيّة. قال : بم يتقرّب الناس في مثل هذا اليوم؟. فقلت : بالأضحية والصدقة وأفعال البرّ والتقوى. فقال : اعلم أني قد عزمت أن أضحي برجل حسيني.
قال الشعبي : فبينما هو يخاطبني إذ سمعت خلفي صوت سلسلة وحديد ، فخشيت أن ألتفت فيستخفّني. وإذا قد مثل بين يديه رجل علوي ، وفي عنقه سلسلة وفي رجليه قيد من حديد.
فقال له الحجاج : ألست فلان بن فلان العلوي؟. قال : نعم ، أنا ذلك الرجل. فقال له : أنت القائل : إن الحسن والحسين من ذرية رسول الله؟. قال : ما قلت ولا أقول ، ولكني أقول : إن الحسن والحسين عليهالسلام ولدا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنهما دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، على رغم أنفك يا حجّاج!.
قال : وكان الحجاج متكئا على مسنده ، فاستوى جالسا ، وقد اشتدّ غيظه وغضبه ، وانتفخت أوداجه ، حتّى تقطّعت أزرار بردته ، فدعا ببردة غيرها فلبسها.
ثم قال للرجل : يا ويلك إن تأتيني بدليل من القرآن يدلّ أن الحسن والحسين ولدا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، وإلا قتلتك في هذا الحين أشرّ قتلة. وإن أتيتني بما يدل على ذلك أعطيتك هذه البردة التي بيدي وخلّيت سبيلك!.
قال الشعبي : وكنت حافظا كتاب الله تعالى كله ، وأعرف وعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ، فلم تخطر على بالي آية تدل على ذلك. فحزنت وقلت في نفسي : يعزّ والله عليّ ذهاب هذا الرجل العلوي. قال : فابتدأ الرجل يقرأ الآية ، فقال (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١) [الفاتحة : ١] ، فقطع عليه الحجاج قراءته وقال : لعلك تريد أن تحتجّ عليّ بآية المباهلة ، وهي قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) [آل عمران : ٦١]؟. فقال العلوي : هي والله حجّة مؤكدة معتمدة ، ولكني آتيك بغيرها. ثم ابتدأ يقرأ : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٨٥) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥] وسكت. فقال له الحجاج : فلم لا قلت (وَعِيسى) [الأنعام : ٨٥] أنسيت عيسى؟. فقال : نعم صدقت يا حجاج. فبأي شيء دخل
عيسى عليهالسلام في صلب نوح عليهالسلام وليس له أب؟. فقال له الحجاج : إنه دخل في صلب نوح من حيث أمه مريم. فقال العلوي : وكذلك الحسن والحسين عليهالسلام دخلا في صلب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأمهما فاطمة الزهراء عليهالسلام.
قال : فبقي الحجاج كأنما ألقم حجرا. فقال له الحجاج : ما الدليل على أن الحسن والحسين إمامان؟. فقال العلوي : يا حجاج لقد ثبتت لهما الإمامة بشهادة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم في حقهما ، لأنه قال في حقهما : «ولداي هذان إمامان فاضلان ، إن قاما وإن قعدا ، تميل عليهما الأعداء فيسفكون دمهما ويسبون حرمهما». ولقد شهد النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم لهما بالإمامة أيضا حيث قال : «ابني هذا ـ يعني الحسين ـ إمام ابن إمام أبو أئمة تسعة».
فقال الحجاج : يا علوي والله لو لم تأتني بهذا الدليل من القرآن وبصحة إمامتهما ، لأخذت الّذي فيه عيناك ، ولقد نجّاك الله تعالى مما عزمت عليه من قتلك ، ولكن خذ هذه البردة لا بارك الله لك فيها. فأخذها العلوي وهو يقول : هذا من عطاء الله وفضله ، لا من عطائك يا حجّاج!.
وقد عمدنا في هذه الموسوعة على إدراج ترجمة لمن يرد ذكرهم من الأشخاص المشهورين ، نبدأ منهم بترجمة الحجّاج.
ترجمة الحجّاج
(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٤ ص ٣٤٣)
قال الذهبي : أهلك الله الحجاج في شهر رمضان سنة ٩٥ ه كهلا. وكان ظلوما جارا ناصبيا خبيثا سفّاكا للدماء. وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء ، وفصاحة وبلاغة ، وتعظيم للقرآن.
قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير ، وحصاره لابن الزبير بالكعبة ، ورميه إياها بالمنجنيق ، وإذلاله لأهل الحرمين. ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة ، وحرب ابن الأشعث له ، وتأخيره للصلوات ، إلى أن استأصله الله. فنسبّه ولا نحبّه ، بل نبغضه في الله ، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان.
وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه ، وأمره إلى الله.
وفي (مروج الذهب) ج ٣ ص ١٧٥ ، قال المسعودي :
ومات الحجاج في سنة ٩٥ ه وهو ابن ٥٤ سنة بواسط العراق ، وكان
تأمّره على الناس عشرين سنة. وأحصي من قتله صبرا سوى من قتل في عساكره وحروبه فوجد مائة وعشرين ألفا ، ومات في حبسه خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة ، منهن ستة عشر ألفا مجرّدة. وكان يحبس النساء والرجال في موضع واحد ، ولم يكن للحبس ستر يستر الناس من الشمس في الصيف ، ولا من المطر والبرد في الشتاء.
* ملاحظة عامة : تسالمنا على وضع إطار حول ترجمة الأشخاص ، يختلف حسب نوع الشخص ؛ فإن كان عدوا للحسين عليهالسلام يكون الإطار متصلا ، وإن كان حياديا يكون الإطار منقطّا ، وإن كان من أنصار الحسين عليهالسلام يكون الإطار مرقطّا (نقطة شحطة).
* قصيدة حاقدة ومعارضتها :
والآن نستعرض قصيدة صفي الدين الحلي الشاعر الشيعي المعروف ، في الردّ على المتعصب اللدود عبد الله بن المعتز ، الّذي أنكر في قصيدته أن يكون نسل الإمام علي عليهالسلام من فاطمة هم ذرية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. وادعى أن العباسيين أقرب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من العلويين. ولم يعد هذا الشاعر في تعصبه جده المتوكل العباسي الّذي حاول حرث قبر مولانا الحسين عليهالسلام.
١٦٣ ـ قصيدة عبد الله بن المعتز بن المتوكل العباسي :
قال صاحب (روضات الجنات) : وكان عبد الله بن المعتز ذا نصب وعداوة شديدة لأهل البيت عليهالسلام. ومن شعره قصيدته التي يهجو بها الطالبيين ويتحامل على العلويين ، منها :
ألا من لعين وتسكابها |
|
تشكّى القذا وبكاها بها |
ترامت بنا حادثات الزمان |
|
ترامي القسيّ بنشّابها |
ويا ربّ ألسنة كالسيوف |
|
تقطّع أرقاب أصحابها |
ويقول فيها :
ونحن ورثنا ثياب النّبيّ |
|
فكم تجذبون بأهدابها |
لكم رحم يا بني بنته |
|
ولكن بنو العمّ أولى بها |
إلى أن يقول :
قتلنا أميّة في دارها |
|
ونحن أحقّ بأسلابها |
إذا ما دنوتم تلقّيتم |
|
زبونا (١) أقرّت بجلّابها |
١٦٤ ـ قصيدة صفي الدين الحلي في الردّ عليها :
فردّ الشاعر الشيعي صفي الدين الحلي (٦٧٧ ـ ٧٥٢ ه) عليه بهذه القصيدة ، وهي من غرر الشعر ، يقول :
[القصيدة]
ألا قل لشرّ عبيد الإله |
|
وطاغي قريش وكذّابها |
وباغي العباد وباغي العناد |
|
وهاجي الكرام ومغتابها |
أأنت تفاخر آل النّبيّ |
|
وتجحدها فضل أحسابها؟ |
بكم باهل المصطفى أم بهم |
|
فردّ العداة بأوصابها؟ |
أعنكم نفي الرجس أم عنهم |
|
لطهر النفوس وألبابها؟ |
أما الرجس والخمر من دأبكم |
|
وفرط العبادة من دأبها؟ |
* * *
وقلت : ورثنا ثياب النّبيّ |
|
فكم تجذبون بأهدابها؟ |
وعندك لا يورث الأنبياء |
|
فكيف حظيتم بأثوابها؟ |
فكذّبت نفسك في الحالتين |
|
ولم تعلم الشّهد من صابها (٢) |
أجدّك (٣) يرضى بما قلته؟ |
|
وما كان يوما بمرتابها |
وكان بصفين من حزبهم |
|
لحرب الطغاة وأحزابها |
وقد شمرّ الموت عن ساقه |
|
وكشّرت الحرب عن نابها |
فأقبل يدعو إلى «حيدر» |
|
بإرغابها وبإرهابها |
وآثر أن ترتضيه الأنام |
|
من الحكمين لأسبابها |
ليعطي الخلافة أهلا لها |
|
فلم يرتضوه لإيجابها |
وصليمع الناس طول الحياة |
|
وحيدر في صدر محرابها |
فهلا تقمّصها جدّكم |
|
إذا كان إذ ذاك أحرى بها؟ |
إذا جعل الأمر شورى لهم |
|
فهل كان من بعض أربابها؟ |
__________________
(١) الزّبون : الناقة التي تدفع ولدها عن ضرعها.
(٢) الصاب : شجر له عصارة بيضاء بالغة المرارة.
(٣) يقصد بجدهم : عبد الله بن عباس.
أخامسهم كان أم سادسا؟ |
|
وقد جلّيت بين خطّابها |
وقولك : أنتم بنو بنته |
|
ولكن بنو العم أولى بها |
بنو البنت أيضا بنو عمّه |
|
وذلك أدنى لأنسابها |
فدع في الخلافة فصل الخلاف |
|
فليست ذلولا لركّابها |
وما أنت والفحص عن شأنها |
|
وما قمصّوك بأثوابها |
وما ساورتك سوى ساعة |
|
فما كنت أهلا لأسبابها |
وكيف يخصّوك يوما بها؟ |
|
ولم تتأدّب بآدابها |
* * *
وقلت : بأنكم القاتلون |
|
أسود أميّة في غابها |
كذبت وأسرفت فيما ادّعيت |
|
ولم تنه نفسك عن عابها |
فكم حاولتها سراة لكم |
|
فردّت على نكص أعقابها |
ولو لا سيوف أبي مسلم (١) |
|
لعزّت على جهد طلّابها |
وذلك عبد لهم لا لكم |
|
رعى فيكم قرب أنسابها |
وكنتم أسارى ببطن الحبوس |
|
وقد شفّكم لثم أعتابها |
فأخرجكم وحباكم بها |
|
وألبسكم فضل جلبابها |
فجازيتموه بشرّ الجزاء |
|
لطغوى النفوس وإعجابها |
* * *
فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف |
|
وجاؤوا الخلافة من بابها |
هم الزاهدون هم العابدون |
|
هم الساجدون بمحرابها |
هم الصائمون هم القائمون |
|
هم العالمون بآدابها |
هم قطب ملّة دين الإله |
|
ودور الرحى حول أقطابها |
عليك بلهوك بالغانيات |
|
وخلّ المعالي لأصحابها |
ووصف العذارى وذات الخمار |
|
ونعت العقار (٢) بألقابها |
وشعرك في مدح ترك الصلاة |
|
وسعي السّقاة بأكوابها |
فذلك شأنك لا شأنهم |
|
وجري الجياد بأحسابها |
(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٣١٧)
__________________
(١) هو أبو مسلم الخراساني الّذي قاد الثورة ضد الأمويين.
(٢) العقار : الخمر.
الفصل الخامس
أنباء باستشهاد الحسين عليهالسلام قبل وقوعه
١ ـ أنباء شهادة الحسين عليهالسلام في الكتب السماوية السابقة :
التوراة ـ الإنجيل ـ كتاب إرميا
ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسين عليهالسلام
ـ تشابه محنة يحيى عليهالسلام مع محنة الحسين عليهالسلام
٢ ـ إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بما يجري على أهل بيته عليهالسلام من بعده
ـ علم أهل البيت عليهالسلام بالمغيبات :
ـ علوم الجفر الخاصة بأهل البيت عليهالسلام
ـ الوصية الإلهية التي نزلت على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
٣ ـ إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم باستشهاد الحسين عليهالسلام
ـ روايات الإمام علي عليهالسلام
ـ روايات أم سلمة وعائشة
ـ روايات الحسين عليهالسلام والأئمة عليهالسلام
ـ روايات ابن عباس
ـ إخبار الإمام علي عليهالسلام
ـ إخبار الحسنين عليهالسلام
ـ إخبار سلمان الفارسي
ـ إخبار أبي ذر الغفاري
٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسين عليهالسلام
الفصل الخامس :
أنباء باستشهاد الحسين عليهالسلام قبل وقوعه
تعريف بالفصل :
قبل وقوع حادثة كربلاء واستشهاد الحسين عليهالسلام وأصحابه (رض) ، تواترت الأنباء باستشهاد الإمام الحسين عليهالسلام. منها ما كان على لسان جبرائيل عليهالسلام أو على لسان النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم.
وهذه الأخبار جاءت بروايات مختلفة ، بعضها عن الإمام علي أو الأئمة عليهالسلام ومنها على لسان أم سلمة وابن عباس (رض) ، ومنها على لسان الصحابة (رض).
وكانت متعددة في الأمكنة ومختلفة في الأزمنة. فبعضها في بيت فاطمة أو أم سلمة أو عائشة ، وبعضها في المسجد وقد قام النبي خطيبا في أصحابه ، وبعضها في الإسراء. ومرة قبل ولادة الحسين عليهالسلام ، ومرة عند ولادته ، وعند بلوغه السنة ثم السنتين ... وهكذا. وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في كل مرة منها يرى حزينا مغموما ويبكي عليه.
وفي بعض هذه الروايات إخبار مجمل بشهادته عليهالسلام ، وفي بعضها الآخر تفصيل لكيفية شهادته ، ومن الذي يتولى قتله ، من يزيد الشنار ، أو عمر بن سعد صاحب الخزي والعار. وفي بعضها الآخر تعيين لمكان استشهاده عليهالسلام في كربلاء أو عمورا أو على شط الفرات.
وثمة روايات معينة صدرت عن الإمام علي عليهالسلام حين وروده كربلاء في طريقه إلى صفين ، كما صدرت عن عدد كبير من الأنبياء حين مروا بكربلاء ، وحدثت معهم حوادث غريبة ملفتة للنظر.
وسوف نبدأ الفصل بأنباء شهادة الحسين عليهالسلام في الكتب السماوية السابقة ، وإخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسين عليهالسلام. ثم إخبار القرآن في مطلع سورة مريم (كهيعص) عن استشهاد الحسين عليهالسلام كما استشهد يحيى بن زكريا عليهالسلام من قبله ، وإجراء مقارنة بينهما.
ثم إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بما يجري على أهل بيته من بعده ، وأن ذلك كله مكتوب في الجفر ، الذي توارثه الأئمة عليهمالسلام فكانوا يعلمون بما سيجزي عليهم. ثم إخبار الله تعالى للنبيصلىاللهعليهوآلهوسلم بشهادة الحسين عليهالسلام. ثم إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لأصحابه باستشهاد الحسين عليهالسلام. ثم إخبار الإمام علي عليهالسلام وأم سلمة والأئمة عليهمالسلام بذلك. ثم إخبار بقية الصحابة كسلمان المحمدي وأبي ذر الغفاري وغيرهم.
وينتهي الفصل بالأخبار التي حددت اسم قاتل الحسين عليهالسلام.
١ ـ أنباء شهادة الحسين عليهالسلام في الكتب السماوية السابقة :
١٦٥ ـ التوراة تخبر بمقتل الحسين عليهالسلام ومنزلة أصحابه :
(أمالي الصدوق مجلس ٢٩ رقم ٤ ص ٢٢٤)
عن سالم بن أبي جعدة ، قال : سمعت كعب الأحبار (وكان يهوديا) يقول : إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول الله يقتل ، ولا يجفّ عرق دواب أصحابه حتى يدخل الجنة ، فيعانقوا الحور العين.
فمر بنا الحسن عليهالسلام فقلنا : هو هذا؟ قال : لا. فمرّ بنا الحسين عليهالسلام فقلنا : هو هذا؟ قال : نعم.
١٦٦ ـ في الإنجيل خبر مقتل الحسين عليهالسلام :
(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٤٠٦)
قال رأس الجالوت (وهو من النصارى) ذلك الزمان : ما مررت بكربلاء إلا وأنا أركض دابتي ، حتى أخلف المكان ، لأنا كنا نتحدث أن ولد نبي يقتل بذلك المكان ، فكنت أخاف.
فلما قتل الحسين عليهالسلام أمنت ، فكنت أسير ولا أركض.
١٦٧ ـ كتاب إرميا يخبر بمقتل الحسين عليهالسلام :
(الخصائص الحسينية لجعفر التستري ، ص ١٣٧)
جاء في كتاب إرميا في (باسوق) من السيمان السادس والأربعين قوله : (كي ذبح لدوناي الوهيم صوا ووث بارض صافون ال نهر پرات). ويعني : يذبح ويضحى لرب العالمين شخص جليل في أرض الشمال بشاطىء الفرات.
١٦٨ ـ ما وجد منقوشا على بعض الأحجار :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٨٣ ط ٢ نجف)
وقال ابن سيرين : وجد حجر قبل مبعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بخمسمائة سنة مكتوب عليه بالسريانية ، فنقلوه إلى العربية ، فإذا هو :
أترجو أمة قتلت حسينا |
|
شفاعة جده يوم الحساب |
وقال سليمان بن يسار : وجد حجر مكتوب عليه :
لا بد أن ترد القيامة فاطم |
|
وقميصها بدم الحسين ملطخ |
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه |
|
والصور في يوم القيامة ينفخ |
وسيرد شبيه هذا في الجزء الثاني من الموسوعة ، أول مسير السبايا والرؤوس من الكوفة إلى الشام.
١٦٩ ـ ما وجد مكتوبا على جدار إحدى كنائس الروم :
(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٧٦ ط نجف)
عن مشايخ بني سليم أنهم غزوا الروم ، فدخلوا بعض كنائسهم فإذا مكتوب هذا البيت :
أترجوا أمة قتلت حسينا |
|
شفاعة جده يوم الحساب! |
قالوا : فسألنا منذ كم هذا مكتوب في كنيستكم؟ قالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام.
وحدث عبد الرحمن بن مسلم عن أبيه ، أنه قال : غزونا بلاد الروم ، فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من قسطنطينة ، وعليها شيء مكتوب. فسألنا أناسا من أهل الشام يقرؤون بالرومية ، فإذا هو مكتوب هذا البيت.
وفي رواية أخرى أن الروم كانوا يحفرون في بلادهم فوجدوا حجرا ، فقرؤوا عليه البيت السابق. (راجع مقتل العوالم ص ١١٠).
١٧٠ ـ لوح من ذهب يشهد بقتل الحسين عليهالسلام :
(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ص ٩٣)
أخرج الحاكم عن أنس ، أن رجلا من أهل نجران ، حفر حفيرة فوجد لوحا من ذهب مكتوب فيه :
أترجو أمة قتلت حسينا |
|
شفاعة جده يوم الحساب! |
كتب إبراهيم خليل الله.
فجاء باللوح إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقرأه ثم بكى ، وقال : من آذاني وعترتي لم تنله شفاعتي.
١٧١ ـ القرآن يصف قتل الحسين عليهالسلام بالفساد الكبير :
حتى إذا كان في أيام عمر بن الخطاب وأسلم كعب الأحبار ، وقدم المدينة ، جعل أهل المدينة يسألونه عن الملاحم التي تكون في آخر الزمان ، وكعب يحدثهم بأنواع الملاحم والفتن.
فقال كعب لهم : وأعظمها ملحمة هي الملحمة التي لا تنسى أبدا ، وهو الفساد الذي ذكره الله تعالى في الكتب ، وقد ذكره في كتابكم في قوله (ظهر الفساد في البر والبحر) وإنما فتح بقتل هابيل ويختم بقتل الحسين بن علي عليهالسلام.
* * *
إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسين عليهالسلام
١٧٣ ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسين عليهالسلام حين مرّوا بكربلاء :
(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ج ١٧ ص ١٠١)
جاء في الأخبار أن جملة من الأنبياء عليهمالسلام من آدم إلى محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم قد مروا بأرض كربلاء ، وكانت تحدث لهم متاعب ومصاعب ، فيناجون الله ، فيخبرهم بأن سبب ذلك أن في هذه الأرض سيقتل سبط محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم الحسين بن علي عليهالسلام ويأمرهم بلعن قاتليه.
حصل ذلك لآدم عليهالسلام وهو يبحث عن حواء فمر بكربلاء ، وكذلك حدث لنوحعليهالسلام حين مرت سفينته فوق كربلاء ، وكذلك لابراهيم حين عثر به فرسه في كربلاء ، وكذلك لإسماعيل حين كان يرعى أغنامه بشط الفرات فحين وصلت إلى كربلاء امتنعت عن شرب الماء ، وكذلك لموسى عليهالسلام حين انقطع شسع نعله هناك ، وكذلك لعيسى عليهالسلام حين كان سائحا مع الحواريين فمروا بكربلاء حين رأوا أسدا كاسرا قابعا هناك.