الدكتور لبيب بيضون
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٥
٧٨٠ ـ الحسين عليهالسلام يبعث أنس بن كاهل لينصح عمر بن سعد :
(مقتل أبي مخنف ، ص ٦١)
قال : ودعا عليهالسلام برجل من أصحابه يقال له «أنس بن كاهل «وقال له : امض إلى هؤلاء القوم وذكّرهم الله تعالى ورسوله ، عساهم يرجعون عن قتالنا ، وأعلم أنهم لا يرجعون ، ولكن لتكون لي عليهم حجة يوم القيامة.
قال : فانطلق أنس حتّى دخل على ابن سعد وهو جالس فلم يسلّم عليه. فقال له :
يا أخا كاهل ما منعك أن تسلّم عليّ ، ألست مؤمنا مسلما؟. والله ما كفرت وقد عرفت الله ورسوله. فقال له أنس : كيف عرفت الله ورسوله وأنت تريد أن تقتل ولده وأهل بيته ومن نصرهم؟ فنكّس ابن سعد رأسه وقال : إني أعلم أن قاتلهم في النار لا محالة ، ولكن لا بدّ أن أنفذّ أمر الأمير عبيد الله بن زياد. فرجع أنس إلى الحسين عليهالسلام وأخبره بما قاله.
٧٨١ ـ الزحف المباشر : الجيش الأموي بقيادة عمر بن سعد يزحف لقتال الحسين عليهالسلام بعد صلاة العصر : (لواعج الأشجان للأمين ، ص ٤٠٣)
ونهض عمر بن سعد عشية الخميس لتسع خلون من المحرم ، ونادى في عسكره بالزحف نحو الحسين عليهالسلام ، وقال : يا خيل الله اركبي ، وبالجنة أبشري. فركب الناس ، ثم زحف نحوهم بعد العصر.
وكان الحسين عليهالسلام جالسا أمام بيته محتبيا بسيفه ، وخفق برأسه فرأى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «إنك صائر إلينا عن قريب».
(وفي رواية) أنه عليهالسلام جلس فرقد ، ثم استيقظ وقال : يا أختاه رأيت الساعة جدي محمدا وأبي عليا وأمي فاطمة وأخي الحسن عليهالسلام وهم يقولون : يا حسين إنك رائح إلينا غدا.
٧٨٢ ـ زينب عليهاالسلام توقظ الحسين عليهالسلام : (الوثائق الرسمية ، ص ١٢٣)
وبينما الحسين عليهالسلام واضع رأسه بين ركبتيه ، سمعت الحوراء زينب بنت علي عليهالسلام الصيحة وضجّة الخيل ، فدنت من أخيها ، وقالت : يا أخي أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟. فنهض الحسين عليهالسلام قائما ، وقصّ عليها رؤياه. فلطمت أخته وجهها ، وقالت : يا ويلتا!. فقال الحسين عليهالسلام : ليس لك الويل يا أخيّة ، اسكتي رحمك الرحمن.
٧٨٣ ـ العباس عليهالسلام يستعلم الأمر؟ : (مقتل المقرّم ، ص ٢٥٤)
فقال عليهالسلام لأخيه العباس : اركب «بنفسي أنت (١) «حتّى تلقاهم ، واسألهم عما جاءهم وما الّذي يريدون؟. فركب العباس في عشرين فارسا ، فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر وسألهم عن ذلك. قالوا : جاء أمر الأمير أن نفرض عليكم النزول على حكمه ، أو ننازلكم الحرب.
فانصرف العباس يخبر الحسين عليهالسلام بذلك ، ووقف أصحابه يعظون القوم.
(وفي رواية مقتل الخوارزمي ج ١ ، ص ٢٥٠) أنه لما بعث الحسين عليهالسلام أخاه العباس عليهالسلام ليستطلع خبر ابن سعد ، قال : يا هؤلاء ما شأنكم وما تريدون؟. فقالوا : جاءنا الأمر من عبيد الله بن زياد أن نعرض عليكم ، إما أن تنزلوا على الحكم وإلا ناجزناكم. فرجع العباس إلى الحسين عليهالسلام فأخبره بذلك ، فأطرق ساعة يفكر ، وأصحابه يخاطبون أصحاب عمر بن سعد.
٧٨٤ ـ محاورة حبيب بن مظاهر وزهير بن القين مع عسكر ابن سعد ، وبيان سبب عدول زهير إلى الحسين عليهالسلام :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥٠)
فقال لهم حبيب بن مظاهر الأسدي : أما والله لبئس القوم قوم يقدمون غدا على الله ورسوله وقد قتلوا ذريته وأهل بيته ، المتهجّدين بالأسحار ، الذاكرين الله بالليل والنهار ، وشيعته الأتقياء الأبرار. فقال له رجل من أصحاب ابن سعد يقال له عروة بن قيس (وفي رواية : عزرة بن قيس (٢)) : إنك لتزكّي نفسك ما استطعت!. فقال له زهير بن القين : (يا عزرة إن الله قد زكّاها وهداها (٣)). اتّق الله يابن قيس ولا تكن من الذين يعينون على الضلال وقتل النفوس الزكية الطاهرة وعترة خير الأنبياء وذرية أصحاب الكساء. فقال له ابن قيس : إنك لم تكن عندنا من شيعة أهل البيت ، وإنما
__________________
(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٧ ؛ وروضة الواعظين ، ص ١٥٧ ؛ والإرشاد للمفيد ؛ والبداية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٧٦. وظاهر من هذه العبارة مقام العباس عليهالسلام عند أخيه الحسين عليهالسلام حتّى أقامه مقام نفسه.
(٢) مقتل المقرم ص ٢٥٦ ، نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٧. وذكر الخوارزمي في مقتله أن هذه المحاورة جرت بعد خطبة امتحان الأصحاب.
(٣) المصدر السابق.
كنت عثمانيا نعرفك ، فكيف صرت ترابيا؟. فقال له زهير : إني كنت كذلك ، غير أني لما رأيت الحسين عليهالسلام مغصوبا على حقه ، ذكرت جده ومكانه منه ، فرأيت لنفسي أن أنصره وأكون من حزبه ، وأجعل نفسي من دون نفسه ، حفظا لما ضيّعتم من حق الله وحق رسوله. (وفي مقتل المقرم) قال عزرة : يا زهير ، ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت ، وإنما كنت على غير رأيهم!. قال زهير : أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم؟. أما والله ما كتبت إليه كتابا قط ، ولا أرسلت إليه رسولا ولا وعدته نصرتي ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه ، فلما رأيته ذكرت به رسول الله ومكانه منه ، وعرفت ما يقدم عليه عدوه ، فرأيت أن أنصره وأن أكون من حزبه ، وأجعل نفسي دون نفسه ، حفظا لما ضيّعتم من حق رسوله(١).
٧٨٥ ـ استمهال القوم : الحسين عليهالسلام يطلب من ابن سعد الإمهال باقي اليوم للصلاة والدعاء : (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥٠)
فقال الحسين للعباس عليهالسلام : ارجع يا أخي إلى القوم ، فإن استطعت أن تصرفهم وتدفعهم عنا باقي هذا اليوم فافعل ، لعلنا نصلي لربنا ليلتنا هذه وندعو الله ونستعينه ونستنصره على هؤلاء القوم. (وفي رواية : ارجع إليهم واستمهلهم هذه العشية إلى غد ، لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم أني أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار (٢)). فأقبل العباس إلى القوم وهم وقوف ، فقال لهم : يا هؤلاء إن أبا عبد الله يسألكم الانصراف عنه باقي يومكم هذا حتّى ينظر في هذا الأمر ، ثم نلقاكم به غدا إنشاء الله. فأخبر القوم أميرهم عمر بن سعد ، فقال لأصحابه : ما ترون؟. قالوا له : أنت الأمير. فقال له عمرو بن الحجاج : سبحان الله العظيم ، والله لو كان هؤلاء من الترك أو الديلم ، ثم سألونا هذه الليلة (وفي رواية : هذه المنزلة (٣)) لقد كان ينبغي أن تجيبوهم إلى ذلك ، فكيف وهم آل الرسول محمّد؟!. فقال ابن سعد : أخبروهم أنّا أجّلناهم باقي يومنا هذا إلى
__________________
(١) مقتل المقرم ص ٢٥٦ ، نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٧.
(٢) اللهوف ص ٥٠ ومقتل المقرم ص ٢٥٦. وذكر الخوارزمي أن هذا الطلب جرى بعد خطبة امتحان الأصحاب ، وهو قول ضعيف.
(٣) مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٨ وذكر هذا الطلب قبل خطبة امتحان الأصحاب
غد ، فإن استسلموا ونزلوا على الحكم وجّهنا بهم إلى الأمير عبيد الله ، وإن أبوا ناجزناهم.
فانصرف الفريقان ، وعاد كلّ إلى معسكره.
خطبة امتحان الأصحاب
٧٨٦ ـ خطبة امتحان الأصحاب ، وفيها يختبر الحسين عليهالسلام أصحابه ويعطيهم الرخصة بمفارقته والتفرق عنه :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٦)
وجمع الحسين عليهالسلام أصحابه بين يديه ، ثم حمد الله وأثنى عليه وقال : الله م لك الحمد على ما علّمتنا من القرآن ، وفقّهتنا في الدين ، وأكرمتنا به من قرابة رسولك محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ، فاجعلنا من الشاكرين.
أما بعد ، فإني لا أعلم أصحابا أصلح منكم ، ولا أعلم أهل بيت أبرّ ولا أوصل ولا أفضل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعا عني خيرا. إن هؤلاء القوم ما يطلبون أحدا غيري ، ولو قد أصابوني وقدروا على قتلي لما طلبوكم أبدا. وهذا الليل قد غشيكم فقوموا واتّخذوه جملا. وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من إخوتي ، وتفرّقوا في سواد هذا الليل ، وذروني وهؤلاء القوم.
(وفي مقتل الحسين للمقرم ، ص ٢٥٧) :
وجمع الحسين عليهالسلام أصحابه قرب المساء قبل مقتله بليلة (١) فقال :
أثني على الله أحسن الثناء ، وأحمده على السرّاء والضرّاء. الله م إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة ، وعلّمتنا القرآن ، وفقّهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ، ولم تجعلنا من المشركين.
أما بعد ، فإني لا أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني جميعا (٢). وقد أخبرني جدي رسول
__________________
(١) إثبات الرجعة للفضل بن شاذان.
(٢) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٨ ، وكامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٤.
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأني سأساق إلى العراق فأنزل أرضا يقال لها (عمورا وكربلاء) وفيها أستشهد ، وقد قرب الموعد (١).
ألا وإني أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غدا ، وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ، ليس عليكم مني ذمام. وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعا خيرا ، وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم ، فإن القوم إنما يطلبونني ، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري (٢).
(وفي رواية مقتل أبي مخنف ، ص ٦١) أنه قال :
معاشر المؤمنين ، لست أعلم أصحابا أصبر منكم ، ولا أهل بيت أوفى وأفضل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني أحسن الجزاء. وإني أظنّ أن آخر أيامي هذه مع هؤلاء القوم الظالمين ، وقد أبحتكم فما في رقابكم مني ذمام وحرج. وهذا الليل قد انسدل عليكم ، فليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرّقوا في البيداء يمينا وشمالا ، عسى أن يفرّج الله عنا وعنكم ، فإن القوم يطلبوني دونكم.
ردّ الآل والأصحاب
٧٨٧ ـ كلام أهل البيت عليهمالسلام في الردّ على خطبة الحسين عليهالسلام :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)
فتكلم إخوة الحسين عليهالسلام وجميع أهل بيته وقالوا : يابن رسول الله ، فماذا تقول الناس ، وماذا نقول لهم؟. إنا تركنا شيخنا وسيدنا وابن بنت نبينا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم نرم معه بسهم ، ولم نطعن برمح ، ولم نضرب بسيف!. لا والله يابن رسول الله لا نفارقك أبدا ، ولكنا نفديك بأنفسنا ونقتل بين يديك ونرد موردك ، فقبّح الله العيش من بعدك.
(وفي مقتل المقرم ، ص ٢٥٨) فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر : لم نفعل ذلك ، لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبدا. بدأهم بهذا القول العباس بن علي عليهالسلام وتابعه الهاشميون.
__________________
(١) إثبات الرجعة للفضل بن شاذان.
(٢) مناقب ابن شهراشوب ج ٣ ص ٢٤٨ ط نجف.
والتفت الحسين عليهالسلام إلى بني عقيل وقال : حسبكم من القتل بمسلم ، اذهبوا قد أذنت لكم. فقالوا : إذن ما يقول الناس وما نقول لهم ، إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ، ولم نرم معهم بسهم ، ولم نطعن برمح ، ولم نضرب بسيف ، ولا ندري ما صنعوا!. لا والله لا نفعل ، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، ونقاتل معك حتّى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك (١).
٧٨٨ ـ كلام مسلم بن عوسجة الأسدي : (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)
ثم تكلم مسلم بن عوسجة الأسدي فقال : يابن رسول الله أنحن نخلّيك هكذا وننصرف عنك ، وقد أحاط بك هؤلاء الأعداء؟. لا والله لا يراني الله وأنا أفعل ذلك أبدا ، حتّى أكسر في صدورهم رمحي ، وأضرب فيهم بسيفي ، ما ثبت قائمه بيدي. ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، ولم أفارقك حتّى أموت بين يديك. (وفي مقتل المقرم ص ٢٥٩) أنه قال : أنحن نخلّي عنك؟!. وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك؟ أما والله لا أفارقك حتّى أطعن في صدورهم برمحي ، وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي (٢).
٧٨٩ ـ كلام سعيد بن عبد الله الحنفي : (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)
ثم تكلم سعيد بن عبد الله الحنفي فقال : لا والله يابن رسول الله لا نخلّيك أبدا ، حتّى يعلم الله تبارك وتعالى أنا حفظنا فيك غيبة رسوله. ووالله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق حيا ، يفعل بي ذلك سبعين مرة ، لما فارقتك أبدا حتّى ألقى حمامي من دونك. وكيف لا أفعل ذلك ، وإنما هي قتلة واحدة ، ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا (٣).
٧٩٠ ـ كلام زهير بن القين البجلي : (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)
ثم تكلم زهير بن القين البجلي فقال : والله يابن رسول الله لوددت أني قتلت فيك
__________________
(١) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٨ ؛ وكامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٤ ؛ والإرشاد للمفيد ؛ وإعلام الورى ، ص ١٤١ ؛ وسير أعلام النبلاء للذهبي ج ٣ ص ٢٠٢ ؛ ومقتل أبي مخنف ص ٦٢.
(٢) إرشاد المفيد وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٩ ؛ ومقتل أبي مخنف ص ٦٢ ؛ واللهوف ص ٥٢.
(٣) اللهوف ص ٥٢ ؛ ومقتل المقرم ص ٢٥٩ ، نقلا عن إرشاد المفيد وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٩. وفي مناقب ابن شهراشوب ومقتل أبي مخنف أن هذا الكلام قاله مسلم بن عوسجة.
ثم نشرت ، حتّى أقتل فيك ألف مرة ، وأن الله قد دفع القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوتك وولدك وأهل بيتك (١).
٧٩١ ـ كلام بقية الأصحاب : (المصدر السابق)
وتكلم جماعة بنحو هذا الكلام وقالوا : أنفسنا لك الفداء ، ونقيك بأيدينا ووجوهنا وصدورنا ، فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفيّنا وقضينا ما علينا.
٧٩٢ ـ الحسين عليهالسلام يرخّص لمحمد بن بشير الحضرمي بمفارقته ، فيأبى :
(اللهوف لابن طاووس ، ص ٣٩)
ووصل الخبر إلى محمّد بن بشير الحضرمي في تلك الحال ، أن قد أسر ابنك بثغر الرّي!. فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحب أن يؤسر وأنا أبقى بعده. فسمع الحسين عليهالسلام قوله ، فقال : رحمك الله أنت في حلّ من بيعتي ، فاعمل في فكاك ابنك. فقال : أكلتني السباع حيا إن فارقتك. قال عليهالسلام : فأعط ابنك [الآخر] هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه ، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.
٧٩٣ ـ جواب الحسين عليهالسلام على كلمات أصحابه :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٦٠)
ولما عرف الحسين عليهالسلام من أصحابه صدق النية والإخلاص في المفاداة دونه ، أوقفهم على غامض القضاء فقال : إني غدا أقتل ، وكلكم تقتلون معي ، ولا يبقى منكم أحد (٢) حتّى القاسم وعبد الله الرضيع ، إلا ولدي علي زين العابدين ، لأن الله لم يقطع نسلي منه ، وهو أبو أئمة ثمانية (٣). فقالوا بأجمعهم : الحمد لله الّذي أكرمنا بنصرك وشرّفنا بالقتل معك. أولا نرضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله!. فدعا لهم بالخير (٤) وكشف عن أبصارهم فرأوا ما حباهم الله من نعيم الجنان وعرّفهم منازلهم فيها (٥).
__________________
(١) مقتل المقرم ص ٢٥٩ نقلا عن إرشاد المفيد ؛ وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٣٩ ، وكذا في مقتل أبي مخنف ص ٦٣ ؛ وفي الله وف ص ٥٢.
(٢) نفس المهموم في مقتل الحسين المظلوم ، ص ١٢٢.
(٣) أسرار الشهادة للفاضل الدربندي.
(٤) نفس المهموم ، ص ١٢٢.
(٥) الخرايج والجرايح للقطب الراوندي.
٧٩٤ ـ الحسين عليهالسلام يري كل شهيد منزلته في الجنة ـ تجلّي الحقائق وانكشاف الحجب : (أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٦٨)
بعد أن طلب الإمام الحسين عليهالسلام من أصحابه التفرق عنه ليلة العاشر ، قالوا : الحمد لله الّذي شرّفنا بالقتل معك. ثم دعا وقال لهم : ارفعوا رؤوسكم وانظروا ، فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنة ، وهو يقول لهم : هذا منزلك يا فلان ، وهذا قصرك يا فلان ، وهذه زوجتك يا فلان .. فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزله من الجنة.
وفي (علل الشرائع للصدوق) مسندا عن عمارة ، عن الإمام الصادق عليهالسلام (قال) قلت له : أخبرني عن أصحاب الحسين عليهالسلام وإقدامهم على الموت. فقال عليهالسلام : إنهم كشف لهم الغطاء حتّى رأوا منازلهم من الجنة. فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى الحور يعانقها ، وإلى مكانه من الجنة.
٧٩٥ ـ علي بن مظاهر يريد بعث زوجته إلى أهلها ، فتأبى :
(الفاجعة العظمى للسيد عبد الحسين بن حبيب الموسوي ، ص ١٢١)
ويروى أن الحسين عليهالسلام في آخر خطبته [في امتحان الأصحاب] قال : أصحابي ، بني عمومتي ، أهل بيتي ؛ ألا ومن كان في رحله امرأة فليبعث بها إلى أهلها ، فإن نسائي تسبى ، وأخاف على نسائكم السبي.
فقام من بينهم علي بن مظاهر الأسدي [أخو حبيب] وأقبل إلى خيمته ، فتبسمت زوجته في وجهه ، فقال لها : دعينا والتبسّم ، قومي والحقي بابني عمك من بني أسد. فقالت : لم يابن مظاهر ، هل فعلت معك مكروها؟ قال : حاشا لله. ولكن أما سمعت غريب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خطبنا في هذه الساعة؟. قالت : بلى ، ولكن سمعت في آخر خطبته همهمة لا أعرفها. قال : خطبنا وقال : ألا ومن كان في رحله امرأة فليبعث بها إلى أهلها.
فلما سمعت الحرة ذلك نطحت رأسها بعمود الخيمة وقالت : ما أنصفتني يابن مظاهر ، أيسرّك أن زينب عليهاالسلام يسلب إزارها وأنا أتزيّن بإزاري؟!. أم يسرّك أن سكينة تسلب قرطيها وأنا أتزين بقرطي؟!. لا كان ذلك أبدا. بل أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء.
فلما سمع منها ذلك رجع إلى الحسين عليهالسلام فرآه جالسا ومعه أخوه
العباس عليهالسلام فسلّم عليهما وجلس ، وقال : سيدي أبت الأسدية أن تفارقكم. فقال الحسينعليهالسلام : جزاكم الله خير الجزاء.
٧٩٦ ـ لا يقاتل معي من عليه دين :
روى الثوري عن أبي الجحّاف عن أبيه ، أن رجلا قال للحسين عليهالسلام : إن عليّ دينا. قال عليهالسلام : لا يقاتل معي من عليه دين (أخرجه الطبراني برقم ٢٨٧٢).
٧٩٧ ـ الضحاك بن عبد الله المشرقي يعاهد الحسين عليهالسلام على نصرته ما لم يصبح عليهالسلام وحيدا : (تاريخ الطبري ، ج ٧ ص ٣٢١ ط ليدن)
روى الطبري عن الضحاك بن عبد الله المشرقي ، قال : قدمت مع مالك بن النضر الأرحبي على الحسين عليهالسلام ، فسلمنا عليه ثم جلسنا إليه. فردّ علينا ، ورحّب بنا وسألنا عما جئنا له؟. فقلنا : جئنا لنسلّم عليك وندعو الله لك بالعافية ، ونحدث بك عهدا ، ونخبرك خبر الناس. وإنا نحدّثك أنهم قد جمعوا على حربك ، فر رأيك. فقال الحسين عليهالسلام : حسبي الله ونعم الوكيل. قال : فتذممنا وسلّمنا عليه ودعونا الله له. قال : فما يمنعكما من نصرتي؟. فقال مالك بن النضر : عليّ دين ولي عيال. فقلت له : إن عليّ دينا وإن لي عيالا ، ولكنك إن جعلتني في حلّ من الانصراف إذا لم أجد مقاتلا ، قاتلت عنك ما كان لك نافعا وعنك دافعا.
(قال) قال عليهالسلام : فأنت في حلّ ، فأقمت معه.
(أقول) : وظل الضحاك هذا يقاتل مع الحسين عليهالسلام حسب الاتفاق ، حتّى أصبح الحسين عليهالسلام وحيدا فريدا ، فانسلّ من المعركة وذهب إلى أهله.
٧٩٨ ـ كلام برير بن خضير الهمداني ، ونصيحته لعمر بن سعد :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٧)
ثم تكلم برير بن خضير الهمداني ، وكان من الزهاد الذين يصومون النهار ويقومون الليل. فقال : يابن رسول الله ائذن لي أن آتي هذا الفاسق عمر بن سعد ، فأعظه لعله يتّعظ ويرتدع عما هو عليه. فقال الحسين عليهالسلام : ذاك إليك يا برير. فذهب إليه حتّى دخل على خيمته فجلس ولم يسلّم. فغضب عمر وقال : يا أخا همدان ، ما منعك من السلام عليّ ، ألست مسلما أعرف الله ورسوله وأشهد بشهادة الحق؟. فقال له برير : لو كنت عرفت الله ورسوله كما تقول ، لما خرجت إلى عترة رسول الله تريد قتلهم. وبعد فهذا الفرات يلوح بصفائه ويلج كأنه بطون الحيات ،
تشرب منه كلاب السواد وخنازيرها ، وهذا الحسين بن علي وإخوته ونساؤه وأهل بيته يموتون عطشا ، وقد حلت بينهم وبين ماء الفرات أن يشربوه ، وتزعم أنك تعرف الله ورسوله!. فأطرق عمر بن سعد ساعة إلى الأرض ، ثم رفع رأسه وقال : والله يا برير إني لأعلم يقينا أن كل من قاتلهم وغصبهم حقهم هو في النار لا محالة (١) ولكن يا برير أفتشير عليّ أن أترك ولاية الرّي فتكون لغيري ، فوالله ما أجد نفسي تجيبني لذلك. ثم قال :
دعاني عبيد الله من دون قومه |
|
إلى خطةّ ، فيها خرجت لحيني |
فوالله ما أدري وإني لحائر |
|
أفكّر في أمري على خطرين |
أأترك ملك الرّي والريّ منيتي |
|
أم ارجع مأثوما بقتل حسين |
وفي قتله النار التي ليس دونها |
|
حجاب ، وملك الرّيّ قرّة عيني |
فرجع برير إلى الحسين عليهالسلام وقال : يابن رسول الله إن ابن سعد قد رضي لقتلك بولاية الري (٢).
ليلة العاشر من المحرم
(يقول السيد عبد الرزاق المقرّم في مقتله ، ص ٢٦٢) :
كانت ليلة عاشوراء أشدّ ليلة مرّت على أهل بيت الرسالة ..
حفّت بالمكاره والمحن وأعقبت الشر وآذنت بالخطر.
وقد قطعت عنهم عصابة الضلال من بني أمية وأتباعهم كلّ الوسائل الحيوية.
وهناك ولولة النساء وصراخ الأطفال من العطش المبرّح والهمّ المدلهم.
٧٩٩ ـ الحسين عليهالسلام ونافع بن هلال يتفقدان التلال حول المخيّم ، واختبار الحسين عليهالسلام لنافع : (الوثائق الرسمية ، ص ١٣٢)
ثم إن الحسين عليهالسلام خرج ليلا وحده ، ليختبر الثنايا والعقبات والأكمات المشرفة على المنزل ، وإذا بنافع بن هلال خلفه. فقال له الحسين عليهالسلام : من
__________________
(١) مرّ شبيه هذا الكلام في نصيحة أنس بن كاهل ، ولم يورد المقرم في مقتله هذا الكلام.
(٢) الرّيّ : المنطقة الجنوبية من طهران اليوم.
الرجل؟. قال : نافع جعلت فداك يابن رسول الله. قال الحسين عليهالسلام : ما أخرجك في هذا الليل يا نافع؟. قال : سيدي أزعجني خروجك ليلا إلى جهة هذا الباغي. قال عليهالسلام : خرجت أتفقد هذه التلعات مخافة أن تكون مكمنا لهجوم الخيل على مخيمنا ، يوم يحملون وتحملون.
ثم إنه عليهالسلام رجع وهو قابض على يسار نافع ، وهو يقول : هي هي والله ، وعد لا خلف فيه. ثم قال لنافع : ألا تسلك بين هذين الجبلين ، وانج بنفسك؟. قال نافع : سيدي إذن ثكلت نافعا أمّه. إن سيفي بألف ، وفرسي بمثله ، فوالله الّذي منّ عليّ بك في هذا المكان ، لن أفارقك أبا عبد الله حتّى يكلّا عن فري وجري (١).
٨٠٠ ـ شهادة الحسين عليهالسلام بأصحابه حين استعلمت زينب عليهاالسلام عن حالهم :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٦٥)
ثم إن الحسين عليهالسلام فارق نافعا ، ودخل خيمة أخته زينب عليهاالسلام. فوضعت له متكأ ، وجلس يحدثها سرا. ونافع واقف ينتظر خروج الحسين عليهالسلام.
قالت زينب لأخيها الحسين عليهالسلام : هل استعلمت من أصحابك نياتهم؟. فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة. فقال لها : والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس ، يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمه.
٨٠١ ـ الأصحاب يكرّمون خاطر نسوة أهل البيت عليهمالسلام :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٦٦)
وقال الحسين عليهالسلام لأصحابه : هلمّوا معي لنواجه النسوة ونطيّب خاطرهن. فجاء حبيب بن مظاهر ومعه أصحابه وصاح : يا معشر حرائر رسول الله ، هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها إلا في رقاب من يريد السوء فيكم ، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها إلا في صدور من يفرّق ناديكم.
فخرجن النساء إليهم ببكاء وعويل ، وقلن : أيها الطيبون حاموا عن بنات رسول الله وحرائر أمير المؤمنين.
فضجّ القوم بالبكاء حتّى كأن الأرض تميد بهم (٢).
__________________
(١) المجالس الفاخرة للسيد عبد الحسين شرف الدين ، ص ٩٢.
(٢) الدمعة الساكبة ، ص ٢٢٥.
٨٠٢ ـ وصية الإمام الحسن لأخيه الحسين عليهالسلام عند احتضاره :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦١ ط نجف)
فلما كانت الليلة التي قتل الحسين عليهالسلام في صبيحتها ، قام يصلي ويدعو ويترحم على أخيه الحسن عليهالسلام. وذلك لأن الحسن عليهالسلام قال له لما احتضر : يا أخي اسمع ما أقول ، إن أباك لما قبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تسوّف إلى هذا الأمر رجاء أن يكون صاحبه ، فصرف عنه إلى غيره. فلما احتضر أبو بكر تسوّف أن يكون صاحبه ، فصرف عنه إلى عمر. فلما احتضر عمر تسوّف أن يكون صاحبه ، فصرف عنه إلى عثمان. تجرّد أبوك للطلب بالسيف ولم يدركه ، وأبى الله أن يجعل فينا أهل البيت النبوة والدنيا أو الخلافة (١) أو الملك. فإياك وسفهاء أهل الكوفة ، أن يستخفّوك فيخرجوك ويسلموك ، ولات حين مناص.
٨٠٣ ـ ليلة الوداع : ليلة صلاة ودعاء ، وتوجّه إلى الله :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٠٦ ط نجف)
وجاء الليل ، فبات الحسين عليهالسلام وأصحابه الليل كله يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون ، وباتوا ولهم دويّ كدويّ النحل ، ما بين راكع وساجد ، وقائم وقاعد.
وفي ذلك يقول العلامة المجتهد السيد محسن الأمين رحمهالله :
باتوا وبات إمامهم ما بينهم |
|
ولهم دويّ حوله ونحيب |
من راكع أو ساجد أو قارئ |
|
أو من يناجي ربّه وينيب |
منهم (زهير) زاهر الأفعال يت |
|
لوه (برير) (ومسلم) (وحبيب) |
فتأثر بهذا الجو الواقعي نفر من الجيش الأموي ، من ذوي الضمائر الحية ، التي كانت عليها غشاوة ضلال ، فانجلت بهذا الجو المشحون إيمانا وتقى وهدى.
وعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد ٣٢ رجلا ...
__________________
(١) يقصد الخلافة الزمنية ، أما الخلافة الدينية فهي ثابتة لأهل البيت عليهمالسلام بأمر من الله تعالى ، سواء حكموا أم لم يحكموا. والمقصود بالنبوة هنا الخلافة الدينية أو الإمامة ، عبّر عنها بالنبوة لأنها من توابع النبوة ، وهي منصب إلهي
٨٠٤ ـ الذين تسللوا في جنح الليل إلى الحسين عليهالسلام :
(إبصار العين للشيخ السماوي ، ص ٨)
فجعل يتسلل إلى الحسين عليهالسلام من أصحاب عمر بن سعد في ظلام الليل ، الواحد والاثنان ، حتّى بلغوا في اليوم العاشر زهاء ثلاثين ، ممن هداهم الله إلى السعادة ووفقهم للشهادة.
٨٠٥ ـ محاورة برير بن خضير مع جماعة الشّمر ، فيمن هم الطيبون؟ وثناء الحسين عليه :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥١)
وجاء شمر بن ذي الجوشن في نصف الليل يتجسس ومعه جماعة من أصحابه ، حتّى قارب معسكر الحسين عليهالسلام فسمعه يتلو قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ، إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ، وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ* ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) «آل عمران ١٧٩».
فصاح رجل من أصحاب شمر : نحن وربّ الكعبة الطيبون ، وأنتم الخبيثون ، وقد ميّزنا الله منكم (١). فقطع برير بن خضير الهمداني صلاته ثم نادى : يا فاسق يا فاجر يا عدوّ الله يابن البوّال على عقبيه ، أمثلك يكون من الطيبين والحسين ابن رسول الله من الخبيثين!. والله ما أنت إلا بهيمة لا تعقل ما تأتي وما تذر ، فأبشر يا عدو الله بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فصاح شمر : إن الله قاتلك وقاتل صاحبك عن قريب. فقال برير : أبالموت تخوّفني ، والله إن الموت مع ابن رسول الله أحبّ إليّ من الحياة معكم ، والله لا نالت شفاعة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم قوما أراقوا دماء ذريته وأهل بيته.
فجاء إليه رجل من أصحابه وقال : يا برير ، إن أبا عبد الله يقول لك : ارجع إلى موضعك ولا تخاطب القوم ، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء فلقد نصحت وأبلغت في النصح والدعاء.
__________________
(١) مقتل المقرم ص ٢٦٣ نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٠ ، وذكر الطبري أن اسم الرجل (عبد الله بن شهر) ويلقب أبو حرب السبيعي.
٨٠٦ ـ مقاربة البيوت من بعضها ليقاتلوا العدوّ من وجه واحد :
(إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢٣٢)
ثم أمر الحسين عليهالسلام أصحابه أن يقرّب بعضهم بيوتهم من بعض ، وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض ، وأن يكونوا بين البيوت ، فيقبلوا القوم من وجه واحد ، والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، قد حفّت بهم إلا الوجه الّذي يأتيهم منه عدوهم.
٨٠٧ ـ حفر خندق وراء البيوت في ساعة متأخرة من الليل :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٦٥)
ثم إن الحسين عليهالسلام أمر أصحابه أن يقاربوا البيوت بعضها من بعض ليستقبلوا القوم من وجه واحد ، وأمر بحفر خندق من وراء البيوت يوضع فيه الحطب ويلقى عليه بالنار إذا قاتلهم العدو ، كيلا تقتحمه الخيل ، فيكون القتال من وجه واحد (١).
(وفي مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٨) :
فلما أيس الحسين عليهالسلام من القوم ، وعلم أنهم مقاتلوه ، قال لأصحابه : قوموا فاحفروا لنا حفيرة شبه الخندق حول معسكرنا ، وأجّجوا فيها نارا ، حتّى يكون قتال هؤلاء القوم من وجه واحد ، فإنهم لو قاتلونا وشغلنا بحربهم لضاعت الحرم.
فقاموا من كل ناحية فتعاونوا واحتفروا الحفيرة. ثم جمعوا الشوك والحطب فألقوه في الحفيرة ، وأجّجوا فيها النار.
(وفي الوثائق الرسمية للسيد عبد الكريم الحسيني القزويني ، ص ١٤٠) :
ثم إنه عليهالسلام أمر أصحابه أن يحفروا خندقا من وراء البيوت ، ويضعوا فيه الحطب ، ويضرموا فيها النار في الغداة ، لئلا يهجم القوم من وراء الخيام.
٨٠٨ ـ رؤيا الحسين عليهالسلام وخبر من يقتله واقتراب أجله :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥١)
__________________
(١) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٠ ، وذكر الخوارزمي هنا محاورة مالك بن جريرة مع الحسين عليهالسلام وقد رأى النار تشتعل في الخندق ، ولم أرجّح ذلك. بل ذكرتها بعد محاورة الحسين عليهالسلام مع الشمر في نفس الخصوص يوم عاشوراء.
فلما كان وقت السحر خفق الحسين عليهالسلام برأسه خفقة (١) ثم استيقظ فقال : أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟. قالوا : فما رأيت يابن رسول الله؟. قال : رأيت كلابا قد شدّت عليّ لتنهشني وفيها كلب أبقع (٢) رأيته كأشدها عليّ ، وأظن الّذي يتولى قتلي رجل أبرص من هؤلاء القوم. ثم إني رأيت بعد ذلك جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول لي :
يا بنيّ أنت شهيد آل محمّد ، وقد استبشر بك أهل السموات وأهل الصفيح الأعلى ، فليكن إفطارك عندي الليلة. عجّل يا بنيّ ولا تتأخر ، فهذا ملك نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء (٣). فهذا ما رأيت وقد أزف الأمر واقترب الرحيل من هذه الدنيا.
__________________
(١) الخفقة : النومة اليسيرة.
(٢) أبقع : مختلف اللون ، فيه سواد وبياض.
(٣) مقتل المقرم ص ٢٦٧ نقلا عن نفس المهموم ص ١٢٥ عن الشيخ الصدوق.
الفصل العشرون
يوم عاشوراء
|
(الجمعة في ١٠ محرّم سنة ٦١ ه) [الموافق ١٠ ت ١ سنة ٦٨٠ م] |
دم ودموع ، وسموّ واستعلاء ...
وألم يفري الضلوع ، وعزّة للنفس وإباء ...
تلك ذكرى أبي عبد الله الحسين عليهالسلام يوم عاشوراء ...
في هذا اليوم الحالك ارتكب الحكم الأموي أبشع مجزرة دموية عرفها التاريخ. والذين قاموا بهذه المجزرة الرهيبة لم يتخلّوا فقط عن قوانين الإسلام ، بل انسلخوا حتّى من الأخلاق العربية والمبادئ الإنسانية.
تصوّروا أن مجموعة صغيرة من المؤمنين الملتزمين ، تحيط بهم جحافل جرّارة من جيوش عرمرمة ، حتّى ملكت عليهم أقطار الأرض والسماء ، ومنعتهم من كل شيء حتّى من الماء.
ولم يكن خوف الحسين عليهالسلام من كثرة أعدائه ، ولم تكن دهشته من أنواع أسلحته وعتاده ، بأكثر من خوفه على تلك النفوس المريضة التي هامت في الباطل ، ودهشته أن كيف استطاع الأفاّكون أن يضلّوهم إلى هذا الحد ، ويجعلوهم يسيرون لقتل إمامهم ومن وجبت طاعته في أعناقهم!.
٨٠٩ ـ استسقاء رهط الحسين عليهالسلام واستعدادهم للموت :
(دائرة المعارف للشيخ محمّد حسين الأعلمي ، ج ١٥ ص ١٧١)
وطلع فجر اليوم العاشر من المحرم ، وأرسل الحسين عليهالسلام ابنه عليا في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ، ليسقوا الماء ، وهم في وجل شديد.
فقام الحسين عليهالسلام ونادى أصحابه ، وأمرهم بالصلاة ، فتيمموا بدلا من الوضوء لعدم توفر الماء ، وأقام بنفسه وصلّى بأصحابه صلاة الصبح.
فلما فرغ رفع يديه إلى السماء ، وقد أخذ المصحف بيده اليمنى ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : إن الله قد أذن في قتلكم وقتلي ، وكلكم تقتلون في هذا اليوم إلا ولدي علي بن الحسين عليهالسلام ، فاتقوا الله يا قوم واصبروا.
٨١٠ ـ خطبة الحسين عليهالسلام في صباح اليوم الّذي استشهد فيه :
(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٥)
عن رجل من همدان ، قال : خطبنا الحسين بن علي عليهالسلام غداة اليوم (١) الّذي استشهد فيه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
عباد الله ، اتقوا الله ، وكونوا من الدنيا على حذر. فإن الدنيا لو بقيت لأحد أو بقي عليها أحد ، كانت الأنبياء أحق بالبقاء ، وأولى بالرضا وأرضى بالقضاء. غير أن الله تعالى خلق الدنيا للبلاء ، وخلق أهلها للفناء. فجديدها بال ، ونعيمها مضمحلّ ، وسرورها مكفهرّ. والمنزل بلغة ، والدار قلعة. فتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى ، فاتقوا الله لعلكم تفلحون.
(وفي الوثائق الرسمية ، ص ١٤١) :
فتباشر أصحاب الحسين عليهالسلام بلقاء ربهم ، وأنهم سيقدمون على روح وريحان ، وجنة عرضها السموات والأرض ، خالدين فيها أبدا. وإذا بهم فرحين يمازح بعضهم بعضا.
٨١١ ـ استبشار أصحاب الحسين عليهالسلام بالشهادة والقدوم على الجنة :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٢٦ ط ٤)
وأمر الحسين عليهالسلام بفسطاط فضرب ، وأمر بجفنة فيها مسك كثير ، وجعل فيها نورة [أي كلسا] ثم دخل ليطلّي. فروي أن برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ، وازدحما أيهما يطّلي بعده ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن ، فقال له عبد الرحمن : يا برير (أتضحك؟) ما هذه ساعة
__________________
(١) الغداة : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
باطل!. فقال برير : لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا ، وإنما أفعل ذلك استبشارا بما نصير إليه ، فوالله ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ثم نعانق الحور العين. (وفي رواية : لقد علم قومي ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا ، ولكني مستبشر بما نحن لاقون. والله ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ، ولوددت أنهم مالوا علينا الساعة (١)).
وخرج حبيب بن مظاهر يضحك ، فقال له يزيد بن الحصين : ما هذه ساعة ضح!. قال حبيب : وأي موضع أحقّ بالسرور من هذا. ما هو إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور (٢).
٨١٢ ـ تعبئة الحسين عليهالسلام أصحابه يوم عاشوراء :
(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٤)
ولما أصبح الحسين عليهالسلام يوم الجمعة عاشر محرم (وفي رواية : يوم السبت) عبّأ أصحابه ، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا. وعن الإمام الباقر عليهالسلام أنهم كانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل. فجعل على ميمنته : زهير بن القين ، وعلى مسيرته : حبيب بن مظاهر ، ودفع اللواء إلى أخيه : العباس بن علي ، وثبت عليهالسلام مع أهل بيته في القلب. وجعلوا البيوت في ظهورهم.
٨١٣ ـ إضرام الخندق بالحطب :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٠٧ ط نجف) وأمر عليهالسلام بحطب وقصب كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كانوا قد حفروه هناك في ساعة من الليل ، وأن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم ، فنفعهم ذلك.
٨١٤ ـ تعبئة عمر بن سعد جيشه : (مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٤)
وعبّأ عمر بن سعد أصحابه ، فجعل على الميمنة : عمرو بن الحجاج ، وعلى الميسرة: شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل : عروة بن قيس ، وعلى الرجّالة : شبث بن ربعي ، وأعطى رايته : دريدا مولاه. وكان جنده اثنين وعشرين ألفا يزيد أو ينقص.
__________________
(١) مقتل المقرم ص ٢٦٢ عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤١ ، وذكره المقرم ليلة عاشوراء.
(٢) مقتل المقرم ص ٢٦٣ عن رجال الكشي واللهوف ص ٥٤.
(وفي كامل ابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٨٥) :
وكان الرؤساء في الكوفة أربعة :
فجعل على ربع أهل المدينة : عبد الله بن زهير الأزدي.
وعلى ربع ربيعة وكندة : قيس بن الأشعث بن قيس.
وعلى ربع مذحج وأسد : عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي.
وعلى تميم وهمدان : الحر بن يزيد الرياحي.
٨١٥ ـ دعاء الحسين عليهالسلام وفيه يبدي ثقته بالله :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٠٨ ط نجف)
ثم ركب الحسين عليهالسلام دابته ودعا بمصحف فوضعه أمامه ، ثم إنه أناخ راحلته ، وأمر عقبة بن سمعان فعقلها. ثم ركب فرسه وتهيأ للقتال.
فروي عن الإمام علي بن الحسين عليهالسلام أنه قال : لما صبّحت خيل الحسين عليهالسلام ونظروا إلى جمعهم كأنه السيل رفع يديه بالدعاء وقال :
اللهم أنت ثقتي في كل كرب ، ورجائي في كل شدة ، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدّة. كم من همّ يضعف فيه الفؤاد ، وتقلّ فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدو ؛ أنزلته بك وشكوته إليك ، رغبة مني إليك عمن سواك ، فكشفته وفرّجته ، فأنت وليّ كل نعمة ، ومنتهى كل رغبة (١).
٨١٦ ـ قول الشمر للحسين عليهالسلام : تعجلت بالنار قبل يوم القيامة :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٠٩ ط نجف)
وركب أصحاب عمر بن سعد ، وأقبلوا يجولون حول بيوت الحسين عليهالسلام فيرون النار تضطرم في الخندق. فنادى شمر بأعلى صوته : يا حسين تعجّلت بالنار قبل يوم القيامة. فقال الحسين عليهالسلام : من هذا؟ كأنه شمر بن ذي الجوشن. فقالوا : نعم. قال : يابن راعية المعزى ، أنت أولى بها (مني) صليّا.
ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم ، فمنعه الحسين عليهالسلام من ذلك. فقال له : دعني حتّى أرميه ، فإنه الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبارين ، وقد أمكن الله منه.
فقال له الحسين عليهالسلام : لا ترمه ، فإني أكره أن أبدأهم بقتال.
__________________
(١) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٥ ؛ وتاريخ ابن عساكر ، ج ٤ ص ٣٣٣ ، وذكر الكفعمي في المصباح ، ص ١٥٨ ط الهند ، أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا بهذا الدعاء يوم بدر.
(وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٢) :
ثم ناداه محمّد بن الأشعث : أبشر ، الساعة ترد الجحيم. فقال عليهالسلام : من هذا؟. فقالوا : ابن الأشعث. فقال : لعنك الله وقومك.
الآيات الباهرة
٨١٧ ـ ابن أبي جويرية يسقط في النار :
(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٣١٧ ط ٣)
وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد على فرس له يقال له : ابن أبي جويرية المزني. فلما نظر إلى النار تتّقد صفّق بيده ونادى : يا حسين وأصحاب حسين ، أبشروا بالنار!. فقد تعجلتموها في الدنيا. فقال الحسين عليهالسلام : من الرجل؟. فقيل : ابن أبي جويرية المزني. فقال الحسين عليهالسلام : الله م أذقه عذاب النار في الدنيا. فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار ، فاحترق.
٨١٨ ـ محاورة مالك بن جريرة مع الحسين عليهالسلام وقد أشعل عليهالسلام النار في الخندق حول معسكره :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٨)
وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد يقال له مالك بن جريرة على فرس له حتّى وقف على الحفيرة ، وجعل ينادي بأعلى صوته : أبشر يا حسين فقد تعجلت النار في الدنيا قبل الآخرة. فقال له الحسين عليهالسلام : كذبت يا عدو الله ، أنا قادم على رب رحيم ، وشفيع مطاع ، ذاك جدي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم. ثم قال الحسين عليهالسلام لأصحابه : من هذا؟. فقيل له : هذا مالك بن جريرة. فقال الحسين عليهالسلام : الله م جرّه إلى النار وأذقه حرّها قبل مصيره إلى نار الآخرة. فلم يكن بأسرع من أن شبّ به الفرس فألقاه على ظهره ، فتعلقت رجله في الركاب ، فركض به الفرس حتّى ألقاه في النار ، فاحترق. فخرّ الحسين عليهالسلام ساجدا ، ثم رفع رأسه وقال : يا لها من دعوة ما كان أسرع إجابتها (١).
__________________
(١) مقتل أبي مخنف ص ٦٣ ، وذكر اسما آخر وهو جبيرة الكلبي. وفي مقتل الحسين للمقرم ص ٢٨٢ ذكر اسما آخر وهو عبد الله بن حوزة التميمي. وفي لواعج الأشجان ص ١٢٤ ذكر أنه ابن أبي جويرية المزني.