الدكتور لبيب بيضون
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٥
يوم أعطي من المخافة ضيما |
|
والمنايا يرصدنني أن أحيدا |
وفي كامل ابن الأثير ، عوضا عن (فلق) : (شفق) ، وفي تاريخ ابن عساكر (غبش) ، وفي الوفيات (غلس). والسّوام : طائر.
ومعنى البيتين : إذا كانت المنايا تحيط بي من كل جانب ، فألقي يدي إلى الضيم مخافة الموت ، فلن أكون بطلا يغير عند الصبح على الأعداء ، ولن أدعى يزيدا.
ترجمة محمّد بن الحنفية
كان أمير المؤمنين عليهالسلام يحب ابنه محمّد بن الحنفية حبا شديدا. وقد روي عنه أنه قال : من أحبني فليحبّ ابني محمدا. وقد ذكر علماء الرجال أن المحمّدين الثلاثة وهم : ابن الحنفية وابن أبي بكر وابن أبي حذيفة ، كانوا يساوقون في الدرجة.
ولقد كان محمّد بن الحنفية معذورا في تركه النصرة لأخيه وإمامه في كربلاء ، لأنه كان مبتلى بمرض شديد في ذلك الوقت. وما تضمنته الأخبار من حيث حسن نصيحته لأخيه والبكاء الشديد لأجله ، وحصول الغشية بعد الغشية له مرارا لأجل فراقه ، يكشف عن قوة إيمانه ، وعن سرّ ما قاله أمير المؤمنين عليهالسلام في شأنه.
٤٧٢ ـ نساء بني عبد المطلب يجتمعن للنياحة ويطلبن من الحسين عليهالسلام عدم السفر :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢٨)
وأقبلت نساء بني عبد المطلب ، فاجتمعن للنياحة لمّا بلغهن أن الحسين عليهالسلام يريد الشخوص من المدينة ، حتّى مشى فيهن الحسين عليهالسلام ، فقال : أنشدكنّ الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ورسوله. قالت له نساء بني عبد المطلب : فلمن نستبقي النياحة والبكاء؟ فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلي وفاطمة والحسن ورقية وزينب وأم كلثوم!. جعلنا الله فداك من الموت ، يا حبيب الأبرار من أهل القبور.
٤٧٣ ـ أم سلمة ترجو الحسين عليهالسلام عدم السفر ، وجوابه لها :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٥٢)
وقالت أم سلمة [إحدى زوجات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم] : لا تحزنّي بخروجك إلى العراق ، فإني سمعت جدك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «يقتل ولدي الحسين بأرض العراق ، في أرض يقال لها كربلا ، وعندي تربتك في قارورة دفعها إليّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال الحسين عليهالسلام : يا أماه وأنا أعلم أني مقتول مذبوح ظلما وعدوانا. وقد شاء عزوجل أن يرى حرمي ورهطي مشرّدين ، وأطفالي مذبوحين مأسورين مقيّدين ، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا. قالت أم سلمة : وا عجبا فأنى تذهب وأنت مقتول؟. قال عليهالسلام : يا أماه إن لم أذهب اليوم ذهبت غدا ، وإن لم أذهب في غد ذهبت بعد غد ، وما من الموت والله بدّ ، وإني لأعرف اليوم الّذي أقتل فيه ، والساعة التي أقتل فيها ، والحفرة التي أدفن فيها كما أعرفك ، وأنظر إليها كما أنظر إليك. وفي
(لواعج الأشجان) ص ٢٩ : وأعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي». وإن أحببت يا أماه أن أريك مضجعي ومكان أصحابي. فطلبت منه ذلك ، فأراها تربته وتربة أصحابه (١). ثم أعطاها من تلك التربة ، وأمرها أن تحتفظ بها في قارورة ، فإذا رأتها تفور دما تيقنت قتله عليهالسلام .. وفي اليوم العاشر من المحرم بعد الظهر ، نظرت إلى القارورتين فإذا هما تفوران دما (٢).
وفي (لواعج الأشجان) ص ٢٩ : ثم أشار إلى جهة كربلا ، فانخفضت الأرض حتّى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده. فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديدا ، وسلّمت أمرها إلى الله تعالى.
__________________
(١) مدينة المعاجز ، ص ٢٤٤.
(٢) الخرايج والجرايح للقطب الراوندي في باب معجزاته ؛ ومقتل العوالم ، ص ٤٧.
ترجمة السيدة أم سلمة
(النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ، ج ١ ص ١٥٦)
وفي سنة ٦١ ه توفيت أم المؤمنين (أم سلمة) واسمها هند بنت سهيل بن المغيرة المخزومية ، زوجة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. وهي بنت عم أبي جهل ، وبنت عم خالد بن الوليد. بنى بها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في سنة ثلاث من الهجرة ، وكانت قبله عند الرجل الصالح أبي سلمة بن عبد الأسد ، وهو أخو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من الرضاعة. وكانت من أجمل النساء ، وطال عمرها ، وعاشت ٨٤ سنة. وقد عاصرت وفاة الحسين عليهالسلام وحزنت عليه وبكته بكاء كثيرا. وهي آخر زوجات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وفاة ، توفيت سنة ٦١ ه ، وصلّى عليها سعيد بن زيد ، ودفنت بالبقيع.
٤٧٤ ـ منزلة أم سلمة :
(العيون العبرى لابراهيم الميانجي ، ص ٢١)
اسمها هند ، زوجة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. كانت قبل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عند أبي سلمة المخزومي. وحالها في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين والزهراء والحسنين عليهمالسلام أشهر من أن يذكر. وهي أفضل أزواج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد خديجة عليهاالسلام.
في (كفاية الأثر) عن شداد بن أوس : أنه بعد ما قاتل مع علي عليهالسلام يوم الجمل أتى المدينة. قال : فدخلت على أم سلمة. قالت : من أين أقبلت؟. قلت : من البصرة. قالت : مع أي الفريقين كنت؟. قلت : يا أمّ المؤمنين إني توقّفت عن القتال إلى انتصاف النهار ، فألقى الله في قلبي أن أقاتل مع علي عليهالسلام. قالت : نعم ما عملت ، لقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «من حارب عليا حاربني ، ومن حاربني حارب الله». قلت : فترين أن الحق مع علي عليهالسلام؟. قالت : أي والله ، عليّ مع الحق والحق معه. والله لقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «إن لأمتي فرقة وخلفة ، فجامعوها إذا اجتمعت ، فإذا افترقت فكونوا من النمط الأوسط ، ثم ارقبوا
أهل بيتي ، فإن حاربوا فحاربوا ، وإن سالموا فسالموا ، وإن زالوا فزالوا معهم ، فإن الحق معهم حيث كانوا». قلت : فمن أهل بيته الذين أمرنا بالتمسك بهم؟. قالت : هم الأئمة بعده كما قال صلىاللهعليهوآلهوسلم ، عدد نقباء بني إسرائيل : علي وسبطاي وتسعة من صلب الحسين عليهالسلام. أهل بيته هم المطهرون والأئمة المعصومون. قلت : أما والله هلك الناس إذ قالت : (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٣٢) [الروم : ٣٢].
ومن فضائل أم سلمة رضي الله عنها تسليم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إليها تربة الشهداء في خبر القارورة المشهور.
ومنها : إيداع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عندها الكتاب الّذي كتبه ، فيه أسماء أهل الجنة وأسماء أهل النار.
ومنها : إيداع أمير المؤمنين عليهالسلام عندها الكتب. فعن الإمام الحسين عليهالسلام أنه قال : إن الكتب كانت عند أمير المؤمنين عليهالسلام ، فلما سار إلى العراق استودعها أم سلمة رضي الله عنها. فلما مضى كانت عند الحسن عليهالسلام ، فلما مضى كانت عند الحسين عليهالسلام.
ومنها : إيداع الحسين عليهالسلام لدى المضي إلى العراق عندها كتب علم أمير المؤمنينعليهالسلام وذخائر النبوة وخصائص الإمامة. فلما قتل عليهالسلام ورجع علي بن الحسين عليهالسلام دفعتها إليه.
٤٧٥ ـ وصية الحسين عليهالسلام لأخيه محمّد بن الحنفية قبيل مغادرته المدينة ، وفيها يبيّن سبب خروجه وهو الإصلاح والأمر بالمعروف :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٨)
ثم دعا الحسين عليهالسلام بدواة وبياض ، وكتب فيها هذه الوصية لأخيه محمّد :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمّد بن علي المعروف بابن الحنفية :
إن الحسين بن علي عليهماالسلام يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، جاء بالحق من عند الحق. وأن الجنة والنار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور.
إني لم أخرج أشرا (١) ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت أطلب
__________________
(١) أشر : كفرح لفظا ومعنى.
الإصلاح في أمّة جدّي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمّد وسيرة أبي علي بن أبي طالب (١). فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا صبرت حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاكمين.
هذه وصيتي إليك يا أخي ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب. والسلام عليك وعلى من اتبع الهدى ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (٢).
ثم طوى الكتاب وختمه بخاتمه ، ودفعه إلى أخيه محمّد بن الحنفية.
ثم ودّعه وخرج في جوف الليل يريد مكة بجميع أهله ، وذلك لثلاث ليال مضين من شهر شعبان سنة ٦٠ ه (لعله يقصد أن وصوله كان في هذا التاريخ).
يقول الدينوري في (الأخبار الطوال) ص ٢٢٨ :
لم يبق في المدينة عند رحيل الحسين عليهالسلام بأهله غير محمّد بن الحنفية. أما ابن عباس فقد كان خرج إلى مكة قبل ذلك بأيام.
وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٤٢١ :
وعن سكينة بنت الحسين عليهاالسلام قالت : لما خرجنا من المدينة ما كان أحد أشدّ خوفا منا أهل البيت.
__________________
(١) مقتل المقرم ، ص ١٥٦ نقلا عن مقتل العوالم ، ص ٥٤ ؛ وكذلك في مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤١. وفي المنتخب للطريحي زيادة (وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين).
(٢) غير خاف مغزى السبط المقدس من هذه الوصية ، فإنه أراد الهتاف بغايته الكريمة من نهضته المقدسة ، وتعريف الملأ نفسه ونفسيته ومبدأ أمره ومنتهاه ، ولم يبرح يواصل هذا بأمثاله إلى حين شهادته ، دحضا لما كان الأمويون يموّهون على الناس بأن الحسين عليهالسلام خارج على خليفة وقته ، يريد شقّ العصا وتفريق الكلمة واستهواء الناس إلى نفسه ، لنهمة الحكم وشره الرئاسة ، تبريرا لأعمالهم القاسية في استئصال آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. ولم يزل عليهالسلام مترسلا كذلك في جميع مواقفه هو وآله وصحبه حتّى دحروا تلك الأكذوبة ، ونالوا أمنيتهم في مسيرهم ومصير أمرهم.
الطريق المؤدية من المدينة إلى مكة
قال الإمام الحسين عليهالسلام وهو خارج من المدينة المنوّرة :
(فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢١) [القصص : ٢١]
وقال عليهالسلام حين وافى مكة المكرمة :
(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) (٢٢) [القصص: ٢٢]
خروج الحسين عليهالسلام من المدينة إلى مكة
[الأحد ٢٨ رجب سنة ٦٠ ه]
قال تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء : ١٠٠]
٤٧٦ ـ المنازل من المدينة إلى مكة :
(البلدان لليعقوبي)
نذكر فيما يلي المنازل التي يمرّ بها المسافر من المدينة إلى مكة. قال اليعقوبي : ومن المدينة إلى مكة عشر مراحل عامرة آهلة : فأولها [ذو الحليفة] ومنها يحرم الحاج إذا خرجوا من المدينة ، وهي على أربعة أميال من المدينة
(الميل : ٨ / ١ كم). ومنها إلى [الحفيرة] وهي منازل بني فهر من قريش. وإلى [ملل] وهي في هذا الوقت منازل قوم من ولد جعفر بن أبي طالب عليهالسلام. وإلى [السيّالة] وبها قوم من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام. وإلى [الرّوحاء] وهي منازل مزينة. وإلى [الرّويثة] وبها قوم من ولد عثمان بن عفان وغيرهم من العرب. وإلى [العرج]. وإلى [سقيا بني غفار] وهي منازل بني كنانة. وإلى [الأبواء] وهي منازل أسلم. وإلى [الجحفة] وبها قوم من بني سليم ، وغدير خم من الجحفة على ميلين عادل عن الطريق. وإلى [قديد] وبها منازل خزاعة. وإلى [عسفان]. وإلى [مرّ الظهران] وهيمنازل كنانة. وإلى [مكة المكرّمة] حرسها الله.
٤٧٧ ـ خروج الحسين عليهالسلام من المدينة ونزوله في مكة :
(تاريخ دمشق لابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢٠٠)
وخرج الحسين عليهالسلام وعبد الله بن الزبير من ليلتهما إلى مكة. فقدما مكة ، فنزل الحسين عليهالسلام دار العباس بن عبد المطلب ، ولزم ابن الزبير الحجر.
٤٧٨ ـ من كلام للحسين عليهالسلام قاله لعبد الله بن مطيع العدوي بعد أن حذّره من الاغترار بأهل الكوفة : (مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٩)
فبينا الحسين كذلك بين مكة والمدينة في موضع يقال له [الشريفة] إذ استقبله عبد
الله بن مطيع العدوي ، فقال له : أين تريد يا أبا عبد الله ، جعلني الله فداك؟. فقال : أما في وقتي هذا فإني أريد مكة ، فإذا صرت إليها استخرت الله في أمري بعد ذلك. فقال له عبد الله بن مطيع : خار الله لك يابن رسول الله فيما قد عزمت عليه ، غير أني أشير عليك بمشورة فاقبلها مني. فقال له الحسين عليهالسلام : وما هي يابن مطيع؟. فقال : إذا أتيت مكة فاحذر أن يغرّك أهل الكوفة ، فإن فيها قتل أبوك وطعن أخوك بطعنة كادت أن تأتي على نفسه فيها ، فالزم الحرم فأنت سيد العرب في دهرك هذا. وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٤ ط نجف : «ولن يعدلوا بك أحدا ، ويأتيك الناس من كل جانب». فو الله لئن هلكت ليهلكن أهل بيتك بهلاكك.
وفي (لواعج الأشجان) للسيد الأمين ، ص ٣٤ : لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي ، فوالله لئن هلكت لنسترقنّ بعدك.
وجاء في (مقتل الحسين) لأبي مخنف ص ١٦ : ثم إن الحسين توجه سائرا حتّى جاوز [الشريفة] فاستقبله عبد الله بن مطيع القرشي ، وقال له : جعلت فداك ، إني أنصحك ، إذا دخلت مكة فلا تبرحنّ منها ، فهي حرم الله والأمان للناس. فأقم فيها وتألّف أهلها ، وخذ البيعة على كل من دخلها من الناس ، وعدهم العدل وارفع الجور عنهم ، وأقم فيها خطباء تخطب وتذكّر على المنابر شرفك ، وتشرح فضلك ، ويخبرونهم بأن جدك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأباك علي بن أبي طالب ، وأنك أولى بهذا الأمر من غيرك. إياك أن تذكر الكوفة فإنها بلد مشؤوم قتل فيها أبوك ، ولا تبرح من حرم الله تعالى ، فإن معك أهل الحجاز واليمن كلها ، وسيقدم إليك الناس من الآفاق وينصرفون إلى أمصارهم ، وادعهم إلى بيعتك. فاقبل نصيحتي وسر مسددا ، فو الله إن قبلت لترشدن. فقال الحسين عليهالسلام : جزاك الله عني كل خير ، فإني قابل نصيحتك.
٤٧٩ ـ من كلام للحسين عليهالسلام وهو خارج من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٩)
وخرج الحسين عليهالسلام في جوف الليل يريد مكة في جميع أهل بيته ، وذلك لثلاث ليال مضين من شعبان سنة ٦٠ ه.
(كذا في مقتل الخوارزمي) ، أما في مقتل المقرّم ص ١٥٧ فجاء نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٩٠ ما نصه :
«وخرج الحسين من المدينة متوجها نحو مكة ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب ... ودخل مكة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان». وهو الأصح كما ذكر العلامة الأمين في (لواعج الأشجان) في حاشية صفحة ٢٩.
فلزم الطريق الأعظم ، فجعل يسير وهو يتلو هذه الآية : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢١) [القصص : ٢١]. فقال له ابن عمه مسلم بن عقيل : يابن رسول الله ، لو عدلنا عن الطريق وسلكنا غير الجادة كما فعل عبد الله بن الزبير ، كان عندي خير رأي ، فإني أخاف أن يلحقنا الطلب. فقال له الحسين عليهالسلام : لا والله يابن عم لا فارقت هذا الطريق أبدا ، أو أنظر إلى أبيات مكة ، ويقضي الله في ذلك ما يحب ويرضى.
يقول السيد جعفر الحلي :
خرج الحسين من المدينة خائفا |
|
كخروج موسى خائفا يتكتمّ |
وقد انجلى عن مكة وهو ابنها |
|
وبه تشرّفت الحطيم وزمزم |
٤٨٠ ـ الملائكة تعرض على الحسين عليهالسلام المساعدة :
(اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٢٧)
ذكر المفيد في كتابه (مولد النبي) بإسناده إلى الإمام الصادق عليهالسلام قال : لما سار أبو عبد الله الحسين عليهالسلام من مكة ليدخل المدينة ، لقيته أفواج من الملائكة المسوّمين والمردفين ، في أيديهم الحراب ، على نجب من نجب الجنة. فسلّموا عليه ، وقالوا : يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه ، إن الله عزوجل أمدّ جدك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بنا في مواطن كثيرة ، وإن الله أمدّك بنا. فقال لهم : الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها وهي كربلاء ، فإذا وردتها فأتوني. فقالوا : يا حجة الله ، إن الله أمرنا أن نسمع لك ونطيع ، فهل تخشى من عدوّ يلقاك فنكون معك؟. فقال عليهالسلام : لا سبيل لهم عليّ ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي.
٤٨١ ـ مسلمو الجن يعرضون على الحسين عليهالسلام مساعدته ونصرته :
(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٩)
وأتته أفواج مسلمي الجن ، فقالوا : يا سيدنا نحن من شيعتك وأنصارك ، فمرنا بأمرك وما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كل عدوّ لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك. فجزاهم الحسين خيرا وقال لهم : أو ما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله : (أَيْنَما
تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ) [النساء : ٧٨]. وقال سبحانه : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) (١٥٤) [آل عمران : ١٥٤]. وإذا أقمت مكاني فبماذا يبتلى هذا الخلق المتعوس ، وبماذا يختبرون؟. ومنذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء؟ وقد اختارها الله يوم دحي الأرض ، وجعلها معقلا لشيعتنا ومحبينا ، تقبل أعمالهم وصلواتهم وتجاب دعاؤهم ، وتكون لهم أمانا في الدنيا والآخرة. ولكن تحضرون يوم السبت وهو يوم عاشوراء ، الّذي في آخره أقتل ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي ، ويسار برأسي إلى يزيد. فقالت الجن : نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه ، لو لا أنّ أمرك طاعة ، وأنه لا يجوز مخالفتك ، لقتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك. فقال لهم عليهالسلام : نحن والله أقدر عليهم منكم ، ولكن (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال : ٤٢].
٤٨٢ ـ ديار علي والحسين عليهماالسلام مقفرة :
(الإمام الحسين يوم عاشوراء طبع مؤسسة البلاغ ، ص ٥٨)
ها هي ديار علي والحسين والزهراء عليهمالسلام قد أمسى عليها ليل الفراق ، وأحاطتها وحشة البعد والغربة. لقد نأى الحسين عليهالسلام ، وأمست المدينة موحشة ، تبكي سيدها الراحل ، والقلوب يعتصرها الأسى ، والنفوس يفترسها الألم ، ويحوطها الخوف والوجل.
على طريق الشهادة : من المدينة إلى مكة إلى كربلاء
الفصل الثالث عشر
في مكة المكرّمة
|
[الجمعة ٣ شعبان سنة ٦٠ ه] |
٤٨٣ ـ من كلام للحسين عليهالسلام لما وافى مكة المكرمة :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٩)
وسار عليهالسلام حتّى وافى مكة (يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان) فيكون مقامه في الطريق نحوا من خمسة أيام (١). فلما نظر إلى جبالها من بعيد جعل يتلو هذه الآية : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) (٢٢) [القصص : ٢٢]. فنزل دار العباس بن عبد المطّلب (٢). فأقام بمكة باقي شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة وثماني ليال من ذي الحجة. حيث خرج إلى العراق يوم التروية ، وهو اليوم السابق ليوم عرفة.
وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ ط نجف :
وقال السدي : خرج الحسين عليهالسلام من المدينة وهو يقرأ : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ) [القصص : ٢١]. فلما دخل مكة ، فقال له عمرو بن سعيد : ما أقدمك؟. فقال : عائذا بالله وبهذا البيت.
٤٨٤ ـ هدف الهجرة :
(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ٦٩)
هاجر الحسين عليهالسلام من دار الهجرة ، واتجه شطر البيت الحرام قبلة المسلمين ، وكانت غايته هناك أن يجتمع بوجهاء الناس وزعماء الأمة وأهل الرأي ، الذين قدموا إلى مكة للحج.
(أقول) : إضافة إلى أن الكعبة المشرّفة هي أكثر الأماكن أمنا ، فلها حرمتها
__________________
(١) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٣٤.
(٢) مقتل المقرم ، ص ١٥٨ عن تاريخ ابن عساكر ، ج ٤ ص ٣٢٨.
الخاصة ، إذ لا يجوز فيها قتال ولا اعتداء. يقول تعالى عن البيت الحرام : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٩٧) [آل عمران : ٩٧].
وترى جانبا صورة عن حرم الكعبة المشرفة وأقسامه المختلفة.
٤٨٥ ـ أهل مكة يستبشرون بقدوم الحسين عليهالسلام :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٠ ط نجف)
قال أحمد بن أعثم الكوفي : ولما دخل الحسين عليهالسلام مكة فرح به أهلها فرحا شديدا ، وجعلوا يختلفون إليه غدوة وعشية.
وكان قد نزل بأعلى مكة ، وضرب هناك فسطاطا ضخما ، ونزل عبد الله ابن الزبير داره ب (قيقعان) [وهو موقع غرب مكة عند الحجون]. ثم تحوّل الحسين عليهالسلام إلى دار العباس ، حوّله إليها عبد الله بن عباس.
وكان أمير مكة من قبل يزيد يومئذ عمرو بن سعيد بن العاص. (وفي رواية ابن أعثم) «عمر بن سعد بن أبي وقاص» ، وهو اشتباه وتصحيف. فأقام الحسين عليهالسلام مؤذّنا يؤذّن رافعا صوته ، فيصلي بالناس. وهاب عمرو بن سعيد أن يميل الحجّاج مع الحسين عليهالسلام لما يرى من كثرة اختلاف الناس إليه من الآفاق ، فانحدر إلى المدينة ، وكتب بذلك إلى يزيد.
وفي (مقتل الحسين) المنسوب لأبي مخنف ، ص ١٧ : وقد كان عبد الله ابن الزبير سبقه إلى مكة ، ولزم الكعبة يصلي بالناس ويطوف البيت. وكان يأتي إلى الحسين عليهالسلام ويجلس معه الجلسة الخفيفة.
ابن الزبير يمتعض من مجيء الحسين عليهالسلام :
(المصدر السابق للخوارزمي)
وكان الحسين عليهالسلام أثقل خلق الله على عبد الله بن الزبير ، لأنه كان يطمع أن يتابعه أهل مكة. فلما قدم الحسين عليهالسلام اختلفوا إليه [أي ترددوا عليه] وصلّوا معه. ومع ذلك فقد كان ابن الزبير يختلف إليه بكرة وعشية ، ويصلي معه.
وأقام الحسين عليهالسلام بمكة باقي شهر شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة. وبمكة يومئذ عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب.
(الشكل ٤) : مخطط الكعبة المشرّفة حرسها الله
٤٨٦ ـ محاورة الحسين عليهالسلام مع عبد الله بن عمر في مكة بشأن البيعة ليزيد ، ونصيحة ابن عمر له : (المصدر السابق)
فأقبلا جميعا ، وقد عزما أن ينصرفا إلى المدينة ، حتّى دخلا على الحسين عليهالسلام. فقال عبد الله بن عمر :
يا أبا عبد الله ، اتّق الله رحمك الله الّذي إليه معادك ، فقد عرفت عداوة هذا البيت لكم ، وظلمهم إياكم. وقد ولي الناس هذا الرجل يزيد بن معاوية ، ولست آمن أن يميل الناس إليه ، لمكان هذه الصفراء والبيضاء ، فيقتلونك ويهلك فيك بشر كثير ، فإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «حسين مقتول ، فلئن خذلوه ولم ينصروه ليخذلنّهم الله إلى يوم القيامة». وأنا أشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه الناس ، وتصبر كما صبرت لمعاوية من قبل ، فلعل الله أن يحكم بينك وبين القوم الظالمين. فقال له الحسين عليهالسلام : يا أبا عبد الرحمن ، أنا أبايع يزيد وأدخل في صلحه ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه وفي أبيه ما قاله؟!.
٤٨٧ ـ محاورة الحسين عليهالسلام مع عبد الله بن عباس ، وبيان فضله عليهالسلام وما فعله به الناس : (مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩١)
فقال ابن عباس : صدقت يا أبا عبد الله ، قد قال النبي : «ما لي وليزيد ، لا بارك الله في يزيد ، فإنه يقتل ولدي وولد ابنتي الحسين بن علي عليهماالسلام ، فو الذي نفسي بيده لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلا خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم». ثم بكى ابن عباس وبكى معه الحسين عليهالسلام ، ثم قال له : يابن عباس أتعلم أني ابن بنت رسول الله؟. فقال : الله م نعم ، لا نعرف في الدنيا أحدا هو ابن بنت رسول الله غيرك ، وأنّ نصرك لفرض على هذه الأمة كفريضة الصيام والزكاة ، التي لا تقبل إحداهما دون الأخرى. فقالعليهالسلام : يابن عباس فما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من وطنه وداره ، وموضع قراره ومولده ، وحرم رسوله ، ومجاورة قبره ومسجده ، وموضع مهاجرته ، وتركوه خائفا مرعوبا لا يستقر في قرار ، ولا يأوي إلى وطن ، يريدون بذلك قتله وسفك دمه ، وهو لم يشرك بالله شيئا ولا اتخذ دون الله وليا ، ولم يتغيّر عما كان عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وخلفاؤه من بعده. فقال ابن عباس : ما أقول فيهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله ، لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى (يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) (١٤٣) [النساء : ١٤٢ ـ ١٤٣] فعلى مثل هؤلاء تنزل البطشة الكبرى.
وأما أنت أبا عبد الله ، فإنك رأس الفخار : ابن رسول الله ، وابن وصيه ، وفرخ الزهراء نظيرة البتول ، فلا تظن يابن رسول الله بأن الله غافل عما يعمل الظالمون ، وأنا أشهد أن من رغب عن مجاورتك ومجاورة بنيك ، فما له في الآخرة من خلاق.
فقال الحسين عليهالسلام : اللهم اشهد. فقال ابن عباس : جعلت فداك يابن رسول الله كأنك تنعى إليّ نفسك ، وتريد مني أن أنصرك ، فوالله الّذي لا إله إلا هو لو ضربت بين يديك بسيفي حتّى ينقطع ، وتنخلع يداي جميعا ، لما كنت أبلغ من حقك عشر العشير. وها أنا بين يديك فمرني بأمرك.
فقال ابن عمر : الله م عفوا ، ذرنا من هذا يابن عباس.
ترجمة عبد الله بن عباس
قال السيد إبراهيم الميانجي في (العيون العبرى) ص ٥٤ :
عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، ابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وهو حبر الأمة وعالمها ، دعا له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالفقه والحكمة والتأويل ، مقبول من الطرفين. وكان محبا لعليعليهالسلام وتلميذه. حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليهالسلام أشهر من أن يخفى.
ولد في الشّعب قبل الهجرة بثلاث سنين ، ومات بالطائف سنة ٦٨ ه في فتنة ابن الزبير ، وكان قد كفّ بصره في أواخر حياته وعمره سبعون سنة.
وصلى عليه محمّد بن الحنفية ، وضرب على قبره فسطاطا (انظر المعارف لابن قتيبة). وقال المسعودي في (مروج الذهب) : ذهب بصر ابن عباس لبكائه على علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهالسلام ، وهو الّذي يقول :
إن يأخذ الله من عينيّ نورهما |
|
ففي لساني وقلبي منهما نور |
قلبي ذكي وعقلي غير مدّخل |
|
وفي فمي صارم كالسيف مشهور |
وقال مسروق كما في (التنقيح) : كنت إذا رأيت عبد الله بن عباس قلت : أجمل الناس ؛ فإذا حدّث قلت : أعلم الناس ؛ فإذا تكلم قلت : أفصح الناس!.
وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، عن علي عليهالسلام قال :
لله درّ ابن عباس ، فإنه ينظر من ستر رقيق.
ترجمة عبد الله بن الزبير بن العوّام
كان يكنّى أبا بكر وأبا حبيب. ولد بعد الهجرة بعشرين شهرا. طلب الخلافة لنفسه بالحجاز ، فسار إليه الحجّاج فحاصره بمكة خمسة أيام ، ثم أصابته رميّة فمات في البيت الحرام. وهو الكبش الّذي تنبّأ به أمير المؤمنين عليهالسلام أنه ستنتهك به حرمة البيت. وبعد أن قتل أمر بصلبه فصلب بمكة ، وكان ذلك سنة ٧٣ ه.
|
(انظر المعارف لابن قتيبة) |
٤٨٨ ـ عداوة ابن الزبير لأهل البيت عليهمالسلام :
(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان الشيرازي ، ص ١٣٩)
عن سعيد بن جبير أن ابن عباس دخل على ابن الزبير ، فقال له ابن الزبير : إلام تؤنبّني وتعنّفني؟. فقال ابن عباس : إني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول :
«بئس المسلم يشبع ويجوع جاره». وأنت ذلك الرجل. فقال ابن الزبير : والله إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة ، وتشاجرا.
فخرج ابن عباس من المدينة مكرها ، فأقام بالطائف حتّى مات.
وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ٢٥١ :
وبقي عبد الله بن الزبير يجدّ في مناوأة محمّد بن الحنفية وعبد الله بن عباس وبقية أهل البيت عليهمالسلام ، حتّى حبسهما إذ لم يجيباه إلى البيعة.
وحين تلاسن مع عبد الله بن عباس بعد مقتل المختار ، قال ابن الزبير له : لقد علمت أنك ما زلت لي ولأهل بيتي مبغضا ، ولا زلت لكم يا بني هاشم منذ نشأت مبغضا ، ولقد كتمت بغضكم أربعين سنة. فقال ابن عباس له : فازدد في بغضنا ، فوالله ما نبالي أحببتنا أم أبغضتنا!.
ثم خرج ابن عباس ومحمد بن الحنفية وأصحابهما من مكة إلى الطائف. فلم يزل ابن عباس بالطائف حتّى أدركته الوفاة ، فصلى عليه محمّد بن الحنفية رضي الله عنه ودفنه هناك سنة ٦٨ ه ، وهو ابن ٧٢ سنة.
وبقي بعده محمّد في الطائف. وذكر القتيبي أن محمدا توفي أيضا بالطائف سنة ٨٢ ه ، وهو ابن ٦٥ سنة.
٤٨٩ ـ محاورة الحسين عليهالسلام مع عبد الله بن عمر ، وبيان أن الله سبحانه سينتقم من قتلته كما انتقم من بني إسرائيل :
(مقتل الخوارزمي ج ١ ص ١٩٢)
ثم أقبل ابن عمر على الحسين عليهالسلام وقال له : مهلا أبا عبد الله عما أزمعت عليه ، وارجع معنا إلى المدينة ، وادخل في صلح القوم ، ولا تغب عن وطنك وحرم جدك ، ولا تجعل لهؤلاء القوم الذين لا خلاق لهم ، على نفسك حجة وسبيلا. وإن أحببت أن لا تبايع فإنك متروك حتّى ترى رأيك ، فإن يزيد ابن معاوية عسى ألا يعيش إلا قليلا ، فيكفيك الله أمره. فقال الحسين عليهالسلام : أفّ لهذا الكلام أبدا ما دامت السموات والأرض. أسألك بالله يا أبا عبد الرحمن أعندك أني على خطأ من أمري هذا؟. فإن كنت على خطأ فردّني عنه ، فإني أرجع وأسمع وأطيع. فقال ابن عمر : الله م لا ، ولم يكن الله تبارك وتعالى ليجعل ابن بنت رسوله على خطأ [يعترف له بالعصمة] ، وليس مثلك في طهارته وموضعه من الرسول ، أن يسلّم على يزيد بن معاوية باسم الخلافة. ولكن أخشى أن يضرب وجهك هذا الجميل بالسيوف ، وترى من هذه الأمة ما لا تحب. فارجع معنا إلى المدينة ، وإن شئت أن لا تبايع فلا تبايع أبدا ، واقعد في منزلك. فقال له الحسين عليهالسلام : هيهات يابن عمر ، إن القوم لا يتركوني ، إن أصابوني وإن لم يصيبوني ، فإنهم يطلبوني أبدا حتّى أبايع وأنا كاره أو يقتلوني.
ألا تعلم أبا عبد الرحمن أن من هوان هذه الدنيا على الله أن يؤتى برأس يحيى ابن زكريا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل ، والرأس ينطق بالحجة عليهم ، فلم يضرّ ذلك يحيى بن زكريا بل ساد الشهداء ، فهو سيدهم يوم القيامة (١).
وفي رواية ابن نما : «وإن رأسي يهدى إلى بغيّ من بغايا بني أمية».
ألا تعلم أبا عبد الرحمن أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى
__________________
(١) روى ابن شهراشوب في المناقب ، ج ٣ ص ٢٣٧ قصة مقتل يحيى بن زكريا ، وذكر قبلها : عن علي بن الحسين عليهالسلام قال : «خرجنا مع الحسين عليهالسلام ، فما نزل منزلا ولا ارتحل عنه إلا وذكر يحيى بن زكريا».
طلوع الشمس سبعين نبيا ، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنهم لم يصنعوا شيئا ، فلم يعجّل الله عليهم ، ثم أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر ذي انتقام (١). فاتّق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعنّ نصرتي (٢) واذكرني في صلاتك ، فوالذي بعث جدي محمداصلىاللهعليهوآلهوسلم بشيرا ونذيرا لو أن أباك عمر بن الخطاب أدرك زماني لنصرني كما نصر جدي ، ولقام من دوني كقيامه من دون جدي. يابن عمر فإن كان الخروج معي يصعب عليك ويثقل ، فأنت في أوسع العذر ، ولكن لا تتركنّ لي الدعاء في دبر كل صلاة ، واجلس عن القوم ، ولا تعجل بالبيعة لهم حتّى تعلم ما تؤول إليه الأمور.
وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٣٨٩ :
ثم قال عليهالسلام : يا عبد الله ، اتّق الله ولا تدعنّ نصرتي ، ولا تركنن إلى الدنيا ، لأنها دار لا يدوم فيها نعيم ، ولا يبقى أحد من شرها سليم. متواترة محنها ، متكاثرة فتنها. أعظم الناس فيها بلاء الأنبياء ، ثم الأئمة الأمناء ، ثم المؤمنون ، ثم الأمثل فالأمثل.
٤٩٠ ـ وصية الحسين عليهالسلام لابن عباس وذكره بخير ، وبيان إقامته في مكة :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٣)
ثم أقبل الحسين عليهالسلام على ابن عباس رضي الله عنه وقال له : وأنت يابن عباس ابن عم أبي ، ولم تزل تأمر بالخير مذ عرفتك ، وكنت مع أبي تشير عليه بما فيه الرشاد والسداد. وقد كان أبي يستصحبك ويستنصحك ويستشيرك وتشير عليه بالصواب ، فامض إلى المدينة في حفظ الله ، ولا تخف عليّ شيئا من أخبارك ، فإني مستوطن هذا الحرم ومقيم به ، ما رأيت أهله يحبونني وينصرونني ، فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم ، واستعصمت بالكلمة التي قالها إبراهيم يوم ألقي في النار : حسبي الله ونعم الوكيل ، فكانت النار عليه بردا وسلاما.
__________________
(١) ذكر المقرم في مقتله ، ص ١٥٥ نقلا عن مثير ابن نما واللهوف : ان عبد الله بن عمر طلب من الحسين البقاء في (المدينة) فأبى ، وقال : إن من هوان الدنيا ...
(٢) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ١٧.
فبكى ابن عباس وابن عمر ذلك الوقت بكاء شديدا ، وبكى الحسين عليهالسلام معهما ، ثم ودّعهما. فصار ابن عباس وابن عمر إلى المدينة.
٤٩١ ـ عزل الوليد بن عتبة عن المدينة ، وضمّ مكة والمدينة بإمرة عمرو ابن سعيد بن العاص (الأشدق):
بعد أن بلغ يزيد تسامح الوليد بن عتبة مع الحسين عليهالسلام وضعفه في التصرف في الأمور ، عزله عن المدينة وأقرّ عليها عمرو بن سعيد بن العاص المعروف (بالأشدق) والي مكة ، فأصبحت مكة والمدينة تحت إمرته ، فقدم المدينة في شهر رمضان سنة ٦٠ ه.
٤٩٢ ـ بشارات مشؤومة بقدوم الوالي الجديد إلى المدينة :
(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، ج ٢ ص ٣)
قال : وذكروا أنه لما بويع يزيد بن معاوية ، خرج الحسين عليهالسلام حتّى قدم مكة ، فأقام هو وابن الزبير.
قال : وقدم عمرو بن سعيد بن العاص في رمضان أميرا على المدينة وعلى الموسم ، وعزل الوليد بن عتبة. فلما استوى على المنبر رعف ، فقال أعرابي مستقبله : مه مه!. جاءنا والله بالدم. فتلقاه رجل بعمامته ، فقال : مه!. عمّ والله الناس. ثم قام يخطب ، فناوله آخر عصا لها شعبتان ، فقال الأعرابي : مه!. شعب والله أمر الناس. ثم نزل.
ترجمة عمرو بن سعيد (الأشدق)
قتله عبد الملك بن مروان بيده سنة ٧٠ ه. وذلك أنه بايع عبد الملك كرها ، فلما خرج عبد الملك إلى قتال الزبير خالفه عمرو إلى دمشق ، فغلب عليها وبايعه أهلها بالخلافة. وذكر الطبري أنه لما صعد المنبر خطب الناس فقال : إنه لم يقم أحد من قريش قبلي على هذا المنبر إلا زعم أن له جنة ونارا ، يدخل الجنة من أطاعه والنار من عصاه ، وإني أخبركم أن الجنة والنار بيد الله ، وأنه ليس إليّ من ذلك شيء ، وأن لكم عليّ حسن المواساة.
قال : فرجع عبد الملك وحاصره ، ثم خدعه وآمنه ، ثم غدر به فقتله. فيقال إنه ذبحه بيده. وكان عمرو أول من أسرّ البسملة في الصلاة مخالفة لابن الزبير ، لأنه كان يجهر بها (روى ذلك الشافعي وغيره بإسناد صحيح).