الدكتور لبيب بيضون
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٥
الفصل الرابع
الإمام الحسين عليهالسلام ترجمته وفضائله
١ ـ نسب الإمام الحسين عليهالسلام
٢ ـ مولده ووفاته عليهالسلام وعمره الشريف
٣ ـ ولادة الحسين عليهالسلام وتسميته ورضاعه ـ أولاده عليهالسلام
٤ ـ أوصاف الحسين عليهالسلام وهيئته وجماله
٥ ـ فضائل الحسين عليهالسلام :
ـ فضائل الحسين عليهالسلام الخاصة
ـ الإمام الحسين عليهالسلام والقرآن
ـ جملة من مناقب الحسين عليهالسلام
٦ ـ الذرية والإمامة :
ـ قصة الحجاج مع يحيى بن يعمر
ـ قصيدة لابن المعتز ، وردّ صفي الدين الحلي عليها.
الفصل الرابع :
الإمام الحسين عليهالسلام
(ترجمته وفضائله)
١٠٦ ـ الإمام الحسين عليهالسلام :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٣٩)
ثالث أئمة أهل البيت الطاهر ، وثاني السبطين السعيدين ، سيدي شباب أهل الجنّة ، وريحانتي المصطفى ، وأحد الخمسة أصحاب العبا ، وسيد الشهدا.
الإمام الهمام ، وقرة باصرة سيد الأنام. سبط الرحمة ، وكاشف الغمة. مهجة الزهرا ، وثمرة فؤاد علي المرتضى. الّذي حمله ميكائيل ، وناغاه في المهد جبرائيل. الإمام القتيل ، الّذي اسمه مكتوب على سرادق عرش الجليل : الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة. الشافع في يوم الجزاء ، سيدنا ومولانا سيد الشهداء ، عليه سلام الله الملك الأعلى. الّذي بولايته ربيّت ، وبكأسه الأوفى من صغري شربت ورويت.
ريحانة الرسول ، وقرة عين البتول. وثمرة قلب الوصي ، وشقيق الزكي. أحد الثقلين ، وحبيب خيرة الثقلين ، أبو عبد الله الحسين عليهالسلام.
١ ـ نسب الإمام الحسين عليهالسلام
١٠٧ ـ نسبه الشريف :
الإمام الحسين عليهالسلام هو أحد أولاد الإمام علي عليهالسلام من زوجته العصماء فاطمة الزهراء ، بنت الرسول الأعظم محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقد ولدت خديجة الكبرى أم المؤمنين عليهاالسلام.
للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عدة أولاد ذكور وإناث ، مات أكثرهم صغيرا ، ولم ينجب منهم ذرية سوى فاطمة عليهاالسلام التي تزوجها الإمام علي عليهالسلام فولدت له الحسن والحسين ، ثم زينب العقيلة (المدفونة في ضاحية دمشق) وأم كلثوم. ولو لا الحسن
والحسين عليهماالسلام لا نقطعت سلالة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقد تربيا في حجر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكان يحبهما حبا جمّا ، ويعتبرهما بمثابة أولاده. ومن ألقابهما السبطان (١) وسيدا شباب أهل الجنّة ، وريحانتا رسول الله. وهو الإمام بعد أخيه الحسن عليهالسلام بنصّ أبيه وجده ، حيث قالصلىاللهعليهوآلهوسلم : «الحسن والحسين
إمامان ، قاما أو قعدا».
٢ ـ مولد الحسين عليهالسلام ووفاته وعمره الشريف
١٠٨ ـ مولد الحسين عليهالسلام ووفاته وعمره الشريف :
قال ابن سعد في (الطبقات) : علقت فاطمة بالحسين عليهالسلام لخمس ليال خلون من ذي القعدة سنة ثلاث من الهجرة ، بعد مولد الحسن عليهالسلام بخمسين ليلة.
ووضعته في شعبان لليال خلون منه سنة أربع هجرية.
وقال ابن شهراشوب في مناقبه (ج ٣ ص ٢٣١ ط نجف) :
ولد الحسين عليهالسلام عام الخندق في المدينة يوم الخميس أو الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، بعد أخيه بعشرة أشهر وعشرين يوما. وروي أنه لم يكن بينه وبين أخيه إلا الحمل ، والحمل ستة أشهر.
وقال مصعب الزبيري في (نسب قريش ، ص ٤٠) :
ولد الحسين عليهالسلام لخمس ليال خلون من شعبان سنة ٤ من الهجرة.
وقال العلامة المجلسي في (بحار الأنوار) :
الأشهر في ولادته عليهالسلام أنه ولد لثلاث خلون من شعبان سنة ٤ ه يوم الخميس. وقيل ولد في ٥ شعبان سنة ٤ ه ، وهو قول الشيخ المفيد.
وقال السيد محسن الأمين في (الأعيان) :
وكانت مدة حمله ستة أشهر. وروي أنه لم يولد لستة أشهر ، إلا عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ، والحسين بن علي عليهمالسلام.
وروى الإمام جعفر الصادق عليهالسلام عن أبيه قال : لم تكن بين ولادة الحسن عليهالسلام والحمل بالحسين عليهالسلام إلا طهر واحد.
والعلماء مجمعون على أن وفاة الحسين عليهالسلام كانت بكربلاء يوم العاشر من
__________________
(١) السبط : يطلق على ابن البنت ، والحفيد : يطلق على ابن الولد ، ذكرا كان أو أنثى.
المحرم سنة ٦١ ه ، والأغلب أنه قتل يوم الجمعة بعد الظهر ، وقيل يوم السبت. ودفن بكربلاء من غربي الفرات.
فيكون عمره الشريف سبعا وخمسين سنة ، وبالدقة ستا وخمسين سنة وخمسة أشهرعليهالسلام.
١٠٩ ـ معاصرته للمعصومين عليهمالسلام :
وقد عاش الحسين عليهالسلام من حياته مع جده رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سبع سنين ، ومع أبيه أمير المؤمنين علي عليهالسلام بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلاثين سنة ، ومع أخيه الحسن بعد وفاة أبيه عليهالسلام نحو عشر سنين ، وعاش بعد وفاة أخيه الحسن عليهالسلام إلى حين مقتله الشريف نحو عشر سنين.
وحين توفي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم فاطمة الزهراء عليهاالسلام بعده بقليل ، كان عمر الحسين عليهالسلام سبع سنين ، فعاش وأخوه يتيمين.
٣ ـ ولادة الحسين عليهالسلام وتسميته ورضاعه
١١٠ ـ ولادة الحسين عليهالسلام وتسميته :
(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)
لما ولد الحسين عليهالسلام جاءت به أمه فاطمة عليهاالسلام إلى جده رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فاستبشر به ، وأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، وحنّكه بريقه وتفل
في فمه.
فلما كان اليوم السابع عقّ عنه بكبش (العقيقة : هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم سبوعه عند حلق شعره) وأعطى القابلة رجل العقيقة. وأمر أمه أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة ، وكان وزنه درهما. وسماه صلىاللهعليهوآلهوسلم حسينا ، وهو مشتق من اسم (حسن) بالتصغير.
١١١ ـ اسمه الشريف :
يقول محمّد مهدي المازندراني في (معالي السبطين) ج ١ ص ٤٧ : اسمه الحسين ، وفي التوراة (شبير) ، وفي الانجيل (طاب).
وحسين مصغّر حسن ، كما أن شبير مصغّر شبّر ، وهذا التصغير لأجل التعظيم
كما لا يخفى على البصير. ولم يسمّ أحد بهذا الاسم قبله ، كما أن يحيى عليهالسلام لم يسمّ باسمه أحد قبله. والاسم الكريم (الحسين) صفة مشبّهة في الاشتقاق ، والصفة المشبهة تعني اللزوم والديمومة.
وقد ذكر ابن الأعرابي أن الله قد حجب اسم الحسن والحسين عليهماالسلام حتّى سمّى بهما النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سبطيه ، وهما اسمان من أسماء أهل الجنّة ، وما سمّت الجاهلية بهما.
وفي (مدينة المعاجز) ص ٢٧٥ ط حجر إيران :
عن زرارة عن عبد الخالق بن عبد ربه ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : (نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) [مريم : ٧] الحسين بن علي عليهماالسلام لم يكن له من قبل سميّا ، ويحيى بن زكريا عليهالسلام لم يكن له من قبل سميّا. ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا. (قال) قلت : ما بكاؤهما؟. قال : تطلع الشمس حمراء وتغرب حمراء.
١١٢ ـ ألقابه عليهالسلام :
للحسين عليهالسلام ألقاب كثيرة منها : أبو عبد الله ، والسيد ، والسبط ، والإمام الشهيد ، وسيد شباب أهل الجنّة.
ونقش خاتمه : (لكل أجل كتاب) أو (حسبي الله) أو (إنّ الله بالغ أمره).
١١٣ ـ ولادة الحسين عليهالسلام :
(معالي السبطين ، ج ١ ص ٣٧)
قالت صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : لما سقط الحسين عليهالسلام من بطن أمه ، كنت قد وليته. قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا عمة هلمي إليّ بابني. فقلت : يا رسول الله إنا لم ننظفه بعد. فقال : يا عمة أنت تنظفينه!. إن الله تبارك وتعالى قد نظفّه وطهّره. فدفعته إليه وهو في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضع لسانه في فيه ، وأقبل الحسين (على لسان النبي) يمصّه. قالت : فما كنت أحسب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يغذوه إلا لبنا أو عسلا.
قالت صفية : فقبّله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بين عينيه ، ثم دفعه إليّ وهو يبكي ويقول : لعن الله قوما هم قاتلوك يا بني (يقولها ثلاثا). فقلت : فداك أبي وأمي ، ومن يقتله؟. قال : يقتله فئة باغية من بني أمية.
(أقول) : لم يسمع بأن ينعى أحد قبل موته ومنذ يوم ولادته ، وهذا مخصوص بالحسين عليهالسلام ؛ نعاه ناع يوم ولادته ، ونعاه ناع يوم شهادته.
١١٤ ـ رواية أسماء بنت عميس :
(إعلام الورى في أعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢١٤)
في مسند الإمام الرضا عليهالسلام عن علي بن الحسين عليهالسلام قال : حدثتني أسماء بنت عميس ، قالت : لما كان بعد الحول من مولد الحسن عليهالسلام ولد الحسين عليهالسلام. فجاء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضعه في حجره وبكى. قالت أسماء : فداك أبي وأمي ممّ بكاؤك؟. قال : من ابني هذا. فقلت : إنه ولد الساعة. قال : يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي.
ثم قال : يا أسماء لا تخبري فاطمة عليهاالسلام فإنها حديثة عهد بولادته. ثم قال لعلي عليهالسلام : أي شيء سمّيت ابني هذا؟. قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت أحب أن أسميه (حربا). فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما كنت لأسبق باسمه ربي. فأتاه جبرئيل فقال : الجبار يقرئك السلام ، ويقول : سمّه باسم ابن هرون. فقال : ما اسم ابن هرون؟. قال : شبير. قال : لسان عربي. قال : سمّه الحسين ، فسماه الحسين عليهالسلام.
ثم عقّ عنه يوم سابعه بكبش ، وحلق رأسه وتصدق بوزن شعره ورقا ، وطلا رأسه بالخلوق (نوع من الطيب) وقال : الدم فعل الجاهلية. وأعطى القابلة فخذ الكبش.
١١٥ ـ رواية أم الفضل :
(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)
روى الحاكم في (المستدرك) بسنده عن أم الفضل بنت الحارث (زوجة العباس ابن عبد المطلب) أنها دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة. قال : وما هو؟. قالت : إنه شديد. قال : وما هو؟. قالت : رأيت كأن قطعة (وفي رواية : بضعة) من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : رأيت خيرا ، تلد فاطمة إنشاء الله غلاما ، فيكون في حجرك. قالت : فولدت فاطمة الحسين عليهالسلام فكان في حجري ، كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فدخلت يوما إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فوضعته في حجره ، فأخذ يلاعبه ساعة. ثم
حانت مني التفاتة ، فإذا عينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تهريقان بالدموع. فقلت : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي مالك؟. قال : أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا. فقلت : هذا!. فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء.
وقد دمجنا روايتين بنفس المضمون مع بعضهما.
١١٦ ـ لماذا لم ترضع فاطمة الحسين عليهالسلام :
(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٩ ط نجف) عن أبي المفضل بن خير بإسناده ، أنه اعتلّت فاطمة عليهاالسلام لما ولدت الحسين عليهالسلام وجف لبنها. فطلب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مرضعا فلم يجد ، فكان يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصّها ، ويجعل الله له في إبهام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رزقا يغذوه.
ويقال : بل كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يدخل لسانه في فيه فيغرّه كما يغرّ الطائر فرخه (١). فجعل الله له في ذلك رزقا. ففعل أربعين يوما وليلة ، فنبت لحمه من لحم رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم.
تعليق :
يبدو من الروايات أن فاطمة عليهاالسلام لما ولدت بالحسين عليهالسلام مرضت وجفّ لبنها ، فأرضعته أم الفضل زوجة العباس عم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بلبن ابنها (قثم بن العباس). وهذا معارض لما ورد من أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هو الّذي أرضعه.
والظاهر أن الحسين عليهالسلام لما لم يرضع من أمه فاطمة عليهاالسلام عرض على غيرها من المرضعات ، فرفض الرضاع. فكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يضع إبهامه في فيه ، فيمصّ ما يكفيه ، فنبت لحم الحسين عليهالسلام من لحم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ودمه ، وهذا مصداق قول النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : «حسين مني ، وأنا من حسين».
ويمكن الجمع بين الأمرين ، بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أرضع الحسين عليهالسلام أربعين ليلة حتّى نبت لحمه من لحمه ، ثم ردّه إلى أم الفضل فأرضعته وحضنته.
ولله درّ الشاعر حيث قال :
لله مرتضع لم يرتضع أبدا |
|
من ثدي أنثى ، ومن طه مراضعه |
يعطيه إبهامه آنا وآونة |
|
لسانه ، فاستوت منه طبائعه |
__________________
(١) غرّ الطائر فرخه يغرّه : أي زقّه الطعام ..
١١٧ ـ ماذا فعلوا به؟ :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٦)
نبت لحم الحسين عليهالسلام من لحم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعظمه من عظم رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، ودمه من دم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ولذا كان يشمّه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقبّله ، ويقول : «حسين مني ، وأنا من حسين».
يقول الشيخ محمّد مهدي المازندراني :
أما اللحم الّذي تربّى من دم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد وزّعته سيوف أهل الكوفة ورماحهم. وأما الدم الّذي تربّى من دم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد أراقته سيوف بني أمية. وأما العظم الّذي تربّى من عظم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد هشّمته الخيل بحوافرها. يقول الشاعر :
ومن ارتبى طفلا بحجر محمّد |
|
حتّى اغتذى وحي الإله رضيعا |
يغذو غذاء المرهفات وبعد ذا |
|
منه ترضّ الصافنات ضلوعا |
وقد تربّى الحسين عليهالسلام في حجر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يزل في حجره ، فإذا نام صلىاللهعليهوآلهوسلم على ظهره ، يرقى الحسين على صدره ويجلس عليه. وهذا الصدر الشريف هو الّذي طحنوه يوم عاشوراء. يقول الشاعر :
يومان لم ترني الأيام مثلهما |
|
فسرّني ذا وهذا زادني أرقا |
يوم الحسين رقى صدر النبي به |
|
ويوم شمر على صدر الحسين رقى |
١١٨ ـ أولاد الحسين عليهالسلام :
للحسين عليهالسلام ستة ذكور وأربع بنات ، هم :
ـ علي الأكبر : قاتل بين يدي أبيه حتّى قتل شهيدا في كربلاء.
ـ علي الأوسط : زين العابدين عليهالسلام وكان مريضا في كربلاء.
ـ علي الأصغر : أصابه سهم في كربلاء وهو طفل فمات.
ـ عبد الله الرضيع : قتل بين يدي أبيه وهو يستسقي له الماء.
ـ محمّد وجعفر : ماتا صغيرين في حياة أبيهما عليهالسلام.
ـ البنات : زينب وفاطمة وسكينة ورقية عليهمالسلام.
* وقد مرّ ذلك مفصّلا فيما مضى من الكتاب ، فراجع ص ١٢١.
والذكر المخلّد هو لزين العابدين عليهالسلام أبي الأئمة ، الّذي منه اتصلت سلالة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد كان مريضا يوم كربلاء على وشك الموت ، ثم شفاه الله من علته ليكون منه النسل النبوي الشريف.
٤ ـ أوصاف الحسين عليهالسلام وهيئته وجماله
١١٩ ـ أوصاف الحسين عليهالسلام وهيئته :
(غصن الرسول : الحسين بن علي عليهالسلام لفؤاد علي رضا ، ص ٣٤)
في كتاب (الشفا) للقاضي عياض من أحاديث عدة ، أن الحسين عليهالسلام كان واسع الجبين ، كثّ اللحية تملأ صدره ، واسع الصدر ، عظيم المنكبين ، ضخم العظام ، عبل العضدين والذراعين والأسافل ، رحب الكفين والقدمين ، أنور المتجرد ، ربعة القد ، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد ، رجل الشعر ، متماسك البدن.
١٢٠ ـ صفة شعره ولحيته الشريفة وخضابه :
(المصدر السابق ص ٣٥)
روى ابن عساكر عن ... قال : رأيت الحسين عليهالسلام وهو أسود الرأس واللحية إلا من شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري بعد ذلك ، هل خضب أم ترك ، أو ما شاب منه غير ذلك.
وروى ابن كثير في (البداية والنهاية) ، (قال) قال سفيان : قلت لعبيد الله بن زياد: رأيت الحسين؟. قال : نعم ، أسود الرأس واللحية إلا شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري أخضب وترك ذلك المكان تشبّها برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو لم يكن شاب منه غير ذلك.
وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) ص ٢٩١ : وروى المطلب بن زياد عن السدي قال : رأيت الحسين عليهالسلام وله جمّة خارجة من تحت عمامته (أخرجه الطبراني برقم ٢٧٩٦).
وعن الشعبي قال : رأيت الحسين عليهالسلام يتختّم في شهر رمضان.
وفي (بحار الأنوار) للمجلسي ، ج ٤٥ ص ٨٤ ط ٣ : سأل رجل الحسين عليهالسلام
وهو في قصر بني مقاتل : يا أبا عبد الله ، هذا الّذي أرى خضاب أو شعرك؟. فقال : خضاب ، والشيب إلينا بني هاشم يعجل.
وقال المفيد في (الإرشاد) : كان عليهالسلام يخضب بالحناء والكتم (١) ، وقتل وقد نصل الخضاب من عارضيه (٢).
١٢١ ـ جمال الحسين عليهالسلام :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٥٩)
كان الحسين عليهالسلام جيد البدن ، حسن القامة ، جميل الوجه ، صبيح المنظر ، نور جماله يغشى الأبصار ، وله مهابة عظيمة ، ويشرق منه النور بلحية مدوّرة ، قد خالطها الشيب. أدعج العينين (أي شديد سواد العين وبياضها مع سعة) ، أزجّ الحاجبين ، واضح الجبين ، أقنى الأنف (أي في أنفه ارتفاع في وسط القصبة مع ضيق في المنخرين).
وكان الحسن عليهالسلام يشبه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من رأسه إلى صدره ، والحسين عليهالسلام يشبه من صدره إلى رجليه.
وقال السيد محسن الأمين في (الأعيان) ج ٤ ص ٩٧ : ومما يدل على جمال الحسين عليهالسلام ووضاءة وجهه وشبهه برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ما رواه البخاري في صحيحه في باب مناقب الحسن والحسين عليهالسلام بسنده عن أنس بن مالك ، قال : أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين عليهالسلام فجعل في طشت ، فجعل ينكت الرأس ، وقال في حسنه : ما رأيت مثل هذا حسنا. فقال أنس بن مالك : كان أشبههم برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. أي أشبه أهل البيت به صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وروى ابن كثير وابن عساكر عن شهاب بن خراش ، أنه كان في صوت الحسين عليهالسلام غنّة.
١٢٢ ـ نور وجهه عليهالسلام :
في (المنتخب) للطريحي ، أن الحسين عليهالسلام كان إذا جلس في المكان المظلم
__________________
(١) الكتم : نبت يخلط بالحناء ، ويخضب به الشعر فيبقى لونه.
(٢) يقال : نصل الخضاب من اللحية ، إذا بانت أصولها ، بأن مضى عليها أكثر من ثلاثة أيام ، فهي سوداء وأصل الشعر أبيض.
يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره ، كأن الذهب يجري في تراقيه. وإذا تكلم رؤي النور يخرج من بين ثناياه. ولم يكن يمرّ في طريق فتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه ، لطيب رائحته.
وإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كثيرا ما [كان] يقبّل الحسين بنحره وجبهته.
٥ ـ فضائل الحسين عليهالسلام
١٢٣ ـ بعض فضائل الحسين عليهالسلام :
فضائل الإمام الحسين عليهالسلام لا يحدها عدّ ولا حصر ، بدءا من الحسب والنسب ، وانتهاء بالسعادة والشهادة. فجده سيد الكائنات محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأمه فاطمة سيدة نساء العالمين ، وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنّة ، وهما مع جدهما وأبيهما وأمهما أصحاب الكساء ، الذين طهّرهم الله من كل رجس ، وفضّلهم على كل نفس ، فكانوا سادة الأمجاد ، وحجج الله على العباد.
يقول الشيخ عباس القمي في (نفس المهموم) : اعلم أن مناقب مولانا الحسين عليهالسلام واضحة الظهور ، وسنا شرفه ومجده مشرق النور ، فله الرتبة العالية والمكانة السامية في كل الأمور. وكيف لا يكون كذلك ، وقد اكتنفه الشرف من جميع أكنافه ، وظهرت مخايل السؤدد على شمائله وأعطافه ، وكاد الجمال يقطر من نواحيه وأطرافه!.
١٢٤ ـ وصف الإمام الحجة عليهالسلام للحسين عليهالسلام في زيارة الناحية :
قال الحجة المهدي عليهالسلام في زيارة الناحية المقدسة ، معددا بعض مناقب الحسين عليهالسلام : كنت للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ولدا ، وللقرآن سندا ، وللأمة عضدا ، وفي الطاعة مجتهدا. حافظا للعهد والميثاق ، ناكبا عن سبل الفسّاق. باذلا للمجهود ، طويل الركوع والسجود. زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ، ناظرا إليها بعين المستوحشين منها.
١٢٥ ـ فضائل مشتركة للحسين عليهالسلام :
في (مناقب ابن شهراشوب) وغيره ، قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الولد ريحانة ، وريحانتاي من الدنيا الحسن والحسين عليهالسلام».
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة».
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم فيهما : «ابناي هذان إمامان ، قاما أو قعدا».
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم فيهما : «هذان ابناي ، فمن أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني».
وروى محمّد بن أبي عمير عن رجاله ، عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : قال الحسن عليهالسلام لأصحابه : إن لله مدينتين ، إحداهما في المشرق اسمها (جابلقا) ، والأخرى في المغرب اسمها (جابرسا) ، فيهما خلق لله تعالى لم يهمّوا بمعصية له قط. والله ما فيهما حجة لله على خلقه غيري وغير أخي الحسين عليهالسلام.
فضائل الحسين عليهالسلام الخاصة
١٢٦ ـ ما علّمه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ١٤٦)
قيل للحسين عليهالسلام : ما سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟. قال سمعته يقول :
«إن الله يحبّ معالي الأمور ، ويكره سفسافها». وعقلت عنه أنه يكبّر فأكبّر خلفه ، فإذا سمع تكبيري أعاد التكبير حتّى يكبّر سبعا. وعلّمني (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) [الإخلاص : ١] ، وعلّمني الصلوات الخمس.
وسمعته يقول : «من يطع الله يرفعه ، ومن يعص الله يضعه ، ومن يخلص نيّته لله يزينه ، ومن يثق بما عند الله يغنه ، ومن يتعزز على الله يذلّه».
١٢٧ ـ حديث سلمان رضي الله عنه :
(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٢٦ ط نجف)
عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : دخلت على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وإذا الحسين عليهالسلام على فخذيه ، وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ، ويقول : «أنت سيّد ابن سيد أخو سيد ، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام ، وأنت حجة ابن حجة أخو حجة ، وأنت أبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم».
١٢٨ ـ حديث ابن عباس رضي الله عنه :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٦)
روى الخوارزمي بإسناده عن ابن عباس قال : حضرت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عند وفاته وهو يجود بنفسه ، وقد ضمّ الحسين عليهالسلام إلى صدره ، وهو يقول :
«هذا من أطائب أرومتي ، وأبرار عترتي ، وخيار ذرّيتي ؛ لا بارك الله فيمن لم يحفظه من بعدي».
قال ابن عباس : ثم أغمي على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ساعة ، ثم أفاق فقال :
«يا حسين ، إنّ لي ولقاتلك يوم القيامة مقاما بين يدي ربي وخصومة ، وقد طابت نفسي إذ جعلني الله خصما لمن قاتلك يوم القيامة».
١٢٩ ـ الحسين عليهالسلام سبط من الأسباط :
(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٣)
حدثنا الحسين بن عرفة ... عن يعلى بن مرة (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا. حسين سبط من الأسباط». أي أمّة من الأمم.
١٣٠ ـ حديث البراء بن عازب :
(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٧)
روى محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى ، ص ١٣٣) بإسناده عن البراء بن عازب (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للحسن أو للحسين عليهماالسلام : «هذا مني وأنا منه ، وهذا يحرم عليه ما يحرم عليّ».
١٣١ ـ حديث جابر بن عبد الله :
(المصدر السابق)
روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسين بن علي عليهماالسلام ، فإني سمعت ذلك من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
١٣٢ ـ أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :
وفي (القمقام) قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من أحبّ أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء ، فلينظر إلى الحسين عليهالسلام. إنما الحسين عليهالسلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه ريح الجنّة».
فكيف بمن قتله وسفك دمه وسلب أثوابه وأوطأ الخيل صدره؟!.
١٣٣ ـ الحسين عليهالسلام باب من أبواب الجنّة :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٤٥)
وروى الخوارزمي بإسناده عن عبد الله (قال) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«بي أنذرتم ، ثم بعلي بن أبي طالب اهتديتم ، وقرأ (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) [الرعد : ٧] ، وبالحسن أعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون ، وبه تشقون.
ألا وإن الحسين عليهالسلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة».
١٣٤ ـ حديث أبي بن كعب :
في (البحار) عن أبي بن كعب ، قال : دخل على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الحسين عليهالسلام فقال له : مرحبا بك يا أبا عبد الله ، يا زين السموات والأرضين!. فقال أبّي : وكيف يكون يا رسول الله زين السموات والأرضين أحد غيرك؟. فقال :
«يا أبيّ ، والذي بعثني بالحق نبيا ، إن الحسين بن علي عليهماالسلام في السماء أكبر منه في الأرضين ، وإنه لمكتوب على يمين العرش :
الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة»
وفي رواية الشيخ الصدوق :
(مصباح هدى وسفينة نجاة ، وإمام غير وهن ، وعزّ وفخر ، وعلم وذخر. وإن الله عزوجل مركّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية ، خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام ، أو يجري ماء في الأصلاب ، أو يكون ليل أو نهار).
ثم أخذ بيده ، وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أيها الناس ، هذا الحسين بن علي فاعرفوه وفضّلوه كما فضّله الله ، فو الذي نفسي بيده إنه لفي الجنّة ، ومحبّيه في الجنّة ، ومحبّي محبّيه في الجنّة».
١٣٥ ـ عوّض الله الحسين عليهالسلام عن قتله بأربع خصال :
عن حميد بن مسلم ، قال : سمعت الباقر والصادق عليهماالسلام يقولان : إن الله تعالى عوّض الحسين عليهالسلام عن قتله ، أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعدّ أيام زائريه جائيا وراجعا من عمره.
وسوف نشرح بعد قليل الخصلة الأولى (الإمامة من ذريته). أما فيما يتعلق (بفضل تربته) فنرجئ بحثه إلى آخر الموسوعة.
فضائل الحسين عليهالسلام على لسان الصحابة
١٣٦ ـ كلام عبد الله بن عمر :
(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ٢٤)
روى ابن حجر بإسناده عن العيزار بن حرب : بينا عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة ، إذ رأى الحسين عليهالسلام مقبلا ، فقال : هذا أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.
١٣٧ ـ الحسين عليهالسلام أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٢ ط نجف)
روى ابن الأثير بإسناده عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه ، قال : كنت في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو بن العاص ، فمرّ بنا الحسين عليهالسلام فسلّم عليه القوم ، فسكت عبد الله بن عمرو ، حتّى إذا فرغوا رفع عبد الله بن عمرو صوته فقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أقبل على القوم فقال : ألا أخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟. قالوا : بلى. قال : هذا هو المقتفي (يقصد الحسين) ، والله ما كلمني بكلمة من ليالي صفين ، ولأن يرضى عني أحبّ إليّ من أن تكون لي حمر النّعم.
١٣٨ ـ حكم المحرم الّذي يقتل الذباب :
(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٢)
روى البخاري من حديث شعبة ومهدي بن ميمون ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، سمعت ابن أبي نعيم ، قال : سمعت عبد الله بن عمر ، وقد سأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب؟. فقال : أهل العراق يسألون عن قتل الذباب ، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«هما ريحانتاي من الدنيا».
وروى الترمذي عن عقبة بن مكرم ، عن وهب بن جرير ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، نحوه : أن رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب (أطاهر هو أم نجس؟). فقال ابن عمر : انظروا إلى أهل العراق يسألون عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابن بنت محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ... وذكر تمام الحديث ، ثم قال :
حسن صحيح.
١٣٩ ـ حكم دم البعوض في الصلاة :
(إسعاف الراغبين للصبان ص ١٩٣)
روى البخاري والترمذي وغيرهما عن ابن عمر ، أنه سأله رجل عن دم البعوض ، طاهر أم لا؟. (وفي رواية) أنه سأله عن المحرم بالحج يقتل الذباب ، ماذا يلزمه إذا قتله؟. فقال له : ممن أنت؟. فقال : من أهل العراق. فقال : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض (وفي الرواية الثانية : عن قتل الذباب) مع حقارته ، وقد أفرطوا وقتلوا ابن نبيهم مع جلالته ، وقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «الحسنان ريحانتاي من الدنيا».
وفي رواية ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) ص ١٧٢ ط ٢ : والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «هما سيدا شباب أهل الجنّة».
رواية مشابهة عن الحسن البصري :
(الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٧٢)
وسأل أهل الكوفة مرة الحسن البصري عن دم البعوض؟. فقال : تستحلون دم الحسين عليهالسلام وتسألون عن دم البعوض؟. ما رأيت أجهل منكم!.
الإمام الحسين عليهالسلام والقرآن
١٤٠ ـ التشابه بين الحسين عليهالسلام والقرآن :
(الخصائص الحسينية ، ص ٢٠٣)
ألفّ الشيخ جعفر التستري كتابا فريدا في موضوعه ، جمع فيه كل الخصال التي اختص بها الحسين عليهالسلام ، وسمّاه (الخصائص الحسينية) نقتطف منه هذه الفقرات.
قال الشيخ جعفر التستري :
* القرآن فيه البسملة مائة وأربعة عشر مكانا ، والحسين عليهالسلام في بدنه جروح السيف مثل البسملة مائة وأربعة عشر.
* القرآن يقسّم إلى أربعة أقسام : طوال ومئين ومثاني ومفصّل (١) ، والحسين عليهالسلام أربعة أقسام : رأس على الرمح مسافر ، وجسد في كربلا مطروح ، ودم على أجنحة الطيور وفي القارورة الخضراء عند الملك ، ومفصّل من صغار أعضاء أطراف الجسد متفرقة.
* القرآن سمّاه الله مباركا ، فقال : (هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ) ، وقد سمّى الله الحسين عليهالسلام في تسميته مباركا ، في وحيه للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بلا واسطة ، فيقول :
«بورك من مولود عليه صلواتي وبركاتي ورحمتي».
* القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين ، والحسين عليهالسلام شفاء للأمراض الباطنة ، وتربته للأمراض الظاهرة ، وهو رحمة للمؤمنين ، أكثر فوزهم يكون به.
١٤١ ـ في الآيات النازلة في حق الحسين عليهالسلام في القرآن :
(المصدر السابق ، ص ٢٠٨)
يقول الشيخ جعفر التستري :
١ ـ في بيان الحمل به عليهالسلام وولادته ، وهو قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (١٥) [الأحقاف : ١٥].
__________________
(١) قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أعطيت السّبع الطوال مكان التوراة ، والمئين مكان الإنجيل ، والمثاني مكان الزبور ، وفضّلت بالمفصّل». وإليك بيان ذلك :
السبع الطوال : من البقرة إلى التوبة. المئين : بعد السبع الطوال ، وهي سبع سور تحوي كل واحدة مائة آية أو يزيد قليلا أو يقلّ ، وهي : بنو إسرائيل ـ الكهف ـ مريم ـ طه ـ الأنبياء ـ الحج ـ المؤمنون. المثاني : السور بعد المئين. المفصّل : السور القصار بعد الحواميم إلى آخر القرآن. وذكر وجه التسمية لها بالمفصل ، أن هذه السور قصيرة ، ولذلك كثر الفصل بينها بالتسمية.
ومن الثابت أن الّذي ولد لستة أشهر ، فكان حمله ورضاعه ثلاثون شهرا ، هو الحسين عليهالسلام ويحيى بن زكريا عليهالسلام.
يقول : فلو قال في الآية : (وأصلح لي ذريتي) لكانت ذريته كلهم أئمة ، ولكنه قال (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) [الأحقاف : ١٥] أي بعضهم ، وهم الأئمة الأطهار من نسل الحسين عليهالسلام.
٢ ـ في بيان خروجه من المدينة ، وهو قوله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) (٤٠) [الحج : ٣٩ ـ ٤٠].
عن الإمام الصادق عليهالسلام أن هذه الآية نزلت في علي عليهالسلام وجعفر وحمزة ، وجرت في الحسين عليهالسلام أيضا.
٣ ـ في قلة أنصاره ، وهو قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [النساء : ٧٧]. وفي هذا إشارة إلى ما عمل الحسن عليهالسلام حين كفّ يده وصالح. (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) [النساء : ٧٧] أي مع الحسين (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) [النساء : ٧٧]. وهذا إشارة إلى وقت خروج القائمعليهالسلام.
٤ ـ في مجمل بيان شهادته ومكانه وحالاته عليهالسلام ، وهي قوله تعالى : (كهيعص) (١) [مريم : ١]. وسوف نتناول شرح هذه الآية في الفصل القادم.
٥ ـ فيما نودي من الله به عند قتله عليهالسلام ، وهي قوله تعالى :
(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي) (٣٠) [الفجر : ٢٧ ـ ٣٠]. يقول الإمام الصادق عليهالسلام : يعني الحسين عليهالسلام ، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضيّة.
٦ ـ في طلب ثأره في الرجعة ، وهي قوله تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) (٣٣) [الإسراء : ٣٣]. فالحسينعليهالسلام قتل مظلوما ، ووليه الّذي سيأخذ بثأره هو الحجة القائم عليهالسلام. (فَلا يُسْرِفْ فِي) [الإسراء : ٣٣] : أي لا يقتل إلا من شرك في قتله.
٧ ـ في الانتقام له يوم القيامة ، وهي قوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (٩) [التكوير : ٨ ـ ٩]. عن الإمام الصادق عليهالسلام أنها نزلت في الحسينعليهالسلام ،
لأن الحسين عليهالسلام وعياله وأطفاله يوم عاشوراء قبل أن يستشهدوا أحاط بهم الأعداء وعزلوهم عن العالم وضيّقوا عليهم الخناق ، ومنعوهم من كل مقوّمات الحياة ، فهم كالموؤودة في التراب.
والمقصود (الْمَوْؤُدَةُ) (٨) [التكوير : ٨] : ولاية أهل البيت عليهمالسلام التي وأدها المسلمون في كربلاء ، بدون ذنب جنته. فيسألون عنها يوم القيامة ، بأي ذنب قتلوها؟!.
وفي (مناقب ابن شهراشوب) ج ٣ ص ٢٣٧ ط نجف :
عن الإمام الباقر عليهالسلام في قوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) (٨) [التكوير : ٨] يقول : يسألكم عن الموؤودة التي أنزل عليكم فضلها ، مودة ذي القربى ، وحقّنا الواجب على الناس ، وحبّنا الواجب على الخلق. قتلوا مودتنا ، بأي ذنب قتلونا؟.
جملة من مناقب الإمام الحسين عليهالسلام
سوف نسرد في هذه الفقرة باقة من مناقب الإمام الحسين عليهالسلام ، وهي تشمل محبة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم له ، ثم عبادته وسخاءه ورأفته بالفقراء وإباءه للضيم وشجاعته.
يقول الشيخ أحمد فهمي محمّد في كتابه (ريحانة الرسول : الشهيد المظلوم) : وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم شديد الحب للحسين عليهالسلام لشوق فؤاده إلى الذرية من سلالته.
١٤٢ ـ شدة حب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للحسين عليهالسلام :
(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١٠٠)
قال ابن عباس : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحب الحسين عليهالسلام ويحمله على كتفه ويقبّل شفتيه وثناياه.
ومرّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على بيت فاطمة عليهاالسلام فسمع الحسين عليهالسلام يبكي ، فقال : بنيّة سكّتيه ، ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني».
(أقول) : لم يستطع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يسمع بكاء الحسين عليهالسلام من غاية شفقته عليه ، ليت شعري فما حاله ليلة الحادي عشر من المحرم ، حين وقف عليه فرآه مقطّع الرأس ، ومبضّعا بالسيوف والنبال والرماح ، وقد قطع الجمّال يديه!.
١٤٣ ـ أيهما أحبّ إلى النبي : الحسين أم علي؟ :
(معالي السبطين للشيخ محمّد مهدي الحائري ، ج ١ ص ٨٨)
في (تظلّم الزهراء) عن كتاب (منتخب آثار أمير المؤمنين) : كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم