الدكتور لبيب بيضون
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٥
ما وجب معه عليه الطلب والخروج. فلما انعكس ذلك وظهرت أمارات الغدر فيه وسوء الاتفاق ، رام الرجوع والمكافّة والتسليم كما فعل أخوه ، فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه. فالحالان متفقان ، إلا أن التسليم والمكافّة عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه ، ولم يجب إلى الموادعة ، وطلبت نفسه فمنع منها بجهده ، حتّى مضى كريما إلى جنة الله ورضوانه ، وهذا واضح لمتأمله (انتهيكلام السيد المرتضى).
٢٨٧ ـ تعليق العلامة المجلسي : (أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٢٦)
قال المحقق المحدث المجلسي بعد نقل كلام السيد المرتضى :
وقد مضى في كتابه (الإمامة) وكتاب (الفتن) أخبار كثيرة دالة على أن كلا منهمعليهالسلام كان مأمورا بأمور خاصة ، مكتوبة في الصحف السماوية النازلة على الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم ، فهم كانوا يعملون بها. ولا ينبغي قياس الأحكام المتعلقة بهم على أحكامنا. وبعد الاطلاع على أحوال الأنبياء عليهمالسلام وأن كثيرا منهم كانوا يبعثون فرادى في ألوف من الكفرة ، ويسبّون آلهتهم ويدعونهم إلى دينهم ، ولا يبالون بما ينالهم من المكاره والضرب والحبس والقتل والإلقاء في النار ، ولا ينبغي الاعتراض على أئمة الدين في أمثال ذلك ، مع أنه بعد ثبوت عصمتهم بالبراهين والنصوص المتواترة ، لا مجال للاعتراض عليهم ، بل يجب التسليم لهم في كل ما صدر عنهم.
على أنك لو تأملت حق التأمل علمت أنه عليهالسلام فدى بنفسه المقدسة دين جدهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم تنزلزل أركان دولة بني أمية إلا بعد شهادته ، ولم يظهر للناس كفرهم وضلالتهم إلا عند فوزه بسعادته. ولو كان يسالمهم ويوادعهم كان يقوى سلطانهم ويشتبه على الناس أمرهم ، فتعود بعد حين أعلام الدين طامسة وآثار الهداية مندرسة. مع أنه قد ظهر لك من الأخبار السابقة أنه عليهالسلام هرب من المدينة خوفا من القتل.
إلى مكة ، وكذا خرج من مكة بعد ما غلب على ظنه أنهم يريدون غيلته وقتله ، حتّى لم يتيسّر له أن يتمّ حجّه ، فتحلل وخرج منها خائفا يترقب. وقد كانوا ضيّقوا عليه جميع الأقطار ولم يتركوا له موضعا للفرار.
ولقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم ، وولاه أمر الموسم ، وأمّره على الحاج كلهم ، وكان قد أوصاه بقبض
الحسين عليهالسلام سرا ، وإن لم يتمكن منه بقتله غيلة. ثم إنه دسّ مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية ، وأمرهم بقتل الحسين عليهالسلام على أي حال اتفق. فلما علم الحسين عليهالسلام بذلك حلّ من إحرام الحج وجعلها عمرة مفردة.
وقد روي بأسانيد معتبرة ، أنه عليهالسلام لما منعه محمّد بن الحنفية عن الخروج
إلى الكوفة ، قال : «والله يا أخي لو كنت في جحر هامّة من هوام الأرض ، لاستخرجوني منه حتّى يقتلونني». بل الظاهر أنه لو كان يسالمهم ويبايعهم لا يتركونه ، لشدة عداوتهم وكثرة وقاحتهم ، بل كانوا يغتالونه بكل حيلة ويدفعونه بكل وسيلة. وإنما كانوا يعرضون البيعة عليه أولا لعلمهم بأنه لا يوافقهم في ذلك. ألا ترى مروان ابن الحكم كيف كان يشير على والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه؟. وكان عبيد الله بن زياد يقول : اعرضوا عليه فلينزل على أمرنا ، ثم نرى فيه رأينا؟.
ألا ترى كيف أمنّوا مسلم بن عقيل ، ثم قتلوه؟!.
فأما معاوية فإنه مع شدة عداوته وبغضه لأهل البيت عليهمالسلام كان ذا دهاء ونكراء وحزم ، وكان يعلم أن قتلهم علانية يوجب رجوع الناس عنه وذهاب ملكه وخروج الناس عليه ، فكان يداريهم ظاهرا على كل حال. ولذا صالحه الحسن عليهالسلام ولم يتعرض له الحسينعليهالسلام. ولذا كان معاوية يوصي ولده اللعين بعدم التعرض للحسين عليهالسلام لأنه كان يعلم أن ذلك يصير سببا لذهاب دولته (انتهى كلام العلامة المجلسي).
٢٨٨ ـ لماذا خرج الحسين عليهالسلام بعياله إلى العراق؟ : (مقتل المقرم ص ١٢٥)
ان الكلمة السديدة الناضجة في وجه حمل الحسين عياله إلى العراق مع علمه بما يقدم عليه ومن معه على القتل ، هو أنه عليهالسلام لما علم بأن قتلته سوف تذهب ضياعا لو لم يتعقبها لسان ذرب (١) وجنان ثابت ، يعرّفان الأمة ضلال ابن ميسون (يزيد) وطغيان ابن مرجانة (ابن زياد) ، باعتدائهما على الذرية الطاهرة الثائرة في وجه المنكر ، ودحض ما ابتدعاه في الشريعة المقدسة.
وعرف سيد الشهداء عليهالسلام من حرائر الرسالة عليهالسلام الصبر على المكاره وملاقاة
__________________
(١) ذرب اللسان : ذو لسان حادّ. ولسان ذرب : أي فصيح.
الخطوب والدواهي بقلوب أرسى من الجبال ، فلا يفوتهن تعريف الملأ المغمور بالترّهات والأضاليل ، نتائج أعمال هؤلاء المضلين ، وما يقصدونه من هدم الدين ، وأن الشهداء أرادوا بنهضتهم مع إمامهم إحياء شريعة جده محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وفي الحقيقة لقد أدت عقائل الوحي هذه الرسالة الجوهرية الخطيرة ، بجرأة وإخلاص ، وثبات ورباطة جأش ، رغم تفاقم الخطب وعظم المصيبة وقساوة المحنة .. فهاهي عقيلة الوحي زينب عليهاالسلام أخت الحسين عليهالسلام تقف بجرأة وحزم أمام ابن زياد الجبار المتهور ، تفرغ عن لسان أبيها ، تقول له بكلام أنفذ من السهم ، وتلقمه حجرا وهي تقول :
«هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم ، فانظر لمن الفلج (أي الفوز) ثكلتك أمك يابن مرجانة». ثم لا ننسى خطبها في الكوفة ومواقفها في الشام عليهاالسلام.
وها هي فاطمة بنت الحسين وأم كلثوم وسكينة عليهمالسلام يتحدثن بمثل ما تحدثت به عمتهن زينب عليهاالسلام ، في ذلك الموقف الرهيب المحفوف بسيوف الخسف والغدر والجور ، فما يستطيع أحد أن يتفوه بكلمة واحدة مهما أوتي من الجرأة والثبات والصمود ، ومهما بلغ من القوة والمنعة والمنزلة ، فكيف بهنّ وقد أعلنّ للملأ أجمع عن كل موبقات ابن ميسون وابن مرجانة.
هذا على أنه وإن وضع الله الجهاد ومكافحة الأعداء عن المرأة وأمرها بلزوم بيتها ، فذاك فيما إذا قام بتلك المكافحة غيرها من الرجال ، وأما إذا توقف إقامة الحق عليها فقط ، بحيث لولا قيامها لدرست أسس الشريعة وذهبت الغاية من تضحية الصفوة ، كان الواجب القيام به.
ينتج من هذا أن جهاد العقيلات في معركة كربلاء كان في طرف موازنة مع جهاد الشهداء.
وجاء في (اللهوف) ص ٤٧ : ومما يمكن أن يكون سببا لحمل الحسين عليهالسلام عياله ، أنه إن تركها بالحجاز أو غيرها من البلاد ، كان يزيد بن معاوية قد أنفذ ليأخذهن إليه ، وصنع بهن من الاستئصال وسيّئ الأعمال ، ما يمنع الحسين من الجهاد والشهادة.
٥ ـ هل ألقى الحسين عليهالسلام بيده إلى التهلكة؟
٢٨٩ ـ هل عرّض الحسين عليهالسلام نفسه للتهلكة؟ :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩)
يقول السيد عبد الرزاق المقرّم عن استشهاد الأئمة عليهمالسلام :
وليس في إقدامهم على الشهادة إعانة على إزهاق نفوسهم القدسية وإلقائها في التهلكة الممنوع منه بنص الذكر المجيد ، فإن الإبقاء على النفس والحذر من إيرادها مورد الهلكة إنما يجب إذا كان مقدورا لصاحبها أو لم يقابل بمصلحة أهمّ من حفظها. وأما إذا وجدت هنا لك مصلحة تكافىء تعريض النفس للهلاك ، كما في الجهاد والدفاع عن النفس ، مع العلم بتسرب القتل إلى فئة من المجاهدين ، فيجب عندها بذل النفس والتضحية بها. ولقد أمر الله الأنبياء والمرسلين والمؤمنين فمشوا إليه قدما موطّنين أنفسهم على القتل وكم فيهم سعداء ، وكم من نبي قتل في سبيل دعوته ولم يبارح قوله دعوته حتّى أزهقت نفسه الطاهرة!. وقد تعبّد الله طائفة من بني إسرائيل بقتل أنفسهم فقال : (إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ) [البقرة : ٥٤].
وقد أثنى سبحانه على المؤمنين في إقدامهم على القتل والمجاهدة في سبيل تأييد الدعوة الإلهية ، فقال تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) [التوبة : ١١١] وقال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) [البقرة : ٢٠٧] وقال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١٦٩) [آل عمران : ١٦٩].
٢٩٠ ـ التعبّد بالقتل أسمى درجات السعادة ، وليس هو إلقاء إلى التهلكة :
(اللهوف للسيد ابن طاووس ، ص ١٢)
يقول السيد ابن طاووس : ولعل بعض من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة ، يعتقد أن الله لا يتعبّد بمثل هذه الحالة. أما سمع في القرآن الصادق المقال ، أنه تعبّد قوما بقتل أنفسهم ، فقال تعالى : (إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) [البقرة : ٥٤] أنه هو القتل ، وليس الأمر كذلك ، وإنما التعبد به من أبلغ درجات السعادة.
ثم يعرض تفسير آية التهلكة بما ذكره الإمام الصادق عليهالسلام ، وهو أن بعض الصحابة تخلّفوا عن نصرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأقاموا في بيوتهم لإصلاح أحوالهم ، فنزلت الآية : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥] ومعناه : إن تخلّفتم عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأقمتم في بيوتكم ألقيتم بأيديكم إلى التهلكة وسخط الله عليكم فهلكتم. وليست هذه الآية في رجل يحرّض على العدو أو يطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء الثواب والآخرة.
٢٩١ ـ دفع شبهة : هل ألقى الحسين عليهالسلام بنفسه إلى التهلكة؟ :
(الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٣٦)
يقول السيد نعمة الله الجزائري :
واعلم أن جماعة من مخالفينا أورد واهنا شبهة ، بل وربما قاله بعض الجهال فينا ، وهو أن الحسين عليهالسلام كان عالما بأن يجري عليه ما جرى قبل مسيره إلى العراق ، فلم سار إليها حتّى صار كالمعين على نفسه؟. وهذه شبهة ركيكة ، والجواب عنها من وجوه :
الوجه الأول : أن الإمام إذا وجد الأعوان وجب عليه القيام بأمر الجهاد ، ولا يجوز له التقاعد عنه لظنه بهم الخذلان له ، كما لم يجز للأنبياء عليهمالسلام ترك الجهاد لهذه المظنّة ، بل قاموا بالدعوة حتّى أصيبوا من الأمة بالمصائب العظام ، كما وقع لأولي العزم وغيرهم ، استتماما لحجة الله تعالى على الخلائق.
الوجه الثاني : أنه عليهالسلام لو لم يسر إلى العراق لما تركوه ، ولو ذهب إلى المكان البعيد ، مصداقا لقوله عليهالسلام لأخيه محمّد بن الحنفية ، حين نصحه بأن يلحق بالرمال من اليمن حتّى ينظر بواطن أهل العراق ، فقال له : يا أخي نعم ما رأيت من الصلاح ، ولكن هؤلاء القوم ما يسكتون عن طلبي أينما ذهبت حتّى يسفكوا دمي ، فعند ذلك يلبسهم الله ذلّ الدنيا والآخرة.
الوجه الثالث : أن الأنبياء والأئمة عليهمالسلام قد خصّهم الله تعالى بأنواع من التكاليف ، فلعل هذا ـ وهو الإلقاء إلى التهلكة ـ منها ، نظرا إلى الحكم والمصالح الإلهية.
فإن قلت : كيف لم يبايع ليزيد حتّى لا يصل إليه الضرر ، كما بايع أخوه الحسنعليهالسلام؟ قلت : هذا مجرد كلام ، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. وذلك
أنه عليهالسلام رأى أخاه الحسن عليهالسلام لما سالم معاوية ، وكيف فعل به أولا ، وكيف غدر به آخرا ، حتّى قتله مسموما. فما كان يصنع ابنه يزيد مع الحسين عليهالسلام إلا أسوأ من هذا ، لأن معاوية كان فيه الدهاء ، وما كان يتجرأ على قتل الحسين عليهالسلام ظاهرا ، ولهذا أوصى عند موته ليزيد ، أنك [إن] تظفر بالحسين عليهالسلام فلا تقتله ، واذكر فيه القرابة من رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم.
٢٩٢ ـ بين هجرة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وهجرة السبط عليهالسلام :
(من وحي الثورة الحسينية لهاشم معروف الحسني ، ص ٣١)
يقول السيد هاشم معروف الحسني :
هناك هجرتان من أجل الإسلام ورسالة الإسلام :
الأولى منهما : كانت فرارا من الموت الّذي استهدف رسالة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم بشخصه ، وقد نفّذها الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم بأمر من ربه ، ليتابع رسالته وينقذها من مشركي مكة وجبابرة قريش وعلى رأسهم أبو سفيان.
والثانية : قام بها سبطه الزكي الحسين بن علي عليهالسلام ولكنها كانت للشهادة ، بعد أن أدرك أن الأخطار المحدقة برسالة جده ، لا يمكن تفاديها وتجاوزها إلا بشهادته.
لقد هاجر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من مكة إلى المدينة لأجل رسالته ، بعد أن تآمرت قريش على قتله لتتخلص منها ، لأن بقاءها وانتشارها مرهون بحياته ، وبعد أن وجدت أن جميع وسائل العنف التي استعملتها معه خلال ثلاثة عشر عاما لم تغير من موقفه شيئا ، كما لم تجدها جميع الاغراءات والعروض السخية. وكان ردّه الأخير على عروض أبي سفيان وأبي جهل ومغرياتهما أن قال : «والله لو وضعتم الشمس في يميني ، والقمر في شمالي ، على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتّى يحكم الله أو أهلك دونه».
وظل الحزب الأموي بقيادة أبي سفيان وأبنائه يتحيّن الفرص ويستغل المناسبات ليجهض على الإسلام وعلى قادة الإسلام ، بعد أن عملوا بكل جهدهم لإفراغ الإسلام من مضمونه الحقيقي واتخاذه أداة ظاهرية للوصول إلى الحكم.
وحين عادت الجاهلية تعصف برياحها على بلاد الإسلام ، وتلقي بظلها على المسلمين ، سطع ضوء في الظلام ومن بين ركام الإسلام المتداعي ، وأضاءت للملأ
ملامح أمل جديد في دياجي ذلك الظلام المطبق ، وبدا للعالم إنسان يخطّ على التراب بدمه هذه الكلمات :
«ألا وإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما».
إنه الحسين ، ابن علي وفاطمة الزهراء عليهمالسلام سبط ذلك الرسول الّذي هاجر [الهجرة الأولى] من مكة إلى المدينة ، لأجل رسالته ولا نقاذها من الشرك والوثنية. جاء يهاجر [الهجرة الثانية] لأجل نفس الرسالة ولانقاذها من الشذوذ والانحراف والجور والفساد. خرج من مدينة جده محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى عاصمة أبيه الكوفة ، خرج مهاجرا لإحياء دين جده ورسالته ، وإيقاظ الآمال في نفوس الفقراء والمستضعفين ، الذين باتوا يساقون كالأنعام بيد الولاة والحكام.
ولقد رضي الحسين عليهالسلام أن يقدّم نفسه وأهله قربانا لهذه الرسالة ، حين رأى الموت والشهادة أحلى إلى قلبه من العقد الّذي يزيّن جيد الفتاة ، وحين أدرك أن لا عزّة ولا كرامة إلا بالجهاد والفداء.
لقد هاجر الحسين عليهالسلام من مدينة جده صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أرض الشهادة والخلود ، ليقدّم دمه الزكي ودماء إخوته وأنصاره ثمنا لإحياء شريعة جده محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وإنقاذها من الضياع والاندثار.
وهكذا كانت نهضة الحسين عليهالسلام الامتداد الطبيعي لرسالة جده محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وجهاد الحسين عليهالسلام امتدادا لجهاد جده وأبيه عليهالسلام ، مصداقا لقول النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم :
«حسين مني وأنا من حسين». فعقيدة الحسين هي من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ورسالة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تحيى وتبقى بالحسين عليهالسلام.
٦ ـ معالم النهضة المقدسة
٢٩٣ ـ ثلاثة مشاعل من رسالة الحسين عليهالسلام :
(مجلة الإسلام في معارفه وفنونه للشيخ حبيب آل إبراهيم ، بعلبك ،
السنة العاشرة ، العدد الأول ، نيسان ١٩٦٨)
ماهي رسالة الحسين عليهالسلام؟ ...
تعال نسأل عنها الإمام الحسين نفسه ...
في يوم شهادته بالذات رفع الشهيد شعارات ثلاثة ،
كانت خير عنوان للرسالة التي خرج يؤديها بدمه ،
ودم الشهداء الذين معه.
هذه الشعارات هي : المسؤولية ـ التصميم ـ العزّة.
١ ـ المسؤولية :
قال الإمام الحسين عليهالسلام : «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ... فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين».
هذه الكلمات مشاعل ، تضيء الطريق للسالكين ، بها يحدد سيد الشهداء أغراض نهضته : إنه لم يخرج طمعا بمنصب ولا عن انحراف ، إنما خرج يطلب الإصلاح في دين جده خاتم الرسل صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يريد أمرا بمعروف ونهيا عن منكر.
ها هنا مشعل!. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إنه المسؤولية ؛ مسؤولية المسلم عن عقيدته وممارستها.
ولقد كان أبو عبد الله الحسين عليهالسلام حيثما سار وثار ، نموذجا مثاليا للمسلم حين تحيق بعقيدته الآفات والأخطار.
ثم قال الحسين عليهالسلام : «فمن قبلني بقبول الحق ، فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر ، حتّى يحكم الله ، وهو خير الحاكمين».
إنه ينادي : أيها الناس لا يكن ميزان قبولكم إياي شخصي ، إنما اقبلوني لأني أمثّل حقا. فمن قبلني فإنما يقبل الحق ، ومن ردّ عليّ فإنما يردّ على الحق ... هكذا ترتفع المبادئ فوق الأشخاص. وحينذاك تضيع النفوس وحاجاتها ، ويبقى المبدأ هو القائم البارز. ونعم ، يبقى الشخص بمقدار ما يمثّل من مبدأ.
٢ ـ التصميم :
وقال عليهالسلام : «ألا وإن الدعيّ ابن الدعيّ ، قد ركز بين اثنتين : بين السّلةّ والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام».
ها هو الحسين عليهالسلام يعلن تصميمه على أداء رسالته ، وأنه لن يتراجع. وأنه يؤثر أن يموت ميتة الكرام في سبيل الرسالة ، على أن يطيع اللئام .. ولكن لماذا؟. من أين ينبع هذا التصميم؟.
من الله ورسوله ، ومن تربيته ، ومن نفسه. فلا الله يرضى له التراجع ولا رسوله ، ولا حقّ من ربّوه ، ولا نفسه.
مزيج من الدوافع ، لا أشمل ولا أكمل : الدين والتربية والنفسية. كلها تدفعه لأن يعلنها صريحة مدوّية : أنه لن يتراجع عن أداء رسالته ، ولو كلّفه ذلك مصرعه ... والدين في المقدمة.
وهذا مشعل!. الدين حافز لا يرضى التراجع ، ولا يقبل بأنصاف الحلول.
٣ ـ العزّة :
ثم قال عليهالسلام : «لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد».
كلمات تنضح بالعزة ...
إنه لن يسكت ذليلا ، ولن يسكت عبدا ... والمنحرفون يريدونه ذليلا وعبدا معا. ولو أنه ذل واستعبد لربما أنالوه ما يرضيه ؛ ولكنه عزّ ، وإذ عزّ ثار ... ولكم تكلّف.
العزة غاليا ... (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون : ٨].
وهذا مشعل!. الإيمان عزّ ، ولا ذلّ مع الإيمان.
٧ ـ أهداف نهضة الحسين عليهالسلام
* مدخل :
قبل أن يسير الحسين عليهالسلام من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ، دعا بدواة وبياض وكتب وصية تاريخية لأخيه محمّد بن الحنفية. وهذه الوصية هي أفضل وثيقة صادرة عن صاحب النهضة ، يوضح فيها بجلاء أهداف نهضته المباركة ، يقول فيها :
«إني لم أخرج أشرا (أي فرحا) ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن
المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وسيرة أبي علي بن أبي طالب عليهالسلام. فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاكمين».
ففي هذه الوثيقة يبيّن الحسين عليهالسلام ما يلي :
١ ـ أن نهضته ليس غرضها السلطان والدنيا وما يلازمها من الفرح والبطر ، ولا الإفساد والظلم.
٢ ـ أن نهضته تنطلق من مبدأ وجوب الإصلاح لكل فاسد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
٣ ـ أن غايته الأولى والأخيرة إحقاق الحق الّذي أبطله المتحكمون والمبطلون ، المتمثل بسيرة جده محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبيه علي عليهالسلام.
٤ ـ أنه سوف يعمل جاهدا لتطبيق مبادئه السامية مستعينا بأنصار الحق ، وسوف يبذل في سبيل ذلك كل غال ورخيص ، ويصبر على تنفيذ ذلك ولو ضحّى بنفسه وما يملك.
والحسين عليهالسلام رغم علمه بمصيره وشهادته ، التي وصلت حدّ الاشتهار ، إلا أنه كان يعمل وفق تكليفه الشرعي المبني على ظواهر الأمور.
٢٩٤ ـ هدفان رئيسيان للنهضة :
(الوثائق الرسمية لثورة الحسين لعبد الكريم الحسيني القزويني ، ص ١٢)
لو تصفحنا الوثائق الأولى لقائد هذه الثورة ـ الحسين عليهالسلام ـ لرأيناها تحمل الهدفين التاليين :
١ ـ الثورة على حكم يزيد ، أي تغيير الجهاز الحاكم.
٢ ـ إقامة الشريعة الاسلامية وتطبيقها ، في مقابل المخالفات التي أشاعها الحكام آنذاك.
٢٩٥ ـ الحسين عليهالسلام فاتح وليس مغامرا : (مقتل الحسين للمقرم ، ص ٥٦)
كان الحسين عليهالسلام يعتقد في نهضته أنه فاتح منصور ، لما في شهادته من إحياء دين الرسول وإماتة البدعة وتفظيع أعمال المناوئين وتفهيم الأمة أنه أحق بالخلافة من غيره ، وإليه يشير في كتابه إلى بني هاشم :
«من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلفّ لم يبلغ الفتح» (١).
فإنه عليهالسلام لم يرد بالفتح إلا ما يترتب على نهضته وتضحيته من نقض دعائم الضلال وكسح أشواك الباطل عن الشريعة المطهرة ، وإقامة أركان العدل والتوحيد ، وأن الواجب على الأمة القيام في وجه المنكر.
وهذا معنى كلمة الإمام زين العابدين عليهالسلام لإبراهيم بن طلحة بن عبيد الله
لما سأله حين رجوعه إلى المدينة : «من الغالب؟». فقال السجّاد عليهالسلام : إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم ، تعرف الغالب! (٢).
فإنه يشير إلى تحقّق الغاية التي ضحّى سيد الشهداء بنفسه القدسية من أجلها ، وفشل يزيد بما سعى له من إطفاء نور الله تعالى ومحو ذكر أهل البيت عليهمالسلام ، وما أراده أبوه من نقض مساعي الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وإمائة الشهادة له بالرسالة ، بعد أن كان الواجب على الأمة في أوقات الصلوات الخمس الإعلان بالشهادة لنبي الإسلام ، ذلك الّذي هدم صروح الشرك وأبطل عبادة الأوثان. كما وجب على الأمة الصلاة على النبي وعلى آله الطاهرين في التشهدين ، وأن الصلاة عليه بدون الصلاة على آله : بتراء (٣).
كما أن العقيلة زينب عليهاالسلام أشارت إلى هذا الفتح بقولها ليزيد : «فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا يرحض عنك عارها وشنارها».
تصريحات الفيلسوف الألماني ماربين
٢٩٦ ـ أسرار شهادة الحسين عليهالسلام للفيلسوف الألماني (ماربين):
(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ٥٢)
قال الحكيم الألماني ماربين في كتابه (السياسة الإسلامية) من جملة كلام طويل :
لا يشك صاحب الوجدان إذا دقّق النظر في أوضاع ذاك العصر ، وكيفية نجاح بني
__________________
(١) كامل الزيارات ، ص ٧٥ ؛ وبصائر الدرجات للصفار ، ج ١٠ ص ١٤١.
(٢) أمالي الشيخ الطوسي.
(٣) الصواعق المحرقة ، ص ٨٧.
أمية في مقاصدهم واستيلائهم على جميع طبقات الناس وتزلزل المسلمين ، أن الحسين قد أحيا بقتله دين جده وقوانين الإسلام. ولو لم تقع تلك الواقعة ، ولم تظهر تلك الحسّيات الصادقة بين المسلمين لأجل قتل الحسين ، لم يكن الإسلام على ماهو عليه الآن قطعا ، بل كان من الممكن ضياع رسومه وقوانينه حيث كان يومئذ حديث العهد.
عزم الحسين عليهالسلام على إنجاح هذا المقصد وإعلان الثورة ضد بني أمية من يوم توفي والده ، فلما قام يزيد مقام معاوية خرج الحسين عليهالسلام من المدينة ، وكان يظهر مقصده العالي ، ويبث روح الثورة في المراكز الإسلامية المهمة كمكة والعراق وأينما حل ، فازدادت نفرة قلوب المسلمين ، التي هي مقدمة الثورة على بني أمية ، ولم يكن يجهل يزيد مقاصد الحسين عليهالسلام ، وكان يعلم أن الثورة إذا أعلنت في جهة والحسين قائدها مع تنفر المسلمين عموما من حكومة بني أمية وميل القلوب وتوجه الانظار إلى الحسين عليهالسلام ، عمّت جميع البلدان ، وفي ذلك زوال ملكهم وسلطانهم ، فعزم يزيد قبل كل شيء من يوم بويع على قتل الحسين عليهالسلام. ولقد كان هذا أعظم خطأ سياسي صدر من بني أمية ، فجعلهم نسيا منسيا ولم يبق منهم أثر ولا خبر.
وأعظم الأدلة على أن الحسين عليهالسلام أقدم على قتل نفسه ولم تكن من غرضه سلطنة ولا رئاسة ، هو أنه مضافا إلى ما كان عليه من العلم والسياسة والتجربة التي وقف عليها زمن أبيه وأخيه في قتال بني أمية ، كان يعلم أنه مع عدم تهيئة الأسباب له واقتدار يزيد ، لا يمكنه المقاومة والغلبة.
وكان يقول من يوم توفي والده إنه يقتل وأعلن يوم خروجه من المدينة أنه يمضي إلى القتل ، وأظهر ذلك لأصحابه والذين أتبعوه من باب إتمام الحجة ، حتى يتفرق الذين التفوا حوله طمعا بالدنيا ، وطالما كان يقول «وخير لي مصرع أنا لاقيه». ولو لم يكن قصده ذلك ولم يكن عالما عامدا ، لجمع الجنود ولسعى في تكثير أصحابه وزيادة استعداده ، لا أن يفرق الذين كانوا معه. ولكن لما لم يكن له قصد إلا القتل مقدمة لذلك المقصد العالي ، وإعلان الثورة المقدسة ضد يزيد ، رأى أن خير الوسائل إلى ذلك (الانفراد والمظلومية) ، فإنّ أثر هذه المصائب أشد وأكثر في القلوب.
من الظاهر أن الحسين عليهالسلام مع ما كانت له من المحبوبية في قلوب المسلمين
في ذلك الزمان ، لو كان يطلب قوة واستعدادا لأمكنه أن يخرج إلى حرب يزيد جيشا جرارا ، ولكنه لو صنع ذلك لكان قتله في سبيل السلطة والإمارة ، ولم يفز (بالمظلومية) التي انتجت تلك الثورة العظيمة. هذا هو الذي جعله لا يبقي معه إلا الذين لا يمكن انفكاكهم عنه ، كأولاده وإخوانه وبني أخوته وبني أعمامه وجماعة من خواص أصحابه ، حتى أنه أمر هؤلاء أيضا بمفارقته ، ولكنهم أبوا عليه ذلك ، وهؤلاء أيضا كانوا من المعروفين بين المسلمين بجلالة القدر وعظم المنزلة وقتلهم معه مما يزيد في عظم المصيبة وأثر الوقعة. نعم إن الحسين عليهالسلام بمبلغ علمه وحسن سياسته بذل كمال جهده في إفشاء ظلم بني أمية وإظهار عداوتهم لبني هاشم وسلك في ذلك كل طريق.
ولما كان يعلم الحسين عليهالسلام عداوة بني أمية له ولبني هاشم ، ويعرف أنهم بعد قتله يأسرون عياله وأطفاله ـ وذلك يؤيد مقصده ويكون له أثر عظيم في قلوب المسلمين سيما العرب كما قد وقع ـ حملهم معه وجاء بهم من المدينة.
نعم إن ظلم بني أمية وقساوة قلوبهم في معاملاتهم مع حرم محمد وصباياه أثّر في قلوب المسلمين تأثيرا عظيما لا ينقص عن أثر قتله وأصحابه. ولقد أظهر في عمله هذا عقيدة بني أمية في الإسلام وسلوكهم مع المسلمين سيما ذراري نبيهم. لهذا كان الحسين يقول في جواب أصحابه والذين كانوا يمنعونه عن هذا السفر : «إني أمضي إلى القتل» ولما كانت أفكار المانعين محدودة وأنظارهم قاصرة لا يدركون مقاصد الحسين عليهالسلام العالية ، لم يألوا جهدهم في منعه ، وآخر ما أجابهم به أن قال لهم «شاء الله ذلك وجدي أمرني به». فقالوا إن كنت تمضي إلى القتل فما وجه حملك النسوة والأطفال ، فقال : «إن الله شاء أن يراهن سبايا». ولما كان الحسين بينهم رئيسا روحانيا لم يكن لهم بدّ من السكوت.
ومما يدل على أنه لم يكن له غرض إلا ذلك المقصد العالي الذي كان في نفسه ، ولم يتحمل تلك المصائب لسلطنة وإمارة ولم يقدم على هذا الخطر من غير علم ودارية ـ كما تصوره بعض المؤرخين منا ـ أنه قال لبعض ذوي النباهة قبل الواقعة بأعوام كثيرة ، على سبيل السلوة : إنه بعد قتلي وظهور تلك المصائب المحزنة ، يبعث الله رجالا يعرفون الحق من الباطل ، يزورون قبورنا ، ويبكون على مصابنا ، ويأخذون بثأرنا من أعدائنا ، أولئك جماعة ينشرون دين الله وشريعة جدي ، وأنا وجدي نحبهم وهو يحشرون معنا يوم القيامة. وليتأمل المتأمل في كلام
الحسين عليهالسلام وحركاته يرى أنه لم يترك طريقا من السياسة إلا سلكه في إظهار شنائع بني أمية وعداوتهم القلبية لبني هاشم ومظلومية نفسه ، وهذا مما يدل على حسن سياسته وقوة قلبه وتضحية نفسه ، في طريق الوصول إلى المقصد الذي كان في نظره ، حتى أنه في آخر ساعات حياته عمل عملا حير عقول الفلاسفة ، ولم يصرف نظره عن ذلك المقصد العالي مع تلك المصائب المحزنة والهموم المتراكمة وكثرة العطش والجراحات ، وهو قصة (عبد الله الرضيع). فلما كان الحسين عليهالسلام يعلم أن بني أمية لا يرحمون له صغيرا رفع طفله الصغير تعظيما للمصيبة على يده أمام القوم وطلب منهم أن يأتوه بشربة من الماء فلم يجيبوه إلا بالسهم.
ويغلب على الظن أن غرض الحسين عليهالسلام من هذا العمل تفهيم العالم بشدة عداوة بني أمية لبني هاشم وأنها إلى أي درجة بلغت. ولا يظن أحد أن يزيد كان مجبورا على تلك الأعمال المفجعة لأجل الدفاع عن نفسه ، لأن قتل الطفل الرضيع في تلك الحال بتلك الكيفية ، ليس هو إلا توحش وعداوة سبعية ، منافية لقواعد كل دين وشريعة ، ويمكن أن تكون هذه الفاجعة كافية لافتضاح بني أمية ورفع الستار عن قبائح أعمالهم ونياتهم السيئة بين العالم ، سيما المسلمين ، وأنهم يخالفون الإسلام في حركاتهم بل يسعون بعصبية جاهلية إلى إبادة آل محمد وجعلهم أيدي سبأ.
ونظرا لتلك المقاصد العالية التي كانت في نظر الحسين عليهالسلام مضافا إلى وفور علمه وسياسته التي كان لا يشك فيها اثنان لم يرتكب أمرا يوجب إجبار بني أمية للدفاع عن أنفسهم ، حتى أنه مع ذلك النفوذ والاقتدار الذي كان له في ذلك العصر لم يسع في تسخير البلاد الإسلامية وضمها إليه ولا هاجم ولاية من ولايات يزيد إلى أن حاصروه في واد غير ذي زرع ، قبل أن تبدو منه أقل حركة عدائية أو تظهر منه ثورة ضد بني أمية ... لم يقل الحسين عليهالسلام سأكون ملكا أو سلطانا أو أصبح صاحب سلطة. نعم كان يبث روح الثورة في المسلمين بنشره شنائع بني أمية واضمحلال الدين إن دام ذلك الحال ، وكان يخبر بقتله ومظلوميته وهو مسرور. ولما حوصر في تلك الأرض القفراء أظهر لهم من باب إتمام الحجة بأنهم لو تركوه لرحل بعياله وأطفاله وخرج من سلطة يزيد ، ولقد كان لهذا الإظهار الدال على سلامة نفس الحسين عليهالسلام في قلوب المسلمين غاية التأثير.
لقد قتل قبل الحسين عليهالسلام ظلما وعدوانا كثير من الرؤساء الروحانيين وأرباب
الديانات وقامت الثورة بعد قتلهم بين تابعيهم ضد الأعداء ، كما وقع مكررا في بني إسرائيل ، وقصة يحيى من أعظم الحوادث التاريخية ، ومعاملة اليهود مع المسيح لم ير نظيرها إلى ذلك العهد ، ولكن واقعة الحسين عليهالسلام فاقت الجميع ... لم يرشدنا التاريخ إلى أحد من الروحانيين وأرباب الديانات أنه أقدم على قتل نفسه عالما عامدا لمقاصد عالية لا تنجح إلا بقتله ، فإن كل واحد من أرباب الديانات الذين قتلوا ، ثار عليهم أعداؤهم وقتلوهم ظلما ، وبمقدار مظلوميتهم قامت الثورة بعدهم ، ومقاصد الحسين عليهالسلام كانت على علم وحكمة وسياسة وليس لها نظير في التاريخ ، فإنه لم يزل يوالي السعي في تهيئة أسباب قتله نظرا لذلك المقصد العالي ، ولم نجد في التاريخ رجلا ضحّى بحياته عالما عامدا لترويج ديانته من بعده إلا الحسين عليهالسلام.
المصائب التي تحمّلها الحسين عليهالسلام في طريق إحياء دين جده تفوق على مصائب أرباب الديانات السابقين ، ولم ترد على أحد منهم. نعم إن هناك رجالا قتلوا في طريق إحياء الدين ولكنهم لم يكونوا كالحسين ، فإنه ضحّى بنفسه العزيزة في طريق إحياء دين جده وفداه بأولاده وإخوانه وأقربائه وأحبابه وأمواله وعياله ، ولم تقع هذه المصائب دفعة واحدة حتى تكون في حكم مصيبة واحدة ، بل وقعت متوالية واحدة بعد أخرى ، ويختص الحسين عليهالسلام دون غيره بتواتر أمثال هذه المصائب كما يشهد له التاريخ.
لم تنته المصائب التي وردت على الحسين عليهالسلام من قتله وقتل أصحابه وتسيير نسائه وبناته ، إلا وانكشف الغطاء عن سرائر بني أمية وقبائح أعمالهم ، وظهرت بين المسلمين الحسيات السياسية ، وتوطدت أسباب الثورة ضد سلطنة يزيد وبني أمية ، وعلم الجميع أن بني أمية مخربو الإسلام ، وصار الجميع يرفض بدعهم وتقولاتهم ، وعرفوا بالظلم والغصب ، بالعكس من بني هاشم فإنهم عرفوا بالمظلومية وأن لهم الرئاسة الروحانية بالاستحقاق ، وإليهم تنمى الحقيقة الروحانية.
كأن المسلمين بعد قتل الحسين عليهالسلام قد دخلوا في دور جديد وظهرت الروحانية الإسلامية بأجلى مظاهرها وتجددت بعد أن كانت مندرسة غائبة عن أذهان المسلمين ... وكما أنه لا يشك اثنان في تفوق مصائب الحسين عليهالسلام على جميع مصائب روحاني السلف ، فكذلك لا يشك في الثورة التي حدثت بعده بأنها فاقت جميع الثورات السالفة وأن امتدادها وأثرها أكثر ، وأن بها ظهرت للعالم (مظلومية
آل محمد) .. فكانت أولى نتائج هذه الثورة اختصاص الرئاسة الروحانية التي لها أهمية عظمى في عالم السياسة ببني هاشم ، وخصوصا في أولاد الحسين عليهالسلام (فكان منهم أئمة الشيعة) ونظرة عموم المسلمين إلى بني هاشم سيما أولاد الحسين نظرهم إلى الروحانيين. ولم يطل العهد حتى نزعت تلك السلطة من بني أمية وزالت السلطة والقدرة من آل يزيد في أقل من قرن ، واندرست آثارهم على وجه لم يبق منهم عين ولا أثر. وأينما ذكرت أسماؤهم في متون الكتب قرنها المسلمون بكلمة الشماتة ، وكل ذلك نتيجة سياسة الحسين الذي يمكن أن يقال إنه لم يأت في أرباب الديانات والروحانيين رجل عرف عواقب الأمور مع بعد نظر وحسن سياسة كالحسين عليهالسلام.
قبل أن تصل سبايا الحسين إلى الشام قامت الثورة ضد يزيد وظهرت بمظلومية الحسين سرائر بني أمية ، وكشف الغطاء عن نياتهم وتوجه اللوم على يزيد حتى من أهل بيته وحرمه (١). وصار يزيد يسمع تقديس الحسين عليهالسلام وأولاد علي وعظمتهم ومظلوميتهم بعد أن لم يكن يمكن ذكرهم عنده بخير. وكان يصعب عليه ذلك إلا أنه لم يكن له بدّ غير السكوت ، ولما أراد تبرئة نفسه من تلك الأعمال ألقى المسؤولية على عماله ولم يزل يسمع محامد الحسينعليهالسلام. قال يزيد ذات يوم : إن سلطنة الحسين كانت أهون عليّ من هذا المقام العالي الذي فاز به آل علي وبنو هاشم.
وأخيرا فشيعة الحسين عليهالسلام لم يزالوا يستفيدون من هذه الثورات ، وتزيد قوة بني هاشم وعظمتهم حتى لم يمض أقل من قرن إلا وصارت السلطنة الإسلامية الوسيعة في بني هاشم من دون مزاحم ، وأبادوا بني أمية على وجه لم يبق منهم اسم ولا رسم. (انتهى كلام ماربين).
__________________
(١) قال السيد عبد الرزاق المقرم في مقتله صفحة ٢٠ : ولقد فشا الانكار على يزيد حتى من حريمه وأهل بيته ، حتى أن زوجته هند بنت عمرو بن سهيل وكان زوجة عبد الله بن عامر بن كريز ، فأجبره معاوية على طلاقها لرغبة يزيد فيها ... فإنها لما أبصرت الرأس مصلوبا على باب دارها ، والأنوار النبوية تتصاعد منه إلى عنان السماء ، وشاهدت الدم يتقاطر طريا ويشم منه رائحة طيبة ، عظم مصابه في قلبها فلم تتمالك أن دخلت على يزيد في مجلسه مهتوكة الحجاب وهي تصيح : رأس ابن بنت رسول الله مصلوب على دارنا. فقام إليها وغطاها وقال لها : أعولي على الحسين فإنه صريخة بني هاشم ، عجّل عليه ابن زياد .. قصد بذلك تعمية الامر وإبعاد السبة عنه وذلك بإلقاء التبعة على عامله ..
إنها لكلمات حرة صادقة جاءت على لسان رجل غربي مدقق مطّلع. ومن المؤسف أن نرى أمثال هذا الفيلسوف من الغربيين أشد إنصافا ودفاعا عن الحق ، حتى من علماء العرب أنفسهم (وإن تتولّوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) صدق الله العظيم.
٢٩٧ ـ مختصر ما حصل للحسين عليهالسلام حتّى مقتله :
(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢٠٧)
يقول السيوطي : فأما ابن الزبير فلم يبايع ، ولا دعا إلى نفسه.
وأما الحسين عليهالسلام فكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية ، وهو يأبى. فلما بويع يزيد أقام على ما هو مهموما ، يجمع الإقامة مرة ، ويريد المسير إليهم أخرى. فأشار عليه ابن الزبير بالخروج.
وكان ابن عباس يقول له : لا تفعل.
وقال له ابن عمر : «لا تخرج ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خيّره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة. وإنك بضعة منه ، ولا تنالها (أي الدنيا).
(وفي رواية تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ، ج ٢ ص ٣٥٧) : «لا ينالها أحد منكم ، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير ، فأبى».
واعتنقه [ابن عمر] وبكى ، وقال : أستودعك الله من قتيل!. فكان ابن عمر يقول : غلبنا حسين بالخروج ، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة.
وكلّمه في ذلك أيضا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وأبو واقد الليثي وغيرهم ، فلم يطع أحدا منهم.
وصمم على المسير إلى العراق. فقال له ابن عباس : والله إني لأظنك ستقتل بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان ، فلم يقبل منه. فبكى ابن عباس وقال : أقررت عين ابن الزبير.
وبعث أهل العراق إلى الحسين عليهالسلام الرسل والكتب يدعونه إليهم ، فخرج من مكة إلى العراق في عشر ذي الحجة ، ومعه طائفة من آل بيته ، رجالا ونساء وصبيانا.
فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله ، فوجّه إليه جيشا من أربعة آلاف ، عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فخذله أهل الكوفة ، كما هو شأنهم مع
أبيه من قبله. فلما رهقه السلاح عرض عليهم الاستسلام والرجوع ، والمضي إلى يزيد فيضع يده في يده [هذه الدعوى مغلوطة من وضع الإعلام الأموي] فأبوا إلا قتله!. فقتل وجيء برأسه في طست ، حتّى وضع بين يدي ابن زياد ؛ لعن الله قاتله ، وابن زياد معه ويزيد أيضا.
ويتابع السيوطي حديثه فيقول : وكان قتله بكربلاء. وفي قتله قصة فيها طول ، لا يحتمل القلب ذكرها ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقتل معه ستة عشر رجلا من أهل بيته ...
ولما قتل الحسين عليهالسلام وبنو أمية ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد ، فسرّ بقتلهم أولا ، ثم ندم لمّا مقته المسلمون على ذلك ، وأبغضه الناس ، وحقّ لهم أن يبغضوه. اه
٨ ـ ثمرات النهضة الحسينية
٢٩٨ ـ نهضة الحسين عليهالسلام تحقق أهدافها القريبة والبعيدة ، ثمرات نهضة الحسينعليهالسلام :
(الأئمة الاثنا عشر لعادل الأديب ، ص ١٣٦)
لقد استطاعت ثورة الحسين عليهالسلام أن تحقق من قيامها الثمرات التالية :
١ ـ وضع الحدّ الفاصل أمام الجماهير ، بين الإسلام الصحيح والحكم الأموي الخادع ، وتحطيم الإطار الديني المزيّف الّذي كان الأمويون يحيطون به سلطانهم ، وبيان مدى بعده عن الدين.
٢ ـ الشعور بالإثم : ولّد استشهاد الحسين عليهالسلام المفجع في كربلاء في ضمير كل مسلم استطاع أن ينصره فلم ينصره ، بعد أن عاهده على الثورة .. ولّد فيهم الشعور بالإثم ، ولزوم التكفير عن ذلك التقصير.
ولقد قدّر لهذا الشعور بالإثم أن يظل دائم الأوار ، حافزا دائما إلى الثورة والانتقام ، من رؤوس الفتنة والانحراف ، وقدّر له أن يدفع الناس إلى الثورات على الأمويين والظالمين كلما سنحت الفرصة.
٣ ـ تنمية الروح النضالية في الإنسان المسلم ، وتحطيم كل الحواجز النفسية والاجتماعية التي حالت دون الثورة.
ولكي نخرج بفكرة واضحة عن مدى تأثير ثورة الحسين عليهالسلام في بعث روح الثورة والنضال في المجتمع الإسلامي ، يحسن بنا أن نلاحظ أن هذا المجتمع خلال عشرين عاما من مقتل الإمام علي عليهالسلام وحتى ثورة الحسين عليهالسلام أخلد إلى السكون ولم يقم بأي ثورة أو احتجاج جدّي جماعي على ألوان الاضطهاد والظلم والقتل وسرقة أموال الأمة ، التي كان يقوم بها الأمويون وأعوانهم ، بل خلد إلى الخنوع والنوم والتسليم.
أما بعد ثورة الحسين عليهالسلام واستشهاده ، فقد اندلعت الثورات على يد الجماهير وتوثّبت الروح النضالية فيهم ، وبدؤوا يبحثون عن زعيم يقودهم لنزع قيد الخنوع والاستسلام ، وإرجاع الحياة والحركة للإسلام. ونلاحظ هذه الروح الثورية في كل الثورات التي حملت شعار الثأر لدم الحسين عليهالسلام والتي هي في واقعها تثأر لكرامة الإسلام والمسلمين.
٢٩٩ ـ ثورات على خطّ الحسين عليهالسلام : (المصدر السابق ، ص ١٣٩)
ونجمل هنا ذكر بعض هذه الثورات :
١ ـ ثورة التوابين : التي اندلعت في الكوفة بقيادة الصحابي سليمان بن صرد الخزاعي ، وكانت ردّ فعل مباشر لمقتل الحسين عليهالسلام ، وانطلقت من مبدأ الشعور بالإثم والتقصير في نصرة الحسين عليهالسلام. وكانت سنة ٦٥ ه.
٢ ـ ثورة أهل المدينة : وكانت تهدف إلى تقويض سلطان الأمويين الظالم اللاإسلامي ، وقد بدأت هذه الثورة بطرد حاكم يزيد من المدينة ، ومعه كل الأمويين وعددهم ألف شخص. فكان من نتيجة ذلك أن بعث يزيد بالمجرم السفّاك مسلم بن عقبة المرّي ، الّذي اشتهر باسم (مسرف) من شدة ما أسرف في قتل أهل المدينة من أبناء الصحابة والتابعين. وقد سبى المدينة ثلاثة أيام ، حتّى أن جيشه افتضّ ألف فتاة عذراء من بنات الصحابة الأجلاء.
٣ ـ ثورة المختار الثقفي : الّذي خرج من العراق طالبا الأخذ بالثأر من قتلة الحسين عليهالسلام ، وذلك سنة ٦٦ ه. فتتبّع المختار قتلة الحسين عليهالسلام وآله ، وقتلهم ومثّل بهم. فقتل منهم في يوم واحد مائتين وثمانين رجلا ، حتّى قتل منهم الآلاف. ولم ينج منه أحد ، حتّى عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وأضرابهم.
٤ ـ ثورة ابن الأشعث : وفي سنة ٨١ ه ثار عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث على الحجاج في العراق ، وخلع عبد الملك بن مروان. وقد استمرت ثورته إلى سنة ٨٣ ه ، وأحرزت انتصارات عسكرية ، ثم قضى عليها الحجاج بمساعدة جيوش شامية.
٥ ـ ثورة الشهيد زيد بن علي : وفي سنة ١٢٢ ه ثار في الكوفة على طغيان الأمويين زيد بن علي ، وهو ابن الإمام زين العابدين عليهالسلام. ولكن سرعان ما أخمدت ثورته ، وقتل وصلب رحمهالله.
وكان من نتيجة هذه الثورات تقويض ملك بني أمية خلال تسعين سنة ، وقد كان يتوقع له أن يستمر مئات السنين.
فلسفة الابتلاء
٣٠٠ ـ الدنيا دار ابتلاء :
(الأنوار النعمانية للسيد نعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٣٦)
يقول السيد نعمة الله الجزائري : اعلم أيّدك الله أن البلاء إنما كتب على المؤمن ، وأن الدنيا ليست بدار ثواب ولا بدار عقاب ، لم يرض سبحانه بأن يجعل ثواب المؤمن فيها ولا عقاب الكافر فيها ، وذلك لقلة أيامها ونقصان الأعمار فيها ، ومن ثم بعث الدواهي والمصائب فيها إلى أحبابه وأقاربه.
ولا مصيبة مثل مصيبة مولانا الحسين عليهالسلام ، فإنها هدّت أركان الدين وصدّعت قواعد الشرع المبين ، وأبكت الأجفان وأقرحت القلوب. ولعمري إنها المصيبة التي يتسلى بها المؤمن عن كل مصاب ، والداهية المنسية له مفارقة الخلان والأحباب.
٣٠١ ـ المؤمن أشدّ ابتلاء :
(المنتخب للطريحي ، ص ١٦٨)
روي أن رجلا جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فوقف بين يديه ، فقال : يا رسول الله إني أحب الله عزوجل ، فقال : استعدّ للبلاء!. فقال : يا رسول الله وإني أحبك ، فقال له : استعدّ للفقر!. فقال : وإني أحبّ علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فقال : استعدّ لكثرة الأعداء!.