الدكتور لبيب بيضون
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٥
٨١٩ ـ خبر ابن حوزة : (مناقب آل أبي طالب ، ج ٣ ص ٢١٤ ط نجف)
عن ابن بطّة في (الإبانة) وابن جرير في تاريخه : أن ابن حوزة نادى الحسين عليهالسلام ، فقال : يا حسين أبشر ، فقد تعجّلت النار في الدنيا قبل الآخرة. قال : ويحك أنا!. قال : نعم. قال : ولي رب رحيم ، وشفاعة نبي مطاع. الله م إن كان عبدك كاذبا فجرّه (أو : فحزه) إلى النار. قال : فما هو إلا أن ثنى عنان فرسه ، فوثب فرمى به ، وبقيت رجله في الركاب ، ونفر الفرس فجعل يضرب برأسه كل حجر وشجر ، حتّى مات.
(وفي رواية) : الله م جرّه إلى النار ، وأذقه حرّها في الدنيا قبل مصيره إلى الآخرة. فسقط عن فرسه في الخندق ، وكان فيه نار. فسجد الحسين عليهالسلام.
(وفي كامل ابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٨٩) :
فقال عليهالسلام : الله م حزه إلى النار. فغضب ابن حوزة من دعاء الحسين عليهالسلام وكان بينه وبين الحسين نهر ، فعلقت قدمه بالركاب ، وجالت به الفرس فسقط عنها ، فانقطعت فخذه وساقه وقدمه ، وبقي جنبه الآخر متعلقا بالركاب ، يضرب به كل حجر وشجر ، حتّى مات.
٨٢٠ ـ اهتداء مسروق بن وائل الحضرمي : (المصدر السابق)
وكان مسروق بن وائل الحضرمي قد خرج معهم ، وقال : لعلّي أصيب رأس الحسينعليهالسلام ، فأصيب به منزلة عند ابن زياد!. فلما رأى ما صنع الله بابن حوزة بدعاء الحسين عليهالسلام رجع ، وقال : لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئا ، لا أقاتلهم أبدا.
يقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني في (الوثائق الرسمية) ص ١٦٤ :
وانتهت هذه الواقعة بشقاوة ابن حوزة ، وكرامة للحسين عليهالسلام ، وهداية لابن وائل ، فهي شقاوة وكرامة وهداية.
٨٢١ ـ تميم بن الحصين الفزاري يتوعد الحسين عليهالسلام بعدم ذوق الماء :
(أمالي الشيخ الصدوق ، ص ١٣٤ ط بيروت)
ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له : تميم بن الحصين الفزاري ، فنادى : يا حسين ويا أصحاب الحسين ، أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيّات! والله لا ذقتم منه قطرة حتّى تذوقوا الموت جزعا. فقال الحسين عليهالسلام :
من الرجل؟. فقيل : تميم بن حصين. فقال الحسين عليهالسلام : هذا وأبوه في النار. الله م اقتل هذا عطشا في هذا اليوم. فخنقه العطش ، حتّى سقط عن فرسه ، فوطئته الخيل بسنابكها فمات.
٨٢٢ ـ محمّد بن الأشعث ينفي قرابة الحسين عليهالسلام للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ودعاء مولانا الحسين عليه ، فمات بادي العورة :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٤٩)
ثم رفع الحسين عليهالسلام صوته وقال : الله م إنا أهل بيت نبيك وذريته وقرابته ، فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقنا ، إنك سميع قريب. فسمعها محمّد بن الأشعث ، فقال : يا حسين وأي قرابة بينك وبين محمّد؟ فقال الحسين : الله م إن محمّد بن الأشعث يقول إنه ليس بيني وبين رسولك قرابة ، الله م فأرني فيه هذا اليوم ذلا عاجلا .. فما كان بأسرع من أن تنحّى محمّد بن الأشعث وخرج من المعسكر ، فنزل عن فرسه وإذا بعقرب سوداء خرجت من بعض الحجرة فضربته ضربة تركته متلوثا في ثيابه مما به.
(وفي لواعج الأشجان ، ص ١٥١) أن محمّدا بن الأشعث قال : يا حسين أي حرمة لك من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليست لغيرك؟. فتلا الحسين عليهالسلام : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) [آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤]. ثم قال : وإن محمدا لمن آل إبراهيم.
ثم رفع الحسين عليهالسلام رأسه إلى السماء فقال : الله م أر محمدا بن الأشعث ذلا في هذا اليوم لا تعزّه بعده أبدا. فعرض له عارض ، فخرج من المعسكر يتبرّز ، فسلّط الله عليه عقربا فلدغته ، فمات بادي العورة.
(وفي رواية ابن شهراشوب في المناقب ، ج ٣ ص ٢١٥ ط نجف) :
فبرز ابن الأشعث للحاجة ، فلسعته عقرب على ذكره ، فسقط وهو يستغيث ، ويتقلّب على حدثه.
ترجمة محمّد بن الأشعث
(أسرة الغدر)
(وسيلة الدارين في أنصار الحسين ، ص ٨٧)
والده الأشعث بن قيس الكندي.
روى ابن عبد البرّ في (الاستيعاب) وابن حجر العسقلاني في (الإصابة) قال : إن الأشعث بن قيس أسلم في زمان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم ارتدّ بعده. فأسره أبو بكر ، فرجع إلى الإسلام ، وزوّجه أبو بكر أخته أم فروة ، فولدت منه محمّد بن الأشعث الّذي قاتل الحسينعليهالسلام يوم كربلاء.
وقد كان الأشعث في صفوف الإمام علي عليهالسلام يدّعي نصرته وينافق لمعاوية. وكان له دور في صفين في تأليب الناس ضدّ الإمام عليهالسلام لقبوله التحكيم ، ليخلق الفتنة بين المسلمين.
وعن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «إن الأشعث كان من مشاوري عبد الرحمن بن ملجم المرادي في قتل الإمام علي عليهالسلام ، وسمّت بنته جعدة الإمام الحسن عليهالسلام ، وقاتل ابنه الخبيث محمّد بن الأشعث الإمام الحسين عليهالسلام يوم الطف». فيا لها من عائلة مجرمة.
خطبة الحسين الأولى يوم عاشوراء
٨٢٣ ـ نسبه ومكانته من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٧٨)
ثم دعا الحسين عليهالسلام براحلته فركبها ، ونادى بصوت عال يسمعه جلّهم :
أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حقّ لكم عليّ ، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم. فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي ، وأعطيتموني النّصف من أنفسكم ، كنتم بذلك أسعد ، ولم يكن لكم عليّ سبيل ، وإن لم تقبلوا مني العذر ولم تعطوا النّصف من أنفسكم (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) (٧١) [يونس : ٧١]. (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (١٩٦) [الأعراف : ١٩٦].
ثم حمد الله وأثنى عليه وصلّى على محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى الملائكة والأنبياء ، وقال في ذلك ما لا يحصى ذكره ، ولم يسمع متكلم قبله ولا بعده أبلغ منه في منطقه (١) ثم قال :
الحمد لله الّذي خلق الدنيا ، فجعلها دار فناء وزوال ، متصرّفة بأهلها حالا بعد حال. فالمغرور من غرّته ، والشقيّ من فتنته. فلا تغرّنكم هذه الدنيا ، فإنها تقطع رجاء من ركن إليها ، وتخيّب طمع من طمع فيها. وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم ، وأعرض بوجهه الكريم عنكم ، وأحلّ بكم نقمته ، وجنّبكم رحمته ، فنعم الربّ ربّنا ، وبئس العبيد أنتم. أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم!. لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم. فتّبا لكم ولما تريدون. إنا لله وإنا إليه راجعون. هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعدا للقوم الظالمين (٢).
فقال ابن سعد : ويلكم كلّموه ، فإنه ابن أبيه. والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انقطع ولما حصر.
فتقدم شمر فقال : يا حسين ما هذا الّذي تقول؟. أفهمنا حتّى نفهم.
(وفي سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٣٠١) :
«فقال عليهالسلام : لا تعجلوا ، والله ما أتيتكم حتّى أتتني كتب أماثلكم ، بأنّ السّنّة قد أميتت ، والنفاق قد نجم ، والحدود قد عطّلت ، فاقدم لعل الله يصلح بك الأمة ، فأتيت. فإذ كرهتم ذلك ، فأنا أرجع».
ثم قال عليهالسلام : أيها الناس ، انسبوني من أنا ، ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ، وانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟. ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيّه وابن عمه ، وابن أول المؤمنين بالله والمصدّق لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبما جاء به من عند ربه؟. أوليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟. أو ليس جعفر الطيار عمي؟. أو لم
__________________
(١) أورد المقرم في مقتله هذه الفقرة نقلا عن الطبري ج ٦ ص ٢٤٢ ، ولم يوردها الخوارزمي في مقتله.
(٢) أورد المقرم هذه الفقرة نقلا عن مقتل محمّد بن أبي طالب ، وأوردها الخوارزمي ج ١ ص ٢٥٢ ليلة العاشر وليس يوم عاشوراء. كما أوردها ابن شهراشوب في مناقبه ج ٣ ص ٢٤٩ ط نجف.
يبلغكم قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لي ولأخي : هذان سيّدا شباب أهل الجنة؟. (وفي رواية أبي مخنف : وقوله إني مخلّف فيكم الثّقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي؟). فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحق ، فوالله ما تعمّدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ، ويضرّ به من اختلقه. وإن كذّبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم .. سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، وأبا سعيد الخدري ، وسهيل بن سعد الساعدي ، والبراء بن عازب (١) ، وزيد بن أرقم ، وأنس بن مالك ، يخبرونكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لي ولأخي. أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي (٢)؟.
ـ مقاطعة الشمر لخطبة الحسين عليهالسلام :
فقال الشمر : هو يعبد الله على حرف (٣) إن كان يدري ما تقول!. فقال له حبيب: والله إني أراك تعبد الله على سبعين حرفا (٤) ، وأنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك.
(وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٣) :
«فناداه شمر : الساعة ترد الهاوية. فقال الحسين عليهالسلام : الله أكبر. أخبرني جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : «رأيت كأن كلبا ولغ في دماء أهل بيتي». وما إخالك إلا إياه.
فقال شمر : أنا أعبد الله على حرف [أي على شبهة] إن كنت أدري ما تقول».
(وفي مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥٣) :
«فقال الشمر للحسين عليهالسلام : يا حسين بن علي ، أنا أعبد الله على حرف إن كنت
__________________
(١) البراء بن عازب مذكور في مقتل ابن نما خاصة ، وتجد ترجمته فيما يأتي.
(٢) أورد أبو مخنف هذه الفقرة في مقتله ص ٥٤ قبل يوم عاشوراء. وكذلك الخوارزمي في مقتله ج ١ ص ٢٥٣ بتحريف بسيط.
(٣) قال تعالى في سورة الحج الآية ١١ : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ، فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ ، خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ، ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ). وتفسيرها : أنّ من الناس من يعبد الله على ضعف ، كضعف القائم على حرف أي على طرف جبل. وقيل على حرف : أي على شك. وقيل من يعبد الله بلسانه دون قلبه ، فإن أصابه خير اطمأن به ، وإن أصابه بلاء واختبار انقلب على وجهه.
(٤) يعبد الله على سبعين حرفا : أي هائم في طرق الضلال والشبهات ، يعبد الله على سبعين شبهة.
أدري ما تقول. فسكت الحسين عليهالسلام. فقال حبيب بن مظاهر للشمر : يا عدو الله وعدو رسوله ، إني لأظنك تعبد الله على سبعين حرفا ، وأنا أشهد أنك لا تدري ما يقول ، فإن الله تبارك وتعالى قد طبع على قلبك.
فقال له الحسين عليهالسلام : حسبك يا أخا بني أسد ، فقد قضي القضاء وجفّ القلم والله بالغ أمره. والله إني لأشوق إلى جدي وأبي وأمي وأخي وأسلافي ، من يعقوب إلى يوسف وأخيه ، ولي مصرع أنا لاقيه».
ثم قال الحسين عليهالسلام : فإن كنتم في شكّ من هذا القول ، أفتشكّون أني ابن بنت نبيكم؟. فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري ، فيكم ولا في غيركم .. ويحكم أتطلبوني بقتيل فيكم قتلته ، أو بمال استهلكته ، أو بقصاص من جراحة؟. فأخذوا لا يكلمونه.
ثم نادى : يا شبث بن ربعي ويا حجّار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ويا زيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إليّ أن اقدم ، فقد أينعت الثمار واخضرّ الجناب ، وإنما تقدم على جند لك مجنّدة؟!. فقالوا : لم نفعل. قال عليهالسلام : سبحان الله ، بلى والله لقد فعلتم.
(وفي رواية تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٢ ط ٢ نجف) :
«أنه نادى : يا شبث بن ربعي ، ويا حجّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ، ويا زيد بن الحرث ، ويا فلان ويا فلان ، ألم تكتبوا إليّ؟. فقالوا : ما ندري ما تقول!.
وكان الحر بن يزيد اليربوعي من ساداتهم ، فقال له : بلى والله لقد كاتبناك ، ونحن الذين أقدمناك ، فأبعد الله الباطل وأهله».
ثم قال عليهالسلام : أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمن من الأرض. فقال له قيس بن الأشعث : ما ندري ما تقول ، ولكن انزل على حكم بني عمك ، فإنهم لن يروك إلا ما تحب ، ولن يصل إليك منهم مكروه. فقال له الحسين عليهالسلام : أنت أخو أخيك ، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد (١). (وفي رواية : ولا أقرّ إقرار العبيد).
__________________
(١) مثير الأحزان لابن نما ، ص ٢٦.
ثم نادى : يا عباد الله (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) (٢٠) [الدخان : ٢٠]. أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب (١).
ترجمة البراء بن عازب
هو البراء بن عازب بن الحرث بن عدي الأنصاري الأوسي ، يكنى أبا عامر. صحابي ابن صحابي. استصغر يوم بدر ، وشهد أحدا. وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليهالسلام. قال أبو عمرو بن عبد البر في (الاستيعاب) : شهد مع علي عليهالسلام الجمل وصفين والنهروان ، ثم نزل الكوفة ومات بها أيام مصعب بن الزبير سنة ٧٢ ه.
وقال العلامة الحلي : البراء بن عازب مشكور بعد إذ أصابته دعوة أمير المؤمنين عليهالسلام في كتمان حديث غدير خم ، فأصابه البرص والعمى ، كما أصاب أنس بن مالك أيضا.
وروى الشيخ المفيد في (الإرشاد) قال : إن عليا قال للبراء ذات يوم : يا براء يقتل ابني الحسين وأنت حي لا تنصره!. فلما قتل الحسين عليهالسلام كان البراء يقول : صدق والله علي بن أبي طالب ، قتل الحسين ولم أنصره ، ثم أظهر الحسرة على ذلك والندم.
ترجمة زيد بن أرقم
هو زيد بن أرقم بن قيس الأنصاري الخزرجي. صحابي مشهور. أول مشاهده الخندق ، ثم شهد ما بعده. وهو الّذي رفع إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قول عبد الله بن أبي : (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ ، لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) فكذّبه عبد الله بن أبي وحلف ، فأنزل الله تعالى تصديق زيد بن أرقم وتكذيب عبد الله بن أبي ، وذلك في سورة المنافقين. قال أبو عمرو بن عبد البر في (الإستيعاب) : سكن زيد بن أرقم الكوفة ، وبنى دارا في بني كندة. وشهد مع علي عليهالسلام صفين ، وهو معدود في خاصته.
__________________
(١) أورد أبو مخنف في مقتله هذا الكلام ص ٥٥ وذلك يوم عاشوراء.
وذكر الشيخ المفيد في (الإرشاد) : أنه لما وصل رأس الحسين عليهالسلام ووصل ابن سعد إلى الكوفة من غد يوم وصوله ، ومعه بنات الحسين عليهالسلام وأهله ، جلس ابن زياد في قصر الإمارة وأذن للناس إذنا عاما ، وأمر بإحضار الرأس ، فوضع بين يديه ، فجعل ينظر إليه ويبتسم وبيده قضيب يضرب به ثناياه عليهالسلام. وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله ، وهو شيخ كبير. فلما رآه يضرب ثناياه بالقضيب ، قال : ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين ، فو الله الّذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله عليهما ما لا أحصيه كثرة يقبّلهما ، ثم انتحب باكيا. فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك ، أتبكي لفتح الله!. لو لا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ، لضربت عنقك. فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار إلى منزله.
وعن زيد بن أرقم أنه قال : مرّ برأس الحسين عليهالسلام وهو على رمح وأنا في غرفة لي في الكوفة ، فلما حاذاني سمعته يقرأ :
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) فوقف والله شعري وناديت : رأسك والله يابن رسول الله وأمرك أعجب وأعجب.
وتوفي زيد بن أرقم سنة ست أو ثمان وستين ٦٨ للهجرة.
٨٢٤ ـ نصيحة زهير بن القين لأهل الكوفة وملا سنته مع الشمر :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٨٣)
وخرج إليهم زهير بن القين على فرس ذنوب [أي ذي ذنب وافر] وهو شاك في السلاح ، فقال : يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله (وفي رواية : نذار عباد الله). إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم ، ونحن حتّى الآن إخوة على دين واحد ما لم يقع بيننا وبينكم السيف. وأنتم للنصيحة منا أهل ، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة ، وكنا أمة وأنتم أمة. إن الله ابتلانا وإياكم بذرية نبيه محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم لينظر ما نحن وأنتم عاملون. إنا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية يزيد وعبيد الله بن زياد ، فإنكم لا تدركون منهما إلا سوء عمر سلطانهما ، ليسملان أعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ، ويمثّلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل ، ويقتلان أماثلكم
وقرّاءكم ، أمثال حجر بن عدي وأصحابه وهانئ بن عروة وأشباهه ... فسبّوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له وقالوا : لا نبرح حتّى نقتل صاحبك ومن معه ، أو نبعث به وبأصحابه إلى عبيد الله بن زياد سلما. فقال زهير : عباد الله ، إن ولد فاطمة أحق بالودّ والنصر من ابن سميّة ، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم. فخلّوا بين هذا الرجل وبين يزيد ، فلعمري إنه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين عليهالسلام. فرماه شمر بسهم ، وقال : اسكت أسكت الله نأمتك (١) أبرمتنا بكثرة كلامك. فقال زهير : يابن البوّال على عقبيه ما إياك أخاطب ، إنما أنت بهيمة. والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين ، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فقال الشمر : إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة. فقال زهير : أفبالموت تخوّفني ، فو الله للموت معه أحبّ إليّ من الخلد معكم (٢). ثم أقبل على القوم رافعا صوته وقال : عباد الله لا يغرّنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه ، فو الله لا تنال شفاعة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم قوما أهرقوا دماء ذريته وأهل بيته ، وقتلوا من نصرهم وذبّ عن حريمهم. فناداه رجل من أصحابه ، إن أبا عبد الله يقول لك : أقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح قومه وأبلغ في الدعاء ، فلقد نصحت هؤلاء وأبلغت ، لو نفع النصح والإبلاغ (٣).
٨٢٥ ـ نصيحة برير بن خضير لأصحاب عمر بن سعد :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٥٢)
فقال الحسين عليهالسلام لبرير بن خضير : كلّم القوم يا برير وانصحهم. فتقدم برير حتّى وقف قريبا من القوم ، والقوم قد زحفوا إليه عن بكرة أبيهم ، [ونادى : يا معشر الناس إن الله بعث محمدا (بالحق) بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله (بإذنه) وسراجا منيرا. وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه ، وقد حيل بينه وبين ابن بنت رسول الله ، أفجزاء محمّد هذا؟. فقالوا : يا برير قد أكثرت الكلام فاكفف عنا ، فو الله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله (٤)]. فقال لهم برير : يا هؤلاء اتقوا
__________________
(١) النأمة : الصوت. وأسكت الله نأمته : أي أماته.
(٢) أورد أبو مخنف في مقتله نظير هذا الكلام ، ص ٥٦.
(٣) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٣.
(٤) مقتل المقرم ص ٢٨٥ ، ولم يوردها الخوارزمي.
الله فإن ثقل محمّد قد أصبح بين أظهركم ، هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه ، فهاتوا ما عندكم وما الّذي تريدون أن تصنعوا بهم؟. فقالوا : نريد أن نمكّن منهم الأمير عبيد الله بن زياد فيرى رأيه فيهم. فقال برير : أفلا ترضون منهم أن يرجعوا إلى المكان الّذي أقبلوا منه؟!. ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم إليه وعهودكم التي أعطيتموها من أنفسكم وأشهدتم الله عليها وكفى بالله شهيدا. ويلكم دعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم من دونهم ، حتّى إذا أتوكم أسلمتموهم لعبيد الله ، وحلّأتموهم [أي طردتموهم ومنعتموهم] عن ماء الفرات الجاري ، وهو مبذول يشرب منه اليهود والنصارى والمجوس ، وترده الكلاب والخنازير!. بئسما خلّفتم محمدا في ذريته. ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة ، فبئس القوم أنتم. فقال له نفر منهم : يا هذا ما ندري ما تقول. فقال برير : الحمد لله الّذي زادني فيكم بصيرة. الله م إني أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم. الله م ألق بأسهم بينهم حتّى يلقوك وأنت عليهم غضبان (١).
فجعل القوم يرشقونه بالسهام ، فرجع برير إلى ورائه.
خطبة الحسين الثانية يوم عاشوراء
٨٢٦ ـ وفيها يستنهض الناس لنصرته ويبدي سخطه على أهل الكوفة :
ورد في (الفاجعة العظمى) ص ٦٧ :
روي في (المناقب) بإسناده عن عبد الله بن محمّد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده عن عبد الله ، قال :
لما عبأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين عليهالسلام رتّبهم مراتبهم وأقام الرايات في مواضعها ، وعبأ أصحاب الميمنة والميسرة ، وقال لأهل القلب : اثبتوا. وأحاطوا بالحسينعليهالسلام من كل جانب حتّى جعلوه في مثل الحلقة.
(وفي لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٣١ ط ٤) :
ثم ركب الحسين عليهالسلام ناقته ، وقيل فرسه ، وخرج إلى الناس ، فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا حتّى قال لهم : ويلكم ما عليكم أن تنصتوا لي فتسمعوا قولي ، وإنما
__________________
(١) مقتل المقرم ص ٢٨٥ و ٢٨٦ عن البحار ، ج ١٠ عن محمّد بن أبي طالب.
أدعوكم إلى سبيل الرشاد ، فمن أطاعني كان من المرشدين ، ومن عصاني كان من المهلكين ، وكلكم عاص لأمري غير مستمع قولي ، فقد ملئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم. ويلكم ألا تنصتون؟! ألا تسمعون؟!. فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم ، فقالوا : أنصتوا له. فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله وصلى على محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى الملائكة والأنبياء والرسل ، وأبلغ في المقال ، ثم قال :
تبّا (١) لكم أيتها الجماعة وترحا (٢) أحين استصرختمونا والهين (٣) (وفي رواية : ولهين متحيّرين) فأصرخناكم موجفين (٤) (مؤدّين (٥) مستعدّين) سللتم علينا سيفا لنا (في رقابنا) في أيمانكم ، وحششتم (٦) علينا نارا قدحناها (أجّجناها) على عدونا وعدوكم ، فأصبحتم إلبا (٧) على أوليائكم ويدا عليهم لأعدائكم ، بغير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، إلا الحرام من الدنيا أنالوكم ، وخسيس عيش طمعتم فيه. من غير حدث كان منا ، ولا رأي تفيّل لنا (٨). فهلا لكم الويلات ، إذ كرهتمونا وتركتمونا ، تجهّزتموها (٩) والسيف مشيم (١٠) (لم يشهر) والجأش طامن (١١) والرأي لمّا يستحصف (١٢) (يستحصد). ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدّبا (١٣) وتداعيتم إليها كتداعي (كتهافت) الفراش ، فسحقا (فقبحا) لكم يا عبيد
__________________
(١) التبّ : الهلاك.
(٢) التّرح : الهم.
(٣) الوله : الحزن.
(٤) موجفين : مسرعين في العدو.
(٥) مؤدّين : متهيئين مناصرين.
(٦) حششتم : أوقدتم.
(٧) إلبا : أي مجتمعين.
(٨) تفيّل رأيه : أخطأ وضعف.
(٩) الضمير للحرب أو الفتنة ، والتجهّز : التهيّؤ.
(١٠) مشيم : مغمد.
(١١) طامن : مطمئن.
(١٢) استحصف : استحكم.
(١٣) الدّبا : أول ما يكون الجراد قبل أن يطير ، ثم يكون غوغاء إذا هاج بعضه في بعض ، ثم يكون كتفانا ثم يصير خيفانا ثم يكون جرادا. ويضرب المثل بالدبا لكثرته.
الأمّة (فإنما أنتم من طواغيت الأمّة) وشذّاذ الأحزاب (١) ، ونبذة الكتاب ، ونفثة الشيطان ، وعصبة الآثام ، ومحرّفي الكتاب (الكلم) ، ومطفئي السّنن ، وقتلة أولاد الأنبياء ، ومبيدي عترة الأوصياء ، وملحقي العهّار (٢) بالنسب ، ومؤذي المؤمنين ، وصراخ أئمة المستهزئين ، الذين جعلوا القرآن عضين (٣) ولبئس ما قدّمت لهم أنفسهم ، وفي العذاب هم خالدون. وأنتم ابن حرب وأشياعه تعضدون (أهؤلاء تعضدون) وعنّا تخاذلون. أجل والله الخذل فيكم معروف (الغدر فيكم قديم) ، وشجت عليه أصولكم ، وتأزّرت عليه فروعكم (وشجت عليه عروقكم ، وتوارثته أصولكم وفروعكم) ، وثبتت عليه قلوبكم ، وغشيت صدوركم ، فكنتم أخبث ثمر (شيء) شجا للناظر (٤) وأكلة للغاصب. (ألا لعنة الله على الناكثين ، الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها) ، وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ، فأنتم والله هم.
ألا وإن الدّعيّ ابن الدعيّ (٥) قد ركز بين اثنتين : السّلّة (٦) أو الذلّة ، وهيهات منا الذلّة (وهيهات منا أخذ الدنيّة) ، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون ، وجدود (وحجور) طابت ، وحجور (وحجز) طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر (من أن تؤثر) طاعة اللئام على مصارع الكرام. ألا قد أعذرت وأنذرت ، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد (العتاد) وكثرة العدو ، وخذلان الناصر (وخذلة الأصحاب).
ثم وصل صلىاللهعليهوآلهوسلم كلامه بأبيات فروة بن مسيك المرادي ، وهو صحابي مخضرم ، فقال:
فإن نهزم فهزّامون قدما |
|
وإن نغلب فغير مغلبّينا |
وما إن طبّنا (٧) جبن ولكن |
|
منايانا ودولة آخرينا |
إذا ما الموت رفّع عن أناس |
|
كلاكله (٨) أناخ بآخرينا |
__________________
(١) الشذّاذ : الذين يكونون في القوم وليسوا من قبائلهم.
(٢) العهر : الفجور.
(٣) عضين : مفرّق.
(٤) شجا : مصدر بمعنى الحزن والهم.
(٥) المقصود به : عبيد الله ابن زياد.
(٦) السّلة : أي استلال السيوف.
(٧) الطّب : العادة.
(٨) الكلكل : الصدر.
فأفنى ذلكم سروات قومي |
|
كما أفنى القرون الأولينا |
فلو خلد الملوك إذا خلدنا |
|
ولو بقي الكرام إذا بقينا |
فقل للشامتين بنا أفيقوا |
|
سيلقى الشامتون كما لقينا |
ثم قال : أما والله لا تلبثون بعدها إلا كريث (١) ما يركب الفرس ، حتّى تدور بكم دور الرحى (٢) وتقلق بكم قلق المحور (٣). عهد عهده إليّ أبي عن جدي (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) (٧١) [يونس : ٧١](ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ، ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) «هود ٥٦» (٤).
اللهم احبس عنهم قطر السماء ، وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف ، وسلّط عليهم غلام ثقيف (٥) يسقيهم كأسا مصبّرة ، ولا يدع فيهم أحدا إلا قتله ، قتلة بقتلة ، وضربة بضربة ، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم (٦) ، فإنهم غرّونا وكذّبونا وخذلونا ، وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير (٧).
٨٢٧ ـ مقاصد الإمام الحسين عليهالسلام يوم الطف من خلال خطبتيه السابقتين : (مقتل المقرّم ، ص ٨١ و ٨٢)
يقول السيد عبد الرزاق المقرّم في مقتله :
وعلى هذه السنن مشى أبو عبد الله الحسين عليهالسلام يوم الطف ، فلم يبدأ القوم بقتال مهما رأى من أعدائه التكاتف على الضلال والمقابلة له بكل ما لديهم من حول وطول ، حتّى منعوه وعياله وصحبه من الماء الّذي لم يزل صاحب الشريعة صلىاللهعليهوآلهوسلم يجاهر بأن «الناس في الماء والكلأ شرع سواء». لأنه عليهالسلام أراد إقامة الحجة
__________________
(١) كريث : كمقدار.
(٢) الرحى : حجر الطاحون.
(٣) المحور : ما تدور حوله البكرة أو الطاحون.
(٤) مقتل المقرم ص ٢٨٧ عن تاريخ ابن عساكر ، ج ٤ ص ٣٣٤ واللهوف ص ٥٤.
(٥) هو المختار بن أبي عبيدة الثقفي.
(٦) مقتل المقرم ص ٢٨٧ عن مقتل العوالم ص ٨٤.
(٧) مقتل المقرم ص ٢٨٧ عن الله وف ص ٥٦. وذكر الخوارزمي في مقتله ج ٢ ص ٦ كامل الخطبة بتحريف بسيط.
عليهم ، فوقف في ذلك الملأ المغمور بالأضاليل ، ونادى بحيث يعي الجماهير حجته ، فعرّفهم أولا خسارة هذه الدنيا الفانية لمن تقلّب فيها ، فلا تعود عليهم إلا بالخيبة ، ثم تراجع ثانيا إلى التعريف بمنزلته من نبيّ الإسلام ، وشهادته له ولأخيه المجتبى بأنهما سيدا شباب أهل الجنة ، وناهيك بشهادة من لا ينطق عن الهوى ، وكان محبوّا بالوحي الإلهي ، أن تؤخذ ميزانا للتمييز بين الحق والباطل. وفي الثالثة عرّفهم بأنه يؤدي كل ما لهم عنده من مال وحرمات ، وفي الرابعة نشر المصحف الكريم على رأسه ودعاهم إلى حكمه. وحتى إذا لم تجد هذه النصائح القيّمة فيهم ، ووضح لديه إصرارهم على الغي والعناد لله تعالى ولرسولهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، كشف الستار عن الإباء العلوي ، الّذي انحنت عليه أضالعه ، ورفع الحجاب عن الأنفة التي كان أبناء علي عليهالسلام يتدارسونها ليلا ونهارا ، وتلهج بها أنديتهم. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«ألا وإن الدّعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين : بين السّلةّ والذلّة ، وهيهات منا الذلّة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام. ألا وإني زاحف بهذه الأسرة عليقلة العدد وخذلان الناصر».
هذه وصايا الشريعة المطهرة وأحكامها الباعثة على الدعوة إلى الحق والنهضة لسدّ باب الباطل ، وكما ألزمت جهاد المضلين المشركين ، أباحت ترك الجهاد للصبي والمقعد والأعمى والشيخ الكبير والمرأة والبالغ الّذي لم يأذن له أبواه. لكن مشهد (الطف) خرق ناموسها الأكبر وجاز تلك المقررات جريا على المصالح والأسرار التي قصرت عنها أحلام البشر ، وقد تلقّاها (أبيّ الضيم) عليهالسلام ، من جده المنقذ الأكبر وأبيه الوصيّ المقدّم. فالحسين عليهالسلام لم يشرّع سنّة أخرى في الجهاد ، وإنما هو درس إلهي أثبته اللوح الأقدس في عالم الإبداع ، محدد الظرف والمكان ، تلقّاه الأمين جبرئيل وأفاضه على حبيب الله وصفيه (محمّد) صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأودعه صاحب الدعوة الإلهية عند ولده سيد الشهداء عليهالسلام. عليهالسلام.
فكل ما يشاهد في ذلك المشهد الدامي من الغرائب التي تنحسر عن الوصول إلى كنهها عقول الرجال ، فهو مما آثر المولى سبحانه به وليه وحجته أبا عبد الله الحسينصلىاللهعليهوآلهوسلم.
٨٢٨ ـ الحسين عليهالسلام يلقي الحجة النهائية على عمر بن سعد ، ويخبره بنوع قتلته: (مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٨)
ثم قال عليهالسلام : أين عمر بن سعد ، ادعوا لي عمر. فدعي له ، وكان كارها لا يحب أن يأتيه. فقال : يا عمر أنت تقتلني وتزعم أن يوليك الدعيّ ابن الدعي بلاد الري وجرجان. والله لا تتهنّأ بذلك أبدا ، عهد معهود ، فاصنع ما أنت صانع ، فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، وكأني برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة ، يتراماه الصبيان ، ويتخذونه غرضا بينهم (١). فغضب عمر بن سعد من كلامه ، ثم صرف وجهه عنه. ونادى بأصحابه : ما تنظرون به؟ احملوا بأجمعكم ، إنما هي أكلة واحدة.
٨٢٩ ـ النفوس الخيّرة تستيقظ : توبة الحر وتوجّهه إلى الحسين عليهالسلام :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٣٧ ط ٤)
ولما رأى الحر بن يزيد أن القوم قد صمموا على قتال الحسين عليهالسلام (٢) قال لعمر بن سعد : أمقاتل أنت هذا الرجل؟. قال : إي والله قتالا شديدا أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي!. قال : فما لكم فيما عرضه عليكم رضى؟. قال : أما لو كان الأمر إليّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ذلك. فأقبل الحر حتّى وقف عن الناس جانبا ، ومعه رجل من قومه يقال له : قرة بن قيس. فقال له : يا قرة ، هل سقيت فرسك اليوم؟. قال : لا. قال : أما تريد أن تسقيه؟. قال قرة : فظننت والله أنه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال ، فكره أن أراه حين يصنع ذلك. فقلت له : لم أسقه وأنا منطلق فأسقيه. فاعتزلت ذلك المكان الّذي كان فيه ، فو الله لو أطلعني على الّذي يريد لخرجت معه إلى الحسين عليهالسلام. فأخذ الحر يدنو من الحسين عليهالسلام قليلا قليلا ، فقال له المهاجر بن أوس : ما تريد يابن يزيد ، أتريد أن تحمل؟. فلم يجبه ، وأخذه مثل الأفكل [وهي الرعدة]. فقال له المهاجر :
__________________
(١) لواعج الأشجان ص ١٣٢ ومقتل المقرم ص ٢٨٩ ، نقلا عن تظلم الزهراء ومقتل العوالم ص ٨٤.
(٢) ذهب الخوارزمي إلى أن توبة الحر كانت بعد (الحملة الأولى) وهو ما أيّده ابن طاووس في الله وف. أما المقرّم فيعتبر توبته قبل بدء القتال ، وذلك نقلا عن تاريخ الطبري ، وهو ما اعتمده ابن شهراشوب في مناقبه والسيد الأمين في لواعجه.
إن أمرك لمريب ، والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك. فما هذا الّذي أرى منك؟!. فقال الحر : إني والله أخيّر نفسي بين الجنة والنار ، فو الله إني لا أختار على الجنة شيئا ولو قطّعت وحرقت. ثم ضرب فرسه نحو الحسين (١) منكّسا برأسه حياء من آل الرسول ، بما أتى إليهم وجعجع بهم ، وهو يقول : الله م إليك أنيب فتب عليّ ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك. وقال للحسينعليهالسلام : جعلت فداك يابن رسول الله ، أنا صاحبك الّذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان. والله الّذي لا إله إلا هو ، ما ظننت القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم ، ولا يبلغون بك هذه المنزلة. والله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل الّذي ركبت. وإني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي ، مواسيا لك بنفسي ، حتّى أموت بين يديك ، فهل لي من توبة؟. قال الحسين عليهالسلام : نعم ، يتوب الله عليك (٢) ويغفر لك. ما اسمك؟. قال : أنا الحر. قال : أنت الحر كما سمّتك أمك ، أنت الحر في الدنيا والآخرة ، انزل. فقال : أنا لك فارسا خير مني لك راجلا ، أقاتلهم على فرسي ساعة ، وإلى النزول يصير آخر أمري. (وفي رواية) «ثم قال : يابن رسول الله ، كنت أول خارج عليك ، فأذن لي أن أكون أول قتيل بين يديك (٣) فلعلي أن أكون ممن يصافح جدك محمدا غدا في القيامة».
فقال له الحسين عليهالسلام : فاصنع يرحمك الله ما بدا لك.
٨٣٠ ـ الحر بن يزيد يسمع هاتفا يبشّره بالخير :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٢٠ ط نجف)
(روى ابن نما) أن الحر قال للحسين عليهالسلام : لما وجّهني عبيد الله إليك ، خرجت من القصر ، فنوديت من خلفي : أبشر يا حر بخير. فالتفتّ فلم أر أحدا. فقلت :
__________________
(١) مقتل المقرم ص ٢٩٠ نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٤.
(٢) مقتل المقرّم ص ٢٩٠ نقلا عن الله وف ص ٥٨ ؛ وأمالي الشيخ الصدوق ص ٩٧ مجلس ٣٠ ؛ وروضة الواعظين ص ١٥٩.
(٣) هذا بناء على أن الحر هو أول من استشهد من جماعة الحسين عليهالسلام بالمبارزة ، ولم يعتمد المقرم ذلك ، وإنما ذكر مصرعه بعد جملة من الأصحاب. وأما أبو مخنف فقد ذكره آخر من استشهد من الأصحاب ، وهو قول ضعيف.
والله ما هذه بشارة ، وأنا أسير إلى الحسين عليهالسلام. وما كنت أحدّث نفسي باتّباعك. فقال عليهالسلام : لقد أصبت أجرا وخيرا.
٨٣١ ـ توبة الحر بن يزيد الرياحي (على رواية مقتل أبي مخنف):
(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٧٤)
وأورد أبو مخنف في المقتل المنسوب إليه توبة الحر بعد بدء القتال ، وبعد أن بدأ الحسين عليهالسلام يستغيث فلا يغاث.
(قال أبو مخنف) : فوقع كلامه عليهالسلام في مسامع الحر ، فأقبل على ابن أخيه قرّة وقال : أتنظر إلى الحسين يستغيث فلا يغاث ، ويستجير فلا يجار ، قد قتلت أنصاره وبنوه ، وقد أصبح بين مجادل ومخاذل ، فهل لك أن تسير بنا إليه ، وتقاتل بين يديه ، فإنّ الناس عن هذه الدنيا راحلة ، وكرامات الدنيا زائلة ، فلعلنا نفوز بالشهادة ، ونكون من أهل السعادة.
فقال له : ما لي بذلك حاجة. فتركه الحر وأقبل على ولده وقال له : يا بنيّ لا صبر لي على النار ولا على غضب الجبار ، ولا أن يكون غدا خصمي أحمد المختار. يا بنيّ أما ترى الحسين عليهالسلام يستغيث فلا يغاث ويستجير فلا يجار!. يا بنيّ سر بنا إليه نقاتل بين يديه ، فلعلنا نفوز بالشهادة ، ونكون من أهل السعادة. فقال له ولده : حبا وكرامة.
ثم إنهما حملا من عسكر ابن زياد كأنهما يريدان القتال حتّى هجما على الحسينعليهالسلام ، فنزل الحر عن ظهر جواده وطأطأ رأسه ، وجعل يقبّل يد الحسين ورجليه ، وهو يبكي بكاء شديدا. فقال له الحسين عليهالسلام : ارفع رأسك يا شيخ ، فرفع رأسه وقال : يا مولاي أنا الّذي منعتك عن الرجوع. والله يا مولاي ما علمت أن القوم يبلغون منك هذا ، وقد جئتك تائبا مما كان مني ومواسيك بنفسي ، وقليل في حقك يا مولاي أن تكون نفسي لك الفداء. وها أنا ألقى حمامي يا مولاي بين يديك ، فهل من توبة عند ربي؟. فقال له عليهالسلام : إن تبت تاب الله عليك ويغفر لك وهو أرحم الراحمين ... ثم تقدم الحر إلى الحسين عليهالسلام وقال : يا مولاي أريد أن تأذن لي بالبراز إلى الميدان ، فإني أول من خرج إليك وأحب أن أقتل بين يديك. فقال له عليهالسلام : ابرز بارك الله فيك.
٨٣٢ ـ نصيحة الحر بن يزيد لأهل الكوفة بعد توبته :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٩١)
ثم استأذن الحر الحسين عليهالسلام في أن يكلم القوم ، فأذن له. فنادى بأعلى صوته : يا أهل الكوفة ، لأمّكم الهبل والعبر (١) إذ دعوتموه وأخذتم بكظمه (٢) وأحطتم به من كل جانب ، فمنعتموه التوجه إلى بلاد الله العريضة حتّى يأمن وأهل بيته ، وأصبح كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، وحلّأتموه (٣) ونساءه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري ، الّذي يشربه اليهود والنصارى والمجوس ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه. وهاهم قد صرعهم العطش ، بئسما خلّفتم محمدا في ذريته ، لا سقاكم الله يوم الظمأ.
(وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٢ ط ٢ نجف) :
وإذا لم تنصروه وتفوا له بما حلفتم عليه ، فدعوه يمضي حيث شاء من بلاد الله. أما أنتم مؤمنون؟!. وبنبوّة محمّد جده مصدّقون؟!. وبالمعاد موقنون؟!.
فحملت عليه الرجّالة ترميه بالنبل ، فتقهقر حتّى وقف أمام الحسين عليهالسلام (٤).
٨٣٣ ـ الرجوع عن الخطأ فضيلة :
(بقلم المؤلف)
(التربية الطيبة تكفل رجوع الإنسان إلى الحق مهما انحرف)
كثير أولئك الذين تتاح لهم في صغرهم فرض التربية والتهذيب ، والتنشئة الصالحة على المبادئ الأخلاقية الحميدة ، فتنطبع بها نفوسهم ، وتختلط نفحاتها بدمائهم .. ثم لا يلبثون أن تعترضهم في بداية حياتهم تقلبات من الزمان وتبدلات ، فيزهدون في تلك المبادئ السامية ، ويميلون إلى معاقرة الباطل والاستئناس به .. ثم هي فترة تمرّ من الزمن ، وإذا بهم قد استيقظوا وجلين مذعورين ، على أصوات ضميرهم ووجدانهم ، تدعوهم إلى النهوض من غفلتهم واليقظة من سكرتهم. فيطيحون بالباطل عن عاتق كواهلهم ، ويكنسون رواسبه من صفحات قلوبهم ،
__________________
(١) الهبل (بالتحريك والفتح) : الثّكل. والعبر : الحزن وجريان الدمعة.
(٢) الكظم (بالتحريك والفتح) : مخرج النّفس ، ويقال أخذ بكظمه : أي كربه وغمّه.
(٣) حّلأتموه : طردتموه ومنعتموه.
(٤) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٧ ، وشبيه هذا الكلام في مقتل أبي مخنف ص ٧٨.
ويعودون بأنفسهم إلى أصولهم وأحسابهم ، حتّى كأنهم لم يسمعوا بالباطل ولا عهد لهم به. لقد عادوا خلقا جديدا غير الّذي كانوه بالأمس ، فكأنهم من بعد غير الذين كانوا من قبل.
وقد يعجب المرء من هذا التحول الانقلابي ، وهذا التبدّل الفجائي ، غير متذكّر أن التربية والتوجيه في الصغر يتركان في صاحبهما جذورا قوية من النبل والأدب والأخلاق. تظل متشعبة في حنايا نفسه ، لا تموت ولا تغيب ، رغم ما تخضع له من عواصف متقلّبة ، وأنواء متغيّرة ، لا تلبث بعد حين أن تنقشع غيومها ، وتنجرف رواسبها ، فتعود النفس مشرقة وضّاءة ، غنية خيّرة معطاءة ، فتنبت بذورها ، وتعلو سوقها ، مورقة مزهرة ، تفيض بالحق ، وتجود بالخير.
وليس لنا من مثال نضربه على هؤلاء الأشخاص أروع من مثال :
«الحر بن يزيد التميمي»
ذلك الرجل الحر ، الّذي أوتي من كرم الأصل وحسن المنبت وطيب السريرة ، ما جعله يؤوب إلى الحق بعد انحرافه ، ويعود إلى التصديق والإخلاص والوفاء ، وقد كان حربا عليها. وينجو من نار جهنم ، وقد كان على شفا حفرة منها. وينال الشهادة والسعادة والفوز ، وقد كان في منأى عنها.
وإن هذا المثل الخالد من تراثنا التليد ، إن كان يدلّ على شيء ، فإنما يدلّ على أن حسن التوجيه والتربية في الصغر ، غالبا ما تؤدي بصاحبها إلى السعادة والنجاة والفوز بالجنة ، وتكون له ذخرا وسندا في كبره ، على الرغم مما يتعرض له من محن وأخطاء ، وفتن وأخطار.
(انتهى الجزء الأول من الموسوعة)
والحمد لله ربّ العالمين
وبذلك تمّ الفصل العشرون بانتهاء الجزء الأول من موسوعة كربلاء ،
وذلك حين جّهز عمر بن سعد جيوشه لقتال الحسين عليهالسلام
يوم العاشر من المحرم ، ووضع سهمه في كبد قوسه ،
معلنا بدء القتال والنزال ، بين طغمة الباطل والضلال ،
وبين صفوة الهدى والكمال ، من خير صحب وخير آل.
وهو ما سيجده القارئ في الجزء الثاني من الموسوعة
إن شاء الله