المحكم في أصول الفقه - ج ٥

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨

بل لو فرض خلل اليد بنظر البينة فليس لها الاعتماد على الاستصحاب في الشهادة ببقاء الملكية ، إذ الظاهر عدم جواز الشهادة اعتمادا على الحجة إلا في فرض ابتناء المقام على ما يعم مؤداها ، لا في مثل المقام ، حيث يكون المطلوب للحاكم الشهادة بالأمر الواقعي التي تصلح لنقض اليد مع حجيتها ذاتا وتقديمها على الاستصحاب بنظره ، فإن الشهادة حينئذ بالأمر الظاهري استنادا للاستصحاب المبني على قصور اليد ذاتا بنظر الشاهد يكون تدليسا محرما.

هذا ، وقد منع بعض مشايخنا من حجية اليد في المقام لقصور دليل حجيتها عنه.

وتوضيح ما أفاده : أن مقتضى التعليل في موثقة حفص بقوله عليه السّلام : «لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» كون حجيتها دفعا لمحذور اختلال السوق ، فتقصر عما لو لم يلزم ذلك من عدم حجيتها ، لدوران الحكم مدار التعليل وجودا وعدما ، ومن الظاهر أن عدم حجيتها في مورد إقرار صاحب اليد بملكية غيره سابقا لا يستلزم المحذور المذكور ، لقلة ذلك وغلبة احتياط صاحب الملكية المتجددة بما يثبتها من بينة ونحوها ، وعدم اكتفائه باليد المتجددة إلا في مورد الوثوق بالمالك السابق ، فثبوت اليد المالكية المحقة في مورد إنكار المالك السابق وعدم حجة للمالك اللاحق غير اليد ليس من الكثرة بنحو يلزم من عدم حجية اليد اختلال نظام السوق. ومن ثمّ لا مجال لدعوى عموم السيرة على حجيتها للمقام.

وفيه .. أولا : أن المراد باسم الإشارة في قوله عليه السّلام : «لو لم يجز هذا ...» ليس هو حجية اليد على الملكية ، الذي هو محل الكلام ، بل جواز الشهادة بالملكية اعتمادا على اليد الذي هو مورد السؤال والاستدلال في صدر الحديث ، ولا مانع من عدم جواز الشهادة في مورد لقصور التعليل المدعى عنه مع حجية اليد فيه لعموم دليلها.

٣٨١

اللهم إلا أن يستفاد التلازم بين الأمرين من استنكار الإمام عليه السّلام قبل ذلك جواز الشراء من صاحب اليد وعدم جواز الشهادة له.

وثانيا : أن التنبيه للزوم اختلال السوق لو لا حجية اليد غير ظاهر في التعليل الذي يدور الحكم مداره وجودا وعدما ، لعدم اقترانه بأداة التعليل الظاهرة في كون مدخولها غرضا وداعيا لجعل الحكم ، بل هو ظاهر إما في التنبيه للسيرة لبيان وضوح الحكم ردعا للسائل عن التوقف فيه وتأكيدا للاستدلال الإنكاري عليه بالوجه المذكور في صدر الحديث ، أو في التنبيه للفائدة المترتبة على الحكم التي يكون التنبيه عليها موجبا لوضوح الحكم بضميمة ارتكاز الاهتمام بها ، المستلزم لحفظها بتشريع ما يوصل إليها ، وإن كان ملاك الحكم الداعي له أوسع منها.

وثالثا : أن التعليل بمثل هذه الفوائد النوعية لا يصلح لبيان ملاك الحكم الذي يدور مداره وجودا وعدما ، بل لا بدّ من تنزيله على بيان الفائدة والحكمة.

وتوضيح ذلك : أن ترتب نظام السوق على حجية اليد مثلا واختلاله على عدم حجيتها ليس بنحو الانحلال الراجع إلى العموم الاستغراقي ، نظير ترتب نجاسة المائع على إسكاره ، كي يمكن تشخيصه للمكلف ، بل بنحو المجموعية النوعية ، بمعنى توقف الحفظ على حجية اليد بمقدار معتد به يستغني به الناس في إدارة شئونهم ، ومن الظاهر أن خصوصية موارد الحجية مما لا طريق لإحراز دخلها في ذلك ، بل كما يمكن حفظ نظام السوق بحجية اليد في جملة من الموارد يمكن حفظه بابدالها بغيرها من الموارد ، فلا بد من كون ذلك حكمة لا علة.

ولذا لا ريب في حجية اليد في كثير من الموارد ولا يتوقف حفظ نظامه عليها ، كما في موارد تعارف الاستيثاق لصاحب اليد بحجة اخرى ، حيث لو لم تكن اليد حجة حينئذ بأن يحكم بعدم ملكه عند عدم الحجة الاخرى لا يلزم

٣٨٢

اختلال السوق ، بل لو انيطت الحجية سعة وضيقا بحفظ نظام السوق لزم خروج بعض الموارد عن الحجية بعد دخولها فيها لو فرض استغناء حفظ النظام عنها بعد توقفه عليها ، لتبدل العرف والسيرة.

نعم ، ربما يناقش في عموم الأدلة المتقدمة بأن الموثقة لما لم تكن واردة لبيان حجية اليد على الملكية بل لبيان جواز الشهادة اعتمادا على اليد مع المفروغية عن حجيتها على الملكية ، فلا تنهض باثبات عموم حجية اليد على الملكية.

بل لما كان منشأ المفروغية هو السيرة الارتكازية لم تنهض بإثبات حجية اليد في غير موردها.

وكذا الحال في صحيح عثمان وحماد ، لوروده لبيان عدم تكليف صاحب اليد الحجة ـ المفروض كونه منكرا ـ بالبينة ، لا لبيان حجيتها ، ليكون له عموم أو إطلاق من هذه الجهة ، وإن كانت هي مفروغا عنها في الجملة.

وأما بقية النصوص فعدم العموم فيها ظاهر ، لورودها في موارد خاصة ، أو لبيان أحكام خاصة وقد استفيد منها حجية اليد على الملكية تبعا.

وفيه : أن الموثقة وإن كانت واردة لبيان جواز الشهادة بالملكية اعتمادا على اليد ، إلا أن وضوح تفرع جواز الشهادة على حجيتها موجب لدلالتها على ذلك بالملازمة العرفية ، بل بمقتضى التعرض فيها بعد ذلك لجواز الشراء ، فكما ينهض إطلاقها بإثبات جواز الشهادة ينهض بإثبات حجية اليد.

وليست المفروغية عن التلازم بين الحكمين قرينة على تقييد موضوع السؤال باليد الحجة ، ليقصر الإطلاق عن إثبات جواز الشهادة في مورد الشك في الحجية ، فضلا عن إثبات الحجية نفسها ، بل هي تقتضي استفادة الحجية تبعا لجواز الشهادة في مورد السؤال على إطلاقه.

فهو نظير ما لو ورد السؤال عن جواز لعن بني امية ، فاجيب بجوازه ، فإنه

٣٨٣

كما يستفاد منه عموم جواز لعنهم يستفاد منه عموم عدم إيمانهم ، للمفروغية عن عدم جواز لعن المؤمن.

ولا يتوهم كون المفروغية المذكورة قرينة على تقييد مورد السؤال بغير المؤمن ، ليقصر عن إثبات جواز لعن من شك في إيمانه ، فضلا عن إثبات إيمانه.

وإن شئت قلت : وضوح التلازم بين الحكمين يقتضي ..

تارة : صرف بيان أحدهما إلى بيان الآخر ، كما هو الحال في جواز لعن بني امية.

واخرى : أخذ أحدهما في موضوع الآخر وصفا محرز الوجود من قبل الحاكم ، كما لو أمر باستعمال لحم مطروح حيث يكشف عن إحرازه لطهارته أو تذكيته.

وثالثة : أخذ أحدهما في موضوع الآخر قيدا لا بدّ من إحراز المكلف له ، كما في عموم جواز أكل لحم الشاة الذي لا بدّ من تقييده بصورة تذكيتها.

وفي الأولين يكون دليل عموم الحكم اللازم دليلا على عموم الحكم الملزوم ، دون الثالث.

ولا إشكال في عدم مناسبة الأول للمقام ، لظهور مفروغية السائل والإمام عليه السّلام عن حجية اليد على الملكية ، فيتعين الثاني ، لأنه المناسب للإطلاق ، دون الثالث.

وعليه يجوز التمسك لحجية اليد على الملكية بعموم الموثقة حتى في مورد الشك في قيام السيرة على حجيتها.

نعم ، قد يتوجه البناء على قصورها عن إثبات الحجية في مورد قيام السيرة على عدم حجيتها ، لقرب كون منشأ المفروغية عن الحجية في ظاهر الموثقة ، هو السيرة الارتكازية ، فهي واردة مورد إمضائها ، لا للردع عنها بتوسيع الحكم على خلاف مقتضاها.

٣٨٤

وأما صحيح عثمان وحماد فهو وإن كان واردا في اليد المفروغ عن حجيتها على الملكية ، إلا أنه ظاهر في أن اليد الحجة لو لا الدعوى لا تسقط حجيتها بالدعوى ، للحكم فيه بأن صاحب اليد الحجة إذا ادعي عليه لا يطالب بالبينة ، بل يكون منكرا عليه اليمين ، فيدل بإطلاقه على أن اليد في المقام لا تسقط عن الحجية بدعوى المقر له للملكية الفعلية وإنكاره للسبب الناقل ، كما هو المدعى لهم ، إذ ليس المدعى لهم سقوط اليد عن الحجية بمجرد الإقرار بسبق ملكية الغير ، لعدم الإشكال في حجية اليد مع عدم الدعوى مطلقا ، بل المدعى كون دعوى المقر له مسقطة لها عن الحجية ، مع حجيتها لو لاها ، فينافي إطلاق الصحيح المذكور ، بالتقريب الذي ذكرنا ، فيتعين التمسك به حتى بناء على قيام السيرة على عدم حجية اليد وانقلاب الدعوى ، لصلوحه للردع عنها.

اللهم إلا أن يقال : الصحيح المذكور وإن كان ظاهرا في عدم سقوط حجية اليد بدعوى الخصم ، بل المفروغية عن ذلك ، إلا أنه لا إطلاق له فيه ، لعدم وروده للبيان من هذه الجهة ، بل لبيان أن صاحب اليد الحجة الذي يصدق عليه المنكر لا يكلف بالبينة ، كما هو مقتضى السؤال والاستشهاد بالنبوي الشريف ، وليس واردا لتحديد المنكر والمدعي ، وبيان أن الدعوى لا تسقط اليد عن الحجية ولا انقلاب الدعوى.

وإن شئت قلت : الصحيح وارد لبيان أحكام اليد الحجة ، لا لبيان سعة حجية اليد.

إن قلت : مقتضى الملازمة بين الاكتفاء باليمين من صاحب اليد وحجيتها كون عموم الاكتفاء باليمين بعد الدعوى كاشفا عن عموم حجية اليد بعد الدعوى ، ومقتضاه حجيتها وإن كانت الدعوى ممن أقر صاحب اليد بسبق ملكيته.

قلت : لا طريق لإثبات العموم المذكور ، إلا أن يكون موضوع السؤال

٣٨٥

مطلق اليد الحجة قبل الدعوى ، لا خصوص اليد الحجة مطلقا ، ولا مجال لإثبات ذلك بعد ما ذكرنا ، لأنه إنما يناسب بيان سعة حجية اليد ، لا أحكام الحجية ، كما هو ظاهر الحديث.

وعلى هذا لو فرض قيام السيرة الارتكازية على عدم حجية اليد وعلى انقلاب الدعوى في المقام لم يصلح الصحيح للردع عنها ، كما لا تصلح الموثقة لذلك.

إذا ظهر هذا فمن القريب جدا قيام السيرة على ذلك ، كما يشهد ذلك الرجوع للمرتكزات العقلائية بل المتشرعية.

وأما الاستدلال بالإجماع فلا مجال له ، بعد نقل الخلاف منهم ، وعدم تحريرهم المسألة استقلالا ، وإنما يستفاد من بعضهم ضمنا في مسائل تعارض البينات أو نحوها ، مع اضطراب مبانيهم ، حيث يظهر من بعضهم الاعتماد على وجوه غير ناهضة في نفسها. وذلك كله مانع من تحصيل الإجماع المعتد به الصالح لرفع اليد عن مقتضى الأدلة لو فرض اقتضاؤها حجية اليد.

ولا بدّ من التأمل التام واستيعاب النصوص وكلمات الأصحاب في المقام. والله سبحانه وتعالى العالم العاصم ، وهو ولي التوفيق والتسديد.

بقي في المقام أمور :

الأول : أن المتيقن من كلماتهم في سقوط حجية اليد بإنكار المالك السابق ما إذا أقر صاحب اليد بسبق ملكيته ، دون غيره من طرق ثبوتها. فلو كان الدليل في المسألة هو الإجماع لأمكن التفريق بين الإقرار وغيره ، للفرق بينهما فيه ، وإن لم يكن بينهما فرق بحسب القواعد العامة ، كما سبق.

لكن عرفت أن الدليل ليس هو الإجماع ، بل المرتكزات العقلائية ، وهي تقضي بعدم الفرق بين الإقرار وغيره ، وأنه بعد ثبوت ملكية السابق وتوقف الانتقال منه لصاحب اليد على صدور السبب الناقل منه يسمع إنكاره للسبب

٣٨٦

الناقل ولا تنهض اليد باثبات الملكية المتجددة في مقابله ، من دون خصوصية للإقرار.

الثاني : أن الظاهر اختصاص سقوط حجية اليد بما إذا استندت دعوى المالك السابق لعلمه ، دون ما لو استندت للاستصحاب من جهة شكه ، لأن الظاهر حجية اليد في إثبات ملكية صاحبها في مرتبة سابقة على دعوى المالك السابق حتى في حقه ، فلا تشرع له الدعوى مع احتمال صدق اليد ، لتقديمها على الاستصحاب ، فلا يصح منه الاعتماد عليه في الدعوى. ولا أقل من خروج ذلك عن المتيقن من المرتكزات القاضية بسقوط اليد عن الحجية ، فيرجع في حجيتها لعموم موثقة حفص.

وكذا لو ادعى صاحب اليد حصول السبب الناقل من غير المالك ممن ينفذ عليه تصرفه ، كالولي والوكيل ، فأنكر المالك ولو عن علم ، لأن المتيقن من المرتكزات العقلائية في وجه سقوط اليد عن الحجية بدعوى المقر له أن انتقال المال عن المقر له لما كان موقوفا على صدور السبب الناقل منه ، فإنكاره له مسموع منه.

أما إذا كان المدعى لصاحب اليد صدوره من غيره فلعل إنكاره له كإنكار الأجنبي لا يسمع منه. ومجرد ترتب نفعه عليه لا يكفي في قبول دعواه وسماع إنكاره للسبب الناقل.

نعم ، لا يبعد سماع إنكار السبب الناقل ممن ادعى صاحب اليد وقوعه منه في مقام إثبات دعوى المقر له.

كما لا يبعد قبول إنكار المقر له توكيل موقع السبب المدعى ، لأنه فعله ، ويتوقف عليه الانتقال.

وأولى من ذلك في عدم إسقاط اليد عن الحجية ما لو كان المنكر للسبب الناقل غير المالك السابق ممن تترتب ملكيته على بقاء ملكيته ، كالوارث

٣٨٧

والموصى له وغيرهما.

لكن ذكر بعض الأعاظم قدّس سرّه قبول دعوى الوارث ، دون غيره ، لأن انتقال المال إليه من المورث يرجع إلى تبدل المالك مع بقاء إضافة الملكية ، فالإقرار للمورث إقرار للوارث ، بخلاف غيره من أسباب الانتقال ، إذ هي بين ما يتضمّن تبدل المملوك مع بقاء إضافة الملكية كما في المعاوضات ، وما يتضمّن تبدل نفس إضافة الملكية ، كالهبة والوصية ونحوهما ، فلا يكون الإقرار للمالك السابق إقرارا لمن يترتب ملكه على بقاء ملكيته فيها.

وكأن نظره في الفرق إلى أنه مع فرض وحدة ملكية الوارث والمورث فالمعترف به ملكية واحدة من شأنها البقاء ، ولا تسمع دعوى انقطاعها قبل قيام الوارث مقام المورث.

وأما مع فرض التعدد في مثل ملكية الموصي والموصى له فالمعترف به ملكية مباينة لملكية المدعي ، لانقطاع الملكية المقر بها إما بملكية المدعي أو بملكية صاحب اليد ، وكل منهما خلاف الأصل ، وترجح الثانية باليد.

وكذا الحال مع التبدل في المملوك كما في المعاوضات ، لأن بقاء الملكية المقر بها إنما تقتضي ملكية المقر له لعوض المال المقر به ، وهو خارج عن موضوع الدعوى ، أما ملكية المدعي للمال المقر به فهي بقاء لملكيته للعوض سابقا ، وهي مباينة للملكية المقر بها ، ولا يدعي صاحب اليد انقطاعها ، بل بقاءها على المملوك الأول.

لكن فيه .. أولا : أن قيام الملكية ونحوها من الاضافات بطرفيها راجع إلى تشخيصها بهما ، المستلزم لتبدلها بتبدل أحدهما ، فيمتنع بقاؤها في الجميع.

وثانيا : أن بقاء إضافة الملكية وحده لا يكفي في الفرق ، لأن المقر به ليس هو الإضافة الخاصة على سعتها ، بل الإضافة حال كون طرفها المورث ، فتسريتها لحال صيرورتها للوارث المدعي ليس مقتضى الإقرار ، بل مقتضى الاستصحاب

٣٨٨

بلحاظ ترتب قيام الوارث مقام المورث على بقائها ، وهو مشترك بين الجميع ، لفرض ترتب ملكيتهم على بقاء ملكية المقر له.

وثالثا : أن الملاك في انقلاب الدعوى ليس وحدة الأمر المقر به ، بل عموم دليله.

وقد تقدم منا أن المتيقن منه ما إذا كان المقر له هو المدعي بنفسه ، حيث يتعلق به السبب الناقل الذي يتوقف عليه ملكية صاحب اليد ، ولا يعم الوارث.

ولو كان الوجه فيه ما أشار إليه هو قدّس سرّه من رجوع دعوى صاحب اليد الملكية الفعلية مع إقراره بسبق ملكية المدعي إلى دعوى تحقق السبب الناقل الذي هو خلاف الأصل ، لجرى في كل من تترتب ملكيته على بقاء ملكية المقر له أيضا.

هذا ، وبما ذكرنا يظهر أنه لا مجال لدعوى : منافاة انقلاب الدعوى بالإقرار لما تضمنه صحيح عثمان وحماد من حجية يد الصديقة عليها السّلام مع إقرارها بسبق ملكية أبيها النبي صلّى الله عليه وآله لها وعدم انقلاب الدعوى بذلك.

ووجه عدم المنافاة أن الخصم المدعي معها ليس هو المقر له صلّى الله عليه وآله بل المسلمون الذين تترتب ملكيتهم على بقاء ملكيته ، بناء على ما ادعاه أبو بكر من عدم توريث الأنبياء.

مع أن مطالبتهم لها عليها السّلام بالبينة وكتابتهم في أول الأمر لها كتابا بفدك ـ كما تضمنه صدر الحديث ـ إن لم يكونا موجبين لظهور ابتناء دعواهم على الشك اعتمادا على استصحاب عدم النحلة ـ التي ادعتها عليها السّلام ـ لا على اليقين بعدمها ، لإمكان ابتنائها على عدم جواز حكم الحاكم بعلمه ، فلا أقل من كونها موجبة لاحتمال ذلك ، ولا سيما مع سبق يدها عليها السّلام حيث يصعب جدا دعواهم العلم بكذبها ، وقد عرفت عدم جواز الدعوى حينئذ من المقرّ له ، فضلا عمن تترتب ملكيته على بقاء ملكيته.

٣٨٩

الثالث : أشرنا آنفا إلى أن صاحب اليد الفعلية يقبل قوله وينفذ تصرفه في ما تحت يده ظاهرا وإن لم يكن مالكا.

والظاهر اختصاص ذلك بما إذا لم ينكر المالك إيقاع السبب الموجب لسلطنته كالتوكيل ونحوه ، وإلا سقط قوله عن الحجية ولزم الرجوع للأصل الجاري في المقام ، الذي هو ..

تارة : يوافق قول المالك ، كما لو ادعى صاحب اليد التوكيل أو المضاربة بالمال فانكرهما المالك.

واخرى : يوافق قول صاحب اليد ، كما لو ادعى المالك إبلاغ الوكيل بالعزل أو اشتراط شيء على عامل المضاربة ، فانكر الوكيل والعامل.

وكأنه لا إشكال بينهم في ذلك ، كما يشهد به الفروع التي حرروها للتنازع في كثير من العقود ، ويكفي فيه تصور السيرة ـ التي هي عمدة الدليل على قبول قول صاحب اليد الفعلية ونفوذ تصرفه ـ عن الصورة المذكورة. وقد تشهد به بعض النصوص التي قد يعثر عليها الفاحص المتتبع.

المسألة الثانية : من الظاهر أن حجية اليد على الملكية تختص بما إذا كانت مجهولة الحال ولم يعلم أنها مالكية أو غيرها.

وحينئذ لو احرز أن صاحب اليد قد أخذ الشيء سابقا لا على وجه الملك ، بل غصبا أو أمانة واحتمل ملكه له بعد ذلك فقد صرح غير واحد بعدم حجية يده.

قال في المبسوط : «إذا علمت سبب يد المدعى عليه ، فقالت البينة : نشهد أنه كان في يده وأن الذي هو في يده أخذه منه أو غصبه إياها أو قهره عليها ، فحينئذ يقضى للمدعي بالبينة ، لأنها شهدت له بالملك وسبب يد الثاني ...».

وقال في الشرائع : «لو شهدت بينة المدعي أن صاحب اليد غصبها أو استأجرها منه حكم بها ، لأنها شهدت بالملك وسبب يد الثاني». ونفى في

٣٩٠

المسالك والجواهر الخلاف في الحكم.

وكلام المبسوط مختص بما إذا علم اتحاد اليد واستنادها حدوثا للسبب المذكور بمقتضى البينة ، أما كلام الشرائع فإطلاق صدره يشمل ما لو احتمل تبدل اليد ، بأن أرجع صاحب اليد العين بعد الغصب أو الإجارة ثم أخذها بالملك ، إلا أنه يلزم الخروج عنه بالتعليل في ذيله ، المختص بما إذا علم اتحاد اليد ، إذ في غير ذلك لا تصلح البينة لبيان سبب اليد ، كي تسقطها عن الحجية.

لكن ظاهر الجواهر أنه فهم منه العموم ، لاستدلاله بأن الأصل عدم تجدد يد اخرى غير الأولى ، وعدم تجدد ما يوجب انقلاب اليد الأولى من غير المالكية للمالكية.

ومن الظاهر أن جريان الأصل الأول مختص باحتمال تعدد اليد ، والثاني مختص باحتمال انقلاب حال اليد مع فرض وحدتها.

وكيف كان ، فيشكل التمسك بالأصل الأول بأنه لا يحرز كون اليد الحالية بقاء لليد الأولى غير المالكية إلا بناء على الأصل المثبت ، فلا يخرج به عن أصالة كون اليد الفعلية مالكية ، الذي هو عبارة اخرى عن حجية اليد على الملكية.

كما استشكل في الثاني بأنه محكوم لليد الفعلية ، لأن مقتضى أماريتها على الملكية صيرورتها مالكية وتبدلها عما كانت عليه.

وقد دفعه بعض الأعاظم قدّس سرّه بأن موضوع الحجية هو اليد المجهولة الحال غير المعلومة العنوان من كونها يد إجارة أو أمانة أو غصب ، واستصحاب حال اليد محرز لتعنونها بأحد العناوين المذكورة ، فتخرج بسببه عن موضوع الحجية تعبدا ويكون حاكما عليها.

لكن أورد عليه بعض الأعيان المحققين قدّس سرّه بأن اليد كسائر الأمارات ليس الجهل مأخوذا في موضوعها ، كما في الأصول التعبدية ، بل هو مورد لحجيتها ، فلا ينهض الاستصحاب المذكور بالحكومة عليها ، لأن ارتفاع الجهل به تعبدا لا

٣٩١

يوجب ارتفاع موضوع الحجية فيها ، بل لو تم عموم حجيتها كانت هي الحاكمة على الاستصحاب.

وفيه : أن الفرق بين أخذ الجهل في موضوع الحجية وكونه موردا لها لا يرجع إلى محصل ، بل إن كانت الحجية منوطة به كان جزءا لموضوعها ، وإلا لم يكن موردا لها.

نعم ، قد يستفاد ذلك من كلماتهم في توجيه الفرق بين الأمارة والأصل التعبدي ، لتوجيه حكومتها عليه ورفعها لموضوعه تعبدا دون العكس ، مع كون كل منهما رافعا للجهل تعبدا ، جريا على مبانيهم في توجيه الجمع بين الأمارة والأصل.

ولا بدّ من رجوعه إلى أن دليل الأصل لما كان متضمنا لأخذ الجهل بعنوانه في موضوع الأصل كان دليل الأمارة المتضمن لرفع الجهل تعبدا ناظرا إليه وحاكما عليه لتصرفه في موضوعه ورفعه له بعنوانه تعبدا.

أما الأمارة فحيث لم يتضمن دليلها أخذ الجهل بعنوانه في موضوع حجيتها فدليل الأصل وإن كان رافعا للجهل تعبدا لا يكون ناظرا إليها ولا حاكما عليها ، لعدم تصرفه في موضوعها بعنوانه.

غاية الأمر أن استحالة جعل الحجية مع العلم موجب لتخصيص حجيتها لبا بصورة الجهل الحقيقي ، وهو باق في فرض التعبد بالأصل.

وهذا ـ كما ترى ـ مختص بفرض إطلاق دليل حجية الأمارة ، ولا يمنع من أخذ الجهل في موضوع بعض الأمارات ، ولا يخرجها ذلك عن الامارية ، كما هو الحال في الظن الانسدادي بناء على الكشف وفي القرعة على بعض الاحتمالات.

ولعل ذلك هو المدعى لبعض الأعاظم في المقام ، ولا تهافت في كلامه.

نعم ، يشكل ما ذكره بعض الأعاظم قدّس سرّه من وجوه ..

٣٩٢

الأول : أن لازمه حكومة استصحاب كون اليد مالكية في فرض العلم بسبق ذلك على حجية اليد ، لارتفاع الجهل بحال اليد تعبدا بسببه ، فلا تكون اليد حجة ، بل الحجة هو استصحاب الملكية لا غير ، ولا يظن به ولا بغيره الالتزام بذلك ، لمنافاته للمرتكزات جدا.

الثاني : أن مقتضاه التعارض بين الاستصحاب المذكور وحجية اليد ، لأخذ الجهل في موضوع كل منهما وصلوحهما معا لرفع الجهل تعبدا على مبانيهم ، فكما أن حجية اليد مشروطة بالجهل بحالها والاستصحاب يحرز أنها غير مالكية ، كذلك استصحاب كون اليد مالكية مشروط بالجهل ببقاء حال اليد السابقة ، ومقتضى إحراز اليد للملكية أنها مالكية فعلا وقد انقلبت عما كانت عليه.

نعم ، لا مجال للإشكال المذكور ـ لو تم ما ذكره من أن إحرازها للمالكية متفرع على إحرازها للملكية ومتأخر عنه رتبة ـ لأن الاستصحاب لما كان رافعا لموضوع حجيتها على الملكية كان جاريا في الرتبة السابقة لإحرازها للمالكية ، فيمنع منه ، ولا رافع لموضوع الاستصحاب حينئذ.

لكن الظاهر عدم تماميته ، إذ ليس المراد بمالكية اليد إلا مالكية صاحبها ، مع وضوح التضايف بين ملكية الشيء لصاحب اليد ومالكية صاحبها له بنحو يكون التعبد بأحدهما تعبدا بالآخر عرفا ، لا ملازما له ومتفرعا عليه.

ولو لا ذلك أشكل إحراز مالكية اليد حتى في فرض إحرازها للملكية ، لما تقدم من عدم حجية اليد في لوازم الملكية وإن كانت أمارة.

ومنه يظهر أن مرجع دعوى أخذ الجهل بحال اليد في موضوع حجيتها إلى دعوى أخذ الجهل بالملكية في موضوع حجيتها ، لكن بنحو يكون من شئونها المحمولة عليها ، فلا يكفي في الحكومة عليها استصحاب عدم الملكية بمفاد ليس الناقصة الذي هو مفاد السالبة المحصلة ـ والذي يجري ذاتا في أغلب

٣٩٣

موارد اليد ، كما تقدم ـ بل لا بدّ من استصحابه بمفاد كان الناقصة ، الذي هو مفاد الموجبة المعدولة.

الثالث : أن إطلاق موضوع الحجية تابع لدليلها ، فان كان هو النصوص السابقة فمن الظاهر عدم تضمنها أخذ الجهل بعنوانه قيدا في الموضوع.

وإن كان هو الأدلة اللبية من الإجماع والسيرة ونحوهما فهي لا تتعرض غالبا لأخذ الخصوصيات العنوانية ، بل المدار فيها على المعنون ، فان استفيد منها اعتبار الجهل الحقيقي ، لاستحالة جعل الحجية مع العلم ، كانت اليد كسائر الامارات حاكمة على الاستصحاب لا محكومة له ، وإن استفيد منها اعتبار الجهل بمعنى فقد الحجة لم يكن الاستصحاب حاكما على اليد ، بل كان واردا عليها ، لرفعه لموضوع حجيتها حقيقة ، كوروده على الأصول العقلية.

الرابع : أن ما ذكره مبني على ما ذكره غير واحد من نهوض أدلة التعبد الشرعي في الأمارات والأصل برفع الجهل تنزيلا أو تعبدا ، وهو مخالف للتحقيق ، وليس تقديم الأمارات على الأصل لذلك ، بل لجهات اخرى تجري في اليد أيضا لو فرض عموم حجيتها.

فالتحقيق : أن عدم حجية اليد في المقام ليس لحكومة الاستصحاب أو وروده عليها ، بل لعدم المقتضي لها رأسا ، لقصور دليل حجيتها عن صورة العلم بعدم مالكية صاحب اليد حين حدوث يده ، لنظير ما تقدم في المسألة الأولى من قصور السيرة الارتكازية عنه بعد عدم الإطلاق في دليل حجيتها عدا ما تضمنه موثق حفص ، وهو لا ينهض في مورد قصور السيرة ، ولذا لا تكون حجة حتى لو فرض عدم جريان الاستصحاب.

والظاهر أن ذلك لا يختص بصورة العلم بوحدة اليد ، بل يجري مع احتمال تعددها ، فلا يعتنى بالاحتمال المذكور ، لا لأجل استصحاب عدم تجدد يد اخرى ـ كما تقدم من الجواهر ـ بل لعموم بناء العقلاء على عدم الحجية.

٣٩٤

نعم ، مع العلم بتعاقب اليدين المالكية وغيرها والجهل بتاريخهما لا يبعد حجية اليد ، بل هو المطابق للمرتكزات العقلائية.

ثم إن الظاهر أن عدم حجية اليد في محل الكلام لا يتوقف على الدعوى ، بل يجري في حق كل من علم بسبق عدم ملكية صاحب اليد حين وضع يده أو قامت عنده الحجة عليه.

وبهذا كان بين موضوع هذه المسألة وموضوع المسألة السابقة عموم من وجه ، فيجتمعان فيما لو علم بسبق ملكية المدعي وعدم ملكية صاحب اليد حين وضع يده ، وتفترق تلك فيما لو علم بسبق ملكية المدعي واحتمل مالكية صاحب اليد حين وضع يده ، وتفترق هذه فيما لو علم بعدم ملكية صاحب اليد حين وضع يده من دون أن يدعي عليه المالك السابق.

ولو لا هذا لكان الحكم بعدم الحجية في هذه المسألة أولى منه في المسألة الأولى ، وكان الأنسب تقديمها عليها.

نعم ، لا يبعد قبول قول صاحب اليد لو ادعى تجدد ملكيته بعد وضع يده ، أو مع تجدد اليد في غير مورد الدعوى ، ولا سيما إذا لم يسبق منه العدوان ، بل كانت يده أمانية.

كما لا ينبغي الإشكال في البناء ظاهرا على نفوذ تصرف من سبقت منه اليد الأمانية وإن لم يدع الملكية ، ولا بدّ من التأمل في أطراف المسألة. والله سبحانه ولي العصمة والسداد.

المسألة الثالثة : الظاهر أن حجية اليد على ملكية صاحبها لا تختص بالغير ، بل تجري في حق صاحب اليد نفسه لو شك في ملكيته لما تحت يده. لعموم الجهات الارتكازية المقتضية لحجية اليد. ولا سيما بعد ما تقدم في المقام الأول من عدم توقف حجية اليد على دعوى صاحبها للملكية ، إذ لا يحرز بناؤه على الملكية مع عدم دعواه ، فينحصر المصحح للبناء عليها باليد ،

٣٩٥

وخصوصية الغير في ذلك ملغية ارتكازا.

وأما النصوص فأكثرها وارد لبيان حكم الغير ، ولا إطلاق له يشمل الحجية في حق صاحب اليد نفسه لظهور نصوص التداعي في حجية اليد في فرض التخاصم من صاحبها ، بنحو تجعله منكرا ، ولا تدل على جواز اعتماد صاحبها عليها في التخاصم.

ومثلها في ذلك نصوص جوائز السلطان ، وشراء العبد من السوق ، لظهورها في حجية اليد في فرض دفع الجائزة وتعريض العبد للبيع من صاحب اليد ، ولا تدل على جواز اعتماده عليها فيهما. واختصاص موثقتي حفص ويونس بمن يشهد لصاحب اليد وبوارثه ، دون صاحب اليد نفسه.

نعم ، تستفاد حجية اليد في حق صاحبها من صحيح جميل بن صالح ، قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : «رجل وجد في منزله دينارا. قال يدخل منزله غيره؟ قلت : نعم ، كثير. قال : هذا لقطة. قلت : فرجل وجد في صندوقه دينارا. قال : يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا؟ قلت : لا. قال : فهو له» (١) فإن اختصاص الصندوق بالإنسان لا يوجب العلم بملكية ما فيه ـ خلافا لما عن المستند ـ لإمكان كونه أمانة أو نحوها.

هذا ، وفي الرياض أن مقتضى إطلاق النص والفتوى عموم الحكم لصورة العلم بأنه ليس له سابقا ، وأن الأولى العمل بالإطلاق المذكور ولو لاحتمال كونه رزقا بعثه الله إليه ، وعليه يخرج عما نحن فيه ، لعدم ابتناء الإطلاق المذكور على حجية اليد ، ليكون دليلا عليها في المقام.

لكنه في غاية الإشكال ، لأن الغافلة عن كونه رزقا بعثه الله تعالى إليه ، وعدم الاعتداد باحتماله في فرض الالتفات إليه يوجب انصراف إطلاق السؤال عنه ، واختصاصه باحتمال كونه له سابقا ، وهو كاف في تقييد الجواب ، والمرتكز

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٧ باب : ٣ من أبواب اللقطة حديث : ١.

٣٩٦

حينئذ ابتناؤه على حجية اليد ، بل هو كالمقطوع به من إطلاق الفتوى.

ويدل أيضا على عموم حجية اليد إطلاق صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام : «سألته عن الدار يوجد فيها الورق. فقال : إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم ، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به» (١) ونحوه صحيحه الآخر (٢) ، لشمول إطلاقهما لما لو لم يعلم أهل الدار أن الورق لهم ، فيكون ظاهرهما جواز ترتيبهم آثار الملكية بمجرد اليد.

هذا ، وقد يستشكل في ذلك بلزوم تقييد الصحيحين بصحيح إسحاق بن عمار : «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال : يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها. قلت : فإن لم يعرفوها؟ قال : يتصدق بها» (٣) ونحوه صحيحا الحميري في الصرة التي توجد في جوف الدابة من تعريف البائع ، فإن عرفها وإلا فهي للواجد (٤).

لظهورها في توقف الحكم بملكية صاحب اليد السابقة على معرفته للمال.

وأما صحيح جميل فصدره مناف لظاهر ذيله ، فإن دخول الكثير للدار لا يمنع من تحقق يد صاحبها عليها وعلى ما فيها.

وما ذكره السيد الطباطبائي في العروة الوثقى من ظهوره في فرض العلم بأن الدينار ليس لصاحب الدار غير ظاهر المأخذ.

بل ظاهر استفسار الإمام عليه السّلام في الذيل عن وضع الغير في الصندوق أنه لا

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٧ باب : ٥ من أبواب اللقطة حديث : ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٧ باب : ٥ من أبواب اللقطة حديث : ٢.

(٣) الوسائل ، ج ١٧ باب : ٥ من أبواب اللقطة حديث : ٣.

(٤) الوسائل ، ج ١٧ باب : ٩ من أبواب اللقطة حديث : ١ ، ٢.

٣٩٧

يحكم معه بملكية صاحب الصندوق للدينار معه ، فيطابق المصدر.

ومن هنا فقد استدل في محكي المستند بالصحيح على عدم حجية اليد في حق صاحبها بعد ما تقدم منه من حمل الحكم بملكية الدينار لصاحب الصندوق المختص على العلم بأنه له.

لكنه في غير محله ، لما تقدم من عدم ملازمة الاختصاص للعلم بذلك.

فالأولى الاقتصار في الصحيح على مورده أو الالتزام باجماله مع كون وجه البناء على عدم حجية اليد في حق صاحبها هو صحاح إسحاق والحميري التي يجب رفع اليد بها عن إطلاق صحيحي محمد بن مسلم.

اللهم إلا أن يقال : إدخال الغير يده في الصندوق ووضعه المال فيه من تحقق اليد لصاحبه على ما فيه ، لرجوعه إلى كونه معدا لإيداع الكل ، فلا يكون تابعا عرفا لصاحب الصندوق وحده ، لتثبت يده عليه.

ولأجل ذلك يقرب كون الذيل قرينة على حمل الصدر على كون دخول الكثير للمنزل بنحو يمنع أيضا من صدق اليد في حق صاحبه على الدينار الموجود فيه ، بأن يكون معدّا للدخول العام ، كبعض الدواوين والبرانيات ، فإن صاحبه لا يكون صاحب يد على مثل الدينار مما ليس من شأنه أن يطرح فيه ، ولا يكون من توابعه عرفا ، بل تختص بمثل الأثاث ونحوه من لواحق المنزل التي من شأنها أن توضع فيه ، وذلك هو المحتاج للسؤال ، وأما مجرد دخول الغير للمنزل مع تحجيبه فهو مما لا يخلو عنه منزل غالبا ، فيبعد السؤال عنه.

ومن هنا يشكل رفع اليد عن ظهور الصحيح في حجية اليد في حق صاحبها.

كما لا مجال لرفع اليد عن إطلاق صحيحي محمد بن مسلم بصحاح إسحاق والحميري ، لعدم وضوح تحقق اليد التي هي المعيار ارتكازا في الأمارية

٣٩٨

على الملكية بالإضافة إلى مورد الصحاح المذكورة.

وتوضيح ذلك : أن مجرد تبعية الشيء خارجا لما تحت اليد لا يكفي في صدق اليد التي هي محل الكلام بالإضافة إليه ، بل لا بدّ فيه إما من كون وضعه بنحو التبعية طبيعيا متعارفا ، كحافر الدابة وسرجها وأخشاب بناء الدار الظاهرة أو المدفونة فيها ، أو كونه مقصودا لصاحب اليد ، بحيث يجعل استيلاءه عليه بطريق تبعيته لما في يده ، كما لو دفن الشخص ماله في داره أو جعله في جوف دابته.

أما إذا لم يكن وضعه طبيعيا ولم يكن مقصودا لصاحب اليد فلا تصدق اليد التي هي محل الكلام ، وإن تحقق الاستيلاء الخارجي تبعا من دون قصد ، كالمال الذي يلتصق بحافر الدابة عند مشيها ، والطائر الذي ينحبس في الدار صدفة ونحوهما.

فإذا احتمل في مثل ذلك استناده للمالك لم تحرز اليد ، ومنه مورد الصحاح المذكورة.

وحينئذ إذا لم يعرف صاحب اليد على المدار والدابة المال قطع بعدم استناده إليه ، إذ ليس من شأنه أن يجهله لو استند وضعه إليه ، فيقطع بعدم ثبوت اليد له عليه ، وإن احتمل كونه ملكا له.

على أنه لو فرض تحقق اليد في مورد هذه الصحاح فمقتضاها عدم حجية اليد حتى بالإضافة إلى الغير وهو خلاف صريح موثق يعقوب المتضمن حجية اليد مع موت صاحبها ، بل لعله لا يقول به الخصم.

فلا بد من الاقتصار على مورد الصحاح المذكورة وعدم التعدي عنها ، كي يخرج بها عن إطلاق صحيحي محمد بن مسلم وصحيح جميل المعتضدة بعموم السيرة الارتكازية ، كما ذكرنا.

المسألة الرابعة : ذكر بعض الأعاظم قدّس سرّه أن اليد لا تكون حجة على الملكية

٣٩٩

مع العلم بسبق كون ما تحتها وقفا غير قابل للانتقال إلا بطروء مسوغ ، لأنها أمارة على تحقق سبب الانتقال في ظرف قابلية المحل له ، لا على تحقق القابلية المذكورة ، بل لا بدّ من إثباتها من الخارج ، فمع عدمه يكون مقتضى استصحاب عدم طروء ما يسوغ بيع الوقف خروج المورد عن موضوع حجية اليد ، فيكون حاكما عليها.

وبه يفترق عن استصحاب عدم تحقق البيع ، فإنه لما لم يوجب خروج المورد عن عموم حجية اليد لم يصلح للحكومة عليها ، بل تكون اليد هي الحاكمة عليه ، كما تحكم عليه سائر الأمارات.

ونظير الاستصحاب المذكور في المقام استصحاب خمرية الخمر ، فإنه مخرج للمال تعبدا عن قابلية التملك ، فيرتفع به موضوع حجية اليد ، ولا تنهض اليد بإثبات ملكية المائع ، فضلا عن ارتفاع خمريته.

لكن ما ذكره من أخذ قابلية المال للانتقال في موضوع حجية اليد غير ظاهر الوجه بعد عموم بعض أدلة الحجية ، كموثق حفص ، المناسب لعموم السيرة الارتكازية.

ودعوى : اختصاصها بما إذا احرزت القابلية المذكورة.

ممنوعة جدا ، ولا سيما بملاحظة ان عدم قابلية المال للانتقال بسبب الوقفية ونحوها أمر تعبدى محض ، وليس ارتكازيا عقلائيا ، فلا معنى لأن يناط به مثل حجية اليد من الامور العقلائية الارتكازية ، لعدم السنخية.

وأما توقف بعض المتحرجين عن شراء المال حينئذ وترتيب آثار الملكية عليه فمن القريب أن يكون احتياطا محضا ناشئا عن التورع أو عن الاطمئنان في كثير من الموارد بعدم المسوغ مع سهولة الاحتياط ، ولم يتضح تفرعه على البناء على عدم حجية اليد.

على أنه يكفي في بطلان ما ذكره النصوص الكثيرة والسيرة القطعية على

٤٠٠