علم بنسخ الوجوب واحتمل تبدله بالاستحباب ، فيستصحب الطلب ، لأن الوجوب مرتبة شديدة منه والاستحباب مرتبة ضعيفة منه.
وقد استشكل في ذلك المحقق الخراساني قدّس سرّه : بأن الاستحباب وإن كان من مراتب الوجوب حقيقة ، إلا أنهما متباينان عرفا ، فيمتنع الاستصحاب.
لكن عرفت عدم الاعتداد بالتسامح العرفي في امتثال المقام.
نعم ، الظاهر أن الاستحباب ليس من مراتب الوجوب ، وليس هو مرتبة ضعيفة من الطلب ، بل هما فردان منه بينهما كمال المباينة ، والوجوب منتزع من الطلب مع المنع من الترك ولو مع ضعف الطلب لضعف ملاكه ، والاستحباب منتزع من الطلب مع الترخيص فيه لوجود المانع من الإلزام ولو مع قوته لقوة ملاكه ، أو هما منتزعان من نحوين من الإرادة التشريعية ، وإن كان يجمعهما تشريع الفعل ونسبته للمولى على ما يذكر في محله.
لكنّ هذا إنما يقتضي تباين الوجوب والاستحباب بما أنهما حكمان منتزعان من الطلب في حالتيه المختلفتين ، أو التشريع بخصوصيته المتباينتين ، ولا يمنع من استصحاب الأمر المشترك بينهما ونفس الطلب ، أو تشريعه ونسبته للمولى الذي هو موضوع حسن الطاعة عقلا مع قطع النظر عن مقارنته للخصوصيتين المذكورتين ، وإنما يناط بالمنع من الترك وجوب الطاعة وبالترخيص فيه جواز تركها ، ومن الظاهر أن الأمر المشترك متيقن حين الوجوب ، ولا يكون التبدل بالاستحباب تبدلا في فرده ، بل يكون تبدلا في حالته ومقارنه ، فالمستصحب هو الطلب بما له من الوجود الخاص المتيقن ، ويكون من القسم الأول لاستصحاب الكلي ، لا من هذا القسم ، فلا مجال لجعله ثمرة لجريان الاستصحاب في هذه الصورة.
الصورة الثالثة : ما إذا احتمل مقارنة الفرد المشكوك للفرد المتيقن وبقاؤه بعده ، كما لو علم بدخول زيد الدار يوم الجمعة وخروجه منها يوم السبت ،