تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك

الدكتور محمّد علي سلطاني

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

الدكتور محمّد علي سلطاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٧

إذا اتصل ب «عسى» ضمير موضوع للرفع ، وهو لمتكلم نحو : «عسيت» ، أو لمخاطب نحو : «عسيت وعسيت ، وعسيتما ، وعسيتم ، وعسيتنّ» ، أو لغائبات نحو : «عسين» جاز كسر سينها وفتحها ، والفتح أشهر ، وقرأ ناقع : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ)(١) بكسر السين ، وقرأ الباقون بفتحها.

__________________

(١) سورة محمد (٢٢) والآية بتمامها : «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ».

٢١

أسئلة

١ ـ عدد أفعال المقاربة .. واذكر معانيها ... وأقسامها بالنسبة لهذه المعاني .. وعلّل لم سميت أفعال مقاربة مع أنها تأتي للمقاربة وغيرها؟ ثم مثّل لكل فعل بمثال : ـ

٢ ـ لماذا خصّ النحاة (كاد) وأخواتها بباب مستقل مع أنها تعمل عمل (كان)؟ هل من فرق بينهما؟ وضح ذلك بالمثال : ـ

٣ ـ بيّن حكم هذه الأفعال من حيث التصرف وعدمه مع التمثيل ...

٤ ـ ما عمل هذه الأفعال في المبتدأ والخبر وما شروط خبرها؟ مثل.

٥ ـ قال النحاة : «خبر هذه الأفعال إما أن يقترن (بأن) المصدرية وجوبا ـ أو جوازا ـ أو يمتنع» اشرح هذا القول بالتفصيل ممثلا ومستشهدا حيث أمكنك.

٦ ـ تستعمل كلّ من : (عسى ـ أوشك ـ اخلولق) ناقصة أحيانا وتامة أحيانا أخرى فمتى يكون ذلك؟ وضح ما تقوله بالأمثلة.

٧ ـ اذكر ما تمتاز به (عسى) عن بقية أفعال هذا الباب ومثل لما تقول

٨ ـ علام يستشهد النحاة بما يأتي في هذا الباب اشرح ووضح.

(إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ (١) يَراها ـ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ (٢) نارٌ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ (٣) خَيْرٌ لَكُمْ).

__________________

(١) آية ٤٠ سورة النور.

(٢) آية ٣٥ سورة النور.

(٣) آية ٢١٦ سورة البقرة.

٢٢

إذا المجد الرفيع تواكلته

بناة السوء أوشك أن يضيعا

أراك علقت تظلم من أجرنا

وظلم الجار إذلال المجير

فإنك موشك ألا تراها

وتعدو دون غاضرة العوادي

وما ذا عسى الحجاج يبلغ جهده

إذا نحن جاوزنا حفير زياد

٢٣

تمرينات

١ ـ حدّث عن (محمد وفاطمة) ومثنييهما وجمعهما في المثالين الآتيين : (على تقدير خلوّ (أوشك) من الضمير وتحمّلها له) :

(فاطمة أوشكت أن تفوز بالنجاح ... أوشك أن يفوز محمد).

٢ ـ قال ابن زيدون :

يكاد حين تناجيكم ضمائرنا

يقضي علينا الأسى لو لا تأسّينا

(ا) أعرب البيت مبينا ما تحتمله كلمة «الأسى» من إعراب.

(ب) هل ترى في البيت شاهدا نحويا يمكن أن يستشهد به على شيء مما درسته؟ بيّن ذلك.

٣ ـ هات لكل من الأحوال الآتية جملتين مفيدتين مع بيان السبب :

(ا) خبر من أخبار هذه الأفعال يغلب اقترانه (بأن) المصدرية.

(ب) خبر يجب اقترانه بها.

(ج) خبر يترجح تجرده منها.

(د) خبر يمتنع اقترانه بها مع بيان السبب.

٤ ـ بيّن الوجوه الممكنة في إعراب الجملة الآتية :

(يوشك أن يقع الظالم في شر عمله).

٥ ـ المجدّ عسى أن ينجح ـ عسى أن تفوز الطالبة).

اجعل الجملتين السابقتين للمثنى والجمع مقدرا خلو (عسى) من الضمير مرة وتحملها له مرة أخرى.

٢٤

٦ ـ أعرب قول الله عزوجل :

(وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ (١) وَرَقِ الْجَنَّةِ ـ عَسى رَبُّكُمْ (٢) أَنْ يَرْحَمَكُمْ).

٧ ـ اشرح البيت الآتي وأعرب ما تحته خط :

إذا غيّر النأي المحبين لم يكد

رسيس (٣) الهوى من حب ميّة يبرح

__________________

(١) آية ١٢١ سورة طه.

(٢) آية ٨ سورة الإسراء.

(٣) رسيس الهوى : أصله وأساسه.

٢٥

«إن» وأخواتها

ل : «إنّ ، أنّ ، ليت ، لكنّ ، لعل

كأنّ» عكس ما ل «كان» من عمل (١)

ك «إنّ زيدا عالم بأنّي

كفء ، ولكنّ ابنه ذو ضغن» (٢)

هذا هو القسم الثاني من الحروف الناسخة للابتداء ، وهي ستة أحرف : إنّ ، وأنّ ، وكأنّ ، ولكنّ ، وليت ، ولعلّ. وعدّها سيبويه خمسة فأسقط «أنّ» المفتوحة لأن أصلها «إنّ» المكسورة كما سيأتي (٣).

__________________

(١) لإن : اللام : حرف جر متعلق بمحذوف خبر مقدم للمبتدأ عكس ، إن (قصد اللفظ) : مجرور باللام ، وما بعده معطوف عليه بعاطف مقدّر ، عكس : مبتدأ مؤخر ، ما : اسم موصول في محل جر بالإضافة ، لكان : جار ومجرور متعلق بمحذوف والتقدير : ما استقر لكان ، من عمل : جار ومجرور متعلق باستقر.

(٢) إن : حرف مشبه بالفعل ، زيدا : اسمه منصوب ، عالم : خبره مرفوع ، الباء : حرف جر متعلق بعالم ، أن : حرف مشبه بالفعل ، والياء : اسمه في محل نصب كفء : خبر ، والمصدر المؤول مجرور بالباء ، لكن : حرف مشبه بالفعل ، ابنه : ابن : اسم لكن منصوب ، والهاء : مضاف إليه في محل جر ، ذو : خبر مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة ، ضغن : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.

(٣) وزاد عليها بعضهم «عسى» إذا اتصلت بها ضمائر النصب مثل : عساه يأتي.

٢٦

معانيها :

ومعنى «إنّ ، وأنّ» التوكيد ، ومعنى «كأنّ» التشبيه ، و «لكنّ» للاستدراك ، و «ليت» للتمني ، و «لعلّ» للترجّي والإشفاق.

والفرق بين الترجّي والتمني أن التمني يكون في الممكن نحو (ليت زيدا قائم» ، وفي غير الممكن نحو : «ليت الشباب يعود يوما» ، وأنّ الترجّي لا يكون إلا في الممكن ، فلا تقول : «لعلّ الشباب يعود».

والفرق بين الترجّي والإشفاق أن الترجّي يكون في المحبوب نحو «لعلّ الله يرحمنا» ، والإشفاق في المكروه نحو «لعلّ العدوّ يقدم».

عملها :

وهذه الحروف (١) تعمل عكس عمل «كان» فتنصب الاسم وترفع الخبر نحو : «إنّ زيدا قائم» فهي عاملة في الجزءين ، وهذا مذهب البصريين. وذهب الكوفيّون إلى أنها لا عمل لها في الخبر ، وإنما هو باق على رفعه الذي كان له قبل دخول «إنّ» وهو خبر المبتدأ.

تقديم الخبر

وراع ذا الترتيب ، إلّا في الذي

ك : «ليت فيها ـ أو هنا غير البذي» (٢)

__________________

(١) سميت هذه الحروف مشبهة بالفعل أي الفعل الماضي ووجه الشبه : أنها مكونه من ثلاثة أحرف فأكثر ، وأنها مبنية على الفتح ، وأنها تضمنت معنى الفعل الماضي : أكدت ، استدركت ... وعملت النصب والرفع لأنها أشبهت كان في لزوم المبتدأ والخبر والاستغناء بهما ، وعكس عملها ليحصل الفرق بينها وبين كان.

(٢) راع : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ، والفاعل : أنت ؛ ذا : اسم إشارة في محل نصب مفعول به ، الترتيب : بدل من اسم الإشارة ، إلا : أداة استثناء ، في الذي : في : حرف جر ، الذي : اسم موصول في محل جر بفي ، والجار والمجرور وقعا موقع المستثنى في محل نصب ، والتقدير : وراع ذا الترتيب في

٢٧

أي : يلزم تقديم الاسم في هذا الباب وتأخير الخبر ، إلا إذا كان الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا فإنه لا يلزم تقديمه ، وتحت هذا قسمان :

أحدهما : أنه يجوز تقديمه وتأخيره وذلك نحو : «ليت فيها غير البذي» أو «ليت هنا غير البذي» أي : الوقح ، فيجوز تقديم «فيها وهنا» على غير وتأخيرهما عنها.

والثاني : أنّه يجب تقديمه نحو : «ليت في الدار صاحبها» فلا يجوز تأخير «في الدار» لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

تقديم معمول الخبر

ولا يجوز تقديم معمول الخبر على الاسم إذا كان غير ظرف ولا مجرور نحو : «إنّ زيدا آكل طعامك» (١) فلا يجوز : «إنّ طعامك زيدا آكل». وكذا إن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا نحو : «إنّ زيدا واثق بك» أو «جالس عندك» فلا يجوز تقديم المعمول على الاسم فلا تقول : «إنّ بك زيدا واثق» أو «إنّ عندك زيدا جالس» ، وأجازه بعضهم وجعل منه قوله :

__________________

كل تركيب إلا في الذي ... كليت : الكاف : حرف جر متعلق بمحذوف صلة الموصول والتقدير : استقر كليت ، ليت (قصد لفظه) مجرور بالكاف ، فيها : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم لليت ، أو : حرف عطف ، هنا : اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب على الظرفية المكانية ، متعلق بخبر ليت ، غير : اسم ليت مؤخر ، البذي : مضاف إليه.

(١) طعامك : طعام : مفعول به لاسم الفاعل آكل منصوب ، والكاف : في محل جر بالإضافة.

٢٨

٩٦ ـ فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها

أخاك مصاب القلب جمّ بلابله (١)

وهمز «إنّ» افتح لسدّ مصدر

مسدّها ، وفي سوى ذاك اكسر

«إنّ» لها ثلاثة أحوال : وجوب الفتح ، ووجوب الكسر ، وجواز الأمرين :

__________________

(١) من شواهد سيبويه التي لم تنسب. تلحني : تلمني ، جم : كثير ، بلابله : وساوسه وأحزانه.

المعنى : لا تلمني على ما تراه مني بشأن هذه المرأة فلقد أصاب سهم حبها قلبي فأغرقه بالوساوس والأحزان.

الإعراب : لا : ناهية جازمة ، تلحني : تلح : فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، والفاعل : مستتر وجوبا تقديره : أنت ، والنون : للوقاية ، وياء المتكلم : في محل نصب مفعول به ، فيها : في : حرف جر متعلق بتلح ، وها : ضمير متصل في محل جر بفي ، فإن : الفاء تفيد التعليل ، إن : حرف مشبه بالفعل ، ينصب الاسم ويرفع الخبر ، بحبها : الباء : حرف جرّ متعلق بمصاب ، حب : مجرور بالباء وهو مضاف ، وها : مضاف إليه في محل جر ، أخاك : أخا : اسم إن منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة ، والكاف : في محل جر بالإضافة ، مصاب : خبر إن مرفوع ، القلب : مضاف إليه ، جم : خبر ثان بلابله ؛ فاعل لجم مرفوع ، والهاء : ضمير متصل في محل جر بالإضافة ،. وجملة ، إن مع معموليها : استئنافية تعليلية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه : قوله : «إن بحبها أخاك مصاب القلب» فقد قدّم معمول الخبر وهو الجار والمجرور على اسم إنّ وهو (أخاك) وهو جائز في رأي كثير من النحاة وعلى رأسهم سيبويه.

٢٩

١ ـ وجوب فتح الهمزة

فيجب فتحها إذا قدّرت بمصدر :

(ا) كما إذا وقعت في موضع مرفوع فعل : «نحو يعجبني أنك قائم» أي : قيامك (١).

(ب) أو منصوبه نحو : «عرفت أنك قائم» أي قيامك.

(ج) أو في موضع مجرور حرف نحو : «عجبت من أنّك قائم» أي من قيامك (٢).

وإنما قال : «لسدّ مصدر مسدّها» ، ولم يقل : لسدّ مفرد مسدّها ، لأنه قد يسدّ المفرد ويجب كسرها نحو : «ظننت زيدا إنّه قائم» ، فهذه يجب كسرها وإن سدّ مسدّها مفرد ، لأنها في موضع المفعول الثاني ، ولكن لا تقدّر بالمصدر ، إذ لا يصحّ : «ظننت زيدا قيامه».

__________________

(١) نقول : أنّ وما دخلت عليه أو أنّ مع معموليها في تأويل مصدر مرفوع على أنه فاعل. وقد يكون المصدر نائب فاعل كقوله تعالى : (قُلْ : أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) الآية ، أي : «أوحي إليّ استماع» وقد يكون المصدر المؤول مرفوعا بالابتداء كقوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) التقدير : رؤية الأرض خاشعة كائنة من آياته.

(٢) وقد يكون جرّ المصدر بالإضافة كقوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) أي : مثل نطقكم.

كما يجب فتح همزتها إن كانت مؤولة بمصدر معطوف على مرفوع أو منصوب أو مجرور كقوله تعالى : «يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ، وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ» أي : اذكروا نعمتي عليكم وتفضيلي إياكم.

أو كانت مؤولة بمصدر بدل من مرفوع أو منصوب أو مجرور كقوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) فأنها لكم في تأويل مصدر بدل اشتمال من المفعول به (إحدى) والتقدير : يعدكم الله إحدى الطائفتين كونها لكم.

٣٠

٢ ـ وجوب كسر الهمزة :

فإن لم يجب تقديرها بمصدر لم يجب فتحها ، بل تكسر وجوبا أو جوازا على ما سنبيّن ، وتحت هذا قسمان : أحدهما وجوب الكسر ، والثاني جواز الفتح والكسر.

فأشار إلى وجوب الكسر بقوله :

فاكسر في الابتدا ، وفي بدء صله

وحيث «إن» ليمين مكمله (١)

أو حكيت بالقول ، أو حلّت محلّ

حال ك : «زرته وإني ذو أمل» (٢)

وكسروا من بعد فعل علّقا

باللام ك : اعلم : «إنّه لذو تقى» (٣)

__________________

(١) وحيث : الواو : حرف عطف ، حيث : ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب ، متعلق بفعل محذوف والتقدير : واكسر ... والجملة معطوفة على جملة اكسر الابتدائية لا محل لها من الإعراب. إن (قصد لفظها) : مبتدأ ، ليمين : جار ومجرور متعلق بمكملة ، مكملة : خبر للمبتدأ إن ، وجملة المبتدأ والخبر في محل جر بإضافة حيث إليها.

(٢) كزرته : الكاف حرف جر متعلق بحلت والمجرور محذوف تقديره : كقولك ، وجملة : زرته في محل نصب مقول للقول ، وإني : الواو : حالية ، إن : حرف مشبه بالفعل ، ينصب المبتدأ ويرفع الخبر ، والياء : ضمير متصل في محل نصب اسم إن ، ذو : خبر إن مرفوع بالواو لأنّه من الأسماء الستة ، أمل : مضاف إليه مجرور ، وجملة إن مع معموليها في محل نصب حال من التاء في زرته.

(٣) اعلم : فعل أمر مبني على السكون ، والفاعل : ضمير مستتر وجوبا تقديره : أنت ، إنه : إن : حرف مشبه بالفعل ، ينصب الاسم ويرفع الخبر ، والهاء اسم إن في محل نصب ، لذو : اللام ابتدائية (مزحلقة) وهي التي علقت الفعل عن العمل في اللفظ ذو : خبر إن مرفوع بالواو ، تقى : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة للتعذر وجملة إن مع معموليها في محل نصب سدّت مسدّ مفعولي اعلم المعلق عن العمل في اللفظ باللام.

٣١

فذكر أنّه يجب الكسر في ستة مواضع :

الأوّل : إذا وقعت «إنّ» ابتداء ، أي : في أوّل الكلام نحو : «إن زيدا قائم» ، ولا يجوز وقوع المفتوحة ابتداء فلا تقول : «أنك فاضل عندي» ، بل يجب التأخير فتقول : «عندي أنك فاضل» ، وأجاز بعضهم الابتداء بها.

الثاني : أن تقع «إنّ» صدر صلة نحو : «جاء الذي إنّه قائم» ، ومنه قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ)(١)

الثالث : أن تقع جوابا للقسم وفي خبرها اللام نحو «والله إنّ زيدا لقائم» وسيأتي الكلام على ذلك.

الرابع : أن تقع في جملة محكية بالقول نحو : «قلت إنّ زيدا قائم» ، قال تعالى : (قالَ : إِنِّي عَبْدُ اللهِ)(٢) ، فإن لم تحك به بل أجري القول مجرى الظن فتحت نحو : «أتقول أنّ زيدا قائم؟» (٣) أي أتظنّ.

__________________

(١) من قوله تعالى : (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ ، وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ، إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) القصص (٧٦). آتيناه : آتى : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا الدالة على الفاعل ، ونا : ضمير في محل رفع فاعل والهاء : ضمير متصل في محل نصب مفعول به أوّل ، من الكنوز : جار ومجرور متعلق بآتيناه ، ما : اسم موصول في محل نصب مفعول ثان لآتى ، إن : حرف مشبه بالفعل ، مفاتحه : مفاتح : اسم إن منصوب ، والهاء : ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، لتنوء : اللام مزحلقة ، تنوء : فعل مضارع ، والفاعل مستتر جوازا تقديره هي ، والجملة في محل رفع خبر لأن ، وأن مع معموليها صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

والشاهد في الآية كسر همزة إن لوقوعها في صدر جملة الصلة ، كما أن لام الابتداء في الخبر توجب كسر الهمزة أيضا.

(٢) من قوله تعالى : (قالَ : إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) مريم (٣٠) والشاهد كسر همزة إن لأنها وقعت صدر جملة مقول القول.

(٣) أن مع اسمها وخبرها في تأويل مصدر منصوب سدّ مسدّ مفعولي تقول الذي بمعنى : تظن.

٣٢

الخامس : أن تقع في جملة في موضع الحال كقوله : «زرته وإني ذو أمل» ، ومنه قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ)(١) ، وقول الشاعر :

٩٧ ـ ما أعطياني ولا سألتهما

إلّا وإني لحاجزي كرمي (٢)

السادس : أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب وقد علّق (٣) عنها باللام نحو :

__________________

(١) سورة الأنفال (٥) ، والشاهد كسر همزة إن لوقوعها في صدر الجملة الحالية ، كما أن اللام الابتدائية (المزحلقة) في خبرها (لكارهون) موجبة لكسر همزتها.

(٢) البيت لكثير عزة من قصيدة يمدح فيها عبد الملك بن مروان وأخاه عبد العزيز.

المعنى : ما أعطاني هذان الجوادان ، ولا طلبت إليهما عطاء إلا وكرمي يمنعني من الإلحاح في المسألة.

الإعراب : ما : نافية ، أعطياني : أعطيا : فعل ماض مبني على الفتح ، وألف الاثنين : في محل رفع فاعل ، والنون : للوقاية ، وياء المتكلم في محل نصب مفعول به ، ولا : الواو : عاطفة ، لا : زائدة لتأكيد نفي «ما» ، سألتهما : سألت : فعل وفاعل ، والهاء : في محل نصب مفعول به ، والميم : حرف عماد ، والألف : حرف دال على التثنية ، إلا : أداة استثناء مفرّغ ، وإني : الواو : حالية ، إن : حرف مشبّه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر ، والياء : اسمها في محل نصب لحاجزي. اللام : مزحلقة ، حاجز : خبر إن مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله. كرمي : كرم : فاعل حاجز مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، والياء : في محل جر بالإضافة ، وجملة إن ومعموليها : في محل نصب على الحال والتقدير : ما أعطياني ولا سألتهما إلا محجوزا بكرمي من الإلحاف.

الشاهد فيه : قوله : «إلا وإني لحاجزي ...» فقد كسرت همزة (إن) لوقوعها في صدر جملة الحال ، كما أن دخول اللام في خبرها موجب لكسر همزتها.

(٣) التعليق هو إبطال العمل لفظا وإبقاؤه محلا لمجيء ماله صدر الكلام بعد الفعل القلبي.

٣٣

«علمت إنّ زيدا لقائم» (١) وسنبيّن هذا في باب «ظنّ» ، فإن لم يكن في خبرها اللام فتحت نحو : «علمت أنّ زيدا قائم».

هذا ما ذكره المصنف ، وأورد عليه أنه نقص مواضع يجب كسر «إنّ» فيها :

الأوّل : إذا وقعت بعد «ألا» الاستفتاحية نحو «ألا إنّ زيدا قائم» ومنه قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ)(٢).

الثاني : إذا وقعت بعد «حيث» نحو : «اجلس حيث إن زيدا جالس» (٣).

الثالث : إذا وقعت في جملة هي خبر عن اسم عين نحو : «زيد إنّه قائم» (٤).

ولا يرد عليه شيء من هذه المواضع لدخولها تحت قوله : «فاكسر في الابتداء» لأن هذه إنما كسرت لكونها أوّل جملة مبتدأ بها.

__________________

(١) لام الابتداء علقت فعل علم عن العمل في اللفظ فدخل على الجملة ، ووجب كسر الهمزة من (إنّ) لئلا تؤول بمفرد فيعمل فيه فعل (علم) لفظا كما سيأتي في المثال التالي. ونقول هنا : جملة إن مع معموليها في محل نصب سدّت مسدّ مفعولي علم ، وفي الجملة التالية : أن (المفتوحة الهمزة) مع معموليها مصدر منصوب لفظا سدّ مسدّ المفعولين.

(٢) البقرة من الآية (١٣) وهي قوله تعالى : «وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ ، قالُوا : أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ». والشاهد كسر همزة «إن» لوقوعها في ابتداء الكلام حكما ، فقد سبقت بألا الاستفتاحية وهي حرف لا يعمل شيئا.

(٣) لأن الظرف : «حيث» يضاف إلى الجمل ولا يضاف إلى المفرد ، ومثله الظرف «إذ».

(٤) لأن همزة (إن) لو فتحت لأوّلت مع ما بعدها بالمصدر ، واسم العين لا يخبر عنه باسم المعنى أي بالمصدر ، ولذا وجب الكسر لتكون الجملة خبرا.

٣٤

٣ ـ جواز الفتح والكسر :

بعد «إذا» فجاءة أو قسم

لا لام بعده بوجهين نمي (١)

مع تلو «فا» الجزا ، وذا يطّرد

في نحو : «خير القول أنّي أحمد» (٢)

(ا) يعني أنه يجوز فتح «إنّ» وكسرها إذا وقعت بعد «إذا» الفجائية نحو : «خرجت فإذا أن زيدا قائم» فمن كسرها جعلها جملة والتقدير : خرجت فإذا زيد قائم (٣) ومن فتحها جعلها مع صلتها مصدرا وهو مبتدأ خبره «إذا» الفجائية ، والتقدير «فإذا قيام زيد» ، أي : «ففي الحضرة قيام زيد» (٤) ، ويجوز أن يكون الخبر محذوفا والتقدير : «خرجت فإذا قيام زيد موجود» ومما جاء بالوجهين قوله :

__________________

(١) بعد : ظرف متعلق بنمي ، إذا (قصد اللفظ) : مضاف إليه ، قسم : معطوفة على إذا بأو ، لا : نافية للجنس تعمل عمل إنّ ، لام : اسمها مبنيّ على الفتح في محل نصب ، بعد : ظرف متعلق بخبر لا ، والهاء : مضاف إليه ، والجملة في محل جر صفة لقسم.

(٢) مع : ظرف (يصلح للزمان والمكان) مبني على السكون في محل نصب بالعطف على «بعد» بعاطف مقدر ، ومتعلق بنمي السابق (الظرف مع : الأصل فيه الإعراب وهو منصوب إلا أن بعض العرب يبنونه على السكون) ، ذا : اسم إشارة في محل رفع مبتدأ ، جملة : يطرد مع فاعلها المستتر في محل رفع خبر ، خير : مبتدأ ، القول : مضاف إليه ، إني أحمد : جملة في محل رفع خبر للمبتدأ ، أني أحمد (بفتح الهمزة) في تأويل مصدر مرفوع خبر للمبتدأ (خير).

(٣) يجعل «إذا» حرفا دالا على المفاجأة وما بعده كلام تام.

(٤) باعتبار «إذا» التي للمفاجأة ظرفا دالا على الزمان أو المكان ، متعلقا بالخبر والتقدير : ففي الحضرة أو في الزمان الحاضر قيام زيد ، ومن النحاة من جعل «إذا» الفجائية حرفا وفتح الهمزة بعدها على التقدير الثاني الذي أتى به الشارح.

٣٥

٩٨ ـ وكنت أرى زيدا ـ كما قيل ـ سيّدا

إذا أنّه عبد القفا واللهازم (١)

روى بفتح «أنّ» وكسرها ، فمن كسرها جعلها جملة مستأنفة ، والتقدير : «إذا هو عبد القفا واللهازم» ، ومن فتحها. جعلها مصدرا

__________________

(١) لم ينسب البيت إلى قائل معيّن ، أرى : أظن ، اللهازم جمع لهزمة (بكسر اللام) وهي طرف الحلقوم الأعلى.

المعنى : لقد كنت أظن زيدا ـ كما أشيع عنه ـ سيدا فإذا هو عبد خسيس ما أكثر ما يصفع على قفاه ، وتلكز لهازمه.

الإعراب : كنت : كان الناقصة والتاء اسمها في محل رفع ، أرى (بضم الهمزة غالبا بمعنى : أظن) : فعل مضارع جاء على صيغة المبنيّ للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على آخره للتعذر ، وفاعله مستتر وجوبا تقديره : أنا ، زيدا : مفعول أول ، كما : الكاف : حرف جر متعلق بصفة محذوفة لمفعول مطلق والتقدير : كنت أظن زيدا ظنا كائنا كقول ... ، ما : مصدرية ، قيل : فعل ماض مبني للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : هو ، وما المصدرية مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف (يمكن إعراب : ما اسم موصول في محل جر بالكاف ، وجملة قيل : صلة لموصول) ، سيدا : مفعول ثان لأرى ، والجملة في محل نصب خبر لكان ، إذا : حرف دال على المفاجأة ، إنه : إن : حرف مشبه بالفعل ، ينصب الاسم ويرفع الخبر ، والهاء : في محل نصب اسمها ، عبد : خبر إن ، القفا : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة للتعذر ، اللهازم : معطوف على القفا بالواو ، والجملة : استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه : قوله : (إذا إنه) فقد روى البيت بكسر الهمزة على الوجه الذي أعربناه ، وبفتح الهمزة وتأويل أن مع ما بعدها بمصدر مرفوع على أنه :

(ا) مبتدأ والخبر محذوف والتقدير : فإذا العبودية حاصلة.

(ب) خبر والمبتدأ محذوف والتقدير : فإذا الحاصل العبودية ، وإذا في هذين الوجهين حرف لا محل له من الإعراب.

(ج) مبتدأ ، وإذا الفجائية ظرف متعلق بالخبر والتقدير : ففي الحضرة عبوديته أو : ففي الزمن الحاضر عبوديته.

٣٦

مبتدأ ، وفي خبره الوجهان السابقان ، والتقدير على الأوّل : «فإذا عبوديّته أي : ففي الحضرة عبوديّته» ، وعلى الثاني «فإذا عبوديّته موجودة».

(ب) وكذا يجوز فتح «إنّ» وكسرها إذا وقعت جواب قسم وليس في خبرها اللام نحو : «حلفت أنّ زيدا قائم» بالفتح والكسر ، وقد روى بالفتح والكسر قوله :

٩٩ ـ لتقعدنّ مقعد القصيّ.

منّي ذي القاذورة المقليّ

أو تحلفي بربّك العليّ

أنّي أبو ذيّالك الصّبيّ (١)

__________________

(١) البيتان لرؤبة بن العجاج ، روي أنه قدم من سفر فوجد امرأته قد وضعت غلاما فأنكره وقال ما قال. القصي : البعيد ، المقلي : المكروه ، ذيالك : تصغير ذلك على غير قياس لأن المبني لا يصغر.

المعنى : لأقصينّك عنى ، ولأبغضنّك كما يبغض القذر الدنس ، إلا أن تقسمي بالله العظيم أني أب لذلك الصبي الذي وضعته.

الإعراب : لتقعدنّ : اللام : واقعة في جواب قسم مقدر ، تقعدن : فعل مضارع مرفوع بالنون المقدرة لتوالي الأمثال لأنه من الأفعال الخمسة ، وياء المخاطبة المحذوفة لالتقاء الساكنين في محل رفع فاعل ، والنون : حرف للتوكيد لا محل له من الإعراب مقعد : ظرف مكان منصوب متعلق بتقعدن. (أو مفعول مطلق) ، والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب ، القصيّ : مضاف إليه ، مني : من حرف جر متعلق بالقصي أو بحال محذوفة من فاعل تقعدين ، أي. بعيدة مني ، والنون الثانية : للوقاية ، والياء : في محل جر بمن ، ذي : صفة للقصي مجرورة بالياء لأنها من الأسماء الستة ، القاذورة : مضاف إليه ، المقليّ : صفة ثانية للقصيّ ، أو : حرف عطف بمعنى : إلا أو إلى ، تحلفي : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد أو ، وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، وياء المخاطبة : في محل رفع فاعل ، بربك الباء حرف جر متعلق بتحلفي ، رب : مجرور بالباء ؛ والكاف : في محل جر بالإضافة ، العلي : نعت مجرور ، أني : أن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر ، والياء : في محل نصب اسمها ، أبو : خبر أن مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة ، ذيالك : ذيا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة ، واللام : للبعد ، والكاف للخطاب ، الصبيّ : بدل من

٣٧

ومقتضى كلام المصنّف أنه يجوز فتح «إنّ» وكسرها بعد القسم إذا لم يكن في خبرها اللام سواء كانت الجملة المقسم بها فعلية والفعل فيها ملفوظ به نحو : «حلفت إنّ زيدا قائم». أو غير ملفوظ به نحو : «والله إنّ زيدا قائم» ، أو اسمية نحو : «لعمرك إنّ زيدا قائم» (١).

(ج) وكذلك يجوز الفتح والكسر إذا وقعت «إنّ» بعد «فاء» الجزاء نحو :

«من يأتني فإنّه مكرم» (٢) فالكسر على جعل «إنّ» ومعموليها

__________________

اسم الإشارة وجملة : تحلفي بربك العلي ... مع أن المحذوفة في تأويل مصدر مرفوع معطوف على مصدر متصيّد من الجملة الأولى ، والتقدير : ليكن منك قعود أو حلف ، وأن مع معموليها في تأويل مصدر مجرور بحرف متعلق بتحلفي والتقدير : أو تحلفى على أبوتي لذلك الصبيّ ، والجار والمجرور سدّا مسدّ جواب القسم.

الشاهد فيه : قوله : أو تحلفي .. أني أبو ...» فقد ورد البيت بفتح همزة «أن» وكسرها ، بعد فعل القسم ولا لام بعده ، فالفتح على ما ذكرنا ، والكسر على أن الجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب.

(١) لعمرك : اللام : ابتدائية للتوكيد ، عمر : مبتدأ مرفوع وهو مضاف ، والكاف : مضاف إليه في محل جر ، والخبر : محذوف وجوبا تقديره : قسمي ، وجملة إن مع معموليها : جواب القسم لا محل لها من الإعراب.

تنبيه : أكثر النحاة على أن جواز الوجهين قاصر على الحالة التي يذكر فيها فعل القسم ولا لام بعده : كبيت الشاهد السابق ، ويجب الكسر في الأحوال الأخرى خلافا للكوفيين في بعضها ، أما إن كان القسم جملة اسمية مثل (لعمرك) فالكسر واجب مع اللام في خبر «إن» نحو : لعمرك إن زيدا لكريم ، والوجهان جائزان مع عدم اللام كالمثال السابق : «لعمرك إن زيدا قائم».

(٢) من : اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ ، يأتني : يأت : فعل مضارع مجزوم بمن فعل الشرط وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، والفاعل : ضمير مستتر جوازا تقديره : هو يعود إلى : من ، والنون : للوقاية ، وياء المتكلم : في محل نصب مفعول به ، والجملة في محل رفع خبر للمبتدأ من ، فإنه : الفاء : رابطة لجواب الشرط ، إنه : إن : مع اسمها ، مكرم : خبرها مرفوع : والجملة في محل جزم جواب الشرط.

٣٨

جملة أجيب بها الشرط ، فكأنه قال : «من يأتني فهو مكرم» ، والفتح على جعل «أنّ» وصلتها مصدرا مبتدأ والخبر محذوف والتقدير : «من يأتني فإكرامه موجود» ، ويجوز أن يكون خبرا والمبتدأ محذوفا والتقدير : «فجزاؤه الإكرام» (١).

ومما جاء بالوجهين قوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢) قرئ «فإنه غفور رحيم» بالفتح والكسر ، فالكسر على جعل جملة إنّ جوابا ل «من» ، والفتح على جعل «أنّ» وصلتها مصدرا مبتدأ خبره محذوف والتقدير : «فالغفران جزاؤه» ، أو على جعلها خبرا لمبتدأ محذوف والتقدير «فجزاؤه الغفران».

(د) وكذلك يجوز الفتح والكسر إذا وقعت «إنّ» بعد مبتدأ هو في المعنى قول ، وخبر «أن» قول ، والقائل واحد نحو : «خير القول أني أحمد الله» ، فمن فتح جعل «أنّ» وصلتها مصدرا خبرا عن «خير» والتقدير : «خير القول حمد الله» ، ف «خير» : مبتدأ ، و «حمد الله» : خبره. ومن كسر جعلها جملة خبرا عن «خير» كما تقول : «أوّل قراءتي : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)(٣) ، ف «أوّل» : مبتدأ ، و «سبّح اسم ربك الأعلى» : جملة خبر عن «أوّل» ، وكذلك «خير القول» : مبتدأ ، و «أنّي أحمد الله» ؛ خبره.

ولا تحتاج هذه الجملة إلى رابط لأنها نفس المبتدأ في المعنى ، فهي مثل : «نطقي الله حسبي» ، ومثّل سيبويه هذه المسألة بقوله : «أول ما أقول أنّي أحمد الله» ، وخرّج الكسر على الوجه الذي تقدم ذكره ،

__________________

(١) الوجه الثاني أرجح لكثرة ما يحذف المبتدأ بعد فاء الجزاء ، وجملة المبتدأ والخبر : جواب الشرط في محل جزم.

(٢) سورة الأنعام (٥٤).

(٣) سورة الأعلى (١).

٣٩

وهو أنه من باب الإخبار بالجمل ، وعليه جرى جماعة من المتقدّمين والمتأخرين كالمبرد ، والزجاج ، والسيرافي ، وأبي بكر بن طاهر.

وعليه أكثر النحويين.

دخول لام الابتداء على الخبر :

وبعد ذات الكسر تصحب الخبر

لام ابتداء نحو «إنّي لوزر» (١)

يجوز دخول لام الابتداء على خبر «إنّ» المكسورة نحو : «إنّ زيدا لقائم» ، وهذه اللام حقّها أن تدخل أوّل الكلام لأنّ لها صدر الكلام ، فحقها أن تدخل على «إنّ» نحو : «لإنّ زيدا قائم» ، لكن لما كانت «اللام» للتأكيد ، و «إنّ» للتأكيد ، كرهوا الجمع بين حرفين بمعنى واحد ، فأخّروا اللام إلى الخبر (٢).

ولا تدخل هذه «اللام» على خبر باقي أخوات «إنّ» ، فلا تقول : «لعلّ زيدا لقائم» ، وأجاز الكوفيّون دخولها في خبر «لكنّ» وأنشدوا :

١٠٠ ـ يلومونني في حبّ ليلى عواذلي

ولكنّني من حبّها لعميد (٣)

__________________

(١) وزر : بمعنى : ملجأ ، والخبر : مفعول به مقدم ، لام : فاعل تصحب مؤخر.

(٢) أخّروا اللام وأبقوا إنّ لأن هذه عاملة ، والعامل رتبته التقديم.

(٣) لا يعرف لهذا البيت قائل وأكثر كتب النحو تروي عجز هذا البيت دون صدره ، يقول ابن النحاس : «ولم ينشده أحد ممن أثق به في العربية ، ولا عزي إلى مشهور في الضبط والإتقان». العواذل : اللائمون ، عميد : من هدّه العشق.

المعنى : لقد أغرى بي العاذلون يلومونني في حبى لليلى ، وقد هدني غرامها.

الإعراب : يلومونني : يلومون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، والواو : فاعل في محل رفع ، النون : للوقاية ، والياء : في محل نصب مفعول به ، والجملة في محل رفع خبر مقدم للمبتدأ عواذلي (ويجوز أن تعرب الواو حرفا دالا على الجماعة ، وعواذلي : فاعل ، أو الواو : فاعل ، وعواذلي : بدل ، وسيمر ذلك مفصلا في

٤٠