تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك

الدكتور محمّد علي سلطاني

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

الدكتور محمّد علي سلطاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٧

في موهم إلغاء ما تقدّما

والتزم التّعليق قبل نفي «ما» (١)

و «إن» و «لا» «لام ابتداء أو قسم»

كذا «والاستفهام» ذاله انحتم (٢)

يجوز إلغاء هذه الأفعال المتصرّفة إذا وقعت في غير الابتداء ، كما إذا وقعت وسطا نحو : «زيد ظننت قائم» (٣) ، أو آخرا نحو «زيد قائم ظننت» (٤) ، وإذا توسّطت فقيل : الإعمال والإلغاء سيّان ، وقيل : الإعمال أحسن من الإلغاء ، وإن تأخّرت فالإلغاء أحسن ، وإن تقدمت امتنع الإلغاء عند البصريين (٥) ، فلا تقول : «ظننت زيد قائم» ، بل يجب الإعمال فتقول : «ظننت زيدا قائما». فإن جاء من لسان العرب ما يوهم إلغاءها متقدمة أوّل على إضمار ضمير الشأن كقوله :

__________________

(١) في موهم : جار ومجرور متعلق بانو في البيت السابق ، إلغاء : مفعول به لموهم ، ما : اسم موصول في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله.

(٢) «إن ، لا» معطوفتان على «ما» في البيت السابق ، لام : مبتدأ ، قسم : معطوف على «لام» بأو ، كذا : جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ ، الاستفهام : مبتدأ أول ، ذا : اسم إشارة في محل رفع مبتدأ ثان ، جملة انحتم مع الفاعل المستتر في محل رفع خبر المبتدأ الثاني ، وجملته : في محل رفع خبر للمبتدأ الأوّل.

(٣) جملة ظننت معترضة بين المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب.

(٤) جملة ظننت : استئنافية لا محل لها من الإعراب.

(٥) لأنها وقعت قبل معموليها فقد جاءت في أعلى مراتبها وأقوى صورها فيجب إعمالها.

١٠١

١٣٠ ـ أرجو وآمل أن تدنو مودّتها

وما إخال لدينا منك تنويل (١)

__________________

(١) البيت لكعب بن زهير بن أبي سلمى ، تنويل : عطاء.

المعنى : إني أرجو مودتها وآمل في قربها وما أحسب أنها ستخصي ببر أو صلة.

الإعراب : أرجو : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة للثقل ، والفاعل : ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنا ، وآمل : الواو : عاطفة ، آمل : فعل مضارع ، والفاعل : أنا ، والجملة معطوفة على الإبتدائية السابقة لا محل لها من الإعراب ، أن : حرف مصدري ونصب ، تدنو : فعل مضارع منصوب بالفتحة وسكن لضرورة الوزن ، مودتها : مودة : فاعل مرفوع بالضمة ، وها : في محل جر بالإضافة ، وأن وصلتها في تأويل مصدر منصوب على أنه مفعول به يتنازعه العاملان أرجو وآمل فيعطى لأحدهما ويقدر للثاني نظيره وما : الواو : حرف عطف ، ما : نافية ، إخال : فعل مضارع ، والفاعل : مستتر وجوبا تقديره : أنا : ومفعوله الأول ضمير الشأن المحذوف (إخاله) ، لدينا : لدى : ظرف مكان منصوب بالفتحة المقدرة ، متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وهو مضاف ، ونا : مضاف إليه في محل جر ، منك : من : حرف جر متعلق بحال محذوفة من تنويل ، والكاف : ضمير متصل في محل جر بمن ، تنويل : مبتدأ مؤخر مرفوع ، وجملة المبتدأ والخبر : في محل نصب مفعول ثان لإخال.

الشاهد فيه : قوله : «وما إخال لدينا منك تنويل» فقد احتج الكوفيون به على جواز إلغاء الفعل القلبي وهو متقدم وأعربوا ما بعده مبتدأ وخبرا. ورده البصريون بردود كثيرة أبرزها :

١ ـ أنه عامل لا ملغى على الوجه الذي أعربناه.

٢ ـ أنه معلق عن العمل بتقدير لام ابتداء مقدرة : للدينا منك تنويل ، ثم حذفت وبقي التعليق ، وجملة المبتدأ والخبر سدت مسدّ المفعولين.

٣ ـ أنه ملغى لتوسطه بتقدم «ما» عليه ، فالتوسط بين المعمولين أقوى في الإلغاء ، غير أن التوسط في الكلام مقتض أيضا.

١٠٢

فالتقدير : «وما إخاله لدينا منك تنويل» ، فالهاء : ضمير الشأن وهي المفعول الأول ، «لدينا منك تنويل» : جملة في موضع المفعول الثاني ، وحينئذ فلا إلغاء ، أو على تقدير لام الابتداء كقوله :

١٣١ ـ كذاك أدّبت حتى صار من خلقي

أنّي وجدت ملاك الشيمة الأدب (١)

التقدير : «أني وجدت لملاك الشيمة الأدب» فهو من باب التعليق ، وليس من باب الإلغاء في شيء.

__________________

(١) نسب البيت في الحماسة لرجل من بني فزارة وقبله قوله :

أكنيه حين أناديه لأكرمه

ولا ألقبه ، والسوءة اللقب

كذاك : أدبت أدبا كذاك الأدب ، ملاك الشيء : قوامه ، الشيمة : الخلق.

المعنى : أدبت على هذا النهج القويم حتى بت أعتقد أن أساس الخلق وقوام الفضائل هو الأدب.

الإعراب : كذاك : الكاف حرف جر ، ذا : اسم إشارة في محل جر بالكاف : متعلق بنعت محذوف لمفعول مطلق من فعل أدبت ، والتقدير : أدبت أدبا كذاك الأدب. والكاف : للخطاب ، أدبت : فعل ماض مبني للمجهول ، والتاء : نائب فاعل. والجملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب ، حتى : حرف ابتداء ، صار : فعل ماض ناقص ، من خلقي : من حرف جر متعلق بمحذوف خبر مقدم لصار ، خلق : مجرور بمن بكسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، والياء : في محل جر بالإضافة ، أني : أن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر ، والياء : ضمير متصل في محل نصب اسمها ، وجدت : فعل وفاعل ، والجملة : في محل رفع خبر أن ، وأن مع معموليها في تأويل مصدر مرفوع اسم صار والتقدير : صار وجداني ... من خلقي. وفي وجدت ضمير شأن محذوف هو المفعول الأول ، ملاك : مبتدأ ، الشيمة : مضاف إليه ، الأدب : خبر المبتدأ ، والجملة في محل نصب مفعول ثان لوجدت.

الشاهد فيه : قوله : «وجدت ملاك الشيمة الأدب» وقد قيل فيه من البصريين والكوفيين ما قيل في البيت السابق فارجع إليه.

١٠٣

وذهب الكوفيّون وتبعهم أبو بكر الزبيديّ وغيره إلى جواز إلغاء المتقدم فلا يحتاجون إلى تأويل البيتين.

وإنما قال المصنف «وجوّز الإلغاء» لينبّه على أنّ الإلغاء ليس بلازم بل هو جائز ، فحيث جاز الإلغاء جاز الإعمال كما تقدم ، وهذا بخلاف التعليق ، فإنه لازم ، ولهذا قال : «والتزم التعليق» (١).

فيجب التعليق إذا وقع بعد الفعل :

ـ «ما» النافية نحو «ظننت ما زيد قائم» (٢).

ـ أو «إن» النافية نحو : «علمت إن زيد قائم» ، ومثلوا له بقوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً)(٣). وقال بعضهم : ليس هذا من باب التعليق في شيء ، لأن شرط التعليق أنه إذا حذف المعلّق تسلّط العامل على ما بعده فينصب مفعولين نحو : «ظننت ما زيد قائم» فلو حذفت «ما» لقلت : «ظننت زيدا قائما» ، والآية الكريمة لا يتأتى فيها ذلك ، لأنك لو حذفت المعلّق وهو «إن» لم يتسلّط «تظنون» على «لبثتم» إذ لا يقال : «وتظنون لبثتم» ، هكذا زعم هذا القائل ، ولعله مخالف لما هو

__________________

(١) من الفروق أيضا أن العامل الملغى يقع متوسطا أو متأخرا ، والمعلّق لا يقع إلا متقدما وأن الملغى لا عمل له لا في اللفظ ولا في المحل ، والمعلّق يعمل في المحل دون اللفظ ، ويجوز العطف على محله بالنصب ، وأن الملغى لا يحتاج إلى فاصل بينه وبين معموله ، أما المعلق فلا بد له من فاصل هو الذي يعلقه عن العمل في اللفظ ، وأن الإلغاء يصيب المفعولين معا ، أما التعليق فقد يكون عن واحد منهما فقط مثل : علمت زيدا من أخوه.

(٢) اعتبرت : «ما» و «لا» و «إن» النافيات معلقة عن العمل سواء أكانت عاملة أم مهملة ، والجملة الداخلة عليها في محل نصب سدّت مسدّ المفعولين.

(٣) الإسراء (٥٢) والآية كاملة : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) إن : نافية ، لبث : فعل ماض ، والتاء : فاعل ، والميم : للجمع ، إلا : أداة حصر ، قليلا : مفعول مطلق ناب عن المصدر (أي لبثا قليلا) ، والجملة في محل نصب سدّت مسدّ مفعولي ظنّ المعلق عن العمل بإن النافية.

١٠٤

كالمجمع عليه من أنه لا يشترط في التعليق هذا الشرط الذي ذكره ، وتمثيل النحويين للتعليق بالآية الكريمة وشبهها يشهد لذلك.

ـ وكذلك يعلّق الفعل إذا وقع بعده «لا» النافية نحو «ظننت لا زيد قائم ولا عمرو».

ـ أو «لام الابتداء» نحو : «ظننت لزيد قائم».

ـ أو «لام القسم» نحو : «علمت ليقومنّ زيد» ، ولم يعدّها أحد من النحويين من المعلّقات (١).

ـ أو «الاستفهام» وله صور ثلاث :

الأولى : أن يكون أحد المفعولين اسم استفهام نحو : «علمت أيّهم أبوك» (٢).

الثانية : أن يكون مضافا إلى اسم استفهام نحو : «علمت غلام أيّهم أبوك».

الثالثة : أن تدخل عليه همزة الاستفهام نحو : «علمت أزيد عندك أم عمرو؟ ، وعلمت هل زيد قائم أو عمرو؟».

معانى هذه الأفعال :

لعلم عرفان وظنّ تهمه

تعدية لواحد ملتزمه (٣)

__________________

(١) بل عدّها ابن مالك وابن هشام وغيرهما من المعلقات ، واللام : واقعة في جواب قسم مقدر ، يقومنّ : فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ، والنون : حرف لا محل له من الإعراب ، زيد : فاعل ، والقسم المقدر مع جوابه في محل نصب سدّ مسدّ المفعولين. وجعل سيبويه «علم» بمعنى القسم فهي ليست من أفعال القلوب ، ولا توصف بإلغاء أو تعليق ، وما بعدها جواب للقسم أي جواب لها دون حاجة للتقدير ، ولم يعتبر لام القسم من المعلقات.

(٢) أيّ : اسم استفهام مبتدأ مرفوع ، أبوك : خبر (يجوز العكس أيضا) ، والجملة سدت مسدّ المفعولين في محل نصب ، لأن فعل (علم) علق بالاستفهام الذي له الصدر.

(٣) لعلم : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم للمبتدأ : تعدية ، ملتزمة : نعت للمبتدأ تعديه ...

١٠٥

إذا كانت «علم» بمعنى «عرف» تعدّت إلى مفعول واحد كقولك : «علمت زيدا» أي : عرفته ، ومنه قوله تعالى : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً)(١).

وكذلك إذا كانت «ظنّ» بمعنى «اتّهم» تعدت إلى مفعول واحد كقولك : «ظننت زيدا» أي : اتهمته ، ومنه قوله تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ)(٢) أي : بمتهم.

* * *

ول : «رأى» الرّويا انم ما : «لعلما»

طالب مفعولين من قبل انتمى (٣)

إذا كانت رأى «حلميّة» أي : للرؤيا في المنام ، تعدت إلى المفعولين كما تتعدى إليهما «علم» المذكورة من قبل ، وإلى هذا أشار بقوله : «ولرأى الرؤيا انم» ، أي : انسب ل «رأى» التي مصدرها الرؤيا ما نسب ل «علم» المتعدية إلى اثنين ، فعبّر عن الحلمية بما ذكر ، لأن «الرؤيا» ، وإن كانت تقع مصدرا لغير «رأى» الحلمية ، فالمشهور كونها مصدرا لها. ومثال استعمال «رأى» الحلمية متعدية إلى اثنين : قوله تعالى : «إِنِّي أَرانِي

__________________

(١) تمام الآية : (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل (٧٨) والشاهد في الآية مجيء (تعلمون) بمعنى (تعرفون) وتعديه إلى مفعول واحد وهو «شيئا».

(٢) سورة التكوير (٢٤) ، والقراءة المشهورة «وما هو على الغيب بضنين».

(٣) لرأى (قصد اللفظ) : جار ومجرور متعلق بفعل انم ، الرؤيا : مضاف إليه ، انم : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ، والفاعل أنت ، ما : مفعول به في محل نصب وجملة انتمى : صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ، لعلما : جار ومجرور متعلق بانتمى ، طالب : حال من «علم» ، قبل : ظرف مبني على الضم في محل جر بمن ، متعلق بانتمى. والمعنى : أعط لرأى الحلمية ما أعطي لعلم الناصبة لمفعولين.

١٠٦

أَعْصِرُ خَمْراً» (١) ، فالياء : مفعول أوّل ، و «أعصر خمرا» : جملة في موضع المفعول الثاني ، وكذلك قوله :

١٣٢ ـ أبو حنش يؤرّقني وطلق

وعمّار ، وآونة أثالا

أراهم رفقتي حتّى إذا ما

تجافى الليل وانخزل انخزالا

إذا أنا كالذي يجري لورد

إلى آل فلم يدرك بلالا (٢)

__________________

(١) من قوله تعالى : (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ ، قالَ أَحَدُهُما : إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً ، وَقالَ الْآخَرُ : إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ، نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف (٣٦).

وقد أشار الشارح إلى الشاهد ، ومثله قوله تعالى : (أَرانِي أَحْمِلُ ...)

(٢) الأبيات لعمرو بن أحمر الباهليّ يذكر فيها جماعة من قومه فارقوه ولحقوا بالشام فصار يراهم في منامه. أبو حنش وما بعده : أسماء ، رفقتي : الرفقة : الجماعة ينزلون ويرتحلون جملة. تجافى وانخزل : زال وذهب ، الورد : المنهل يستقى منه ، آل : سراب ، بلالا : ما يبل به الحلق وأراد به الماء.

المعنى : لقد سهّدني هؤلاء الأصحاب ، فإنني إذا ما نمت رأيتهم صحبتي ، حتى إذا انحسر الليل لم أجد حولي أحدا ، وإذا أنا كالذي يجري لمنهل يطفىء ظمأه منه فلا يجد إلا السراب.

الإعراب : أبو : مبتدأ مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة ، حنش : مضاف إليه ، يؤرقني : يؤرق : فعل مضارع ، والفاعل : هو ، والنون للوقاية ، والياء : في في محل نصب مفعول به ، والجملة : في محل رفع خبر المبتدأ ، طلق وعمار وأثالا (ترخيم أثالة في غير النداء للضرورة) : معطوفة على المبتدأ ، وتقدر لها أخبار نظيرة خبره ، آونة : ظرف زمان منصوب متعلق بخبر أثالا.

أراهم : أرى فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة للتعذر ، والفاعل : أنا ، والهاء : مفعول أول ، والميم : للجمع ، رفقتي : مفعول به ثان منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، والياء : في محل جر بالإضافة ، حتى : حرف ابتداء ، إذا : ظرف متضمن معنى الشرط في محل نصب متعلق بجواب الشرط في البيت ما : زائدة تجافى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر ، الليل : فاعل مرفوع ،

١٠٧

فالهاء والميم في «أراهم» المفعول الأوّل ، و «رفقتي» : هو المفعول الثاني ..

حذف المعمول :

ولا تجز هنا بلا دليل

سقوط مفعولين أو مفعول

لا يجوز في هذا الباب سقوط المفعولين ولا سقوط أحدهما إلا إذا دلّ دليل على ذلك (١). فمثال حذف المفعولين للدلالة أن يقال : «هل ظننت زيدا قائما»؟ فتقول : «ظننت» التقدير : «ظننت زيدا قائما» ، فحذفت المفعولين لدلالة ما قبلها عليهما ، ومنه قوله :

__________________

وانخزل : الواو : حرف عطف ، انخزل : فعل ماض ، والفاعل : هو ، انخزالا : مفعول مطلق. إذا : فجائية واقعة في جواب شرط إذا الأولى ، أنا : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ، كالذي : الكاف : حرف جر متعلق بمحذوف خبر للمبتدأ ، الذي : اسم موصول في محل جر بالكاف ، يجري : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة للثقل ، والفاعل : هو ، لورد : جار ومجرور متعلق بيجري ، إلى آل : جار ومجرور متعلق بيجري ، فلم : الفاء : عاطفة ، لم : حرف جازم ، يدرك : فعل مضارع مجزوم بلم ، والفاعل : هو بلالا : مفعول به منصوب.

جملة : أراهم رفقتي : استئنافية لا محل لها من الإعراب ، جملة تجافى الليل : في محل جر بإضافة إذا إليها ، جملة وانخزل انخزالا : معطوفة على السابقة في محل جر ، جملة إذا أنا كالذي ... : لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم ، جملة يجري لورد : صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ، لم يدرك بلالا : معطوفة على الصلة لا محل لها ...

الشاهد فيها : قوله : «أراهم رفقتي» فقد أعمل «رأى» الحلمية عمل (رأى) العلمية فنصب بها مفعولين على ما بينا في الإعراب.

(١) سقوط المفعولين لدليل يسميه النحاة : اختصارا : وسقوطهما لغير دليل يسمى : اقتصارا.

١٠٨

١٣٣ ـ بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة

ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب (١)

أي : «وتحسب حبّهم عارا عليّ» ، فحذف المفعولين وهما : «حبّهم» و «عارا عليّ» لدلالة ما قبلهما عليهما.

ومثال حذف أحدهما للدلالة أن يقال : «هل ظننت أحدا قائما»؟

فتقول : «ظننت زيدا» أي : «ظننت زيدا قائما» فتحذف الثاني للدلالة عليه ، ومنه قوله :

١٣٤ ـ ولقد نزلت فلا تظنّي غيره

مني بمنزلة المحبّ المكرم (٢)

__________________

(١) البيت للكميت بن زيد الأسدي من هاشمية له يمدح فيها آل البيت.

المعنى : يا من يعيب عليّ حبي لآل البيت ، بأيّ كتاب تأخذ أم على أية سنّة تعتمد في ذلك؟

الإعراب : بأي : الباء : حرف جر متعلق بترى ، أي : اسم استفهام مجرور بالباء ، كتاب : مضاف إليه ، أم : حرف عطف ، بأية سنة : جار ومجرور ومضاف إليه ، متعلق بترى ، ترى : فعل مضارع ، والفاعل : أنت ، حبهم : حب : مفعول أول ، والهاء : في محل جر بالإضافة ، والميم للجمع ، عارا : مفعول ثان لترى ، عليّ : على : حرف جر متعلق بعارا ، والياء : في محل جر بعلى ، وتحسب : الواو : حرف عطف ، تحسب : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل : أنت ، والمفعولان محذوفان بدليل مفعولي ترى ، والتقدير : وتحسب حبهم عارا عليّ.

الشاهد فيه : قوله : «وتحسب» فقد حذف المفعولين اختصارا أي لدليل.

(٢) البيت لعنترة بن شداد العبسي. المحب : اسم مفعول من أحبّ.

المعنى : لقد نزلت من قلبي يا عبلة منزلة الحبيب المكرم فلا تظنّى غير ذلك واقعا.

الإعراب : ولقد : الواو : بحسب ما قبلها ، اللام : واقعة في جواب القسم المقدر ، قد : حرف تحقيق ، نزلت : فعل وفاعل ، والجملة : جواب القسم لا محل لها من الإعراب فلا : الفاء حرف عطف دال على السببية ، لا : ناهية ، تظني : فعل

١٠٩

أي : «فلا تظني غيره واقعا» ، ف «غيره» : هو المفعول الأوّل ، و «واقعا» هو المفعول الثاني. وهذا الذي ذكره المصنف هو الصحيح من مذاهب النحويين.

فإن لم يدلّ دليل على الحذف لم يجز لا فيهما ولا في أحدهما ، فلا تقول : «ظننت» ، ولا «ظننت زيدا» ، ولا «ظننت قائما» تريد «ظننت زيدا قائما».

* * *

استعمال «القول» بمعنى «الظن» :

وك : «تظنّ» اجعل «تقول» إن ولي

مستفهما به ولم ينفصل

بغير ظرف ، أو كظرف ، أو عمل

وإن ببعض ذي فصلت يحتمل

القول شأنه إذا وقعت بعده جملة أن تحكى نحو : «قال زيد : عمرو منطلق» ، و: «تقول زيد منطلق» ، لكن الجملة بعده في موضع نصب على المفعولية (١). ويجوز إجراؤه مجرى الظن فينصب المبتدأ والخبر «مفعولين» كما تنصبهما «ظنّ». والمشهور أن للعرب في ذلك مذهبين :

__________________

مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة وياء المخاطبة : في محل رفع فاعل ، غيره : غير : مفعول به أول ، والهاء : في محل جر بالإضافة ، والمفعول الثاني محذوف اختصارا تقديره : واقعا ، والجملة : معطوفة على جملة : نزلت لا محل لها من الإعراب ، مني ، : من : حرف جر متعلق بنزلت ، والنون الثانية : للوقاية ، والياء : في محل جر بمن ، بمنزلة : جار ومجرور متعلق بنزلت ، المحب : مضاف إليه ، المكرم : نعت.

الشاهد فيه : قوله : «فلا تظني غيره» فقد حذف المفعول الثاني اختصارا ، وهو جائز في رأي جمهور النحويين.

(١) أي على أنها في محل نصب مفعول به للقول أي مقول القول.

١١٠

١ ـ أحدهما : ـ وهو مذهب عامة العرب ـ أنه لا يجرى القول مجرى الظن إلا بشروط ـ ذكرها المصنف ـ أربعة ، وهي التي ذكرها عامة النحويين :

الأول : أن يكون الفعل مضارعا.

الثاني : أن يكون للمخاطب ، وإليهما أشار بقوله «اجعل تقول» ، فإن : «تقول» مضارع وهو للمخاطب.

الشرط الثالث : أن يكون مسبوقا باستفهام ، وإليه أشار بقوله : «إن ولي مستفهما به».

الشرط الرابع : أن لا يفصل بينهما ـ أي بين الاستفهام والفعل ـ بغير ظرف ، ولا مجرور ، ولا معمول الفعل ، فإن فصل بأحدها لم يضرّ ، وهذا هو المراد بقوله : «ولم ينفصل بغير ظرف ... إلى آخره».

فمثال ما اجتمعت فيه الشروط (١) قولك : «أتقول عمرا منطلقا»؟

ف «عمرا» : مفعول أوّل ، و «منطلقا» : مفعول ثان ، ومنه قوله :

١٣٥ ـ متى تقول القلص الرّواسما

يحملن أمّ قاسم وقاسما (٢)

__________________

(١) زاد بعض النحاة شرطا خامسا هو ألا يتعدى الفعل باللام كقولنا : «أتقول لزيد : عمرو منطلق» لأن «ظن» لا يتعدى باللام فلا يحمل عليه.

(٢) البيت لهدبة بن خشرم العذري ، القلص : (بضمتين ولام مخففة) جمع قلوص وهي الفتية من الإبل ، الرواسم جمع راسمة من الرسيم وهو ضرب من سير الإبل الشديد.

المعنى : متى تظن هذه الإبل الفتيّات السريعات يحملن إلىّ من أحب.

الإعراب : متى : اسم استفهام في محل نصب على الظرفية الزمانية ، متعلق بتقول ، تقول فعل مضارع بمعنى تظن ، والفاعل : أنت ، القلص : مفعول به أول لتقول ، الرواسما : نعت للقلص منصوب ، يحملن : فعل مضارع مبني على السكون

١١١

فلو كان الفعل غير مضارع نحو : «قال زيد : عمرو منطلق» لم ينصب القول مفعولين عند هؤلاء. وكذا إن كان مضارعا بغير «تاء» (١) نحو : «يقول زيد : عمرو منطلق» ، أو لم يكن مسبوقا باستفهام نحو : «أنت تقول : عمرو منطلق» ، أو سبق باستفهام ولكن فصل بغير ظرف ولا جار ومجرور ولا معمول له نحو : «أأنت تقول : زيد منطلق» (٢). فإن فصل بأحدهما لم يضرّ نحو : «أعندك تقول زيدا منطلقا» و «أفي الدار تقول زيدا منطلقا» و «أعمرا تقول منطلقا» (٣) ، ومنه قوله :

١٣٦ ـ أجهّالا تقول بني لؤيّ

لعمر أبيك أم متجاهلينا (٤)

__________________

لاتصاله بنون النسوة والنون : في محل رفع فاعل ، والجملة : في محل نصب مفعول ثان لتقول ، أمّ : مفعول به ، قاسم : مضاف إليه قاسما : معطوف على «أم» بالواو.

الشاهد فيه : قوله : «متى تقول القلص يحملن» فقد استعمل «تقول» بمعنى «تظن» ونصب بها مفعولين لاستيفائها الشروط ، وللبيت رواية أخرى هي : متى تظن ... ولا شاهد فيها.

(١) يعني : إن لم يكن للمخاطب.

(٢) أأنت : الهمزة للاستفهام ، أنت : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ، جملة تقول مع الفاعل المستتر : في محل رفع خبر المبتدأ ، زيد منطلق : مبتدأ وخبر والجملة : مقول القول في محل نصب.

(٣) الهمزة للاستفهام ، عمرا : مفعول أول مقدم لتقول ، منطلقا : مفعوله الثاني.

(٤) البيت للكميت بن زيد الأسدي ، بنو لؤي : قريش ، متجاهلين : يظهرون الجهل وليسوا جهالا.

المعنى : أخبرني بحياتك : أتظن قريشا جاهلة بعواقب ما تصنع من تولية اليمنيّين وإيثارهم على المضريين ، أم هي تتصنّع الجهل وعدم إدراك النتائج؟

الإعراب : أجهالا : الهمزة للاستفهام ، جهالا : مفعول به ثان مقدم على عامله تقول ، تقول : فعل مضارع والفاعل : أنت ، بني : مفعول به أول منصوب بالياء لأنه

١١٢

ف : «بني لؤيّ» : مفعول أوّل ، و «جهّالا» مفعول ثان.

وإذا اجتمعت الشروط المذكورة جاز نصب المبتدأ والخبر مفعولين ل «تقول» نحو : «أتقول : زيدا منطلقا» ، وجاز رفعهما على الحكاية نحو : «أتقول : زيد منطلق».

* * *

وأجري القول كظنّ مطلقا

عند سليم نحو : «قل ذا مشفقا»

٢ ـ أشار إلى المذهب الثاني للعرب في القول ، وهو مذهب سليم ، فيجرون القول مجرى الظن في نصب المفعولين مطلقا ، أي : سواء كان مضارعا أم غير مضارع ، وجدت فيه الشروط المذكورة أم لم توجد ، وذلك نحو : «قل ذا مشفقا» ، ف «ذا» : مفعول أوّل ، و «مشفقا» : مفعول ثان ، ومن ذلك قوله :

١٣٧ ـ قالت ـ وكنت رجلا فطينا ـ

هذا ـ لعمر الله ـ إسرائينا (١)

__________________

ملحق بجمع المذكر السالم ، وحذفت النون للإضافة ، لؤي : مضاف إليه مجرور ، لعمر : اللام : ابتدائية ، عمر : مبتدأ مرفوع ، وخبره محذوف وجوبا تقديره : قسمي ، والجملة ، معترضة بين المتعاطفين لا محل لها من الإعراب ، وجواب القسم محذوف دلّ عليه ما قبله ، أبيك : أبي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة والكاف : في محل جر بالإضافة ، أم : حرف عاطفة ، متجاهلينا : معطوف على جهالا منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم.

الشاهد فيه : قوله : «أجهالا تقول بني لؤي» فقد أعمل «تقول» عمل «تظن» ونصب به مفعولين وفصل بين الاستفهام والفعل بمعموله وهو مغتفر.

(١) البيت لأعرابي أتى امرأته بضبّ اصطاده فقالت : هذا ممسوخ بني إسرائيل ، لاعتقاد العرب أن الضّباب من مسخ بني إسرائيل.

الإعراب : قالت : قال : فعل ماض مبنيّ على الفتحة ، والتاء للتأنيث ، والفاعل : هي وكنت : الواو : حالية ، كنت : كان الناقصة مع اسمها ، رجلا : خبرها ،

١١٣

ف : «هذا» : مفعول أول ل «قالت» ، و «إسرائينا» : مفعول ثان.

أعلم وأرى

إلى ثلاثة «رأى ، وعلما»

عدوّا إذا صارا : «أرى وأعلما» (١)

أشار بهذا الفصل إلى ما يتعدي من الأفعال إلى ثلاثة مفاعيل ، فذكر سبعة أفعال منها «أعلم وأرى» ، فذكر أنّ أصلهما : «علم ورأى» ، وأنهما بالهمزة يتعديان إلى ثلاثة مفاعيل ، لأنهما قبل دخول الهمزة عليهما كانا يتعدّيان إلى مفعولين نحو : «علم زيد عمرا منطلقا» و «رأى خالد بكرا أخاك» ، فلما دخلت عليهما همزة النقل زادتهما مفعولا ثالثا وهو الذي كان فاعلا قبل دخول الهمزة وذلك نحو : «أعلمت زيدا عمرا منطلقا» و «أريت خالدا بكرا أخاك» ، ف «زيدا ، وخالدا» : مفعول أوّل وهو الذي كان فاعلا حين قلت : «علم زيد ، ورأى خالد» ، وهذا هو شأن الهمزة ، وهو أنها تصيّر ما كان فاعلا مفعولا ، فإن كان الفعل قبل دخولها لازما صار بعد دخولها متعديا إلى واحد نحو : «خرج زيد ،

__________________

فطينا : نعت للخبر ، والجملة : حالية في محل نصب ، هذا : الهاء : للتنبيه ، ذا : اسم إشارة في محل نصب مفعول أول لقالت ، لعمر : اللام : حرف ابتداء ، عمر : مبتدأ. الله : مضاف إليه مجرور ، وخبر المبتدأ محذوف وجوبا تقديره : قسمي ، وجواب القسم ، محذوف دل عليه ما قبله ، إسرائينا : مفعول ثان منصوب بالفتحة الظاهرة والألف : للإطلاق.

الشاهد فيه : قوله : «قالت هذا إسرائينا» فقد نصب مفعولين بقال مع أنها لم تستوف الشروط المذكورة سابقا ، وإعمالها عمل «ظن» مطلقا لغة لبعض العرب فلا حاجة بنا إلى تكلف التخريجات المختلفة.

(١) إلى ثلاثة : جار ومجرور متعلق بعدوا ، رأى (قصد لفظه) : مفعول به مقدم لعدوا ، علم : معطوف على رأى بالواو ، عدوا : فعل ماض مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ، والواو : في محل رفع فاعل.

١١٤

وأخرجت زيدا». وإن كان متعديا إلى واحد صار بعد دخولها متعديا إلى اثنين نحو : «لبس زيد جبّة» فتقول : «ألبست زيدا جبّة» ، وسيأتي الكلام عليه. وإن كان متعديا إلى اثنين صار متعديا إلى ثلاثة كما تقدم في «أعلم وأرى».

أحكام المفعولين الثاني والثالث :

وما لمفعولي : «علمت» مطلقا

للثّان والثّالث أيضا حقّقا (١)

أي : يثبت للمفعول الثاني والمفعول الثالث من مفاعيل : «أعلم ، وأرى» ما ثبت لمفعولي «علم ، ورأى» من كونهما مبتدأ وخبرا في الأصل ، ومن جواز الإلغاء والتعليق بالنسبة إليهما ، ومن جواز حذفهما أو حذف أحدهما إذا دلّ على ذلك دليل ، ومثال ذلك : «أعلمت زيدا عمرا قائما» فالثاني والثالث من هذه المفاعيل أصلهما المبتدأ والخبر وهو «عمرو قائم» ، ويجوز إلغاء العامل بالنسبة إليهما نحو : «عمرو ـ أعلمت زيدا ـ قائم» ومنه قولهم : «البركة أعلمنا الله مع الأكابر» ف «نا» : مفعول أوّل ، و «البركة» مبتدأ ، و «مع الأكابر» ظرف في موضع الخبر (٢) ، وهما اللذان كانا مفعولين ، والأصل : «أعلمنا الله البركة مع الأكابر».

ويجوز التعليق (٣) عنهما فتقول : «أعلمت زيدا لعمرو قائم».

__________________

(١) ما : اسم موصول في محل رفع مبتدأ ، وجملة حقّق مع نائب الفاعل المستتر : في محل رفع خبره ، لمفعولي : جار ومجرور متعلق بمحذوف الصلة ، وجره بالياء لأنه مثنى ، والتقدير : ما ثبت لمفعولي علم محقق للثاني والثالث من مفاعيل أرى وأعلم ، مطلقا : حال ، أي مطلقا من كل قيد ، أيضا : مفعول مطلق.

(٢) وتصبح جملة : «أعلمنا الله» معترضة بين المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب.

(٣) خلافا لمن منع الإلغاء والتعليق مطلقا ، أو لمن منعهما في المبني للمعلوم وأجازهما في المبني للمجهول ، وهذا معنى قول الناظم (مطلقا) أي دون قيد.

١١٥

ومثال حذفهما للدلالة أن يقال : .. «هل أعلمت أحدا عمرا قائما»؟

فتقول : «أعلمت زيدا».

ومثال حذف أحدهما للدلالة أن تقول في هذه الصورة : «أعلمت زيدا عمرا» أي : «قائما» ، أو : «أعلمت زيدا قائما» أي : «عمرا قائما».

* * *

تعدى : «أرى وأعلم» إلى مفعولين :

وإن تعدّيا لواحد بلا

همز فلاثنين به توصّلا (١)

والثان منهما كثاني اثني «كسا»

فهو به في كلّ حكم ذو ائتسا (٢)

تقدم أن «رأى ، وعلم» إذا دخلت عليهما همزة النقل تعدّيا إلى ثلاثة مفاعيل ، وأشار في هذين البيتين إلى أنه إنما يثبت لهما هذا الحكم إذا كانا قبل الهمزة يتعدّيان إلى مفعولين. وأمّا إذا كانا قبل الهمزة يتعديان إلى واحد ـ كما إذا كانت «رأى» بمعنى أبصر نحو : «رأى زيد عمرا» ، و «علم» بمعنى عرف نحو : «علم زيد الحقّ» ـ فإنهما يتعديان بعد الهمزة إلى مفعولين نحو : «أريت زيدا عمرا ، وأعلمت زيدا الحقّ».

والثاني من هذين المفعولين كالمفعول الثاني من مفعولي : «كسا ، وأعطى» نحو : «كسوت زيدا جبّة» و «أعطيت زيدا درهما» : في كونه لا يصحّ الإخبار به عن الأوّل ، فلا تقول : «زيد الحقّ» كما لا تقول : «زيد درهم» ، وفي كونه يجوز حذفه مع الأوّل ، وحذف الثاني وإبقاء الأول ، وحذف الأوّل وإبقاء الثاني وإن لم يدلّ على ذلك دليل.

__________________

(١) تعديا : أي : «رأى وعلم» همز : أي همزة النقل أو التعدية.

(٢) ثاني اثنى «كسا» وبابه ، أي المفعول الثاني لما يتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبرا ، ذو ائتسا : ذو اقتداء.

١١٦

فمثال حذفهما : «أعلمت وأعطيت» ومنه قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى)(١).

ومثال حذف الثاني وإبقاء الأول : «أعلمت زيدا ، وأعطيت زيدا» ومنه قوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى)(٢).

ومثال حذف الأوّل وإبقاء الثاني نحو : «أعلمت الحقّ ، وأعطيت درهما» ، ومنه قوله تعالى : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ)(٣) ، وهذا معنى قوله : «والثاني منهما ... إلى آخر البيت» (٤).

* * *

ما يعمل عمل «أعلم وأرى» :

وك : «أرى» السّابق : «نبّا ، أخبرا

حدّث أنبأ» كذاك : «خبّرا» (٥)

__________________

(١) من قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) الليل (٥ ـ ٧)

والشاهد : حذف المفعولين من أعطى.

(٢) الضحى (٥).

(٣) من قوله تعالى : «قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ ، وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ، حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ». التوبة (٣٠)

والشاهد : حذف المفعول الأول ليعطوا وإبقاء الثاني والتقدير : حتى يعطوكم الجزية.

(٤) استثنى أكثر النحاة من إطلاق التشابه التعليق ، فكسا وبابه لا يعلق عن العمل في لفظ المفعول الثاني ، أما «أرى وأعلم» فيعلقان ، لأن علم قلبية ، وأرى ـ وإن كانت بصرية ـ حملت على القلبية في ذلك ، ومثالها قوله تعالى : «وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى».

(٥) كأرى (قصد اللفظ) : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، نبا : (قصد لفظه : مبتدأ مؤخر ، وما بعده معطوف عليه بحرف عطف محذوف ، كذاك خبرا : خبر مقدم ومبتدأ.

١١٧

تقدم أن المصنّف عدّ الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل سبعة ، وسبق ذكر «أعلم ، وأرى» ، وذكر في هذا البيت الخمسة الباقية وهي :

١ ـ «نبّأ» كقولك : «نبّأت زيدا عمرا قائما» ، ومنه قوله :

١٣٨ ـ نبّئت زرعة ـ والسّفاهة كاسمها ـ

يهدي إليّ غرائب الأشعار (١)

٢ ـ و «أخبر» كقولك : «أخبرت زيدا أخاك منطلقا» ، ومنه قوله :

١٣٩ ـ وما عليك ـ إذا أخبرتني دنفا

وغاب بعلك يوما ـ أن تعوديني (٢)

__________________

(١) البيت للنابغة الذبياني يهجو فيه زرعة بن عمرو حين بلغه أن زرعة يتوعده بالهجاء. السفاهة : الطيش وخفة الأحلام ، غرائب الأشعار : ما لم يعهد الناس له مثيلا.

المعنى : نبئت أن زرعة يتوعدني بهجاء لم يسمع الناس مثله ، وهذا سفه ، والسفه قبيح كاسمه.

الإعراب : نبئت : نبىء : فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون ، والتاء : في محل رفع نائب فاعل وهي المفعول الأول ، زرعة : مفعول به ثان ، والسفاهة : الواو : واو الاعتراض ، السفاهة : مبتدأ ، كاسمها : كاسم : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، وها : في محل جر بالإضافة ، والتقدير : السفاهة قبيحة كاسمها ، والجملة معترضة لا محل لها من الإعراب ، يهدي : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة للثقل ، والفاعل : هو يعود إلى زرعة ، إليّ : إلى حرف جر متعلق بيهدي ، والياء : ضمير متصل في محل جر بإلى ، غرائب : مفعول به منصوب ، الأشعار : مضاف إليه مجرور ، والجملة في محل نصب مفعول ثالث.

الشاهد فيه : قوله : «نبئت زرعة يهدي» فقد نصب نبأ مفاعيل ثلاثة الأول منها أصبح نائب فاعل.

(٢) نسب أبو تمام البيت في حماسته لرجل من بني كلاب. الدنف : مريض الهوى.

المعنى : ما الذي يصيبك في زيارتي إذا حملت إليك أخبار مرضى وهواي وكان بعلك غائبا؟

الإعراب : ما : اسم استفهام في محل رفع مبتدأ ، عليك : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ والتقدير : ما حاصل أو ثابت عليك ، إذا : ظرف متضمن معنى

١١٨

٣ ـ و «حدّث» كقولك : «حدّثت زيدا بكرا مقيما» ، ومنه قوله :

١٤٠ ـ أو منعتم ما تسألون فمن حد ...

دثتموه له علينا الولاء (١)

__________________

الشرط في محل نصب على الظرفية الزمانية ، متعلق بجواب الشرط المحذوف دلّ عليه ما قبله ، أخبرتني : أخبرت : فعل ماض ونائب فاعل وهو المفعول الأول ، والنون : للوقاية ، وياء المتكلم : في محل نصب مفعول ثان ، دنفا : مفعول به ثالث منصوب والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها ، وغاب : الواو : حالية ، غاب : فعل ماض ، بعلك : بعل : فاعل ، والكاف في محل جر بالإضافة ، والجملة حالية في محل نصب بتقدير «قد» ، يوما : ظرف زمان متعلق بغاب ، أن : حرف مصدري ونصب ، تعوديني : تعودي : فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، وياء المخاطبة : في محل رفع فاعل ، والنون : للوقاية ، وياء المتكلم : في محل نصب مفعول به ، وجملة تعوديني : صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب وأن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بحرف محذوف تقديره : في عيادتي ، متعلق بخبر المبتدأ «ما» في أول البيت ، أي : ما حاصل عليك في عيادتي؟.

الشاهد فيه : قوله : «أخبرتني دنفا» فقد جاء الفعل أخبر متعديا إلى مفاعيل ثلاثة وهي : نائب الفاعل ، وياء المتكلم ، ودنفا.

(١) البيت للحارث بن حلّزة اليشكري من معلقته.

المعنى : إن منعتم ما نسألكم إياه من النصفة والإخاء ونسيان الماضي استعلاء وكبرا ، فهل رأيتم أحدا يغلبنا على أمرنا أو يقودنا إلى طاعته؟ والاستفهام هنا بمعنى النفي ، وقبل بيت الشاهد وردت أبيات صدّرت بالشرط ثم عطف ما بعدها عليها وأولها :

إن نبشتم ما بين ملحة فالصا

قب فيه الأموات والأحياء

أي نبشتم ماضي ما بيننا من المعارك في ملحة والصاقب ...

الإعراب : أو : حرف عطف ، منعتم : منع : فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط عطفا على : نبشتم ، والتاء : فاعل ، والميم ، علامة الجمع ، ما : اسم موصول في محل نصب مفعول به ، تسألون : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة ، والواو : نائب فاعل ، والجملة : صلة الموصول لا محل لها من الإعراب والعائد محذوف تقديره : ما تسألونه ، فمن :

١١٩

٤ ـ و «أنبأ» كقولك : «أنبأت عبد الله زيدا مسافرا» ، ومنه قوله :

١٤١ ـ وأنبئت قيسا ـ ولم أبله

كما زعموا ـ خير أهل اليمن (١)

__________________

(١) البيت للأعشى ميمون بن قيس من قصيدة طويلة يمدح فيها قيس بن معد يكرب ، لم أبله : لم أختبره.

المعنى : لم أقف بباب قيس ولم أختبر جوده ولكن زعم الناس أنه خير أهل اليمن.

الإعراب : أنبئت : فعل ماض ونائب فاعل وهو المفعول الأول ، قيسا : مفعول به ثان ولم : الواو : حالية ، لم : حرف جازم ، أبله : أبل : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، والفاعل : أنا ، والهاء ، في محل نصب مفعول به ، والجملة : في محل نصب على الحال ، كما : الكاف حرف جر متعلق بخبر الآتي أو بصفة محذوفة لمفعول مطلق والتقدير : ولم أبله بلاء كائنا كزعمهم ، ما : حرف مصدري (يجوز أن تكون موصولا اسميا) ، زعموا : فعل ماض مبني على الضم ، والواو : في محل رفع فاعل ، وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف ، خير : مفعول ثالث لأنبئت ، أهل : مضاف إليه مجرور ، اليمن : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، وسكّن للرويّ.

الشاهد فيه : قوله : «أنبئت قيسا خير» فقد أعمل «أنبأ» في مفاعيل ثلاثة ارتفع أولها لنيابته عن الفاعل.

١٢٠