تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ٣

الدكتور محمّد علي سلطاني

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ٣

المؤلف:

الدكتور محمّد علي سلطاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الجزء الثالث

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسّلام على المعلم الأمين نبينا محمد وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين. وبعد

فهذا هو الجزء الثالث من شرح ابن عقيل من الطبعة الجديدة ، وقد أشرنا في مقدمة الجزء الثاني إلى بعض مزايا هذه الطبعة التي توخت اعتصار المنفعة كلها من مادة الكتاب لتقدمها سائغة إلى إخواننا وأبنائنا من طلبة العلم ، تشجيعا لهم ، وجذبا لاهتمامهم ، وتقريبا للكتاب إلى نفوسهم ، ليقبلوا عليه راضين غير مدفوعين ، ومستمتعين غير مترددين ، وواثقين غير وجلين ، لينالهم من الأجر والثواب ما وعد به الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسّلام حيث يقول : ((فضل العلم خير من فضل العبادة ..)).

وقد اجتمع لهذا الجزء الثالث من المزايا ما اجتمع لسابقيه وما اجتمع للاحقه الأخير ، مما سبقت الإشارة إليه في مقدمة الجزء الثاني.

ونشير هنا إلى أن هذه الطبعة جعلت هدفها الأول بناء النحو في نفس المتعلم وعقله على قاعدة صلبة من الوضوح والدقة ، ليرتفع بناء النحو متينا لبنة لبنة ، تعتمد فيه اللاحقة بقوة على السابقة ... ولكي يكون هذا البناء القوي سديدا نافعا ؛ فعليه أن يعتمد على القواعد القياسية والآراء الراجحة ، المستندة إلى القراآت القرآنية الصحيحة خاصة ،

٣

والشواهد العربية الكثيرة ، معرضا ما أمكن ذلك عن الأقوال الضعيفة ، المبنية على الضرورات ، أو الشاذ النادر من النصوص واللغات ... مما يتيح للطالب بعد ذلك ، أن ينظر في مسائل النحو من جهة ، وفي الأساليب القرآنية ومعانيها وأوجهها من جهة أخرى ، نظر المتمكن المتثبت .. كل ذلك قبل أن ينتقل إلى حواشي المحققين المبسوطة ، وزحمة أقاويلهم واتجاهاتهم المختلفة.

هذا وإن خير وسيلة للتمكن من النحو وقواعده أثناء التحصيل ، هو القيام بالتمرس العملي ، ومزاولة التطبيق الشخصي على النصوص القرآنية خاصة ، إضافة إلى المختار من النصوص العربية الفصيحة الصحيحة شعرها ونثرها بعد ذلك.

وهذا جانب قامت هذه الطبعة بتوفيره ، إذ ختمت كل بحث من بحوثها بقدر واف من الأسئلة الجزئية المدروسة ، تلتها على الأثر نصوص مختارة مناسبة ، لتكون ميدانا عمليا لتثبيت المعلومات النظرية ، وتطبيقا نافعا لها ...

ثم تكون الثمرة بعد ذلك بعون الله تمكنا من هذا العلم الأصيل ، وفهما أفضل للمعاني القرآنية ، وإدراكا أرفع لأساليب البيان القرآني وإعجازه المتميز.

والله سبحانه من وراء القصد ، إنه تعالى نعم المولى ونعم النصير.

أ. د / محمد علي سلطاني

٤

الاستثناء

حكم المستثنى ب «الا» :

ما استثنت الا مع تمام ينتصب

وبعد نفي أو كنفي انتخب (١)

اتباع ما اتصل ، وانصب ما انقطع

وعن تميم فيه إبدال" وقع (٢)

حكم المستثنى ب «إلا» النصب ، إن وقع بعد تمام الكلام الموجب (٣) ،

__________________

(١) ما : موصول في محل رفع مبتدأ. استثنت : استثنى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة. والتاء للتأنيث. إلا : فاعل استثنت ـ قصد لفظها والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. مع : ظرف متعلق باستثنت. تمام : مضاف إليه مجرور. ينتصب : مضارع مرفوع بالضمة وسكن للروي وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة في محل رفع خبر المبتدأ ما. وبعد : الواو استثنافية. بعد : ظرف منصوب بالفتحة متعلق بالتخب. نفى : مضاف إليه مجرور. أو : عاطفة ، كنفي : الكاف اسم بمعنى مثل معطوف على نفي ، وانكاف مضاف ونفي مضاف إليه.

(٢) انتخب : فعل ماض مبني للمجهول. اتباع : نائب فاعل انتخب مرفوع. ما : اسم موصول في محل جر بالإضافة. اتصل : فعل ماض مبني على الفتح. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

(٣) تمام الكلام في الاستثناء أن يكون المستثنى منه مذكورا فيه ، مثل : قام القوم إلا زيدا. فهذا كلام تام ، ويقابله الاستثناء المفرّغ وهو ما لم يذكر فيه المستثنى منه ، وسيأتي الكلام عنه في الشرح ، ومثاله : ما قام إلا سعيد. والكلام الموجب هو المثبت الذي لم يدخل عليه نفي ولا نهي ولا استفهام. فإذا دخل عليه نفي أو شبهه كان غير موجب.

٥

سواء كان متصلّا أم منقطعا (١) ، نحو «قام القوم إلا زيدا وضربت القوم إلا زيدا ، ومررت بالقوم إلا زيدا ، وقام القوم إلا حمارا ، وضربت القوم إلا حمارا ، ومررت بالقوم إلا حمارا» ف «زيدا» في هذه المثل منصوب على الاستثناء ، وكذلك «حمارا».

ناصب المستثنى بإلّا :

والصحيح من مذاهب النحويين أن الناصب له ما قبله بواسطة «إلا» واختار المنصف ـ في غير هذا الكتاب أن الناصب له «إلا» وزعم أنه مذهب سيبويه ، وهذا معنى قوله «ما استثنت إلا مع تمام ينتصب» أي أنه ينتصب الذي استثنته إلا مع تمام الكلام ، إذا كان موجبا.

فإن وقع بعد تمام الكلام الذي ليس بموجب ـ وهو المشتمل على النفي ، أو شبهه ، والمراد بشبه النفي : النهي والاستفهام ـ فإما أن يكون الاستثناء متصلا ، أو منقطعا ، والمراد بالمتصل : أن يكون المستثنى بعضا مما قبله ، وبالمنقطع : ألا يكون بعضا مما قبله.

فإن كان متصلا ، جاز نصبه على الاستثناء ، وجاز إتباعه لما قبله في الإعراب ، وهو المختار ، والمشهور أنه بدل من متبوعه (٢) ، وذلك نحو : «ما قام أحد إلا زيد ، وإلا زيدا (٣) ، ولا يقم أحد إلا زيد وإلا زيدا ، وهل قام أحد إلا زيد؟ وإلا زيدا؟».

__________________

(١) يسمّى المستثنى بإلا وأخواتها متصلا إذا كان بعضا مما قبله ومن جنسه مثل : دخل الطلاب إلا سعيدا. ويسمى منقطعا إذا لم يكن بعضا مما قبله ، مثل : دخل القوم إلا حمارا.

(٢) هو بدل بعض من كل عند البصريين. وهو لا يحتاج لضمير رابط بالمبدل منه لحصول الرابط ب «إلا» لدلالتها على إخراج الثاني من الأول فتفيد أنه كان بعضا منه.

(٣) إلا زيد : إلا : أداة استثناء. زيد : بدل من أحد ، وبدل المرفوع مرفوع. إلا زيدا : إلا أداة استثناء. زيدا. مستثنى بإلا منصوب بالفتحة الظاهرة.

٦

«وما ضربت أحدا إلا زيدا (١). ولا تضرب أحدا إلا زيدا ، وهل ضربت أحدا إلا زيدا؟» فيجوز في «زيدا» أن يكون منصوبا على الاستثناء ، وأن يكون منصوبا على البدلية من «أحد» هذا هو المختار ، وتقول : «ما مررت بأحد إلا زيد ، وإلا زيدا (٢) ، ولا تمرر بأحد إلا زيد وإلا زيدا ، وهل مررت بأحد إلا زيد وإلا زيدا؟» وهذا معنى قوله : «وبعد نفي أو كنفي انتخب إتباع ما اتصل» أي اختير إتباع الاستثناء المتصل إن وقع بعد نفي أو شبه نفي.

وإن كان الاستثناء منقطعا تعيّن النصب عند جمهور العرب ؛ فتقول : «ما قام القوم إلا حمارا» ولا يجوز الإتباع ، وأجازه بنو تميم (٣) ؛ فتقول : «ما قام القوم إلا حمار ، وما ضربت القوم إلا حمارا ، وما مررت بالقوم إلا حمار» وهذا هو المراد بقوله «وانصب ما انقطع» أي انصب الاستثناء المنقطع إذا وقع بعد نفي أو شبهه عند غير بني تميم ، وأما بنو تميم فيجيزون إتباعه (فمعنى البيتين : أن الذي استثني ب «إلا» ينتصب إن كان الكلام موجبا ووقع بعد تمامه. وقد نبّه على هذا التقييد بذكره حكم النفي بعد ذلك ، وإطلاق كلامه يدل على أنه ينتصب ، سواء كان متصلا أو منقطعا.

وإن كان غير موجب ـ وهو الذي فيه نفي أو شبه نفي ـ انتخب ـ أي : اختير ـ إتباع ما اتصل ، ووجب نصب ما انقطع عند غير بني تميم ، وأما بنو تميم فيجيزون إتباع المنقطع.)

__________________

(١) ما ضربت أحدا إلا زيدا. يجوز في إعراب ما بعد إلا وجهان :

(أ) زيدا : بدل من أحدا وبدل المنصوب مثله وهذا الوجه الأول هو المختار.

(ب) زيدا : مستثنى بإلا منصوب بالفتحة.

(٢) ما مررت بأحد إلا زيد ، وإلا زيدا :

(أ) إلا زيد : إلا أداة استثناء. زيد : بدل من أحد وبدل المجرور مجرور بالكسرة.

(ب) إلا زيدا : إلا أداة استثناء زيدا مستثنى بإلا منصوب بالفتحة.

(٣) أجاز بنو تميم الإتباع في المثال «ما قام القوم إلا حمار» وما بعده على أن يكون ما بعد إلا بدل غلط من القوم.

٧

تقدم المستثنى على المستثنى منه :

وغير نصب سابق في النفي قد

يأتي ولكن نصبه اختر إن ورد (١)

إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه فإما أن يكون الكلام موجبا أو غير موجب ، فإن كان موجبا وجب نصب المستثنى نحو : «قام إلا زيدا القوم».

وإن كان غير موجب فالمختار نصبه ؛ فتقول : «ما قام إلا زيدا القوم» ومنه قوله :

٢٦ ـ فمالي إلا آل أحمد شيعة

ومالي إلا مذهب الحقّ مذهب(٢)

__________________

(١) غير : مبتدأ مرفوع. نصب. مضاف إليه مجرور. سابق : مضاف إليه مجرور. في النفي. جار ومجرور متعلق بيأتي. قد : حرف تقليل. يأتي : مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. ولكن : الواو استثنافية. لكن : حرف استدراك. نصبه : مفعول به لاختر مقدم منصوب بالفتحة ، والهاء مضاف إليه. اختر : فعل أمر مبني على السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا. إن : حرف شرط جازم. ورد : فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط وسكن الروي. وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو «أي السابق في النفي» وجواب الشرط محذوف لدلالة الكلام عليه ، أي فاختر نصبه.

(٢) قائله : الكميت يمدح آل البيت. الشّيعة : ـ بكسر الشين ـ الأنصار. المذهب : المقصد والطريقة.

المعنى : ليس لي نصير إلا آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وليس لي طريقة أنحوها إلا طريقتهم فهي الطريقة المثلى والصراط المستقيم.

الإعراب : ما : نافية مهملة. لي : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم لشيعة إلا : أداة استثناء. آل : مستثنى بإلا منصوب بالفتحة وهو مضاف. أحمد : مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل. شيعة : مبتدأ مؤخر مرفوع. وما : الواو عاطفة. ما : نافية مهملة. لي : جار ومجرور

٨

وقد روي رفعه ؛ فتقول : «ما قام إلا زيد القوم» قال سيبويه : «حدثني يونس أن قوما يوثق بعربيّتهم» يقولون : «مالي إلا أخوك ناصر» وأعربوا الثاني بدلا من الأول (١) على القلب لهذا السبب.

ومنه قوله :

٢٧ ـ فإنّهم يرجون منه شفاعة

إذا لم يكن إلا النبيّون شافع (٢)

__________________

متعلق بمحذوف خبر مقدم لمذهب الثانية. مذهب : مستثنى بإلا منصوب بالفتحة. الحق : مضاف إليه مجرور. مذهب : مبتدأ مؤخر مرفوع.

الشاهد : في قوله : «إلا آل وإلا مذهب» حيث نصب المستثنى المتقدم على المستثنى منه والكلام غير موجب والنصب في مثل هذا هو المختار.

(١) أي بدل كل من كل لأن المؤخر عام أريد به الخصوص فصح إبداله من المستثنى. وقد كان المستثنى قبل تقديمه بدل بعض فقلب المتبوع تابعا. فقولهم : «مالي إلا أخوك ناصر» من الاستثناء المفرغ لم يذكر فيه المستثنى منه. وأخوك : مبتدأ مؤخر مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة ، والكاف مضاف إليه. ناصر : بدل من أخوك بدل كل من كل ومرفوع مثله. وخبر المبتدأ متعلق الجار والمجرور «لي» التقدير : «ما كائن لي إلا أخوك ناصر».

(٢) قائله : حسان بن ثابت شاعر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. الضمير في «منه» يعود إلى النبي عليه الصلاة والسّلام.

المعنى : إن هؤلاء الخلق يرجون الشفاعة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في وقت لا يوجد فيه شافع إلا النبيون عليهم الصلاة والسّلام.

الإعراب : إنهم : إن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسمها. والميم علامة جمع الذكور. يرجون : مضارع مرفوع للتجرد علامة رفعه ثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة ، والواو في محل رفع فاعل. وجملة «يرجون» في محل رفع خبر إنّ. منه : جار ومجرور متعلق بيرجون. شفاعة مفعول به ليرجون منصوب بالفتحة. إذا : ظرف يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب ظرف زمان ، متعلق بالجواب المحذوف «يرجون». لم : حرف نفي وجزم وقلب ، يكن : فعل مضارع تام

٩

فمعنى البيت : إنه قد ورد في المستثنى السابق غير النصب ـ وهو الرفع ـ وذلك إذا كان الكلام غير موجب نحو : «ما قام إلا زيد القوم» ولكنّ المختار نصبه.

وعلم من تخصيصه ورود غير النصب بالنفي أن الموجب يتعيّن فيه النصب ، نحو «قام إلا زيدا القوم».

الاستثناء المفرغ :

وإن يفرّغ سابق «إلّا» لما

بعد يكن كما لو «الّا» عدما (١)

__________________

مجزوم بلم علامة جزمه السكون. إلّا : أداة حصر. النبيون : فاعل يكن مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. شافع : بدل من «النبيون» بدل كل من كل وهو مرفوع بالضمة. وجملة يكن النبيون : في محل جر بإضافة إذا إليها.

الشاهد : في قوله : «إلا النبيون شافع» حيث رفع المستثنى المتقدم على المستثنى منه والكلام غير موجب وهو قليل والمختار في مثله النصب.

(١) إن : حرف شرط جازم يجزم فعلين. يفرّغ : مضارع مبني للمجهول مجزوم بإن لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه السكون. سابق : نائب فاعل مرفوع. إلا : مفعول به لسابق بقصد لفظها. لما : جار ومجرور ، ما : اسم موصول في محل جر ، والجار والمجرور متعلق بيفرغ بعد : ظرف مبني على الضم في محل نصب متعلق بمحذوف صلة «ما» تقديرها «استقر» واستقرّ مع الفاعل : صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. يكن : مضارع ناقص مجزوم بإن جواب الشرط ، واسمه ضمير مستتر جوازا تقديره «هو» أي السابق كما : الكاف جارة ما : زائدة. لو. حرف مصدري. إلا : بقصد لفظها ـ نائب فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده. عدما : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى «إلا» وجملة «عدما» مفسرة لا محل لها. ولو وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف. والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر منصوب ليكن.

١٠

إذا تفرّغ سابق إلا لما بعدها ـ أي لم يشتغل بما يطلبه ـ كان الاسم الواقع بعد «إلا» معربا بإعراب ما يقتضيه ما قبل «إلا» قبل دخولها ، وذلك نحو «ما قام إلا زيد ، وما ضربت إلا زيدا ، وما مررت إلا بزيد» ف «زيد» فاعل مرفوع بقام. و «زيدا» منصوب بضربت و «زيد» متعلق بمررت ، كما لو لم تذكر «إلا» وهذا هو الاستثناء المفرّغ ، ولا يقع في كلام موجب فلا تقول «ضربت إلا زيدا».

إلغاء «إلا» المتكررة للتوكيد :

وألغ «إلا» ذات توكيد ك «لا

تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا» (١)

إذا كررت «إلا» لقصد التوكيد لم تؤثّر فيما دخلت عليه شيئا ، ولم تفد غير توكيد الأولى ، وهذا معنى إلغائها وذلك في البدل والعطف ، نحو : «ما مررت بأحد إلا زيد إلا أخيك» ف «أخيك» بدل من «زيد» ولم تؤثّر فيه «إلا» شيئا ، أي لم تفد استثناء مستقلا ، وكأنك قلت : «ما مررت بأحد إلا زيد أخيك» ومثله : «لا تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا» والأصل : «لا تمرر بهم إلا الفتى العلا» ف «العلا» بدل من «الفتى» وكررت إلا توكيدا ومثال العطف «قام القوم إلا زيدا وإلا عمرا» والأصل : «إلا زيدا وعمرا» ثم كررت «إلا» توكيدا.

__________________

(١) لا تمرر بهم .. لا : ناهية. تمرر : مضارع مجزوم بلا علامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت بهم : جار ومجرور متعلق بتمرر ، والهاء المجرورة هي المستثنى منه. إلا : أداة استثناء. الفتى : بدل من الهاء مجرور بكسرة مقدرة على الألف للتعذر. إلا : توكيد لإلا السابقة. العلا : بدل من الفتى وبدل المجرور مجرور بكسرة مقدرة. ويصح أن نعرب الفتى ، مستثنى بإلا منصوب. ولكن المختار الإتباع كما مرّ.

١١

ومنه قوله :

٢٨ ـ هل الدهر إلا ليلة ونهارها

وإلا طلوع الشمس ثم غيارها (١)

والأصل «وطلوع الشمس» وكررت «إلا» توكيدا.

وقد اجتمع تكرارها في البدل والعطف في قوله :

٢٩ ـ ما لك من شيخك إلا عمله

إلا رسيمه وإلا رمله (٢)

__________________

(١) قائله أبو ذؤيب الهذلي ، غيارها : غروبها مصدر غارت الشمس إذا غربت.

المعنى : «ليست مدة الدنيا كلها إلا عبارة عن ليل ونهار يتعاقبان بطلوع الشمس وغروبها».

الإعراب : هل : حرف استفهام. الدهر : مبتدأ مرفوع بالضمة. إلا : أداة حصر. أو أداة استثناء ملغاة. ليلة : خبر الدهر مرفوع. ونهارها : الواو عاطفة ، نهار معطوف على ليلة ومرفوع مثله. وها : في محل جر مضاف إليه. وإلا : الواو عاطفة. إلا : زائدة للتوكيد. طلوع : معطوف على ليلة ومرفوع بالضمة ، الشمس : مضاف إليه مجرور ثم : عاطفة. غيارها : معطوف على طلوع ومرفوع. وها : مضاف إليه.

الشاهد : في قوله «وإلا طلوع» حيث تكررت إلا في المعطوف وهي ملغاة لم تفد إلا توكيد الأولى.

(٢) قائله غير معروف. الشيخ : الرجل المسنّ. الرسيم : السعي بين الصفا والمروة. الرمل : السعي في الطواف.

المعنى : «إننى منقطع في شيخوختى للعمل الصالح ما بين سعي وطواف بالبيت الحرام ، فلا أعنى بغيره».

الإعراب : ما نافية مهملة. لك : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. من شيخك : جار ومجرور والكاف مضاف إليه ، والجار متعلق بالخبر المحذوف. إلا : أداة حصر عمله : مبتدأ مؤخر مرفوع. والهاء مضاف إليه إلا : زائدة لتوكيد الأولى. رسيمه : بدل من عمله بدل بعض من كل مرفوع بالضمة والهاء مضاف إليه.

١٢

والأصل : «إلا عمله رسيمه ورمله» ف «رسيمه» بدل من «عمله» و «رمله» معطوف على «رسيمه» وكررت إلا فيهما توكيدا.

تكرار «إلا» لغير التوكيد :

وإن تكرّر لا لتوكيد فمع

تفريغ التأثير بالعامل دع (١)

في واحد مما بإلا استثني

وليس عن نصب سواه مغني (٢)

إذا كرّرت «إلا» لغير التوكيد ـ وهي : التي يقصد بها ما يقصد بما قبلها من الاستثناء ، ولو أسقطت لما فهم ذلك ـ فلا يخلو : إما أن يكون الاستثناء مفرغا أو غير مفرّغ.

__________________

وإلا : الواو عاطفة ، إلا : زائدة للتوكيد. رمله : معطوف على رسيم ومرفوع ، والهاء مضاف إليه.

الشاهد : في قوله : «إلا رسيمه وإلا رمله» حيث تكررت إلا في البدل والعطف وهي ملغاة ولم تفد إلا التوكيد.

(١) إن : حرف شرط جازم : تكرر : مضارع مبني للمجهول مجزوم بإن لأنه فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى «إلا» لا : حرف عطف. لتوكيد : جار ومجرور معطوف على محذوف التقدير : إن تكرر لتأسيس لا لتوكيد. فمع : الفاء واقعة في جواب الشرط. مع : ظرف منصوب متعلق بدع ، وسكن للروي. تفريغ : مضاف إليه مجرور. التأثير : مفعول به مقدم لدع. بالعامل : جار ومجرور متعلق بالتأثير. دع : فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وجملة دع في محل جزم جواب الشرط إن.

(٢) ليس : فعل ماض ناقص مبني على الفتح ، واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره «هو» يعود إلى واحد. عن نصب : جار ومجرور متعلق ب «مغني» سواه : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الألف ، والهاء مضاف إليه. مغني : خبر ليس منصوب بالفتحة وحقه أن يكون «مغنيا» ولكن الناظم حذف الألف ووقف بالسكون على الياء ضرورة.

١٣

فإن كان مفرغا شغلت العامل بواحد ونصبت الباقي ؛ فتقول : «ما قام إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا» ولا يتعيّن واحد منها لشغل العامل ، بل أيّها شئت شغلت العامل به ، ونصبت الباقي ، وهذا معنى قوله «فمع تفريغ ـ إلى آخره» أي مع الاستثناء المفرّغ اجعل تأثير العامل في واحد مما استثنيته بإلا ، ونصب الباقي.

وإن كان الاستثناء غير مفرّغ ـ وهذا هو المراد بقوله :

ودون تفريغ : مع التقدّم

نصب الجميع احكم به والتزم

وانصب لتأخير ، وجىء بواحد

منها كما لو كان دون زائد (١)

كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي

وحكمها في القصد حكم الأول (٢)

فلا يخلو : إما أن تتقدّم المستثنيات على المستثنى منه ، أو تتأخر.

فإن تقدمت المستثنيات وجب نصب الجميع ، سواء كان الكلام موجبا أو غير موجب ، نحو «قام إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا القوم ، وما قام إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا القوم» وهذا معنى قوله : «ودون تفريغ ـ البيت» وإن تأخرت فلا يخلو : إما أن يكون الكلام موجبا ، أو غير موجب :

__________________

(١) كما : الكاف جارة. ما : الزائدة. لو : حرف مصدري. كان. فعل ماض تامّ مبني على الفتح. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى واحد في الشطر الأول. دون : ظرف منصوب متعلق بكان ـ لأنها تامة بمعنى وجد ـ زائد : مضاف إليه مجرور ولو المصدرية وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف ، والجار والمجرور متعلق بجىء. التقدير : جىء بواحد منها كوجوده منفردا.

(٢) لم يفوا : لم حرف نفي وجزم وقلب. يفوا مضارع مجزوم بلم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، والواو فاعل. إلا : أداة استثناء امرؤ : بدل من واو الجماعة وبدل المرفوع مرفوع. إلا : أداة استثناء. على : مستثنى بإلا منصوب ـ حقه أن يكون بالألف «عليا» ولكن الناظم وقف عليه بالسكون.

١٤

فإن كان موجبا وجب نصب الجميع ؛ فتقول : «قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا».

وإن كان غير موجب عومل واحد منها بما كان يعامل به لو لم يتكرر الاستثناء ، فيبدل مما قبله ـ وهو المختار ـ (١) أو ينصب ـ وهو قليل ـ كما تقدم ، وأما باقيها فيجب نصبه ، وذلك نحو : «ما قام أحد إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا» ف «زيد» بدل من «أحد» وإن شئت أبدلت غيره من الباقين ، ومثله قول المصنف : «لم يفوا إلا امرؤ إلا علي» (٢) ف «امرؤ» بدل من الواو في «يفوا» وهذا معنى قوله «وانصب لتأخير ـ إلى آخره» أي : وانصب المستثنيات كلّها إذا تأخرت عن المستثنى منه إن كان الكلام موجبا ، وإن كان غير موجب فجىء بواحد منها معربا بما كان يعرب به لو لم يتكرر المستثنى ، وانصب الباقي.

ومعنى قوله : «وحكمها في القصد حكم الأول» أن ما يتكرر من المستثنيات حكمه في المعنى حكم المستثنى الأول : فيثبت له ما يثبت للأول : من الدخول والخروج (٣) ؛ ففي قولك : «قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا». الجميع مخرجون ، وفي قولك : «ما قام القوم إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا». الجميع داخلون ، وكذا في قولك : «ما قام أحد إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا» الجميع داخلون.

__________________

(١) الإبدال مختار في الاستثناء المتصل كمثال الشارح التالي ، أما في الاستثناء المنقطع فيجب نصب الجميع على الفصحى نحو : ما قام أحد إلا حمارا إلا جملا إلا فرسا.

(٢) «علي» منصوبة وجوبا ، نقلها الشارح من كلام المؤلف على الحكاية ، وقد أشرت إلى إعرابها في الصفحة السابقة عند إعراب كلام المؤلف.

(٣) يثبت لها الدخول إن كان الكلام منفيا ، والخروج إن كان الكلام موجبا ، لأن الاستثناء من النفي إثبات ، وعكسه ـ أي الاستثناء من الإثبات نفي.

١٥

أسئلة ومناقشات

١ ـ وضّح معنى الاستثناء التامّ الموجب ، والتام غير الموجب ، والناقص ، مع التمثيل لكل ما تذكر.

٢ ـ ما معنى الاستثناء المفرغ؟ والمتصل؟ والمنقطع؟ اشرح ذلك مع التمثيل.

٣ ـ متى يجب نصب المستثنى (بإلا)؟ وما الناصب له؟ مثل لما تقول.

٤ ـ ما حكم المستثنى (بإلا) بعد كلام تام غير موجب؟. وما ذا يقصد بغير الإيجاب؟ وهل يختلف الاستثناء المتصل عن المنقطع في هذا؟

وضح ذلك مع التمثيل.

٥ ـ اذكر حكم الاستثناء المفرغ مستوفيا أنواعه مع التمثيل.

٦ ـ متى يجب نصب المستثنى (بإلا) المتقدم على المستثنى منه؟ ومتى يكون نصبه مختارا؟ وما ذا تصنع في تخريج «مالي إلا أخوك ناصر» بالرفع؟ وضح ذلك مع أمثلة من عندك.

٧ ـ قال النحاة : «تتكرر إلا لتوكيد أو لغيره».

اشرح ما المقصود بالتأكيد؟ وبغير التأكيد؟ وما مواقعها في الأول؟ وفي الثاني؟ وما حكم الأسماء الواقعة بعد إلّا هنا في الحالتين سواء عند تأخر المستثنيات عن (إلا) أو تقدمها عليها ...

وضح ذلك مع التمثيل ..

١٦

تمرينات

١ ـ (أ) وضح موضع الاستشهاد بما يأتي موجها ما تقول إذا كان هناك أكثر من وجه : ـ

«وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ (١) ـ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ (٢) ـ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (٣) ـ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ (٤)».

(ب) عيّن في النصوص القرآنية السابقة المستثنى والمستثنى منه ونوع الاستثناء.

(ج) أعرب ما بعد (إلا) في كل شاهد.

٢ ـ قال الكميت : ـ

فما لي إلا آل أحمد شيعة

وما لي إلا مذهب الحقّ مذهب

(أ) ما نوع الاستثناء في البيت؟ وأين المستثنى؟ والمستثنى منه؟

(ب) اضبط ما بعد (إلا) بما يجوز أن يضبط به ثم رجح ما تراه.

٣ ـ قال الشاعر :

فإنهم يرجون منه شفاعة

إذا لم يكن إلا النبيون شافع

__________________

(١) آية ٨١ سورة هود.

(٢) آية ١٥٧ سورة النساء.

(٣) آية ٦٧ سورة الزخرف.

(٤) آية ٣٢ سورة التوبة.

١٧

عيّن المستثنى والمستثنى منه في البيت السابق ـ واذكر كيف تعرب ما بعد (إلا)؟

٤ ـ مثل في جمل من عندك لما يلي : ـ

استثناء مفرغ ، مستثنى (بإلا) مترجح النصب ـ مستثنى (بإلا) يترجح فيه الإبدال ـ (إلّا) مكرره للتوكيد مع إعراب ما بعدها ـ استثناء منقطع مسبوق بنفي ...

٥ ـ كيف تعرب ما بعد (إلا) في المثالين الآتيين؟ ولماذا؟

ما وثقت في رجال إلا علىّ إلا أخيك.

ما وثقت في رجال إلا زيد إلا عمرو إلا خالد.

٦ ـ ضع كل كلمة من الكلمات الآتية بعد (إلا) بحيث تكون منصوبة مرة ، ومجرورة مرة ، ومرفوعة مرة ، ووجه ذلك.

(زهرة ـ غصن ـ حمامة ـ عصفور).

١٨

المستثنى ب «غير» و «سوى»

واستثن مجرورا بغير معربا

بما لمستثنى بإلا نسبا (١)

استعمل بمعنى «إلا» في الدلالة على الاستثناء ألفاظ : منها ما هو اسم ، وهو : «غير وسوى وسوى وسواء» ومنها ما هو فعل ، وهو «ليس ولا يكون» ومنها ما يكون فعلا وحرفا وهو «عدا ، وخلا ، وحاشا» وقد ذكرها المصنف كلّها.

فأما «غير ، وسوى ، وسوى ، وسواء» فحكم المستثنى بها الجر لإضافتها إليه ، وتعرب «غير» بما كان يعرب به المستثنى مع «إلا» (٢) ؛ فتقول : «قام القوم غير زيد» بنصب «غير» ، كما تقول «قام القوم إلا زيدا» بنصب «زيد» وتقول : «ما قام أحد غير زيد ، وغير زيد»

__________________

(١) استثن : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. مجرورا : مفعول به لاستثن منصوب بالفتحة. بغير : جار ومجرور تنازعه كل من استثن ومجرورا ، متعلق بمجرورا. معربا : حال من غير بقصد لفظه منصوب بالفتحة. بما : جار ومجرور ، ما اسم موصول في محل جر ، والجار والمجرور متعلق بمعربا ، لمستثنى : اللام جارة ، مستثنى مجرور باللام بكسرة مقدرة والجار والمجرور متعلق بنسب. بإلا : الباء جارة. إلا مجرورة بقصد اللفظ ، والجار والمجرور متعلق بمستثنى ، نسب : فعل ماض مبني للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ـ يعود إلى الموصول ـ وجملة نسب لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(٢) «غير» في الأصل صفة تفيد مغايرة مجرورها لموصوفها ، وأما «إلا» فأصلها مغايرة ما بعدها لما قبلها نفيا وإثباتا ـ فلما اتفقا ـ أي غير وإلا ـ في مطلق المغايرة حملت «غير» على «إلا» في الاستثناء بها في المغايرة نفيا وإثباتا ، فاستحق الاسم بعدها إعراب المستثنى ولكنه مشغول بجرّ الإضافة. فحمل حقّه من الإعراب على «غير» بطريق العارية.

١٩

بالاتباع والنصب ، والمختار الإتباع ، كما تقول : «ما قام أحد إلا زيد وإلا زيدا» وتقول : «ما قام غير زيد» فترفع «غير» وجوبا كما تقول : «ما قام إلا زيد» برفعه وجوبا ، وتقول : «ما قام أحد غير حمار» بنصب «غير» عند غير بني تميم ، وبالإتباع عند بني تميم ، كما تفعل في قولك : «ما قام أحد إلا حمارا ، وإلا حمار».

وأما «سوى» فالمشهور فيها كسر السين والقصر ، ومن العرب من يفتح سينها ويمدّ ، ومنهم من يضمّ سينها ويقصر ، ومنهم من يكسر سينها ويمدّ ، وهذه اللغة لم يذكرها المصنف ، وقلّ من ذكرها ، وممن ذكرها الفاسيّ (١) في شرحه للشاطبيه. ومذهب سيبويه والفراء وغيرهما أنها لا تكون إلا ظرفا (٢) فإذا قلت : «قام القوم سوى زيد» ف «سوى» عندهم منصوبة على الظرفية ، وهي مشعرة بالاستثناء ، ولا تخرج عندهم عن الظرفية إلا في ضرورة الشعر.

واختار المصنف أنها ك «غير» فتعامل بما تعامل به «غير» من الرفع والنصب والجر ، وإلى هذا أشار بقوله :

ولسوى سوى سواء اجعلا

على الأصحّ ما لغير جعلا (٣)

__________________

(١) الفاسيّ : نسبة إلى «فاس» مدينة بالمغرب.

(٢) أي ظرف مكاني ملازم للنصب على الظرفية بدليل أنه يوصل بها الموصول مثل «جاء الذي سواك» ومعناه في الأصل : جاء الذي استقرّ في مكانك عوضا عنك. ولكن رأى المصنف في اعتبارها كغير أسهل وأقرب وهو مؤيد بالشواهد وحديثى الرسول.

(٣) لسوى : جار ومجرور متعلق باجعل. سوى ، سواء : معطوفان على سوى المجرورة بعاطف مقدر ومجروران. اجعلا : فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا. وفاعله : ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

على الأصح : جار ومجرور متعلق باجعل. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول اجعل. لغير : جار ومجرور متعلق بجعلا. جعلا : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح والألف للإطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى الموصول والجملة صلة الموصول لا محل لها.

٢٠