تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ٤

الدكتور محمّد علي سلطاني

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ٤

المؤلف:

الدكتور محمّد علي سلطاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٧

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الجزء الرابع

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسّلام على المعلم الأمين ، نبينا محمد وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين. وبعد

فهذا هو الجزء الرابع الأخير من شرح ابن عقيل في طبعته التي أسلفنا الحديث عن مزاياها في الأجزاء السابقة ، وذلك سعيا لتحقيق الغاية النبيلة التي نعمل جاهدين لبلوغها ، ألا وهي توثيق علم النحو في عقول طلابه ونفوسهم بعد ألسنتهم وأقلامهم ، ليكون سبيلا ممهّدا يوصل إلى فهم كتاب الله على الوجه الأمثل ، يضع أيديهم ما أمكن على جوانب تفوق أساليبه ، ورفعة بيانه ، وإعجاز نظمه ...

فإذا وصل الطالب بعد اجتيازه هذه المراحل الدراسية الأربع من تحصيل علم النحو ـ إلى هذه الغاية المثلى ؛ فقد تم له من سعيه المبارك ما أراد ، وتم لنا من التماس رضوان الله بتمهيد السبيل إلى هذه الغاية المنشودة ما أوردنا.

فليس من طريق لإدراك الإعجاز البياني في كتاب الله سوى علم النحو ومعانيه ومعاني معانيه ... فالطالب السعيد هو الذي يضع نصب عينيه ـ وهو يسعى في تحصيل هذا العلم ـ تلك الغاية الرفيعة النبيلة التي تجعله لا يكتفي من هذا التحصيل بحفظ قواعده النظرية التي توصله إلى السلامة في النطق والكتابة فحسب.

٣

فمع بلوغ مرحلة هذا الجزء الرابع ، يكون الطالب قد وضع قدميه على عتبة التخرج في الكلية ؛ ليبدأ الرحلة الحقيقية صعودا نحو فهم أفضل لكتاب الله تعالى ... وهذا هو الاختبار الحقيقي لمدى ما حصّله في سنواته السالفة في علم النحو وقواعده وأساليبه ومعانيه.

فليتابع الطريق الذي بدأناه معا من ممارسة التطبيق على النصوص القرآنية الكريمة ، وتتبع اختيار أقوم الوجوه الإعرابية فيها ، مستضيئا بأكثر المعاني الناجمة عنها سلامة وسموا ... لأن السلامة والسمو من صفات المعاني القرآنية ، فلا بد للوجه الإعرابي من أن ينسجم مع هذه المعاني القرآنية السامية.

وخلاصة القول ، فإن علامة الإتقان في ميدان هذا العلم الأصيل ؛ تتبدى حين يمكّن صاحبه من الدخول بثقة في لجة النص القرآني الكريم ، والخروج منها وهو يشعر بالقدرة على استخراج المعاني الدقيقة متّشحة بما يليق بها من السلامة والسمو.

وأسأل الله تعالى أن يجزي خير الجزاء الأخ محمد زياد المخللاتي صاحب دار العصماء الذي قام بطبع هذا الكتاب.

والله سبحانه لا يضيع أجر المحسنين ، إنه تعالى ولي المتقين ، والحمد لله رب العالمين.

أ. د / محمد علي سلطاني

٤

العطف

عطف البيان :

العطف إما ذو بيان ، أو نسق

والغرض الآن بيان ما سبق

فذو البيان : تابع ، شبه الصفه

حقيقة القصد به منكشفه

العطف ـ كما ذكر ـ ضربان ؛ أحدهما : عطف النّسق ، وسيأتي ، والثاني : عطف البيان : وهو المقصود بهذا الباب.

وعطف البيان هو : التابع ، الجامد ، المشبه للصفة : في إيضاح متبوعه (١) وعدم استقلاله ، نحو :

٢٦ ـ أقسم بالله أبو حفص عمر (٢).

__________________

(١) يفيد عطف البيان ؛ التوضيح ، إن كان متبوعه معرفة ، نحو : «جاء أبو الحسن عليّ» والتخصيص إن كان متبوعه نكرة ، نحو : (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ). والمدح. كقوله تعالى : «جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ». وقد يقع عطف البيان بعد «أي» التفسيرية ، فلا يتغير من حكمه شيء ، فتقول : مقبض السيف عسجد أي : ذهب» فيتعين في «ذهب» عطف البيان أو بدل الكل إذ لا يقع غيرهما بعد أي التفسيرية.

(٢) البيت لعبد الله بن كيسبة وبعده :

ما مسها من نقب ولا دبر

فاغفر له اللهم إن كان فجر

الإعراب : أقسم : فعل ماض مبني على الفتح ، بالله : جار ومجرور متعلق بأقسم ، أبو حفص : أبو : فاعل مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف ، حفص : مضاف إليه مجرور بالكسرة. عمر : عطف بيان أو بدل من أبو مرفوع.

الشاهد : «أبو حفص عمر» فإن عمر عطف بيان ل «أبو حفص».

٥

ف «عمر» عطف بيان ، لأنه موضح لأبي حفص.

فخرج بقوله «الجامد» الصفة ؛ لأنها مشتقة ، أو مؤولة به ، وخرج بما بعد ذلك : التوكيد ، وعطف النسق ؛ لأنهما لا يوضحان متبوعهما ، والبدل الجامد ؛ لأنه مستقل.

موافقة عطف البيان لمتبوعه :

فأولينه من وفاق الأوّل

ما من وفاق الأول النعت ولي (١)

لما كان عطف البيان مشبها للصفة ، لزم فيه موافقة المتبوع كالنعت ، فيوافقه في إعرابه ، وتعريفه أو تنكيره ، وتذكيره أو تأنيثه ، وإفراده أو تثنيته أو جمعه.

فقد يكونان منكّرين

كما يكونان معرّفين

ذهب أكثر النحويين إلى امتناع كون عطف البيان ومتبوعه نكرتين ، وذهب قوم ـ منهم المصنف ـ إلى جواز ذلك ، فيكونان منكرين كما يكونان معرفين ، قيل ، ومن تنكيرهما قوله تعالى : «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ

__________________

(١) أولينه : أعطه ، ولي : تولى وأخذ ، أي : أعطه من موافقة المتبوع مثل ما تولاه النعت من موافقة المنعوت. أولينه : أولى : فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، والفاعل : ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ، ونون التوكيد الخفيفة حرف لا محل له من الإعراب ، والهاء : ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول ، ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان ل «أولينه» النعت : مبتدأ ، ولي : فعل ماض وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو والجملة في محل رفع خبر المبتدأ «النعت» والجملة المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

٦

مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ» (١) وقوله تعالى : «وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ» ؛ (٢) فزيتونة : عطف بيان لشجرة ، وصديد : عطف بيان لماء.

إعراب عطف البيان بدل كل من كل :

وصالحا لبدليّة يرى

في غير نحو «يا غلام يعمرا» (٣)

ونحو «بشر» تابع «البكريّ

وليس أن يبدل بالمرضيّ (٤)

كل ما جاز أن يكون عطف بيان جاز أن يكون بدلا ، نحو «ضربت أبا عبد الله زيدا».

واستثنى المصنف من ذلك مسألتين (٥) ، يتعين فيهما كون التابع عطف بيان :

__________________

(١) من آية ٣٥ سورة النور.

(٢) آية ١٦ سورة إبراهيم وهي (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ).

(٣) صالحا : مفعول به ثان مقدم ل «يرى» لبدلية : جار ومجرور متعلق ب «صالحا» ، يرى : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بضمة مقدرة على الألف للتعذر ، ونائب فاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى عطف البيان. وهو المفعول الأول ل «يرى».

(٤) ليس : فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر مبني على الفتحة ، أن : حرف مصدري ونصب واستقبال ، يبدل : فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بالفتحة ونائب فاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو ، بالمرضي : الباء : حرف جر زائد ، المرضي : خبر ليس مجرور لفظا منصوب محلا وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. وأن وما بعدها في تأويل مصدر اسم ليس والتقدير ليس البدل مرضيا.

(٥) كذلك يجب إعرابه عطف بيان إذا لم يمكن الاستغناء عنه نحو : «فاطمة سافر محمد أخوها». فأخوها يجب أن يعرب عطف بيان ، لأنه لا يصح الاستغناء عنه لوجود الضمير الرابط لجملة الخبر. ولذلك لا يجوز إعراب أخوها بدلا.

٧

الأولى : أن يكون التابع مفردا ، معرفة ، معربا ، والمتبوع منادى ، نحو «يا غلام يعمرا» فيتعين أن يكون «يعمرا» عطف بيان ، ولا يجوز أن يكون بدلا ، لأن البدل على نيّة تكرار العامل : فكان يجب بناء «يعمرا» على الضم ؛ لأنه لو لفظ ب «يا» معه لكان كذلك.

الثانية : أن يكون التابع خاليا من «أل» والمتبوع ب «أل» وقد أضيفت إليه صفة بأل ، نحو «أنا الضارب الرجل زيد» فيتعين كون «زيد» عطف بيان ، ولا يجوز كونه بدلا من «الرجل» ؛ لأن البدل على نية تكرار العامل ، فيلزم أن يكون التقدير : «أنا الضارب زيد» ، وهو لا يجوز ؛ لما عرفت في باب الإضافة من أن الصفة إذا كانت بأل لا تضاف إلا إلى ما فيه أل ، أو ما أضيف إلى ما فيه أل ، ومثل «أنا الضارب الرجل زيد» قوله :

٢٧ ـ أنا ابن التّارك البكريّ بشر

عليه الطير ترقبه وقوعا (١)

فبشر : عطف بيان ، ولا يجوز كونه بدلا ؛ إذ لا يصح أن يكون التقدير : أنا ابن التارك بشر».

وأشار بقوله : «وليس أن يبدل بالمرضيّ» إلى أن تجويز كون «بشر» بدلا غير مرضيّ وقصد بذلك التنبيه على مذهب الفرّاء والفارسي.

__________________

(١) قائل البيت : المرّار بن سعيد الفقعسيّ ، البكريّ : نسبة إلى بكر بن وائل ، بشر هو بشر بن عمرو ، أي : أنا ابن الرجل الذي ترك البكريّ بشرا تنتظره الطير لتقع عليه بعد موته وتأكل منه.

الإعراب : أنا : ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ ، ابن : خبر ، التارك مضاف إليه ، وهو مضاف ، البكري : مضاف إليه ، بشر : عطف بيان على البكري مجرور بالكسرة ، عليه : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، الطير : مبتدأ مؤخّر ، والجملة في محل نصب حال من البكري ، وجملة ترقبه : في محل نصب حال من الطير وقوعا : مفعول لأجله.

الشاهد : «البكري بشر» يجب إعراب بشر عطف بيان ، ولا يجوز أن يكون بدلا ، إذ لا يجوز أن يقال أنا ابن التارك بشر ، لأن الصفة المتصلة بأل لا تضاف إلا إلى ما فيه أل ، لكن الفراء والفارسي أجازا البدلية في هذا البيت ، لأنهما يجيران إضافة الصفة المقرونة بأل إلى جميع المعارف نحو : «أنا المكرم محمد».

٨

أسئلة ومناقشات

١ ـ ما المقصود بعطف البيان؟ وما الفرق بينه وبين النعت؟ وضح ذلك بذكر أمثلة من عندك.

٢ ـ فيم يتبع عطف البيان متبوعه؟ وهل يكونان منكرين؟ وبماذا تستدل على ذلك ، مثّل لما تقول ...

٣ ـ ما الغرض الأساسي من عطف البيان في المعنى؟ وما المقصود من البدل؟ مثل لذلك موضحا الفرق بينهما ..

٤ ـ متى يصلح عطف البيان أن يعرب بدلا؟ ومتى يتعين في التابع أن يعرب عطف بيان لا بدلا؟ مثل لذلك معلّلا وموضّحا.

٥ ـ لما ذا أعربت كلمة (بشر) في قول الشاعر : ـ

أنا ابن التارك البكري بشر

عليه الطير ترقبه وقوعا

عطف بيان ولم تعرب بدلا؟

علّل ذلك تعليلا واضحا ـ ثم أعرب البيت كلّه.

٩

تمرينات

١ ـ (أ) بيّن فيما يأتي ما يصلح لعطف البيان والبدل ... وما يتعين للبيان وما يتعين للبدل ولماذا؟

قال تعالى : (هْدِنَا لصِّرَٰطَ لْمُسْتَقِيمَ هْدِنَا لصِّرَٰطَ لْمُسْتَقِيمَ) (١).

(وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ) (٢).

(لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ)(٣) خاطِئَةٍ.

وتقول أنت : أنا المكرم الطالب عليّ ـ هذا الطالب أقبل عليّ أخوه ـ احترمت الطالب ذكاءه.

(ب) أعرب ما تحته خط فيما سبق.

٢ ـ مثل لما يأتي في جمل تامة :

بيان لا يكون بدلا ـ بدل لا يكون بيانا ـ بيان نكرة ـ بيان صالح للبدلية.

٣ ـ قال تعالى : «جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً (٤) لِلنَّاسِ»

«فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ» (٥).

(أ) وضح البيان والمبيّن في الآيتين السابقتين.

(ب) أعرب ما تحته خط فيهما.

__________________

(١) آيتا ٦ ، ٧ فاتحة الكتاب.

(٢) آيتا ١٦ ، ١٧ سورة إبراهيم.

(٣) آية ١٥ سورة العلق.

(٤) آية ٩٧ سورة المائدة.

(٥) آية ٩٧ سورة آل عمران.

١٠

عطف النسق

تال بحرف متبع عطف النّسق

كاخصص بود وثناء من صدق (١)

عطف النسق هو : التابع ، المتوسّط بينه وبين متبوعه أحد الحروف التي سنذكرها ، ك «اخصص بود وثناء من صدق».

فخرج بقوله : «المتوسط ... إلى آخره» بقية التوابع.

فالعطف مطلقا : بواو ، ثمّ ، فا ،

حتى ، أم ، او ، ك : «فيك صدق ووفا» (٢)

حروف العطف على قسمين :

أحدهما : ما يشرّك المعطوف مع المعطوف عليه مطلقا ، أي : لفظا وحكما ، وهي : الواو ، نحو «جاء زيد وعمرو» ، وثمّ ، نحو «جاء زيد ثم عمرو» ، والفاء ، نحو «جاء زيد فعمرو» ، وحتى ، نحو «قدم الحجاج حتى المشاة» ، وأم ، نحو «أزيد عندك أم عمرو» ، وأو ، نحو «جاء زيد أو عمرو».

والثاني : ما يشرّك لفظا فقط ، وهو المراد بقوله :

__________________

(١) تال : خبر مقدم مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين ، عطف : مبتدأ مؤخر. من : اسم موصول مفعول به مبني على السكون في محل نصب ، صدق : فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(٢) العطف : مبتدأ ، مطلقا : حال ، بواو : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ، فيك : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، صدق : مبتدأ مؤخر.

١١

وأتبعت لفظا فحسب : بل ، ولا ،

لكن ، ك «لم يبد امرؤ لكن طلا» (١)

هذه الثلاثة تشرّك الثاني مع الأول في إعرابه ، لا في حكمه ، نحو «ما قام زيد بل عمرو ، وجاء زيد لا عمرو ، ولا تضرب زيدا لكن عمرا».

معاني حروف العطف :

١ ـ الواو : فاعطف بواو لا حقا أو سابقا

 ـ في الحكم أو مصاحبا موافقا

لما ذكر حروف العطف التسعة شرع في ذكر معانيها :

فالواو : لمطلق الجمع عند البصريين ؛ فإذا قلت : «جاء زيد وعمرو» دلّ ذلك على اجتماعهما في نسبة المجيء إليهما ، واحتمل كون «عمرو» جاء بعد «زيد» ، أو جاء قبله ، أو جاء مصاحبا له وإنما يتبين ذلك بالقرينة (٢) نحو «جاء زيد وعمرو بعده ، وجاء زيد وعمرو قبله ، وجاء زيد وعمر معه» ، فيعطف بها ؛ اللاحق ، والسابق ، والمصاحب.

__________________

(١) معنى حسب : كاف ، وطلا : ولد الظبية ، أو ولد البقرة الوحشية ، أو ولد ذوات الظلف.

فحسب : الفاء للتزيين ، حسب : مبتدأ مبني على الضم في محل رفع ـ لأنه قطع عن الإضافة ونوى معناها ـ والخبر محذوف تقديره حسبك ذلك ، لم : حرف نفي وجزم وقلب ، يبد : فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف الواو من آخره ، امرؤ : فاعل مرفوع بالضمة ، لكن : حرف عطف ، طلا : معطوف على «امرؤ» مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر.

(٢) إن استعمال الواو عند عدم القرينة في المعية أكثر ، وفي سبق ما قبلها كثير ، وفي تأخره قليل.

١٢

ومذهب الكوفيين أنها للترتيب ، وردّ بقوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا)(١).

واخصص بها عطف الذي لا يغني

متبوعه ك «اصطفّ هذا وابني»

اختصت الواو ـ من بين حروف العطف ـ بأنها يعطف بها حيث لا يكتفي بالمعطوف عليه ، نحو «اختصم زيد وعمرو» ، ولو قلت : «اختصم زيد» لم يجز ، ومثله «اصطف هذا وابني ، وتشارك زيد وعمرو» ، ولا يجوز أن يعطف في هذه المواضع بالفاء ولا بغيرها من حروف العطف ، فلا تقل : «اختصم زيد فعمرو».

٢ ـ ٣ ـ الفاء وثمّ

والفاء للترتيب باتّصال

و «ثمّ» للترتيب بانفصال (٢)

أي : تدل الفاء على تأخّر المعطوف عن المعطوف عليه متّصلا به ، و «ثمّ» على تأخره عنه منفصلا ،

__________________

(١) الآية ٣٧ سورة المؤمنون وتمامها : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) فإن الواو لا تفيد الترتيب لأن مراد المشركين بقولهم : «ونحيا» الحياة الدنيا لا حياة البعث لإنكارهم إياه.

(٢) المراد باتصال التعقيب ، فالفاء تفيد ؛ الترتيب والتعقيب ، واعترض على إفادتها الترتيب بقوله تعالى : «أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا». لأن الإهلاك بعد البأس ، وبالحديث أيضا ، «توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه ورجليه» ويجاب عنه المعنى على إضمار الإرادة ، والتقدير : أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا ، وأراد الوضوء فغسل وجهه. واعترض على إفادتها التعقيب ، بقوله تعالى : (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) أي : أسود من شدة اليبس وهذا لا يعقب إخراجه ويجاب عنه بأنه عطف على جملة محذوفة ، والتقدير : فمضت مدة فجعله غثاء ، أو أن الفاء نابت عن «ثمّ» كما جاء نيابة ثم عن الفاء.

١٣

أي : متراخيا عنه ، نحو «جاء زيد فعمرو» ، ومنه قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى)(١) ، و «جاء زيد ثم عمرو» ومنه قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ)(٢).

* * *

واخصص بفاء عطف ما ليس صله

على الذي استقرّ أنّه الصّله

اختصّت الفاء بأنها تعطف ما لا يصلح أن يكون صلة ؛ لخلوه عن ضمير الموصول ، على ما يصلح أن يكون صلة ؛ لاشتماله على الضمير ، نحو «الذي يطير فيغضب زيد الذباب» ، ولو قلت : «ويغضب زيد» أو «ثم يغضب زيد» لم يجز ؛ لأن الفاء تدل على السببية ، فاستغني بها عن الرابط ، ولو قلت : «الذي يطير ويغضب منه زيد الذباب» جاز ؛ لأنك أتيت بالضمير الرابط.

٤ ـ حتى

بعضا بحتّى اعطف على كل ، ولا

يكون إلّا غاية الذي تلا

يشترط في المعطوف بحتى أن يكون بعضا مما قبله وغاية له ؛ في زيادة ، أو نقص (٣) ، نحو «مات الناس حتى الأنبياء ، وقدم الحجّاج حتى المشاة» (٤).

__________________

(١) آية ١ ، ٢ سورة الأعلى وهما : «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ـ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى».

(٢) آية ١١ سورة فاطر وهي : «وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً ...».

(٣) في زيادة أو نقص معنويين كما مثل ، أو زيادة حسية نحو «خالد يهب الأعداد الكثيرة حتى الألوف ، أو نقص حسّيّ نحو «المؤمن يجزي بالحسنة حتى مثقال ذرة».

(٤) حتى العاطفة كالواو لمطلق الجمع لا للترتيب الزمني في الحكم ، نحو «مات الأنبياء حتى نوح».

١٤

٥ ـ أم

و «أم» بها اعطف إثر همز التسويه

أو همزة عن لفظ «أي» مغنيه

«أم» على قسمين : منقطعة ، وستأتي ، ومتصلة ، وهي : التي تقع بعد همزة التسوية ، نحو «سواء عليّ أقمت أم قعدت» ومنه قوله تعالى :

(سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا)(١)؟ والتي تقع بعد همزة مغنية عن «أي» نحو «أزيد عندك أم عمرو»؟ أي : أيّهما عندك؟

وربّما أسقطت الهمزة ، إن

كان خفا المعنى بحذفها أمن

أي : قد تحذف الهمزة ـ يعني همزة التسوية ، والهمزة المغنية عن أيّ ـ عند أمن اللبس ، وتكون «أم» متصلة كما كانت والهمزة موجودة ، ومنه قراءة ابن محيصن : «سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم (٢)» بإسقاط الهمزة من «أأنذرتهم» وقول الشاعر :

٢٨ ـ لعمرك ما أدري وإن كنت داريا

بسبع رمين الجمر أم بثمان (٣)

__________________

(١) آية ٢١ سورة إبراهيم «... قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ». سواء : خبر مقدم ، علينا : جار ومجرور متعلق بسواء ، لأنه مؤول بالمشتق أي مستو أجزعنا : الجملة في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر ، والتقدير سواء جزعنا وصبرنا.

(٢) آية ٦ سورة البقرة وهي : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ».

(٣) البيت لعمر بن أبي ربيعة ، الجمر : واحدها : جمرة وهي واحدة الجمرات ، أي المناسك وهن ثلاث جمرات يرمين بالحجارة.

يقسم الشاعر بحياة المخاطب بأنه لا يعرف أبسبع حصيات رمت هؤلاء النسوة

١٥

أي : أبسبع.

* * *

وبانقطاع وبمعنى «بل» وفت

إن تك ممّا قيّدت به خلت

أي : إذا لم يتقدّم على «أم» همزة التسوية ، ولا همزة مغنية عن «أي» فهي منقطعة وتفيد الإضراب ك «بل» ، كقوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ)(١) أي : بل يقولون افتراه ، ومثله : «إنّها لإبل أم شاء» أي : بل هي شاء.

٦ ـ أو.

خيّر ، أبح ، قسّم ب «أو» وأبهم ،

وأشكك ، وإضراب بها أيضا نمي

__________________

الجمرة أم بثماني حصيات.

الإعراب : لعمر : اللام موطئة للقسم ، عمر : مبتدأ ، والكاف : مضاف إليه ، والخبر محذوف وجوبا تقديره قسمي ما أدري : ما : نافية ، أدري : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا ، وإن كنت : الواو : اعتراضية ، إن : شرطية جازمة. كان : فعل ماض ناقص مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط ، والتاء اسمها ، داريا : خبرها ، وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام السابق والجملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب ، بسبع : جار ومجرور متعلق «رمين» رمى : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة والنون : فاعل ، الجمر : مفعول به ، أم. حرف عطف بثمان : معطوف على بسبع مجرور بالكسرة المقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين ، والجار والمجرور متعلق ب «رمين».

الشاهد : «بسبع .. أم بثمان» فإنه حذف الهمزة المغنية عن «أي» والتقدير «أبسبع».

(١) آية ٢ ، ٣ سورة السجدة وهما : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ـ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ.)

١٦

أي : تستعمل «أو».

(أ) للتخيير ، نحو «خذ من مالي درهما أو دينارا» ،

(ب) وللإباحة ، نحو «جالس الحسن أو ابن سيرين» ،

والفرق بين الإباحة والتخيير ؛ أن الإباحة لا تمنع الجمع ، والتخيير يمنعه ، (ج) وللتقسيم ، نحو «الكلمة اسم ، أو فعل ، أو حرف».

(د) وللإبهام على السامع ، نحو «جاء زيد أو عمرو» إذا كنت عالما بالجائي منهما وقصدت الإبهام على السامع ومنه قوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ ؛ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(١).

(ه) وللشك ، نحو «جاء زيد أو عمرو» إذا كنت شاكّا في الجائي منهما.

(و) وللإضراب ، كقوله :

٢٩ ـ ماذا ترى في عيال قد برمت بهم

لم أحص عدّتهم إلّا بعدّاد (٢)

__________________

(١) آية ٢٤ سورة سبأ وهي : «قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ».

(٢) البيتان لجرير يخاطب بهما معاوية بن هشام بن عبد الملك : ماذا ترى في أولاد قد ضجرت وسئمت منهم لا أستطيع أن أعدهم إلا بوساطة رجل خبير بالعدّ والحساب فقد كان عددهم ثمانين ثم أصبحوا ثمانية وثمانين ولو لا أني أرجوك وآمل عطاءك لقتلتهم.

الإعراب : ماذا : اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم ل «ترى» ويجوز إعراب ما اسم استفهام مبتدأ ، ذا : اسم موصول خبر .. كانوا : فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة ، والواو اسمها ، ثمانين : خبر كان منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. أو : حرف عطف بمعنى بل زادوا : فعل ماض والواو : فاعل ، ثمانية : مفعول به ، لو لا : حرف امتناع لوجود ، رجاؤ : مبتدأ مرفوع والخبر محذوف وجوبا تقديره موجود والكاف مضاف إليه في محل جر قد : حرف تحقيق ، قتلت : فعل وفاعل : أولادي : مفعول به ، ومضاف إليه. والجملة جواب لو لا لا محل لها من الإعراب.

الشاهد : «أو زادوا» فإن «أو» : بمعنى بل فهي للإضراب.

١٧

كانو ثمانين أو زادوا ثمانية

لولا رجاؤك قد قتّلت أولادي

أي : بل زادوا.

* * *

وربّما عاقبت الواو ، إذا

لم يلف ذو النّطق للبس منفذا

قد تستعمل «أو» بمعنى الواو عند أمن اللبس ، كقوله :

٣٠ ـ جاء الخلافة أو كانت له قدرا

كما أتى ربّه موسى على قدر (١)

أي : وكانت له قدرا.

__________________

(١) البيت لجرير يمدح عمر بن عبد العزيز أي : أتى الخلافة وكانت له مقدرة مثل إتيان موسى إلى ربه.

الإعراب : أو : حرف عطف بمعنى الواو كانت : كان : فعل ماض ناقص ، والتاء للتأنيث ، واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هي ، له : جار ومجرور متعلق ب «قدرا» ، قدرا خبر كان منصوب بالفتحة ، كما : الكاف حرف جر ، ما : مصدرية ، أتى : فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر ، ربه : رب : مفعول به مقدم على الفاعل. والها ضمير في محل جر مضاف إليه ، موسى : فاعل أتى مرفوع بضمة مقدرة على الألف للتعذر ، ما المصدرية وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف والتقدير : «كإتيان موسى ربه» والجار والمجرور متعلق ب «جاء» على قدر : جار ومجرور متعلق ب «أتى».

الشاهد : «أو كانت» أتت أو بمعنى الواو.

١٨

ومثل «أو» في القصد «إمّا» الثّانية

في نحو «إمّا ذي وإمّا النائية»

يعني : أن «إمّا» المسبوقة بمثلها تفيد ما تفيده «أو» : من التخيير ، نحو «خذ من مالي إما درهما وإما دينارا» والإباحة نحو «جالس إمّا الحسن وإمّا ابن سيرين» ، والتقسيم ، نحو «الكلمة إما اسم ، وإما فعل ، وإما حرف» ، والإبهام والشك ، نحو «جاء إما زيد وإما عمرو».

وليست «إما» هذه عاطفة ، خلافا لبعضهم ، وذلك لدخول الواو عليها ، وحرف العطف لا يدخل على حرف العطف.

* * *

٧ ، ٨ ـ لكن ولا

وأول «لكن» نفيا او نهيا ، و «لا»

نداء او أمرا ، أو اثباتا تلا

أي : إنما يعطف بلكن (١) :

(أ) بعد النفي ، نحو «ما ضربت زيدا لكن عمرا» ،

(ب) وبعد النهي ، نحو «لا تضرب زيدا لكن عمرا» ،

ويعطف ب «لا» (٢) :

(أ) بعد النداء ، نحو «يا زيد لا عمرو» ،

(ب) وبعد الأمر ، نحو «اضرب زيدا لا عمرا» ،

__________________

(١) لا بد أن يكون معطوف لكن مفردا لا جملة ، وألا تقترن بالواو ، فإذا سبقت بإيجاب ، أو تلتها جملة ، أو وقعت بعد واو ، فهي حرف ابتداء جيء به لمجرد الاستدراك وليست عاطفة.

(٢) لا بد من إفراد معطوفيها ، وألّا تقترن بعاطف ، نحو «جاءني محمد لا بل هشام» فالعاطف بل.

١٩

(ج) وبعد الإثبات ، نحو «جاء زيد لا عمرو».

ولا يعطف ب «لا» بعد النفي نحو «ما جاءني زيد لا عمرو». ،

ولا يعطف ب «لكن» في الإثبات نحو «جاء زيد لكن عمرو».

* * *

٩ ـ بل

وبل كلكن بعد مصحوبيها

كلم أكن في مربع بل تيها (١)

وانقل بها للثان حكم الأوّل

في الخبر المثبت والأمر الجلي

(أ) ـ يعطف ببل في النفي والنهي ، فتكون كلكن ، في أنها تقرر حكم ما قبلها وتثبت نقيضه لما بعدها ، نحو «ما قام زيد بل عمرو ، ولا تضرب زيدا بل عمرا» فقررت النفي والنهي السابقين وأثبتت القيام لعمرو ، والأمر بضربه.

(ب) ويعطف بها في الخبر المثبت ، والأمر ؛ فتفيد الإضراب عن الأول ، وتنقل الحكم إلى الثاني ، حتى يصير الأول كأنه مسكوت عنه نحو «قام زيد بل عمرو ، واضرب زيدا بل عمرا» (٢).

__________________

(١) تيها : أصلها تيهاء كصحراء وزنا ومعنى وقد قصرت للوقف.

(٢) ولا بد لكونها عاطفة من إفراد معطوفيها فإن تلاها جملة ، كانت حرف ابتداء. كما في قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) أي بل هم عباد مكرمون.

٢٠