تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك

الدكتور محمّد علي سلطاني

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

الدكتور محمّد علي سلطاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٧

أو «من» أو «في» أو «الباء» ؛ فمثال ما عدمت فيه المصدرية قولك : «جئتك للسّمن» ومثال ما لم يتحد مع عامله في الوقت : «جئتك اليوم للإكرام غدا». ومثال ما لم يتحد مع عامله في الفاعل «جاء زيد لإكرام عمرو له».

ولا يمتنع الجرّ بالحرف مع استكمال الشروط ، نحو «هذا قنع لزهد» وزعم قوم أنه لا يشترط في نصبه إلا كونه مصدرا ، ولا يشترط اتحاده مع عامله في الوقت ولا في الفاعل ، فجوّزوا نصب «إكرام» في المثالين السابقين ، والله أعلم.

أحوال المفعول له :

وقلّ أن يصحبها المجرّد

والعكس في مصحوب «أل» وأنشدو (١)

لا أقعد الجبن عن الهيجاء

ولو توالت زمر الأعداء

المفعول له المستكمل للشروط المتقدمة له ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يكون مجردا عن الألف واللام والإضافة.

والثاني : أن يكون محلّى بالألف واللام.

والثالث : أن يكون مضافا.

__________________

(١) قلّ : فعل ماض مبني على الفتح. أن : حرف مصدري ونصب. يصحبها : مضارع منصوب بأن بفتحة ظاهرة. ها : ضمير الحرف في البيت السابق في محل نصب مفعوله. المجرد. فاعل يصحب مرفوع بالضمة. وأن وما بعدها في تأويل مصدر مرفوع فاعل قل. التقدير : قل صحبة المجرد من أل لحرف الجر. والعكس : الواو عاطفة. العكس مبتدأ مرفوع. في مصحوب : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر العكس. أل : مضاف إليه على الحكاية.

٢٤١

وكلّها يجوز أن تجرّ بحرف التعليل ، لكن الأكثر فيما تجرد عن الألف واللام والإضافة النصب ، نحو : «ضربت ابني تأديبا» ويجوز جرّه فتقول : «ضربت ابني لتأديب» وزعم الجزولي أنه لا يجوز جرّه ، وهو خلاف ما صرح به النحويون.

وما صحب الألف واللام بعكس المجرّد ؛ فالأكثر جرّه ، ويجوز النصب ف «ضربت ابني للتأديب» أكثر من : «ضربت ابني التأديب» ومما جاء فيه منصوبا ما أنشده المصنف :

٢٢ ـ لا أقعد الجبن عن الهيجاء (١).

البيت ، ف «الجبن» مفعول له ، أي لا أقعد لأجل الجبن ، ومثله قوله :

__________________

(١) قائله غير معروف. الجبن : الهيبة وضعف القلب. الهيجاء : بالمد والقصر : الحرب. الزّمر : الجماعات مفردها زمرة المعنى : لا أتأخر عن الحرب بدافع الهيبة ، بل اندفع للقتال ولو كان الأعداء وافري العدد ، يفدون للقتال جماعة بعد جماعة.

الإعراب : لا أقعد : لا نافية. أقعد : مضارع مرفوع بالضمة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنا الجبن : مفعول له منصوب بالفتحة. عن الهيجاء : جار ومجرور متعلق بأقعد. ولو : الواو حالية. لو : حرف امتناع لامتناع. توالت : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة تخلصا من التقاء الساكنين. والتاء للتأنيث زمر : فاعل توالت مرفوع بالضمة الأعداء : مضاف إليه مجرور بالكسرة. وجواب لو محذوف دل عليه الكلام السابق. وجملة توالت في محل نصب حال من ضمير أقعد.

الشاهد : قوله : «لا أقعد الجبن» فالجبن مفعول له منصوب وهو محلى بأل وهذا جائز ولكنه قليل.

٢٤٢

٢٣ ـ فليت لي بهم قوما إذا ركبوا

شنوا الإغارة فرسانا وركبانا (١)

وأما المضاف فيجوز فيه الأمران ـ النصب ، والجرّ ـ على السواء ، فتقول : «ضربت ابني تأديبه ، ولتأديبه» وهذا قد يفهم من كلام المصنف : لأنه لما ذكر أنه يقل جرّ المجرد ونصب المصاحب للألف واللام ، علم أن المضاف لا يقلّ فيه واحد منهما ، بل يكثر فيه الأمران ، ومما جاء فيه منصوبا قوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ)(٢) وقوله :

__________________

(١) قائله : قريط بن أنيف من شعراء بني العنبر. بهم : الباء للبدل أي بدلهم. شنّوا : فرقوا أنفسهم. الإغارة : الهجوم على العدو والإيقاع بهم. فرسانا : جمع فارس وهو راكب الفرس. ركبانا : جمع راكب وهو أعم من الفارس.

المعنى : أتمنى بدل هؤلاء القوم قوما آخرين من صفتهم أنهم إذا ركبوا للقاء العدو تفرقوا لأجل الهجوم عليه من جميع الجهات ما بين راكب فرس وراكب غيرها.

الإعراب : ليت : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر لي ، بهم : جاران ومجروران متعلقان بمحذوف خبر مقدم لليت. قوما : اسم ليت مؤخر منصوب بالفتحة. إذا : ظرف يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق بشنوا. ركبوا : ركب فعل ماض مبني على الضم ، والواو فاعل ، والجملة لا محل لها من الإعراب لوقوعها جواب شرط غير جازم. الإغارة : مفعول لأجله منصوب بالفتحة. فرسانا : حال منصوب من ضمير شنوا. وركبانا : الواو عاطفة ، ركبانا معطوف على فرسانا ومنصوب مثله.

الشاهد : في قوله : «الإغارة» حيث نصب على أنه مفعول له وهو محلى بالألف واللام والأكثر فيه الجر.

(٢) من الآية ١٩ من البقرة وتمامها «أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ».

٢٤٣

٢٤ ـ وأغفر عوراء الكريم ادّخاره

وأعرض عن شتم اللئيم تكرّما (١)

__________________

(١) قائله : حاتم الطائي. أغفر : أستر وأصفح. العوراء : الكلمة القبيحة. اللئيم : الشحيح والدنيء النفس. تكرما : تفضلا.

المعنى : أصفح عن الكريم إذا ساءني بكلمة قبيحة لأتخذه ذخيرة لي عند الحاجة إليه ولا أؤاخذ اللئيم إذا سبي تكرما عليه وتفضلا.

الإعراب : أغفر : مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. عوراء : مفعول به منصوب بالفتحة. الكريم : مضاف إليه مجرور ادخاره : مفعول له منصوب بالفتحة. والهاء : مضاف إليه في محل جر. وأعرض : الواو عاطفة. أعرض : مضارع مرفوع بالضمة ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا. عن شتم : جار ومجرور متعلق بأعرض. اللئيم : مضاف إليه مجرور. تكرما : مفعول له منصوب بالفتحة.

الشاهد : في قوله : «ادخاره» حيث نصب المفعول له المضاف ، ونصبه وجره سواء.

٢٤٤

أسئلة ومناقشات

١ ـ اذكر تعريف المفعول لأجله .. ووضح لم سمّى كذلك؟ ومثل له بأمثلة مختلفة توضح المراد.

٢ ـ قال النحاة : «للمفعول لأجله شروط حتى ينصب».

وضح هذه الشروط بالتفصيل .. واذكر حكم نصبه حينئذ. ومثل لما تقول.

٣ ـ ما الحكم لو فقد من المفعول لأجله بعض شروطه أو كلّها؟ وبم يجرّ حينئذ؟ مثل له في كل حالة من هذه الحالات ...

٤ ـ اذكر بالتفصيل متى يترجح نصب المفعول لأجله؟ ومتى يكون النصب مرجوحا؟ ومتى يستوى النصب والجر؟ مثّل واستشهد حيث أمكنك.

٥ ـ بين وجه الاستشهاد بما يأتي في هذا الباب :

قال تعالى :

«وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ (١) مَرْضاتِ اللهِ» ، «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (٢) إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» «وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَـٰدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ» (٣) «لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ (٤) رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ» ، «هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ (٥) خَوْفاً وَطَمَعاً» ، «يَجْعَلُونَ أَصَـٰبِعَهُمْ فِى ءَاذَانِهِم مِّنَ لصَّوَٰعِقِ حَذَرَ لْمَوْتِ» (٦).

__________________

(١) آية ٢٦٥ سورة البقرة.

(٢) آية ٧٨ سورة الإسراء.

(٣) آية ٣١ سورة الإسراء.

(٤) أول سورة قريش.

(٥) آية ١٢ سورة الرعد.

(٦) آية ١٩ سورة البقرة.

٢٤٥

تمرينات

١ ـ بيّن فيما يأتي المفعول لأجله وحكمه من حيث النصب أو الجرّ : ـ العامل الذكي من يجدّ للوصول إلى أنبل الغايات ، ولا يفتر عن طلب العلا خوفا من العقبات ، ولا يدع شيئا إهمالا وكسلا ، ولا يفرط في واجب استهانة به ، بل يسعى في تثقيف عقله .. تمرينا وسعيا وراء الجديد ، ولا يقعد عن طلب حق حياء من أحد أو مخافة من رئيس ـ أو للرغبة في الراحة وإيثار العافية ـ والحياة عنده جهاد ومن يقصّر في حاضره كسلا بكى في مستقبله ندما.

٢ ـ ضع كلمة (إخلاص) في تراكيب عدة تكون فاعلا في التركيب الأول ومفعولا به في الثاني ، ومفعولا مطلقا في الثالث ومفعولا لأجله في الرابع.

٣ ـ اجعل كلمة «وفاء» مفعولا لأجله في ثلاثة تراكيب ـ بحيث تكون راجحة النصب ثم مرجوحة النصب ثم مستوية الأمرين.

٤ ـ قال تعالى :

(وَمَثَلُ لَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمُ بْتِغَآءَ مَرْضَاتِ للَّـهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَـَاتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ) (١).

(أ) عيّن المفعول لأجله في الآية الكريمة.

(ب) أعرب ما تحته خط منها.

__________________

(١) آية ٢٦٥ سورة البقرة.

٢٤٦

٥ ـ اجعل كل مصدر مما يأتي مفعولا مطلقا في جملة ومفعولا لأجله في جملة بحيث يتنوع من النصب إلى الجر ... «تكريما ، إجلالا ، إنصافا ، إلهاما».

٦ ـ اشرح البيت الآتي ثم أعرب ما تحته خط منه :

وأغفر عوراء الكريم ادّخاره

وأعرض عن شتم اللئيم تكرما

٢٤٧

المفعول فيه وهو المسمى ظرفا

تعريف الظرف :

الظرف وقت أو مكان ضمّنا

«في» باطّراد ، ك «هنا امكث أزمنا» (١)

عرّف المصنف الظرف بأنه : زمان ، أو مكان ضمّن معنى «في» (٢) باطراد (٣) ، نحو «امكث هنا أزمنا» فهنا : ظرف مكان ، وأزمنا : ظرف زمان ، وكل منهما تضمّن معنى «في» لأن المعنى : امكث في هذا الموضع وفي أزمن.

__________________

(١) الظرف : مبتدأ مرفوع بالضمة. وقت خبر مرفوع بالضمة. أو مكان : أو عاطفة مكان : معطوف على وقت ومرفوع مثله. ضمّنا : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو» والألف للإطلاق. «في» في محل نصب مفعول به ثان على الحكاية. باطراد : جار ومجرور متعلق بضمن. هنا : اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بامكث. امكث : فعل أمر مبني على السكون. وفاعله : ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. أزمنا : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بامكث. والألف للإطلاق. وجملة «ضمّن» في محل رفع صفة لوقت أو مكان.

(٢) معنى تضمنه له إشارته إليه لكون الحرف مقدرا في نظم الكلام ، وإن لم يصح التصريح به في الظروف التي لا تتصرف.

(٣) يكون الظرف متضمنا معنى «في» باطراد إذا تعدى إليه سائر الأفعال مع بقاء تضمنه لذلك الحرف.

٢٤٨

واحترز بقوله : «ضمّن معنى في» مما لم يتضمّن من أسماء الزمان أو المكان معنى «في» كما إذا جعل اسم الزمان أو المكان مبتدأ ، أو خبرا ، نحو «يوم الجمعة يوم مبارك ، ويوم عرفة يوم مبارك. والدار لزيد» فإنه لا يسمّى ظرفا والحالة هذه ، وكذلك ما وقع منهما مجرورا نحو «سرت في يوم الجمعة وجلست في الدار» على أنّ في هذا ونحوه خلافا في تسميته ظرفا في الاصطلاح. وكذلك ما نصب منهما مفعولا به ، نحو «بنيت الدار ـ شهدت يوم الجمل».

واحترز بقوله «باطراد» من نحو «دخلت البيت ، وسكنت الدار ، وذهبت الشام» فإن كل واحد من «البيت والدار والشام» متضمن معنى «في» ولكن تضمّنه معنى «في» ليس مطردا (١) لأن أسماء المكان المختصة لا يجوز حذف «في» معها ؛ فليس «البيت والدار والشام» في المثل منصوبة على الظرفية ، وإنما هي منصوبة على التشبيه بالمفعول به ، لأن الظرف هو : ما تضمن معنى «في» باطراد ، وهذه متضمنة معنى معنى «في» لا باطراد. هذا تقرير كلام المصنف ، وفيه نظر ؛ لأنه إذا جعلت هذه الثلاثة ونحوها منصوبة على التشبيه بالمفعول به لم تكن متضمنة معنى «في» ؛ لأن المفعول به غير متضمن معنى «في» فكذلك ما شبّه به ، فلا يحتاج إلى قوله : «باطراد» ليخرجها فإنها خرجت بقوله : «ما ضمّن معنى في» والله تعالى أعلم.

ناصب الظرف :

فانصبه بالواقع فيه مظهرا

كان ، وإلا فانوه مقدّرا (٢)

__________________

(١) هذه الألفاظ لا تنصب إلا بما سمع معها وهو «دخلت وسكنت وذهبت» فلا يقال : «نمت البيت». مثلا ولهذا كان تضمنها معنى «في» غير مطرد.

(٢) انصبه : فعل أمر مبني على السكون ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به. بالواقع : جار ومجرور متعلق بانصبه. فيه : جار ومجرور متعلق بالواقع. مظهرا : خبر كان مقدم منصوب. كان : فعل ماض ناقص مبني على

٢٤٩

حكم ما تضمّن معنى «في» من أسماء الزمان والمكان النصب ، والناصب له ما وقع فيه ، وهو :

(أ) المصدر ، نحو : «عجبت من ضربك زيدا يوم الجمعة عند الأمير».

(ب) أو الفعل ، نحو : «ضربت زيدا يوم الجمعة ، أمام الأمير».

(ج) أو الوصف ، نحو : «أنا ضارب زيدا اليوم ، عندك».

وظاهر كلام المصنف أنه لا ينصبه إلا الواقع فيه فقط ، وهو المصدر ، وليس كذلك ، بل ينصبه هو وغيره كالفعل ، والوصف.

حذف ناصب الظرف :

والناصب له إما مذكور كما مثّل ، أو محذوف :

(أ) جوازا ، نحو : أن يقال : «متى جئت؟» فتقول : «يوم الجمعة» و «كم سرت؟» فتقول : «فرسخين» والتقدير «جئت يوم الجمعة ، وسرت فرسخين».

(ب) أو وجوبا ، كما إذا وقع الظرف :

١ ـ صفة ، نحو «مررت برجل عندك» (١).

__________________

الفتح ، واسمها ضمير مستتر جوازا يعود على الواقع فيه. وجملة كان في محل نصب حال من الواقع فيه. وإلا : الواو استئنافية. إن حرف شرط جازم مدغمة في لا : لا : نافية وفعل الشرط محذوف لدلالة الكلام السابق عليه تقديره «وإن لا يكن ظاهرا» فانوه : الفاء واقعة في جواب الشرط. انو : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. والهاء مفعوله. مقدرا حال من الهاء منصوب. وجملة انوه في محل جزم جواب الشرط.

(١) عندك : عند ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بصفة محذوفة وجوبا التقدير : استقر عندك ، أو هو مستقر عندك ، والكاف مضاف إليه.

٢٥٠

٢ ـ أو صلة ، نحو «جاء الذى عندك» (١).

٣ ـ أو حالا ، نحو «مررت بزيد عندك».

٤ ـ أو خبرا في الحال أو في الأصل نحو «زيد عندك ، وظننت زيدا عندك».

فالعامل في هذه الظروف محذوف وجوبا في هذه المواضع كلها ، والتقدير في غير الصلة «استقر» أو «مستقر» وفي الصلة «استقرّ» لأن الصلة لا تكون إلا جملة والفعل مع فاعله جملة ، واسم الفاعل مع فاعله ليس بجملة ، والله أعلم.

ما يقبل النصب على الظرفية من أسماء المكان :

وكلّ وقت قابل ذاك وما

يقبله المكان إلا مبهما (٢)

نحو الجهات ، والمقادير ، وما

صيغ من الفعل ك «مرمى» من رمى (٣)

__________________

(١) عندك : عند ظرف متعلق بصلة الموصول المحذوفة وجوبا وتقديرها «استقر عندك».

(٢) قابل : خبر المبتدأ كل ، مرفوع بالضمة. ذاك : ذا اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب مفعول به لقابل والكاف حرف خطاب. إلا مبهما : إلا : أداة حصر. مبهما : حال من المكان منصوب بالفتحة والألف للإطلاق.

(٣) وما صيغ : الواو عاطفة. ما : اسم موصول معطوف على مبهما والمعطوف على المنصوب مثله فهو مبني على السكون في محل نصب صيغ : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو ، وجملة صيغ لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. وإنما عطف «ما صيغ» على «مبهما» لا على «الجهات» لئلا يفيد أنه مبهم مع أنه من المختص اتفاقا.

٢٥١

يعني أن اسم الزمان يقبل النصب على الظرفية : مبهما كان ، نحو «سرت لحظة ، وساعة» أو مختصا (١) ؛ إما بإضافة ، نحو «سرت يوم الجمعة» أو بوصف نحو «سرت يوما طويلا» أو بعدد ، نحو ««سرت يومين».

وأما اسم المكان فلا يقبل النصب منه إلا نوعان :

أحدهما : المبهم (٢).

والثاني : ما صيغ من المصدر بشرطه الذي سنذكره.

والمبهم كالجهات الست نحو «فوق ، وتحت ، ويمين ، وشمال ، وأمام ، وخلف» ونحو هذا ، كالمقادير نحو : «غلوة ، وميل ، وفرسخ ، وبريد» تقول : «جلست فوق الدار ، وسرت غلوة» فتنصبهما على الظرفية. وأما ما صيغ من المصدر نحو «مجلس زيد ، ومقعده فشرط نصبه قياسا أن يكون عامله من لفظه. نحو «قعدت مقعد زيد ، وجلست مجلس عمرو» فلو كان عامله من غير لفظه تعيّن جرّه ب «في» نحو «جلست في مرمى زيد» فلا تقول : «جلست مرمى زيد» إلا شذوذا.

ومما ورد من ذلك قولهم : «هو منّي مقعد القابلة ، ومزجر الكلب ، ومناط الثّريّا» أي كائن مقعد القابلة ومزجر الكلب ، ومناط

__________________

(١) المراد بالمبهم ما دل على زمن غير مقدر كحين ووقت ومدة ، والمراد بالمختص ما دل على مقدر ـ معلوما كان ـ وهو المعرّف بالعلمية كرمضان ، أو بالإضافة كزمن الشتاء. أو بأل كسرت اليوم ، ـ أو غير معلوم ـ وهو النكرة المعدودة كسرت يوما أو يومين ، أو الموصوفة كسرت زمنا طويلا.

(٢) المبهم من اسم المكان لا تعرفه حقيقته بنفسه ، بل بما يضاف إليه نحو «مكان» لا تعرف حقيقته إلا بالمضاف إليه كمكان زيد ، وكالجهات وما ألحق بها مثل : (عند ، ولدى ، ووسط ، وبين ، وإزاء ، وحذاء ، ونحو ذلك)

٢٥٢

الثريا ، والقياس ، «هو مني في مقعد القابلة ، وفي مزجر الكلب ، وفي مناط الثريا» ولكن نصب شذوذا ، ولا يقاس عليه ، خلافا للكسائي ، وإلى هذا أشار بقوله :

وشرط كون ذا مقيسا أن يقع

ظرفا لما في أصله معه اجتمع (١)

أي وشرط كون نصب ما اشتقّ من المصدر مقيسا : أن يقع ظرفا لما اجتمع معه في أصله ، أي أن ينتصب بما يجامعه في الاشتقاق من أصل واحد ، كمجامعة «جلست» ب «مجلس» في الاشتقاق من الجلوس ، فأصلهما واحد وهو «الجلوس».

وظاهر كلام المصنف أن المقادير وما صيغ من المصادر مبهمان ؛ أما المقادير فمذهب الجمهور أنها من الظروف المبهمة ؛ لأنها ـ وإن كانت معلومة المقدار ـ فهي مجهولة الصفة. (وذهب الأستاذ أبو علي الشلوبين إلى أنها ليست من الظروف المبهمة ؛ لأنها معلومة المقدار).

وأما ما صيغ من المصدر فيكون مبهما نحو «جلست مجلسا» ، ومختصا نحو «جلست مجلس زيد». وظاهر كلامه أيضا أن «مرمى» مشتق من

__________________

(١) شرط : مبتدأ مرفوع بالضمة. كون : مضاف إليه مجرور. ذا اسم إشارة مبني على السكون مضاف إليه من إضافة المصدر لمرفوعه ومحله الرفع اسم «كون» مقيسا : خبر الكون منصوب. أن : حرف مصدري ونصب. يقع : مضارع منصوب بأن وسكن للوقف وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ظرفا : حال من فاعل يقع منصوب بالفتحة. وأن المصدرية وما بعدها في تأويل مصدر مرفوع خبر المبتدأ «كون» تقديره : وقوعه ظرفا : لما : اللام حرف جر. ما : اسم موصول في محل جر ، والجار والمجرور متعلق بظرفا. معه : مع ظرف مكان مبني على السكون في محل نصب متعلق باجتمع ، والهاء مضاف إليه. اجتمع : فعل ماض مبني على الفتح وسكن للروي وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وجملة اجتمع : لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

٢٥٣

«رمى» (١) وليس هذا على مذهب البصريين ، فإن مذهبهم أنه مشتق من المصدر لا من الفعل.

وإذا تقرر أن المكان المختص ـ وهو : ماله أقطار تحويه ـ لا ينتصب ظرفا فاعلم أنه سمع نصب كلّ مكان مختص مع «دخل ، وسكن» ونصب «الشام» مع «ذهب» نحو «دخلت البيت ، وسكنت الدار ، وذهبت الشام» واختلف الناس في ذلك :

(أ) فقيل : هي منصوبة على الظرفية شذوذا (٢).

(ب) وقيل : منصوبة على إسقاط حرف الجر (٣) ، والأصل «دخلت في الدار» فحذف حرف الجر ، فانتصب الدار نحو «مررت زيدا».

(ج) وقيل : منصوبة على التشبيه بالمفعول به (٤).

المتصرف وغير المتصرف من الظروف :

وما يرى ظرفا وغير ظرف

فذاك ذو تصرف في العرف (٥)

__________________

(١) يمكن تفسير كلام المؤلف بأن مرمى مشتق من مصدر رمى أو مادته ـ على حذف مضاف. فيوافق كلامه مذهب البصريين.

(٢) قيل : هو مذهب سيبويه والمحققين وصححه ابن الحاجب.

(٣) هو مذهب الفارسي وابن مالك.

(٤) بقي قول رابع هو أنها مفعول به حقيقة لأنه نحو «دخل» يتعدى بنفسه وبالحرف وكثرة الأمرين فيه تدل على أنهما أصلان.

(٥) وما : ما اسم موصول مبتدأ. يرى : مضارع مبني للمجهول مرفوع بضمة مقدرة على الألف للتعذر ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو» وهو المفعول الأول. ظرفا : مفعول ثان ليرى ، منصوب ، وغير : الواو عاطفة. غير : معطوفة على ظرفا. ظرف : مضاف إليه مجرور. فذاك : الفاء زائدة. ذا : اسم إشارة في محل رفع مبتدأ. والكاف للخطاب. ذو : خبر اسم الإشارة مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة. تصرف : مضاف إليه. وجملة : ذاك ذو تصرف في محل رفع خبر المبتدأ الأول «ما».

٢٥٤

وغير ذي التصرّف الذي لزم

ظرفية أو شبهها (١) من الكلم

ينقسم اسم الزمان واسم المكان إلى :

(أ) متصرف.

(ب) وغير متصرف.

(أ) فالمتصرّف من ظرف الزمان أو المكان : ما استعمل ظرفا وغير ظرف ، ك «يوم ، ومكان» فإن كلّ واحد منهما يستعمل ظرفا ، نحو «سرت يوما ، وجلست مكانا» ويستعمل مبتدأ ، نحو «يوم الجمعة يوم مبارك ، ومكانك حسن» وفاعلا ، نحو «جاء يوم الجمعة ، وارتفع مكانك».

(ب) وغير المتصرّف هو : ما لا يستعمل إلا ظرفا أو شبهه ، نحو «سحر» إذا أردته من يوم بعينه ، فإن لم ترد من يوم بعينه فهو متصرف ، كقوله تعالى : (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ)(٢) و «فوق»

__________________

(١) أو شبهها : معطوف على محذوف ، أي لزم ظرفية فقط ، أو ظرفية ، أو شبهها ولا يجوز عطفه على «ظرفية» المذكورة في المتن لاقتضائه أن بعض الظروف يلزم شبه الظرفية مع أنه ليس كذلك ، أو لإيهامه أن غير المتصرف هو ما يلزم الظرفية فقط ، أو شبه الظرفية ، فلا يكون فيه تعرض لما يلزم الظرفية بعينها ، وكذا يقال في قول الشارح : «إلا ظرفا أو شبهه» وحاصل القول : أن غير المتصرف قسمان :

(أ) ما يلزم الظرفية فقط فلا يخرج عنها أصلا مثل : سحر إذا كان معينا ، ومثل : قطّ ظرف للماضي ، وعوض ظرف للمستقبل ـ ولا يستعملان إلا بعد نفي أو شبهه ، ومثل الظروف المركبة : صباح مساء ، وبين بين.

(ب) ما يلزم الظرفية أو شبهها مثل : عند. ولدن وفوق وتحت ، ، فهذه تلازم الظرفية إذا نصبت ، أو شبه الظرفية إذا جرّت بمن. كقوله تعالى : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) (سورة الزمر آية ١٦).

(٢) الآية ٣٤ القمر «إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ».

٢٥٥

نحو : «جلست فوق الدار» فكل واحد من «سحر وفوق» (١) لا يكون إلا ظرفا.

والذي لزم الظرفية أو شبهها «عند» و «لدنّ» والمراد بشبه الظرفية أنه لا يخرج عن الظرفية إلا باستعماله مجرورا ب «من» (٢) نحو «خرجت من عند زيد» ولا تجرّ «عند» إلا ب «من» فلا يقال : «خرجت إلى عنده» وقول العامة : «خرجت إلى عنده» خطأ.

نيابة المصدر عن الظرف :

وقد ينوب عن مكان مصدر

وذاك في ظرف الزمان يكثر (٣)

ينوب المصدر عن ظرف المكان قليلا (٤) ، كقولك «جلست قرب زيد» أي مكان قرب زيد ، فحذف المضاف وهو «مكان» وأقيم المضاف إليه مقامه ، فأعرب بإعرابه ، وهو النصب على الظرفية ، ولا

__________________

(١) فوق : ليس ملازما للظرفية بل هو من القسم الثاني مثل عند يكون ظرفا وشبهه كما تقدم أعلاه.

(٢) أي فقط لكثرة زيادتها في الظروف. فلم يعتد بدخولها على ما لا يتصرف.

(٣) قد ينوب : قد حرف للتقليل. ينوب : مضارع مرفوع بالضمة. عن مكان : جار ومجرور متعلق بينوب. مصدر : فاعل ينوب مرفوع بالضمة. وذاك : الواو استئنافية. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ ، والكاف للخطاب في ظرف : جار ومجرور متعلق بيكثر. الزمان : مضاف إليه مجرور. يكثر : مضارع مرفوع بالضمة وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذاك. والجملة في محل رفع خبر المبتدأ ذاك.

(٤) مما ينوب عن الظرف مطلقا صفته ، وعدده ، وكليته ، وجزئيته ، مثل : جلست طويلا من الدهر ، شرقيّ المكان. وسرت عشرين يوما وثلاثين بريدا ، ومشيت كلّ اليوم وكلّ البريد أو بعض اليوم وبعض البريد.

٢٥٦

ينقاس ذلك فلا تقول : «آتيك جلوس زيد» تريد «مكان جلوسه».

ويكثر إقامة المصدر مقام ظرف الزمان (١) ، نحو «آتيك طلوع الشمس ، وقدوم الحاجّ ، وخروج زيد» والأصل وقت طلوع الشمس ، ووقت قدوم الحاج ، ووقت خروج زيد فحذف المضاف ، وأعرب المضاف إليه بإعرابه. وهو مقيس في كل مصدر.

__________________

(١) شرطه إفهام تعيين وقت كالأمثلة المذكورة في الشرح. أو بيان مقداره وإن لم يعيّن كانتظرته نحر جزور ، وحلب ناقة ، أي مقدار نحر جزور وحلب ناقة ، فحذف المضاف وأقيم المصدر مقامه.

٢٥٧

أسئلة ومناقشات

١ ـ اشرح بالتفصيل تعريف الظرف ، ثم بيّن معنى تضمّنه «في» باطراد وما حكم ما لم يتضمن معنى «في» من الظروف؟ مثل لكل ما تقول ...

٢ ـ بم ينصب ظرف الزمان والمكان؟ عدّد الناصب له ومثل لكل واحد بمثال.

٣ ـ متى يحذف عامل الظرف جوازا؟ ومتى يحذف وجوبا؟ وكيف تقدر المحذوف؟ ولماذا؟ مثّل لكل ما تقول.

٤ ـ وضّح بالأمثلة ما يقبل النصب على الظرفية من أسماء المكان .. ثم اذكر ما لا يقبل ذلك مع الأمثلة أيضا ..

٥ ـ اذكر شرط نصب ما صيغ من المصدر على الظرفية .. وضّح متى يتعين جره (بفى) مع التمثيل لكل ما تذكر.

٦ ـ ما المقصود بالظرف المتصرّف؟ وغير المتصرف؟ وضح ذلك مع التمثيل.

٢٥٨

تمرينات

١ ـ قالت العرب : (هو منى مقعد القابلة ، ومزجر الكلب ، ومناط الثريا).

اشرح هذا الكلام .. ثم بيّن حكم نصب ما تحته خط منه .. واذكر القياس في ذلك.

٢ ـ كيف نصبت العرب نحو (دخلت الدار ـ سكنت البيت ـ ذهبت الشام).

اشرح ذلك مع ذكر العلّة.

٣ ـ وضح فيما يأتي ظروف الزمان والمكان .. المبهم منها والمختص. المتصرف وغيره .. مع توضيح العامل .. وتقديره إن كان محذوفا : «أيها الطالب .. اعمل ما استطعت صباح مساء ، في كل ما يعود عليك وعلى وطنك بالخير ، استيقظ مبكرا ، وإذا تعبت فاسترح قليلا ، ونم ظهرا بعض الوقت فذلك أدوم لنشاطك وراحتك ، ولا سيما زمن الصيف ، ولا تتأخر عن النوم مساء ، وابذل كل الجهد كي تحقق أهداف أمتك في البحث والدراسة ولا تأمن الزمن فهو يمضي سريعا ، واستقم على الجادة ولا تلتفت يمينا أو شمالا ، فذلك أدعى لنجحك ، واسترح أحيانا ، في الوقت الذي تحس فيه بالرهق ، ودع مخالطة العابثين فهم يكلفونك من الإسراف فوق طاقتك ، وتخير من بين رفاقك من تطمئن إلى دينه وخلقه ، حتى لا يذهب بك مذهب الباطل ، ويقعد منك مقام الحاسد .. الآن وقد استبان لك وجه الحق فاعمل بهذه النصائح تسعد في كل وقت ، والله يوفقك دائما».

٢٥٩

٤ ـ استعمل كل ظرف مما يأتي في جملتين بحيث يكون في الأولى محذوف العامل وجوبا وفي الثانية مذكور العامل.

«عند ـ لدى ـ تحت ـ فوق ـ أمام».

٥ ـ اجعل كل مصدر من المصادر الآتية في جملتين بحيث يكون منصوبا في الأولى ومجرورا في الثانية مع ذكر السبب :

«مركب ـ ملعب ـ مجلس ـ مقعد»

٦ ـ اجعل كل مصدر مما يأتي نائبا عن ظرف الزمان :

(إقامة الصلاة ـ قدوم الحاج ـ طلوع الفجر ـ صلاة العصر).

٧ ـ اشرح البيت الآتي ثم أعرب منه ما تحته خط :

إن الزمان الذي ليلا سعدت به

قد كاد في وضح الأحداث يبكينا

٨ ـ اشرح البيت الآتي ثم أعربه مبيّنا وجه نصب (مقام) في الشطر الثاني منه وهو لأبي تمام : ـ

إن يفترق نسب يؤلف بيننا

أدب أقمناه مقام الوالد

٢٦٠