تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك

الدكتور محمّد علي سلطاني

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

الدكتور محمّد علي سلطاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٧

٤ ـ وما بقيت إلا الضلوع الجراشع (١)

فقول المصنف : إن الحذف مفضّل على الإثبات يشعر بأن الإثبات أيضا جائز ، وليس كذلك لأنه إن أراد به أنه مفضّل عليه باعتبار أنه ثابت في النثر والنظم ، وأن الإثبات إنما جاء في الشعر فصحيح. وإن أراد أن الحذف أكثر من الإثبات فغير صحيح. لأن الإثبات قليل جدا.

والحذف قد يأتي بلا فصل ومع

ضمير ذي المجاز في شعر وقع (٢)

__________________

(١) قائله : ذو الرمة ـ غيلان بن عقبة ـ يصف ناقته بالهزال من كثرة السفر. وهذا عجز بيت صدره : طوى النّحز والأجراز ما في غروضها وما بقيت ...

اللغة : النّحز : الدفع والنخس ، الأجراز جمع جرز ـ بوزن سبب ـ الأرض اليابسة التي لا نبات بها. ويجوز في جرز لغات ثلاث أخرى هي : ١ ـ بضمتين كعنق. ٢ ـ بضم الجيم وسكون الراء كقفل. ٣ ـ بضم الجيم وفتح الراء كعمر الغروض : جمع غرض ـ كفلس. وهو الحزام الذي يجعل على بطن البعير. الجراشع : جمع : جرشع. كقنافذ وقنفذ : المنتفخة الغليظة.

المعنى : إن شدة الركض والنخس والسير في الأراضي اليابسة الغليظة هي سبب هزال الناقة وضمورها وتذويب ما تحت حزامها من شحم ولحم. فلم يبق منها إلا الضلوع الغليظة.

الإعراب : طوى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. النحز : فاعل مرفوع. والأجراز : الواو حرف عطف الأجراز معطوف على النحز ومرفوع مثله. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. في غروضها : في غروض جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة لاسم الموصول تقديرها : ثبت أو استقر. وها : ضمير متصل في محل جر مضاف إليه. وما : الواو : عاطفة ما : نافية : بقيت : بقي فعل ماض مبني على الفتح. والتاء للتأنيث. إلا : أداة حصر. الضلوع : فاعل بقي مرفوع الجراشع : صفة للضلوع مرفوع مثلها.

الشاهد : في قوله : بقيت. حيث لحقنه تاء التأنيث مع فصله بإلا عن فاعله المؤنث وهو الضلوع وذلك لا يجوز عند الجمهور إلا في ضرورة الشعر.

(٢) بلا فصل : الباء حرف جر. لا : نافية معترضة بين الخافض والمخفوض. فصل : مجرور بالباء بكسرة ظاهرة والجار والمجرور متعلق بيأتي. ومع : الواو عاطفة ، مع ظرف مكان منصوب ـ وسكن للروى متعلق بقوله «وقع» وهو مضاف. ضمير : مضاف إليه مجرور بالكسرة وهو مضاف. ذي المجاز : ذي مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف للمجاز.

١٤١

قد تحذف التاء من الفعل المسند إلى مؤنث حقيقي من غير فصل ، وهو قليل جدا ، حكى سيبويه ؛ قال فلانة.

وقد تحذف التاء من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث المجازى وهو مخصوص بالشعر كقوله :

٥ ـ فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها (١)

والتاء مع جمع سوى السالم من

مذكر كالتاء مع إحدى اللبن (٢)

والحذف في نعم الفتاة استحسنوا

لأن قصد الجنس فيه بيّن (٣)

__________________

(١) قائله : عامر بن جوين ـ بالتصغير ـ الطائي : يصف سحابة وأرضا نافعتين.

اللغة : مزنة : سحابة ودقت : أمطرت وقطرت. أبقل : أنبت البقل وهو كل نبات اخضرت به الأرض.

المعنى : إن هذه السحابة أكرم السحب فقد أمطرت مطرا سخيا ما جادت بمثله سحابة ، وإن هذه الأرض قد أخصبت وجادت بنبات لم تنبت مثله أرض.

الإعراب : فلا : الفاء بحسب ما قبلها. لا : نافية تعمل عمل ليس. مزنة : اسمها مرفوع ضمته ظاهرة. ودقت : فعل ماض مبني على الفتح. والتاء للتأنيث. وفاعله : ضمير مستتر جوازا تقديره : هي يعود إلى مزنة. والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب خبر لا. ودقها : ودق : مفعول مطلق منصوب وها : في محل جر مضاف إليه ولا : الواو : عاطفة. لا : نافية للجنس تعمل عمل إن. أرض : اسمها مبني على الفتح في محل نصب. أبقل : فعل ماض مبني على الفتح. وفاعله ضمير مستتر جوازا يعود إلى أرض تقديره هي. إبقال : مفعول مطلق منصوب. وها : مضاف إليه. وجملة أبقل : في محل رفع خبر لا.

الشاهد : في قوله : أبقل. حيث حذفت تاء التأنيث منه مع أنه مسند لضمير المؤنث المجازي وذلك مخصوص بالشعر.

(٢) إحدى اللّبن ـ لبنة ، وهي مؤنثة مجازا يجوز في الفعل المسند إليها أن يقترن بالتاء وأن يتجرد منها.

(٣) الحذف : مفعول به مقدم لا ستحسنوا ، تقدير البيت : استحسنوا الحذف في «نعم الفتاة».

١٤٢

إذا أسند الفعل إلى جمع (١) فإما أن يكون جمع سلامة لمذكر أولا ، فإن كان جمع سلامة لمذكر لم يجز اقتران الفعل بالتاء ، فتقول : قام الزيدون ولا يجوز : قامت الزيدون ، وإن لم يكن جمع سلامة لمذكر بأن كان جمع تكسير لمذكر كالرجال ، أو لمؤنث كالهنود ، أو جمع سلامة لمؤنث جاز إثبات التاء وحذفها (٢) فتقول : قام الرجال وقامت الرجال ، وقام الهنود وقامت الهنود ، وقام الهندات ، وقامت الهندات فإثبات التاء لتأوله بالجماعة ، وحذفها لتأوله بالجمع (٣).

__________________

(١) المراد بالجمع ما دل على متعدد وهو ستة أنواع : ١ ـ جمع المذكر السالم نحو : مؤمنون ، زيدون. ٢ ـ جمع المؤنث السالم نحو : مؤمنات ، فاطمات. ٣ ـ جمع التكسير لمذكر نحو : رجال زيود. ٤ ـ جمع التكسير لمؤنث نحو : هنود. ٥ ـ اسم الجمع نحو : نساء. قوم. ٦ ـ اسم الجنس الجمعى نحو : شجر ، بقر ، روم.

(٢) هذا المذهب الذي ذكره المصنف وجاراه عليه الشارح هو مذهب أبي علي الفارسي من البصريين. وخلاصته جواز إثبات التاء وحذفها فيما عدا جمع المذكر السالم ، وهذا أحد مذاهب ثلاثة للنحاة في المجموع. الثاني : مذهب الكوفيين وهو جواز إثبات التاء وحذفها في الفعل المسند لأنواع الجمع الستة المتقدمة ، لأن الجموع عندهم من المؤنث المجازي ، ويعضد مذهبهم ما ورد في القرآن : (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) و (غُلِبَتِ الرُّومُ) و (إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ) وقول الشاعر الجاهلي :

فبكى بناتي شجوهن وزوجتي

والناظرون إليّ ثم تصدعوا

وعلى مذهب الكوفيين يخرّج قول الزمخشري :

إن قومي تجمعوا وبقتلي تحدثوا

لا أبالي بجمعهم كل جمع مؤنث

الثالث : مذهب البصريين وهو : وجوب تأنيث الفعل المسند لجمع المؤنث السالم الحقيقي التأنيث نحو : هندات ومؤمنات ، ووجوب تذكير الفعل المسند لجمع المذكر السالم لأن سلامة الواحد فيهما صيرته كالمفرد بخلاف أنواع الجمع الأخرى. أما ما تغير فيه بناء الواحد كبنين وبنات فيجوز فيه الوجهان اتفاقا. وأما التذكير في الآية(جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ) فللفصل بين الفعل والفاعل بالكاف :

(٣) لم يشر المصنف ولا الشارح إلى حكم المثنى المؤنث وهو كالمفرد حقيقيا أو غيره ، فتلزم في جاءت البنتان. وتجوز في كسرت البنتان ـ كسر اللبنتان.

١٤٣

وأشار بقوله : «كالتاء مع إحدى اللّبن» إلى أن التاء مع جمع التكسير ، وجمع السلامة لمؤنث كالتاء مع الظاهر المجازي التأنيث كلبنة ، فكما تقول : كسرت اللبنة ، وكسر اللبنة ، تقول : قام الرجال ، وقامت الرجال ، وكذلك باقي ما تقدم.

وأشار بقوله : والحذف في نعم الفتاة استحسنوا إلى آخر البيت. إلى أنه يجوز في نعم وأخواتها إذا كان فاعلها مؤنثا إثبات التاء وحذفها ، وإن كان مفردا مؤنثا حقيقيا ؛ فتقول : نعم المرأة هند (١) ، ونعمت المرأة هند (٢). وإنما جاز ذلك لأن فاعلها مقصود به استغراق الجنس ، فعومل معاملة جمع التكسير في إثبات التاء وحذفها. لشبهه في أن المقصود به متعدّد.

ومعنى قوله : «استحسنوا» أن الحذف في هذا ونحوه حسن ولكنّ الإثبات أحسن منه.

__________________

(١) نعم المرأة هند : نعم : فعل ماض جامد لإنشاء المدح مبني على الفتح. المرأة : فاعل نعم مرفوع. هند : خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره الممدوحة. أو مبتدأ مؤخر خبره الجملة المتقدمة «نعم المرأة».

(٢) هذا الحكم لا يختص بإسناد نعم إلى الظاهر بل يجوز الوجهان مع الضمير أيضا نحو : نعم امرأة هند.

١٤٤

أسئلة ومناقشات

١ ـ اشرح تعريف الفاعل شرحا واضحا .. ممثلا لما تقول وأين فاعل «يأن» من قوله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ للَّـهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ لْحَقِّ)(١)؟ وما نوعه.؟

٢ ـ قال النحاة : «العامل في الفاعل إما فعل أو شبهه».

اشرح هذه العبارة .. موضحا المقصود بشبه الفعل ومعدّدا أنواعه مع التمثيل لكل ما تذكر.

٣ ـ يختلف الكوفيون مع البصريين في تقديم الفاعل على عامله.

وضّح ما يترتب على ذلك الخلاف في الأساليب مع ذكر مثالين لما تقول ...

٤ ـ كيف توجّه إعراب المثالين الآتيين؟ : ـ أقبلن الفتيات ـ أقبلتا الفتاتان.

رجح ما تراه من وجوه إعرابهما ...

٥ ـ متى يحذف فعل الفاعل وجوبا؟ ومتى يحذف جوازا؟ وضح ذلك بالأمثلة معللا لما تقول ...

٦ ـ (تلحق تاء التأنيث الفعل الماضى وجوبا أو جوازا).

اشرح ذلك بالتفصيل مع ذكر أمثلة من عندك.

__________________

(١) آية ١٦ من سورة الحديد.

١٤٥

٧ ـ ما حكم لحاق تاء التأنيث بالماضى إذا وقع الفصل بينه وبين فاعله المؤنث الحقيقي بفاصل؟ وضح ذلك مع التمثيل.

٨ ـ ما وجه حذف تاء التأنيث من قولهم : (نعم الفتاة المهذبة)؟

وما وجه ذكرها؟ وأيهما أفضل؟ ولماذا؟

٩ ـ إذا أسند الفعل إلى الجمع فمتى يؤنث الفعل لذلك؟ ومتى يترك التأنيث؟ مثل لذلك ...

١٤٦

تمرينات

١ ـ قال أبو تمام الطائي يصف الربيع :

رقّت حواشي (١) الدّهر فهي تمرمر (٢)

وغدا الثرى في حليه يتكسّر

نزلت مقدمة المصيف حميدة

ويد الشتاء جديدة لا تكفر

أضحت تصوغ بطونها (٣) لظهورها

نورا تكاد له القلوب تنوّر

من كل زاهرة ترقرق بالندى

فكأنها عين إليك تحدّر

تبدو ويحجبها الجميم (٤) كأنها

عذراء تبدو تارة وتخفّر (٥)

حتى غدت وهداتها ونجادها

فئتين في خلع الربيع تبختر

اقرأ النص السابق ثم أجب عما يلي : ـ

أولا : اذكر بعض عناصر الجمال التي أعجبتك في هذا النص مبينا سر إعجابك بها.

__________________

(١) حواشى الدهر : أطرافه وجوانبه.

(٢) تمرمر : تتلألأ وأصلها تتمرمر فحذف إحدى التاءين تخفيفا.

(٣) تصوغ بطونها لظهورها : أي أن الأرض تنبت زهورا وورودا يزدان بها وجهها وظاهرها.

(٤) الجميم : العشب الأخضر حول الزهور والورود.

(٥) تخفّر. تستحي فتستر وجهها.

١٤٧

ثانيا : (أ) عيّن كلّ فاعل في النص ووضح العامل فيه.

(ب) عيّن الأفعال التي لحقتها تاء التأنيث في النص مبيّنا حكمها.

(ج) ما حكم لحاق تاء التأنيث بالفعلين الآتيين ولماذا؟

رقّت حواشى الدهر ـ حواشي الدهر رقّت

(د) خذ الكلمات الآتية «وهي من النص» وضع كلّ واحدة فاعلا في تركيبين بحيث تلزم التاء في واحد وتجوز في الآخر مع التعليل وهي :

«عذراء ـ زهرة ـ عين»

(ه) ضع كل كلمة من الكلمات الآتية في ثلاثة تراكيب ـ بحيث يكون العامل فيها مذكورا في الأولى ، ومحذوفا وجوبا في الثانية ، ومحذوفا جوازا في الثالثة وهي : ـ

«الربيع ـ الندى ـ الثرى ـ المصيف».

(و) يحتمل كل تركيب مما يأتي أكثر من إعراب ـ اذكر ذلك مع التعليل :

(تفتحتا الزهرتان ـ تفتّحن الزهرات ـ رجعوا المصطافون)

(ز) يبيح الكوفيون تقديم الفاعل على الفعل ، والبصريون يمنعون وضح أثر ذلك في مثالين تذكرهما من جو النص السابق.

(ح) اجعل كلمة «الربيع» في ثلاثة تراكيب بحيث يكون في الأول فاعلا لفعل مضارع ، وفي الثاني فاعلا لاسم فاعل وفي الثالث فاعلا لصفة مشبهة.

٢ ـ كوّن ثلاث جمل فعلية من إنشائك بحيث تلزم تاء التأنيث في الأول ، وتجوز في الثاني ، وتمتنع في الثالث.

١٤٨

٣ ـ كوّن خمس جمل فعلية من عندك.

الأولى : فاعلها مؤول بالصريح.

الثانية : فاعلها جمع تكسير.

الثالثة : فاعلها مؤنث مجازى.

الرابعة : فاعلها مؤنث حقيقي لا تلزم معه تاء التأنيث.

الخامسة : فاعلها مؤنث حقيقي تجب معه تاء التأنيث.

٤ ـ قال تعالى :

(إِذَا لسَّمَآءُ نفَطَرَتْ ـ وَإِذَا لْكَوَاكِبُ نتَثَرَتْ ـ وَإِذَا لْبِحَارُ فُجِّرَتْ ـ وَإِذَا لْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ـ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ)(١).

أقرأ الآيات ثم أجب عما يأتي : ـ

(أ) ما العامل في الكلمات : «السماء ، الكواكب ، البحار»؟

وما حكم حذف هذا العامل؟

(ب) عيّن تاءات التأنيث في النص القرآني ـ واذكر حكم لحاقها بأفعالها ولماذا؟

٥ ـ بيّن لم حذفت التاء من الفعل في المثال الأول دون الثاني؟

(أ) ما حضر إلا أخت مسلمة.

(ب) أكرمتني أخت مسلمة.

٦ ـ بيّن حكم لحاق التاء بالفعل في كل مثال مما يأتي ولماذا؟

نعم الفتاة هند.

جادت الفتاة هند.

ما جاد إلا الفتاة هند.

٧ ـ اشرح البيت الآتي ثم أعرب ما تحته خط منه : ـ

كفى بالمرء عيبا أن تراه

له وجه وليس له لسان

__________________

(١) الآيات من (١ ـ ٥) أول سورة الانفطار.

١٤٩

٧ ـ اتصال الفاعل بالفعل من غير فاصل :

والأصل في الفاعل أن يتصلا

والأصل في المفعول أن ينفصلا (١)

وقد يجاء بخلاف الأصل

وقد يجي المفعول قبل الفعل (٢)

الأصل أن يلي الفاعل الفعل من غير أن يفصل بينه وبين الفعل فاصل ؛ لأنه كالجزء منه ، ولذلك يسكّن له آخر الفعل إن كان ضمير متكلم ، أو مخاطب ، نحو : ضربت وضربت ، وإنما سكّنوه كراهة توالى أربع متحركات ، وهم إنما يكرهون ذلك في الكلمة الواحدة ؛ فدلّ ذلك على أن الفاعل مع فعله كالكلمة الواحدة.

والأصل في المفعول أن ينفصل من الفعل ، بأن يتأخر عن الفاعل ، ويجوز فيه تقديمه على الفاعل إن خلا مما سيذكره ؛ فتقول : ضرب زيدا عمرو ، وهذا معنى قوله : «وقد يجاء بخلاف الأصل» وأشار بقوله : «قد يجي المفعول قبل الفعل» إلى أن المفعول قد يتقدم على الفعل ، وتحت هذا قسمان :

__________________

(١) الأصل : مبتدأ مرفوع. في الفاعل : جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الأصل أن يتصلا : أن حرف مصدري ونصب. يتصلا : فعل مضارع منصوب فتحته ظاهرة. والألف للإطلاق. والفاعل ضمير مستتر. وأن وما بعدها في تأويل مصدر مرفوع خبر الأصل. التقدير : الأصل في الفاعل اتصاله. والشطر الثاني مماثل الأول :

(٢) قد يجاء : قد : حرف تقليل. يجاء : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع. بخلاف جار ومجرور نائب فاعل ليجاء.

١٥٠

أحدهما (أ) : ما يجب تقديمه : (١).

وذلك كما إذا كان المفعول اسم شرط نحو : أيا تضرب أضرب (٢). أو اسم استفهام ، نحو : أيّ رجل ضربت؟ (٣) أو ضميرا منفصلا لو تأخر لزم اتصاله نحو : «إياك نعبد» (٤) فلو أخّر المفعول لزم الاتصال ، وكأن يقال نعبدك ، فيجب التقديم ، بخلاف قولك : الدرهم إياه أعطيتك (٥) فإنه لا يجب تقديم إياه ، لأنك لو أخرته لجاز اتصاله وانفصاله ، على ما تقدم في باب المضمرات فكنت تقول : الدرهم أعطيتكه ، وأعطيتك إياه.

__________________

(١) مثل اسم الشرط واسم الاستفهام في لزوم الصدارة «كم الخبرية» فيجب تقديمها على فعلها نحو : كم عبيد ملكت.

وكذلك يجب تقديم المفعول به على فعله إذا وقع المفعول به في جواب «أمّا» وليس في الجملة ما يفصل بين أمّا والفعل غير المفعول نحو : «فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ».

(٢) أيّا : اسم شرط جازم يجزم فعلين مفعول به مقدم لتضرب منصوب بالفتحة. تضرب : فعل الشرط مضارع مجزوم بالسكون. وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. أضرب : مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وجزاؤه وعلامة جزمه السكون. وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا.

(٣) أي : اسم استفهام مفعول به مقدم لضربت منصوب بالفتحة. رجل : مضاف إليه مجرور. ضربت : ضرب فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء. والتاء : ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل.

(٤) إياك : إيا : ضمير نصب منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم لنعبد. والكاف حرف خطاب نعبد : فعل مضارع مرفوع بالضمة. والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن.

(٥) الدرهم : مبتدأ مرفوع. إياه : ضمير نصب منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان مقدم. والهاء : للغائب حرف لا محل له من الإعراب. أعطيتك أعطى : فعل ماض مبني على السكون ، والتاء فاعل ، والكاف مفعول به أول لأعطى وجملة : أعطيتك إياه : في محل رفع خبر المبتدأ.

١٥١

والثاني (ب) : ما يجوز تقديمه وتأخيره نحو : ضرب زيد عمرا ، فتقول : عمرا ضرب زيد.

وجوب تقديم الفاعل :

وأخّر المفعول إن لبس حذر

أو أضمر الفاعل غير منحصر (١)

يجب تقديم الفاعل على المفعول ـ في موضعين ـ :

١ ـ إذا خيف التباس. أحدهما بالآخر ، كما إذا خفي الإعراب فيهما ولم توجد قرينة تبين الفاعل من المفعول (٢) وذلك نحو : ضرب موسى عيسى ، فيجب كون موسى فاعلا وعيسى مفعولا. وهذا مذهب الجمهور.

وأجاز بعضهم تقديم المفعول في هذا ونحوه ، قال : لأن العرب لها غرض في الالتباس كما لها غرض في التبيين.

فإذا وجدت قرينة (٣) تبين الفاعل من المفعول جاز تقديم المفعول

__________________

(١) إن : حرف شرط جازم يجزم فعلين. لبس : نائب فاعل لفعل محذوف وجوبا تقديره حذر ، فسره ما بعده مرفوع ضمته ظاهرة ، والفعل المحذوف هو فعل الشرط. وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام السابق ، تقديره «فأخر المفعول». غير منحصر : غير : حال منصوب فتحته ظاهرة. منحصر : مضاف إليه مجرور.

(٢) يخفى الإعراب في أربعة أنواع من الأسماء : ١ ـ المقصور نحو : موسى ، الفتى الهدى. ٢ ـ اسم الإشارة ٣ ـ الاسم الموصول ٤ ـ المضاف لياء المتكلم.

(٣) القرينة المبيّنة إما معنوية كما مثل الشارح ، لأن العاقل يفهم أن الآكل موسى ، وأن المأكول هو الكمثرى وإما لفظية ، كظهور الإعراب في تابع أحدهما نحو : ضرب موسى الظريف عيسى. أو اتصال ضمير الثاني بالأول نحو : ضرب فتاه موسى ـ لوجوب تقديم مرجع الضمير ولو رتبة. أو تأنيث الفعل نحو : ضربت موسى سلمى.

١٥٢

وتأخيره. فتقول : «أكل موسى الكمّثرى ، وأكل الكمّثرى موسى» (١) وهذا معنى قوله : «وأخر المفعول إن لبس حذر».

٢ ـ ومعنى قوله : «أو أضمر الفاعل غير منحصر» أنه يجب تقديم الفاعل وتأخير المفعول إذا كان الفاعل ضميرا غير محصور نحو : «ضربت زيدا» فإن كان ضميرا محصورا وجب تأخيره نحو : «ما ضرب زيدا إلا أنا».

أحكام المحصور :

وما بإلا أو بإنما انحصر

أخّر ، وقد يسبق إن قصد ظهر (٢)

يقول : إذا انحصر الفاعل أو المفعول ب «إلا» أو ب «إنما» وجب تأخيره ، وقد يتقدم المحصور من الفاعل أو المفعول على غير المحصور إذا ظهر من غيره ، وذلك كما إذا كان الحصر بإلا ، فأما إذا كان الحصر بإنما فإنه لا يجوز تقديم المحصور ، إذ لا يظهر كونه محصورا إلا بتأخيره ، بخلاف المحصور بإلا فإنه يعرف بكونه واقعا بعد إلا ، فلا فرق بين أن يتقدم أو يتأخر.

فمثال الفاعل المحصور ب «إنما» قولك : «إنما ضرب عمرا زيد»

__________________

(١) أكل : فعل ماض مبني على الفتح الظاهر. الكمثرى : مفعول به مقدم منصوب علامة نصبه فتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. موسى : فاعل مؤخر مرفوع علامة رفعه ضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.

(٢) ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم للفعل «أخر» بإلا : جار ومجرور ـ قصد لفظه ـ متعلق بانحصر. أو : حرف عطف بإنما : جار ومجرور معطوف على «بإلا» ومتعلق بانحصر. انحصر : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر جوازا يعود على ما تقديره هو ، وهو العائد. وجملة انحصر : لا محل لها من الإعراب صلة الموصول : أخّر : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ـ وتقدير البيت : وأخر ما انحصر بإلا أو بإنما.

١٥٣

ومثال المفعول المحصور «إنما ضرب زيد عمرا» ومثال الفاعل المحصور ب «إلا» «ما ضرب عمرا إلا زيد» ومثال المفعول «ما ضرب زيد إلا عمرا». ومثال تقدم الفاعل المحصور بإلا قولك : ما ضرب إلا عمرو زيدا. ومنه قوله :

٦ ـ فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا

عشيّة آناء الديار وشامها (١)

ومثال تقديم المفعول المحصور بإلا قولك : «ما ضرب إلا عمرا زيد» ومنه قوله :

__________________

(١) قائله ذو الرمة غيلان بن عقبة. العشية : ما بين الزوال إلى الغروب. آناء : جمع نوي وهو الحفير حول الخيمة يمنع المطر والسيل. شامها : جمع : شامة : وهي العلامة. هيجت : أثارت.

المعنى : عجت على ديار الحبيبة في العشية ولا يدري إلا الله ما أثارته فينا آثار الديار وعلاماتها الباقية من ذكريات جميلة.

الإعراب : لم : حرف نفي وجزم وقلب. يدر : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الياء لأنه معتل. إلا : أداة حصر. الله : فاعل يدري مرفوع. ما : اسم موصول في محل نصب مفعول به ليدري ... عشية : مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق بهيجت. آناء : فاعل هيجت مرفوع بالضمة الديار : مضاف إليه مجرور. وشامها : الواو عاطفة. شام معطوف على آناء مرفوع بالضمة. ها : ضمير متصل في محل جر مضاف إليه. وجملة : هيجت آناء الديار : لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. والعائد محذوف وهو ضمير نصب تقديره : ما هيجته. الشاهد في قوله : «فلم يدر إلا الله ما هيجت» حيث قدم الفاعل المحصور بإلا على المفعول وقد ذهب الكسائي إلى تجويز ذلك اعتمادا على مثل هذا البيت. ومذهب الجمهور منع تقديم الفاعل المحصور ، وعندهم : ما هيجت : مفعول به لفعل محذوف تقديره «درى ما هيجت».

١٥٤

٧ ـ تزودت من ليلى بتكليم ساعة

فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها (١)

مذاهب النحاة في تقديم المحصور ب «إلا» :

واعلم أن المحصور ب «إنما» لا خلاف في أنه لا يجوز تقديمه.

وأما المحصور ب «إلا» ففيه ثلاثة مذاهب :

١ ـ أحدها : وهو مذهب أكثر البصريين ، والفراء وابن الأنباري ، أنه لا يخلو : إما أن يكون المحصور بها فاعلا أو مفعولا ؛ فإن كان

__________________

(١) قائله مجنون ليلى قيس بن الملوح. ضعف : بكسر الضاد مثل. ضعف الشيء : مثله. وتستعمل في المثل وزيادة.

المعنى : تزودت من محبوبتى ليلى قبل الفراق بتكليمها وتبادل الحديث معها مدة من الزمن راجيا أن يزول ما بي من اللوعة وتباريح الوجد فما زادني كلامها إلا أمثال ما أقاسيه من ذلك.

الإعراب : تزودت : فعل وفاعل. من ليلى : من حرف جر. ليلى مجرور بمن وعلامة جره فتحة مقدرة على الألف بدل الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. والجار والمجرور متعلق بتزودت. بتكليم : جار ومجرور متعلق بتزودت. ساعة : مضاف إليه مجرور. فما : الفاء عاطفة ما : نافية. زاد : فعل ماض مبني على الفتح. إلا : أداة حصر. ضعف : مفعول به مقدم منصوب. ما بي : ما اسم موصول في محل جر مضاف إليه. بي : جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول تقديرها : استقرّ. كلامها : فاعل مؤخر لزاد مرفوع. ها : في محل جر مضاف إليه. جملة : تزودت ابتدائية لا محل لها من الإعراب وجملة : زاد كلامها : معطوفة على الأولى فهي مثلها لا محل لها.

الشاهد : في قوله : «فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها» حيث قدم المفعول به المحصور بإلا وهو ضعف على الفاعل وهو كلامها. وهذا جائز عند الكسائي وأكثر البصريين ولكنه قليل.

١٥٥

فاعلا امتنع تقديمه : فلا يجوز : «ما ضرب إلا زيد عمرا» فأما قوله : «فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا» فأوّل على أنّ «ما هيجت» مفعول بفعل محذوف ، والتقدير : «درى ما هيجت لنا» فلم يتقدم الفاعل المحصور على المفعول ، لأن هذا ليس مفعولا للفعل المذكور وإن كان المحصور مفعولا جاز تقديمه. نحو : «ما ضرب إلا عمرا زيد».

٢ ـ الثاني ـ وهو مذهب الكسائي (١) ـ أنه يجوز تقديم المحصور بإلا فاعلا كان أو مفعولا.

٣ ـ الثالث : وهو مذهب بعض البصريين ، واختاره الجزولي ، والشلوبين أنه لا يجوز تقديم المحصور بإلا فاعلا كان أو مفعولا.

* * *

وشاع نحو : «خاف ربّه عمر»

وشذ نحو : «زان نوره الشجر» (٢)

أي شاع في لسان العرب تقديم المفعول المشتمل على ضمير يرجع إلى الفاعل المتأخر وذلك نحو : «خاف ربّه عمر» ف «ربّه» مفعول وقد اشتمل على ضمير يرجع إلى عمر وهو الفاعل. وإنما جاز ذلك وإن كان فيه

__________________

(١) مذهب الكسائي هو الذي اختاره المصنف ابن مالك بقوله : «وقد يسبق إن قصد ظهر».

(٢) زان نوره الشجر : زان : فعل ماض مبني على الفتح. نور : فاعل مرفوع بالضمة. والهاء : مضاف إليه. الشجر : مفعول به منصوب بالفتحة ، وإنما سكن آخره للوقف آخر البيت. وسبب الشذوذ في مثل هذا الكلام عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

١٥٦

عود الضمير على متأخر لفظا ، لأن الفاعل منويّ التقديم على المفعول لأن الأصل في الفاعل أن يتصل بالفعل فهو متقدم رتبة وإن تأخر لفظا. فلو اشتمل المفعول على ضمير يرجع إلى ما اتصل بالفاعل فهل يجوز تقديم المفعول على الفاعل؟ في ذلك خلاف ، وذلك نحو «ضرب غلامها جار هند» (١) فمن أجازها وهو الصحيح وجّه الجواز بأنه لما عاد الضمير على ما اتصل بما رتبته التقديم كان كعوده على ما رتبته التقديم. لأن المتصل بالمتقدم متقدم.

وقوله : «وشذّ إلى آخره» أي شذّ عود الضمير من الفاعل المتقدم على المفعول المتأخّر ، وذلك نحو «زان نوره الشجر» فالهاء المتصلة بنور الذي هو الفاعل. عائدة على «الشجر». وهو المفعول ، وإنما شذ ذلك لأن فيه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة ، لأن الشجر مفعول وهو متأخر لفظا ، والأصل في المفعول أن ينفصل عن الفعل ، فهو متأخر رتبة وهذه المسألة ممنوعة عند جمهور النحويين (٢) وما ورد من ذلك تأوّلوه ، وأجازها أبو عبد الله الطّوال من الكوفيين .. وأبو الفتح بن جني ، وتابعهما المصنف (٣).

ومما ورد من ذلك قوله :

__________________

(١) ضرب : فعل ماض مبني على الفتح. غلام : مفعول به مقدم منصوب. ها : ضمير متصل في محل جر مضاف إليه وهو عائد على هند المتصلة بالفاعل المتأخر «جار». جار : فاعل متأخر مرفوع. هند : مضاف إليه.

(٢) ممنوعة عند الجمهور شعرا ونثرا.

(٣) جائزة عند هؤلاء شعرا ونثرا. وبقي قول ثالث وهو الحق والصحيح أنها جائزة شعرا لا نثرا. كما ذكر ابن هشام في أوضح المسالك.

١٥٧

٨ ـ لما رأى طالبوه مصعبا ذعروا

وكاد لو ساعد المقدور ينتصر (١)

وقوله :

__________________

(١) هذا الشعر في رثاء مصعب بن الزبير بن العوام رضي‌الله‌عنه لما قتل سنة إحدى وسبعين من الهجرة.

اللغة : رأى ـ بصرية بمعنى أبصر. ذعروا ـ بضم المعجمة مبني للمجهول : خافوا وفزعوا : المقدور : القضاء الذي قدره الله تعالى.

المعنى : لما أبصر مصعبا أعداؤه الذين يطلبون قتله داخلهم الرعب وقارب أن ينتصر عليهم ولو ساعده القدر لظفر بهم :

الإعراب : لمّا : ظرف زمان بمعنى حين مبني على السكون في محل نصب متعلق ب «ذعروا» رأى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. طالبوه : طالبو : فاعل رأى مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم وحذفت نونه للإضافة والهاء : في محل جر مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله. مصعبا : مفعول به منصوب. ذعروا : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم والواو نائب فاعل وكاد : كاد : فعل ماض ناقص من أفعال المقاربة. واسمها : ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى مصعب. لو : حرف امتناع لامتناع. ساعد المقدور : فعل وفاعل. ينتصر : مضارع مرفوع بالضمة والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى مصعب.

جملة «رأى طالبوه» في محل جر بإضافة لما إليها. جملة «ذعروا» لا محل لها من الإعراب لوقوعها جواب شرط غير جازم. جملة «ينتصر» في محل نصب خبر كاد. وجواب لو محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره «لانتصر».

الشاهد : في قوله «لما رأى طالبوه مصعبا» حيث اتصل بالفاعل ضمير يعود على المفعول المتأخر. فعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة. وهذا شاذ عند الجمهور.

١٥٨

٩ ـ كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد

ورقّى نداه ذا الندى في ذرا المجد (١)

وقوله :

١٠ ـ ولو أنّ مجدا أخلد الدهر واحدا

من الناس أبقى مجده الدهر مطعما (٢)

__________________

(١) الحلم : الأناة والعقل. السؤدد : السيادة. النّدى : الجود والبذل. ذرى : جمع ذروة وهي أعلى الشيء.

المعنى : إن العقل يزين صاحبه ويكسوه أثواب السيادة والرفعة ، والجود يرفع صاحبه إلى أعلى مراتب الرفعة والشرف.

الإعراب : كسا : فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر. حلمه : فاعل كسا والهاء مضاف إليه. ذا الحلم : ذا : مفعول أول لكسا منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة. الحلم : مضاف إليه. أثواب : مفعول ثان لكسا منصوب. ورقى : الواو عاطفة. رقى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. نداه : فاعل رقى مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والهاء مضاف إليه. ذا الندى : ذا مفعول به لرقى منصوب بالألف من الأسماء الستة الندى مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة للتعذر.

الشاهد : في قوله «كسا حلمه ذا الحلم» وقوله «رقى نداه ذا الندى». حيث اتصل في الموضعين بالفاعل ضمير يعود على المفعول به المتأخر فعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة ، وهذا شاذ عند الجمهور.

(٢) قائله : حسان بن ثابت ـ شاعر الرسول ـ يرثي مطعم بن عدي لأنه كان يحوط النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وينصره قبل الهجرة. أخلد : أبقى.

المعنى : لو كان الشرف يضمن لصاحبه البقاء والخلود في الدنيا لكان مطعم بن عدي خليقا بأن يخلده شرفه وفضله أبد الدهر.

الإعراب : لو : حرف امتناع لامتناع. أنّ : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. مجدا : اسم أن منصوب. الدهر : مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق بأخلد. وجملة أخلد الدهر واحدا في محل رفع خبر أن. أبقى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر مجده : فاعل أبقى مرفوع والهاء : مضاف إليه. الدهر : مفعول فيه ظرف

١٥٩

وقوله :

١١ ـ جزى ربّه عني عديّ بن حاتم

جزاء الكلاب العاويات وقد فعل (١)

وقوله :

١٢ ـ جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر

وحسن فعل كما يجزى سنمّار (٢)

__________________

زمان متعلق بأبقى. مطعما : مفعول به منصوب وجملة : أبقى مجده : لا محل لها من الإعراب واقعة في جواب لو وهي أداة شرط غير جازم وأن وما بعدها في تأويل مصدر مرفوع فاعل بفعل محذوف هو فعل الشرط للو. تقديره لو ثبت إخلاد مجد .. لأن لو مختصة بالفعل مثل إن وإذا.

الشاهد : في قوله «أبقى مجده مطعما» حيث اتصل بالفاعل «مجده» ضمير يعود على المفعول به المتأخر «مطعما» وفي ذلك عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة ، وهو شاذ عند الجمهور.

(١) قائله أبو الأسود الدؤلي يهجو عدي بن حاتم الطائي.

المعنى : أسأل الله أن ينتقم لي من عدي بن حاتم فيجزيه بالنبذ والطرد والرمي بالحجارة مثل جزاء الكلاب العاويات. وقد استجاب الله دعائي فيه.

الإعراب : ابن حاتم ابن صفة لعدي منصوب بالفتحة. جزاء الكلاب : مفعول مطلق مبين للنوع منصوب بالفتحة. وقد : الواو حالية. قد للتحقيق. فعل : ماض مبني على الفتح وسكن للوقف والفاعل ضمير مستتر جوازا يعود على لفظ الجلالة «ربّه» وجملة «قد فعل» في محل نصب حال من ربه.

الشاهد : في قوله : «جزى ربّه عديّ بن حاتم» حيث اتصل بالفاعل «ربه» ضمير يعود على المفعول به المتأخر «عديّ» وفي ذلك عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة ، وهو شاذ عند الجمهور.

(٢) سنمّار : رجل رومي بنى القصر المسمّى ب «الخورنق» بظهر الكوفة ، للنعمان ابن امريء القيس ملك الحيرة ، فلما فرغ من بنائه ألقاه من أعلاه فخر صريعا ، لئلا يبني لغيره مثله ، فضرب به المثل لمن يجزي الإحسان بالإساءة.

١٦٠