سرّ صناعة الإعراب - ج ٢

أبي الفتح عثمان بن جنّي

سرّ صناعة الإعراب - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 978-2-7451-2702-0
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

وأصلها أوّاو ، فلما وقعت الواو طرفا بعد ألف زائدة قلبت ألفا ، ثم قلبت تلك الألف همزة كما قلنا في أبناء ، وأسماء ، وأعداء ، وأفلاء (١).

ومن كانت ألف «واو» عنده من ياء قال إذا جمعها على «أفعال» : «أيّاء» ، وأصلها عنده «أوياء» فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت الواو بالسكون قلبت الواو ياء ، وأدغمت في الياء التي بعدها ، فصارت «أيّا» كما ترى.

ومن جمع ذلك على «أفعل» قال : أدول ، وأذول ، وأصود ، وأضود ، وأقوف ، وأكوف ، وألوم.

ومن كانت عين «واو» عنده واوا قال في جمعها على «أفعل» : «أوّ» ، وأصلها «أوّو» فلما وقعت الواو طرفا مضموما ما قبلها أبدل من الضمة كسرة ، ومن الواو ياء ، فقال : «أوّ» كما قالوا : دلو وأدل ، وحقو وأحق.

ومن كانت عين «واو» عنده ياء قال في جمعها على «أفعل» : «أيّ» ، وأصله «أويو» فلما اجتمعت الواو والياء ، وسبقت الواو بالسكون قلبت الواو ياء ، وأدغمت في الياء بعدها ، فصارت «أيّو» فلما وقعت الواو طرفا مضموما ما قبلها أبدلت من الضمة كسرة ، ومن الواو ياء على ما ذكرناه الآن ، فصار التقدير «أيّي» ، فلما اجتمعت ثلاث ياءات والوسطى منهن مكسورة حذفت الياء الأخيرة ، كما حذفت في تحقير «أحوى» و «أعيا» في قولهم «أحيّ» و «أعيّ» فكذلك قلت أنت أيضا «أيّ».

وأما «نون» فإن أمرها ظاهر لأن عينها واو كما ترى. ومن قال في «فعل» من البيع : «بوع» ـ وهو أبو الحسن ، ويشهد بصحة قوله هيف وهوف (٢) ـ لم يجز له مثل ذلك في «نون» أن تكون واوها بدلا من ياء لقولهم : نوّنت الكلمة تنوينا ، وهذا حرف منوّن ، فظهور الواو في هذه المواضع ولا ضمة قبلها ، يدل على أن الواو فيها أصل غير بدل.

فإن جمعتها على «أفعال» قلت «أنوان» وعلى «أفعل» : «أنون».

__________________

(١) أفلاء : جمع فلو ، وهو الجحش والمهر إذا فطم. اللسان (١٥ / ١٦٢) مادة / فلا.

(٢) وهوف : الهيف والهوف : الريح الباردة الهبوب. اللسان (٩ / ٣٥١) مادة / هيف.

٤٢١

ومن همز الواو لانضمامها ، فقال (١) :

لكلّ دهر قد لبست أثؤبا (٢)

وقال (٣) :

 .......

مصابيح شبّت بالعشاء وأنؤر (٤)

همز أيضا هذا ، فقال : أنؤن ، وأكؤف ، وأقؤف ، وأدؤل ، وأذؤل ، وأصؤد ، وأضؤد.

وأما «زاي» فيمن لفظ بها ثلاثية هكذا فألفها على ما قدّمناه ينبغي أن تكون منقلبة عن واو ، ولامه ياء كما ترى ، فهو من لفظ «زويت» (٥) إلا أن عينه اعتلّت ، وسلمت لامه ، ولحق بباب : غاي ، وراي ، وثاي ، وطاي ، وآي في الشذوذ لاعتلال عينه وصحة لامه. وقولي «اعتلّت» إنما أريد به أنها متى أعربت فقيل : هذه زاي حسنة ، أو : كتبت زايا صغيرة أو نحو ذلك ، فإنها بعد ذلك ملحقة في الاعتلال بباب «راي» و «غاي» إلا أنه ما دام حرف هجاء فألفه غير منقلبة ، فلهذا كان عندي قولهم في التهجي «زاي» أحسن من «غاي» و «طاي» لأنه ما دام حرفا فهو غير مصرّف ، وألفه غير مقضيّ عليها بالانقلاب ، و «غاي» وبابه متصرف ، فالانقلاب ، وإعلال العين ، وتصحيح اللام جار عليه ومعروف به.

ولو اشتققت منها «فعّلت» لقلت «زوّيت» وإن كانت الإمالة قد سمعت في ألفها. وهي على مذهب أبي علي «زوّيت» أيضا ، وعلى قول غيره : زيّيت زايا.

وإن كسّرتها على «أفعال» قلت «أزواء» وعلى قول غير أبي علي «أزياء» إن صحت إمالتها. وإن كسّرتها على «أفعل» قلت «أزو» و «أزي» على المذهبين.

__________________

(١) نسب البيت لمعروف بن عبد الرحمن في شرح أبيات سيبويه (٢ / ٣٩٢).

(٢) الشاهد فيه : (أثوب) حيث جمعت على (أفعل) ، ويجوز جمعها على (أفعال) فتقول : (أثواب).

(٣) البيت لعمر بن أبي ربيعة وهو في ديوانه ، وبغير نسبه في المقتضب (٢ / ٢٠٥).

(٤) الشاهد فيه (أنور) حيث جمعت على أفعل ويجوز (أنوار).

(٥) زويت : زوى ما بين عينيه : قطب وعبس. اللسان (١٤ / ٣٦٤) مادة / زوى.

٤٢٢

وأما من قال «زي» وأجراها مجرى «كي» فإنه إذا اشتق منها «فعّلت» كملها قبل اسما ، فزاد على الياء ياء أخرى ، كما أنه إذا سمّى رجلا بـ «كي» ثقّل الياء ، فقال : هذا كيّ ، وكذلك تقول أيضا «زيّ» ثم تقول منه «فعّلت» : «زيّيت» كما تقول من «حييت» : «حيّيت».

فإن قلت : فإذا كانت الياء من «زي» في موضع العين فهلّا زعمت أن الألف من «زاي» ياء لوجودك العين في «زي» ياء؟

فالجواب : أن ارتكاب هذا خطأ من قبل أنك لو ذهبت إلى هذا لحكمت بأن «زي» محذوفة من «زاي» والحذف ضرب من التصرف ، وهذه الحروف كما تقدم جوامد لا تصرف في شيء منها.

وأيضا فلو كانت الألف في «زاي» هي الياء في «زي» لكانت منقلبة ، والانقلاب في هذه الحروف مفقود غير موجود.

وعلّقت عن أبي علي في شرح الكتاب لفظا من فيه قال : من قال «اللاء» فهو عنده كالباب ، ومن قال «اللائي» فهو عنده كالقاضي ، قال : ولا يكون «اللاء» محذوفا من «اللائي». فإذا لم يجز الحذف في هذه الأسماء التي توصف ويوصف بها ، ويحقّر كثير منها ، وتدخل عليها لام التعريف المختصة بالأسماء ، فأن لا يجوز الحذف في حروف الهجاء التي هي جوامد أبدا أحرى. ولو جمعتها لقلت في القولين جميعا «أزياء» و «أزي».

فأما قولنا «ألف» فأمرها ظاهر ، ووزنها «فعل» وعينها ولامها صحيحتان كما ترى.

وأما الألف الساكنة التي هي مدّة بعد اللام في قولهم «و. لا. ي» فلا يجوز أن تسميها كما تسمي أول ما تجده في لفظك من «ضرب» بقولك «ضاد» وثانيه بقولك «راء» وثالثه بقولك «باء» من قبل أنك تجد في أوائل هذه الحروف التي تسميها بهذه الأسماء المبنية لفظ الحرف الذي تريده ، والألف أبدا ساكنة ، فلا يمكن تسميتها لأنه كان يلزمك أن توقع الألف الساكنة أوّل ذلك الاسم المبني ، والساكن لا يمكن ابتداؤه ، فرفض ذلك لذلك ، وقد تقدم ذكر هذا.

٤٢٣

ألا ترى أن أول قولك «جيم» جيم ، وأول «طاء» طاء ، وهذا واضح.

فإن تكلفت أن تبني من الألف الساكنة في قولنا «لا» مثال «فعّلت» لم يمكنك ذلك حتى تتمّ الألف الساكنة ثلاثة أحرف ؛ لأنه لا يمكن الاشتقاق من كلمة على أقل من ثلاثة أحرف ، فيلزمك على ذلك أن تزيد على الألف ألفا أخرى ليكون الثاني من لفظ الأول ، كما أنك إذا سميت رجلا «لا» زدت على الألف ألفا أخرى ، وهمزتها لأنك حرّكتها لالتقاء الساكنين ، فقلت «لاء» وفي «ذا» : «ذاء» وفي «ما» : «ماء» فتزيد على الألف من «لا» وهي ساكنة كما ترى ألفا أخرى بعد أن تزيل اللام التي كانت الألف معتمدة عليها ؛ لأنك الآن إنما تريد تكميلها للبناء منها ، ولست تريد الآن أن تلفظ بها فتتركها مدعومة باللام من قبلها ، وإنما حذفت اللام لأنها زائدة ، والبناء أبدا من الأصول لا من الزوائد ، فيصيّرك التقدير إلى أن تجمع بين ألفين ساكنين ، وذا لا يمكنك اللفظ به لتعذّر الابتداء بالساكن ، إلا أنك تعلم أن هذا الذي أشكله الآن صورتهما ، وهو «أا» فيلتقي ألفان ساكنتان ، فلا يمكن الابتداء بالأولى منهما لسكونها ، فلا تخلو حينئذ من حذف إحداهما أو حركتها ، فلا يمكن الحذف لأنك لو حذفت إحداهما عدت إلى اللفظ بالواحدة التي عنها هربت ، فكان ذلك يكون مؤديا إلى نقض الغرض الذي أجمعته من تكميل الحرف بالزيادة فيه للبناء منه ، فلما لم يسغ الحذف وجب تحريك إحداهما ، فكانت الألف الأولى أولى بالحركة ليمكن الابتداء بها ، فلما حرّكت كان الكسر أولى بها إذ الحركة فيها إنما هي لالتقاء الساكنين ، فانقلبت همزة على حد ما قدّمناه من الألف إذا حركت قلبت همزة نحو : «شأبّة» و «دأبّة» وما أشبه ذلك.

فلما حركت الألف الأولى فقلبت همزة مكسورة انقلبت الألف الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، كما قلبت في نحو : «قراطيس» و «حماليق» جمع «قرطاس» و «حملاق» فصار اللفظ حينئذ «إي» فلما أردت التكملة زدت على الياء ياء أخرى ، كما أنك لو سمّيت رجلا بـ «في» زدت على الياء ياء أخرى ، فقلت هذا «فيّ» فصار اللفظ فيما بعد «إيّ».

فإن بنيت من «إيّ» هذا «فعّلت» كما قلت قوّفت قافا ، وكوّفت كافا ، وسيّنت سينا ، وعيّنت عينا ، وجب عليك أن تقول «أوّيت».

٤٢٤

فإن سأل سائل فقال : من أين لك الواو في هذا المثال ، وأنت تعلم أن الأول من الحرفين المدغم إنما هو ياء في «أي» ثم زدت على الياء كما زعمت ياء أخرى ، فصار «إيّ» ولسنا نجد للواو هنا مذهبا ولا أصلا ، أولست لو بنيت «فعّلت» من «في» لقلت : فيّيت فيّا حسنة ، ومن «إي» في قوله تعالى : (إِي وَرَبِّي) (يونس : ٥٣) : أيّيت ، فهلا قلت قياسا على هذا : أيّيت؟

فالجواب : أن الياء في «في» و «إي» أصلان لا حظ لهما في غيرهما ، فوجب عليك إذا أردت أن تكمّلهما ثلاثيتين أن تعتقد أن الياء فيهما عينان ، فإذا زدت على الياء ياء أخرى مثلها صارت الكلمة عندك كأنها من باب «حييت» و «عييت» من مضاعف الياء ، فلذلك قلت : فيّيت فيّا ، وأيّيت إيّا. وأما الياء في «إي» في الهجاء على ما تأدّت إليه الصنعة ، فإنما هي بدل من الألف الثانية من الألفين اللتين صورتهما «اا» ، ثم إنها قلبت ياء لانكسار الألف الأولى قبلها ، فصارت «إي» فقد علمنا بذلك أن أصلها الألف ، وأنها إنما قلبت للكسرة قبلها ، وإذا كانت الألف المجهولة ثانية عينا أو في موضع العين وجب على ما وصّى به سيبويه (١) ـ وقد ذكرناه ـ أن يعتقد فيها أنها منقلبة عن واو ، وإذا كان ذلك كذلك فقد صارت «إيّ» على هذا الاعتقاد مثل «قيّ» من القواء (٢) ، و «سيّ» من السّواء ، ولحقت بما عينه واو ولامه ياء نحو «طويت» و «شويت» ، فكما أنك لو بنيت «فعّلت» من «القيّ» و «السّيّ» لقلت : «قوّيت» و «سويت» فأظهرت العينين واوين لزوال الكسرة من قبلها ، وكونها ساكنة قبل الياء ، فكذلك ينبغي أن تقول في «إيّ» : «أوّيت».

فإن جمعت «إيّا» هذه على «أفعال» أقررت الفاء همزة بحالها ، وقلت «آواء». وإذا كانوا قد أقرّوا الهمزة التي هي بدل من العين بحالها في «قويئم» تحقير «قائم» فهم بإقرار الفاء المبدلة همزة بحالها أجدر.

وإن كسّرتها على «أفعل» قلت «آو» كما ترى ، فاعرف هذا ، وتأمّله ، فإن أحدا من العلماء لم يعمله فيما علمته ، ولا تضمّنه كتاب ، ولا اشتمل عليه تعليق ، وهو من غامض (٣) صنعة التصريف ، ولطيف هذا العلم المصون الشريف.

__________________

(١) الكتاب (٢ / ١٢٧).

(٢) القواء : الأرض التي لم تمطر. اللسان (١٥ / ٢١٠)

(٣) غامض : ما لا يفهم.

٤٢٥
٤٢٦

وهذا فصل

نذكر فيه مذهب العرب في مزج الحروف بعضها ببعض ،

وما يجوز من ذلك ، وما يمتنع ، وما يحسن ، وما يقبح ، وما يصحّ.

اعلم أن حروف المعجم تنقسم على ضربين : ضرب خفيف ، وضرب ثقيل ، وتختلف أحوال الخفيف منهما ، فيكون بعضه أخف من بعض ، وتختلف أيضا أحوال الثقيل منهما ، فيكون بعضه أثقل من بعض. وفي الجملة فأخف الحروف عندهم وأقلها كلفة (١) عليهم الحروف التي زادوها على أصول كلامهم ، وتلك الحروف العشرة المسمّاة حروف الزيادة ، وهي : الألف ، والياء ، والواو ، والهمزة ، والميم ، والنون ، والتاء ، والهاء ، والسين ، واللام ، ويجمعها في اللفظ قولك «اليوم تنساه» وإن شئت قلت «سألتمونيها» ، وإن شئت قلت «هويت السّمان».

فإن قلت : ألست تعلم أن الهمزة مستثقلة عندهم ، ولذلك ما دخلها الحذف والبدل في كثير من الكلام ، فلم ذكرتها في الحروف الخفيفة؟

فالجواب : أن الهمزة وإن كانت كذلك فإنك قادر على إعلالها وقلبها والتلعّب بها تارة كذا وتارة كذا ، وهذا لا يمكنك في الجيم ولا في القاف ولا في غيرهما من الحروف الصحاح ؛ وأيضا فإن مخرجها مجاور لمخرج أخف الحروف ، وهي الألف ، وأيضا فإنها لتباعدها من الحروف ما يستروح إلى مزج المتقارب مما بعد عنها بها ؛ ألا ترى أنك تقول «دأب» (٢) فتفصل بين الدال والباء بالهمزة ، فيكون ذلك أحسن من فصلك بينهما بالفاء لو جاء عنهم نحو «دفب» (٣) ، وتقول «نأل» (٤) فتفصل بها بين النون واللام ، ولو فصل بينهما بالراء ، فقيل «نرل» لم يكن حسنا ، فالهمزة وإن

__________________

(١) كلفة : تجشم الشيء على مشقة وعلى خلاف عادتك. اللسان (٩ / ٣٠٧) مادة / كلف.

(٢) دأب : الشاهد فيها الفصل بين الدال والياء بهمزة ، كما ذكر ابن جني.

(٣) دفب : يقصد دأب ويتم الفصل بين الدال والباء بالفاء وهو مستقبح.

(٤) نأل : مشى ونهض برأسه إلى فوق مثل الذي يعدو وعليه حمل ينهض به.

٤٢٧

ثقلت في بعض الأحوال وتباعدت ففيها من المنفعة في الفصل ما ذكرت لك ، هذا مع ما وصفناه من مجاورتها للألف ، وأنها مما يمكن إعلاله وتقليبه والتلعب به.

واعلم أن أقل الحروف تألفا بلا فصل حروف الحلق ، وهي ستة : الهمزة ، والهاء ، والعين ، والحاء ، والغين ، والخاء ، فسبيل هذه الحروف متى اجتمع منها في كلمة اثنان أن يكون بينهما فصل ، وذلك نحو : هدأت ، وخبأت ، وعبء ، وخيعل (١) ، وغيهب (٢) ، وحضأت النار (٣) ، وحطأت به الأرض (٤) ، فهذه حال هذه الحروف ، وحكمها ألا تتجاور غير مفصولة إلا في ثلاثة مواضع :

أحدها : أن تبتدأ الهمزة ، فيجاورها من بعدها واحد من ثلاثة أحرف حلقية ، وهي : الهاء ، والحاء ، والخاء ، فالهاء نحو : أهل ، وأهر (٥) ، وإهاب ، وأهبة ، وهذا خاصة قد تتقدم فيه الهاء الهمزة ، وذلك نحو : بهأت (٦) ، ونهىء اللحم (٧).

والحاء نحو : أحد ، وإحنة (٨) ، والخاء نحو : أخذ ، وأخر. فأما قولهم حأحأت بالكبش : إذا دعوته فقلت : حؤحؤ ، وهأهأت بالإبل : إذا قلت لها : هأهأ ، فإنما احتمل فيه تأخر الهمزة عن الحاء والهاء لأجل التضعيف ، لأنه يجوز فيه ما لا يجوز في غيره.

الثاني : ائتلاف الهاء مع العين ، ولا تكون العين إلا مقدمة ، وذلك نحو : عهد ، وعهر (٩) ، وعهن.

الثالث : ائتلاف العين مع الخاء ، ولا تكون الخاء إلا مقدمة ، وذلك نحو : بخع (١٠) ، والنّخع (١١).

__________________

(١) خيعل : الفرو ، وقيل : درع يخاط أحد شقيه تلبسه المرأة كالقميص. اللسان (١١ / ٢١٠)

(٢) غيهب : الثقيل الوخم ، والبليد ، والضعيف من الرجال. اللسان (١ / ٦٥٤).

(٣) حضأت النار : أوقدتها.

(٤) حطأ به الأرض : ضربها به وصرعه.

(٥) وأهر : اسم جنس ، واحده أهرة وهو متاع البيت. اللسان (٤ / ٣٤) مادة / أهر.

(٦) بهأت : بهأت به : أنست.

(٧) نهئ اللحم : لم ينضج.

(٨) إحنة : الحقد في الصدر. اللسان (١٣ / ٨) مادة / أحسن.

(٩) عهر : عهر إليها : أتاها ليلا للفجور ، ثم غلب على الزنا مطلقا. اللسان (٤ / ٦١١).

(١٠) بخع : بخع نفسه : قتلها غيظا أو غما.

(١١) النخع : قبيلة من الأزد ، أو اليمن.

٤٢٨

ولأجل ما ذكرناه من ترك استعمالهم لحروف الحلق متجاورة ما قلّ تضعيفهم إياها ، وذلك نحو : الضّغيغة (١) ، والرّغيغة (٢) ، والمهه (٣) ، والبحح (٤) ، والشّعاع (٥) ، وقد كنا ذكرنا نحوا من هذا في أول الكتاب.

وأحسن التأليف ما بوعد فيه بين الحروف ، فمتى تجاور مخرجا الحرفين فالقياس ألا يأتلفا ، وإن تجشموا (٦) ذلك بدأوا بالأقوى من الحرفين ، وذلك نحو : «أرل» (٧) و «ورل» (٨) و «وتد» و «محتد» ، فبدأوا بالراء قبل اللام ، وبالتاء قبل الدال لأنهما أقوى منهما. ويدلك على قوة الراء والتاء على اللام والدال أنك إذا ذقتهما ساكنتين ، ووقفت عليهما وجدت الصوت ينقطع عند التاء بجرس قوي ، ووجدته ينقطع عند الدال بجرس خفي ، وذلك قولك «إت» «إد» وكذلك الراء واللام ، فإذا وقفت على الراء وجدت الصوت هناك مكررا ، ولذلك اعتدّت في الإمالة بحرفين ، وإذا وقفت على اللام وجدت في الصوت لينا وغنة ، وذلك قولك «إر» «إل».

ويؤكد عندك قوة الراء على اللام أنك لا تكاد تجد اللام معتاصة على أحد ، وكثرة ما تجد الراء متعذرة على كثير من الناس لا سيما الأرتّ (٩) ، حتى إنك لا تستبينها في كلامه.

ويتلو حروف الحلق حروف أقصى اللسان ، وهي القاف ، والكاف ، والجيم ، وهذه لا تتجاور البتة ، لا تجد في الكلام نحو : «قج» ولا «جق» ولا «كج» ولا «جك» ولا «قكّ» ولا «كقّ».

__________________

(١) الضغيغة : الروضة الناضرة المتخلية. اللسان (٨ / ٤٤٣) مادة / ضغغ.

(٢) الرغيغة : طعام مثل الحسا يصنع بالتمر. وهو لبن يغلي ويذر عليه دقيق يتخذ للنفساء.

(٣) المهه : الحسن. اللسان (١٣ / ٥٤١) مادة / مهة.

(٤) البحح : غلظ في الصوت وخشونة. اللسان (٢ / ٤٠٦) مادة / بحح.

(٥) الشعاع : وهو تفرق الدم وعيره. اللسان (٨ / ١٨١) مادة / شعع.

(٦) تجشموا : تكلفوه على مشقة. اللسان (١٢ / ١٠٠) مادة / جشم.

(٧) أرل : جبل معروف. اللسان (١١ / ١٣) مادة / أرل.

(٨) ورل : دابة على خلقة الضب إلا أنه أعظم منه. اللسان (١١ / ٧٢٤) مادة / ورل.

(٩) الأرت : الذي في لسانه عقدة وحبسة ويعجل في كلامه فلا يطاوعه لسانه.

٤٢٩

فأما قول رؤبة (١) :

لواحق الأقراب فيها كالمقق (٢)

وقولهم «يأجج» و «مأجج» (٣) و «سكك» فإنما جاز ذلك وإن كان متكررا من قبل أن المكرر معرّض في أكثر أحواله للإدغام ؛ ألا تراك تقول : فرس أمقّ (٤) ، ومجّ فوه (٥) ، وأجّت النار (٦) ، وسكّة (٧) ، والحرفان المتجاوران لا يمكنك إدغام أحدهما في صاحبه حتى تتكلف قلبه إلى لفظه ، ثم تدغمه ، فكانت المشقة فيه أغلظ ، فرفض ذلك لذلك ، ولأجل هذا ما جاء عنهم في حروف الحلق التي تباعدت عن معظم الحروف ، فلم تسطها ، نحو المهه ، والبحح ، والبعع (٨) ، والرّخخ ، وهو السهولة واللين (٩) ، ولم يأت عنهم ذلك في المتجاور منها إلا فيما حدّدناه في أول هذا الفصل ؛ ألا ترى أنهم لم يأت عنهم فيها نحو : المهح ، ولا البحع ، ولا الرّخغ لما ذكرت لك.

ولهذا أيضا ما جاء عنهم نحو : الشّمم ، والخبب (١٠) ، والحفف (١١) ، ولم يأت نحو : السّمب ، ولا الحبف ، ولا الخعم ، وذلك أن الصوت إذا انتحى مخرج حرف ، فأجرس فيه ، ثم أريد نقله عنه ، فالأخلق بالحال أن يعتمد به مخرج حرف يبعد عنه ليختلف الصوتان ، فيعذبا بتراخيهما ، فأما أن ينقل عنه إلى مخرج يجاوره وصدى يناسبه ، ففيه من الكلفة ما في نقد الدينار من الدينار ونحو ذلك ، ففي هذا إشكال ، وفيهما إذا تباعدا من الكلفة ما في نقد الدينار من الدرهم ، أو نحو ذلك ، وهذا أمر واضح غير مشكل ، فلذلك حسن تأليف ما تباعد من الحروف ، وكان

__________________

(١) تقدم تخريجه.

(٢) سبق شرحه.

(٣) مأجج : موضع. اللسان (٢ / ٢٠٧) مادة / أجج.

(٤) فرس أمق : بعيد ما بين الفروج ، طويل بين الطول. اللسان (١٠ / ٣٤٦) مادة / مقق.

(٥) فوه : يقال : مج الشراب والشيء من فيه : رماه ومج بريقه : لفظه. اللسان (٢ / ٣٦١).

(٦) أجت النار : تلهبت وكان للهيبها صوت. اللسان (٢ / ٢٠٦) مادة / أجج.

(٧) سكة : الطريق. اللسان (١٠ / ٤٤١).

(٨) البعع : الجهاز والمتاع. اللسان (٨ / ١٧).

(٩) اللين : وهو ضد الخشونة. اللسان (١٣ / ٣٩٤) مادة / لين ..

(١٠) الخبب : مصدر خب ، أي السرعة. اللسان (٣٤١) مادة / خبب.

(١١) الحفف : الجمع ، وقيل : الضيق ، والحاجة. اللسان (٩ / ٤٩ ـ ٥٠) مادة / حفف.

٤٣٠

تضعيف الحرف عليهم أسهل من تأليفه مع ما يجاوره ، فلأجل ذلك أنه لما أراد بنو تميم إسكان العين من «معهم» استكرهوا أن يقولوا «معهم» فأبدلوا الحرفين حاءين ، وأدغموا الأولى في الآخرة ، فقالوا «محّم» فكان ذلك أسهل عليهم من اللفظ بالحرفين المقتربين.

فقد تحصّل لنا من هذه القضايا أن الحروف في التأليف على ثلاثة أضرب :

أحدها : تأليف المتباعدة ، وهو الأحسن.

والآخر : تضعيف الحرف نفسه ، وهو يلي القسم الأول في الحسن.

والآخر : تأليف المتجاورة ، وهو دون الاثنين الأولين ، فإما رفض البتة ، وإما قلّ استعماله.

فإن قلت : ألست تعلم أن الإمالة إنما وقعت في الكلام ليتقارب الصوتان ، وذلك أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة لتميل الألف نحو الياء ، نحو «مالك» و «حاتم» وكذلك الحرفان إذا ضورع بأحدهما صاحبه نحو «مزدر» و «تزدير» أو أدني منه ، تقلبه إلى حرف آخر صريح ، نحو «صبقت» في «سبقت» و «صقت» في «سقت» و «صويق» في «سويق». فإذا كانوا من إيثار المضارعة والتقريب على ما تراه فمن أين ساغ لك أن تقضي عليهم بكلفة التقارب في المخارج نحو الذال مع الثاء ، والسين مع الصاد؟

فالجواب : أن الحس أعدل شاهد ، وذلك أنك إذا قلت : «دثّ» أو «سصّ» أو «كقّ» أو «حعّ» رأيت الكلفة ظاهرة والمؤونة مجحفة ، فأما تقريب الحرف من الحرف فليس ذلك التقريب بينهما بمصيّر للمقرب إلى حرف يجاور المقرّب منه ، وإنما هي مضارعة وإيجاد حروف فروع غير أصول ، وهي التي ذكرناها في أول هذا الكتاب.

ألا ترى أن ألف الإمالة والصاد التي كالزاي إنما هما من الفروع الستة ، وليستا بأصلين مستقرين كالثاء ولا السين ولا الجيم اللواتي إذا ضممتهن إلى مجاورهن فقد استعملت هناك أصولا مستقرة ، ولم ترتجل فروعا يمكن التسلط عليها وقلة الحفل بها وأما من أخلصها زايا فقال «مزدر» فإنما جاز ذلك له لأن الزاي ليست من مخرج الدال ، فلما بعدا حسن الجمع بينهما.

٤٣١

وأما قلب السين من «سقت» صادا لأجل القاف فليست الصاد أختا للقاف ولا مجاورة لها كالكاف والجيم ، ألا ترى أن القاف من أصل اللسان والصاد من صدره وأسلته ، وإنما جمع ما بينهما ما فيهما من الاستعلاء ، وهما على كل حال بائنتان متراخيتان.

أولا ترى أن الشين لا تؤلف مع الضاد لما بينهما من التجاور والاستطالة ، إلا أنهم جمعوا بينها وبين حروف وسط الفم ، فقالوا : «شصاصاء» (١) و «شصب» (٢) و «شزب» (٣) و «شزر» (٤) و «شسف» (٥) و «شسع» (٦) ، ولم يفعلوا ذلك حتى بدأوا بالشين التي هي أقوى ، ولو قدمت واحدة من الصاد أو السين أو الزاي على الشين لم يجز ؛ ألا ترى أنه ليس في الكلام نحو «سشّ» ولا «زشّ» ولا «صشّ».

وحروف الصفير ـ وهي الصاد والسين والزاي ـ لا يتركب بعضها مع بعض ، ليس في الكلام مثل : «سصّ» ولا «صسّ» ولا «سزّ» ولا «زسّ» ولا «زصّ» ولا «صزّ». وكذلك الطاء والدال والتاء لا يتركبن إلا أن تتقدم الطاء والتاء على الدال ، نحو «وتد» و «محتد» و «وطد» (٧). وكذلك الظاء والذال والثاء.

فأما الراء واللام والنون فمتى تقدمت الراء على كل واحدة منهما ، جاز ذلك نحو «ورل» و «أرل» و «رنّة» و «رند» (٨) ، ولو قدمت واحدة منهما على الراء لم يجز لأنهما أقوى منهما ، فينبغي إذا تدانى (٩) الحرفان أن يبدأ بالأقوى منهما ؛ فيعتمد عليه ، ويتلوه الآخر تبعا له. فأما «الخلّر» فاسم أعجمي ، وإنما كلامنا على اللغة العربية. وأما قولهم «دنّر يدنّر» (١٠) و «رجل مدنّر ومزنّر» (١١) ، فإنما جاز

__________________

(١) شصاصاء : اليبس والجفوف والغلظ. اللسان (٧ / ٤٧) مادة / شصص.

(٢) شصب : الشدة والجدب. اللسان (١ / ٤٩٥) مادة / شصب.

(٣) شزب : شزب الحيوان : ضمر. اللسان (١ / ٤٩٤) مادة / شزب.

(٤) شزر : شزر الحبل : فتله ، وشزر فلانا ، وإليه : نظر إليه بمؤخر عينه.

(٥) شسف الشيء : يبس. اللسان (٩ / ١٧٦).

(٦) شسع : بعد. اللسان (٨ / ١٨٠).

(٧) وطد : رسا وثبت. اللسان (٣ / ٤٦١) مادة / وطد.

(٨) رند : هو العود الذي يتبخر به. اللسان (٣ / ١٨٦).

(٩) تدانى : تقارب.

(١٠) دنر : دنر الوجه : أشرق وتلألأ كالدينار. اللسان (٤ / ٢٩٢) مادة / دنر.

(١١) مدنر : كثير الدنانير. مزنر : الطويل العظيم الجسم. اللسان (٤ / ٣٣٠).

٤٣٢

فيه أن تتقدم النون على الراء لأن النون مشددة ، فقويت بذلك ، فصار لها حكم لولا التشديد لم يكن ؛ ألا ترى أن الواو والياء إذا كانتا غير مشددتين اعتلتا نحو : «ميعاد» و «موسر» و «قام» و «باع» فإذا شدّدتا تحصّنتا ، فقويتا ، فلم تعلا ، وذلك نحو «اجلواذّ» و «سيّل» (١) ، وكذلك القول في «مدنّر» لتشديد النون ، وكذلك «مصنّر» ، وانضاف إلى تشديد النون أيضا أن الحرفين متأخران ، وليست النون في أول الكلمة ، وإنما اعتماد أولها على الميم قبل الدال والزاي والصاد في : «مدنّر» و «مزنّر» و «مصنّر».

ويدلك على أن الاعتلال والتضعيف واحتمال الحروف المكروهة التأليف بأواخر الحرف أولى منها بأوله إعلالهم نحو «غازية» و «محنية» (٢) ، وهما من «غزوت» و «حنوت» وأصلهما «غازوة» و «محنوة» فقلبت الواو ياء وإن كانت مفتوحة ، ولم تحصّنها الحركة من القلب كما حصّنتها في نحو «حول» و «طول» و «تولة» (٣) لما كانت في «غازية» و «محنية» متأخرة ، ولأجل ذلك ما تجد التضعيف في آخر الحرف كثيرا واسعا ، نحو : صددت ، ومددت ، وحللت ، وبللت ، وفررت ، ومررت ، وسببت ، وصببت ، ونحو : الشّمم ، والزّمم (٤) ، والصّدد (٥) ، والبدد (٦) ، ولا تكاد تجده أولا البتة إلا شاذا نحو «ددن» (٧) و «ببّان» (٨).

فأما «ببّة» (٩) فإنما لقّب بالصوت الذي كانت أمه ترقصه به.

وأما «ببر» (١٠) فأعجمي. فالفاء والعين لا يكونان من لفظ واحد إلا شاذا ،

__________________

(١) سيل : جمع سائل ، من سال يسيل. اللسان (١١ / ٣٥٠ ـ ٣٥١) مادة / سيل.

(٢) محنية : واحدة المحاني وهي معاطف الأودية. اللسان (١٤ / ٢٠٤) مادة / حنا.

(٣) تولة : ضرب من الخرز يوضع للسحر فتحبب بها المرأة إلى زوجها. اللسان (١١ / ٨١).

(٤) الزمم : أمر زمم : تعدد لم يجاوز القدر.

(٥) الصدد : الناحية.

(٦) البدد : تباعد ما بين الفخذين في الناس من كثرة لحمهما.

(٧) ددن : اللهو واللعب.

(٨) ببان : الطريق المعتدل ويقال هم ببان واحد ، وعلى ببان واحد. اللسان (١٣ / ٤٥) مادة / ببن.

(٩) ببة : لقب عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب. والببة : هو الغلام السمين وقيل الأحمق الثقيل. اللسان (١ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣) مادة / ببب.

(١٠) ببر : الفرانق الذي يعادي الأسد. اللسان (٤ / ٣٧) مادة / ببر.

٤٣٣

لا سيما إذا توالتا ولم يفصل بينهما. فأما «كوكب» و «أبنبم» (١) و «دودرّى» (٢) فقد فصل بينهما.

وأما «أوّل» فإن الابتداء وقع بالهمزة ، لا سيما وقد أدغمت الفاء في العين ، فلم تظهر ، فينبأ عنها.

وأما الفاء واللام فأوسع من هذا الباب ، وذلك نحو : «سلس» و «قلق» و «دعد» و «يديت إليه يدا» و «واو» و «قوق» (٣) و «طوط» (٤) و «بيبة» (٥)

وأما العين واللام فهو الباب ، نحو ما قدمناه من «صددت» و «مددت» و «فررت» و «قررت».

وقد كنا قدّمنا في أول رسالة هذا الكتاب شيئا من هذا الفصل الذي نحن فيه ، فتركنا إعادته هنا.

* * *

__________________

(١) أبنبم : موضع.

(٢) دودري : الطويل الخصيتين. اللسان (٤ / ٢٧٩) مادة / ددر.

(٣) قوق : الطويل القوائم. اللسان (١٠ / ٣٢٤) مادة / قوق.

(٤) طوط : الفحل المغتلم الهائج ، يوصف به الرجل الشجاع. اللسان (٧ / ٣٤٦) مادة / طوط.

(٥) بيبة : هي مجرى الماء إلى الحوض ، وقيل هي فتحة الحوض التي يفرغ بها ماؤه.

٤٣٤

وهذا فصل

لإفراد الحروف في الأمر ونظمها على المألوف من استعمال حروف المعجم

الهمزة : إذا أمرت من «وأى يئي» أي : وعد قلت : يا زيد إعمرا ، معناه : عد عمرا ، والوأي : الوعد ، وتقول في التثنية «إيا» وفي الجماعة المذكرين «أوا» وللمرأة «إي» وللمرأتين «إيا» كالمذكرين ، وللنساء «إين» كقولك : عد ، وعدا ، وعدوا ، وعدي ، وعدا ، وعدن ، فحذف الياء من «إ» علامة الوقف ، وحذف النون من «إيا» و «أؤا» علامة الوقف أيضا ، وكذلك حذف النون من قولك للمرأة «إي» علامة الوقف ، والياء التي في قولك لها «إي» ليست بلام الفعل ، وإنما هي علامة التأنيث والضمير كالتي في قولك «عدي» ، والأصل فيه «إيي» مثل «عدي» فأسكنت الياء استثقالا للكسرة عليها ، وحذفت لسكونها وسكون ياء الضمير بعدها.

والياء في «إيا» لام الفعل بمنزلة دال «عدا». والياء أيضا في «إين» لام الفعل بمنزلة دال «عدن» والنون بعدها علامة الجمع والضمير المؤنث كنون «عدن».

فقد شرحنا حال هذه الأحكام ، فأغنى عن إعادة مثله في ما نستقبل.

الباء : يقال : بأى الرجل يبأى إذا فخر ، فإذا أمرت منه قلت : ابأ يا رجل ، أي : افخر ، فإن خففت الهمزة قلت : ب يا رجل ، وذلك أنك حذفت الهمزة ، وألقيت فتحتها على الباء ، فلما تحركت الباء استغنيت عن ألف الوصل لتحرك ما بعدها فقلت : ب يا رجل ، فإن ثنيت قلت على التحقيق : ابأيا ، وعلى التخفيف : بيا.

وللجماعة على التحقيق : ابأوا ، وعلى التخفيف : بوا. وللمرأة على التحقيق : ابأي بوزن ابعي ، وعلى التخفيف : بي ، وللمرأتين كالرجلين ، ولجماعة النساء على التحقيق ابأين بوزن ابعين ، وعلى التخفيف : بين ، فاعرفه ، أنشدنا أبو علي (١) :

أقول والعيس تبا بوهد (٢)

__________________

(١) اللسان (بأي) (١٤ / ٦٤) والتاج (بأو) (١٠ / ٣٠).

(٢) العيس : الإبل البيض مع شقرة يسيرة. اللسان (٦ / ١٥٢) مادة / عيس. الوهد : المكان المنخفض كأنه حفرة. اللسان (٣ / ٤٧٠ ـ ٤٧١) مادة / وهد.

٤٣٥

أي : تبأى ، أي تتعالى في السير ، وتتسامى فيه ، فخفف الهمزة على ما ذكرنا.

التاء : لغة لبعض العرب تقول في الأمر من أتى يأتي : ت زيدا ، فتحذف الهمزة تخفيفا كما حذفت من : خذ ، وكل ، ومر.

قال شاعرهم (١) :

ت لي آل زيد فاندهم لي جماعة

وسل آل زيد أيّ شيء يضيرها

وتقول على هذه اللغة للاثنين : تيا ، وللجماعة : توا ، وللمؤنث : تي ، وتيا ، وتين.

الثاء : يقال : ثأى الخرز يثأى إذا غلظ الإشفى ودقّ السّير ، وأصل الثّأي الفساد على ما ذكرناه. فإذا أمرت قلت : اثأ يا خرز ، فإن خففت قلت : ث يا خرز ، وثيا ، وثوا ، وثي ، وثيا ، وثين على ما قدمناه من حال التخفيف في باب الباء.

الجيم : يقال : جئي الفرس يجأى جأى وجؤوة ، إذا ضرب لونه إلى لون صدأ الحديد ، قال ذو الرمة ، أنشدناه أبو علي :

تنازعها لونان ورد وجؤوة

ترى لإياء الشمس فيه تحدّرا (٢)

فإذا أمرت قلت : اجأ يا فرس ، فإن خففت قلت : ج يا فرس ، وجيا وجوا ، وجي ، وجيا ، وجين على ما تقدم في باب الباء والثاء. ولغة لبعض العرب «جا يجي» بغير همز ، فإذا أمرت قلت : ج يا رجل ، وجيا ، وجوا ، وجي يا امرأة ، وجيا ، وجين ، فاعرفه.

الحاء : يقال : وحى إليه يحي ، وأوحى إليه يوحي ، قال العجاج (٣) :

وحى لها القرار ، فاستقرّت

ومدّها بالراسيات الثّبّت (٤)

__________________

(١) لم نجده.

(٢) سبق شرحه.

(٣) البيتان في ديوانه (ص ٢٦٦).

(٤) تم تخريجه.

٤٣٦

وقال الله عز وجل : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) (النحل : ٦٨) وهو كثير.

فإذا أمرت من «وحى» قلت : ح يا رجل ، وحيا ، وحوا ، وللمؤنث «حي ، وحيا ، وحين» على ما قدمناه في باب الهمزة.

الخاء : يقال : وخيت الشيء أخيه ، أي : قصدته وتعمدته ، ومنه : توخّيت كذا ، قال (١) :

... أنّى وخى

فإذا أمرت قلت : خ يا رجل ، وخيا ، وخوا ، وخي يا امرأة ، وخيا ، وخين ، على ما تقدم.

الدال : يقال : ودى العرق يدي إذا سال ، ومنه قيل «الوادي» لأنه مسيل الماء ، أنشدنا أبو علي (٢) :

كأنّ عرق أيره إذا ودى

حبل عجوز ضفرت سبع قوى (٣)

فإن أمرت قلت : د يا رجل ، وديا ، ودوا ، ودي يا امرأة ، وديا ، ودين ، على ما سلف.

ويقال أيضا : دأيت للشيء أدأى ، إذا ختلته ، قال (٤) :

كالذئب يدأى للغزال يختله (٥)

فإن أمرت قلت : ادأ يا رجل. فإن خففت قلت : د يا رجل ، وديا ، ودوا ، ودي يا امرأة ، وديا ، ودين ، على ما سلف من التصريف.

الذال : يقال : ذأى الفرس يذأى ذأيا إذا كان كثير الجري سريعه خفيفه ، وفرس مذأى ، قال العجاج (٦) :

__________________

(١) لم نعثر على قائله.

(٢) سبق تعريفه.

(٣) البيت جاء في اللسان ونسبه صاحبه إلى الأغلب (١٥ / ٣٨٤).

(٤) البيت في إبدال أبي الطيب (٢ / ٥١٧) واللسان (دأى) (١٤ / ٢٤٨).

(٥) البيت للعجاج حيث جاء في ديوانه (ص ٣٨٥) والشاهد في قوله (يدأى).

(٦) ديوانه (ص ٣٨٥).

٤٣٧

بعيد نضح الماء مذأى مهرجا (١)

فإذا أمرت قلت : اذأ يا فرس. فإن خففت قلت : ذه ، وذيا ، وذوا ، وذي يا امرأة ، وذيا ، وذين ، على ما تقدم عليه القول.

الراء : يقال : رأيت الرجل إذا أبصرته ، ورأيته إذا ضربت رئته ، إلا أن العرب اجتمعت على تخفيف مضارع «رأيت» من رؤية العين ، فقالوا : أرى ، والأصل :

أرأى ، فخففوا الهمزة بأن حذفوها وألقوا فتحتها على الراء ، ولم يأت التحقيق في المضارع إلا شاذا ، أنشدنا أبو علي لسراقة البارقي (٢) :

أري عينيّ ما لم ترأياه

كلانا عالم بالتّرّهات (٣)

وقرأت عليه في الهمز عن أبي زيد (٤) :

ثم استمرّ بها شيحان مبتجح

بالبين عنك بما يرآك شنآنا

فإن أمرت على شائع اللغة فيها ـ وهو التخفيف ـ قلت : ر يا زيد ، وريا ، وروا ، وري يا هند ، وريا ، ورين. وإن أمرت من رأيت الصيد على التحقيق ـ وهو المعروف فيه ـ قلت : ارأ.

فإن خففت جرى مجرى تخفيف مضارع «رأيت» من رؤية العين ، فقلت : ره ، وريا ، وروا ، وري ، وريا ، ورين.

ويقال أيضا : ورت بك زنادي ، ووراه الله ، أي : أدوى جوفه.

قال سحيم (٥) :

وراهنّ ربي مثل ما قد ورينني

وأحمى على أكبادهنّ المكاويا (٦)

فإن أمرت منهما جميعا قلت : ريا رجل ، وريا ، وروا ، وري يا امرأة ، وريا ، ورين ، على ما تقدم.

__________________

(١) سبق شرحه.

(٢) سبق تخريجه.

(٣) سبق شرحه.

(٤) سبق تخريجه.

(٥) هو سحيم عبد بني الحسحاس. ديوانه (ص ٢٤).

(٦) الشاهد في قوله (ورينني).

٤٣٨

الزاي : يقال : وزى الشيء يزي إذا اجتمع وتقبّض. فإن أمرت قلت : زيا رجل ، وزيا ، وزوا ، وزي يا امرأة ، وزيا ، وزين ، على التفسير الفارط.

السين : يقول بعض العرب «سا يسو» بحذف الهمزة البتة تخفيفا ، فتقول على هذا في الأمر : س يا رجل ، وسوا ، وسوا ، وسي يا امرأة ، وسوا ، وسون.

والأصل في «سي» للمؤنث : «سوي» ووزنه «فعي» لأن لامه محذوفة البتة على غير قياس ، فثقلت الكسرة على الواو ، فنقلت إلى السين ، وحذفت الواو لسكونها وسكون الياء بعدها ، فصار «سي».

الشين : يقال : وشيت الثوب أشيه إذا نقشته وحسّنته ، ووشيت الحديث أشيه ، أي : نمّقته وزيّنته ، فإذا أمرت قلت : ش يا رجل ، وشيا ، وشوا ، وشي يا امرأة ، وشيا ، وشين.

ويقال : شأوت الرجل ، أي : سبقته ، وشأوته : حزنته ، ومضارعهما : يشأى ، فإذا أمرت قلت : اشأ. فإن خففت قلت : ش يا رجل ، وشيا ، وشوا ، وشي يا امرأة ، وشيا ، وشين.

الصاد : يقال : وصى الشيء يصي فهو واص ، أي : متصل.

قال ذو الرمة (١) :

بين الرّجا والرّجا من جيب واصية

يهماء خابطها بالخوف مكعوم

وقال الآخر (٢) :

يأكلن من قرّاص

وحمصيص واص (٣)

فإن أمرت قلت : ص يا رجل ، وصيا ، وصوا ، وصي يا امرأة ، وصيا ، وصين.

__________________

(١) البيت بنسب لذي الرمة وهو في ديوانه (ص ٤٠٧).

(٢) لم نعثر على قائله.

(٣) البيت ذكره صاحب اللسان في مادة (حمص) (٧ / ١٧) ، وكذا صاحب المنصف (٣ / ٨٩). والشاهد في قوله (واص).

٤٣٩

ويقال أيضا : صأى الفرخ (١) يصئي صئيّا. فإذا أمرت قلت : اصء. فإن خففت قلت : ص ، وصيا ، وصوا ، وصي ، وصيا ، وصين ، فوزن «ص» من هذا المهموز «فل» لأن العين محذوفة للتخفيف ، ووزنه من الأول وهو وصى يصي «عل» لأن الفاء محذوفة كما تحذف من وعد يعد ، فاللفظان على هذا متفقان من أصلين مختلفين.

الضاد : غفل لم يأت فيها شيء.

الطاء : مثله.

الظاء : مثله.

العين : يقال : وعيت العلم إذا حفظته ، ووعيت الكلام ، أي : حفظته ، قال الله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (الحاقة : ١٢) فإذا أمرت قلت : ع يا رجل ، وعيا ، وعوا ، وعي يا امرأة ، وعيا ، وعين.

الغين : غفل.

الفاء : يقال : وفى بالعهد يفي ، وأوفى يوفي ، قال (٢) :

أما ابن طوق فقد أوفى بذمّته

كما وفى بقلاص النّجم حاديها (٣)

فجمع بين اللغتين. فإن أمرت من «وفيت» قلت : ف يا رجل ، وفيا ، وفوا ، وفي يا امرأة ، وفيا ، وفين ، على قياس ما مضى.

القاف : يقال : وقيت الرجل أقيه.

فإذا أمرت قلت : ق يا رجل ، وقيا ، وقوا ، وقي يا امرأة ، وقيا ، وقين ، قال الله تعالى : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) (التحريم : ٦) (٤) وقياسه ما سبق ذكره.

__________________

(١) صأي الفرخ : صاح. اللسان (١٤ / ٤٤٩) مادة / صأى.

(٢) قيل هو طفيل الغنوي وهو في ديوانه (ص ١١٣).

(٣) والشاهد في قوله (أوفى).

(٤) الشاهد في قوله (قوا).

٤٤٠