سرّ صناعة الإعراب - ج ٢

أبي الفتح عثمان بن جنّي

سرّ صناعة الإعراب - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 978-2-7451-2702-0
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

فإن كان هذا ثبتا عندهم فقياس قول الخليل أن تكون «هرّكلة» : «هفّعلة» فتكون الفاء هنا مضعفة ، فيضاف هذا الحرف إلى «مرمريس» (١) لأنه لم تكرر الفاء إلا هناك وفي «هرّكلة» إن صحت ، على قول الخليل.

ويجيء على قياس هذا القول أن يكون قول الراجز (٢) :

باتت بليل ساهر وقد سهد

هلقم يأكل أطراف النّجد (٣)

وزنه «هفعل» ، لأنه من «اللّقم» (٤).

ونحو منه قول العجاج (٥) :

بسلهبين فوق أنف أذلفا (٦)

ويجوز لقائل أن يقول : إن «سلهبا» : «فعهل» لأنه من معنى السّلب ، وهو الطويل.

وقال أبو عثمان : رأيت أبا عبيدة محموما يهذي ، ويقول : دينار كذا وكذا ، فقلت للطبيب : سله عن «الهركولة» ما هي؟ فقال : يا أبا عبيدة. قال : ما لك؟

قال : ما الهركولة؟ قال : الضخمة الأوراك.

وحكى فيها أبو زيد : «هركلة» و «هركلة». فأما ما عليه أكثر الناس فإنما الهاء في «هبلع» و «هجرع» و «هركولة» أصل.

__________________

(١) المرميس : الداهية. القاموس المحيط (٢ / ٢٥١).

(٢) البيتان في الممتع (ص ٢٢٠) ، واللسان (هلقم) (١٦ / ١٠٣).

(٣) والهلقم : الكثير الأكل. سهد : قلّ نومه. القاموس المحيط (١ / ٣٠٥).

(٤) اللقم : سرعة الأكل والمبادرة إليه. القاموس المحيط (٤ / ١٧٦).

(٥) البيت في ديوانه (ص ٤٩٨) ، وقبله :

وشجر الهداب عنه فجفا

شجر : دفع. جفا : ابتعد. الهداب : ما لم يكن ذا عرض من الورق.

(٦) بسلهبين : بقرنين ، وهما في وصف ثور وحشي. اللسان (١ / ٤٧٤) مادة / سلهب. أذلف : قصير. القاموس المحيط (٣ / ١٤٢).

٢٢١

وحكى أحمد بن يحيى (١) : «هذا أهجر من هذا ، أي : أطول» فهذا يثبت كون الهاء أصلا.

ولست أرى بما ذهب إليه أبو الحسن والخليل من زيادتها في هذه الأسماء الثلاثة بأسا ، ألا ترى أن الدلالة إذا قامت على الشيء فسبيله أن يقضي به ولا يلتفت إلى خلاف ولا وفاق ، فإنّ سبيلك إذا صحت لك الدلالة أن تتعجب من عدول من عدل عن القول بها ، ولا تستوحش أنت من مخالفته إذا ثبتت الدلالة بضد مذهبه ، ألا ترى أنهم قضوا بزيادة اللام في «ذلك» و «هنالك» و «عبدل» وإن لم تكثر نظائر هذا ، فكذلك يقضي بزيادة الهاء في «هجرع» و «هبلع» و «هركولة» و «أمّهات» لقيام الدلالة على ذلك. ولعمري إن كثرة النظير مما يؤنس ، ولكن ليس إيجاد ذلك بواجب ، فاعرف هذا ، وقسه.

فأما الهاء في «إيّاه» فهي على مذهب أبي الحسن حرف جاء لمعنى الغيبة ، كما أن الكاف في «إياك» عنده حرف جاء لمعنى الخطاب ، وقد تقدم القول على صحة ذلك في حرف الكاف (٢) ، فارجع إليه تره.

* * *

__________________

(١) مجالس ثعلب (ص ٤٥٧).

(٢) انظر (ص ٣١٢ ـ ٣١٨).

٢٢٢

حرف الواو

اعلم أن الواو حرف مجهور يكون في الكلام على ثلاثة أضرب (١) : أصلا ، وبدلا ، وزائدا.

فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما ، فالفاء نحو «ورل» (٢) و «وعد» ، والعين نحو «سوط» (٣) و «استروح» (٤) ، واللام نحو «دلو» و «سخو» (٥).

إبدال الواو

وإذا كانت بدلا فمن ثلاثة أحرف ، وهي الهمزة والألف والياء.

فأما إبدالها من الهمزة فعلى ثلاثة أضرب : أحدها أن تكون الهمزة أصلا ، والآخر أن تكون بدلا ، والآخر أن تكون زائدة.

وإبدالها منها والهمزة أصل : وذلك أن تكون الهمزة مفتوحة وقبلها ضمة ، فمتى آثرت تخفيف الهمزة قلبتها واوا ، وذلك قولك في «جؤن» (٦) : «جون» وفي «رجل سولة : سولة» وفي «بؤر : بور» (٧) وفي «لؤم : لوم» (٨) ، وفي تخفيف «هو يضرب أباك : هو يضرب وباك» وفي تخفيف «يقتل أخاك : يقتل وخاك» فالواو هنا مخلصة ، وليس فيها شيء من بقية الهمزة. ومثل ذلك قولك في «هذا أفعل من هذا» من «أممت» في قول أبي الحسن (٩) : «هذا أومّ من هذا» وفي قول أبي عثمان (١٠) «هذا أيمّ من هذا» بالياء.

__________________

(١) أضرب : الواحد «ضرب» وهو الصنف أو النوع. القاموس المحيط (١ / ٩٥).

(٢) الورل : محركة دابة كالضب أو العظيم من أشكال الوزغ طويل الذنب صغير الرأس لحمه حار جدا يسمن بقوة ، وزبله يجلو الوضح وشحمه يعظم الذكر دلكا. القاموس المحيط (٤ / ٦٤)

(٣) سوط : ما يضرب به من جلد ، والجمع «أسواط».

(٤) استروح : استراح.

(٥) سخو : سخاوة صار جوادا كريما.

(٦) الجؤن : جمع جؤنة وهي سنط مغشيّ بجلد ظرف لطيب العطار. القاموس (٤ / ٢٠٨).

(٧) بؤر : البؤرة الحفرة وموقد النار والذخيرة.

(٨) لؤم : لبس اللأمة للدرع وجمعها لأم ولؤم. القاموس المحيط (٤ / ١٧٤).

(٩) المصنف (٢ / ٣١٥).

(١٠) المصنف : (٢ / ٣١٨).

٢٢٣

وكذلك قراءة أبي عمرو : السفهاء ولا إنهم هم السفهاء (البقرة : ١٣) (١) ومن ذلك قولهم في «آخيت زيدا : واخيته» فهذه الواو بدل من الهمزة لا محالة ، ولا يجوز أن يكونا أصلين مثل «أكّدت» و «وكّدت» و «أرّخت» (٢) و «ورّخت» وذلك أن لام الفعل من «واخيت» في الأصل إنما هي واو لقولك «أخوان» و «إخوة» وإنما انقلبت في «واخيت» كما انقلبت في «غازيت» ، فإذا كانت اللام كما ذكرنا واوا لم يجز أن تكون الواو في «واخيت» أصلا ، لأنه ليس في كلامهم كلمة فاؤها واو ولامها واو غير قولهم «واو» فاعرف ذلك.

وأما إبدال الواو من الهمزة المبدلة فقولك في تخفيف «يملك أحد عشر : هو يملك وحد عشر» وفي «يضرب أناة (٣) : هو يضرب وناة» وذلك أن الهمزة في «أحد» و «أناة» بدل من واو ، وأصله «وحد» لأنه هو الواحد ، و «امرأة وناة» من «الونيّ» وهو الفتور ، وذلك أن المرأة توصف بأنها كسول.

ألا ترى إلى قول حسّان (٤) :

وتكاد تكسل أن تجيء فراشها

في جسم خرعبة وحسن قوام (٥)

__________________

(١) وقد ذكر سيبويه أن قول أبي عمرو هو تخفيف الأولى وتحقيق الثانية. (الكتاب ١ / ١٦٧). وجاء في اللسان (حرف الهمزة) (١ / ١٢) : وأما أبو عمرو فإنه يحقق الهمزة الثانية في رواية سيبويه ، ويخفف الأولى ، فيجعلها بين الواو والهمزة فيقول السفها وألا» ... وأما سيبويه والخليل فيقولان : «السفهاء ولا» يجعلون الهمزة الثانية واوا خالصة». وذكر أبو حيان أنه إذا كانت الأولى مضمومة والثانية مفتوحة وهما من كلمتين فإن تحقيق الأولى وتخفيف الثانية قراءة الحرميين ـ ابن كثير ونافع ـ وأبي عمر. البحر المحيط (١ / ٦٨).

(٢) أرخت : الكتاب : حدد تاريخه ، والأحداث : دونها. القاموس المحيط (١ / ٢٥٦).

(٣) أناة : الحلم والوقار.

(٤) البيت في ديوانه (ص ١٠٧) والمحتسب (٢ / ٤٨).

(٥) الخرعبة : الفتاة الحسنة الجسيمة في قوام الغصن اللين المتثنى. القاموس المحيط (٣ / ١٧). الشرح : يصف الشاعر فتاته بالكسل على عادة الجاهليين الذين أحبوا تلك الصفة في الإناث فقال أشعرهم : «نؤوم الضحى» ثم يصف جمالها الحسي فهي فتاة حسنة جسيمة حسنة القوام. والشاهد شرحه المؤلف في المتن. إعراب الشاهد : تكاد : فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة يرفع المبتدأ وينصب الخبر ، واسمه ضمير مستتر تقديره هي. تكسل : فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة ، وفاعله مستتر تقديره هي. وجملة «تكسل» في محل نصب خبر تكاد.

٢٢٤

وقال الفرزدق (١) :

إذا القنبصات السّود طوّفن بالضّحى

رقدن عليهن الحجال المسجّف (٢)

وقال الكنديّ (٣) :

وتضحي فتيت المسك فوق فراشها

نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضّل (٤)

__________________

(١) البيت في ديوانه (ص ٥٥٢) وجمهرة أشعار العرب (ص ٨٨٤).

(٢) القنبصات : جمع قنبصة وهي القصيرة. لسان العرب (٧ / ٨٣) مادة / قنبص. رقدن : يعني النساء اللواتي وصفهن في الأبيات السابقة بالنعمة والترف. الحجال : جمع حجلة وهو ستر يضرب للمرأة في البيت. اللسان (١١ / ١٤٤) مادة / حجل. المسجف : الذي أرخى عليه سجفان وهما سترا باب الحجلة. اللسان (٩ / ١٤٤). يقول : إن هؤلاء النسوة ينمن بالضحى ويواريهن عن الأعين الحجال المسجف. الشاهد في معنى البيت حيث استشهد به المؤلف على النساء يوصفن بالكسل. إعراب الشاهد : إذا : ظرفية شرطية. القنبصات : مبتدأ مرفوع ، والسود : نعت مرفوع ، طوفن : فعل ماضي مبني على السكون ، ونون النسوة فاعل والجملة في محل رفع خبر لـ «القنبصات». بالضحى جار ومجرو متعلق بـ «طوفن». رقدن : فعل ماضي مبني على السكون والنون فاعل. عليهن : جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. الحجال : مبتدأ مؤخر مرفوع. المسجف : نعت مرفوع ، وجملة «عليهن الحجال» في محل نصب حال. وجملة الشرط وجوابه في محل رفع خبر لـ «إذا».

(٣) الكندي : هو امرؤ القيس ، والبيت في ديوانه (ص ١٧) وهو من معلقته.

(٤) فتيت : تصغير فتاة. والمسك : نوع من أفضل العطور يستخرج من دم نوع من الغزلان. نؤوم الضحى : كناية عن الكسل والترف. تنتطق : تشد عليها النطاق. تفضل : التفضل : لبس ثوب واحد. يقول : إن فتاتي جميلة متعطرة كسولة لا تخدم في بيتها. ـ

٢٢٥

ونحو من هذا قول الأعشى (١) :

هركولة فنق درم مرافقها

كأنّ أخمصها بالشّوك منتعل (٢)

وقد أبدلت الواو من همزة التأنيث المبدلة من الألف على ما قدّمناه في باب الهمزة في ثلاثة مواضع ، وهي : التثنية ، والجمع بالتاء ، والنسب ، فالتثنية نحو قولك في «حمراء ، وصفراء ، وخنفساء : حمراوان ، وصفراوان ، وخنفساوان» والجمع نحو قولك في : «صحراء : صحراوات» وفي «خبراء (٣) : خبراوات» وفي «خنفساء : خنفساوات» والنسب نحو قولك : «صفراويّ» و «حمراويّ» و «صحراويّ» و «خبراويّ» و «خنفساويّ».

وأما إبدال الواو من الهمزة الزائدة فقولك في تخفيف «هذا غلام أحمد» : «هذا غلام وحمد» وفي تخفيف «هو يكرم أصرم» : «هو يكرم وصرم».

__________________

إعراب الشاهد : تضحى : فعل مضارع ناسخ مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدرة منع من ظهورها التعذر. فتيت : اسم تضحى مرفوع وعلامة الرفع الضمة الظاهر. المسك : مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة الظاهرة. فوق : ظرف مكان منصوب وعلامة النصب الفتحة الظاهرة. ها : ضمير مبني في محل جر مضاف إليه عائد على الفتاة.

(١) البيت في ديوانه (ص ١٠٥) وهو من معلقته.

(٢) الهركولة : الضخمة الوركين ، الحسنة الخلق. لسان العرب (١١ / ٦٩٥). الفنق : الفتية الضخمة. لسان العرب (١٠ / ٣١٣). درم : جمع أدرم ، ودرماء : أي لمرفقيها حجم ، وجمع فقال مرافق لأن التثنية جمع. الأخمص : باطن القدم ، ومارق من أسفلها وتجافي عن الأرض ، وقوله كأن أخمصها بالشوك منتعل : أي أنها متقاربة الخطو ، وقيل لأنها ضخمة ، فكأنها تطأ على شوك لثقل المشي عليها. إعراب الشاهد : هركولة : خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي ، فنق : خبر ثان. درم : خبر بعد خبر. مرافقها : فاعل مرفوع بالضمة ، والهاء : مضاف إليه. كأن : من أخوات إنّ. أخمصها : اسم كأن منصوب ، والهاء مضاف إليه. بالشوك : جار ومجرور متعلق بـ «منتعل». منتعل : خبر كأن مرفوع.

(٣) الخبراء : القاع ينبت السدر والأراك. اللسان (٤ / ٢٢٨).

٢٢٦

إبدال الواو من الألف

وهو على ثلاثة أضرب : أحدها : أن تبدل الواو من الألف والألف أصل. والآخر : إبدالها منها وهي بدل. والثالث : إبدالها منها وهي زائدة.

فأما إبدال الواو من الألف والألف أصل فقولك في تثنية «إلى» و «لدي» اسمي رجلين : «إلوان» و «لدوان» وكذلك «إذا» التي هي ظرف زمان ، و «إذا» التي للمفاجأة وهي ظرف مكان ، فلو سميت بها رجلا لقلت في التثنية «إذوان» ، ولو جعلت شيئا من ذلك اسم امرأة ، فجمعت بالألف والتاء لقلت : «إلوات» و «لدوات» و «إذوات».

وكذلك «ألا» تقول فيها في التثنية «ألوان» وفي الجميع «ألوات». وإنما قلبت هذه الألفات واوا من قبل أنها أصول غير زوائد ولا مبدلة بما قد أوضحناه ، ودللنا عليه في كتب المنصف في شرح تصريف أبي عثمان ، ولما لم يكن لهذه الألفات أصل ترد إليه إذا حرّكت ، ولم تكن الإمالة مسموعة فيها ، حكم عليها بالواو ، فقلبت إليها عند الحاجة إلى تحريكها.

فإن قلت : فقد سبق من قولك إنها غير مبدلة ، فهلا لم يجز قلبها واوا إذ ليس لها أصل في ياء ولا واو؟

فالجواب : أن الأمر كذلك إلا أنها لما سمّي بها انتقلت إلى حكم الأسماء ، فحكم على ألفها بما يحكم على ألفات الأسماء التي لا تحسن إمالتها مثل «عصا» و «قطا» (١) ، فكما تقول : «عصوان» و «قطوات» كذلك قلت أيضا «إلوان» و «لدوان» و «إلوات». ونحو ذلك أنك لو سميت رجلا بـ «ضرب» لأعربته ، فقلت : «هذا ضرب» وإن كان قبل التسمية لا يدخله الإعراب ، فكما أن «ضرب» لما سمي به انتقل إلى حكم الأسماء فأعرب كذلك أيضا «إلى» و «لدى» و «إذا» و «ألا» إذا سمي بها انتقلت إلى حكم الأسماء ، فقضي على ألفها بأنها من الواو إذ لم تجز فيها الإمالة.

وهذا حصلته عن أبي علي وقت قراءة الكتاب.

__________________

(١) القطا : طائر واحدته القطاة ، والجمع قطوات ، وقطيات لغة فيها. القاموس (٤ / ٣٧٩).

٢٢٧

فأما «على» فإن معناها يدل على أنها من «علوت» فأمرها ظاهر. وكذلك ألف «ما» و «لا» إذا سميت بهما زدت عليهما ألفا أخرى ، فإذا التقى ساكنان همزت الآخرة لما حركتها لالتقاء الساكنين ، فصارت «ماء» و «لاء» فإن بنيت من هذين الاسمين اللذين هما «ماء» و «لاء» مثل «حجر» و «عمل» قلت : «موى» و «لوى» فقضيت على الألف الأولى أنها منقلبة من واو ، وعلى الألف الآخرة التي كانت قلبت همزة بأنها منقلبة من ياء ، فخرجت اللفظتان إلى باب «شويت» و «طويت» ، ولم تقض على الألف الآخرة أنها من الواو كالألف الأولى من قبل أن العين قد ثبت أنها واو ، واللام بعدها حرف علة ، فالوجه أن تكون مما لامه ياء ، ولا تكون مما لامه واو ، وذلك أن باب «طويت ، ولويت ، وحويت ، وشويت ، ورويت ، ونويت ، وخويت ، وذويت (١) ، وصويت (٢) ، وغويت ، وعويت ، وثويت (٣) ، وهويت» أكثر من باب «قويت (٤) ، وحويت ، والقوّة ، والحوّة (٥) ، والصّوّة (٦)» ما عينه ولامه واوان.

هذا هو القانون ، وبه وصّى التصريفيون. وجاز أن يقضى على الألفين أنهما منقلبتان عن حرفي العلة وإن كانتا قبل التسمية غير منقلبتين ، لأنك لما سميت بهما ألحقتهما بما عليه عامة الأسماء ، وأخرجتهما من الحرفية التي كانا عليها للاسمية التي صارا إليها ، فاعرفه.

* * *

__________________

(١) ذويت : ذوى العود أي ذبل. القاموس المحيط (٤ / ٣٣١).

(٢) صوت النخلة تصوي : عطشت وضمرت ويبست. القاموس المحيط (٤ / ٣٥٣).

(٣) غويت : من غوى يغوي إذا ضل وانحرف عن الجادة. القاموس المحيط (٤ / ٣٧٢).

(٤) ثوبت : أقمت. وفي التنزيل (وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) أي مقيما.

(٥) الحوة : بالضم سواد إلى الخضرة أو حمرة إلى السواد. القاموس (٤ / ٣٢١).

(٦) الصوة : بالضم جماعة السباع ، وحجر يكون علامة في الطريق. القاموس (٤ / ٣٥٣).

٢٢٨

إبدال الواو من الألف المبدلة

هذه الألف المبدلة التي أبدلت الواو عنها على ثلاثة أضرب : ألف مبدلة من همزة ، وألف مبدلة من واو ، وألف مبدلة من ياء.

الأولى نحو قولك في تصغير «آدم» و «آخر» وجمعهما «أويدم» و «أويخر» و «أوادم» و «أواخر» ، فالألف

في «آدم» و «آخر» أصلها الهمزة ، وكانت «أأدم» و «أأخر» لأنهما «أفعل» من الأدمة (١) والتأخر ، فلما اجتمعت همزتان في حرف واحد استثقلتا ، فأبدلت الثانية ألفا لسكونها وانفتاح الأولى قبلها ، فصار «آدم» و «آخر» ثم جرت الألف فيهما مجرى ألف «فاعل» الزائدة ، فكما قلت في تحقير «ضاربة» وجمعها «ضويربة» و «ضوارب» كذلك قلت «أويدم» و «أويخر» و «أوادم» و «أواخر».

فأما إبدال الواو من الألف المبدلة من واو فقولك في الإضافة إلى نحو «عصا» و «قطا» و «قنا» : «عصوي» و «قطويّ» و «قنويّ» ، فالواو في «عصوين» بدل من ألف «عصا» ، والألف في «عصا» بدل من الواو في «عصوين». وكذلك الواو في «قطويّ» و «قنويّ» لقولك «قطوات» و «قنوات».

وأما إبدال الواو من الألف المبدلة من الياء فقولك في الإضافة إلى «فتى» و «سرى» (٢) و «رحى» (٣) : «فتويّ» و «سرويّ» و «رحويّ» فالواو هنا إنما هي بدل من ألف «فتى» و «سرى» و «رحى» ، والألف هناك بدل من الياء في «فتيان» وفي «سريت» و «رحيت بالرّحى» (٤).

فإن قلت : فلم أبدلت الألف في نحو «عصا» و «فتى» واوا مع ياء الإضافة؟

فالجواب : أنهم لّما احتاجوا إلى حركتها مع ياء الإضافة لسكونها وسكون الياء الأولى من ياءي الإضافة ، قلبوها حرفا يحتمل الحركة ، وهو الواو ، ولم يقلبوها ياء

__________________

(١) الأدمة : شدة السمرة. لسان العرب (١٢ / ١١).

(٢) السرى : سير عامة الليل. القاموس المحيط (٤ / ٣٤١).

(٣) الرحى : أداة الطحن. لسان العرب (١٤ / ٣١٢).

(٤) رحيت بالرحى : أدرتها. لسان العرب (١٤ / ٣١٢).

٢٢٩

فيقولوا «عصييّ» و «رحييّ» لئلا تجتمع ثلاث ياءات وكسرة ، فهربوا إلى الواو لتختلف الأحرف.

فإن قلت : فهلا قلبوها همزة كما قلبوا ألف «كساء» و «قضاء» ، ألا ترى أن أصلهما «كساو» و «قضاي» فقلبت الواو والياء ألفين ، فصارا «كساا» و «قضاا» ثم أبدلوا الألف الآخرة منهما همزة ، فقالوا «كساء» و «قضاء» فهلا فعلوا مثل ذلك في «عصا» و «رحى» فقالوا «عصئيّ» و «رحئيّ»؟

فالجواب : أنهم إنما احتاجوا إلى حركة الحرف لا غير ، ولم يقع طرفا فيضعف ، فتبدل منه همزة كما أبدلوها في «كساء» و «قضاء» ألا ترى أن الواو في «عصويّ» و «رحويّ» حشو ، وليست بطرف فتضعف ، فتبدل الألف في «عصا» و «رحى» همزة ، وإذا كانوا قد احتملوا الواوين في نحو «نوويّ» و «طوويّ» و «لوويّ» لأنهما لم يتطرفا فيضعفا ، فهم باحتمالهم الواحدة في نحو : «عصويّ» و «رحويّ» و «فتويّ» أجدر.

وروينا عن قطرب أن بعض أهل اليمن يقول «الصّلوة» و «الزّكوة» و «الحيوة» بواو قبلها فتحة ، فهذه الواو بدل من ألف «صلاة» و «زكاة» و «حياة» وليست بلام الفعل من «صلوت» و «زكوت» ، ألا ترى أن لام الفعل من «الحياة» ياء وقد قالوا «الحيوة».

إبدال الواو من الألف الزائدة

وذلك نحو ألف «فاعل» و «فاعل» و «فاعول» و «فاعال» نحو «ضارب» و «خاتم» و «عاقول» (١) و «ساباط» (٢) فمتى أردت تحقير شيء من ذلك أو تكسيره قلبت ألفه واوا ، وذلك نحو «ضويرب» و «خويتم» و «عويقيل» و «سويبيط» وكذلك «ضوارب» و «خواتم» و «عواقيل» و «سوابيط». فأما قلبها في التحقير فأمره واضح ، وذلك أن الضمة لما وقعت قبل الألف قلبتها واوا.

__________________

(١) العاقول : معظم البحر أو موجه ، ومعطف الوادي ، والنهر ، وما التبس من الأمور ، والأرض لا يهتدى لها ، ونبت. القاموس المحيط (٤ / ١٩).

(٢) ساباط : سقيفة بين حائطين تحتها ممر نافذ. لسان العرب (٧ / ٣١١).

٢٣٠

وأما التكسير فهو محمول في ذلك على التحقير ، وذلك أنك إذا قلت «خواتم» و «ضوارب» فلا ضمة في أول الحرف ، ولكنك لما كنت تقول في التحقير «خويتم» قلت في التكسير «خواتم» قال الأعشى :

 ...

وتترك أموال عليها الخواتم (١)

وإنما حمل التكسير في هذا على التحقير لأنهما من واد واحد ، وذلك أن هذا التكسير جار مجرى التحقير في كثير من أحكامه من قال أن علم التحقير ياء ثالثة ساكنة قبلها فتحة ، وعلم التكسير ألف ثالثة ساكنة قبلها فتحة ، والياء أخت الألف من الوجوه التي تقدم ذكرها ، وما بعدها ياء التحقير حرف مكسور كما أنّ ما بعد ألف التكسير حرف مكسور ، فلمّا تناسبا من هذه الوجوه حمل التكسير على التحقير ، فقيل «خوالد» كما قيل «خويلد». وكما حمل التكسير في هذا الموضع على التحقير كذلك أيضا حمل التحقير في غير هذا الموضع على التكسير ، وذلك في قول من قال في تحقير «أسود» و «جدول» (٢) : «أسيود» و «جديول» فأظهر الواو ولم يعللها لوقوع الياء الساكنة قبلها ، وذلك أنه لما كان يقال في التكسير «أساود» و «جداول» قال أيضا في التحقير «أسيود» و «جديول» وأجرى الواو في الصحة بعد ياء التحقير مجراها فيها بعد ألف التكسير ، فكما جاز أن يشبّه «ضوارب» بـ «ضويرب» وإن لم تكن في ضاد «ضوارب» ضمة كضمة ضاد «ضويرب».

كذلك أيضا جاز أن يشبه «أسيود» في تصحيح واوه بعد الياء بـ «أساود» في تصحيح واوه بعد الألف وإن كان في «أسيود» ما يبعث على القلب ، وهو وقوع الياء ساكنة قبل الواو.

ومن ذلك قولك في «قاتل» و «ضارب» ونحوهما : «قوتل» و «ضورب» انقلبت الألف الزائدة واوا للضمة قبلها.

__________________

(١) قال الأعشى هذا البيت يعاتب يزيد بن مسهر الشيباني. والشاهد فيه : مجيء جمع خاتم في الكثرة على خواتم. إعراب الشاهد : الخواتم : مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة الرفع الضمة وخبره الجار والمجرور قبله «عليها».

(٢) الجدول : النهر الصغير والجمع جداول. لسان العرب (١١ / ١٠٦).

٢٣١

واعلم أن حذّاق أصحابنا وذوي القياس القوي منهم يذهبون إلى أن الألف في «كتاب» و «غزال» و «غراب» إذا حقّرت الاسم فقلت : «كتيّب» و «غزيّل» و «غريّب» فإنك لم تبدل ألف «كتاب» و «غزال» و «غراب» في أول أحوالها لياء التحقير ياء ، وإنما المذهب عندهم أنك قلبت الألف واوا ، فصار التقدير «كتيوب» و «غزيول» و «غريوب» فلما اجتمعت الياء والواو ، وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء ، وأدغمت ياء التحقير فيها ، فقلت : «كتيّب» و «غزيّل» و «غريّب» فالياء إذن في «غزيّل» إنما هي بدل من واو بدل من ألف المد ، وكذلك ما أشبه ذلك.

فإن قيل : ما الذي دعاهم إلى اعتقاد هذا الرأي؟ وهلا ذهبوا إلى أن الألف لما وقعت قبلها ياء التحقير قلبت في أول أحوالها ياء كما تقلب للكسرة تقع قبلها ياء ، وذلك نحو «مفتاح» و «مفاتيح» و «دينار» و «دنانير» و «قرطاس» و «قراطيس» و «حملاق» (١) و «حماليق»؟

فالجواب : أنهم إنما حملهم على القول بما قدمناه أنهم رأوا الألف أكثر انقلابها إنما هو إلى الواو نحو «ضارب» و «ضوارب» و «ضويرب» فكما جاز أن تقلب في «ضوارب» ولا ضمة قبلها ، وفي نحو : «رحويّ» و «عصويّ» و «فتويّ» و «مغزويّ» و «ملهويّ» و «مدعويّ» وفي قول يونس (٢) في «مثنّويّ» و «معلّويّ» وأبدلت أيضا من الألف المتحركة ، وهي الهمزة في نحو «صفراوان ، وحمراوان ، وخبراوات ، وخبراويّ ، وخنفساويّ» وغير ذلك مما يطول ذكره ، كذلك حكموا أيضا بأنها في نحو «غزال» و «غراب» إنما قلبت في أول أحوالها واوا ، فصارت «غزيول» و «غريوب» ثم أبدلت الواو ياء على ما قدمناه.

فهذا هو القول الذي لا معدل عنه.

فأما «مفيتيح» و «مفاتيح» و «دنينير» و «دنانير» فلم يمكن قلب ألفها واوا لأن الكسرة تمنع من ذلك ، وليست قبل الياء الثانية في نحو «كتيّب» و «حسيّب» كسرة تمنع وقوع الواو بعدها ، إنما قبلها ياء ساكنة ، والياء الساكنة قد رأينا الواو المفردة

__________________

(١) حملاق العين : باطن أجفانها الذي يسوده الكحل. لسان العرب (١٠ / ٦٩).

(٢) الكتاب (٢ / ٧٩).

٢٣٢

بعدها في نحو : «أسيود» و «أخيول» و «جديول» و «خريوع» ، وقالوا أيضا :

«ديوان» (١) و «اجليواذ» (٢) ونحو ذلك ، فاعرف هذا فإنه مسفر واضح.

إبدال الواو من الياء

هذه الياء التي أبدلت منها الواو على ثلاثة أضرب : أصل ، وبدل ، وزائدة.

فالأصل قولك من «أيقن» و «أيسر» و «أيديت إليه يدا» (٣) : «موقن» و «موسر» و «مود» وهو «يوقن» و «يوسر» و «يودي» و «قد أوسر في هذا المكان» و «أوقن فيه» و «أودي إلى زيد فيه» وهو «موسر فيه» و «موقن فيه» و «مودى إلى زيد فيه». وكذلك «أيأسته فأنا موئسه ، وهو موأس مما طلبه».

وكذلك كل ياء مفردة ساكنة قبلها ضمة ، وإنما قلبت الياء الساكنة واوا للضمة قبلها من قبل أن الياء والواو أختان بمنزلة ما تدانت مخارجه من الحروف نحو الدال والتاء والطاء ، والذال والثاء والظاء ، وقد رأيناهم قالوا «وتد» (٤) فبيّنوا التاء لقوتها بالحركة ، ثم إنهم لما أسكنوا التاء تخفيفا ضعفت بالسكون ، فاجترؤوا عليها بأن قلبوها إلى لفظ ما بعدها ليدغموها فيه ، فيكون العمل والصوت من وجه واحد وجنس واحد ، فقالوا «ودّ» (٥).

وكذلك الواو والياء في نحو «ليّة» و «طيّة» وأصلهما «لوية» (٦) و «طوية» (٧) قلبوا الواو ياء ، وأدغموا الياء المنقلبة في الثانية ، فقالوا «ليّة» و «طية».

وكذلك «سيّد» و «ميّت» إنما أصلهما «سيود» و «ميوت» فقلبت الواو ياء ليكون العمل أيضا من وجه واحد ، وأدغمت الياء ، فصار «سيّد» و «ميّت».

__________________

(١) الديوان : الدفتر ، والكتبة ، ومجموع شعر الشاعر.

(٢) اجليواذ : المضاء والسرعة في السير. قال سيبويه : لا يستعمل إلا مزيدا. اللسان (٣ / ٤٨٢).

(٣) أيدت إليه يدا : اتخذت عنه يدا.

(٤) الوتد : ما ثبت في الأرض أو الحائط من خشب وأوتاد الأرض : الجبال. اللسان (٣ / ٤٤٤).

(٥) الود : الوتد : أدغمت التاء في الدال.

(٦) لوية : من لوى ليا إذا عطف. لسان العرب (١٥ / ٢٦٤).

(٧) طوية : من طوى طوية ، وهو نقيض النشر. لسان العرب (١٥ / ١٨).

٢٣٣

فإن قلت : فإنّ «ودّا» إنما قلبوا فيه الأول إلى لفظ ما أدغموه فيه وهو الدال ، فقالوا «ودّ» وأنت في «سيّد» و «ميّت» إنما قلبت الثاني إلى لفظ الأول ، فكيف هذا؟

فالجواب : أنهم إنما فعلوا ذلك بالواو لغلبة الياء عليها ، وإنما غلبت الياء على الواو لخفة الياء وثقل الواو ، فهربوا إلى الأخف ، فلما وجبت هذه القضية في الواو والياء أجريت الضمة مجرى الواو ، والكسرة مجرى الياء ، لأنهما بعضان ونائبتان في كثير من المواضع عنهما ، فقلبت الواو الساكنة للكسرة قبلها ياء ، فقالوا : «ميزان» و «ميقات» والياء الساكنة للضمة قبلها واوا ، فقالوا «موسر» و «موقن» وقويت الحركتان وإن كانتا ضعيفتين على قلب الياء والواو من قبل أنهما لما سكنتا قويت الحركة على إعلالهما وقلبهما.

فكما تقلب الياء الواو المتحركة في نحو «سيّد» و «قيّم» لأن أصلهما «سيود» و «قيوم» كذلك قلبت الكسرة الواو الساكنة في نحو «ميقات» و «ميعاد» والضمة الياء الساكنة في نحو «موسر» و «موقن» وذلك أن الحرف أقوى من الحركة ، فكما قلبت الياء بقوتها الواو المتحركة ، كذلك قلبت الكسرة والضمة الواو والياء الساكنتين دون المتحركتين لضعفهما.

فإن قلت : فما بالهم قالوا «سائل» و «سيّل» و «عائل» و «عيّل».

قال أبو النجم (١) :

كأنّ ريح المسك والقرنفل

نباته بين التّلاع السّيّل (٢)

__________________

(١) البيتان في ديوانه (ص ٢٠٩) وهما منسوبان إليه في شرح الملوكي (ص ٤٩٥) ، وشرح المفصل (١٠ / ٣١) بغير نسبة.

(٢) التلاع : جمع تلعة وهي مسيل الماء. لسان العرب (٨ / ٣٦). يصف الشاعر واديا ترعى فيه الإبل فهو كثير القرنفل تفوح منه الروائح الذكية. والشاهد في مجيء كلمة السيل على هذا الوزن دون قلب الياء الأولى. إعراب الشاهد : السيل : نعت مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

٢٣٤

وقال الآخر :

فتركن نهدا عيّلا أبناؤها

وبني فزارة كاللّصوت المرّد (١)

وهلّا قلبوا الياء الأولى من «السّيّل» و «العيّل» لسكونهما وضمّ ما قبلهما؟

وقالوا أيضا : «اعلوّط اعلوّاطا» (٢) و «اخروّط اخروّاطا» (٣) فلم يقلبوا الواو الأولى منهما ياء وإن كانت ساكنة مكسورا ما قبلها!.

فالجواب : أنهم إنما فعلوا ذلك من قبل أن الياء والواو إذا أدغمتا بعدتا عن الاعتلال وعن شبه الألف ؛ لأن الألف لا تدغم أبدا ، فإذا قويتا بالإدغام لم تتسلط الحركتان قبلهما على قبلهما ، على أن منهم من يقلب الواو الأولى من هذا للكسرة قبلها ياء ، فيقول : «اجلوّذ اجليواذا» و «اخروّط اخريواطا» ولم يقلب الواو الآخرة وإن كانت قبلها ياء ساكنة ياء فيقول «اجليّاذا» و «اخريّاطا» ، من قبل أن قلب الأولى منهما عارض ليس بلازم ولا واجب ، فجرى ذلك مجرى ياء «ديوان» في أن لم تقلب لها الواو الآخرة فيقولوا : «ديّان» إذ لم تكن الأولى لازمة ولا واجبة ، وإنما قلبت لضرب من التخفيف. ومن قال : «اجليواذ» و «ديوان» فجعل للكسرة تأثيرا لم يقل في «سيّل» : «سويل» ولا في «عيّل» (٤) : «عويل» لأن قلب الواو ياء أخف من قلب الياء واوا ، ولو كان القلب هنا واجبا لقيل : «سويل» و «عويل» كما قالوا : «موسر» و «موقن».

وكذلك أيضا إن تحركت الياء والواو قويتا بالحركة ، فلم تقلبا للحركتين قبلهما ، وذلك نحو «غير» جمع «غيور» و «دجاج بيض» جمع «بيوض» وكذلك «حول» و «عوض» و «رجل عيبة».

__________________

(١) المرد : المترنين. يقول : لقد قتلنا آباءهم حتى تركنا أبناءهم عالة كاللصوص. والشاهد في كلمة «عيل» وهي كسيل في البيت السابق. إعراب الشاهد : عيلا : نعت سببي منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

(٢) اعلوطت البعير : تعلقت بعنقه وعلوته. لسان العرب (٧ / ٣٥٥) مادة / علط.

(٣) اخروط السفر : طال. لسان العرب (٧ / ٢٨٦).

(٤) عيل : من عال يعول : إذا اعتمد على غيره في إعالته. لسان العرب (١١ / ٤٨٦) مادة / عول.

٢٣٥

فأما قولهم «ثور» و «ثيرة» فشاذ ، وكأنهم (١) فرقوا بالقلب بين جمع «ثور» من الحيوان وجمع «ثور» من الأقط (٢) ، لأنهم يقولون في «ثور» الأقط : «ثورة» على القياس فأما «حيل» و «قيم» فإن الواو فيهما لما انقلبت في الواحدة ضرورة لانكسار ما قبلها قلبت أيضا في الجمع ، فقيل «قيم» و «حيل». وأما «حياض» و «رياض» (٣) و «ثياب» ونحو ذلك فإنما قلبت واوه ياء لسكونها في الواحد ، ومجيئها في الجمع بعد كسرة ، وقبل ألف ، ولام الفعل فيها صحيح ، لا بدّ في هذا الموضع من ذكر هذه الأربعة الأشياء وإلا فسدت العلة ونقصت.

فإن قلت : فأنت تعلم أن أصل «غازية» (٤) و «محنية» (٥) : «غازوة» و «محنوة» لأنهما من «غزوت» و «حنوت» وقد قلبت الواو فيهما للكسرة قبلها ، وهما مع ذلك متحركتان. وكذلك «داعية» و «قاصية» و «عافية» و «راجية» لأن الأصل «داعوة» و «قاصوة» و «عافوة» و «راجوة» لأنها من «دعوت» و «قصوت» و «عفوت» و «رجوت».

فالجواب : أنه إنما أعل ذلك وإن كان متحركا من قبل أنه لام الفعل ، فضعف ، وأما الفاء والعين فقويتان ، فسلمتا لقوتهما ، وإذا كان القلب في العين قد جاء في نحو «ثيرة» و «سياط» فهو في اللام أجوز وأسوغ. فأما قولهم «الفتوّة» و «النّدوّة» و «الفتوّ» ، قال (٦) :

في فتوّ أنا رابئهم

من كلال غزوة ماتوا (٧)

__________________

(١) هذا قول المبرد كما في المنصف (١ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧).

(٢) الأقط : شيء يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك ، والقطعة منه أقطة. اللسان (٧ / ٢٥٧).

(٣) رياض : جمع روضة وهي الأرض ذات الخضرة. اللسان (٧ / ١٧٢).

(٤) غازية : اسم فاعل من غزا يغزو أي سار إلى قتال العدو. اللسان (١٥ / ١٢٣).

(٥) المحنية : واحدة المحاني وهي معاطف الأودية. لسان العرب (١٤ / ٢٠٤).

(٦) البيت لجذيمة الأبرش كما في طبقات فحول الشعراء (ص ٣٨).

(٧) الرابئ : الذي يعلو جبلا يرقب للقوم لئلا يدهمهم عدو. لسان العرب (١ / ٨٢). والمراد بماتوا هنا : سكنوا وسكنت أعضاؤهم من الإعياء. الكلال : التعب. ويروى : (في شباب أنا رابئهم) ، والشاهد بينه المؤلف في المتن. الإعراب : فتو : اسم مجرور بـ «في» وعلامة الجر الكسرة.

٢٣٦

فأصله «الفتوية» و «النّدوية» و «الفتوي» ولكنهم أبدلوا الياء واوا للضمة قبلها ، ولم يعتدوا بالواو الساكنة حاجزا لضعفها ، فلما قلبوا الياء واوا أدغموا الأولى فيها ، فصحت لأن الأولى حصّنتها بإدغامهم إياها فيها ، ولو لا أن الأولى أدغمت في الآخرة لما جاز أن تقع واو في اسم طرفا بعد ضمة ، وهذا واضح.

ويدل على أن «النّدوّة» من الياء قولهم : «لفلان تكرم وندى» بالإمالة ، فدلت الإمالة على أنه من الياء. فأما قولهم : «النّداوة» فالواو فيه بدل من ياء ، وأصله «نداية» لما ذكرنا من الإمالة في «النّدى» ولكن الياء قلبت واوا لضرب من التوسع ، وسنذكر أمثال هذا.

اعلم أنهم قد قلبوا الياء واوا لا لعلة سوى تعويض الواو (١) قلبها ياء (٢) لكثرة دخول الياء عليها ، وذلك قولهم : «جبيت الخراج جباوة» وأصلها «جباية» (٣).

وقالوا : «رجاء بن حيوة» وأصلها «حيّة» (٤) فقلت الياء التي هي لام واوا.

وقالوا : «هذا أمر ممضوّ عليه» أي «ممضيّ». وقالوا : «هي المضواء» (٥) وأصلها «مضياء». وقالوا : «هو أمور بالمعروف نهوّ عن المنكر» وهي من «نهيت».

وقالوا : «شربت مشوّا» وهو من «مشيت» لأنه الدواء الذي يمشى عنه (٦) ، وكأنهم إنما أبدلوا الياء واوا في «نهوّ» و «مشوّ» ولم يقولوا «نهيّ» و «مشيّ» لأنهم أرادوا بناء «فعول» فكرهوا أن يلتبس بـ «فعيل».

و «الحيوان» أصله «الحييان» فقلبت الياء التي هي لام واوا استكراها لتوالي الياءين ليختلف الحرفان ، هذا مذهب الخليل (٧) وسيبويه (٨) وأصحابهما (٩) إلا أبا عثمان

__________________

(١) في النسخ كلها «الياء» والصواب ما أثبتناه.

(٢) في النسخ كلها «واو» والصواب ما أثبتناه.

(٣) الجباية : الجمع والتحصيل. لسان العرب (١٤ / ١٢٨).

(٤) حية : نوع من أخبث الحيات.

(٥) المضواء : التقدم.

(٦) المشو : الدواء المسهل.

(٧) المنصف (٢ / ٢٨٥) (ضمن تصريف المازني) ، والمسائل البغداديات (ص ٢٣٢).

(٨) الكتاب (٢ / ٣٨٨ ، ٣٩٤) ، والمسائل البغداديات (ص ٢٣٢).

(٩) المسائل البغداديات (ص ٢٣٢).

٢٣٧

فإنه ذهب (١) إلى أن «الحيوان» غير مبدل الواو ، وأن الواو فيه أصل وإن لم يكن منه فعل ، وشبّه هذا بقولهم : «فاظ الميّت يفيظ فيظا وفوظا» (٢) ولا يستعملون من «فوظ» فعلا ، وكذلك «الحيوان» عنده مصدر لم يشتق منه فعل بمنزلة «فوظ» ألا ترى أنهم لا يقولون : «فاظ يفوظ» كما قالوا : «فاظ يفيظ». ويدلك على أنهم لم يستعملوا من «الحيوان» فعلا قول سيبويه (٣) : «ليس في الكلام مثل حيوت» أي : ليس في كلامهم «حيوت» ولا ما جرى مجراها مما عينه ياء ولامه واو.

وهذا الذي رآه أبو عثمان وخالف فيه الخليل وسيبويه غير مرضي عندنا منه ، قال لي أبو علي وقت قراءتي كتاب أبي عثمان عليه : هذا الذي أجازه أبو عثمان فاسد من قبل أنه لا يمتنع أن يكون في الكلام مصدر عينه واو وفاؤه ولامه صحيحتان مثل «فوظ» و «صوغ» و «قول» و «موت» وأشباه ذلك ، فأما أن يوجد في الكلام كلمة عينها ياء ولامها واو فلا ، فحمله «الحيوان» على «فوظ» خطأ ، لأنه شبّه ما لا يوجد في الكلام بما هو موجود مطرد.

وبهذا علمنا أن «حيوة» أصلها «حيّة» وأن اللام إنما قلبت واوا لضرب من التوسع وكراهة لتضعيف الياء ، ولأن الكلمة أيضا علم ، والأعلام قد يعرض فيها ما لا يوجد في غيرها نحو : «موهب» و «مورق» و «موظب» و «معدي كرب» و «تهلل» و «مزيد» و «مكوزة» وغير ذلك مما يطول تعداده.

وحكى اللحياني : «اشتر من الحيوان والحيوات ، ولا تشتر من الموتان» (٤) فالواو أيضا في «الحيوات» بدل من ياء ، وأصلها «حييات» لأنهما «فعلات» من «حييت» و «حييت» من مضاعف الياء بلا خلاف ، ويدل على أنه لا خلاف في «حييت» في أن لامه ياء بمنزلة «خشيت» و «عييت» وأنه ليس كـ «شقيت»

__________________

(١) المصنف (٢ / ٢٨٤ ، ٢٨٥) ، والبغداديات (ص ٢٣٤).

(٢) فاظ الميت : خرجت نفسه. لسان العرب (٧ / ٤٥٣).

(٣) الكتاب (٢ / ٣٨٩).

(٤) المعنى : اشتر من الرقيق والدواب ولا تشتر الأرضين والدور. والموتان : ضد الحياة ، والموتان من الأرض : الموات الذي ليس ملكا لأحد. والذي في اللسان (موت) (٢ / ٣٩٨) غير معزو «اشتر الموتان ولا تشتر الحيوان».

٢٣٨

و «غبيت» قول أبي عثمان إنهم لم يشتقوا من «الحيوان» فعلا ؛ أي : لم يستعملوا منه فعلا عينه ياء ولامه واو والعلة في قلب «الحيوات» هي العلة في قلب «الحيوان».

ومما قلبت ياؤه واوا للتصرف وتعويض الواو من كثرة دخول الياء عليها ، وللفرق أيضا بين الاسم والصفة قولهم : «الشّروى» (١) و «الفتوى» و «البقوى» (٢) و «الرّعوى» (٣) و «الثّنوى» (٤) و «التّقوى» قال (٥) :

فما بقوى عليّ تركتماني

ولكن خفتما صرد النّبال (٦)

ويرويه «بقيا».

وقال الآخر (٧) :

أذكّر بالبقوى على من أصابني

وبقواي أني جاهد غير مؤتل

وأصل هذا كله «شريا» و «فتيا» و «بقيا» و «رعيا» و «ثنيا» و «وقيا» لأن «الشّروى» من «شريت» و «الفتوى» من معنى «الفتى» و «البقوى» من «بقيت الشيء» إذا انتظرته ، و «الرّعوى» من «رعيت» و «الثّنوى» من «ثنيت» و «التقوى» من «وقيت». وقد تقصيت الأدلة على صحة هذه الدعاوى في كتابي (٨) في شرح تصريف أبي عثمان. فإن كانت «فعلى» صفة لم تغير الياء منها إذا وقعت لاما ، وذلك نحو «صديا» و «ريّا» و «خزيا» وقد ذكرت هذا في صدر هذا الكتاب في باب الهمزة.

__________________

(١) شروى الشيء : مثله. القاموس المحيط (٤ / ٣٤٨).

(٢) البقوى : الإبقاء. القاموس المحيط (٤ / ٣٠٤).

(٣) الرعوى : للأمر حفظه. القاموس المحيط (٤ / ٣٣٥).

(٤) الثنوى : الاسم من الاستثناء. القاموس المحيط (٤ / ٣٠٩).

(٥) البيت للعين المنقري كما في طبقات فحول الشعراء (ص ٤٠٣) ، واللسان (صرد) (٤ / ٣٦).

(٦) صرد النبال : إخطاؤها أو إصابتها. لسان العرب (٣ / ٢٤٩). لم تتركاني لأنكما تبقيان عليّ ولكن خفتما من إصابة نبالي لكما. إعراب الشاهد : بقوي : حال منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدرة.

(٧) الشاعر هو أبو القمقام الأسدي كما ذكر اللسان (بقي) (١٨ / ٨٦).

(٨) المنصف (١٥٧ ـ ١٥٨).

٢٣٩

ومما قلبت فيه الياء واوا ما حكاه أبو علي أن أبا الحسن حكاه من قولهم : «مضى إنو من الليل» (١) أي : إني.

وأخبرنا قال (٢) : قال أحمد بن يحيى : قال ابن الأعرابي : يقال : «إني» و «إنى» و «معي» و «معى» و «حسي» (٣) و «حسى» قال الهذلي (٤) :

حلو ومر كعطف القدح مرّته

بكلّ إني حذاه الليل ينتعل (٥)

إبدال الواو من الياء المبدلة

وذلك أنك لو أخرجت مصدر «ضاربت» و «قاتلت» على أصلهما لقلت : «ضيراب» و «قيتال» فقلبت ألف «ضاربت» و «قاتلت» ياء لانكسار ما قبلها ، ثم إنك لو سميت بهذين المصدرين ، ثم صغرتهما لوجب أن تقول : «ضويرب» و «قويتيل» فتقلب الياء واوا ، وتزيل الياء لزوال الكسرة التي كانت قبلها.

فإن قلت : فأنت تعلم أن هذه الياء ليس أصلها واوا ، وإنما هي بدل من ألف «فاعلت» فلم قلبتها واوا وليست منقلبة عن الواو؟

فالجواب : أنا قد علمنا أن أصل هذه الياء في «فيعال» ألف في «فاعلت» وأنها إنما صارت ياء لانكسار ما قبلها ، فلما زالت الكسرة من قبلها بضمة التصغير لم يمكنك ردها إلى الألف لأجل الضمة قبلها ، ولم يبق هناك غير الواو ، فقلبت إليها ، فقلت : «ضويريب» و «قويتيل» فاعرف ذلك ، وقس عليه ما شاكله.

__________________

(١) معاني القرآن للأخفش (ص ٢١٣) ، ومضى إنو من الليل : أي وقت.

(٢) المنصف (٢ / ١٠٧).

(٣) الحسي : سهل من الأرض يستنقع فيه الماء. القاموس المحيط (٤ / ٣١٧).

(٤) هو المتنخل الهذلي يرثي أثيلة ابنه ، والبيت في ديوان الهذليين ، وهو بغير نسبة في معاني القرآن للأخفش (ص ٢١٤) وصدره فيه مخالف لما أنشده ابن جني ، والمنصف (٢ / ١٠٧).

(٥) عطف القدح : يريد طوى كما يطوى القدح. القدح : العود قبل أن يراش وينصل ويصير سهما. والإني : الوهن أو الساعة من الليل. والشاهد في قوله : «إني» كما أوضح المؤلف. إعراب الشاهد : إني : مضاف إليه مجرور.

٢٤٠