سرّ صناعة الإعراب - ج ٢

أبي الفتح عثمان بن جنّي

سرّ صناعة الإعراب - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 978-2-7451-2702-0
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

فأما قوله عز اسمه : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (القمر : ٤٩) و (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) (ق : ٤٣) ونحو ذلك فأصله «إنّنا» ولكن حذفت إحدى النونين من «إنّ» تخفيفا ، وينبغي أن تكون الثانية منهما لأنها طرف ، فهي أضعف ، وهي التي حذفت في قوله :

 ... إن قتلت لمسلما

 ... (١)

وقد حذفت مع اللام تشبيها بالنون ، فقالوا : لعلّي ، وأصله لعلّني. وحذفوها مع ليت لأنها أخت لعلّ ، ومن أبيات الكتاب (٢) :

كمنية جابر إذ قال ليتي

أصادفه وأفقد جلّ مالي (٣)

وروينا عن قطرب لمهلهل :

زعموا أنني ذهلت وليتي

أستطيع الغداة عنها ذهولا

أي : ليتني.

وإنما زيدت هذه النون في ضربني ويضربني ليسلم الفعل من الكسر ، وتقع الكسرة على النون.

وزادوها أيضا مع «إنّ» وأخواتها لمشابهتهن الفعل. وزادوها أيضا في نحو منّي وعنّي لأنهما لما سكن آخرهما أشبهتا الفعل. وعلى هذا قالوا : قطني ، وقد قالوا قطي أيضا ، وقدني وقدي.

__________________

(١) سبق تخريجه.

(٢) البيت لزيد الخيل كما في الكتاب (٢ / ٣٧٠) ، والعيني (١ / ٣٤٦).

(٣) المنية : ما يتمناه الإنسان. القاموس المحيط (٤ / ٣٩٢). جابر : رجل من غطفان تمنى أن يلقى زيدا ، فلما التقيا طعنه زيد برمح ، فانكسر ظهره.

* * *

٢٠١
٢٠٢

حرف الهاء

الهاء حرف مهموس يكون أصلا وبدلا وزائدا.

فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما. فالفاء نحو هند وهدم. والعين نحو عهد وشهد. واللام نحو شبه وبده.

وإذا كانت بدلا فمن خمسة أحرف ، وهي : الهمزة ، والألف ، والياء ، والواو ، والتاء.

إبدال الهاء من الهمزة

قد أبدلت الهاء من الهمزة على ضربين : أحدهما أصل ، والآخر : زائد.

فالأصل نحو قولهم في «إيّاك» : «هيّاك» أنشد أبو الحسن (١) :

فهيّاك والأمر الذي إن توسّعت

موارده ضاقت عليك مصادره (٢)

وروينا عن قطرب أن بعضهم يقول «إيّاك» بفتح الهمزة ، ثم يبدل الهاء منها وهي مفتوحة أيضا ، فيقول «هيّاك» قال : وطيّئ تقول : «هن فعل فعلت» يريدون «إن» قال : وقال الراجز (٣) :

هيّاك أن تمنى بشعشعان

خبّ الفؤاد مائل اليدان (٤)

__________________

(١) البيت لطفيل الغنوي ، وهو في ديوانه (ص ١٠٢) ، وفيه أنه يروى لمضرس بن ربعي.

(٢) هياك : أي أياك بفتح الهمزة وقلبها هاء. توسعت : أصبحت واسعة. موارده : المنهل والمصدر. (م) مورد. لسان العرب (٣ / ٤٥٦). ضاقت : ضم بعضها إلى بعض. مصادره : (م) مصدر وهو ما يصدر عنه الشيء. مادة (ص د ر). اللسان (٤ / ٤٤٩).

(٣) البيتان في الإفصاح (ص ٣٧٧) بتقديم الثاني على الأول.

(٤) تمنى : تبتلى. القاموس المحيط (٤ / ٣٩٢). شعشعان : من خف لحمه وطال عنقه. خب : خبّ خبا خدع وغشى فهو خب. القاموس المحيط (١ / ٥٩). والبيت فيه تحذير من تلك التي خف لحمها وطال عنقها وأثم قلبها واعتادت على الغش والخداع.

٢٠٣

وقال آخر (١) :

يا خال هلّا قلت إذا أعطيتني :

هيّاك هيّاك وحنواء العنق (٢)

وقالوا : «لهنّك قائم» والأصل «لإنّك» فأبدلوا الهاء من همزة «إنّ».

قال الشاعر (٣) :

ألا يا سنا برق قلل الحمى

لهنّك من برق عليّ كريم (٤)

وقرأ بعضهم : (طه. ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) (طه : ١ ، ٢) (٥)

__________________

(١) البيت في القلب والإبدال (ص ٢٥).

(٢) الحنواء من الغنم والإبل : التي تلوي عنقها لغير علة ، وقد يكون ذلك من علة. هياك : روي بكسر الهاء. يا خال : أسلوب إنشائي في صورة نداء غرضه الالتماس. هياك هياك : حذف فيها قلب للهمزة فأصبحت هاء وأصلها (إياك ـ إياك) وهي أسلوب تحذير. حنواء العنق : انحنى ـ يحنو ـ أحنى أي أحدب ، وهي حنواء (ج) حنو ، والمقصود أنها تحني رأسها إما بسبب وإما من غير سبب.

(٣) سبق تخريجه.

(٤) لهنّك : المقصود لإنك. حيث قلبت الهمزة هاء. سنا : ضوء البرق. القاموس المحيط (٤ / ٣٤٤). برق : برق برقا وبريقا لمع وتلألأ. قلل : (م) قلة وقلة كل شيء قمته وأعلاه. القاموس المحيط (٤ / ٤٠). الحمى : الموضع فيه كلأ يحمى من الناس أن يرعى. القاموس المحيط (٤ / ٣٢٠).

(٥) هذه قراءة جماعة منهم الحسن وعكرمة وأبو حنيفة وورش في اختياره كما في البحر المحيط (٦ / ٢٢٤). وقوله (طه) تلفظ طا. ها. وقوله تعالى (لِتَشْقى) : أي لتتعب بالإفراط في مكابدة الشدائد والتأسف والحزن على عدم إيمان قومك. وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كان أول ما أنزل عليه الوحي يقوم على صدور قدميه إذا صلى فأنزل الله تعالى الآية. وأخرج عبد الله بن حميد في تفسيره عن الربيع عن أنس قال : كان النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ يراوح بين قدميه ليقوم على كل رجل حتى نزل قوله تعالى. وأخرج ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس قال : قالوا لقد شقي هذا الرجل بربه فنزل قوله تعالى. تفسير وبيان مع أسباب النزول للسيوطي (ص ٣٣٢ ـ ٣٣٣).

٢٠٤

بتسكين الهاء ، وقالوا : أراد «طأ الأرض بقدميك جميعا» لأن النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ كان يرفع إحدى رجليه في صلاته ، فالهاء على هذا بدل من همزة «طأ».

وقال بعضهم في قولهم : «هات يا رجل» : إن الهاء بدل من همزة «آتى يؤاتي» (١) ، وقال (٢) :

لله ما يعطي وما يهاتي

أي : وما يأخذ.

وقرأت على أبي علي قال : قال الأصمعي : يقال للصّبا (٣) : هير وهير ، وأير وإير ، وذكر ابن السكيت هذه اللفظة في باب الإبدال (٤) ، ولم يقل أيهما الأصل وأيهما الفرع.

والقول في ذلك عندي أن يقضى بكونهما أصلين غير مبدل أحدهما من الآخر حتى تقوم الدلالة على القلب. وقرأت (٥) على أبي علي أيضا :

فانصرفت وهي حصان مغضبه

ورفعت بصوتها : هيا أبه (٦)

قال ابن السكيت : «يريد : أيا أبه» (٧) ثم أبدل الهمزة هاء.

وهذا أشبه من الأول ، لأن «أيا» في النداء أكثر من «هيا». وقالوا : «هما والله لقد كان كذا» أي : أما والله.

__________________

(١) جاء في شرح الملوكي (ص ٣٠٧) (من همزة آت لقولهم آتى يؤاتى).

(٢) البيت في شرح الملوكي (ص ٣٠٧) وشرح المفصل (٤ / ٣٠).

(٣) للصبا : في المثلث لابن السيد (١ / ٣٢٦) أن هذا يقال لريح الشمال.

(٤) الإبدال : كتاب الإبدال (ص ٨٨) وفيه قول الأصمعي أيضا.

(٥) قرأ هذا في كتاب الإبدال لابن السكيت (ص ٨٨).

(٦) البيتان في كتاب فصل المقال في شرح كتاب الأمثال (ص ٢١٧) وبعدها ثالث وهو : كل فتاة بأبيها معجبة. والبيت الثالث مثل ، وقد ذكر أن بعضهم برواية للأغلب العجلي في شعر له. وبعضهم قال : هذا المثل لامرأة من بني سعد يقال لها العجفاء بنت علقمة ونص الشارع على أنا لمشهور فيه أنه للأغلب العجلي ، قد نسبت الأبيات للعجفاء أيضا في مجمع الأمثال (٢ / ١٣٤) وهي بغير نسبه في إبدال ابن السكيت (ص ٨٨).

(٧) الإبدال (ص ٨٨).

٢٠٥

وأما إبدال الهاء من الهمزة الزائدة فقولهم في «أرقت» : «هرقت» ، وفي «أنرت الثوب» : «هنرته» (١) وفي «أرحت الدابة» : «هرحتها». قرأت ذلك على أبي علي في كتاب ابن السكيت (٢) ، وأخبرنا به أيضا بإسناده عن قطرب.

وعنه أيضا قال : يقولون (٣) : «هزيد منطلق»؟ أي : «أزيد منطلق»؟

وأنشد أبو الحسن (٤) :

وأتى صواحبها فقلن : هذا الذي

منح المودة غيرنا وجفانا؟ (٥)

قال : يريد : أذا الذي؟

وحكى اللحياني : «هردت الشيء أهريده» أي : أردته.

* * *

__________________

(١) هنرته : أنرت الثوب : جعلت له علما.

(٢) الإبدال (ص ٨٩).

(٣) الممتع (ص ٣٩٩).

(٤) أبو الحسن : جاء في اللسان (ذا) (٢٠ / ٣٣٧) ، والتاج (١٠ / ٤٣٤) أن اللحياني أنشده على الكسائي لجميل ، وقال البغدادي في شرح شواهد الشافعية (ص ٤٧٧): «وقائله مجهول» ويشبه أن يكون من شعر عمر بن أبي ربيعة المخزومي فإن في غالب شعره أن النساء يتعشقنه وهو بغير نسبه في الصحاح (ص ٢٥٥٩) ، والممتع (ص ٤٠٠) ، وأثبته جامع ديوان جميل في (ص ٢١٨) نقلا عن رسالة الملائكة وهو غير منسوب فيها.

(٥) أتى : جاء. صواحبها : صحب : رافق ـ والصاحب : المرافق والصديق (م) صاحبة. هذا الذي : أذا الذي : أبدلت الهمزة هاء ، والأسلوب إنشائي في صورة استفهام غرضه التعجب. منح : أعطى ، ومنح الشيء منحا أي أعطاه إياه. المودة : المحبة. جفانا : جفا الشيء : نبا وبعد. والبيت فيه استنكار لهذا الذي يعشقه النساء وهو يمنح بعضهن المودة ويجفو بعضهن.

٢٠٦

إبدال الهاء من الألف

قال الراجز (١) :

قد وردت من أمكنه

من ههنا ومن هنه

إن لم أروّها فمه (٢)

أي : ومن هنا.

وأما قوله «فمه» فيحتمل أن يكون أراد «فما» أي : فما أصنع؟ أو : فما قدرتي؟ ونحو ذلك. ويجوز أن يكون قوله «فمه» زجرا منه ، أي : فاكفف عني ، فلست أهلا للعتاب ، أو : فمه يا إنسان ، يخاطب نفسه ويزجرها.

وقد ذكرت هذين الوجهين فيما تقدم من هذا الكتاب.

فأما قولهم في الوقف على «أن فعلت» : «أنا» و «أنه» فالوجه أن تكون الهاء في «أنه» بدلا من الألف في «أنا» لأن الأكثر في الاستعمال إنما هو «أنا» بالألف ، والهاء قليلة جدا فهي بدل من الألف. ويجوز أن تكون الهاء أيضا في «أنه» ألحقت لبيان الحركة ، كما ألحقت الألف ، ولا تكون بدلا منها بل قائمة بنفسها كالتي في قوله تعالى : (كِتابِيَهْ)(٣) و (حِسابِيَهْ)(٤) و (سُلْطانِيَهْ)(٥) و (مالِيَهْ)(٦) و (ما هِيَهْ)(٧) و (لَمْ يَتَسَنَّهْ)(٨) فيمن أخذه من

«سنوات» و «مساناة» (٩) و «أسنتوا» (١٠).

__________________

(١) سبق تخريجه.

(٢) الشاهد فيه قوله «هنه» ولعله يقصد هنا ، أما الهاء في فمه فهي ألف أيضا ولعله يقصد فما والتقدير فما أدري ما ذا أصنع.

(٣) كتابيه : الهاء ألحقت لبيان الحركة ، والأصل كتابي.

(٤) حسابيه : ألحقت الهاء لبيان الحركة. والأصل حسابي.

(٥) سلطانيه : أي حجتي.

(٦) ماليه : ألحقت الهاء لبيان الحركة ، والأصل مالي.

(٧) ماهية : (ما هي) الهاء للتنبيه ، تفسير وبيان مع أسباب النزول للسيوطي (ص ٦٠٠).

(٨) ولم يتسنه : سنه الطعام أو الشراب سنها : أي تغير وتعفن. لسان العرب (١٣ / ٥٠٢).

(٩) مساناه : سانه فلانا أي عامله بالسنة ، ويقال استأجره مسانهة. القاموس (٤ / ٣٤٥).

(١٠) اسنتوا : السنة : الجدب والقحط والتغير. القاموس المحيط (٤ / ٣٤٥).

٢٠٧
٢٠٨

إبدال الهاء من الياء

قولهم في «هذي هند» : «هذه» ، فالهاء في «هذه» بدل من ياء «هذي».

الدلالة على ذلك دون أن تكون الياء في «هذي» بدلا من الهاء في «هذه» قولهم في تحقير «ذا» : «ذيّا» ، و «ذي» إنما هي تأنيث «ذا» ومن لفظه ، فكما لا تجد للهاء في المذكر أصلا فكذلك هي أيضا في المؤنث بدل غير أصل ، وليست الهاء في قولنا «هذه» وإن استفيد منها التأنيث بمنزلة هاء «طلحة ، وحمزة ، وجوزة ، وبيضة» لأن الهاء في نحو «حمزة ، وبيضة» زائدة ، والهاء في «هذه» ليست بزائدة ، إنما هي بدل من الياء التي هي عين الفعل «في هذي».

وأيضا فإن الهاء في نحو : «طلحة ، وجوزة» تجدها في الوصل تاء ، نحو : «طلحتان» و «جوزتكم» ، والهاء في «هذه» ثابتة في الوصل ثباتها في الوقف.

فإن قال القائل : فإذا كانت الهاء في هذه إنما هي بدل من الياء في «هذي» فما الذي دعاهم إلى تحريكها وكسرها في الوصل في قولهم «هذه هند» وهلا تركت ساكنة إذ كانت في اسم غير متمكن ، وهي مع ذلك بعد حركة؟

فالجواب : أن الكسرة إنما أتتها من قبل أنها هاء في اسم غير متمكن ، فشبّهت بهاء الإضمار في نحو قولك : «مررت به» و «نظرت إلى غلامه» ومن العرب أيضا من يسكنها في الوصل ، ويجريها على أصل القياس ، فيقول : «هذه هند» و «نظرت إلى هذه يا فتى» ، فإذا لقيها ساكن بعدها لم يكن بدّ من كسرها ، وذلك قولك «هذه المرأة عاقلة».

فإن قلت : فالكسرة في هاء «هذه المرأة عاقلة» هل هي لالتقاء الساكنين أو هي الكسرة في لغة من قال : «هذه هند» فكسر؟

فالجواب : أن القياس أن تكون الكسرة في الهاء في قولك «ضربت هذه المرأة» هي حركة الهاء في قولك «هذه هند» لا حركة التقاء الساكنين ، وأن يكون من يقول : «هذه هند» فيسكن الهاء إذا احتاج إلى حركتها وافق الذين يقولون : «هذه دعد» فيكسرون الهاء ، يدل على ذلك أن من قال : «هم قاموا» فأسكن الميم من «هم»

٢٠٩

متى احتاج إلى حركتها ردّ إليها الضمة التي في لغة من يقول : «هم قاموا» وعلى ذلك قراءة أبي عمرو وغيره (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ) (المنافقون : ٧١) (١) و (أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) (المؤمنون : ١١١) (٢). ألا تراه يقرأ : (وَهُمْ بَدَؤُكُمْ) (التوبة : ١٣) (٣) و (أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) (النحل : ٣٩) وغير ذلك مسكّن الميم.

وكذلك من قال «مذ» فحذف النون من «منذ» وأزال الضمة عن الذال لزوال النون الساكنة من قبلها ، إذا احتاج إلى حركة الذال ردّها إلى الضم ، فقال : «مذ اليوم» و «مذ الليلة».

وعلى هذا قولهم : «علقاة» (٤) ، فالألف في «علقاة» ليست للتأنيث ، لمجيء هاء التأنيث بعدها ، وإنما هي للإلحاق ببناء «جعفر» و «سلهب» (٥) فإذا حذفوا الهاء من «علقاة» قالوا : «علقى» غير منون ، قال العجاج (٦) :

فكرّ في علقى وفي مكور (٧)

__________________

(١) «هم الذين يقولون» : أي يقول المنافقون لأهل المدينة لا تنفقوا على فقراء المهاجرين. انظر / تفسير وبيان مع أسباب النزول للسيوطي (ص ٥٥٥). وقوله عز وجل : «يقولون» بصيغة المضارع فيها استمرارية من قبل المنافقين على قولهم. والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وقوله تعالى «هم» ضمير غائب للتحقير من شأنهم وكشف أمرهم ومخططهم وتدبيرهم ضد المسلمين.

(٢) «إنهم هم الفائزون» : الفائزون (م) فائز ، وفاز فلان بالخير فوزا ومفازا ومفازة : أي ظفر به والجملة إنشائية في صورة توكيد.

(٣) «وهم بدؤوكم» أي : وهم بدؤوكم بالإيذاء بمكة وتعذيب كل من أسلم. انظر / تفسير وبيان مع أسباب النزول للسيوطي (ص ١٨٨).

(٤) (علقاة» : (م) العلقى وهو : شجر تدوم خضرته في القيظ. القاموس (٣ / ٢٦٧).

(٥) السلهب : الطويل من الناس والخيل. القاموس المحيط (١ / ٨٣).

(٦) البيت للعجاج كما في لسان العرب (٥ / ١٨٤) ، ولكن كالآتي :

يستن في علقى وفي مكور

(٧) كر : كر ، كرورا أي رجع ، وكر على العدو حمل عليه ، والكر خلاف الفر. علقى : شجر تدوم خضرته في القيظ. مكور : (م) مكر ، نبتة غبراء. القاموس المحيط (٢ / ١٣٦).

٢١٠

غير منوّن «علقى» فليست الألف في «علقى» إذن للإلحاق ، لأنها لو كانت للإلحاق لنوّنت كما نوّنت «أرطى» (١) ، وإنما هي للتأنيث ، وهي في «علقاة» للإلحاق ، أفلا ترى أن من ألحق الهاء في «علقاة» اعتقد فيها أن الألف للإلحاق ولغير التأنيث ، فإذا نزع الهاء صار إلى لغة من اعتقد أن الألف للتأنيث ، فلم ينونها كما لم ينوّنوها ، ووافقهم بعد نزعه الهاء من «علقاة» على ما يذهبون إليه من أن ألف «علقى» للتأنيث ، فكذلك أيضا من قال : «هذه دعد» فسكّن الهاء ، إذا صار إلى موضع يحتاج فيه إلى حركة الهاء لئلا يجتمع ساكنان عاد إلى لغة من يقول : «هذه دعد» ، فكسر الهاء ، ولم يجعلها في قوله : «هذه المرأة» حركة التقاء الساكنين ، كما أن من قال : «هم قاموا» فسكّن الميم إذا احتاج إلى تحريكها راجع لغة من ضمها في «هم» فقال : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ) (المنافقون : ٧).

فإن قلت : فقد أنشد قطرب (٢) :

ألا إنّ أصحاب الكنيف وجدتهم

هم الناس لّما أخصبوا وتموّلوا (٣)

وقد أنشد الكوفيون :

فهم بطانتهم وهم وزراؤهم

وهم القضاة ومنهم الحكّام (٤)

ورويته عن الفراء : «ومنهم الحجّاب».

__________________

(١) أرطى : ثمره كالعناب مرة تأكلها الإبل غضة وعروقه حمر. القاموس المحيط (٢ / ٣٤٩).

(٢) البيت وجدناه مطلع قصيدة لعروة بن الورد ، وجاء في ديوانه (ص ١١٩) ، ولم يذكره صاحب اللسان ، وجاء في شرح المفصل (٣ / ١٣١). ولا شاهد فيه على هذه الرواية.

(٣) الكنيف : الساتر ، أو حظيرة من خشب أو شجر تتخذ للإبل والغنم تقيها الريح والبرد. أخصبوا : من الخصب بالكسر وهو كثرة العشب ، ورفاهة العيش. القاموس (١ / ٦٢). تمولوا : ازداد مالهم ونما. القاموس المحيط (٤ / ٥٢).

(٤) بطانتهم : صفي الرجل يكشف له عن أسراره (ج) بطائن. القاموس (٤ / ٢٠٢). والبيت أسلوبه خبري تقريري غرضه المدح. والشاهد فيه كسر (ميم) هم ، وعدم ضمها. والبيت لم يذكره صاحب اللسان ، وجاء في شرح المفصل (٣ / ١٣٢).

٢١١

وحكى الفراء هذه اللغة ، وأنه سمعها من بعض بني سليم. وحكى أن العرب جميعا تضم هذه الميم نحو (هُمُ الْمُفْسِدُونَ) (البقرة : ١٢١) (١) و (هُمُ الْفائِزُونَ) (المؤمنون : ١١١) (٢).

وحكى اللحياني (٣) «مذ اليوم» و «مذ الليلة» بكسر الذال.

فالجواب : أن هذه اللغة ، أعني «هم القضاة» و «منهم الحجاب» من القلة ومخالفة الجمهور على ما حكيناه عن الفراء ، وما كانت هذه صفته وجب أن يلغى ويطّرح ولا يقاس عليه غيره. وأما حكاية اللحياني فكذلك أيضا ، وتكون كغيرها مما دفعه أصحابنا وعجبوا منه.

ووجه جواز ذلك ـ عندي ـ على ضعفه أنه شبّه ميم «هم» وذال «مذ» بدال «قد» ولام «هل» ، فكسرهما حين احتاج إلى حركتها كما يكسرهما ونحوهما إذا احتاج إلى ذلك نحو «قد انقطع» و «هل انطلق زيد» ، وان كان الذي قال : «هذه دعد» فسكّن الميم هو الذي قال : «مذ اليوم» و «هم القضاة» فغير منكر أن تكون كسرة الهاء من «هذه ابنتك» و «هذه امرأتك» و «ضربت هذه المرأة» على لغته لالتقاء الساكنين ، فليس ذلك بأشد من «هم القضاة» و «مذ اليوم» فاعرف ذلك.

ومن إبدال الهاء من الياء قولهم في تصغير «هنة» : «هنيهة» وأصلها الأول «هنيوة» لأن لام الفعل في تصريف هذه الكلمة واو لقولهم :

 ..

على هنوات شأنها متتابع

وإبدالهم أيضا التاء في «هنت» من الواو دون الياء ، وقد تقدمت الدلالة على ذلك ، فلما اجتمع في «هنيوة» الياء والواو ، وسبقت الأولى بالسكون قلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء ، فصار «هنيّة» ، وهو الدائر المستعمل في أيدي الناس.

__________________

(١) (هُمُ الْمُفْسِدُونَ) الشاهد فيه ضم ميم «هم». إعرابها : هم : ضمير منفصل مبني على الضم في محل رفع مبتدأ. المفسدون : خبر

(٢) (هُمُ الْفائِزُونَ) الشاهد فيه ضم ميم «هم».

(٣) ذكر قول اللحياني كذلك في شرح المفصل (٣ / ١٣٢).

٢١٢

فأما قول بعضهم : «هنيهة» فإنما الهاء في «هنيهة» بدل من الياء في «هنيّة» ، والياء في «هنيّة» بدل من الواو في «هنيوة».

فأما قولهم في هاء «زنادقة» و «فرزانة» (١) إنها بدل من الياء في «زناديق» و «فرازين» فليسوا يريدون بذلك البدل على حد إبدالهم الألف في «قام» و «باع» عن الواو والياء ، وإنما يعنون أن الهاء لّما طال الكلام بها صارت كالعوض من الياء ، كما صار طول الكلام بين الفعل والفاعل في نحو «حضر القاضي اليوم امرأة» عوضا من تاء التأنيث في «حضرت». وهذا باب واسع إلا أنه ليس مما قدمناه.

ونحو من هذا قولهم في الهاء من «عدة» و «زنة» و «شية» إنها صارت عوضا من الواو التي هي فاء الفعل في «وعدت» و «وزنت» و «وشيت» فافهم ذلك.

إبدال الهاء من الواو

قد أبدلوها في حرف واحد ، وهو قول امرئ القيس (٢) :

وقد رابني قولها : يا هنا

ه ويحك ألحقت شرّا بشر (٣)

فالهاء الآخرة في «هناة» بدل من الواو في «هنوك» و «هنوات» ـ وقد دللنا على ذلك في أول الكتاب ـ وكان أصله «هناو» فأبدلت الواو هاء ، فقالوا : «هناه».

هكذا قال أصحابنا (٤). ولو قال قائل : إن الهاء في «هناه» إنما هي بدل من الألف المنقلبة من الواو الواقعة بعد ألف «هناه» إذ أصله «هناو» ثم صار «هناا» كما أن أصل «عطاء» «عطاو» ، ثم صار بعد القلب «عطاا» ـ وقد دللنا على ذلك في أول الكتاب ـ فلما صار «هناا» والتقت ألفان كره اجتماع الساكنين ، فقلبت الألف

__________________

(١) الفرزانه : جمع فرزان ، وهو الشطرنج معرب. القاموس المحيط (٤ / ٢٥٥).

(٢) سبق تخريجه.

(٣) رابني : الريب : الظن والشك والتهمة. القاموس المحيط (١ / ٧٧). الحقت : أي أتبعت. والمقصود أنك أتبعت شرا بشر. والشاهد فيه إبدال الهاء من الواو في قوله «هناه». والبيت لم يذكره صاحب اللسان ، وجاء في ديوان امرئ القيس كما سبق ذكر ذلك.

(٤) يعني البصريين.

٢١٣

الآخرة هاء ، فقالوا : «هناه» كما أبدل الجميع من ألف «عطاا» الثانية همزة لئلا يجتمع ساكنان ، لكان قولا قويا ، ولكان أيضا أشبه من أن يكون قلبت الواو في أول أحوالها هاء من وجهين :

أحدهما : أن من شريطة قلب الواو ألفا أن تقع طرفا بعد ألف زائدة ، وقد وقعت هنا كذلك.

والآخر : أن الهاء إلى الألف أقرب منها إلى الواو ، بل هما في الطرفين ، ألا ترى أن أبا الحسن ذهب إلى أن الهاء مع الألف من موضع واحد لقرب ما بينهما ، فقلب الألف إذن هاء أقرب من قلب الواو هاء.

وكتب إليّ أبو علي من حلب في جواب شيء سألته عنه ، فقال : وقد ذهب أحد علمائنا إلى أن الهاء من «هناه» إنما لحقت في الوقف لخفاء الألف ، كما تلحق بعد ألف الندبة في نحو «وا زيداه» و «وا بكراه» ثم إنها شبّهت بالهاء الأصلية ، فحرّكت ، فقالوا : «يا هناه». ولم يسمّ أبو علي هذا العالم من هو ، فلما انحدرت إليه إلى مدينة السّلام ، وقرأت عليه نوادر أبي زيد ، نظرت فإذا أبو زيد هو صاحب هذا القول. وهذا من أبي زيد غير مرضي عند الجماعة ، وذلك أن الهاء التي تلحق لبيان الحركات وحروف اللين إنما تلحق في الوقف ، فإذا صرت إلى الوصل حذفتها البتة (١) ، فلم توجد فيه ساكنة ولا متحركة ، وقد استقصيت هذا الفصل في كتابي في شرح شعر المتنبي عند قوله :

وا حرّ قلباه ممن قلبه شبم

 ... (٢)

ودللت هناك على ضعف قول أبي زيد وبيت المتنبي جميعا في هذا.

__________________

(١) يقال : لا أفعله بتة ، ولا أفعله ألبتة ، أي قطعا لا رجعة فيه.

(٢) البيت من ديوان المتنبي (٣ / ٣٦٢) ولم يذكره صاحب اللسان ، هو مطلع قصيدة يمدح فيه سيف الدولة الحمداني وكان أبو فراس الحمداني حاضرا أثناء إلقاء المتنبي لقصيدته التي يمدح فيها ابن عمه وقاطعه أكثر من مرة فذمه المتنبي بقوله :

أعيذها نظرات منك شاخصة

أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم

وقال لسيف الدولة في قصيدته أيضا :

يا أعدل الناس إلا في معاملتي

فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

٢١٤

إبدال الهاء من التاء

وذلك في التأنيث نحو قولك في «جوزة» في الوصل : «جوزه» في الوقف ، وفي «حمزة» : «حمزه» ، وقد ذكرنا قديما قول من أجرى الوصل مجرى الوقف ، فقال : «ثلاثهربعه» وقول من أجرى الوقف مجرى الوصل ، فقال :

بل جوز تيهاء كظهر الحجفت (١)

وقول الآخر :

الله أنجاك بكفّي مسلمت

وحكى قطرب (٢) عن طيئ أنهم يقولون : «كيف البنون والبناه ، وكيف الإخوة والأخواه» قال : وذلك شاذ. فأما «التابوه» فلغة في «التابوت».

ووقف بعضهم (٣) على «اللات» بالهاء ، فقال : «اللاه».

زيادة الهاء

أما أبو العباس (٤) فكان يخرج الهاء من حروف الزيادة ، ويذهب إلى أنها إنما تلحق للوقف في نحو : «اخشه» و «ارمه» و «هنّه» و «لكنّه» وتأتي بعد تمام الكلمة. وهذا مخالفة منه للجماعة ، وغير مرضي عندنا ، وذلك أن الدلالة قد قامت على صحة زيادة الهاء في غير ما ذكره أبو العباس ، فمما زيدت فيه الهاء قولهم : «أمّهات» وزنه «فعلهات» والهاء زائدة لأنه بمعنى الأم ، والواحدة «أمّهة» ، قال :

__________________

(١) البيت ذكره صاحب اللسان (٩ / ٣٩) ، ونسبه إلى سؤر الذئب وهو من أبيات قصيدة منها :

ما بال عين عن كراها قد جفت

وشفها من حزنها ما كلفت

كأن عوارا بها أو طرفت

(٢) ذكر صاحب الممتع ذلك (ص ٥٢٤).

(٣) ذكر الأخفش ذلك في معاني القرآن (ص ١١ ـ ٩١٢).

(٤) يقصد بقوله أبي العباس المبرد ، وقد ذكر ابن جني ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب.

٢١٥

أمّهتي خندف والياس أبي (١)

أي : أمّي.

وقولهم : «أمّ بيّنة الأمومة» قد صحّ لنا منه أن الهمزة فيه فاء الفعل ، والميم الأولى عين الفعل ، والميم الآخرة لام الفعل ، فـ «أمّ» بمنزلة «درّ» و «حبّ» و «جلّ» مما جاء على «فعل» وعينه ولامه من موضع واحد.

وأجاز أبو بكر في قول من قال : «أمّهة» في الواحد أن تكون الهاء أصلية ، وتكون «فعّلة» ، فهي في هذا القول الذي أجازه أبو بكر بمنزلة «ترّهة» (٢) و «أبّهة» و «علّفة» (٣) و «قبّرة» (٤).

ويقوي هذا القول قول صاحب كتاب العين «تأمّهت أمّا» ، فـ «تأمّهت» (٥) بيّن أنه «تفعّلت» بمنزلة «تفوّهت» و «تنبّهت» ، إلا أن قولهم في المصدر الذي هو الأصل «أمومة» يقوّي زيادة الهاء في «أمّهة» وأن وزنها «فعلهة».

ويزيد في قوة ذلك أيضا قوله :

إذا الأمّهات قبحن الوجوه

فرجت الظلام بأمّاتكا (٦)

__________________

(١) أمهتي : أي أمهة مضاف إليها ياء المتكلم (ج) أمهات. خندف : يقال أنها أم مدركة وكانت زوجة إلياس. إلياس : هو إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو أمامة. والبيت خبري غرضه الفخر والاعتزاز بالنسب. والشاهد فيه قوله (أمهتي).

(٢) ترهه : باطل ، والترهة أيضا القول الخالي من نفع (ج) ترهات. القاموس المحيط (٤ / ٢٨٢)

(٣) علّفة : (م) العلّف ، وهو شجر يمني ورقه كورق العنب. القاموس المحيط (٣ / ١٧٨).

(٤) قبّرة : طائر يشبه الحمرة ـ والحمرة نوع من العصافير ـ. القاموس المحيط (٢ / ١١٣).

(٥) تأمهت : أي أصبحت أمّا.

(٦) البيت ذكره صاحب اللسان (١٢ / ٣٠) مادة / أمم. البيت خبري غرضه الذم في الشطر الأول ، والمدح في الشطر الثاني ، حيث يقرر الشاعر أن الأمهات إذا جلبت الخزي والعار وقبحت بفجورهن وجوه أبنائهن فإن الظلام قد انكشف بضياء أماتكا : وهو كناية وطهارة عرض أماتكا.

٢١٦

وقرأت على أبي سهل أحمد بن محمد القطان ، وأنشدناه عن أبي العباس محمد بن يزيد (١) :

قوّال معروف وفعّاله

عقّار مثنى أمّهات الرّباع (٢)

فهذا فيمن أثبت الهاء في غير الآدميين ، وقال الآخر (٣) :

لقد ولد الأخيطل أمّ سوء

مقلّدة من الأمّات عارا

فجاء به بلا هاء فيمن يعقل. وقال الراعي (٤) :

كانت نجائب منذر ومحرّق

أمّاتهنّ وطرقهنّ فحيلا (٥)

فجاء به بغير هاء ، إلا أنه في غالب الأمر فيمن يعقل بالهاء ، وفيما لا يعقل بغير هاء ، زادوا الهاء فرقا بين من يعقل وما لا يعقل.

__________________

(١) البيت للسفاح بن بكير اليربوعي من مفضلية له يرثي فيها يحيى بن شداد. وجاء في شرح المفضليات أن أبا عبيدة قال : هي لرجل من بني قريع يرثي يحيى بن مسيرة صاحب مصعب بن الزبير وكان وفي له حتى قتل معه. شرح اختيارات المفضل (ص ١٣٦٣) (المفضلية : ٩٢).

(٢) الرّباع : جمع ربع وهو ما نتج في الربيع. لسان العرب (٨ / ١٠٥) مادة / ربع.

(٣) البيت لجرير وهو في ديوانه (ص ٢٨٣). وعجزه في الديوان :

على باب استها صلب وشام

ولا شاهد فيه حينئذ. وفي معاني الفراء (٢ / ٣٠٨) : على قمع استها صلب وشام. وروى في اللسان (أمم) (١٢ / ٢٩) كرواية ابن جني. القمع : ما يوضع في فم السقاه ونحوه ثم يصب فيه الماء والشراب استعاره لفرجة الاست. الصلب : جمع صليب. الشام : واحدتها شامة وهي علامة تخالف البدن.

(٤) البيت في شعره (ص ١٢٧).

(٥) منذر : هو أبو النعمان بن المنذر. محرق : هو امرؤ القيس بن عمرو بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي بن نصر ، وهو أول من عاقب بالنار. النجائب : الإبل الكريمة واحدتها نجيبة. القاموس المحيط (١ / ١٣٠). الطرق : الضرب. القاموس المحيط (٣ / ٢٥٦). الفحيل : الكريم. القاموس (٤ / ٢٨).

٢١٧

فإن قال قائل : ما الفرق بينك وبين من عكس عليك الأمر ، فقال : ما تنكر أن تكون الهاء إنما حذفت في غالب الأمر مما لا يعقل ، وأثبتت فيمن يعقل وهي أصل فيه للفرق؟

فالجواب : أن الهاء أحد الحروف العشرة التي تسمى حروف الزيادة لا حروف النقص ، وإنما سمّيت حروف الزيادة لأن زيادتها في الكلام هو الباب المعروف ، وأما الحذف فإنما جاء في بعضها ، وقليل ما ذلك.

ألا ترى إلى كثرة زيادة الواو والياء في الكلام وأن ذلك أضعاف حذفهما إذا كانتا أصلين نحو «يد» و «دم» و «غد» و «أب» و «أخ» و «هن» ، فهذه ونحوها أسماء يسيرة محدودة محتقرة في جنب الأسماء المزيد فيها الياء والواو نحو «يرمع» (١) و «يعملة» (٢) و «يسروع» (٣) و «يلمع» (٤) و «يعضيد» (٥) و «خيفق» (٦) و «صيرف» (٧) و «هيدب» (٨) و «حوقل» (٩) و «جوهر» و «جدول» و «خروع» (١٠) و «عثير» (١١) و «حثيل» (١٢) و «حذيم» (١٣) و «سعيد» و «قضيب» و «عجوز» و «عمود» و «دهليز» و «جرموق» (١٤) و «كنثأو» (١٥) و «قندأو» (١٦) و «عضرفوط» (١٧) و «عندليب» و «خربصيص» (١٨)

__________________

(١) يرمع : اليرمع : الخذروف ، يلعب به الصبيان. القاموس المحيط (٣ / ٣٢).

(٢) يعملة : ناقة يعملة : نجيبة. القاموس المحيط (٣ / ٢١).

(٣) يسروع : والجمع أساريع ، دود حمر الرؤوس بيض الأجسام. القاموس المحيط (٣ / ٣٧).

(٤) يلمع : اليلمع : البرق الخلّب. القاموس المحيط (٣ / ٨٢).

(٥) يعضيد : اليعضيد : بقلة برية تشبه الهندباء البرية تنبت في الأرض الرملية.

(٦) خيفق : فلاة خيفق كواسعة يخفق فيها السراب. القاموس المحيط (٣ / ٢٢٧).

(٧) صيرف : الصيرف : صراف الدراهم. (٨) هيدب : السحاب المتدلى.

(٩) الحوقل : الذكر. القاموس (٣ / ٣٥٩).

(١٠) الخروع : كل نبت ضعيف ينثني.

(١١) العثير : التراب. القاموس (٢ / ٨٥).

(١٢) حثيل : رجل حثيل : قصير.

(١٣) الحذيم : الحاذق. القاموس المحيط (٤ / ٩٣).

(١٤) جرموق : الخف القصير يلبس فوق خف. القاموس المحيط (٣ / ٣١٧).

(١٥) الكنثأو : الوافر اللحية.

(١٦) القندأو : حال الرجل حسنة أو قبيحة.

(١٧) العضرفوط : ذكر العظاء.

(١٨) الخربصيص : القرط ، والجمل الصغير السن.

٢١٨

و «جلفزيز» (١) و «عنتريس» (٢) ونحو ذلك مما لا يحصى كثرة. وكذلك الهاء أيضا إنما حذفت في نحو «شفة» و «است» و «عضة» فيمن قال «عاضه» و «سنة» فيمن قال «سانهت» وما يقلّ جدا. وقد نراها تزاد للتأنيث فيما لا يحاط به نحو :

«جوزة» و «لوزة» ، ولبيان الحركة في نحو (مالِيَهْ) و (كِتابِيَهْ) و (حِسابِيَهْ) و (اقْتَدِهْ) وعمه (٣) وفيمه (٤) ولمه (٥) ، ولبيان حرف المد نحو «وا زيداه» و «وا عمراه» و «وا غلامهموه» و «وا انقطاع ظهرهيه».

ونحو قول الراجز (٦) :

اكس بنيّاتي وأمّهنّه

أقسم بالله لتفعلنّه

وما أشبه ذلك ، ألا ترى أن من حروف الزيادة ما يزاد ولا يحذف في شيء من الكلام البتة ، وذلك اللام والسين والميم ، ولا تجد فيها شيئا حذف ولم يزد البتة. فقد علمت أن الزيادة في هذه الحروف العشرة أفشى من الحذف ، فعلى هذا القياس ينبغي أن تكون الهاء في «أمّهة» زيادة على «أمّ» وتكون «أمّ» الأصل ، ولا ينبغي أن يعتقد أن الهاء هي الأصل ، وأن «أمّا» محذوفة من «أمّهة».

وقالوا أيضا «هرقت» فزادوا الهاء عوضا من سكون عين الفعل ، وقد تقدم قولنا على صحة ذلك. فأما قول من قال : «تأمّهت أمّا» وإثباته الهاء فنظيره مما يعارضه قولهم : «أمّ بيّنة الأمومة» بحذف الهاء ، فرواية برواية ، وبقي النظر الذي قدّمناه حاكما بين القولين ، وقاضيا بأن زيادة الهاء أولى من اعتقاد حذفها ، على أن الأمومة قد حكاها ثعلب ـ (٧) وحسبك به ثقة ـ وغيره من الفريقين ، وأما «تأمّهت أمّا»

__________________

(١) جلفزيز : العجوز المتشنجة أو التي فيها بقية ، والناقة الصلبة القوية. القاموس (٢ / ١٦٩).

(٢) العنتريس : الناقة الوثيقة الخلق الغليظة الصلبة. القاموس المحيط (٢ / ٢٢٨).

(٣) «عمّه» : هذه قراءة الضحاك وابن كثير في روايه.

(٤) «فيمه» : وقراءة السبعة (فيم) ولم أقف على من قرأها بالهاء.

(٥) «لمه» وقراءة السبعة «لم» ولم أقف على من قرأها بالهاء.

(٦) البيتان لأعرابي يخاطب عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ الأول في الخصائص (٢ / ٧٢) واللسان «أوس» (٧ / ٣١٥) وانظر الخبر مع ستة أبيات في طبقات الشافعية (١ / ١٣٩).

(٧) تصحيح الفصيح (١ / ٣٨٣) ، والتلويح في شرح الفصيح (٣٢).

٢١٩

فإنما حكاها صاحب العين ، وفي كتاب العين من الخطل والاضطراب ما لا يدفعه نظّار جلد ، وإنما يخلد إليه من ضاق عطنه ، واستروح من كلفة الحفظ إلى دعة النسيان والترك. وذاكرت بكتاب العين يوما شيخنا أبا علي فأعرض عنه ، ولم يرضه لما فيه من القول المرذول والتصريف الفاسد ، فقلت له كالمحتجّ عليه : فإن في تصنيفه راحة لطالب الحرف. فقال : أرأيت لو أن رجلا صنّف لغة بالتركية تصنيفا حسنا ، هل كنا نقبلها منه ونستعملها؟ أو كلاما هذا نحوه قد بعد عهدي به.

ورأيت أبا محمد بن درستويه قد أنحى على أحمد بن يحيى في هذا الموضع من كتابه الموسوم بشرح الفصيح (١) ، وظلمه ، وغصبه حقّه ، والأمر عندي بخلاف ما ذهب إليه ابن درستويه في كثير مما ألزمه إياه ، وما كنت أراه بهذه المنزلة ، ولقد كنت أعتقد فيه الترفع عنها وإن كان من أصحابي وقائلا بقول مشيخة البصريين في غالب أمره ، وكان أحمد بن يحيى كوفيا قلبا ، فالحق أحقّ أن يتّبع أين حلّ وحيث صقع.

ولو أن إنسانا تتبع كتاب العين ، فأصلح ما فيه من الزيغ والاضطراب لم أعنّفه في ذلك ، ولرأيته مصيبا فيه مأجورا على عمله ، وإن وجدت فسحة أصلحت ذلك وما في كتاب الجمهرة مما سها فيه مصنّفه رحمه الله.

وذهب أبو الحسن إلى أن الهاء في «هجرع» و «هبلع» زائدتان ، لأنهما عنده من «الجرع» و «البلع» وذلك أنّ «الهجرع» هو الطويل ، و «الجرع» : المكان السهد المنقاد ، و «الهبلع» : الأكول ، فهذا من البلع ، فمثالهما على هذا «هفعل».

وذهب الخليل فيما حكى عنه أبو الحسن إلى أن «هركولة» : «هفعولة» وأن الهاء زائدة ، قال : لأنها التي تركل في مشيتها.

وسمعت بعض بني عقيل يقول في «هركولة» : «هرّكلة» ، قال :

هرّكلة فنق نياف طلّة

لم تعد عن عشر وحول خرعب (٢)

__________________

(١) هو المطبوع باسم تصحيح الفصيح. انظر (١ / ١٠٣ ـ ١٠٤).

(٢) البيت في اللسان (هركل) (١٤ / ٢١٩). فنق : جسيمة حسنة فتية منعمة. نياف : تامة الطول والحسن. القاموس (٣ / ٢٠٣) الخرعب : الحسنة الخلق ، وقيل البيضاء ، ولم أقف على (طلة) في أوصاف النساء ، وفي اللسان : يقولون : خمرة طلة ، ورائحة طلة : أي لذيذة ، وحديث طل : حسن.

٢٢٠