سرّ صناعة الإعراب - ج ٢

أبي الفتح عثمان بن جنّي

سرّ صناعة الإعراب - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 978-2-7451-2702-0
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

فأما الدلالة على كون الياء في «شيراز» بدلا من الواو في «شوراز» وأن الياء فيه ليست بمنزلة ياء «ديماس» فظهورها في الجمع إذ قالوا «شواريز» ، فأما ما شبّه السائل بذكره ، وطلب التلبيس به في سؤاله من أنه لا يعرف واوا زائدة مفردة استؤنفت في أول أحوالها بعد كسرة ، فلا معتبر بقوله من قبل أنه إذا قامت الدلالة على صحة قضية لم يلزم إيراد النظير لها وإن كان في النظير بعض الأنس ، ألا ترى أن «كدت أكاد» لا نظير له ، وقد دلت الدلالة على كونه «فعل يفعل». وكذلك قولهم : ماء سخاخين (١) : فعاعيل وإن لم نجد له نظيرا في الكلام.

وكذلك إنقحل : إنفعل عند سيبويه (٢) وإن لم يكن له نظير عنده ، وهذا واسع.

فكذلك قولهم إن الواو في «شيراز» زائدة وإن لم نجد لها نظيرا استؤنفت هكذا.

ويؤكد ذلك عندك قول بعضهم «شراريز» فهذه دلالة قاطعة على زيادة الواو في «شواريز» ، وجرت «شراريز» مجرى «صنانير» (٣) و «خنانيب» (٤) كما دلت الألف في «شرابث» (٥) و «جرافس» (٦) على زيادة النون في «شرنبث» و «جرنفس» ، ومع هذا فقد أجمعوا على أن «عباديد» و «شعاليل» يجوز أن يكون واحدها «فعلولا» كأنه «عبدود» و «شعلول» وإن لم تنطق العرب بواحد ذلك ، وإذا كان ذلك كذلك فالياء في «عباديد» (٧) و «شعاليل» (٨) جائز أن تكون منقلبة عن واو «فعلول» فكأنه قبل القلب «شعالول» و «عبادود» فانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، فصارت «عباديد» و «شعاليل» ؛ أفلا ترى أن الياء في «عباديد» و «شعاليل» منقلبة عن واو زائدة منفردة مستأنفة مكسور ما قبلها ، فأما الواحد منها فلا اعتداد به لأنه أصل مرفوض لا ينطق به ، فجرى لذلك مجرى ما ليس مقدرا ،

__________________

(١) ماء سخاخين : ساخن. اللسان (١٣ / ٢٠٥) مادة / سخن.

(٢) الكتاب (٢ / ٣١٧).

(٣) صنانير : السيئو الأدب وإن كانوا ذوي نباهة ، ومفرده صنارة. اللسان (٤ / ٤٦٨).

(٤) خنانيب : جمع الخناب وهو الضخم الطويل من الرجال. اللسان (١ / ٣٦٦).

(٥) شرابث : القبيح الشديد ، الغليظ الكفين والرجلين. اللسان (٢ / ١٦٠).

(٦) جرافس : الفخم الشديد من الرجال ومثله الجرنفس. اللسان (٦ / ٣٧) مادة / جرفس.

(٧) عباديد : الفرق المتفرقة من الناس وغيرهم. اللسان (٣ / ٢٧٦) مادة / عبد.

(٨) شعاليل : الفرق ، مثل شعارير إذا تفرقوا. اللسان (١١ / ٣٥٥) مادة / شعل.

٣٨١

وإذا كان ما ينطق به في كثير من الكلام قد تصيّره إلى أن يجري مجرى ما قد سقط حكمه وصار غير معتد به ، فما لا يظهر على وجه من الوجوه أولى بأن يلغى ولا يعتدّ به ، وذلك قولك : زيد خلفك ، فأصل هذا : زيد مستقرّ خلفك ، فحذف اسم الفاعل للعلم به ، وأقيم الظرف مقامه ، وانتقل الضمير الذي كان في اسم الفاعل إلى الظرف ، وصار موضع الظرف رفعا لأنه خبر المبتدأ ، وألغي «مستقرّ» حتى صار لا حكم له ولا اعتداد به ، وأنت مع هذا لو شئت لأظهرته ، فقلت : زيد مستقرّ خلفك.

ويدلك على أن حكم «مستقر» ونحوه في نحو هذا قد سقط عندهم ، وصارت معاملة اللفظ الآن إنما هي للظرف ، امتناعهم من تقديم الحال على الظرف في نحو قولهم : زيد خلفك واقفا ، فلو قلت : زيد واقفا خلفك لم يجز ، فلولا أن نصب الحال الآن إنما وجب بالظرف لا باسم الفاعل المحذوف لكان يجوز تقديم الحال على الظرف بغير اسم الفاعل ، كما كان يجوز تقديمها عليه مع اسم الفاعل في قولك : زيد واقفا في الدار مستقرّ ، فـ «واقفا» الآن منصوب بمستقرّ لا بالظرف ، ولذلك جاز تقديمه على الظرف ، فكذلك إذا قلت : زيد خلفك واقفا ، نصبت الحال بالظرف لا باسم الفاعل. فإذا كان حكم اسم الفاعل قد يبطل إذا أقمت الظرف مقامه مع أنه قد يجوز لك أن تلفظ معه باسم الفاعل وتجمع بينهما ، فأن يكون ما لا ينطق به البتة غير مراد ولا معتدّ به ـ وهو واحد «شعاليل» و «عباديد» ـ أجدر. فهذا ما احتمله القول ، واقتضاه النظر في قولنا «شيراز» و «شواريز» و «شراريز».

فأما قولهم «تسرّيت» فيكون أيضا من باب إبدال الياء من الراء ، وأصلها على هذا «تسرّرت» لأنها من «السّرّيّة» و «السّرّيّة» : «فعليّة» من السّرّ ، وذلك أن صاحبها أبدا ما يخفيها ويسرّ أمرها عن حرمته وصاحبة منزله. ومن كانت «سرّيّة» عنده «فعّيلة» مثل «مرّيقة» و «علّيّة» فاشتقاقها عنده من سراة الشيء ، وهو أعلاه وأوله. ودفع أبو الحسن هذا القول ، وقال : إن الموضع الذي تؤتى منه المرأة ليس أعلاها ولا سراتها .. والقول كما قال.

والذي ذهب إليه أبو الحسن فيها هو أنها «فعليّة» من السّرور لأن صاحبها يسرّ بها. ولو قال قائل : إنها «فعّيلة» من سريت ، أي : سرت ليلا ، لأن في ذلك ضربا من الإخفاء والسّتر ، لكان قولا ، ولكن حملها على أنها «فعليّة» أوجه لأمرين :

٣٨٢

أحدهما : أن «فعليّة» أكثر في الكلام من «فعّيلة».

والآخر : أن معنى السّرّ ههنا والسرور أظهر من معنى السّراة والسّرى.

وإذا كانت «سرّيّة» من «السّراة» فأصلها «سرّيوة» لأن السّراة من الواو ، لقول الفرزدق (١) :

وأصبح مبيضّ الصقيع كأنه

على سروات البيت قطن مندّف (٢)

فلما اجتمعت الياء والواو ، وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء ، فصارت «سرّيّة». وكذلك القول في «علّيّة» ، أصلها «علّيوة» لأنها من «علوت» والقول فيها كالقول في «سرّيّة» إذا أخذت من السّراة.

إبدال الياء من النون

من ذلك قولهم «دينار» وأصله «دنّار» ، والقول فيه كالقول في «قيراط» لقولهم في التكسير «دنانير» ولم يقولوا «ديانير». وكذلك التحقير ، وهو «دنينير».

وقالوا «إيسان» ، فأبدلوا نون «إنسان» ياء ، قال (٣) :

فيا ليتني من بعد ما طاف أهلها

هلكت ، ولم أسمع بها صوت إيسان (٤)

البيت لعامر بن جوين. إلا أنهم قد قالوا في جمعه أيضا «أياسيّ» بياء قبل الألف ، فعلى هذا يجوز أن تكون الياء غير مبدلة ، وجائز أيضا أن يكون من البدل اللازم ، نحو : عيد وأعياد وعييد ، ونحو ميثاق ومياثيق ، وميثرة ومياثر. وهذا هو الوجه عندي في «إيسان».

ومن ذلك قولهم «تظنّيت» وإنما هي «تفعّلت» من الظنّ ، وأصلها «تظننت» فقلبت النون الثالثة ياء كراهية التضعيف.

__________________

(١) انظر ديوانه (ص ٥٥٩).

(٢) سبق شرحه والتعليق عليه.

(٣) ذكره صاحب اللسان مادة (أنس) (٦ / ١٣) ونسبه إلى عامر الطائي.

(٤) والشاعر يتمنى أن يهلك قبل أن يرى ديار محبوبته خالية ليس بها صوت إنسان. والشاهد فيه : (إيسان) حيث أبدلت النون ياء.

٣٨٣

وقرأت على أبي علي بإسناده عن أبي عبيدة «قال : سمعت أبا عمرو ابن العلاء يقول : لم يتسن (البقرة : ٢٥٩) (١) : لم يتغير ، هو من قوله تعالى : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (الحجر : ٢٦) أي : متغيّر. فقلت له : لم يتسن من ذوات الياء ، و (مَسْنُونٍ) من ذوات التضعيف ، فقال : هو مثل «تظنّيت» وهو من الظنّ».

وأصله على هذا القول «لم يتسنّن» ثم قلبت النون الآخرة ياء هربا من التضعيف ، فصار «يتسنّي» ثم أبدلت الياء ألفا ، فصار «يتسنّى» ثم حذفت الألف للجزم ، فصار لم يتسن.

وقالوا : «إنسان» و «أناسيّ» و «ظربان» و «ظرابيّ» ، فالياء الثانية بدل من نون الواحد.

إبدال الياء من اللام

وهو في قولهم : أمليت الكتاب ، إنما أصله «أمللت» فأبدلت اللام الآخرة ياء هربا من التضعيف ، وقد جاء القرآن باللغتين جميعا ، قال تعالى : (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفرقان : ٥) (٢) ، وقال عز اسمه : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) (البقرة : ٢٨٢) (٣).

إبدال الياء من الصاد

أخبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب ، قال : قال اللحياني : قصّيت أظفاري في معنى قصّصتها ، فهذا مثل «تظنّيت» أبدلت الصاد الثالثة ياء كراهية للتضعيف. وقد يجوز عندي أن يكون «قصّيت» : «فعّلت» من أقاصي الشيء ؛ لأن أقاصيه أطرافه ، والمأخوذ من الأظفار إنما هو أطرافها وأقاصيها ، فلا يكون في هذا بدل.

__________________

(١) لم يتسن : هذه قراءة حمزة والكسائي في الوصل فهما يحذفان الهاء وبقية السبعة يقرؤون (لَمْ يَتَسَنَّهْ) بإثبات الهاء في الوصل. انظر القراءات السبع (ص ١٨٩).

(٢) (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً :) الشاهد فيه (تملى) حيث أبدلت الياء من اللام تخفيفا والأصل (تملل). إعرابه : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضم المقدر.

(٣) (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ :) الشاهد فيه (ليملل) حيث جاء الفعل بإثبات اللام دون إبدال. إعرابه : فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون.

٣٨٤

إبدال الياء من الضاد

أخبرنا أبو علي ، قال : «قال الأصمعي وأبو عبيدة في قول العجاج (١) :

تقضّي البازي إذا البازي كسر (٢)

هو «تفعّل» من الانقضاض ، وأصله «تقضّض» فأبدلت الضاد الآخرة ياء لما ذكرت لك» (٣)

وقالوا : «تفضّيت من الفضّة» وهو مثله. ويجوز أن يكون «تقضّي البازي» : «تفعّلا» من «قضيت» أي : عملت ، كقول أبي ذؤيب (٤) :

وعليهما مسرودتان قضاهما

داود أو صنع السوابغ تبّع (٥)

أي : عملهما. فيكون «تقضّي البازي» أي : عمل البازي في طيرانه ، والوجه هو الأول.

* * *

__________________

(١) انظر / ديوانه (ص ٢٨).

(٢) تقضى : انقض على الفريسة. اللسان (١٥ / ١٨٩) مادة / قضى. كسر البازي : ضم جناحيه حتى يريد الوقوع ، أو ينقض. اللسان (٥ / ١٤١) مادة / كسر. البازي : واحد البزاة التي تصيد ، ضرب من الصقور. اللسان (١٤ / ٧٢) مادة / بزا. والشاهد فيه : تقضى حيث أبدل الضاء ياء.

(٣) الحكاية في إبدال ابن السكيت (ص ١٣٣ ـ ١٣٤) ، ومجاز القرآن (٢ / ٣٠٠).

(٤) ذكره صاحب اللسان مادة (صنع) (٨ / ٢٠٩).

(٥) قضاهما : قضى الشيء قضاء : صنعه وقدره. اللسان (١٥ / ١٨٦) مادة / قضى. السوابغ : سبغ الشيء : طال وتم واتسع فهو سابغ. اللسان (٨ / ٤٣٢ ـ ٤٣٣) مادة / سبغ. يعني : عليهما مسرودتين صنعتا بإتقان وكاملة مثلما كان يصنع داود عليه السّلام الدروع بإتقان. والشاهد فيه كلمة (قضاهما) حيث جاءت بمعنى عملهما.

٣٨٥

إبدال الياء من الميم

أخبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب (١) عن ابن الأعرابي أنه أنشد :

نزور امرءا أمّا الإله فيتّقي

وأما بفعل الصالحين فيأتمي (٢)

قال ابن الأعرابي : أراد : يأتمّ ، فأبدل الميم الثانية ياء.

وقالوا في قول الراجز (٣) :

بل لو رأيت الناس إذ تكمّوا

بغمّة لو لم تفرّج غمّوا (٤)

قالوا : أراد : تكمّموا من كممت الشيء إذا سترته ، فأبدل الميم الأخيرة ياء مثل «تظنّيت» فصار في التقدير «تكمّيوا» ، فأسكنت الياء وحذفت ، كما تقول : قد تولّوا ، وتعلّوا من : وليت ، وعلوت. وقد يحتمل هذا عندي وجها غير القلب ، وهو أن يكون «تكمّوا» : «تفعّلوا» من كميت الشيء إذا سترته ، ومن قولهم «كميّ» لأنه هو الذي قد تستر في سلاحه ، فيكون «تكمّوا» على هذا مما لامه معتلة ، ولا يكون أصله من ذوات التضعيف.

وقال ابن الأعرابي في قول ذي الرمة (٥) :

منطّقة بالآي معميّة به

دياجيرها الوسطى وتبدو صدورها (٦)

__________________

(١) كتاب الإبدال (ص ١٣٥).

(٢) البيت لكثير عزة يمدح فيه عبد العزيز بن مروان. والبيت فيه دعوة إلى طاعة الإله وإلا فقضاء بفعل الصالحين. والشاهد فيه : (يأتمي) حيث أبدل الميم الثانية ياء فأصلها (يأتمّ).

(٣) هو العجاج ، والبيتان مطلع أرجوزة يذكر فيها قتل مسعود بن عمر العتكي من الأزد. انظر / ديوانه (ص ٤٢٢) ، واللسان (١٢ / ٤٤١) مادة / غمم.

(٤) تكموا : ستروا. الغمة : الكرب. اللسان (١٢ / ٤٤١) مادة / غمم. والمعنى أن الناس إذا ما ستروا ما يغمهم ولم تفرج عنهم وتزال سيظلوا هكذا. والشاهد فيه (تكموا) أراد : تكمموا من كممت أو من كميت فأبدلت الميم ياء. (٥) ليس في قصيدته التي على هذا الروي ومن هذا البحر ولم أقف عليه.

(٦) الديجور : الظلمة (ج) دياجير. اللسان (٤ / ٢٧٨) مادة / دجر. المعنى : أن هناك مناطق مليئة بعلامات الظلمة في أوساطها ، وبدايتها مضيئة. والشاهد فيه (معمية) حيث أبدلت المبم ياء فأصلها معممة.

٣٨٦

قال : أراد معمّمة ، فأبدل من الميم ياء. ويجوز عندي أيضا أن يكون من العمى ، قال سيبويه : من قال في جمع «ديماس» : «دماميس» فالياء فيه بدل من ميم «دمّاس» (١).

إبدال الياء من الدال

أخبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب ، قال (٢) : «قال أبو عبيدة : التصدية : التصفيق والصوت ، و «فعلت» منه «صددت أصدّ» ، ومنه قوله تعالى : (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) (الزخرف : ٥٧) أي : يعجّون ويضجّون ، فحول إحدى الدالين ياء». وأنكر أبو جعفر الرّستمي هذا القول على أبي عبيدة ، وقال : إنما هو من الصّدى ، وهو الصوت ، فكيف يكون مضعفا.

وقال أبو علي : ليس ينبغي أن يقال : هذا خطأ ؛ لأنه قد ثبت بقوله عز وجل : (يَصِدُّونَ) وقوع هذه الكلمة على الصوت أو ضرب منه ، وإذا كان ذلك كذلك لم يمتنع أن تكون (تَصْدِيَةً) منه ، فتكون «تفعلة» من ذلك ، وأصلها «تصددة» مثل «التّحلّة» (٣) و «التّعلّة» (٤) ، ألا ترى أن أصلهما «تحللة» و «تعللة» ، فلما قلبت الدال الثانية من «تصددة» تخفيفا اختلف الحرفان ، فبطل الإدغام.

إبدال الياء من العين

أنشد سيبويه (٥) :

ومنهل ليس له حوازق

ولضفادي جمّه نقانق (٦)

__________________

(١) الكتاب (٢ / ١٢٧).

(٢) كتاب الإبدال (ص ١٣٥) ، وانظر قول أبي عبيدة هذا مجاز القرآن (١ / ٢٤٦).

(٣) التحلة : مصدر حلل اليمين ، وهو أيضا : ما كفّر به. اللسان (١١ / ١٦٧) مادة / حلل.

(٤) التعلة : ما يتعلّل به. اللسان (١١ / ٤٦٩) مادة / علل.

(٥) لم نعثر عليه في اللسان ، وذكر في الكتاب (١ / ٣٤٤) ولم ينسبه.

(٦) المنهل : مكان الماء. حوازق : الجماعات. اللسان (١٠ / ٤٧) مادة / حزق. الجم : الكثير من كل شيء. النقانق : أصوات الضفادع (م) نقنقة. يعني مكان الماء ليس له تجمعات ، وبه ضفادع لهن أصوات. الشاهد فيه: (لضفادي) يريد : ضفادع حيث قلبت العين ياء.

٣٨٧

يريد : ولضفادع جمّه ، فكره أن يسكن العين في موضع الحركة ، فأبدل منها حرفا يكون ساكنا في حال الجر ، وهو الياء.

وأخبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب ، قال (١) : «قال ابن الأعرابي : تلعّيت من اللّعاعة» ، واللّعاعة : بقلة. وأصل «تلعّيت» : «تلّعّعت» فأبدلوا من العين الآخرة ياء كما قالوا «تفضّيت» و «تظنّيت».

إبدال الياء من الكاف

حكى أبو زيد «مكّوك ومكاكيّ» (٢) فالياء الثانية بدل من كاف ، وأصلها «مكاكيك» كما تقول : شبّوط (٣) وشبابيط ، وسمّور (٤) وسمامير.

إبدال الياء من التاء

أنشدهم بعضهم (٥) :

قام بها ينشد كلّ منشد

فايتصلت بمثل ضوء الفرقد (٦)

أراد : فاتّصلت ، فأبدل من التاء الأولى ياء كراهية للتشديد.

__________________

(١) الإبدال (ص ١٣٥) ، وفي إصلاح المنطق (ص ٣٠٢).

(٢) مكوك ومكاكي : المكوك : طاس يشرب به ، أعلاه ضيق ووسطه واسع ، وهو مكيال معروف لأهل العراق ، والجمع مكاكيل ومكاكي على البدل كراهية التضعيف ، وهو صاع ونصف. اللسان (١٠ / ٤٩١) مادة / مكك.

(٣) شبوط : ضرب من السمك دقيق الذنب عريض الوسط صغير الرأس لين الملمس كأنه البربط ، وهو أعجمي. اللسان (٧ / ٣٢٧) مادة / شبط.

(٤) سمور : دابة تسوى من جلودها فراء غالية الأثمان. اللسان (٤ / ٣٨٠) مادة / سمر.

(٥) البيت في شرح المفصل (١٠ / ٢٦) وذكره صاحب اللسان في مادة (وصل) دون أن ينسبه.

(٦) الفرقد : أي الفرقدان فإن العرب ربما تقول لهما الفرقد وهما نجمان في السماء لا يغربان ولكنهما يطوفان بالجدي ، وقيل : هما كوكبان قريبان من القطب. اللسان (٣ / ٣٣٤) مادة / فرد. أنشد الشاعر أشعاره المتصلة حتى وصلت إلى عنان السماء. والشاهد فيه : (ما يتصلت) حيث أبدلت الثاء الأولى ياء.

٣٨٨

إبدال الياء من الثاء

قال (١) :

يفديك يا زرع أبي وخالي

قد مرّ يومان وهذا الثالي

وأنت بالهجران لا تبالي (٢)

أراد : الثالث.

إبدال الياء من الجيم

قالوا : «ديجوج ودياج» وأصله «دياجيج» ، فأبدلت الجيم الآخرة ياء ، وحذفت الياء قبلها تخفيفا. وأما قولهم في «شجرة» : «شيرة» فينبغي أن تكون الياء فيها أصلا ، ولا تكون بدلا من الجيم ، أنشد الأصمعي (٣) :

تحسبه بين الأنام شيرة (٤)

قال أبو الفضل الرياشي : سمعت أبا زيد يقول : كنا عند المفضل وعنده أعراب ، فقلت : قل لهم يقولن «شيرة» ، فقالوها ، فقلت له : قل لهم يصغرونها ، فصغّروها «شييرة». وإنما كانت الياء عندنا في «شيرة» أصلا غير بدل من الجيم لأمرين :

__________________

(١) ذكره صاحب اللسان مادة (ثلث) (٢ / ١٢١) ، ولم ينسبه.

(٢) زرع : اسم. اللسان (٨ / ١٤١). الهجران : البعد والفراق. الشاعر يتمنى أن يفدي محبوبته بأقرب الناس إليه أبيه وخاله ، ولا تهجره ، وقد مر يومان وهذا الثالث ولم يرها. والشاهد فيه : (الثالي) حيث أبدلت الثاء ياء. اللسان (٢ / ١٢١) مادة / ثلث. إعرابه : بدل مرفوع وعلامة رفعه الضم المقدر.

(٣) الأصمعي : ذكر البيت صاحب اللسان دون نسب مادة (شجر) (٤ / ٣٩٤).

(٤) الأنام : ما ظهر على الأرض من جميع الخلق. اللسان (١٢ / ٣٧). تحسبه : تظنه. والشاعر يشبه ممدوحه بين الناس بالشجرة. الشاهد فيه (شيرة) حيث أبدلت الجيم ياء ، يريد (شجرة). إعرابه : مفعول به ثان منصوب.

٣٨٩

أحدهما : ثبات الياء في تصغيرها في قولهم «شييرة» ، ولو كانت بدلا من الجيم لكانوا خلقاء إذا حقروا الاسم أن يردوها إلى الجيم ليدلوا على الأصل.

والآخر : أن شين «شجرة» مفتوحة ، وشين «شيرة» مكسورة ، والبدل لا تغيّر فيه الحركات ، إنما يوقع حرف موقع حرف ، وعلى ذلك عامة البدل في كلامهم ؛ ألا ترى أن من يقول «إيّل» فيأتي به على الأصل ، إذا أبدل الياء جيما قال «إجّل» فلم يعرض لشيء من الاسم سواها ، ولم يزل شيئا عما كان عليه من أحوال حركته.

هذا هو الظاهر من حال «شيرة».

فإن قلت : فهل تجد لجعل الياء في «شيرة» بدلا من الجيم وجها؟

فإنّ الطريق إلى ذلك ـ وإن كان فيها بعض الصنعة ـ أن تقول : إنه أراد «شجرة» ثم أبدل الجيم ياء ، كما أبدلت الياء جيما في نحو : «الإجّل» و «علجّ» (١) و «فقيمجّ» و «مرّج» ، فكان حكمه أن يدع الشين مفتوحة ، فيقول «شيرة» إلا أن العرب إذا قلبت أو أبدلت فقد تغير في بعض الأحوال حركات تلك الكلمة ، ألا ترى أن «الجاه» مقلوب من «الوجه» ، فكان سبيله إذا قدّمت الجيم وأخّرت الواو أن يقال «جوه» فتسكن الواو كما كانت الجيم في «وجه» ساكنة ، إلا أنها حرّكت لأن الكلمة لما لحقها القلب ضعفت ، فغيّروها بتحريك ما كان ساكنا إذ صارت بالقلب قابلة للتغيير ، فصار التقدير «جوه» فلما تحركت الواو وقبلها فتحة قلبت ألفا ، فقيل «جاه» فكما غيرت حال «الجاه» لما لحق الكلمة من القلب ، كذلك غيرت فتحة شين «شجرة» إلى الكسر لما لحق الجيم من القلب ، وزاد في الأنس بذلك أنه لو أقرت الفتحة في الشين ، فقيل «شيرة» لانفتحت الشين قبل الياء ، والياء متحركة ، فتصير إلى قلب الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فكان يلزم أن يقال «شارة» كما يقال «باعة» جمع «بائع» وأصلها «بيعة» ، فهربوا لذلك مع ما قدمناه إلى أن كسروا الشين لتقرّ الياء ولا تنقلب.

فإن قلت : فهلا تركوا فتحة الشين بحالها ، فقلبوا الياء ألفا ، فقالوا «شارة» كما قالوا «جاه»؟

__________________

(١) علج : العلج كل جاف شديد من الرجال (ج) علوج وأعلاج. اللسان (٢ / ٣٢٦).

٣٩٠

قيل : «جاه» وإن كانت واوه قد قلبت ، فإنه بعد ذلك أشبه في اللفظ بـ «وجه» ؛ ألا ترى أن ثاني «وجه» ساكن وثاني «جاه» أيضا ساكن ، فعلى كل حال قد سكن الثاني من كل واحد منهما ، فأما «شجرة» فلو قيل فيها «شارة» لكان الثاني من «شارة» ساكنا ، وقد علمنا أن ثاني «شجرة» متحرك ، فلما تباينا من هذا الوجه عدلوا إلى أن غيّروا حركة شين «شجرة» إلى الكسر فقالوا «شيرة» ليبقى ثاني «شيرة» متحركا كما كان ثاني «شجرة» متحركا ، وكان هذا أوفق وأليق وأشبه بالحال من قلب الياء ألفا.

زيادة الياء

قد زيدت الياء أولا ، وثانية ، وثالثة ، ورابعة ، وخامسة ، وسادسة.

زيادة الياء أولا : وذلك نحو : «يرمع» (١) و «يعملة» (٢) و «يسروع» (٣) و «يعضيد» (٤) وفي الفعل نحو «يقوم» و «يقعد» و «ينطلق».

زيادة الياء ثانية : وذلك نحو : «خيفق» (٥) و «صيرف (٦)» و «غيداق» (٧) و «خيتام» (٨) و «قيصوم» (٩) و «عيثوم» (١٠) و «عيهوم» (١١) و «خيسفوج» (١٢) و «عيضموز» (١٣) و «حيزبون» (١٤) و «قيتال» و «ضيراب» و «حيفس» (١٥) و «صيهم» (١٦). وفي الفعل نحو «بيطر» (١٧) و «بيقر» (١٨).

__________________

(١) يرمع : الحصى البيض تتلألأ في الشمس.

(٢) يعمله : ناقة يعمله : نجيبة.

(٣) يسروع : دود حمر الرؤوس بيض الأجسام تكون في الرمل. اللسان (٨ / ١٥٣).

(٤) يعضيد : بقلة من بقول الربيع فيها مرارة. اللسان (٣ / ٢٩٥).

(٥) خيفق : يقال فلاة خيفق : أي واسعة يخفق عليها السراب.

(٦) صيرف : صراف الدراهم. (٧) غيداق : الكريم الجواد.

(٨) خيتام : ما يختم به. (٩) قيصوم : نبات. اللسان (١٢ / ٤٨٦).

(١٠) عيثوم : الضبع ، والفيل. (١١) عيهوم : الأديم الأملس. اللسان (١٢ / ٤٣٠).

(١٢) خيسفوج : حب القطن. (١٣) عيضموز : العجوز الكبيرة.

(١٤) حيزبون : العجوز من النساء. (١٥) حيفس : القصير السمين.

(١٦) صيهم : الشديد ، والجمل الضخم. (١٧) بيطر : بيطر الدابة : عالجها.

(١٨) بيقر : هلك.

٣٩١

زيادة الياء ثالثة : وذلك نحو : «عثير» (١) و «حذيم» (٢) و «طريم» (٣) و «سرياح» (٤) و «جريال» (٥) و «كديون» (٦) و «هليون» (٧) و «سعيد» و «قضيب». وللتحقير نحو «كليب» و «دريهم» و «دنينيز». و «عليب» ولا نظير له ، و «هبيّخ» (٨).

زيادة الياء رابعة : وذلك نحو : «دهليز» (٩) و «منديل» و «قنديل» و «شمليل» (١٠) و «زحليل» (١١).

وفي الفعل نحو «سلقيت» (١٢) و «جعبيت» (١٣).

زيادة الياء خامسة : وذلك نحو : «عنتريس» (١٤) و «خربصيص» (١٥) و «جعفليق» (١٦) و «شفشليق» (١٧). و «قرقرير» (١٨).

وفي الفعل نحو : «احرنبيت» (١٩) و «اسلنقيت» (٢٠) و «احبنطيت» (٢١) و «اسرنديت» (٢٢) و «اغرنديت» و «ابرنتيت» (٢٣).

__________________

(١) عثير : الأثر الخفي. (٢) حذيم : الحاذق بالشيء.

(٣) طريم : الطويل من الناس. (٤) سرياح : فرس سرياح : طويل.

(٥) جريال : الخمر الشديدة الحمرة. اللسان (١١ / ١٠٨) مادة / جرل.

(٦) كديون : دقاق التراب عليه دردى الزيت تجلى به الدروع. اللسان (١٣ / ٣٥٧).

(٧) هليون : نبت.

(٨) الهبيخ : الأحمق المسترخي.

(٩) دهليز : المدخل بين الباب والدار (ج) دهاليز.

(١٠) شمليل : ناقة شمليل : خفيفة سريعة.

(١١) زحليل : السريع.

(١٢) سلقيت : سلقاه : ألقاه على ظهره.

(١٣) جعبيت : جعباه : صرعه.

(١٤) عنتريس : الناقة الوثيقة الخلق الغليظة القوية.

(١٥) خربصيص : القرط.

(١٦) جعفليق : العظيمة من النساء.

(١٧) شفشليق : العجوز المسترخية اللحم.

(١٨) قرقرير : الضحك العالي.

(١٩) احرنبيت : احرنبي الرجل : تهيأ للغضب والشر. اللسان (١ / ٣٠٧).

(٢٠) اسلنقيت : نام على ظهره. اللسان (١٠ / ١٦٣) مادة / سلق.

(٢١) احبنطيت : احبنطى الرجل : انتفخ بطنه. اللسان (٧ / ٢٧١) مادة / حبط.

(٢٢) اسرنديت : اسرنداه : اعتلاه وغلبه.

(٢٣) ابرنتيت : ابرنتى للأمر : تهيأ.

٣٩٢

زيادة الياء سادسة : قال بعضهم فيما حكاه الأصمعي في تحقير «عنكبوت» وتكسيره : «عنيكبيت» و «عناكبيت».

وقرأ بعضهم : وعباقري حسان (الرحمن : ٧٦) (١) وهذا شاذ لا يقاس عليه.

واعلم أن الياء قد تزاد في التثنية والجمع الذي على حد التثنية ، نحو : الزيدين ، والعمرين ، والزيدين ، والعمرين ، وقد تقصينا حالها في هذا في حرف الألف.

وتزاد أيضا علما للتأنيث والضمير في الفعل المضارع نحو : أنت تقومين ، وتقعدين ، وتنطلقين ، وتعتذرين.

وتزاد أيضا إشباعا للكسرة ، وذلك نحو بيت الكتاب :

تنفي يداها الحصى في كل هاجرة

نفي الدّراهيم تنقاد الصّياريف (٢)

يريد : الصيّارف ، فأشبع كسرة الراء ، فتولدت بعدها ياء. فأما «الدراهيم» فإن كان جمع «درهم» فهو كالصّياريف ، وإن كان جمع «درهام» فلا ضرورة فيه.

ومن ذلك قول العرب في جمع دانق (٣). وخاتم ، وطابق (٤) : دوانيق ، وخواتيم ، وطوابيق ، وإنما الوجه : دوانق ، وخواتم ، وطوابق.

قال (٥) :

 ...

وتترك أموال عليها الخواتم (٦)

__________________

(١) وعباقري حسان وهي قراءة شاذة لا يقاس عليها.

(٢) البيت ذكره صاحب اللسان مادة (صرف) (٩ / ١٩٠) ، ونسبه للفرزدق. والشاعر يصور محبوبته بأنها تنقي بيدها الحصى مثلما ينقد الصيارفة الدراهم الجيدة من الزيوف. والشاهد فيه (الصياريف) حيث زيدت الياء إشباعا للكسرة.

(٣) دانق : الدانق : سدس الدينار والدرهم. اللسان (١٠ / ١٠٥) مادة / دنق.

(٤) طابق : ظرف يطبخ فيه ، فارسي معرب ، وهو العضو من أعضاء الإنسان كاليد والرجل.

(٥) أي الأعشى ، وقد تقدم تخريجه.

(٦) الشاهد فيه (خواتم) حيث يجوز جمعها على (خواتيم).

٣٩٣

وقال زبّان بن سيار (١) :

متى تقرؤوها تهدكم من ضلالكم

وتعرف إذا ما فضّ عنها الخواتم (٢)

وقد أولعت العامة بقولهم في جمع «زورق» : «زواريق» ، ولا وجه للياء هناك إلا أن يسمع ذلك من العرب ، فأما من طريق القياس فإنها «زوارق» مثل : «جوهر» و «جواهر» و «جورب» و «جوارب».

وقال أبو النجم (٣) :

منها المطافيل وغير المطفل (٤)

يريد : المطافل.

فأما قول يزيد الغواني الضبّعيّ (٥) :

وما زال تاج الملك فينا وتاجهم

قلاسيّ فوق الهام من سعف النّخل (٦)

فإنما زاد الياء الأولى لأنها عوض من نون «قلنسوة» وليست بإشباع للكسرة كالتي قبلها.

__________________

(١) البيت في المفضليات. مفضلية (١٠٣).

(٢) فضّ : فضّ الخاتم والختم إذا كسره وفتحه. اللسان (٧ / ٢٠٧). الخواتم : النهايات. والشاهد فيه (خواتم) حيث استخدم الجمع على القياس ولم تستخدم (خواتيم) وهذا أوجه.

(٣) ديوانه (ص ١٧٧) ، والطرائف الأدبية (ص ٥٧). (٤) المطافل : ذوات الأطفال. اللسان (١١ / ٤٠٢) مادة / طفل. والشاهد فيه : (المطافيل) حيث سمع عن العرب هذا الجمع ، وهو على غير القياس ، فالقياس (مطافل).

(٥) لم أقف عليه.

(٦) سعف النخل : ورق جريد النخل. قلاس : جمع قلنسوة ، وهي من ملابس الرؤوس. الهام : جمع هامة وهي الرأس. اللسان (١٢ / ٦٢٤) مادة / هوم. يمدح الشاعر قومه بأن الملك ما زال في. قبيلته لأن تاج الملك ما زال فيهم بينما الآخرين يرتدون قلانس من أغصان النخل. والشاهد فيه (قلاسّ) حيث زيدت الياء الأولى عوضا عن النون في (قلنسوة).

٣٩٤

وربما عكست العرب هذا ، فحذفت الياء في غير موضع الحذف ، واكتفت بالكسرة منها ، قال (١) :

والبكرات الفسّج العطامسا (٢)

يريد : العطاميس ، وهذا من أبيات الكتاب ، ومثله (٣) :

وغير سفع مثّل يحامم (٤)

يريد : يحاميم جمع يحموم ، وهو الأسود. ومن أبياته أيضا (٥) :

وكحل العينين بالعواور (٦)

يريد : العواوير ، وهو جمع عوّار ، وهو الرمد. وقال أبو طالب (٧) :

ترى الودع فيها والرخام وزينة

بأعناقها معقودة كالعثاكل (٨)

يريد : العثاكيل.

__________________

(١) ذكره صاحب اللسان بدون نسب مادة (فسج) (٢ / ٣٤٥) ، ونسبه صاحب الكتاب إلى غيلان بن حريث (٢ / ١١٩) وهو بغير نسب في المحتسب (١ / ٣٠٠).

(٢) الفسج : جمع فاسج وفاسجة ، وهي التي ضربها الفحل قبل أن تستحق. العطامس : جمع عيطموس ، وهي الجميلة والطويلة ، والناقة القوية الحسنة. والشاهد فيه (العطامس) حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة فأصله (العطاميس).

(٣) سبق تخريجه.

(٤) يحامم : يحاميم جمع يحموم ، وهو دخان أسود شديد السواد. اللسان (١٢ / ١٥٨). والشاهد فيه (يحامم) حيث حذفت الياء في غير موضع الحذف فأصله (يحاميم).

(٥) ذكره صاحب اللسان بدون نسبة مادة (عور) (٤ / ٦١٥) وكذلك صاحب الكتاب (٢ / ٣٧٤) ، ونسبه سيبويه لجندل بن المثنى الطهوي. شرح أبيات سيبويه (٢ / ٤٢٩).

(٦) العواوير : جمع عوار وهو الرمد يصيب العين. والشاهد فيه العواور حيث حذفت الياء في غير موضع الحذف واكتفى بالكسرة وأصله : عواوير.

(٧) هو عم النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ووالد علي ـ رضي الله عنه ـ. والبيت في السيرة النبوية لابن هشام (١٠ / ٢٩٢).

(٨) العثاكل : الأغصان. الودع : خرز ينتظم ويتحلى بها النساء. والبيت يصف عقود النساء وهن يتزين بها مثل الأغصان التي ينبت عليها الثمر. والشاهد فيه (العثاكل) حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة فالمراد (العثاكيل).

٣٩٥

وقال عبيد الله بن الحرّ (١) :

وبدّلت بعد الزّعفران وطيبه

صدا الدرع من مستحكمات المسامر (٢)

يريد : المسامير.

وحذفوها أيضا وهي أصل لا زائدة ، قال (٣) :

كفّاك كفّ ما تليق درهما

جودا ، وأخرى تعط بالسيف الدّما (٤)

يريد : تعطي.

ومن أبيات الكتاب (٥) :

وطرت بمنصلي في يعملات

دوامي الأيد يخبطن السّريحا (٦)

يريد : الأيدي. ومنها (٧) :

وأخو الغوان متى يشأ يصرمنه

ويعدن أعداء بعيد وداد (٨)

يريد : الغواني.

__________________

(١) البيت منسوب إليه في المحتسب (١ / ٩٥ ، ٣٠٠).

(٢) البيت يدل على تحول الشاعر من حال إلى حال ، ونلمح ذلك من استخدام الفعل بدّل الذي يدل التغير والتحول ، وجاء به مبنيا للمجهول للدلالة على عدم إرادته في هذا. والشاهد فيه (المسامر) حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة وأصله (مسامير).

(٣) ذكره في اللسان بدون نسب مادة (ليق) (١٠ / ٣٣٤) وذكره الفراء في معاني القرآن (٢ / ٢٧).

(٤) البيت في معرض المدح حيث يمدح الشاعر ممدوحه بأنه يكفيه فخرا أن تكون إحدى يديه تنفق وتعطي الخير والأخرى تحارب بالسيف حتى يقطر دما. والشاهد فيه (تعط) حيث حذفت الياء في غير موضع الحذف واكتفى بالكسرة فأصله (تعطي)

(٥) نسبه صاحب اللسان إلى مضرس بن ربعي. مادة (يدي) وبغير نسب في الكتاب (٢ / ٢٩١).

(٦) اليعملات : جمع يعملة وهي الناقة النجيبة. السريح : سيور نعال الإبل. والشاهد فيه (الأيد) حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة فأصلها (الأيدي).

(٧) تقدم تخريجه.

(٨) البيت للأعشى في ديوانه (ص ١٧٩) ، والكتاب (١ / ١٠). يصر منه : صرم الشيء قطعه ، وصرم فلانا هجره. اللسان (١٢ / ٣٣٤) مادة / صرم. والشاهد فيه (الغوان) حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة فأصلها (الغواني).

٣٩٦

ومنها (١) :

كنواح ريش حمامة نجديّة

ومسحت باللّيتين عصف الإثمد (٢)

يريد : كنواحي ، فحذف الياء ، وذلك أنه شبه المضاف إليه بالتنوين ، فحذف الياء لأجله كما يحذفها لأجل التنوين ، كما شبه الأول لام المعرفة في «الغوان» و «الأيد» بالتنوين من حيث كانت هذه الأشياء من خواص الأسماء ومعتقبة عليها ، فحذف الياء لأجل اللام كما يحذفها لأجل التنوين هكذا أخذت من لفظ أبي علي وقت القراءة عليه.

وقال الآخر (٣) :

قلت لها : يا هذ في هذا إثم (٤)

يريد : هذي ، فحذف الياء تخفيفا.

وتحذف أيضا الياء الزائدة بعد هاء إضمار الواحد نحو : مررت به يا فتى ، قرأ بعضهم : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) (القصص : ٨١) (٥). وبعد ميم الضمير نحو : عليهم ، وإليهم ، وبهم ، وأصله : عليهمو ، وإليهمو ، وبهمو ، فالهاء للإضمار ، والميم علامة تجاوز الواحد ، والواو لإخلاص الجمع ، ثم إنهم يبدلون ضمة الهاء كسرة لخفاء الهاء ووقوع الكسرة والياء الساكنة قبلها ، فيقولون : عليهمو ، وبهمو ، وإليهمو ، ثم إنهم قد يستثقلون الخروج من كسر الهاء إلى ضم الميم ، فيبدلون من ضمة الميم كسرة ، فيصير في التقدير ـ ولا يستعمل البتة كما استعمل جميع ما ذكرناه قبله ـ عليهمو ، وإليهمو ، وبهمو ، فتقلب الواو ياء لوقوع الكسرة قبلها ، فيصير : عليهمي ،

__________________

(١) نسبه صاحب الكتاب لخفاف بن ندية السلمي (١ / ٩) وهو بغير نسب في شرح المفصل (٣ / ١٤٠)

(٢) نجدية : من بلاد نجد. الإثمد : حجر يتخذ منه الكحل. اللسان (٣ / ١٠٥). عصف الإثمد : ما سحق منه. اللسان (٩ / ٢٤٧) مادة / عصف. والشاعر يصف امرأة جميلة ، ويشبه شفتيها بنواحي ريش الحمامة النجدية في الجمال والرقة. والشاهد فيه (نواح) حيث حذفت الياء فأصله (نواحي) وذلك لأنه شبه المضاف إليه بالتنوين.

(٣) ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه مادة (ذا) (١٥ / ٤٥١)

(٤) الشاهد فيه (يا هذا) حيث حذفت الياء تخفيفا يريد (يا هذي).

(٥) سبق تخريجها.

٣٩٧

وإليهمي ، وبهمي ، ثم تستثقل الياء هنا ، فتحذف تخفيفا هي والكسرة قبلها ، ولا يخاف لبس لأن التثنية بالألف لا بدّ منها ، فيقال : عليهم ، وإليهم ، وبهم ، وهي قراءة أبي عمرو ، إلا أن أبا الحسن قد حكى أن منهم من يقرّ الكسرة في الميم بحالها بعد حذف الياء ، فيقول : عليهم ، وإليهم ، وبهم ، كما أقرت آخرون الضمة في الميم بعد حذف الواو ، فقالوا : عليهم بكسر الهاء وضمها.

وتزاد الياء أيضا بعد كاف المؤنث إشباعا للكسرة في نحو : عليكي ، ومنكي ، وضربتكي ، وروينا عن قطرب لحسان (١) :

ولست بخير من أبيك وخالكي

ولست بخير من معاظلة الكلب (٢)

وتزاد أيضا لإطلاق حرف الروي إذا كانت القوافي مجرورة ، نحو قوله (٣) :

هيهات منزلنا بنعف سويقة

كانت مباركة من الأيّامي (٤)

وقول الآخر (٥) :

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي

بصبح ، وما الإصباح فيك بأمثلي (٦)

__________________

(١) انظر / ديوانه (ص ٤٠) ، وروايته في الديوان لا شاهد فيها حيث جاءت : وخاله.

(٢) معاظلة الكلاب : لزم بعضها بعضا في السفاد. اللسان (١١ / ٤٥٦) مادة / عظل. والشاعر يهجو أبا سفيان قبل إسلامه بقوله إن لم يفضله في شيء ، ونسبه وضيع سواء من جهة الأب أو من جهة الأم. والشاهد فيه (خالكي) حيث أضاف الياء إشباعا للكسرة.

(٣) ذكره صاحب اللسان مادة (سوق) (١٠ / ١٧١). وبدون نسب في الخصائص (٣ / ٤٣) ، ونسبه صاحب الكتاب إلى جرير (٢ / ٢٩٩).

(٤) نعف سويقة : المكان المرتفع في اعتراض. هيهات : اسم فعل معناه البعد. والشاعر يتذكر تلك الأيام الماضية التي كانت مباركة لأنها جمعته مع من يحب في نعف سويقة. والشاهد فيه (الأيامي) حيث زيدت الياء لإطلاق حرف الروي.

(٥) البيت لامرئ القيس. انظر ديوانه (ص ١٨).

(٦) والشاعر يتمنى أن يتقضى الليل ويطلع نور الصباح بعد أن طال عليه بسبب تفكيره في محبوبته. وهو يتخيل الليل إنسان يخاطبه ويناديه ويستخدم أداة التنبيه (ألا) ليجذب انتباهه. والشاهد فيه (بأمثلي) حيث زيدت الياء ، لإشباع حركة الروي.

٣٩٨

وقول النابعة (١) :

أفد الترحّل غير أنّ ركابنا

لّما تزل برحالنا ، وكأن قدي (٢)

يريد : وكأن قد زالت ، وهو كثير.

وتزاد أيضا بعد لام المعرفة عند التذكر ، وذلك قولهم : قام الي ، يريد : الغلام أو الإنسان ، أو نحو ذلك ، فينسى الاسم ، فيقف مستذكرا ، فلا يقطع على اللام لأنها ليست بغاية لكلامه ، وإنما غايته ما يتوقعه بعده ، فيطول وقوفه وتطاوله إلى ما بعد اللام ، فيكسرها تشبيها بالقافية المجرورة إذا وقع حرف رويّها حرفا ساكنا صحيحا ، نحو قوله : «وكأن قدي». وكذلك لو وقعت «أن» قافية لقيل «أني» ولو وقعت «عن» قافية لقيل «عني» ولو وقعت «من» قافية لأطلقت تارة إلى الفتح ، وتارة في قصيدة أخرى إلى الكسر ، وذلك لأن «من» قد تفتح في نحو قولك : «من الرجل» وقد تكسر وتفتح أيضا في نحو «من ابنك» و «من ابنك» فتقول في القافية المنصوبة «منا» ، وفي القافية المجرورة «مني» إلا أن الفتح أغلب عليها لأنه أكثر في الاستعمال.

وإنما جمعنا بين القافية وبين التذكر من قبل أن القافية موضع مدّ واستطالة ، كما أن التذكر موضع استشراف وتطاول إلى المتذكّر ، فاعرف ذلك.

وعلى هذا قالوا في التذكر «قدي» أي : قد قام أو قعد أو نحو ذلك. وكذلك كل ساكن وقفت عليه وتذكرت بعده كلاما فإنك تكسره ، وتشبع كسرته للاستطالة والتذكر ، نحو قولك : «من أنت» إذا وقفت على «من» مستذكرا لما بعدها قلت «مني».

__________________

(١) البيت للنابغة الذبياني أحد فحول شعراء الجاهلية ، وثالث شعراء الطبقة الأولى منهم. انظر / شرح ابن عقيل (١ / ١٩).

(٢) لقد قرب موعد الرحيل إلا أن ركابنا لم تغادر مكان أحبابنا بما عليها من الرحال ، وكأنها قد زالت لقرب موعد الفراق. الشاهد فيه (كأن) حيث خففت للتشبيه. إعرابه : كأن حرف تشبيه ونصب واسمها ضمير الشأن ، وخبرها جملة محذوفة تقديرها (وكأن قد زالت) فحذفت الجملة وبقي الحرف.

٣٩٩

وعلى هذا يتوجه عندي قول الحصين بن الحمام (١) :

ما كنت أحسب أنّ أمّي علّة

حتى رأيت إذي نحاز ونقتل

ومعناه : إذ نحاز ، إلا أنه لما كان يقول في التذكر «إذي» وهو متذكر إذ كان كذا وكذا أجرى الوصل مجرى الوقف ، فألحق الياء في الوصل ، فقال : «إذي». ولهذا نظائر.

وقال سيبويه (٢) : «وسمعنا من يوثق به في ذلك يقول : هذا سيفني ، يريد : هذا سيف ، ولكنه تذكر بعد كلاما ، ولم يرد أن يقطع اللفظ لأن التنوين حرف ساكن ينكسر ، فكسر كما كسر دال قد». هذا قول سيبويه كما تراه.

وقال الراجز (٣) :

تقول : يا ربّاه يا ربّ هل

هل أنت من هذا منجّ أحبلي

إما بتطليق وإما بـ «ارحلي» (٤)

فحرك لام «هل» لما أطلقها بالكسر.

فإن كان الساكن مما يكون وقتا مضموما أو مفتوحا ، ثم وقفت عليه مستذكرا ، ألحقت ما يكون مضموما واوا ، وما يكون مفتوحا ألفا ، فتقول : ما رأيته مذو ، أي : مذ يوم كذا ؛ لأن أصله ضم الذال في «منذ» ، وتقول : عجبت منا ، أي : من زيد أو غيره ؛ لأنك قد كنت تقول : من اليوم ، ومن الرجل ، ومن الغلام ، فتفتحه.

ومن كان من لغته «من الغلام» قال في التذكر «عجبت مني» ، فحكم التذكر في هذا الباب حكم القافية ؛ ألا ترى أنك تقول في التذكر «عجبت من الغلامي» فتلحق الياء بعد الميم كما تلحقها بعدها في القافية في نحو قوله (٥) :

__________________

(١) البيت منسوب إليه في اللسان مادة (أذذ).

(٢) الكتاب (٢ / ٣٠٤).

(٣) لم أقف عليه.

(٤) يدعو الشاعر ربه أن ينجيه مما هو فيه. واستخدم في ذلك أسلوب الاستفهام الذي يفيد الرجاء. والشاهد فيه (هل) حيث حرك اللام بالكسر.

(٥) سبق تخريجه.

٤٠٠