سرّ صناعة الإعراب - ج ٢

أبي الفتح عثمان بن جنّي

سرّ صناعة الإعراب - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 978-2-7451-2702-0
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

بمنزلة ألف «ذكرى» و «ذفرى» (١) وإذا كان ذلك كذلك لم ينصرف معرفة ولا نكرة. وإن ذهبت إلى أن ألفه للإلحاق بهجرع (٢) ، وأجريتها مجرى ألف «معزى» لم تصرفه معرفة ، وصرفته نكرة ، وجرى حينئذ مجرى «أرطى» (٣) و «حبنطى» (٤) و «دلنظى» (٥) و «سرندى» (٦).

وأما إذا جعلت «إيّا» من لفظ «الآية» فإنه يحتمل أن يكون على واحد من خمسة أمثلة ، وهي : «إفعل» و «فعّل» و «فعيل» و «فعول» و «فعلى» وذلك أن عين «الآية» من الياء لقول الشاعر (٧) :

لم يبق هذا الدهر من آيائه

غير أثافيه وأرمدائه (٨)

فظهور الياء عينا في «آيائه» يدل على ما ذكرناه من كون العين ياء ، وذلك أن وزن «آياء» : «أفعال» ولو كانت العين واوا لقال «من آوائه» إذ لا مانع من ظهور الواو في هذا الموضع ، فإذا ثبت بهذا وبغيره مما يطول ذكره كون العين من «آية» ياء ، ثم جعلت «إيّا» : «إفعلا» فأصله «إئيي» فقلبت الهمزة الثانية التي هي فاء ياء لاجتماع الهمزتين وانكسار الأولى منهما ، ثم ادّغمتها في الياء التي هي عين بعدها ، فصارت «إيّي» ثم قلبت الياء التي هي لام في «آية» و «آي» ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فصارت «إيّا».

ولم يسغ الاعتراض الذي وقع قديما في إدغام الياء المبدلة من الهمزة التي هي فاء في «إفعل» من «أويت» قبلها إذ صار لفظها إلى «إيوا» والانتصار لذاك هناك ،

__________________

(١) ذفري : العظم الشاخص خلف الأذن. لسان العرب (٤ / ٣٠٧) مادة / ذفر.

(٢) هجرع : الأحمق من الرجال. اللسان (٨ / ٣٦٨).

(٣) أرطى : شجر ينبت بالرمل.

(٤) حبنطى : الممتلئ غضبا أو بطنه.

(٥) دلنظى : السمين في كل شيء.

(٦) سرندي : الجريء ، وقيل : الشديد. اللسان (٣ / ٢١٢).

(٧) هو أبو النجم العجلي ، والبيتان في ديوانه (ص ٥٤ ـ ٥٥) وذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه مادة (ثرا) (١٤ / ١١١).

(٨) الآياء : جمع آية ، وهو جمع الجمع وهو نادر ، وهي العلامة. الدهر : الزمن. أثافيه : أحجار توضع تحت القدر عند الطهي. اللسان (٩ / ٣) مادة / أثف. أرمدائه : واحد الرماد. يعني أن الدهر لم يترك من علامته إلا الرماد. الشاهد فيه (آيائه) حيث إن ثبت أن عين الكلمة (ياء).

٣٠١

وأما إذا جعلتها من الآية فالعين في الأصل ياء ، ثم وقعت قبلها الياء المبدلة من الهمزة التي هي فاء ، فلما اجتمع المثلان ، وسكن الأول منهما أدغم في الثاني بلا نظر ، فقلت «إيّا» وجرى ذلك مجرى قوله عز اسمه : أثاثا وريا (مريم : ٧٤) (١) في من لم يهمز ، جعله «فعلا» من «رأيت» وأصله على هذا «رئيا».

وحدثنا أبو علي أن القراءة فيه على ثلاثة أوجه رئيا وريا وزيا بالزاي.

وإذا جعلته «فعّلا» مثل «إلّق» (٢) و «قنّب» فالياء المشددة هي العين المشددة ، والألف آخرا هي لام «فعّل» وهي منقلبة من الياء التي هي لام «آية» وأصله «إيّى» فقلت الياء الأخيرة ألفا كما ذكرت لك.

وإذا جعلته «فعيلا» مثل «غرين» (٣) و «حذيم» (٤) فالياء الثانية في «إيّا» هي ياء «فعيل» والياء هي عين «فعيل».

وإذا جعلته «فعولا» فأصله «إيوي» وهو بوزن «خروع» (٥) و «جدول» فيمن كسر الجيم ، فلما اجتمعت الياء الواو ، وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء التي هي عين «فعول» في الياء التي أبدلت من واوه ، وقلبت الياء التي هي لام ألفا لما ذكرنا ، فصارت «إيّا».

__________________

(١) (أثاثا وريا) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي (ورئيا) مهموزة بين الراء والياء ، وقرأ ابن عامر ونافع (وريا) بغير همز ، وروي عن نافع الهمز. السبعة (ص ٤١١ ـ ٤١٢). وقرأ طلحة (وريا) خفيفة بلا همز وقرأ سعيد بن جبير ويزيد البربري والمكي (وزيا) بالزاي. المحتسب (١ / ٤٣ ـ ٤٤). والزي : الهيئة والمنظر.

(٢) إلق : الإلق : المتألق. لسان العرب (١٠ / ٨) مادة / ألق.

(٣) غرين : الطين يحمله السيل. لسان العرب (١١ / ٤٩١).

(٤) حذيم : الحذيم : القاطع. اللسان (١٢ / ١١٨) مادة / حذم.

(٥) خروع : شجرة تحمل حبّا كأنه بيض العصافير ، يسمى السمسم الهندي. وهو نبت يقوم على ساق ، ورقه كورق التين ، وبذوره ملس كبيرة الحجم ذات قشرة رقيقة صلبة وهي غنية بالزيت.

٣٠٢

وإذا جعلته «فعلى» فالياء الأولى في «إيّا» هي العين ، والثانية هي اللام ، والألف ألف «فعلى». فيجوز أن تكون للتأنيث ، ويجوز أن تكون للإلحاق على ما تقدم. والوجه في هذه الألفات أن تكون للتأنيث لأنها كذلك أكثر ما جاءت.

وأما إذا كان من لفظ «فأوّ لذكراها» ـ وأصله على ما ثبت من تركيب «أوو» ـ فإنه يحتمل مثالين : أحدهما «إفعل» والآخر «فعيل». فإذا جعلته «إفعلا» فأصله «إئوو». فقلت همزته الثانية التي هي فاء «إفعل» ياء لانكسار الهمزة قبلها ، فصارت في التقدير «إيوو» ثم قلبت الواو الأولى التي هي عين «إفعل» ياء لوقوع الياء ساكنة قبلها على ما تقدم ، فصارت في التقدير «إيّو» ثم قلبت الواو التي هي لام ياء لأنها وقعت رابعة ، كما قلبت في «أغزيت» و «أعطيت» فصار في التقدير «إيّي» ، ثم قلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فصار «إيّا» كما ترى.

وإذا جعلته «فعيلا» فأصله حينئذ «إويو» فقلبت الواو الأولى التي هي عين الفعل ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، ولأنها أيضا ساكنة قبل الياء ، ثم أدغمت تلك الياء في ياء «فعيل» فصارت «إيّو» ، ثم قلبت الواو ياء لأنها رابعة طرف ، ثم قلبت تلك الياء ألفا على ما عمل في المثال الذي قبل هذا ، فصارت «إيّا».

ولا يجوز أن تكون «إيّا» إذا جعلتها من لفظ «أوو» : «فعّلا» ولا «فعلى» كما جاز فيما قبل ، لأنه كان يلزم أن يكون اللفظ به «إوّى». وإن شئت جوّزت ذلك فيه ، وقلت : إنهما ليستا عينين فيلزما ويصحّا. ولا يجوز أن تكون «إيّا» «فعّللا» مضعف اللام بمنزلة «ضربب» لأن ذلك لم يأت في شيء من الكلام.

ويجوز فيه أيضا وجه ثالث ، وهو أن يكون «فعولا» قلبت عينه للكسرة ، ثم واوه لوقوع الياء قبلها ، فقلت «إيّا».

فإن أردت تحقير هذه الأمثلة أو تكسيرها على اختلافها واختلاف الأصول المركبة هي منها طال ذلك جدا ، إلا أنه متى اجتمع معك في ذلك ثلاث ياءات كاللواتي في آخر تحقير «أحوى» حذفت الآخرة ، ومتى اكتنف ألف التكسير حرفا علة ، ولم يكن بين ألف التكسير وبين آخر الكلمة إلا حرف واحد همزت ذلك الحرف ، وأبدلت الآخر ألفا ، ثم أبدلت الهمزة حرف لين.

٣٠٣

ولا يجوز أن يكون «إيّا» من لفظ «آءة» (١) على أن تجعله «فعيلا» منها ، ولا «إفعلا» لأنه كان يلزمك أن تهمز آخر الكلمة لأنه لام ، فتقول «إيّا» ولم يسمع فيه الهمزة البتة ، ولا سمع أيضا مخففا بين بين. ولكن يجوز فيه عندي على وجه غريب أن يكون «فعلى» من لفظ «وأيت» ، ويكون أصله على هذا «وئيا» فهمزت واوه لانكسارها ، كما همزت في «إسادة» و «إعاء» و «إشاح» ونحو ذلك ، فصارت «إئيا» ، ثم أبدلت الهمزة ياء لانكسار الهمزة الأولى قبلها ، ثم أدغمت الياء المنقلبة من الهمزة في الياء التي هي لام «وأيت» فصارت «إيّا».

فهذه أحكام تصريف هذه اللفظة ، ولست أعرف أحدا من أصحابنا خاض فيها إلى ههنا ، ولا قارب هذا الموضع أيضا ، بل رأيت أبا علي وقد نشّم فيها من القول يسيرا لم يستوف الحال فيه ، ولا طار بهذه الجهة ، وإن كان ـ بحمد الله ، والاعتراف له ـ الشيخ الفاضل ، والأستاذ المبجّل. ولو لم يتضمن هذا الكتاب من الكلام على الدقيق أكثر من هذه المسألة لكانت ـ بحمد الله ـ جمالا له ، ومحسّنة حاله.

ثم نعود إلى حكم الألف ، فنقول : إن ألف «ذا» من قولك «هذا زيد» منقلبة عن ياء ساكنة ، وقد ذكرنا في هذا الكتاب وغيره العلة التي لأجلها جاز قلب الياء الساكنة ألفا إذ كان أصله «ذي».

فإن قلت : فما تقول في ألف «لكنّ» و «لكن»؟

فالجواب : أن يكونا أصلين لأن الكلمتين حرفان ، ولا ينبغي أن توجد الزيادة في الحروف ، فإن سميت بهما ونقلتهما إلى حكم الأسماء حكمت بزيادة الألف ، وكان وزن المثقلة «فاعلا» والمخففة «فاعلا».

إبدال الألف

أبدلت الألف من أربعة أحرف ، وهي : الهمزة ، والياء ، والواو ، والنون الخفيفة.

__________________

(١) آءة : الأءة : واحدة الآء : وهو شجر له ثمر يأكله النعام. لسان العرب (١ / ٢٤).

٣٠٤

إبدال الألف عن الهمزة

هذه الهمزة في الكلام على ضربين : أصل ، وزائدة ، ومتى كانت الهمزة ساكنة مفتوحا ما قبلها غير طرف ، فأريد تخفيفا أو تحويلها أبدلت الهمزة ألفا أصلا كانت أو زائدة ، فالأصل نحو قولك في «أفعل» من «أمن» : «آمن» وأصلها «أأمن» فقلبت الثانية ألفا لاجتماع الهمزتين وانفتاح الأولى وسكون الثانية. ومثله «آلفت زيدا» أي : ألفته.

قال ذو الرمة (١) :

من المؤلفات الرمل أدماء حرّة

بياض الضحى في لونها يتوضّح (٢)

ومن ذلك قولهم في تخفيف «رأس» و «بأس» (٣) و «فأل» (٤) : «راس» و «باس» و «فال».

ومنه قولك في «قرأت» : «قرات» وفي «هدأت» (٥) : «هدات».

والزائد نحو قولك في تخفيف «شأمل» (٦) : «شامل» وفي «احبنطأت» (٧) فيمن همز «احبنطات».

واعلم أن هذا الإبدال على ضربين : أحدهما لا بد منه ، والآخر منه بدّ. فأمّا ما لا بدّ منه فأن تلتقي همزتان الأولى مفتوحة والثانية ساكنة ، فلا بدّ من إبدال الثانية

__________________

(١) البيت في ديوانه (ص ١١٩٧) وكتاب الهمز (ص ٢٩).

(٢) يتوضح : يظهر. أدماء : بيضاء خالصة البياض. والشاعر يصف ظبية بيضاء تلمع مثل نور الضحى. والشاهد فيه : «مؤلفات» حيث قلبت همزة (أألف) الثانية ألفا (آلف).

(٣) بأس : العذاب ، والشدة في الحرب. لسان العرب (٦ / ٢٠).

(٤) فأل : ضد الطيرة والجمع فؤول. لسان العرب (١١ / ٥١٣).

(٥) هدأت : هدأ هدوءا أي سكن. لسان العرب (١ / ١٨٠) مادة / هدأ.

(٦) شأمل : شمل الأمر القوم شملا عمهم. وقد شملت الريح : تحولت شمالا.

(٧) احبنطأت : احبنطأ الرجل : انتفخ جوفه. اللسان (١ / ٥٧ ـ ٥٨) مادة / حبطأ.

٣٠٥

ألفا ، وذلك نحو آدم ، وآخر ، وآمن ، وآوى ، وآساس جمع أسّ (١) ، وآياء (٢) جمع آية وآي ، فهذا إبدال لازم كراهية التقاء الهمزتين في حرف واحد ، وإذا أبدلت الهمزة على هذا جرت الألف التي هي بدل منها مجرى ما لا أصل له في همز البتة ، وذلك قولهم في جمع «آدم» : «أوادم» فأجروا ألف «آدم» مجرى ألف «خاتم» فقلبوها واوا في «أوادم» كما قلبوا الألف واوا في «خواتم» فقالوا (٣) :

 ........

وتترك أموال عليها الخواتم (٤)

وإذا لم تكن الهمزة هكذا لم يلزم إبدالها ، ألا ترى أنك مخيّر بين أن تقول «قرأت» و «قرات» و «بدأت» و «بدات» ، ولا يجوز أن تقول «أأدم» ولا «أأخر».

وقد أبدلت الهمزة المفتوحة التي قبلها فتحة ألفا أيضا على غير قياس ، وإنما يحفظ حفظا ، أنشدنا أبو علي (٥) :

بتنا وبات سقيط الطّلّ يضربنا

عند النّدول قرانا نبح درواس (٦)

إذا ملأ بطنه ألبانها حلبا

باتت تغنيه وضرى ذات أجراس (٧)

يريد : إذا ملأ بطنه ، فأبدل الهمزة ألفا.

__________________

(١) أس : كل مبتدأ شيء ، وهي أصل البناء ، وجمعه إساس. اللسان (٦ / ٦) مادة / أسس.

(٢) وآياء : جمع آية وهي الدليل أو العلامة.

(٣) البيت في ديوان الأعشى (ص ١٢٩) وصدره : يقلن : حرام ما أحل بربنا

(٤) الشاهد فيه (الخواتم) حيث قلبت الألف واوا. فأصلها (خاتم) في المفرد.

(٥) البيتان في المبهج (ص ٣٠).

(٦) الندول : اسم رجل. درواس : كلب كان معه. الطل : المطر الصغار القطر الدائم وهو أرسخ المطر ندى. اللسان (١١ / ٤٠٥) مادة / طلل. والشاعر يهجو رجلا يدعى (الندول) بأنهم باتوا عنده يتساقط عليهم المطر وضايقهم بسماع صوت كلبه.

(٧) أجراس : أصوات. لسان العرب (٦ / ٣٥) مادة / جرس. فكلبه يصدر أصواتا من شدة جوعه لبخل صاحبه. والشاهد فيه : «ملا» حيث أبدلت الهمزة ألفا على غير القياس.

٣٠٦

ومن أبيات الكتاب (١) :

راحت بمسلمة البغال عشيّة

فارعي فزارة لا هناك المرتع (٢)

يريد : هنأك.

فأما من همز «العالم» و «الخاتم» و «الباز» و «التابل» فلا يجوز على مذهبه تخفيف هذه الهمزة ، وذلك أن مذهبه أن يجتلب همزا لا أصل له ، فلا يجوز على هذا أن يخفف الهمزة ، فيردّها ألفا ، لأنه عن الألف قلبها ، فلو أراد الألف لأقرّ الألف الأولى ، واستغنى بذلك عن قلبها همزة ، ثم قلب تلك الهمزة ألفا. وأما غيره فلا ينطق بهذه الهمزة في هذا الموضع أصلا ، فلا يمكن أن يقال فيه إنه يخففها ولا يحققها.

إبدال الألف عن الياء والواو

وذلك على ثلاثة أضرب : أحدها : أن تكونا أصلين ، والآخر : أن تكونا منقلبتين ، والآخر : أن تكونا زائدتين.

فأما إبدال الألف عن الياء والواو وهما أصلان فنحو قولك في «ييأس» (٣) : «ياءس» وفي «يوجل» (٤) : «ياجل» ونحو قولك : «باع ، وسار ، وهاب (٥) ، وحار ، وقام ، وصاغ (٦) ، وخاف ، ونام ، وطال» لقولك : «البيع ، والسّير ، والهيبة ، والحيرة ، وقومة ، وصوغة ، وخوف ، ونوم ، وطويل».

__________________

(١) من أبيات سيبويه والبيت للفرزدق ، وهو في ديوانه (ص ٥٠٨) والكتاب (٣ / ٥٥٤). مسلمة : هو مسلمة بن عبد الملك كان على العراق ، فعزله يزيد بن عبد الملك واستعمل عمر بن هبيرة الفزاري فأساء وعزل مسلمة عزلا قبيحا.

(٢) راحت : راح فلان يروح رواحا من ذهابه أو سيره بالعشي. اللسان (٢ / ٤٦٤) مادة / روح. المرتع : الموضع الذي ترتع فيه الماشية. والشاهد فيه : (هناك) حيث أبدلت الهمزة ألفا يريد (هنأك).

(٣) ييأس : اليأس القنوط ، وقيل : اليأس نقيض الرجاء. اللسان (٦ / ٢٥٩) مادة / يأس.

(٤) يوجل : وجل يوجل خاف وفزع (ج) وجال. اللسان (١١ / ٧٢٢) مادة / وجل.

(٥) هاب : هابه هيبا ومهابة : أجله وعظمه وحذره وخافه. لسان العرب (١ / ٧٩٠) مادة / هيب.

(٦) صاغ : صاغ فلان زورا وكذبا إذا اختلقه ، وسبكه. اللسان (٨ / ٤٤٢) مادة / صوغ.

٣٠٧

ومن ذلك «رمى ، وسعى ، ودعا ، وعدا» لقولك : «الرّمي ، والسّعي ، والعدو والدّعو» فهذا حكم الياء والواو ، متى تحركتا وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفا إلا أن يضطر أمر إلى ترك قلبهما ، وذلك نحو قولك للاثنين : «قضيا ، ورميا ، وخلوا ، ودعوا» وإنما صحتا هنا ولم تقلبا ألفا ، لأنهم لو قلبوهما ألفا وبعدها ألف تثنية الضمير لوجب أن تحذف إحداهما لالتقاء الساكنين ، فيزول لفظ التثنية ، ويلتبس الاثنان بالواحد. ونحو من ذلك قولهم : «النّفيان» و «الغليان» و «الصّميان» (١) و «العدوان» (٢) و «النّزوان» (٣) و «الكروان» (٤) ، ألا ترى أنهم لو قلبوا الياء والواو هنا ألفين وبعدهما ألف «فعلان» لوجب حذف إحداهما ، وأن تقول «نفان» و «غلان» و «صمان» و «عدان» و «نزان» و «كران» فيلتبس «فعلان» مما اعتلت لامه بـ «فعال» مما لامه نون ، فترك ذلك لذلك.

وربما جاء شيء من ذلك على أصله صحيحا غير معلّ ليكون دليلا على الأصول المغيّرة ، وذلك قولهم «الصّيد» (٥) و «الحيد» و «الجيد» (٦) و «القود» (٧) و «الأود» (٨) و «الحوكة» و «الخونة» جمع «حائك» (٩) و «خائن» فأما قولهم في «ييأس» : «ياءس» وفي «يوجل» : «ياجل» فإنما قلبوا الياء والواو فيهما وإن كانتا ساكنتين تخفيفا ، وذلك أنهم رأوا أن جمع الياء والألف أسهل عليهم من جمع الياءين ، والياء والواو ، وقد حملهم طلب الخفة على أن قالوا في «الحيرة» : «حاريّ» وفي «طيّئ» : «طائيّ» قال (١٠) :

فهي أحوى من الرّبعيّ خاذلة

والعين بالإثمد الحاريّ مكحول (١١)

__________________

(١) الصميان : الشديد المحتنك السن ، والشجاع الصادق الحملة ، والسرعة. اللسان (١٤ / ٤٦٩).

(٢) العدوان : الشديد العدو. لسان العرب (١٥ / ٣١) مادة / عدا.

(٣) النزوان : مصدر نزا الفحل ، أي : وثب. لسان العرب (١٥ / ٣١٩) مادة / نزا.

(٤) الكروان : طائر طويل الرجلين أغبر ، نحو الحمامة ، له صوت حسن.

(٥) الصّيد : الكبر.

(٦) الجيد : طول العنق وحسنه.

(٧) القود : القصاص.

(٨) الأود : الاعوجاج.

(٩) حائك : الذي ينسج الثياب. لسان العرب (١٠ / ٤١٨) مادة / حيك.

(١٠) هو طفيل الغنوي ، والبيت في ديوانه (ص ٥٥) والكتاب (١ / ٢٤٠).

(١١) الأحوى : أسود ليس بشديد السواد. الربعي : ما نتج في الربيع.

٣٠٨

وحكى أبو زيد عن بعضهم (١) في تصغير «دابّة» : «دوابّة» يريد «دويبّة» فأبدل من ياء التصغير الساكنة ألفا ، وقال الراجز (٢) :

تبت إليك فتقبّل تابتي

وصمت ربّي فتقبّل صامتي (٣)

يريد : توبتي ، وصومتي.

وقال الآخر : وهو مالك بن أسماء بن خارجة (٤) :

ومن حديث يزيدني مقة

ما لحديث الماموق من ثمن (٥)

يريد : الموموق. وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم : «ارجعن مازورات غير ماجورات» (٦) وأصله «موزورات» فقلبت الواو ألفا تخفيفا كما ذكرنا. وقال الكوفيون : إنما أريد به ازدواج الكلام لقوله «ماجورات». وهو قول أيضا.

وقال سيبويه في «آية» و «ثاية» : «وقال غيره ـ يعني غير الخليل ـ إنها «فعلة» فأبدلت الألف من الياء» (٧). وأخذ بعض البغداديين (٨) هذا من سيبويه ، فقال (٩) في قولهم : «ضرب عليه ساية» : إنما هي «سيّة» أبدلت الألف من الياء المنقلبة عن الواو التي هي عين في «سوّيت».

__________________

الحاري : نسبة إلى الحيرة بالكسر بلد بجنب الكوفة. لسان العرب (٤ / ٢٢٥). والشاعر يصف الظبية بأنها جميلة اللون تنتج أفضل النتاج وكحيلة العينين. والشاهد فيه : (الحاري) حيث أبدلت الياء ألفا تخفيفا.

(١) هو أبو عمرو الهذلي كما في المسائل البغداديات (ص ٣٩٥).

(٢) البيتان في اللسان (توب) (١ / ٢٢٦).

(٣) الشاهد فيه (تابتي ـ صامتي) حيث قلبت الواو ألفا للتخفيف يريد (توبتي ـ صومتي).

(٤) البيت منسوب إليه في ذيل الأمالي (ص ٩١) وبغير نسبة في المحتسب (٢ / ٣٣١) ، وروي في ذيل الأمالي «الموموق» ولا شاهد فيه.

(٥) الشاهد فيه (الماموق) حيث أبدلت الواو ألفا تخفيفا ، فأصله (الموموق).

(٦) الشاهد فيه (مازورات ـ ماجورات) حيث قلبت الواو ألفا تخفيفا. أخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز ـ باب ما جاء في اتباع النساء الجنائز (١ / ٥٠٢ ـ ٥٠٣).

(٧) الكتاب (٢ / ٣٨٨).

(٨) هو الفراء كما في اللسان (سوا) (١٤ / ٤١٥).

(٩) نص ابن جني في التمام (ص ٢٣٣) على أنه الفراء.

٣٠٩

وطرد أيضا هذا الآخذ من سيبويه في غير هذه اللفظة ، فقال في قولهم : «أرض داويّة» : إنه أراد «دوّيّة» فأبدل من الواو الأولى الساكنة التي هي عين «دوّ» ألفا.

قال ذو الرمة (١) :

دوّيّة ودجى ليل كأنّهما

يمّ تراطن في حافاته الروم (٢)

قال أبو علي (٣) : وهذه دعوى من قائلها لا دلالة عليها ، وذلك أنه يجوز أن يكون بني من «الدّوّ» فاعلة ، فصارت «داوية» بوزن «زاوية» ثم إنه ألحق الكلمة ياءي النسب ، وحذف اللام ، كما تقول في الإضافة إلى «ناجية» : «ناجيّ» وإلى «قاضية» : «قاضيّ» وكما قال علقمة (٤) :

كأس عزيز من الأعناب عتّقها

لبعض أربابها حانيّة حوم (٥)

فنسبها إلى «الحاني» بوزن «القاضي».

وكما قالوا : «رجل ضاويّ» إنما هو منسوب إلى «فاعل» من «الضّوى» (٦) وهو «ضاو» ولحقتا في «ضاويّ» كما لحقتا في «أحمر وأحمريّ» و «أشقر وأشقري» (٧) والمعنى واحد.

__________________

(١) في ديوانه (ص ٤١٠).

(٢) الدوية والداوية : المفازة المستوية. تراطنهم : كلام لا يفهمه الجمهور. حافاته : جوانبه ، ونواصيه. دجى الليل : سواده مع غيم. والشاعر يصف الصحراء أثناء الليل وكأنهما بحر هائج يموج بمن فيه. والشاهد فيه (دوية» حيث جاءت على الأصل بدون قلب.

(٣) انظر / المسائل الحلبيات (ص ٨١).

(٤) ديوانه (ص ٦٨) وكتاب الاختيارين (ص ٦٤١) ، ونسبه صاحب اللسان إلى علقمة بن عبدة مادة (حوم).

(٥) الشاعر يتحدث عن الخمر ويصفها بأنها كأس عزيز على أصحابها ومصنوعة من الأعناب ، ويحوم حولها الجميع. والشاهد فيه : (حانية) حيث نسبها إلى الحاني.

(٦) الضوى : دقة العظم ، والضعف والهزال.

(٧) أشقر : الأحمر في الدواب.

٣١٠

وأنشدنا (١) :

كأنّ حدّاء قراقريّا (٢)

يريد : قراقرا ، وهذا كثير واسع ، فعلى هذا يجوز أن تكون «الدّوايّة» منسوبة إلى «فاعلة» من «الدّوّ». وأما ما قرأته على أبي علي في نوادر أبي زيد من قول عمرو بن ملقط جاهلي (٣) :

والخيل قد تجشم أربابها الشّ

قّ وقد تعتسف الدّوايه (٤)

فإن شئت قلت : إنه بنى من «الدّوّ» «فاعلة» (٥) ، فصارت في التقدير «داووة» ثم قلب الواو الآخرة التي هي لام ياء لانكسار ما قبلها ووقوعها طرفا ، فصارت «داوية». وإن شئت قلت : أراد «الداويّة» المحذوفة اللام كالحانيّة ، إلا أنه خفف ياء الإضافة كما خفف الآخر فيما أنشده أبو زيد ، وأنشدناه أبو علي (٦) :

بكّي بعينك واكف القطر

ابن الحواري العالي الذّكر (٧)

يريد : ابن الحواريّ. وهذا شيء اعترض ، فقلنا فيه ، ثم نعود.

__________________

(١) البيت في جمهرة اللغة (٣ / ٤٣٣) والخصائص (٣ / ١٠٥).

(٢) قراقر وقراقري : حسن الصوت. وفي الجمهرة واللسان (وكان) بدلا من (كأنّ) وقبله في الجمهرة : (أبكم لا يكلّم المطيّا).

(٣) النوادر (ص ٢٦٨) وشرح المفصل (١٠ / ١٩) والخزانة (٣ / ٦٣٣) ، واللسان (١٠ / ١٨٣).

(٤) تجشم أربابها : تكلفه على المشقة. والشق : الجهد والعناء. والمعنى أن الخيل يتحمل أصحابها المشقة والتعب وهي تجوب الصحراء. والشاهد فيه (الداوية).

(٥) هذا قول أبي علي الفارسي كما في المسائل البغداديات (ص ٣٩٥).

(٦) البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات كما في النوادر (ص ٥٢٧) ، وهو في ملحقات ديوانه (ص ١٨٣) منقولا عن النوادر ، وهو بغير نسبة في المسائل الحلبيات ، وذكره صاحب اللسان وقد نسبه لابن دريد مادة (حور) (٤ / ٢٢٠).

(٧) أكف القطر : كف الدمع والماء كفا : سال. ابن الحواري : يريد به مصعب بن الزبير. والشاهد فيه (الحواريّ) حيث حذفت الياء تخفيفا يريد (ابن الحواريّ).

٣١١

وأما إبدالها منهما منقلبتين فقولهم : «أعطى ، وأغزى ، واستقصى ، وملهى ، ومغزى ، ومدعى» أصل هذا كله «أعطو ، وأغزو ، واستقصو ، وملهو ، ومغزو ، ومدعو» فلما وقعت الواو رابعة فصاعدا قلبت ياء ، فصارت في التقدير «أعطي ، وأغزي ، واستقصي ، وملهي ، ومغزي ، ومدعي» فلما وقعت الياء طرفا في موضع حركة وما قبلها مفتوح قلبت ألفا ، فصارت «أغزى ، وأعطى ، وملهى ، ومغزى» فالألف إذن إنما هي بدل من الياء المبدلة من الواو.

وكذلك لو بنيت من «قرأت» مثل «دحرج» لقلت «قرأى» وأصله «قرأأ» فلما اجتمعت الهمزتان في كلمة واحدة قلبت الآخرة ياء ، فصارت في التقدير «قرأي» ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فصارت «قرأى». فالألف في «قرأى» إذن إنما هي بدل من الياء في «قرأي» ، والياء بدل من الهمزة الثانية في «قرأأ».

ويدلك على أنه لا بدّ من هذا التقدير فيها لتكون الألف بدلا من الياء المبدلة من الهمزة قول النحويين في مثال «فعلّ» من قرأت : «قرأي» أفلا ترى كيف أبدلوها هنا ياء. وكذلك قولهم في مثال «فرزدق» من قرأت : «قرأيأ» وأصله «قرأأأ» فأبدلوا الهمزة الوسطى ياء ليفصلوا بها بين الهمزتين الأولى والآخرة. ويدلك أيضا على صحة ذلك أنك متى أسكنت اللام فزالت الفتحة رجعت اللام إلى أصلها ، وهو الياء ، وذلك قولك في «افعللت» من قرأت ، وهدأت : «اقرأيت» و «اهدأيت» ، ولهذا نظائر. فهذا إبدال الألف عن الياء المبدلة.

وأما إبدالها عن الواو المبدلة فنحو قولك في ترخيم «رحويّ» اسم رجل على قول من قال «يا حار» : «يا رحا أقبل» وذلك أنك حذفت ياء النسب ، فبقي التقدير «يا رحو» ، فلما صارت الواو على هذا المذهب حرف إعراب ، واجتلبت لها ضمة النداء كالضمة المجتلبة في راء «حارث» إذا قلت «يا حار» أبدلت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فقلت : «يا رحا أقبل» فالألف الآن في «رحا» إنما هي بدل من الواو في «رحويّ» والواو في «رحويّ» بدل من ألف «رحى» في قولك : هذه رحى ، ورأيت رحى ، ومررت برحى ، وألف «رحى» هذه بدل من الياء التي هي لام في «رحيان». وكذلك القول في ترخيم «فتويّ» و «هدويّ» و «شرويّ» على لغة من قال : «يا حار» إذا قلت : «يا فتى» و «يا هدى» و «يا شرى»

٣١٢

لا فرق بينهما. فأما قولك في ترخيم «ملهويّ» اسم رجل على قول من قال : «يا حار» : «يا ملهى» فالألف فيه إذن إنما هي بدل من ياء بدل من واو بدل من ألف بدل من ياء بدل من الواو التي هي لام الفعل في «لهوت» ، فأصله الأول «ملهو» ثم صار «ملهى» ثم صار «ملهى» ثم صار «ملهويّ» ثم صار بعد الترخيم وقلب الواو ياء «ملهي» ثم صار في آخر أحواله «ملهى» وهو قولك : «يا ملهى أقبل».

وأما إبدال الألف عن الياء والواو الزائدتين فقولك في ترخيم اسم رجل يقال له : «زميّل» على قول من قال «يا حار» : «يا زمّا أقبل». فالألف الآن بدل من ياء «زميّل» التي هي زائدة ؛ لأن مثاله «فعّيل».

ونظير ذلك قول العرب «سلقى» (١) و «جعبى» (٢) إنما الألف فيهما بدل من ياء «سلقيت» و «جعبيت» وهي زائدة لا محالة.

وأما الواو فأن تسمّي رجلا «عنوقا» جمع «عناق» (٣) ثم ترخمه على قول من قال «يا حار» فتبدل واوه ياء لأنه ليس في الكلام اسم آخره واو قبلها ضمة ، فتقول : «يا عني أقبل» فإن سميت بـ «عني» هذا رجلا ونسبت إليه أبدلت من الكسرة قبل الياء فتحة لتنقلب الياء ألفا ، فيصير في التقدير «عنا» ثم تقلب ألفه واوا لوقوع ياءي النسب بعدها ، فتقول «عنويّ».

فإن رخمت «عنويّ» هذا على قول من قال «يا حار» حذفت ياءي النسب ، وأبدلت من الواو التي قبلها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فتقول : «يا عنا أقبل».

فالألف الآن في «عنا» إنما هي بدل من الواو الزائدة في «عنويّ» ، والواو في «عنوّي» بدل من الألف في «عنا» والألف في «عنا» بدل من الواو في «عنويّ» الأول في المرتبة ، والواو في «عنويّ» بدل من الألف في «عنا» والألف في «عنا» بدل من الياء في «عني» والياء في «عني» بدل من الواو في «عنو» التي هي ترخيم «عنوق». وهذا لطيف دقيق فتفطن له ، فإنه لا يجوز في القياس غيره.

__________________

(١) سلقى : سلقاه : طعنه فألقاه على جنبه.

(٢) جعبى : جعباه : صرعه.

(٣) عناق : العناق : الأنثى من أولاد المعز. اللسان (١٠ / ٢٧٤) مادة / عنق.

٣١٣

ووجه آخر في قلب الألف عن الواو الزائدة ، وذلك أن تسمّي رجلا «فدوكسا» (١) أو «سرومطا» (٢) ثم ترخمه على قول من قال «يا حار» فتحذف آخره ، فتقول «يا فدوك» ثم تسمي بـ «فدوك» هذا المرخم ، ثم ترخمه على قول من قال «يا حار» فتحذف كافه ، وتبدل واوه الزائدة ألفا ، فتقول «يا فدا» فاعرفه.

إبدال الألف عن النون الساكنة

قد أبدلت الألف عن هذه النون في ثلاثة مواضع :

أحدها : أن تكون في الوقف بدلا من التنوين اللاحق علما للصرف ، وذلك قولك : رأيت زيدا ، وكلّمت جعفرا ، ولقيت محمدا ، فكل اسم منصرف وقفت عليه في النصب أبدلت من تنوينه ألفا كما ترى ، إلا أن يكون حرف إعراب ذلك الاسم تاء التأنيث التي تبدل في الوقف هاء ، وذلك قولك : أكلت تمرة ، وأخذت جوزة ، ولم تقل : أكلت تمرتا ، ولا : أخذت جوزتا ، لأنهم أرادوا الفرق بين التاء الأصلية في نحو : دخلت بيتا ، وسمعت صوتا ، وصدت حوتا ، وكفّنت ميتا ، والوقف على قوله عز اسمه : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) (الأنعام : ١٢٢) (٣) ، (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً) والتاء الملحقة نحو : رأيت عفريتا ، وملكوتا ، وجبروتا (٤) ، وبين تاء التأنيث في نحو «تمرة» و «غرفة». فأما قولك : أكرت لك بنتا ، وصنت لك أختا ، ووقوفك على هاتين التاءين بالألف فإنما ذلك لأنهما ليستا علمي تأنيث ، وإنما هما بدلان من الواو التي هي لام الفعل في «إخوة» و «أخوان» و «أخوات» وفي «الأخوّة» و «البنوّة». وقد تقدم من الحجاج على صحة ذلك وإعلامنا ما علم التأنيث فيهما في باب التاء ما يغني عن إعادته ، وقد تقدم أيضا في باب النون ذكر العلة التي لأجلها جاز إبدالها هذا التنوين ألفا في الوقف ، وما السبب الذي منع من التعويض في الوقف من تنوين المرفوع واوا ، ومن تنوين المجرور ياء ، فلم نر لإعادته هنا وجها.

__________________

(١) فدوكسا : الفدوكس : الشديد ، وقيل : الغليظ الجافي ، وقيل : الأسد.

(٢) سرومطا : السرومط : الطويل من الإبل وغيرها. اللسان (٧ / ٣١٤).

(٣) (أو من كان ميتا فأحييناه) : الشاهد فيه (ميتا) حيث أبدلت نون التنوين ألفا في الوقف.

(٤) جبروتا : متكبرا ، عتوا قهرا. اللسان (٤ / ١١٣).

٣١٤

وذكرنا أيضا هناك أن من العرب من يقول في الوقف على المنصوب المنون :

رأيت فرج ، وقوله (١) :

 ........

وآخذ من كلّ حيّ عصم (٢)

و (٣) :

 .........

جعل القين على الدّفّ إبر (٤)

وغير ذلك من الشواهد. واختلف أصحابنا في الوقف على المرفوع والمجرور من المقصور المنصرف في نحو قولك : هذه عصا ، ومررت بعصا ، فقالت الجماعة (٥) : الألف الآن هي لام الفعل ؛ لأن التنوين يحذف في الوقف على المرفوع والمجرور ، نحو : هذا زيد ، ومررت بزيد ، إلا أبا عثمان فإنه ذهب (٦) إلى أن الألف فيهما عوض من التنوين ، وأن اللام أيضا محذوفة لسكونها وسكون هذه ، قال : وذلك أنّ ما قبل التنوين في المقصور مفتوح في جميع حالاته ، فجرى مجرى المنصوب الصحيح نحو : رأيت زيدا.

فأما في النصب فلا خلاف بينهم أن الوقف إنما هو على الألف التي هي عوض من التنوين.

فأما قوله تعالى : (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) (الأحزاب : ٦٧) (٧) و (قَوارِيرَا) (الإنسان : ١٥) (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) (الأحزاب : ١٠) (٨) فإنما زيدت هذه الألفات في أواخر هذه الأسماء التي لا تنوين فيها لإشباع الفتحات ، وتشبيه رؤوس الآي بقوافي الأبيات.

__________________

(١) تقدم تخريجه.

(٢) الشاهد فيه (عصم) حيث وقف على الكلمة بالسكون وأصله (عصما).

(٣) تقدم تخريجه.

(٤) الشاهد فيه (إبر) حيث وقف عليها بالسكون بدل الألف. (٥ ، ٦) انظر / التكملة (ص ١٩٩).

(٥ ، ٦) انظر / التكملة (ص ١٩٩).

(٧) الشاهد (السبيلا) حيث وقف على الألف التي هي عوض عن التنوين.

(٨) الشاهد (الظنونا) حيث وقف على الألف.

٣١٥

على أن من العرب من يقف على جميع ما لا ينصرف إذا كان منصوبا بالألف ، فيقول : رأيت أحمدا ، وكلّمت عثمانا ، ولقيت إبراهيما ، وأصبحت سكرانا. وإنما فعلوا ذلك لأنهم قد كثر اعتيادهم لصرف هذه الأسماء وغيرها مما لا ينصرف في الشعر ، والشعر كثير جدا ، وخفّت أيضا عليهم الألف ، فاجتلبوها فيما لا ينصرف لخفتها وكثرة اعتيادهم إياها ، لا سيما وهم يجتلبونها فيما لا يجوز تنوينه في غير الشعر ، نحو قول جرير :

 ........

وقولي إن أصبت لقد أصابا (١)

و (٢) :

 .......

إذا ما الفعل في است أبيك غابا (٣)

وقالوا أيضا : جئ به من حيث وليسا ، يريدون «وليس» فأشبعوا فتحة السين بإلحاق الألف ، وسنذكر هذا الفصل في هذا الحرف بعون الله ، فهذا إبدال الألف من نون الصرف.

الثاني : إبدالها من نون التوكيد الخفيفة إذا انفتح ما قبلها ووقفت عليها ، وذلك نحو قوله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) (العلق : ١٥) (٤) إذا وقفت قلت (لَنَسْفَعاً) وكذلك : اضربن زيدا ، إذا وقفت قلت : اضربا ، قال الأعشى (٥) :

 .......

ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا (٦)

يريد : فاعبدن.

__________________

(١) الشاهد فيه (أصابا) حيث أتى بالألف للوقوف عليها في القافية لخفتها.

(٢) عجز البيت لجرير من قصيدته التي يهجو فيها الراعي النميري في ديوانه (ص ٨٢١) وصدره : أجندل ما تقول بنو نمير

(٣) جندل : ابن الراعي. الشاهد فيه (غابا) حيث وقف بالألف على ما لا يجوز تنوينه وذلك لخفتها.

(٤) الشاهد فيه (لنسفعا) حيث أبدلت نون التوكيد الخفيفة ألفا عند الوقف عليها.

(٥) ديوانه (ص ١٨٧).

(٦) الشاهد فيه (فاعبدا» حيث أبدلت نون التوكيد الخفيفة ألفا عند الوقف عليها وانفتاح ما قبلها ، والتقدير (فاعبدن).

٣١٦

وقال ابن الحرّ (١) :

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا (٢)

يريد : تأجّجن ، فأبدلها ألفا.

وقال عمر (٣) :

وقمير بدا ابن خمس وعشري

ن له قالت الفتاتان : قوما (٤)

أراد : قومن. وقال الآخر :

يحسبه الجاهل ما لم يعلما

شيخا على كرسيّه معمّما (٥)

يريد : ما لم يعلمن.

__________________

(١) ابن الحر : هو عبيد الله بن الحر يخاطب رجلا من أصحابه يقال له عطية بن عمرو وكان حبس معه. شرح المفصل (٧ / ٥٣) والخزانة (٣ / ٦٦٠ ـ ٦٦٤) بغير نسب في الكتاب (١ / ٤٤٦).

(٢) جزلا : يابسا ، وقيل : الغليظ. تأجج : الأجيج : تلهب النار. والشاعر يفتخر بكرمه وكرم قومه. واستخدم في ذلك أسلوب الكناية عن الكرم بذكر الحطب الكثير والنار المشتعلة. والشاهد فيه (تأججا) حيث أبدلت النون الخفيفة أيضا عند الوقف عليها.

(٣) عمر بن أبي ربيعة ، والبيت في ديوانه (ص ٢٢٦) ، والبيت الذي قبله :

من لدن فحمة العشاء إلى أن

لاح ورد بسوق جونا بهيما

الورد : لون أحمر يضرب إلى صفرة حسنة في كل شيء. اللسان (٣ / ٤٥٦). الجون : الأسود المشرب حمرة ، والمقصود الظلام. اللسان (١٣ / ١٠١).

(٤) هذان البيتان من قصيدة مرجزة ، وقد ذكر البغدادي في الخزانة (٤ / ٥٦٩ ـ ٥٧٤) أن هذا الشعر نسب إلى ابن جبابة ، هو شاعر جاهلي من بني سعد ، وجبابة أمه ، واسمه المغوار بن الأعنق ، ونسب إلى ساور بن هند العبسي وهو مخضرم ، ونسبه بعضهم إلى العجاج ، وقال بعضهم : هو لأبي حيان الفقعسي. وهما في الكتاب (٢ / ١٥٢). وقوله له : قالت الفتاتان قوما : أي : قالت الفتاتان لي : قم لئلا يراك الناس. والشاهد فيه (قوما) حيث أبدلت نون التوكيد الخفيفة ألفا عند الوقف عليها والتقدير (قومن).

(٥) وقد شبه القمع والرغوة التي تعلوه بشيخ معمم جالس على كرسي. وقد أخطأ بعض الشراح ومنهم ـ الأعلم ـ حيث وصف جبلا قد عمه الخصب وحفه النبات فجعله كشيخ معمم بعمامته مزمل في ثيابه ، وسبب الخطأ عدم الاطلاع على ما تقدم الشاهد.

٣١٧

وقال الآخر :

واحمرّ للشّرّ ولم يصفرّا (١)

يريد : يصفرّن ، كذا تأوّله بعضهم ، ومثله كثير.

الثالث : إبدال الألف من نون «إذن» ، وذلك أيضا في الوقف ، تقول : أنا أزورك إذا ، تريد : إذن ، وإذا وقفت على قوله عز وجل : (فإذن لا يؤتون الناس نقيرا) (النساء : ٥٣) (٢) قلت : (فَإِذاً) وإنما أبدلت الألف من نون «إذن» هذه ، ونون التوكيد التي تقدم ذكرها آنفا لأن حالهما في ذلك حال النون التي هي علم الصرف ، وإن كانت نون «إذن» أصلا وتانك النونان زائدتين.

فإن قلت : فإذا كانت النون في «إذن» أصلا وقد أبدلت منها الألف ، فهل تجيز في نحو «حسن» و «رسن» و «علن» ونحو ذلك مما نونه أصل أن تقلب نونه ، فيقال فيه : «حسا» و «رسا» و «علا» ، وفي «فدن» : «فدا» وفي «زمن» : «زما»؟

فالجواب : أن ذلك لا يجوز في غير «إذن» مما نونه أصل ، وإن كان ذلك قد جاء في «إذن» من قبل أن «إذن» حرف ، فالنون فيها بعض حرف كما أن التنوين ونون التوكيد كل واحد منهما حرف ، فجاز ذلك في نون «إذن» لمضارعة «إذن» كلها نون التوكيد ونون الصرف ، وأما النون من «حسن» و «رسن» ونحوهما فهي أصل من اسم متمكن يجري عليه الإعراب في قولك «حسن» و «حسنا» و «حسن» فالنون في ذلك كالدال من «زيد» والراء من «بكر» ، ونون «إذن» ساكنة كما أن نون التوكيد ونون الصرف ساكنتان ، فهي بهما ـ لهذا ولما قدمناه من أن كل واحدة منهما حرف ، كما أن النون في «إذن» بعض حرف ـ أشبه منها بنون الاسم المتمكن.

__________________

والشاهد فيه : «لم يعلما» حيث أكد الفعل المضارع المنفي بلم وأصله «ما لم يعلمن» وقلبت النون ألفا للوقف عليها ، وهذا التوكيد لا يجوز عند سيبويه إلا للضرورة. انظر / شرح ابن عقيل (٢ / ٣١٠ ـ ٣١١).

(١) الشاهد فيه (يصفرا) حيث قلب نون التوكيد الخفيفة ألفا للوقف عليها.

(٢) الشاهد فيه (فإذن) حيث يجوز إبدال نون «إذن» ألفا عند الوقف عليها.

٣١٨

فإن قلت : فالنون في «عن» و «أن» كل واحدة منهما حرف ساكن من جملة كلمة هي حرف ، كما أن نون «إذن» ساكنة من جملة حرف ، فهل يجوز أن تبدل منها في الوقف ألفا ، فتقول : «عا» و «أا» كما قلت : إذا؟ وإن كان ذلك غير جائز ، فهلا لم يجز أيضا إبدال النون من «إذن» ألفا في الوقف؟

فالجواب : أن ذلك إنما امتنع في نون «عن» و «أن» من وجهين :

أحدهما : أنهما حرفان لا يوقف عليهما ، أما «عن» فحرف جر ، وحروف الجر لا يمكن تعليقها عن المجرور ولا الوقوف عليها دونه إلا عند انقطاع نفس ، وذلك قليل مغتفر. وأما «أن» فلا تخلو من أن تكون الناصبة للفعل ، وهذه لا يوقف عليها لأنها من عوامل الأفعال ، وعوامل الأفعال أضعف من عوامل الأسماء ، أو لا ترى أنه لا يمكنك الفصل بينها وبين ما تنصبه من الأفعال إلا بـ «لا» في نحو قولك : أحبّ أن لا تقوم ، وأسألك أن لا تفعل ، فجرى هذا الفصل بينهما في ترك الاعتداد به وقلة المراعاة له مجرى الفصل بـ «لا» بين الجار والمجرور في نحو قولك : جئت بلا مال ، وضربته بلا ذنب ، ومجرى الفصل بين الجازم والمجزوم المشبهين للجار والمجرور في نحو قولك : إن لا تقم لا أقم ، فلما ضعفت «أن» الناصبة للفعل عن فصلها واقتطاعها عما بعدها لم يحسن الوقوف صلة لها ، والوقوف على الموصول دون صلته قبيح مع الأسماء القوية ، فكيف به مع الحروف الضعيفة.

أو أن تكون «أن» المخففة من الثقيلة الناصبة للاسم نحو قوله عز اسمه (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) (المزمل : ٢٠) (١).

ونحو قول الشاعر (٢) :

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا

 .......... (٣)

__________________

(١) الشاهد (أن سيكون) حيث لا يجوز إبدال نون (أن) ألفا لأنها حرف لا يجوز الوقوف عليها ، ولا يمكن فصلها عما بعدها.

(٢) البيت لجرير وهو في ديوانه (ص ٩١٦) وشطر البيت الثاني :

أبشر بطول سلامة يا مربع

(٣) الشاهد فيه (أن سيقتل) حيث لا يجوز إبدال نون (أن) ألفا لأنها حرف ، ولا يجوز الوقوف عليه.

٣١٩

وهذه أيضا لا يجوز الوقوف عليها دون ما بعدها ؛ لأنها إذا كانت مثقّلة على أصلها لم يجز الوقوف عليها ، لأن ما بعدها من اسمها وخبرها صلة لها ، وخطأ الوقوف على الموصول دون صلته وهو اسم ، فكيف به وهو حرف! ولا سيما وقد أجحف به بتخفيفه وإزالة التثقيل عنه ، وأيضا فإن السين ، وسوف ، وقد ، ولا بعده في نحو : علمت أن سيقوم زيد ، وسوف يقوم ، وأعلم أن قد فعلت.

ونحو قولها (١) :

فلما رأينا بأن لا نجاء

وأن لا يكون فرار فرارا (٢)

إنما هي أعواض للتخفيف من الحرف المحذوف الذي كان كأنه مصوغ مع الكلمة من جملة حروفها ، وفي موضع اللام لو وزنت منها ، أعني الهاء ، وكما أنه كالعوض من النون المحذوفة التي هي من نفس الكلمة ، كذلك يجب أن يلزم ما قبله ، ولا يفارقه ، ولا ينفصل منه ، ولا يوقف عليه دونه كما لا يوقف على إحدى النونين دون الأخرى ، وإذا كان ذلك كذلك فقد عرفت به شدة اتصال «أن» المخففة من الثقيلة بما بعدها ، فبحسب ذلك ما لا يجوز أن يوقف دونه عليها.

أو أن تكون «أن» المزيدة في قوله تعالى : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) (العنكبوت : ٣٣) (٣) ونحو قول الشاعر (٤) :

ويوما توافينا بوجه مقسّم

كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم (٥)

فيمن جرّ الظبية.

__________________

(١) لم أقف عليها فيما بين أيدينا من مراجع.

(٢) فرارا : هربا. والشاهد فيه (أن لا ..) حيث لا يجوز إبدال نون (أن) ألفا.

(٣) الشاهد فيه (أن جاءت) حيث جاءت أن المخففة زائدة ومع ذلك لا يجوز إبدال نونها ألفا والوقوف عليها.

(٤) هذا البيت اختلف في قائله : فعند أبي عبيد البكري : هو لراشد بن شهاب اليشكري ، وعند سيبويه : هو لابن صريم اليشكري ، وكذا قال النحاس والأعلم ، وكذلك الكتاب (١ / ٢٨١) ، ونسب في الأصمعيات إلى (الأصمعية ٥٥) علباء بن أرقم ، وهو بغير نسب في المنصف (٣ / ١٢٨) وقال ابن بري في حاشية الصحاح : هو لباغت بن صريم.

(٥) المقسم : رجل مقسم الوجه أي جميل كله كأن كل موضع منه أخذ وسما من الجمال.

٣٢٠