سرّ صناعة الإعراب - ج ٢

أبي الفتح عثمان بن جنّي

سرّ صناعة الإعراب - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 978-2-7451-2702-0
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

وقول الآخر (١) :

منّا الذي هو ما أن طرّ شاربه

والعانسون ، ومنّا المرد والشّيب (٢)

فيمن فتح همزة «أن» في رواية هذا البيت و «أن» هذه أيضا لا يحسن الوقوف عليها ، ألا تراها في هذه الآية وهذين البيتين قد وقعت موقعا لا يحسن الوقوف عليها فيه.

أما قوله تعالى : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ) فإنها وقعت معترضة بين المضاف الذي هو (لَمَّا) والمضاف إليه الذي هو (جاءَتْ) وغير جائز الوقوف على المضاف دون المضاف إليه إلا لضرورة انقطاع النفس.

وأما قوله : «كأن ظبية» فقد ترى «أن» واقعة بين حرف الجر وما جرّه ، وهذا أحرى بأن لا يجوز فيه الوقوف على «أن».

وأما قول الآخر : «ما أن طرّ شاربه» فإنما فصلت بين حرف النفي وبين الجملة التي نفاها ، وغير جائز الوقوف على الحرف الداخل على الجملة ؛ ألا ترى أنك لا تجيز الوقوف على «هل» من قولك : هل قام زيد ؛ لضعف الحرف وعدم الفائدة أن توجد فيه إلا مربوطا بما بعده.

__________________

تعطو : التطاول إلى الشجر ليتناول منه. لسان العرب (١٥ / ٦٩) مادة / عطا. السلم : نوع من شجر البادية. لسان العرب (١٢ / ٢٩٧) مادة / سلم. والشاعر يمدح محبوبته بأنها تطلع عليه بوجه جميل حسن ويشبهها بظبية تنال شجر السلم. والشاهد فيه : (كأن ظبية) حيث جاءت (أن) زائدة ودخلت عليها كاف التشبيه ، والتقدير : (كظبية). إعرابه : اسم مجرور بحرف الجر الكاف ، وعلامة جره الكسرة.

(١) ذكره صاحب اللسان في مادة (عنس) (٦ / ١٤٩) ، ونسبه إلى (أبو قيس بن رفاعة) ، ونسبه الأصبهاني إلى (أبو قيس بن الأسلت الأوسي) وقد نسب في إصلاح المنطق (٣٤١). (٢) العانسون : جمع عانس والعانس من بلغ سن الزواج ولم يتزوج. اللسان (٦ / ١٤٩). المرد : جمع أمرد وهو الذي لم تنبت لحيته. اللسان (٣ / ٤٠١) مادة / مرد. الشيب : جمع أشيب وهو الذي ابيض شعره. اللسان (١ / ٥١٢) مادة / وثب. والشاهد فيه : (ما أن) حيث وقعت موقعا لا يحسن الوقوف عليها ولذلك لا يجوز إبدال النون ألفا.

٣٢١

فأما قول الشاعر (١) :

ليت شعري هل ثمّ هل آتينهم

أم يحولن من دون ذاك الرّدى (٢)

فتقديره : هل آتينهم ثم هل آتينهم ، وإنما جاز اقتطاع الجملة الأولى بعد «هل» الأولى لأنه قد عطف عليها «هل» الثانية وما ارتبطت به من الجملة المستفهم عنها ، فدلّ ذلك على ما أراده في أول كلامه ، وهذا واضح.

أو أن تكون «أن» التي معناها العبارة كالتي في قوله عز وجل : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) (ص : ٦) (٣) قالوا : معناه أي امشوا. وهذه أيضا لا يجوز الوقوف عليها ؛ لأنها تأتي ليعبّر بها وبما بعدها عن معنى الفعل الذي قبلها ، فالكلام شديد الحاجة إلى ما بعدها ليفسّر به ما قبلها ، فبحسب ذلك يمتنع الوقوف عليها.

ويدلك في الجملة على شدة اتصال الحروف بما ضمّت إليه أنك تجد بعضها قد صيغ في نفس الكلمة ووسطها ، وجرى مجرى ما هو جزء من أصل تصريفها ، وهو ألف التكسير ، وياء التحقير ، نحو «دارهم» و «دريهم» و «دنانير» و «دنينير» ، ولم نجد شيئا من الأسماء ولا الأفعال صيغ واسطا في أنفس المثل كما صيغت ألف التكسير وياء التحقير ، فهذا في الجملة يؤكد عندك ضعف الحروف وقوة حاجتها إلى ما تتصل به ، فلما كانت «عن» و «أن» بحيث ذكرنا من الضعف وفرط الضرورة إلى اتصالهما بما بعدهما لم يجز الوقوف عليهما ، ولمّا لم يجز ذلك لم تبدل الألف من نونهما ، وليست كذلك «إذن» لأنهما قد تقع آخرا ، فيوقف عليها في نحو قولك :

__________________

(١) البيت في شرح المفصل (٨ / ١٥١) ومغني اللبيب (ص ٤٥٨) والبيت للكميت بن زيد الأسدي من قصيدة مطلعها :

من لصب متيم مستهام

غير ما صبوة ولا أحلام

(٢) الردى : الهلاك. لسان العرب (١٤ / ٣١٦) مادة / ردي. ليت شعري : أسلوب تمني يستخدمه العرب بمعنى يا ليتني. والشاعر يتمنى أن يأتي أحبابه قبل أن يحول بينه وبين ذلك الهلاك. الشاهد فيه (هل ثم هل ...) فتقديره (هل آتينهم) حيث قطع بين الجملتين بحرف العطف. (٣) الشاهد فيه (أن امشوا) حيث جاءت (أن) بمعنى أي امشوا ، ورغم ذلك لا يجوز الوقوف عليها لأنها تأتي لتعبر عن الفعل قبلها.

٣٢٢

إن زرتني فأنا أزورك إذن ، وأنا أحسن إليك إذن ، فلما ساغ الوقوف عليها جاز إبدال الألف من نونها.

والوجه الآخر الذي امتنع له إبدال الألف من نون «عن» و «أن» ولم تجر النون فيهما مجرى نون «إذن» أن نون «إذن» بالتنوين أشبه من نون «عن» و «أن» ، وذلك أن «إذن» على ثلاثة أحرف ، فإذا شبّهت النون وهي ثالثة الحروف بنون الصرف جاز ذلك ، لأنه قد تبقّى قبلها حرفان ، وهما الهمزة والذال ، فيشبهان من الأسماء «يدا» و «غدا» و «أخا» و «أبا» و «دما» و «سها» و «فما» ونحو ذلك من الأسماء المنقوصة التي يجوز أن يلحقها التنوين ، فيصير قولك «إذا» كقولك : رأيت يدا ، وكسرت فما ، وأكرمت أبا ونحو ذلك ، و «عن» و «أن» ليس قبل نونهما إلا حرف واحد ، وليس في الأسماء شيء على حرف واحد يجوز أن يلحقه تنوين ، فلم يكن لـ «أن» و «عن» شيء من الأسماء يشبهانه ، فتشبّه نونهما بتنوينه ، فتبدل ألفا كما يبدل تنوينه ألفا ، فاعرف ذلك.

والقول في «لن» كالقول أيضا في «عن» و «أن» في هذا الفصل وفي الذي قبله جميعا سواء.

فأما قولهم في اللعب واللهو «ددن» و «ددا» فليست الألف فيه بدلا من نون «ددن» من قبل أنها في لغة من نطق بها بالألف ثابتة موجودة في الوصل والوقف جميعا ، وذلك نحو قولهم : هذا ددا يا هذا ، ورأيت فيك ددا مفرطا ، وعجبت من ددن رأيته في فلان ، ولو كانت الألف في «ددا» بدلا من النون في «ددن» لما وجدت في الوصل ، كما أن ألف «إذا» لا توجد في الوصل ، إنما تقول : إذن أزورك ، ولا تقول : إذا أزورك. ومنهم من يحذف اللام ، فيقول «دد». قال أبو علي : ونظير «ددن» و «ددا» و «دد» في استعمال اللام تارة نونا ، وتارة حرف علة ، وتارة محذوفة «لدن» و «لدى» و «لد» ، كل ذلك يقال فاعرفه.

* * *

٣٢٣
٣٢٤

زيادة الألف

اعلم أن الألف تزاد ثانية ، وثالثة ، ورابعة ، وخامسة ، وسادسة ، ولا تزاد أولا البتة ؛ لأنها لا تكون إلا ساكنة ، والساكن لا يمكن الابتداء به.

فإن قلت : فهلا زيدت أولا وإن كانت ساكنة ، ثم أدخلت عليها همزة الوصل توصلا إلى النطق بها ، كما زيدت النون في «انطلق» ساكنة ، ثم أدخلت عليها همزة الوصل ليمكن النطق بها؟

فالجواب : أنهم لو فعلوا ذلك لدخلت همزة الوصل وهي مكسورة كما ينبغي لها ، ولو لحقت مكسورة قبل الألف لانقلبت الألف ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، فيقع هناك من الإشكال والاستثقال ما بعضه مستكره ، فرفض ذلك لذلك.

وهذا كرفضهم أن يبنوا في الأسماء اسما مما عينه واو على «فعل» مثل : «عضد» (١) و «سبع» (٢) وذلك أنهم لو بنوه لم يكونوا ليخلوا من قلب الواو ألفا أو تركها غير مقلوبة ألفا ، فإن لم يقلبوا ثقل ذلك عليهم ، وإن قلبوه صار لفظه كلفظ ما عينه مفتوحة ، فلم يدر أمفتوحة كانت أم مضمومة ، فلما كانوا لا يخلون في بناء ذلك من إشكال أو استثقال رفضوه البتة.

قال أبو علي : ونظير هذا قول الشاعر (٣) :

رأى الأمر يفضي إلى آخر

فصيّر آخره أوّلا (٤)

__________________

(١) عضد : العضد الساعد وهو من المرفق إلى الكتف ، وفيه خمس لغات : عضد ، عضد ، عضد ، عضد ، عضد. لسان العرب (٣ / ٢٩٢) مادة / عضد.

(٢) سبع : مفرد سباع. لسان العرب (٨ / ١٤٧) مادة / سبع.

(٣) البيت في الخصائص (١ / ٢٠٩) (٢ / ٣١ ، ١٧٠) ، والمحتسب (١ / ١٨٨).

(٤) يعني أن الأمور تتابع فيفضي أولها إلى آخرها وتكون متصلة دائما. والشاهد فيه : (آخر) حيث زيدت الألف ثانية. إعرابه : مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة.

٣٢٥

فزيادة الألف ثانية نحو : «ضارب» و «قاتل» و «خاتم» و «طابق» و «ساباط» (١) و «خاتام» و «عاقول» (٢) و «حاطوم» (٣) و «قاصعاء» (٤) و «نافقاء» (٥) وفي الفعل «خاصم» و «شاتم».

وزيادتها ثالثة نحو : «كتاب» و «حساب» و «غراب» و «جراب» (٦) و «حباب» (٧) و «سراب» و «سخاخين» بمعنى سخن.

أنشدنا أبو علي (٨) :

أحبّ أمّ خالد وخالدا

حبّا سخاخينا وحبّا باردا (٩)

وفي الفعل نحو «اشهابّ» و «احمارّ».

وزيادتها رابعة نحو : «حملاق» (١٠) و «درياق» (١١) و «زلزال» و «بلبال» (١٢) و «قرطاس» و «قرناس» (١٣) و «أرطى» (١٤) و «معزى» و «حبلى» و «سكرى».

__________________

(١) ساباط : سقيفة بين حائطين تحتها ممر نافذ. لسان العرب (٧ / ٣١١) مادة / سبط.

(٢) عاقول : عاقول البحر : معظمه ، وموجه ، وهو ما التبس من الأمور. اللسان (١١ / ٤٦٣).

(٣) حاطوم : السنة الشديدة لأنها تحطم كل شيء. اللسان (١٢ / ١٣٨).

(٤) قاصعاء : جحر يحفره اليربوع ، فإذا دخل فيه سد فمه لئلا يدخل عليه حية أو دابة.

(٥) نافقاء : جحر الضد واليربوع ، وقيل النفقة. اللسان (١٠ / ٣٥٨) مادة / نفق.

(٦) جراب : وعاء ، وقيل : المزود. اللسان (١ / ٢٦١) مادة / جرب.

(٧) حباب : حباب الماء : طرائقه ، ومعظمه ، وفقاقيعه التي تطفو كأنها القوارير.

(٨) البيتان في اللسان مادة (سخن) (١٣ / ٢٠٦) ، والتاج (سخن) (٩ / ٢٣٣).

(٩) سخاخينا : أي ساخنا. اللسان (١٣ / ٢٠٦). باردا : أي يسكن إليه قلبه. والشاهد : (سخاخينا) حيث زيدت الألف ثالثا. إعرابه : نعت منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

(١٠) حملاق : حملاق العين : ما يسوده الكحل من باطن أجفانها. اللسان (١٠ / ٦٩).

(١١) درياق : هو الترياق فارسي معرب. اللسان (١٠ / ٩٦) مادة / درق.

(١٢) بلبال : الهم ، ووساوس الصدر. لسان العرب (١١ / ٦٩) مادة / بلل.

(١٣) قرناس : ما يلف عليه الصوف ليغزل. اللسان (٦ / ١٧٣) مادة / قرنس.

(١٤) أرطى : شجر يدبغ به من شجر الرمل. اللسان (١٤ / ٣٢٥) مادة / رطا.

٣٢٦

فأما ألف «سلقى» (١) و «جعبى» (٢) و «خنظى» (٣) و «خنذى» (٤) فإنها منقلبة عن ياء لقولك «سلقيت» (٥) و «جعبيت» (٦) و «خنظيت» و «خنذيت».

قال (٧) :

قامت تعنظي بك سمع الحاضر (٨)

وزيادتها خامسة نحو : «حبركى» (٩) و «دلنظى (١٠)» و «قرقرى» (١١) و «سمّهى» (١٢) ، قال (١٣) :

فأصبحت بقرقرى كوانسا

فلا تلمه أن ينام البائسا (١٤)

__________________

(١) سلقى : سلقاه : طعنه فألقاه على جنبه. اللسان (١٠ / ١٦٢) مادة / سلق.

(٢) جعبى : جعبأه : صرعه. اللسان (١ / ٢٦٧) مادة / جعب.

(٣) خنظى : أي ندد به وأسمعه المكروه.

(٤) خنذى : البذاءة وسلاطة اللسان.

(٥) سلقيت : سلقه بالكلام أذاه وهو شدة القول باللسان. قال تعالى : (سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ)

(٦) جعبيت : صرعته. اللسان (١ / ٢٦٧) مادة / جعب.

(٧) البيت لجندل بن المثنى الطهوي كما في تهذيب الألفاظ (ص ٢٦٣) واللسان (جرس) (٦ / ٣٥).

(٨) سمع الحاضر : بمسمع من الحاضر. يخاطب بهذا البيت وبأبيات قبله زوجه ويقول : لقد خشيت أن أموت ولا أرى لك ضرة سليطة اللسان تفضحك بشنيع الكلام.

(٩) حبركى : الطويل الظهر القصير الرجلين. اللسان (١ / ٤٠٩) مادة / خبرك.

(١٠) دلنظى : الصلب الشديد. اللسان (٧ / ٤٤٤) مادة / دلنظ.

(١١) قرقرى : موضع. اللسان (٥ / ٩٠) مادة / قرر.

(١٢) سمهى : الباطل والكذب. اللسان (١٣ / ٥٠٠) مادة / سمه.

(١٣) البيتان في الكتاب (١ / ٢٥٥) ، والثاني في الهمع (١ / ٦٦).

(١٤) أصبحت : أي الإبل. قوله «كوانس» استعارة من كنس الظبى ، أي دخل ـ كنس ـ كناسه وهو بيته. البائس : يعني راعيها. يصف إبلا بركت بعد أن شبعت ، فنام راعيها. الشاهد فيه (قرقري) حيث زيدت الألف خامسا. إعرابه : مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة المقدرة.

٣٢٧

فأما الألف في «احبنطى» (١) و «ابرنتى» (٢) و «اسرندى» و «اغرندى» (٣) فإنما هي بدل من ياء لقولهم «احبنطيت» و «ابرنتيت» و «اسرنديت» و «اغرنديت» وفي الحديث : «فيظلّ محبنطيا على باب الجنّة (٤)».

وقال (٥) :

فظلّ محبنطيا ينزو له حبق

إما بحقّ وإما كان موهونا (٦)

أي : منتفخا.

وقرأت على أبي علي ، وأنشدنا من بعض كتب الأصمعي (٧) :

ما بال زيد لحية العريض

مبرنتيا كالخزر المريض (٨)

أي : غضبان. وقال الآخر (٩) :

قد جعل النّعاس يسرنديني

أدفعه عني ويغرنديني (١٠)

أي : يعلوني ويتجلّلني.

__________________

(١) احبنطى : انتفخ. لسان العرب (٧ / ٢٧) مادة / حبط.

(٢) ابرنتى : ابرنتى للأمر : تهيأ. اللسان (٢ / ١٠) مادة / برت.

(٣) اسرنداه : واغرنداه : إذا جهل عليه وإذا علاه وغلبه. اللسان (٣ / ٢١٢) مادة / سرد.

(٤) قد استشهد به في المنصف (٣ / ١٠) مهموزا ، وذكر عن أبي عبيدة أن المحبنطى ـ بغير همز ـ المتغضب المستبطئ الشيء.

(٥) لم أقف عليه.

(٦) الحبق : الضراط. اللسان (١٠ / ٣٧). موهونا : ضعيفا ، محبنطيا : منتفخا. الشاهد فيه (محبنطيا) حيث جاءت على الأصل فأصلها ياء من (احبنطيت) ا وليست ألفا زائدة.

(٧) البيت في إبدال أبي الطيب (٢ / ٢٣٨) وفيه «مبرشما» بدلا من «مبرنتيا» ولا شاهد فيه حينئذ يقال : برشم الرجل ، أي أحد النظر.

(٨) الشاهد فيه (مبرنتيا) حيث جاءت الكلمة على الأصل ، فأصلها ياء من (ابرنتيت).

(٩) البيتان في المنصف (١ / ٨٦) (٣ / ١١) واللسان (سرد) (٣ / ٢١٢) بدون نسب ونصه :

قد جعل النعاس يغرنذيني

أدفعه عني ويسرنديني

(١٠) يسرنديني : يعلوني. يغرنديني : يغلبني ويعلوني. اللسان (٣ / ٣٢٥). والشاهد فيه (يسرنديني ـ يغرنديني) حيث جاءت على الأصل الياء.

٣٢٨

وزيادتها سادسة نحو : «قبعثرى» (١) و «ضبغطرى» (٢) و «عبوثران» (٣) و «هزنبران» (٤) و «عريقصان» و «معلوجاء» (٥) وبابه نحو : «محضوراء» (٦) و «معيوراء» (٧) و «فيضوضاء» (٨) وغير ذلك.

واعلم أن الألف الزائدة إذا وقعت آخرا في الأسماء فإنها تأتي على ثلاثة أضرب : أحدها أن تأتي ملحقة ، والآخر أن تكون للتأنيث ، والآخر أن تكون زائدة لغير إلحاق ولا تأنيث.

الأول : نحو قولهم «أرطى» هو ملحق بالألف من آخره بوزن «جعفر» ويدلك على زيادة الألف في آخره قولهم : «أديم مأروط» إذا دبغ بالأرطى ، وهو شجر ، فالهمزة كما ترى أصل فاء ، والألف الآخرة زائدة.

وحدثنا أبو علي أن أبا الحسن حكى : «أديم مرطيّ» فأرطى على هذا أفعل ، والألف في آخره منقلبة عن ياء لقولهم «مرطيّ» كمرميّ من رميت ، هذا هو الوجه ، وهو أقيس من أن تحمل مرطيا على قول الحارثي (٩) :

وقد علمت عرسي مليكة أنني

أنا الليث معديّا عليه وعاديا (١٠)

ويدلك على أن الألف في قول من قال «مأروط» زائدة للإلحاق لا للتأنيث ، تنوينها ولحاق الهاء في قولهم : أرطاة واحدة ، بها سمّي الرجل أرطاة ، ولو كانت الألف للتأنيث لما جاز تنوينها ولا إلحاق علم التأنيث لها ، كما لا يجوز شيء من ذينك في «حبلى» ولا «حبارى».

__________________

(١) قبعثرى : الجمل الضخم العظيم.

(٢) ضبغطرى : الرجل الشديد ، والأحمق.

(٣) عبوثران : نبات طيب الريح.

(٤) هزنبران : السيء الخلق.

(٥) معلوجاء : اسم جمع للعلج ، والعلج : الرجل الشديد الغليظ. اللسان (٢ / ٣٢٦).

(٦) محضوراء : ماء لبني أبي بكر بن كلاب.

(٧) معيوراء : اسم جمع للعير ، وهو الحمار أيّا كان أهليّا أو وحشيّا وقد غلب على الوحشي.

(٨) فيضوضاء : يقال أمرهم فيضوضاء بينهم : إذا كانوا مختلطين يتصرف كل منهم في ما للآخر.

(٩) هو عبد يغوث بن وقاص الحارثي ، والبيت من مفضلية له وهو في الكتاب (٢ / ٣٨٢) والخزانة (١ / ٣١٦) وهو بغير نسبة في المنصف (١ / ١١٨).

(١٠) العرس : زوجة الرجل. الليث : الأسد. والشاهد فيه (عاديا) حيث إن الياء منقلبة عن واو لأنه من عدا يعدو.

٣٢٩

ومثل «أرطى» «معزى» وهو ملحق بـ «هجرع» (١). ويدلك على أن ألفه ليست للتأنيث تنوينها ، وأنه أيضا مذكر ، قال (٢) :

ومعزى هدبا يعلو

قران الأرض سوادنا (٣)

ومثل ذلك أيضا «حبنطى» (٤) و «سرندى» (٥) و «دلنظى» (٦) و «عفرنى» (٧) و «جلعبى» (٨) و «صلخدى» (٩) و «سبنتى» (١٠) و «سبندى» (١١). كل ذلك ملحق بسفرجل لإلحاق الهاء فيها ولتنوينها ، قال الأعشى (١٢) :

بذات لوث عفرناة إذا عثرت

فالتّعس أدنى لها من أن أقول لعا (١٣)

وقرأت على محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى للكميت بن معروف الفقعسيّ (١٤) :

بكلّ سبنتاة إذا الخمس ضمّها

يقطّع أضغان النّواجي هبابها (١٥)

__________________

(١) هجرع : الأحمق ، والطويل ، والجبان. اللسان (٨ / ٣٦٨) مادة / هجع.

(٢) البيت في الكتاب (٢ / ١٢) ، والمنصف (١ / ٣٦) (٣ / ٧) ، واللسان (قرن) دون أن ينسبه.

(٣) الهدب : كثير الشعر. قران الأرض : أعلاها. الشاهد فيه : (سودانا) حيث ألحقت به ألف الإلحاق.

(٤) حبنطى : القصير الغليظ.

(٥) سرندي : الجريء ، والشديد.

(٦) دلنظى : ضخما غليظ المنكبين ، والصلب الشديد.

(٧) عفرنى : الأسد.

(٨) جلعبى : الرجل الجافي الكثير الشر. اللسان (١ / ٢٧٤) مادة / جلب.

(٩) صلخدى : الجمل المسن الشديد الطويل. اللسان (٣ / ٢٥٨) مادة / صلد.

(١٠) سبنتى : الجريء المقدم من كل شيء.

(١١) سبندي : الجريء المقدم في كل شيء.

(١٢) ديوانه (ص ١٥٣) ، وذكره صاحب اللسان في مادة (لوث).

(١٣) اللوث : القوة. اللسان (٢ / ١٨٦) مادة / لوث. لعا له : دعا له بأن ينتعش. والمراد بذات لوث : الناقة القوية. اللسان (٢ / ١٨٦). الشاهد فيه (لعا) حيث زيدت ألف الإلحاق.

(١٤) البيت منسوب إليه في مجالس ثعلب (ص ٤٢٨) والمنصف (٣ / ٣٠).

(١٥) الخمس : أن ترد الإبل اليوم الخامس بعد أن تمسك عن الماء ثلاثا. اللسان (٦ / ٦٧). النواجي : الإبل السريعة. اللسان (١٥ / ٣٠٦) مادة / نجا. تقطع أضغانها : تفوقها في الجري. الهباب : النشاط والإسراع.

٣٣٠

وقالوا : «صلخداة» و «جلعباة» و «سرنداة» و «دلنظاة».

الثاني : وهو إلحاق الألف للتأنيث ، وذلك كل ما لم ينوّن نكرة نحو «جمادى» و «حبارى» و «حبلى» و «سكرى» و «غضبى» ، فهذه كلها وما يجري مجراها للتأنيث ، قال (١) :

إذا جمادى منعت قطرها

زان جنابي عطن مغضف (٢)

ولعمري إن «جمادى» معرفة ، وقال الفرزدق (٣) :

وأشلاء لحم من حبارى يصيدها

لنا قانص في بعض ما يتخطّف (٤)

فلم يصرف «حبارى» وهي نكرة.

وأنشدنا أبو علي (٥) :

وبشرة يأبونا كأن خباءنا

جناح سمانى في السماء تطير (٦)

فلم يصرف «سمانى» وهي نكرة.

__________________

(١) نسب الجوهري البيت إلى أبي قيس بن الأسلت ، ونسبه ابن بري لأحيحة بن الجلاح. اللسان (عصف) (٩ / ٢٤٨) وهو له أيضا في (غضف) (٩ / ٢٦٨). الجناب : الناحية. لسان العرب (١ / ٢٧٨) مادة / جنب. العطن هنا : النخيل الراسخة في الماء الكثيرة الحمل. اللسان (١٣ / ٢٨٦) مادة / عطن. عطن مغضف : كثر نعمه. اللسان (٩ / ٢٨٦).

(٢) الشاهد فيه (جمادى) حيث ألحقت الألف للتأنيث.

(٣) البيت في ديوانه (ص ٥٥٥) وجمهرة أشعار العرب (ص ٨٨٧) وعجزه فيها :

إذا نحن شئنا صاحب متألف

(٤) أشلاء : بقايا. لسان العرب (١٤ / ٤٤٢ ، ٤٤٣) مادة / شلا. حبارى : طائر يقع على الذكر والأنثى. اللسان (٤ / ١٦٠) مادة / حبر. قنص الصيد : صاده فهو قانص. والشاهد فيه : (حبارى) حيث زيدت الألف للتأنيث.

(٥) البيت في الخصائص (٢ / ٣٩) واللسان (٤ / ٦٣) مادة / بشر.

(٦) بشرة : اسم. اللسان (٤ / ٦٣) مادة / بشر. يأبونا : يكون لنا أبا. السمانى : طائر واحدته سمانة ، وقد يكون السماني واحدا. اللسان (١٣ / ٢٢٠).

٣٣١

وحكى سيبويه على جهة الشذوذ «بهماة» (١) فأدخل الهاء على ألف «فعلى» ، وألف «فعلى» لا تكون لغير التأنيث ، وقد ذكرنا علة ذلك قديما في هذا الكتاب.

وحكى أبو الحسن (٢) أيضا نحوا من هذا ، وهو قولهم : «شكاعاة» (٣) فالألف في هذا لغير التأنيث.

ومثله ما حكاه ابن السكيت (٤) من قولهم : «باقلّاة» (٥) فالألف هنا أيضا لغير التأنيث. وحكى البغداذيون «سماناة».

وأنشد ابن الأعرابي (٦) :

ويتّقي السّيف بأخراته

من دون كفّ الجار والمعصم (٧)

قال : أراد أخراه ، فقال : أخراته ، فيضاف هذا إلى «بهماة» وقالوا لضرب من النبت «نقاوى» والواحدة «نقاواة» فقس على هذا.

الثالث : لحاقها لغير إلحاق ولا تأنيث ، وذلك قولهم «قبعثرى» فليست هذه الألف للتأنيث لأنها منونة ، ولا للإلحاق لأنه ليس لنا أصل سداسي فيلحق «قبعثرى» به.

ومثله ما حكيناه عنهم من قول بعضهم «باقلّاة» و «شكاعاة» و «سماناة» و «نقاواة» لأن لحاق الهاء لها يدل على أنها ليست عندهم للتأنيث ، ولا هي أيضا للإلحاق ، لأنه ليس لنا أصل على هذا النحو فتلحق هذه الأسماء به. فأما «بهماة» فقد تقدم من القول فيها ما أغنى عن إعادته.

__________________

(١) بهماة : الكتاب (٢ / ٣٢٠) ، البهماة : واحدة البهمى ، وهو نوع من النبات.

(٢) حكى ذلك في كتابه معاني القرآن (ص ٩٦).

(٣) والشّكاعاة : واحدة الشكاعي ، وهو نبت وقيل : شجر صغار ذو شوك.

(٤) إصلاح المنطق (ص ١٨٣).

(٥) والباقلاة : واحدة الباقلي وهو الفول ، اسم سوادي. اللسان (١١ / ٦٢) مادة / بقل.

(٦) البيت في معاني القرآن للفراء (١ / ٢٣٩) واللسان مادة (أخر) ونسبه له (٤ / ١٣).

(٧) المعصم : موضع السوار من اليد (ج) معاصم. لسان العرب (١٢ / ٤٠٨) مادة / عصم. والشاهد فيه (بأخراته) حيث ألحقت الألف لغير التأنيث فالمراد (أخراه).

٣٣٢

واعلم أن هذه الألف قد زيدت في الاسم المثنى علما للتثنية ، وذلك قولهم : رجلان ، وفرسان ، وزيدان ، وعمران. واختلف الناس من الفريقين في هذه الألف ما هي من الكلمة ، فقال سيبويه (١) : هي حرف الإعراب ، وليست فيها نية إعراب ، وإن الياء في حال الجر والنصب في قولك : مررت بالزيدين ، وضربت العمرين حرف إعراب أيضا ، ولا تقدير إعراب فيها ، وهو قول أبي إسحاق ، وابن كيسان ، وأبي بكر ، وأبي علي.

وقال أبو الحسن (٢) : إن الألف في التثنية ليست حرف إعراب ، ولا هي أيضا إعراب ، ولكنها دليل الإعراب (٣) ، فإذا رأيت الألف علمت أن الاسم مرفوع ، وإذا رأيت الياء علمت أن الاسم مجرور أو منصوب. وإليه ذهب أبو العباس (٤).

وقال أبو عمر الجرمي صالح بن إسحاق (٥) : الألف حرف إعراب كما قال سيبويه ، ثم إنه كان يزعم أن انقلابها هو الإعراب.

وقال الفراء وأبو إسحاق الزيادي : الألف هي الإعراب ، وكذلك الياء. واعلم أنّا بلونا هذه الأقوال على تباينها وتنافرها واختلاف ما بينها ، وترجيح مذاهب أهلها القائلين بها ، فلم نر فيها أصلب مكسرا ولا أحمد مخبرا من مذهب سيبويه ، وسأورد الحجاج لكل مذهب منها والحجاج عليه.

إن سأل سائل فقال : ما الدليل على صحة قول سيبويه : إن ألف التثنية حرف الإعراب دون أن يكون الأمر فيها على ما ذهب إليه أبو الحسن أو غيره ممن خالفه؟

فالجواب : أن الذي أوجب للواحد المتمكن حرف الإعراب في نحو «رجل» و «فرس» هو موجود في التثنية في نحو قولك : «رجلان» و «فرسان» وهو التمكن ، فكما أن الواحد المعرف المتمكن يحتاج إلى حرف إعراب ، فكذلك الاسم المثنى إذا كان معربا متمكنا احتاج إلى حرف إعراب ، وقولنا : «رجلان ، وفرسان ،

__________________

(١) الكتاب (١ / ٤).

(٢) المقتضب (٢ / ١٥٢).

(٣) قال في معاني القرآن (ص ١٤): «وجعل رفع الاثنين بالألف».

(٤) المقتضب (٢ / ١٥٢ ـ ١٥٣).

(٥) المقتضب (٢ / ١٥١).

٣٣٣

وغلامان ، وجاريتان» ونحو ذلك أسماء معربة متمكنة ، فتحتاج إذن إلى ما احتاج إليه الواحد المتمكن من حرف الإعراب ، فقد وجب بهذا أن يكون الاسم المثنى ذا حرف إعراب إذ كان معربا. ونظير ذلك أيضا الجمع المكسّر في نحو : رجل ورجال ، وفرس وأفراس ، وغلام وغلمان ، فكما أن الواحد في هذا ونحوه فيه حرف إعراب ، فكذلك قد وجدت في جمعه حرف إعراب ، فحال التثنية في هذه القضية حال الجمع وإن اختلفا من غير هذا الوجه ، وإذا كان ذلك كذلك ، وكان قولنا «الزيدان» و «العمران» ونحوهما أسماء معربة ذات حروف إعراب فلا يخلو حرف الإعراب في قولنا : الزيدان ، والعمران ، والرجلان ، والغلامان من أن يكون ما قبل الألف ، أو الألف ، أو ما بعد الألف ، وهو النون.

فالذي يفسد أن تكون الدال من «الزيدان» هي حرف الإعراب أنها قد كانت في الواحد حرف إعراب في نحو : هذا زيد ، ورأيت زيدا ، ومررت بزيد ، وقد انتقلت عن الواحد الذي هو الأصل إلى التثنية التي هي فرع ، كما انتقلت عن المذكر الذي هو الأصل في قولك : «قائم» إلى المؤنث الذي هو فرع في قولك «قائمة» ، فكما أن الميم في قائمة ليست حرف إعراب ، وإنما علم التأنيث في «قائمة» هو حرف الإعراب ، فكذلك ينبغي أن يكون علم التثنية في نحو قولك : «الزيدان» و «العمران» هو حرف الإعراب ، وعلم التثنية هو الألف ، فينبغي أن تكون هي حرف الإعراب ، كما كانت الهاء في «قائمة» حرف الإعراب ، على أن أحدا لم يقل إن ما قبل ألف التثنية حرف إعراب.

فإن قلت : فإنا نقول : رجل ، وفرس ، فتكون اللام والسين حرفي الإعراب ، ثم نقول : رجال ، وأفراس ، فنجد اللام والسين أيضا حرفي الإعراب ، فما تنكر أن تكون الدال من «زيد» حرف الإعراب ، ثم تكون أيضا في «الزيدان» حرف الإعراب؟

فالجواب : أن حال التثنية في هذا غير حال جمع التكسير ، وذلك أن جمع التكسير ليس توجد فيه صيغة الواحد كما توجد صيغة الواحد في التثنية ، ألا ترى أنك إذا قلت رجل ، ورجال فقد نقضت تركيب الواحد وصغته صياغة أخرى ، وكذلك :

فرس ، وأفراس ، وعبد وعباد ، وكلب وأكلب ، وليست التثنية كذلك ، إنما يوجد

٣٣٤

فيها لفظ الواحد وصيغته البتة ، ثم تزيد عليها علم التثنية ، وهي الألف ، فتقول : الزيدان ، والرجلان ، فجرى ذلك مجرى قولنا : «قائم» فإذا أردنا التأنيث أدّينا صيغة المذكر بعينها ، ثم زدنا علم التأنيث ، وهو الهاء ، فقلنا «قائمة» وكذلك «قاعد» و «قاعدة» ، فالتثنية إذن بالتأنيث أشبه منها بجمع التكسير ، فبه ينبغي أن يقاس لا بجمع التكسير ، وهذا أوضح.

وأيضا فإن حرف الإعراب من جمع التكسير كما يكون هو حرف الإعراب في الواحد فيما ذكرت ، فقد يكون أيضا غير حرف الإعراب في الواحد نحو قولك : غلام وغلمان ، وجريب وجربان ، وصبيّ وصبية ، وضاربة وضوارب ، وقصعة وقصاع ، وقتيل وقتلى ، وصريع وصرعى ، وغير ذلك مما يطول ذكره. فقد علمت أنه لا اعتبار في هذا بجمع التكسير ، وعلم التثنية لا يكون لفظ الواحد أبدا ، كما أن علم التأنيث لا يكون لفظ المذكر أبدا ، فهو لما ذكرت به أشبه.

وأيضا فلو كان حرف الإعراب في «الزيدان» هو الدال كما كان في الواحد لوجب أن يكون إعرابه في التثنية كإعرابه في الواحد ، كما أن حرف الإعراب في نحو : «فرس» لما كان هو السين ، وكان في «أفراس» أيضا هو السين كان إعراب «أفراس» كإعراب «فرس» ، وهذا غير خفي ، على أنّا لا نعلم أحدا ذهب إلى أن حرف الإعراب في الواحد هو حرف الإعراب في التثنية ، وإنما قلنا ما قلنا احتياطا لئلا تدعو الضرورة إنسانا إلى التزام ذلك ، فيكون جوابه وما يفسد به مذهبه حاضرا عتيدا.

ولا يجوز أيضا أن تكون النون حرف الإعراب لأنها حرف صحيح يتحمل الحركة ، فلو كانت حرف إعرابه لوجب أن تقول : قام الزيدان ، ورأيت الزيدان ، ومررت بالزيدان ، فتعرب النون ، وتقرّ الألف على حالها ، كما تقول : هؤلاء غلمان ، ورأيت غلمانا ، ومررت بغلمان. وأيضا فإن النون قد تحذف في الإضافة ، ولو كانت حرف إعراب لثبتت البتة في الإضافة ، كما تقول : هؤلاء غلمانك ، ورأيت غلمانك ، فقد صحّ أن الألف حرف الإعراب.

فإن قلت : فإذا كانت الألف حرف الإعراب فما بالهم قلبوها في الجر والنصب ، فقالوا : مررت بالزيدين ، وضربت الزيدين ، وهلا دلّك قلبها على أنها ليست كالدال

٣٣٥

من «زيد» إذ الدال ثابتة على كل حال ، ولا كألف «حبلى» و «سكرى» لأنها موجودة في الرفع والنصب والجر؟

فالجواب عن ذلك من وجهين :

أحدهما : أن انقلاب الألف في الجر والنصب لا يمنع من كونها حرف إعراب ؛ لأنّا قد وجدنا فيما هو حرف إعراب بلا خلاف بين أصحابنا هذا الانقلاب ، وذلك ألف «كلا» و «كلتا» في قولهم : قام الرجلان كلاهما ، والمرأتان كلتاهما ، ومررت بهما كليهما ، وكلتيهما ، وضربتهما كليهما ، وكلتيهما ، فكما أن الألف في «كلا» و «كلتا» حرف إعراب وقد قلبت كما رأيت ، فكذلك أيضا ألف التثنية حرف إعراب وإن قلبت في الجر والنصب.

فإن قلت : إن انقلاب ألف «كلا» و «كلتا» إنما هو لعلة أنهما أشبهتا «على» و «إلى» و «لدى».

قيل لك : وألف التثنية أيضا انقلبت لعلة سنذكرها عقيب هذا الفصل بإذن الله.

ومثل ذلك أيضا من حروف الإعراب التي قلبت قولهم : هذا أخوك وأبوك وحموك وهنوك وفوك وذو مال ، ورأيت أباك وأخاك وحماك وهناك وذا مال ، ومررت بأخيك وأبيك وحميك وهنيك وفيك وذي مال ، فكما أن هذه كلها حروف إعراب ، وقد تراها منقلبة ، فكذلك لا يستنكر في حرف التثنية أن يقلب وإن كان حرف إعراب.

قال أبو علي (١) : فلو لم تكن الواو في «ذو» حرف إعراب لبقي الاسم المتمكن على حرف واحد ، وهو الذال.

ومثل ذلك أيضا قولهم فيما ذكر أبو علي : هذه عصيّ (٢) ، و (يا بُشْرى)(٣) فيمن قرأ بذلك.

__________________

(١) المسائل البغداديات (ص ٥٤٠ ـ ٥٤١).

(٢) عصى : من ذلك قوله تعالى : (هِيَ عَصايَ) (طه : ١٨) فقد قرأ ابن أبي إسحاق والجحدري هي عصى البحر المحيط (٦ / ٢٣٤).

(٣) هذه قراءة أبي الطفيل والجحدري وابن أبي إسحاق ورويت عن الحسن. المحتسب (١ / ٣٣٦).

٣٣٦

وقول أبي ذؤيب (١) :

سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم

فتخرّموا ، ولكل جنب مصرع (٢)

وقول الآخر أنشدناه عن قطرب (٣) :

يطوّف بي عكبّ في معدّ

ويطعن بالصّملّة في قفيّا (٤)

فإن لم تثأراني من عكبّ

فلا أرويتما أبدا صديّا (٥)

وقول أبي داود (٦) :

فأبلوني بليّتكم لعليّ

أصالحكم وأستدرج نويّا (٧)

وهو كثير جدا ، فكما جاز للألف في هذه الأشياء أن تقلب ياء وهي حرف إعراب ، فكذلك أيضا يجوز لألف التثنية أن تقلب ياء وإن كانت حرف إعراب.

ومثل ذلك أيضا إبدالهم تاء التأنيث في الوقف هاء وذلك نحو : «قائمه» و «قاعده» و «منطلقه» ، فكما أن التاء حرف إعراب وإن كانت قد قلبت في الوقف هاء ، فكذلك أيضا لا يمتنع كون ألف التثنية حرف إعراب وإن كانت قد تقلب ياء.

__________________

(١) البيت في شرح أشعار الهذليين (ص ٧) ، وقد أنشده أبو علي الفارسي في المسائل العسكريات (ص ٢٦) وذكره صاحب اللسان في مادة (هوا).

(٢) أعنقوا : أسرعوا. تخرموا : تشققوا ، والمقصود أخذوا واحدا واحدا. والشاهد فيه (هوى) حيث قلب حرف الإعراب ألفا.

(٣) أنشد أبو علي البيت الأول في المسائل العسكريات (ص ٢٦) عن أبي الحسن ، والبيتان للمنخل اليشكري. انظر / شرح ديوان الحماسة للتبريزي (٢ / ٤٨) ، واللسان (١ / ٦٢٦) مادة / عكب.

(٤) الصملة : عصا مصنوعة من الشجر. عكب : صاحب سجن النعمان. والشاهد فيه (قفيا) حيث قلبت الألف ياء.

(٥) صدى : طائر يصيح إذا لم يثأر للمقتول ، في رأي الجاهلين. الشاهد فيه (صديّا) حيث قلبت الألف ياء.

(٦) البيت في النقائض (ص ٤٠٨) والخصائص (١ / ١٧٦) (٢ / ٣٤١).

(٧) ابلوني : اصنعوا بي صنيعا جميلا. استدرج : أرجع أدراجي من حيث أتيت. البيت في قوم جاورهم ، فأساءوا جواره. الشاهد فيه (نويا) حيث قلبت الألف ياء.

٣٣٧

ونحو من ذلك أيضا إبدال بعضهم ألف التأنيث في الوقف همزة ، وذلك ما حكاه سيبويه من قولهم في الوقف «هذه حبلأ» (١). وقد أبدلوا أيضا الألف في الوقف ياء ، فقالوا (٢) : هذه أفعي ، وحبلي».

قال الراجز (٣) :

إنّ لطيّ نسوة تحت الغضي

يمنعهنّ الله ممّن قد طغي

بالمشرفيّات وطعن بالقني (٤)

قال سيبويه (٥) : «ومنهم من يبدلها أيضا في الوصل ياء ، فيقول : هذه أفعي عظيمة». فكما أبدل حرف الإعراب في جميع هذه الأشياء ، ولم يدل انقلابه على أنه ليس بحرف إعراب ، كذلك أيضا يجوز قلب الألف التي للتثنية ، ولا يدل ذلك على أنها ليست بحرف إعراب. فهذا أحد وجهي الحجاج.

وأما الوجه الآخر فإن في ذلك ضربا من الحكمة والبيان ، وذلك أنهم أرادوا بالقلب أن يعلموا أن الاسم باق على إعرابه ، وأنه متمكن غير مبني ، فجعلوا القلب دليلا على تمكن الاسم وأنه ليس بمبني بمنزلة «متى» و «إذا» و «أنّى» و «إيّا» مما هو مبني وفي آخره ألف.

فإن قلت : فإذا كانت الألف في التثنية حرف إعراب ، فهلا بقيت في الأحوال الثلاث ألفا على صورة واحدة ، كما أن ألف حبلى وسكرى ، حرف إعراب وهي باقية في الأحوال الثلاث على صورة واحدة في نحو قولك : هذه حبلى ، ورأيت حبلى ، ومررت بحبلى.

__________________

(١) الكتاب (٢ / ٢٨٥).

(٢) الكتاب (٢ / ٢٨٥) وهل لغة لفزارة وناس من قيس وهي قليلة كما في الكتاب (٢ / ٢٨٧) وقد حكاها الخليل وأبو الخطاب.

(٣) الأبيات في المنصف (١ / ١٦٠) والمحتسب (١ / ٧٧).

(٤) الغضي : نوع من النبات. المشرفيات : السيوف المصنوعة من المشارف وهي قرى من اليمن القنا : الرماح. والشاهد فيه (الغضي ـ بالقني) حيث أبدلت الألف في حالة الوقف ياء.

(٥) الكتاب (٢ / ٢٨٧) وفيه أن هذه لغة طيئ.

٣٣٨

فالجواب : أن بينهما فرقا ، وذلك أن الأسماء المقصورة التي حروف إعرابها ألفات ، وإن كانت في حال الرفع والنصب والجر على صورة واحدة ، فإنه قد يلحقها من التوابع بعدها ما ينبّه على مواضعها من الإعراب ، وذلك نحو الوصف في قولك : هذه عصا معوجّة ، ورأيت عصا معوجّة ، ونظرت إلى عصا معوجّة ، فصار اختلاف إعراب «معوجة» دليلا على اختلاف أحوال «عصا» من الرفع والنصب والجر.

وكذلك التوكيد نحو قولك : عندي العصا نفسها ، ورأيت العصا نفسها ، ومررت بالعصا نفسها ، فاختلاف إعراب «النفس» دليل على اختلاف إعراب «العصا» وأنت لو ذهبت تصف الاثنين لوجب أن تكون الصفة بلفظ التثنية ، ألا تراك لو تركت التثنية بالألف على كل حال لوجب أن تقول في الصفة : رأيت الرجلان الظريفان ، ومررت بالرجلان الظريفان ، فيكون لفظ الصفة كلفظ الموصوف بالألف على كل حال ، فلا تجد هناك من البيان ما تجده إذا قلت : رأيت عصا معوجة أو طويلة أو قصيرة أو نحو ذلك مما يبين فيه الإعراب.

وكذلك البدل نحو : رأيت أخواك الزيدان ، ومررت بأخواك الزيدان ، فلا تجد في التابع بيانا يدل على حال المتبوع ، فلما كان ذلك كذلك عدلوا إلى أن قلبوا لفظ الجر والنصب إلى الياء ليكون ذلك أدلّ على تمكن الاسم واستحقاقه الإعراب. ونظير قلبهم الألف في التثنية ياء في الجر والنصب قولهم «هديّ» و «عصيّ» ؛ ألا ترى أنهم قلبوا الألف ياء لما كانت ياء المتكلم يكسر ما قبلها ، فاعرفه.

على أن من العرب من لا يخاف اللبس ، ويجري الباب على أصل قياسه ، فيدع الألف ثابتة في الأحوال الثلاث ، فيقول : قام الزيدان ، وضربت الزيدان ، ومررت بالزيدان ، وهم بنو الحارث بن كعب ، وبطن من ربيعة ، وأنشدوا في ذلك :

تزوّد منّا بين أذناه طعنة

دعته إلى هابي التراب عقيم (١)

__________________

(١) البيت لهوبر الحارثي كما في اللسان (صرع) (٨ / ١٩٧) ، (١٥ / ٣٥١) مادة / هبا. طعنة : أثر الطعن. هابي التراب : ما ارتفع ودق. اللسان (١٥ / ٣٥١). عقيم : لا فائدة منه. اللسان (١٢ / ٤١٣) مادة / عقم. والشاهد فيه (أذناه) حيث لم تقلب ألف أذناه ياء وهي لغة بنو الحارث.

٣٣٩

وقال الآخر (١) :

فإطرق إطراق الشّجاع ولو يرى

مساغا لناباه الشجاع لصمّما (٢)

وقال الآخر (٣) :

أعرف منها الجيد والعينانا

ومنخرين أشبها ظبيانا (٤)

يريد : العينين ، ثم إنه جاء بالمنخرين على اللغة الفاشية.

وروينا عن قطرب (٥) :

هيّاك أن تمنى بشعشعان

خبّ الفؤاد مائل اليدان (٦)

وقال الآخر (٧) :

__________________

(١) هو المتلمس يعاتب خاله الحارث بن التوأم اليشكري ، والبيت في ديوانه (ص ٣٤).

(٢) الشجاع : الحية الذكر. المساغ : المدخل. اللسان (٨ / ٤٣٥). صمم : عضّ. والشاهد فيه (لناباه) حيث لم تقلب الألف ياء في حالة الجر وهي لغة بعض القبائل.

(٣) البيت لرجل من بني ضبة كما في النوادر (ص ١٦٨) وزعم العيني أنه لا يعرف قائله.

(٤) منخرين : ثقبا الأنف. الجيد : العنق. اللسان (٣ / ١٣٩). الظبيانا : اسم رجل ، وقيل مثنى ظبي. لسان العرب (١٥ / ٢٤) مادة / ظبا. والشاهد فيه (العينانا) يريد العينين حيث لم تقلب الألف ياء. إعرابه : معطوف على الجيد ، منصوب بفتحة مقدرة على الألف.

(٥) البيت في الإفصاح (ص ٣٧٧).

(٦) الشعشعان : الطويل الحسن الخفيف اللحم ، شبه بالخمر المشعشعة لدقتها. اللسان (٨ / ١٨٢). الخب : الخبيث الماكر. الفؤاد : القلب. والشاهد فيه (بشعشعان) حيث لم تقلب الألف ياء في حالة الجر.

(٧) نسب البيتان إلى أبي النجم وهما في ديوانه (ص ٢٢٧) ، ونسبهما العيني إلى أبي النجم نقلا عن الجوهري ، وذكر أنهما ينسبان إلى رؤبة ونص على أنهما ليسا في ديوان العيني (١ / ١٣٣). وذكر العيني أن أبا زيد نسبه في نوادره لبعض أهل اليمن. قال محيي الدين عبد الحميد : وقد بحثت عنه في النوادر فلم أجد فيها هذا البيت ، ولكني وجدت أبا زيد أنشد عن أبي الغول أبيات قافيتها نفس قافية البيت ومن هنا وقع السهو للعيني. انظر / شرح ابن عقيل (١ / ٥١).

٣٤٠