سرّ صناعة الإعراب - ج ٢

أبي الفتح عثمان بن جنّي

سرّ صناعة الإعراب - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 978-2-7451-2702-0
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

وأما مهدد ـ وإن كان علما بدلالة قول الأعشى (١) :

وما ذاك من عشق النساء وإنما

تناسيت قبل اليوم خلّة مهددا (٢)

فإنّا إنما حملناه على أنه فعلل ، ولم نحمله على أنه مفعل مظهر التضعيف لضرورة العلم ؛ لأنا قد وجدنا في كلامهم «م ه د» متصرفا ، فحملنا على هذا دون أن نحمله على أنه من «ه د د» لما فيه من الضرورة ، فاعرف ذلك.

واعلم أن الأعلام إنما جازت فيها هذه المخالفة للجمهور من قبل أنها كثر استعمالها ، فجاز فيها من الاتساع ما لم يجز في ما قل استعماله من الأجناس ، وكما غيّرت في أنفسها وذواتها ، فكذلك غيّر إعرابها أيضا عمّا عليه حكم إعراب النكرات.

ألا تراهم يقولون لمن قال مررت بزيد : من زيد؟ ولمن قال ضربت بكرا : من بكرا؟

ولا يقولون لمن قال رأيت رجلا : من رجلا؟ ولا : من غلام؟ لمن قال نظرت إلى غلام.

واعلم أنك إذا حصّلت حرفين أصلين في أولهما ميم أو همزة ، وفي آخرهما ألف فاقض بزيادة الميم والهمزة ، وذلك أنا اعتبرنا اللغة فوجدنا أكثرها على ذلك ، إلا أن تجد ثبتا تترك هذه القضية إليه ، وذلك نحو موسى ، وأروى (٣) ، وأفعى ، ومثالهما مفعل ، وأفعل ، وذلك أن مفعلا في الكلام أكثر من فعلى ، وأفعل أكثر من فعلى ، ألا ترى أن زيادة الميم أولا أكثر من زيادة الألف رابعة.

وأما معزى ، لقولهم معز ، ومعز ، ومعيز.

وأما أرطى (٤) ففعلى ، لقولهم : أديم مأروط (٥).

__________________

(١) البيت في ديوانه ص ١٨٥.

(٢) عشق النساء : أي حبهن أشد الحب ، والنساء : جمع امرأة من غير لفظه. تناسيت : أي ادعيت فقدانا مؤقتا لما حفظه ذهني من صور وأفكار وكلام. خلة : الخلة الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه (ج) خلال. ويؤكد الشاعر على تناسيه لحب عشيقته مهدد.

(٣) أروى : اسم امرأة.

(٤) أرطى : شجر ينبت بالرمل يدبغ به.

(٥) أديم مأروط : أي أديم مدبوغ بشجر الأرطى.

١٠١

وحكى لنا أبو علي أن أبا الحسن حكى : أديم مرطيّ ، فأرطى على هذا : أفعل.

وقد زيدت الميم حشوا في دلامص في قول الخليل (١) ، ووزنه فعامل لأنه من الدّلاص (٢) ، وهو البرّاق ، قال الأعشى :

إذا جرّدت يوما حسبت خميصة

عليها وجريال النّضير الدّلامصا (٣)

وقد قلبوه ، فقالوا : دمالص ، ووزنه على هذا فماعل. وحذفوا أيضا ألفهما تخفيفا ، فقالوا : ودملص ، ووزنهما فعمل ، وفمعل. وأما أبو عثمان فأجاز (٤) في دلامص أن يكون رباعيا قريبا من لفظ دلاص ، كما قالوا لؤلؤ ولأّال ، وسبط (٥) وسبطر (٦) ، ودمث (٧) ودمثر (٨). وقد أحكمت هذا ، وتقصّيته في كتابي (٩) في شرح تصريف أبي عثمان رحمه الله.

ونظير دمالص ما حدثنا به أبو علي قال : يقال : لبن قمارص ، يعني القارص ، فالميم إذن هنا زائدة ، ومثاله فماعل.

__________________

(١) انظر / الكتاب (٢ / ٣٢٨).

(٢) في الكتاب (٤ / ٣٢٥) : لأنه من التدليص. الدلعص : كعلبط وعلابط البرّاق ، وذهب دلامص لماع. القاموس المحيط (٢ / ٣٠٤).

(٣) جردت : أزيل ما عليها. مادة (ج ر د) القاموس المحيط (١ / ٢٨٢). خميصة : كساء أسود مربع له علمان. القاموس المحيط (٢ / ٣٠٢). قوله خميصة عليها : كناية عن الشعر. النضير : الخالص من كل شيء والذي يشتمل على رونق وبهجة. وهو يكنى به عن الذهب حيث يقال ذهب نضار. القاموس المحيط (٢ / ١٤٣). يقول الأعشى : أنها لو جردت من ملابسها لظننت وشعرها ينسدل عليها كأنما ترتدي خميصة ويبدو ما عليها صاف يبرق كأنما الذهب أو الفضة.

(٤) المنصف (١ / ١٥٢).

(٥) وسبط : السبط من الرجال الطويل. القاموس المحيط (٢ / ٣٦٢).

(٦) سبطر : في الرجال ، الطويل. لسان العرب (٤ / ٣٤٢) مادة / سبطر.

(٧) دمث : المكان الدمث : السهل اللين. القاموس المحيط (١ / ١٦٦ ـ ١٦٧).

(٨) دمثر : السهل اللين. لسان العرب (٤ / ٢٩١) مادة / دمثر.

(٩) أي في المنصف (١ / ١٥٢ ـ ١٥٣).

١٠٢

وحدثنا أبو علي أيضا ، قال (١) : قال الأصمعي (٢) : قالوا للأسد هرماس ، وهو من الهرس (٣) ، فمثاله على هذا فعمال.

ويجوز على قياس قول الخليل أن يكون حلقوم : فعلوم ، لأنه من الحلق.

وبلعوم : فعلوم أيضا ، لأنه من البلع ، وسرطم : فعلم ، لأنه من الاستراط (٤).

ورأس صلادم : فعالم ، لأنه من الصّلد (٥). وأسد ضبارم : فعالم ، لأنه من الضّبر (٦) والتّضبير. وأن يكون أيضا ضماريط من قول القضيم بن مسلم البكائي (٧) :

وبيّت أمّه فأساغ نهسا

ضماريط استها في غير نار (٨)

وزنه : فماعيل ، لأنه من الضّرط.

وقد زيدت الميم آخرا أيضا ، وذلك قولهم : اللهمّ ، فالميم مشددة عوض في آخره من يا في أوله ، ولا يجمع بينهما إلا في ضرورة الشعر ، قال :

إني إذا ما حدث ألمّا

أقول : يا اللهمّ يا اللهمّا (٩)

وخففها الأعشى ، فقال (١٠) :

كحلفة من أبي رياح

يسمعها لا هم الكبار (١١)

__________________

(١) التكملة (ص ٥٥٥).

(٢) انظر / اشتقاق الأسماء للأصمعي.

(٣) الهرس : الدق العنيف. القاموس المحيط (٢ / ٢٥٩).

(٤) الاستراط : سرط ـ سرطا ـ استراطا : أي ابتلعه. مادة (س ر ط) القاموس (٢ / ٣٦٣).

(٥) الصلد : حجر صلد : صلب أملس. القاموس (١ / ٣٠٨).

(٦) الضّبر : شدة الخلق.

(٧) البيت نسبه صاحب اللسان في مادة (ض ر ط) إلى الفضيم بن مسلم البكائي.

(٨) ضماريط الأست : ما حواليها. لسان العرب (٧ / ٣٤٢) مادة / ضرط. والشاهد فيه : أن ضراريط على وزن فماعيل حيث أن أصلها ضريط بوزن فعل ، وضراريط على وزن فماعيل على هذا النحو.

(٩) سبق الحديث عنه.

(١٠) نسب صاحب اللسان البيت في مادة (أله) إلى الأعشى ، وهو في ديوانه (ص ٣٣٣) ، وانظر / معاني القرآن للفراء (١ / ٢٠٤).

(١١) والشاهد فيه أن الأعشى لم يشدد الميم في قوله (لاهم) حيث إن الميم تشدد عوضا عن أداة النداء في أول المنادى في قوله (يا اللهما) فتصبح اللهمّ بتشديد الميم وحذف الياء.

١٠٣

ولحقت أيضا في آخر المتمكن ، وذلك نحو شدقم ، لأنه العظيم الشّدق. وشجعم ، لقولهم (١) :

الأفعوان والشّجاع الشّجعما (٢)

إنما هو توكيده ومن لفظه. ودردم من الأدرد (٣) ، ودلقم من الدّلق (٤) وسيف دلوق. ودقعم (٥) من الدّقعاء. وزرقم (٦) ، وفسحم (٧) ، وستهم (٨) ، لأنها من الزّرقة ، والفسحة (٩) ، والأسته.

ويجوز أن يكون قرطم (١٠) من ذلك لأنه يقرط. وقالوا : امرأة خدلم للخدلة (١١) ، وشيخ كهكم (١٢) ، وهو الذي يكهكه في يده.

قال الأغلب (١٣) :

يا ربّ شيخ من لكيز كهكم

قلّص عن ذات شباب خدلم (١٤)

__________________

(١) البيت ذكره صاحب اللسان في مادة (ش ج ع) (٨ / ١٧٥) ، ولم ينسبه.

(٢) الأفعوان : ذكر الأفاعي. لسان العرب (١٥ / ١٥٩) مادة / فعا.

(٣) الأدرد : الذي سقطت أسنانه كلها وفي الحديث : «لزمت السواك حتى خشيت أن يدردني».

(٤) الدلق : دلق الشيء أخرجه. القاموس المحيط (٣ / ٢٣٢).

(٥) دقعم : الأرض التي لا نبات بها فهي دقعاء ودقعم.

(٦) الزرقم : الذي اشتدت زرقته للمذكر والمؤنث. القاموس المحيط (٣ / ٢٤٠).

(٧) الفسحم : الذي اتسع صدره فصدره فسيح وفسحم ، وكذا من فسح صدره فانشرح.

(٨) وستهم : الذي عظم استه.

(٩) الفسحة : السعة (ج) فسح. مادة (ف س ح). القاموس المحيط (١ / ٢٤٠).

(١٠) قراطم : نبات زراعي صبغي من الفصيلة المركبة ، يستعمل زهرة تابلا وملونا للطعام ، ويستخرج منه صباغ أحمر ، وهو حب العصفر أو ثمره. القاموس (٤ / ١٦٤).

(١١) للخدلة : المرأة الغليظة الساق المستديرتها. القاموس المحيط (٣ / ٣٦٦).

(١٢) كهكم : أي كل وطعن في السن. القاموس المحيط (٤ / ١٧٣).

(١٣) البيت نسبه إليه صاحب اللسان في مادة (خدل) (١١ / ٢٠١).

(١٤) البيت نسبه صاحب اللسان كما ذكرنا إلى الأغلب العجلي ، ولكن كالآتي :

يا رب شيخ من عدي كهكم

قلص عن ذات سباب خدلم

والشاهد فيه قوله (كهكم) حيث أبدل الهاء ميم حيث إنها كهكه.

١٠٤

وقال آخر :

ليست برسحاء ولكن ستهم

ولا بكرواء ولكن خدلم (١)

وقال ابن دريد : دخشم اسم رجل من دخش (٢) يدخش دخشا إذا امتلأ لحما. والصّلقم : الشديد الصّراخ ، من الصّلق (٣).

واعلم أن الميم في أنتما ، وأنتم ، وقمتما ، وقمتمو ، وضربتكما ، وضربتكمو ، ومررت بهما وبهمو ، إنما زيدت لعلامة تجاوز الواحد ، وأن الألف بعدها لإخلاص التثنية ، والواو بعدها لإخلاص الجمع.

واعلم أن الميم من خواص زيادة الأسماء ، ولا تزاد في الأفعال إلا شاذا ، وذلك نحو : تمسكن (٤) الرجل ، من المسكنة ، وتمدرع (٥) من المدرعة ، وتمندل (٦) من المنديل ، وتمنطق (٧) من المنطقة ، وتمسلم الرجل إذا كان يدعى زيدا أو غيره ثم صار يدعى مسلما (٨). وحكى ابن الأعرابي عن أبي زياد : فلان يتمولى (٩) علينا. فهذا كله تمفعل. وقالوا مرحبك الله ومسهلك (١٠). وقالوا مخرق (١١) الرجل ، وضعفّها ابن كيسان ، وهذا كله مفعل. ولا يقاس على هذا إلا أن يشذ الحرف فتضمّه إليه.

__________________

(١) البيت ذكره صاحب اللسان في مادة (كرا) ولم ينسبه. (١٥ / ٢٢٠). رسحاء : رسح رسحا : قل لحم عجزه وفخذيه فهو أرسح وهي رسحاء ويقال به رسح. ستهم : العظيمة الاست. كرواء : التي دق عظم أطرافها ـ الساقين والذراعين ـ. خدلم : الممتلئة. يقول الشاعر في وصف للمرأة : أنها ليست قليلة اللحم ولكنها عظيمة الاست ممتلئة. والبيت إنشائي في صورة نفي غرضه المدح.

(٢) دخش : بفتح العين في النسخ كلها ، وكذا في اللسان (٦ / ٣٠١) مادة / دخش.

(٣) الصّلق : الصياح. القاموس المحيط (٣ / ٢٥٤).

(٤) تمسكن الرجل : أظهر المسكنة. القاموس المحيط (٤ / ٢٣٥).

(٥) تمدرع : لبس المدرعة. القاموس (٣ / ٢٠).

(٦) تمندل : تمسح بالمنديل. القاموس (٤ / ٥٦).

(٧) تمنطق : شد على وسطه المنطقة. لسان العرب (١٠ / ٣٥٥) مادة / نطق.

(٨) مسلما : في الممتع (ص ٢٤٢) : مسلمة.

(٩) تمولى علينا : تعاظم.

(١٠) مسهلك : من السهل. لسان العرب (١١ / ٣٤٩)

(١١) مخرق الرجل : أي تخرق بالمعروف ، وهو من الخرق ، أي الكريم.

١٠٥
١٠٦

حرف النّون

النون حرف مجهور أغنّ ، يكون أصلا وبدلا وزائدا.

فالأصل يكون فاء وعينا ولاما ، فالفاء نحو نعم ونعم ، والعين نحو جنب وجنح ، واللام نحو حصن وقطن.

وأما البدل فذهب أصاحبنا (١) إلى أن النون في فعلان فعلى نحو سكران وغضبان وولهان (٢) وحيران بدل من همزة فعلاء نحو حمراء وصفراء ، وإنما دعاهم إلى القول بهذا أشياء:

منها : أن الوزن في الحركة والسكون في فعلان وفعلاء واحد ، وأن في آخر فعلان زائدتين زيدتا معا ، والأولى منهما ألف ساكنة كما أن فعلاء كذلك.

ومنها : أن مؤنث فعلان على غير بنائه إنما هو فعلى ، كما أن مذكر فعلاء على غير بنائها إنما هو أفعل.

ومنها : أن آخر فعلاء همزة ، وهي علامة التأنيث ، كما أن آخر فعلان نون تكون في فعلن نحو قمن وقعدن علامة تأنيث. فلما اشتبهت الهمزة والنون هذا الاشتباه ، وتقاربتا هذا التقارب لم يخلوا من أن يكونا أصلين كل واحد منهما قائم بنفسه غير مبدل من صاحبه ، أو يكون أحدهما منقلبا عن الآخر. فالذي يدل على أنهما ليسا أصلين بل النون بدل من الهمزة قولهم في صنعاء وبهراء لما أرادوا الإضافة إليهما : صنعانيّ وبهرانيّ. فإبدالهم النون من الهمزة في صنعاء وبهراء يدل على أنها في باب فعلان فعلى بدل من همزة فعلاء. وإذا ثبت ذلك فقد ينضاف إليه مقوّيا له قولهم في جمع إنسان : أناسيّ ، وفي جمع ظربان (٣) : ظرابيّ.

__________________

(١) أصحابنا : رأي أصحابه يمكن مراجعته في كل من : المنصف (١ / ١٥٣ ـ ١٥٨ ـ ١٥٩) ، والكتاب (٢ / ٣١٤ ـ ٣٤٩).

(٢) ولهان : الوله : شدة الحزن مع الحنين والوجد. القاموس المحيط (٤ / ٢٩٥).

(٣) ظربان : حيوان في رتبة اللواحم والفصيلة السمورية ، وهو أصغر من السنور ، أصلم الأذنين مجتمع الرأس ، طويل الخطم قصير القوائم. منتن الرائحة. القاموس (١ / ٩٩).

١٠٧

قال الراجز (١) :

دون ظرابيّ بني قرواش (٢)

فجرى هذا مجرى قولهم صلفاء (٣) وصلافيّ وخبراء (٤) وخباريّ. فردّهم النون في إنسان وظربان ياء في ظرابيّ وأناسيّ كما ردوا همزة خبراء وصلفاء ياء يدل على أن الموضع للهمزة ، وأن النون داخلة عليها. ونحو من ذلك أيضا قولهم سكران وسكارى ، وحيران وحيارى ، وندمان (٥) وندامى ، ونصران ونصارى (٦) ، فجرى هذا مجرى صحراء وصحارى.

فإن قيل : فما تنكر أن تكون النون هي الأصل والهمزة بدل منها ، بدلالة قلبهم النون في ظربان وإنسان ياء في ظرابيّ وأناسيّ ، فكما قلبت هنا ياء كذلك قلبت نون فعلان همزة في فعلاء ، وما الفرق بينك وبين من عكس الأمر عليك كما ذكرناه؟

فالجواب : أن الذي قدمناه من قولهم في صنعاء وبهراء (٧) : صنعانيّ وبهرانيّ دلالة قاطعة على أن النون هي البدل من الهمزة ، لا أن الهمزة بدل من النون ، وإذا كان الأمر كذلك فالنون أيضا في إنسان وظربان بدل من الهمزة لقولهم : ظرابيّ وأناسيّ كقولهم : صلافيّ وخباريّ.

فإن قلت : فإنّ إنسانا فعلان ، وظربان : فعلان ، وليس فيهما فعلان ، وأنت قد قدّمت من قولك أنّ النون في فعلان بدل ، ولم تذكر فعلان ولا فعلان!

__________________

(١) لم نعثر على نسب لهذا الراجز.

(٢) جاء شطر البيت في شرح الملوكي (ص ٣٦٣) ولم نعثر عليه في اللسان ، ولم يذكره صاحب المنصف ، ولا غيرهما. والشاهد فيه : جمع كلمة ظربان على ظرابي ، بينما تجمع على (ظربى ـ ظرابين) وذلك عند النسب إليها حيث نسبت إلى بني قرواش.

(٣) صلفاء : الصلب من الأرض فيه حجارة. القاموس المحيط (٣ / ١٦٣).

(٤) خبراء : الأرض التي ينبت فيها النبات ، والمخابرة : المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض.

(٥) ندمان : المصاحب في الشراب والمسامر. القاموس المحيط (٤ / ١٨٠).

(٦) نصارى : (م) نصراني وهو من تعبد بدين النصرانية. القاموس المحيط (٢ / ١٤٣).

(٧) بهراء : حي من اليمن ، وقيل : قبيلة. لسان العرب (٤ / ٨٥) مادة / بهر.

١٠٨

فالجواب : أن الأصل كما تقدم لفعلان بالمشابهة التي ذكرناها بينه وبين فعلاء ، فأما فعلان وفعلان فإنما شبّها بفعلان للزيادة التي في أواخرهما ومشابهتها للزيادة التي في آخر فعلان ، فحملا في البدل على فعلان ، كما شبّها أيضا به وجميع بابهما مما في آخره ألف ونون وليس على وزن فعلان ، أو كان على فعلان وليست له فعلى في ترك صرف الجميع معرفة ، وذلك نحو عثمان ، وغطفان ، وزعفران ، وكيذبان (١) ، وحمدان ، وسعدان (٢) ، فكما ألحقت هذه الأشياء بسكران وحيران كذلك ألحق به أيضا ظربان وإنسان في أن ردّت نونهما إلى حرف اللين في ظرابيّ وأناسيّ.

فإن قلت : فما تقول في حكاية أبي زيد عنهم في جمع إنسان : أناسية؟ وما القول في هذه الياء والهاء؟

فالجواب : أن الياء في أناسية هي الياء الثانية في أناسيّ ، وأن الهاء في أناسية بدل من ياء أناسيّ الأولى ، ألا ترى أن أناسيّ بوزن زناديق (٣) وفرازين ، وأن الهاء في زنادقة وفرازنة إنما هي بدل من ياء زناديق وفرازين ، وأنها لمّا حذفت للتخفيف عوّض منها الهاء. ومثل ذلك جحجاح (٤) وجحاجحة ، إنما أصله جحاجيح ، فالياء الأولى من أناسيّ بمنزلة ياء فرازين وزناديق ، والياء الآخرة منه بمنزلة القاف والنون فيهما.

ومثل ذلك قولهم في جمع أثبيّة ـ وهي الجماعة ـ أثابية ، إنما أصلها أثابيّ ، وحالها حال أناسية.

فإن قيل : فلم أبدلت همزة فعلاء نونا؟ وما الذي سهّل ذلك وحمل عليه؟

فالجواب : أن للنون شبها بحروف اللين قويا لأشياء :

منها : أنّ الغنة التي في النون كاللين الذي في حروف اللين.

__________________

(١) كيذبان : أي الكاذب.

(٢) سعدان : شوك النخل ، وقيل هو نبت أو شوك ، وهو من أنجع المراعي ، وقيل هو بقلة.

(٣) زناديق : (م) زنديق ، وهو الذي يؤمن بالزندقة ، والزندقة هي القول بأزلية العالم ، وأطلق على الزردشتيه ، والمانوية وغيرهم من الثنوية ، وتوسع فيه فأصبح يطلق على كل شاك أو ضال أو ملحد. القاموس المحيط (٣ / ٢٤٢).

(٤) جحجاح : السيد السمح الكريم (ج) جحاجح ، جحاجيح ، وجحاجحة. القاموس (١ / ٢١٧).

١٠٩

ومنها : اجتماعها في الزيادة معهن ، ومعاقبتها لهن في الموضع الواحد من المثال الواحد ، وذلك نحو : شرنبث وشرابث (١) ، وجرنفس وجرافس (٢) ، وعصنصر وعصيصر (٣) ، وعرنقصان وعريقصان (٤) ، ألا ترى أن النون قد عاقبت الألف والياء في ما ذكرنا. وقالوا أيضا : فدوكس (٥) ، وسرومط (٦) ، وعميثل (٧) كما قالوا : جحنفل (٨) ، وفلنقس (٩). وفصلوا بها بين العينين ، فقالوا : عقنقل (١٠) ، وعصنصر ، وسجنجل (١١) ، وهجنجل (١٢) ، وعبنبل (١٣) ، كما قالوا : غدودن (١٤) ، وقطوطى (١٥) ، وشجوجى (١٦) في أحد قولي سيبويه (١٧) ، وخفيفد (١٨). وحذفوها أيضا لالتقاء الساكنين في نحو (١٩) :

 ... م الآن ...

 ... (٢٠)

__________________

(١) شرابث : الذي غلظ ظاهر يده أو رجله وتشقق من البرد ونحوه. القاموس (١ / ١٦٨).

(٢) جرافس : الضخم الشديد من الرجال.

(٣) عصنصر أو عصيصر : جبل.

(٤) عرنقصان : نبات.

(٥) فدوكس : اسم من أسماء الأسد.

(٦) سرومط : الطويل. القاموس (٢ / ٣٦٤).

(٧) عميثل : الضخم الثقيل.

(٨) جحنفل : العظيم الجحفلة ، والجحفلة : مشفر البعير. القاموس المحيط (٣ / ٣٤٦).

(٩) الفلنقس : البخيل اللئيم. القاموس المحيط (٢ / ٢٣٨).

(١٠) العقنقل : الكثيب العظيم المتداخل الرمل. القاموس المحيط (٤ / ٢٠).

(١١) سجنجل : المرآة. القاموس (٣ / ٣٩٤).

(١٢) هجنجل : اسم. القاموس (٤ / ٦٧).

(١٣) عبنبل : الضخم القوي ، ويقال الضخم من كل شيء ، فيقال : هو عبل الذراعين ، ويقال امرأة عبلة : ممتلئة الجسم. القاموس المحيط (٤ / ١١).

(١٤) غدودن : أي الطويل.

(١٥) قطوطى : المتبختر. القاموس (٢ / ٣٨١).

(١٦) شجوجى : المفرط في الطول. القاموس المحيط (١ / ١٩٥).

(١٧) ذكر ذلك سيبويه في الكتاب (٢ / ١١١ ـ ٣٢٩ ـ ٣٤٥).

(١٨) الخفيفد : الخفيف من الظلمان.

(١٩) يقصد قول أبي صخر الهزلي :

كأنهما الآن لم يتغيرا

وقد مرّ للدارين من بعدنا عصر

والبيت ذكره صاحب الخزانة (٣ / ٢٥٨).

(٢٠) الشاهد فيه قوله (م الآن) حيث إن أصلها (من الآن) ، وحذفت النون لالتقاء الساكنين تخفيفا.

١١٠

و (١) :

 ...

ولاك اسقني ... (٢)

و (٣) :

لم يك الحقّ ...

 ... (٤)

كما حذفوهن لذلك في نحو غزا القوم ، وتعطي ابنك ، وتصبو المرأة (٥).

وجعلوها أيضا علم الرفع في نحو يقومان ، ويقومون ، وتقومين ، كما جعلوا الواو والألف علما له في نحو أخوك ، وأبوك ، والزيدان ، والزيدون ، إلى غير ذلك مما يطول ذكره. فلما ضارعت النون حروف اللين هذه المضارعة ، وكانت الهمزة قد قلبت إلى كل واحدة من الألف والياء والواو قلبوها أيضا إلى الحرف الذي ضارعهن (٦) ، وهو النون ، للتصرف والاتساع.

__________________

(١) البيت ذكره صاحب الخزانة (٤ / ٣٦٧) ، وكذا ذكره صاحب الإنصاف (ص ٦٨٤) ، ونسبه صاحب الكتاب (١ / ٩) إلى النجاشي الحارثي وهو قيس بن عمرو.

(٢) والبيت بتمامه :

فلست يأتيه ولا أستطيعه

ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل

والشاهد فيه حذف النون لالتقاء الساكنين في قوله (لاك) فأصله (لكن) وحذفت النون تخفيفا

(٣) البيت ذكره صاحب الخزانة (٤ / ٧٢) ، والنوادر (ص ٢٩٦) ، وينسب البيت إلى حسيل بن عرفطة الأسدي.

(٤) والبيت بتمامه :

لم يك الحق سوى أن هاجه

رسم دار قد تعفّى بالسرر

تعفى : عفا الأثر وتعفى : أي زال وامّحى. السرر : اسم موضع قريب من مكة. والشاهد فيه (يك) حيث حذفت النون لالتقاء الساكنين (النون والألف). إعراب الشاهد : يك : فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة تخفيفا لأنه مضارع صحيح الآخر.

(٥) تصبو المرأة : صبا يصبو صبوا : أي مال إلى اللهو ، وتصبو المرأة أي تحن وتشتاق إلى أيام اللهو والحداثة والصّبا. القاموس المحيط (٤ / ٣٥١).

(٦) ضارعهن : شابههن ، ضارع : شابه ، تضارعا : تشابها.

١١١

ومن حذاق (١) أصحابنا (٢) من يذهب إلى أن النون في صنعانيّ وبهرانيّ إنما هي بدل من الواو التي تبدل من همزة التأنيث في النسب ، وأن الأصل صنعاويّ وبهراويّ ، وأن النون هناك بدل من هذه الواو ، كما أبدلت الواو من النون في قولك : من وّاقد (٣)؟ وإن وّقفت وقفت ، ونحو ذلك. وكيف تصرفت الحال فالنون بدل من الهمزة. وإنما ذهب من ذهب إلى هذا قال لأنه لم ير النون أبدلت من الهمزة في غير هذا ، وكان في قولهم إن نون فعلان بدل من همزة فعلاء ، فيقول : ليس غرضهم هنا البدل الذي هو نحو قولهم في ذئب : ذيب ، وفي جؤنة : جونة (٤) ، وإنما يريدون أن النون تعاقب في هذا الموضع الهمزة كما تعاقب لام المعرفة التنوين ، أي لا تجتمع معه ، فلما لم تجامعه قيل إنها بدل منه ، وكذلك النون والهمزة ، وهذا مذهب ليس ببعيد أيضا ، وأما قول العجاج (٥) :

كأنّ رعل الآل منه في الآل

بين الضّحى وبين قيل القيّال

إذا بدا دهانج ذو أعدال (٦)

__________________

(١) حذاق : (م) حاذق ، وهو الماهر البارع. القاموس المحيط (٣ / ٢١٩).

(٢) أصحابنا : ذكر صاحب المنصف (١ / ١٥٨) أنه أبو علي الفارسي ، وهو من أشهر نحاة عصره.

(٣) واقد : من يوقد النار.

(٤) جونة : سليلة مستديرة مغشاة بالجلد ، يحفظ العطار فيها الطيب (ج) جون.

(٥) البيت للعجاج في ديوانه (٢ / ٣٢٠).

(٦) الأبيات نسبها صاحب الأمالي إلى الحجاج (٢ / ٩١) ، ونسبها إليه أيضا صاحب اللسان. مادة (دهنج) ولكن البيت كما جاء به صاحب اللسان هو :

كأن رعن الآل منه في الآل

إذا بدا دهانج ذو أعدال

رعن : اسم موضع. اللسان (١٣ / ١٨٣) مادة / رعن. الآل : الطرف. ويقال ألّل الحربة : أي حدد طرفها ، ورعن الآل : أي ما حواليها ونواحيه. القيال : (م) قائل. وهو الذي يستريح أو ينام في منتصف النهار. بدا : ظهر. دهانج : سرعة الخطوات مع المقاربة بينها. القاموس المحيط (١ / ١٨٩). والشاهد في قوله (رعل) حيث أبدلت النون لاما. ويدل على ذلك أنها جاءت بروايتين (رعن ـ رعل).

١١٢

وقول الآخر (١) :

وهمّ رعن الآل أن يكونا

بحرا يكبّ الحوت والسّفينا (٢)

فليس أحد الحرفين بدلا من صاحبه ، وذلك أن الرّعن بالنون من الرّعن ، وهو الاضطراب.

قال الشاعر (٣) :

ورحلوها رحلة فيها رعن (٤)

وعلى هذا قراءة الحسن : (لا تَقُولُوا راعِنا) (البقرة : ١٠٤) (٥) أي خطأ وخطلا (٦) من القول ، فسمي أول السراب رعنا لتموّجه (٧) واضطرابه.

__________________

(١) ذكر صاحب اللسان في مادة (سفن) وكذا في (٢ / فهارس ص ١١٨٢) أنه العجاج ، وكذا نسبه إليه ابن السكيت في الإبدال (ص ٨٣)

(٢) الشاهد فيه أن كلمة (رعن) لم يحدث فيها إبدال فلم تبدل النون لاما. إعراب الشاهد : رعن : خبر مرفوع.

(٣) اختلف في نسبة البيت إلى شاعر محدد ، فقال البعض : إنه خطام المجاشعي وهو خطام بن رباح بن عياض بن يربوع المجاشعي. اللسان (٣ / فهارس ص ٢٠٥٦). وقال الآخر : إنه الأغلب العجلي.

(٤) البيت ذكره صاحب اللسان ونسبه إلى الأغلب العجلي ، وهو بيت من أرجوزة تبدأ بقوله :

إنا على التشواق منا والحزن

مما نمد للمطي المستفن

 ...

ورحلوها رحلة فيها رعن

حتى أنخناها إلى منّ ومن

وذلك في مادة (ر ع ن) وكذا (١٣ / ١٨٢).

(٥) راعنا : قول كانت تقوله اليهود استهزاء ، فزجر الله ـ عز وجل ـ المؤمنين أن يقولوه. والشاهد في قوله عز وجل (راعنا).

(٦) الخطل : المنطق الفاسد المضطرب وقد (خطل) في كلامه من باب طرب ، وأخطل : أي أفحش. القاموس المحيط (٣ / ٣٦٨).

(٧) لتموجه : أي لاضطرابه ، ماج يموج يتموج ، من باب قال اضطربت (أمواجه) ، والناس يموجون. القاموس المحيط (١ / ٢٠٨).

١١٣

وأما رعل باللام فمن الرّعلة والرّعيل ، وهي القطعة من الخيل (١) ، وذلك أن الخيل توصف بالحركة والسرعة (٢).

وأما قول الآخر (٣) :

حتى يقول الجاهل المستنطق

لعنّ هذا معه معلّق (٤)

أي عليقة ، فإن النون فيه بدل من لام لعلّ.

ومثله قول أبي النجم (٥) :

اغد لعنّا في الرّهان نرسله (٦)

أي : لعلّنا. فأمّا ما قرأته (٧) على أبي علي للطرماح (٨) :

كطوف متلّي حجّة بين غبغب

وقرّة مسودّ من النّسك قاتن (٩)

__________________

(١) الخيل : الفرسان ، ومنه قوله تعالى : (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) أي بفرسانك ورجالتك ، والخيل أيضا الخيول لقوله تعالى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ ...).

(٢) السرعة : ضد البطء.

(٣) البيت لم نعثر على قائله.

(٤) الشاهد فيه قوله (لعن) حيث أبدل اللام نونا ، ويقصد (لعل). إعراب الشاهد : لعل : حرف ناسخ مبني لا محل له من الإعراب ينصب المبتدأ ويرفع الخبر.

(٥) البيت نسبه صاحب العقد الفريد (١ / ١٧٢) ، وكذا ابن السكيت في الإبدال (ص ١١١) إلى أبي النجم العجلي.

(٦) الشاهد فيه قوله (لعّنا) حيث أبدل اللام نونا.

(٧) أي لابن السكيت في الإبدال (ص ٨٣).

(٨) جاء ذلك في ديوان الطرماح بن حكيم (ص ٥٠١).

(٩) غبغب : اسم صنم. القاموس (١ / ١٠٩). قرة : اسم صنم. متلى : أي الذي يتلو حجته بحجته تالية لها فيتلو الحجة تلو الحجة. بين غبغب وقرة : أي بين الصنمين ـ غبغب وقرة النسك : (م) النسيكة ، أي الذبيحة. والشاهد فيه إبدال الميم نونا في قوله (قاتن) حيث أراد قاتم أي (مسود ... قاتم).

١١٤

فذهب أبو عمرو الشيباني إلى أنه أراد قاتم ، أي أسود ، فأبدل الميم على مذهبه نونا ، وقد يمكن غير ما قال ، وذلك أنه يجوز أن يكون أراد بقوله قاتن : فاعل من قول الشماخ (١) :

وقد عرقت مغابنها وجادت

بدرتّها قرى جحن قتين (٢)

والقتين : الحقير الضئيل ، فكذلك يكون بيت الطرماح ، أي : مسودّ من النسك حقير الجسم زهيده للضر والجهد ، فإذا كان كذلك لم يكن بدلا.

وأما زيادة النون فعلى ضربين : أحدهما زيادة صيغت في نفس المثال المزيد فيه.

والآخر زيادة لحقت على غير معنى اللزوم.

الأول منهما : قد زيدت النون أولا في نحو نقوم ، ونضرب ، وانفعل وبابه ، وفي نحو نفرجة ، يقال : رجل نفرجة القلب ، إذا كان جبانا غير ذي جلادة ولا حزم ، وحدثنا أبو علي عن أبي إسحاق ، قال : يقال : رجل أفرج وفرج ، وهو الذي لا يكتم سرا ، وهو أيضا الذي يكشف عن فرجه ، فقوله : «الذي لا يكتم سرا» هو في معنى نفرجة ، ومثاله نفعلة ، قال الراجز :

نفرجة القلب قليل النّيل

يلقى عليه النّيدلان باللّيل (٣)

النّيدلان : الذي يقال له الكابوس.

__________________

(١) هو الشماخ بن ضرار معقل ، وكنيته أبو سعيد ، والبيت في ديوانه (ص ٣٥٣) ، ونسبه إليه صاحب اللسان في مادة (ق ت ن). (١٣ / ٣٣٠) ولكن بقوله (حجن) بدل (جحن). عرقت : أي رشح جلدها ، ويقال عرق العظم إذا أكل ما عليه من لحم. القاموس (٣ / ٢٦٢). مغابنها : (م) مغبن : الإبط أو بواطن الأفخاذ عند الحوالب. القاموس المحيط (٤ / ٢٥٣). جادت : جاد أي صار جيدا ، وجاد : سخا وبذل. القاموس المحيط (١ / ٢٨٥). درتها : أدرت أي كثر لبنها. القاموس المحيط (٢ / ٢٨). جحن : جحن جحنا وجحانة أي : ساء غذاؤه وبطؤ نموه ، والجحن : النبت المعطش الضعيف.

(٢) هو حريث بن زيد الخيل.

(٣) ذكره صاحب اللسان في مادة (فرج) (٢ / ٣٤٣) ، ولم ينسبه ، والبيت كما ذكره هو :

تفرجة القلب قليل النّيل

يلقى عليه النيدلان بالليل

وقد نسبه في شرح الملوكي (ص ١٤٨) وكذا في المنصف (١ / ١٠٦) إلى حريث بن زيد الخيل.

١١٥

وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن قراءة مني عليه ، قال : حدثني أبو الحسين أحمد بن سليمان المعبدي ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن شجاع الكاتب ابن أخت أبي الوزير ، قال : قرأته على أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب ، عن محمد بن زياد الأعرابي ، قال : النون في نفاطير (١) ، ونباذير ، ونخاريب (٢) زائدة ، أصله فطره إذا قطعه ، وبذره إذا فرّقه. والنّخاريب أصله من الخراب. وأما النّبراس فيجوز أن يكون نفعالا من البرس ، وهو القطن ، لأن النّبراس المصباح ، وفتيله من القطن.

وزيدت النون ثانية في نحو قنعاس (٣) ، وقنفخر (٤) ، وثالثة في نحو جحنفل (٥) ، وعبنبل (٦) ، ورابعة في نحو رعشن (٧) ، وضيفن (٨) في قول غير أبي زيد ، وخلفنة (٩) ، وعرضنة (١٠) ، وخامسة في نحو سكران ، وغضبان ، وسادسة في نحو زعفران ، وعقربان (١١) ، وحدرجان ، وجلجلان (١٢) ، سابعة في نحو عرنقصان (١٣) ، وعبيثران (١٤) ، وعبوثران ، وقرعبلانة (١٥). وقيل في قول الشاعر (١٦) :

لا تفخرنّ فإنّ الله أنزلكم

يا خزر تغلب دار الذلّ والعار (١٧)

__________________

(١) نفاطير : الكلاء المتفرق ، الواحدة نفطورة. القاموس المحيط (٢ / ١٤٧).

(٢) نخاريب : ثقوب ، ونخرب الشيء أي ثقبه وجعل به ثقب (م) نخروب. القاموس (١ / ١٣١)

(٣) قنعاس : الضخم العظيم. القاموس (٢ / ٢٤٣).

(٤) قنفخر : الفائق في نوعه.

(٥) جحنفل : الذي عظمت جحفلته ، والجحفلة للحافر كالشفة للإنسان. القاموس (٣ / ٣٤٦).

(٦) عبنبل : الضخم الشديد. القاموس (٤ / ١١).

(٧) رعشن : المرتعش. القاموس (٢ / ٢٧٥).

(٨) ضيفن : من يجيء مع الضيف متطفلا. القاموس (٣ / ١٦٦).

(٩) خلفنة : رجل خلفنة : في أخلاقه خلاف. القاموس (٣ / ١٣٨).

(١٠) عرضنه : الاعتراض في السير من النشاط. القاموس المحيط (٢ / ٣٣٥).

(١١) عقربان : دخّال الأذن. القاموس المحيط (١ / ١٠٧).

(١٢) جلجلان : ثمرة الكزبرة ، وقيل حب السمسم. القاموس المحيط (٣ / ٣٥٠).

(١٣) عرنقصان : نبات. القاموس (٢ / ٣٠٨).

(١٤) عبيثران : نبات ذو رائحة.

(١٥) قرعبلانه : دويبة.

(١٦) ذكره صاحب التاج ولم ينسبه (٣ / ١٧٤) ، وكذا صاحب الممتع (ص ٢٧٠) ولم ينسبه.

(١٧) الشاهد فيه قوله (يا خزر تغلب) أي يا خنازير ذلك أن كل خنزير من صفاته أن يكون أخزر أي تكون عينه ضيقة صغيرة ، ولهذا كل خنزير يطلق عليه أخزر.

١١٦

إنه أراد بالخزر الخنازير ، لأن كل خنزير عندهم أخزر (١).

وأنكر ذلك أحمد بن يحيى ، فقال : خزر : جماعة خنزير على حذف الزوائد.

ظنّ النون زائدة ، وإنما هي ههنا أصل.

الثاني من القسمة ، وهو زيادة النون غير مصوغة في الكلمة : زيدت علما للجمع والضمير في نحو قولك : الهندات قمن ، وقعدن ، ويقمن ، ويقعدن. وعلامة للجمع مجردة من الضمير. نحو : قعدن الهندات ، ويقعدن أخواتك في من قال ذلك (٢).

ومن أبيات الكتاب (٣) :

ولكن ديافيّ أبوه وأمّه

بحوران يعصرن السّليط أقاربه (٤)

فهذه النون في يعصرن علامة للجمع مجردة من الضمير ، لأنه لا ضمير في الفعل لارتفاع الظاهر به.

وتزاد للتوكيد في الأفعال خفيفة وثقيلة في نحو لتقومنّ ولتقعدنّ و (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) (الإنشقاق : ١٧) (٥) و (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) (العلق : ١٥) (٦).

__________________

(١) أخزر : أي ضيق العين صغيرها. القاموس المحيط (٢ / ١٩).

(٢) قال البصريون ذلك عن طيئ ، وأكد ذلك صاحب أوضح المسالك (٢ / ٩٨).

(٣) نسب صاحب الكتاب البيت للفرزدق (١ / ٢٣٦) ونسبه إليه أيضا صاحب الخزانة (٢ / ٣٨٦).

(٤) يهجو الفرزدق في هذا البيت من قصيدته عمرو بن عفراء الضبي ، ويعيره بأنه من قرية دياف (إحدى قرى الشام) وأن أباه وأمه يقطنان حوران ـ إحدى قرى الشام أيضا ـ حيث يعصران السليط أي الزيت أي أنه يعيره بنسبه وعمل أهله. والشاهد فيه قوله (يعصرن) حيث جاءت مجردة من ضمير الرفع (الواو).

(٥) (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ :) أي حالا بعد حال وأمرا بعد أمر. لتركبن : أي لتلاقن ، والجملة جواب القسم. انظر / مختصر تفسير الطبري (ص ٥٨٩) ، (ص ٥٢٥). والشاهد فيها زيادة النون للتوكيد في قوله تعالى (لَتَرْكَبُنَّ) وهي تزاد غالبا في الأفعال للتوكيد سواء خفيفة كانت أو ثقيلة.

(٦) (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ :) لنسفعا : لنسودن وجهه. بالناصية : لنأخذن بناصيته (مقدم شعر الرأس) إلى النار. والشاهد فيها : زيادة النون مع الفعل للتوكيد في قوله تعالى : (لَنَسْفَعاً).

١١٧

وشبّه بعض العرب اسم الفاعل بالفعل ، فألحقه النون توكيدا ، قال :

أريت إن جئت به أملودا

مرجّلا ويلبس البرودا

أقائلنّ أحضروا الشّهودا (١)

يريد : أقائلون ، فأجراه مجرى أتقولون. وقال الآخر (٢) :

يا ليت شعري عنكم حنيفا

أشاهرنّ بعدنا السّيوفا (٣)

وتلحق علما للرفع في خمسة أفعال ، وهي : تقومان ، ويقومان وتقومون ، ويقومون ، وتقومين ونحوه ، ولا تحذف هذه النون إلا لجزم أو نصب ، ولا تثبت إلا للرفع ، فأما ما أنشده أبو الحسن من قول الشاعر (٤) :

لولا فوارس من نعم وأسرتهم

يوم الصّليفاء لم يوفون بالجار (٥)

__________________

(١) الأبيات ذكرها صاحب اللسان في مادة (رأى) (١٤ / ٢٩٣) ، دون أن ينسبها ، وصاحب الخصائص ذكرها ولم ينسبها ، بينما نسبها صاحب العيني إلى رؤبة. والشاهد فيها معاملة الأسماء كالأفعال في دخول نون التوكيد عليها ، وقلنا ربما كانت الأسماء المشتقة مثل قوله (أقائلن) في هذه الأبيات حيث إن المشتقات تعمل عمل الأفعال فجاز أن تعامل مثلها في دخول نون التوكيد عليها.

(٢) جاء في العيني إنه رؤبة ، وذكره صاحب اللسان في مادة (شهر) (٤ / ٤٣٣) دون أن ينسبه ، بينما نسبه صاحب الجمهرة والخزانة إلى رؤبة.

(٣) والشاهد فيه قوله (أشاهرن) حيث أضاف إلى اسم الفاعل نون التوكيد ، فعامل الاسم معامل الفعل في دخول نون التوكيد.

(٤) البيت لم نعثر على قائله ، وذكره صاحب شرح المفصل ، وصاحب الخزانة (٣ / ٦٢٦). وذكره صاحب اللسان في مادة (صلف) ولم ينسبه.

(٥) فوارس : (م) الفارس ، الماهر في ركوب الخيل وتجمع على فوارس وفرسان ، والفرسان في الجيش هم المحاربون على ظهور الخيل. يوم الصليفاء : الصليفاء اسم موضع ، ويوم الصليفاء هو يوم قامت فيه معركة في هذا الموضع بين هوازن وفزارة وعبس حيث انتصرت هوازن عليهما في هذا اليوم. الجار : اسم فاعل بمعنى مستجير ، ويعتقد أن نعم يقصد بها «ذهل» إلا أن فيها تحريف. والشاهد فيه قول الشاعر (لم يوفون) حيث إنه عامل (لم) معاملة لا النافية التي لا تجزم. إعراب الشاهد : يوفون : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون.

١١٨

فشاذ ، وإنما جاز على تشبيه «لم» بـ «لا» كما قال الآخر (١) :

أن تهبطين بلاد قو

م يرتعون من الطّلاح (٢)

فهذا على تشبيه «أن» بـ «ما» التي في معنى المصدر في قول الكوفيين (٣) ، فأما على قولنا نحن فإنه أراد «أنّ» الثقيلة ، وخففها ضرورة ، وتقديره : أنك تهبطين ، فاعرفه.

وتلحق التثنية والجمع الذي على حد التثنية عوضا مما منع الاسم من الحركة والتنوين ، وذلك نحو الزيدان والعمران ، والزيدون والعمرون.

واعلم أن للنون في التثنية والجمع الذي على حد التثنية ثلاث أحوال : حالا تكون فيها عوضا من الحركة والتنوين جميعا ، وحالا تكون فيها عوضا من الحركة وحدها ، وحالا تكون فيها عوضا من التنوين وحده.

أما كونها عوضا من الحركة والتنوين ففي كل موضع لا يكون الاسم المتمكن فيه مضافا ولا معرّفا بلام المعرفة ، وذلك نحو رجلان ، وفرسان ، وغلامان ، وجاريتان ، ألا ترى أنك إذا أفردت الواحد على هذا الحد وجدت فيه الحركة والتنوين جميعا ، وذلك قولك : رجل ، وغلام ، وجارية ، وفرس ، فالنون في رجلان إنما هي هنا عوض مما يجب في ألف رجلان التي هي حرف الإعراب بمنزلة لام رجل ، فكما أن لام رجل ، وسين فرس ونحوهما مما ليس مضافا ولا معرّفا باللام يلزم أن تتبعها الحركة والتنوين ، فكذلك كان يجب في حرف التثنية.

وأما الموضع الذي تكون فيه نون التثنية عوضا من الحركة وحدها فمع لام المعرفة وذلك نحو الرّجلان ، والفرسان ، والزيدان ، والعمران ، ألا ترى أنها تثبت مع لام المعرفة كما تثبت معها الحركة نحو الغلام والرجل.

__________________

(١) يقصد به القاضي القاسم بن معن قاضي الكوفة حيث نسب صاحب العيني البيت إليه.

(٢) ذكر صاحب اللسان البيت في مادة (ص ل ف) (٩ / ١٩٨) ، ولم ينسبه. الشاهد فيها اتصال أن المخففة من الثقيلة كما زعم الكوفيون في قوله (أن تهبطين) ويرى البصريون أنها أن الناصبة ولكن أهمل عملها وعملت عمل ما المصدرية.

(٣) ذكر ذلك ابن هشام في مغني اللبيب (ص ٤٦) ، وأكد على رأيهم ذلك صاحب الخزانة (٣ / ٥٥٩) وكذا العيني (٤ / ٣٨١).

١١٩

وكذلك النداء في قولك : يا رجلان ، ويا غلامان ، ألا ترى أن الواحد من نحو هذا لا تنوين فيه ، وإنما هو يا غلام ، ويا رجل ، فالنون فيهما بدل من الحركة وحدها.

فإن قلت : فإن واحد الزيدان والعمران زيد وعمرو ، وهما كما ترى منوّنان ، فهلا زعمت أن النون في الزيدان والعمران بدل من الحركة والتنوين جميعا لوجودك إياهما في واحدهما ، وهو زيد وعمرو ، كما زعمت أنهما في رجلان وفرسان بدل من الحركة والتنوين جميعا لوجودك الحركة والتنوين في واحدهما ، وذلك قولك رجل وفرس؟

فالجواب : أن قولك الزيدان كقولك الرجلان ، لأن اللام عرّفت زيدين كما عرّفت رجلين ، والنون في زيدان عوض من الحركة والتنوين جميعا ، وهي في الزيدان عوض من الحركة والتنوين جميعا ، وهي في الرجلان عوض من الحركة وحدها.

واعلم أن قولك : جاءني الزيدان ليس تثنية زيد هذا المعروف العلم ، وذلك أن المعرفة لا تصح تثنيتها من قبل أن حدّ المعرفة أنها ما خصّ الواحد من جنسه ولم يشع في أمّته ، فإذا شورك في اسمه فقد خرج عن أن يكون علما معروفا ، وصار مشتركا فيه شائعا ، وإذا كان الأمر كذلك فلا تصح التثنية إذن إلا في النكرات دون المعارف.

وإذا صح ما ذكرناه فمعلوم أنك لم تثنّ زيدا حتى سلبته تعريفه وأشعته في أمّته ، فجعلته من جماعة كل واحد منهم زيد ، فجرى لذلك مجرى رجل وفرس في أن كل واحد منهما شائع لا يخص واحدا بعينه ، ولا تجد له في بعض المسمّين به مزيّة ليست في غيره من المسمّين به ، وإذا جرى زيد بعد سلبه تعريفه مجرى رجل وفرس لم يستنكر فيه أن يجوز دخول لام المعرفة عليه في التقدير وإن لم يخرج إلى اللفظ ، فكأنه صار بعد نزع التعريف عنه يجوز أن تقول : الزيد والعمرو ، وقد جاء شيء من ذلك في الشعر.

قال ابن ميّادة (١) :

__________________

(١) البيت نسبه صاحب الخزانة (١ / ٣٢٧) إلى ابن ميادة ، وكذا مغني اللبيب (١ / ٣٠٥).

١٢٠