سرّ صناعة الإعراب - ج ٢

أبي الفتح عثمان بن جنّي

سرّ صناعة الإعراب - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 978-2-7451-2702-0
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

وأما قولك في تصغير «قيمة» و «ديمة» : «قويمة» و «دويمة» فليست الضمة هي التي اجتلبت الواو ، وإنما أصل الياء فيهما واو من «الدّوام» و «قوّمت» ، فلما فقدت الكسرة من القاف والدال رجعت الواو التي كانت قلبت للكسرة ، ألا ترى أنك تقول في «فعلة» منهما : «قومة» و «دومة» فتجد الواو فيهما ثابتة وإن لم تكن هناك ضمة ، وهذا منجل.

إبدال الواو من الياء الزائدة

وذلك قولك في «بيطر» و «سيطر» و «هينم (١)» و «بيقر» (٢) إذا لم تسمّ الفاعل وجعلت الفعل مسندا إلى المفعول «بوطر» و «هونم» و «بوقر» فتقلب الياء الزائدة في «فيعل» واوا لسكونها وانضمام ما قبلها.

زيادة الواو

قد زيدت الواو ثانية في نحو : «كوثر» و «جوهر» و «توراب» (٣) و «طومار» (٤) و «دواسر» (٥) و «حوقل» (٦) و «صومع» (٧) ، وثالثة في نحو «جدول» و «قسور» (٨) و «خروع» (٩) و «بروع» (١٠) و «قرواش» (١١) و «درواس» (١٢) و «عمود» و «عجوز» و «جهور» (١٣) و «رهوك» (١٤) ورابعة في نحو «كنهور» (١٥) و «بلهور» (١٦) و «جرموق» (١٧) و «زرنوق» (١٨)

__________________

(١) هينم : دعا الله. اللسان (١٢ / ٦٢٤). (٢) بيقر : أعيا ، وهلك. اللسان (٤ / ٧٥).

(٣) التوراب : التراب. اللسان (١ / ٢٢٧). (٤) الطومار : الصحيفة.

(٥) الدواسر : الشديد الضخم. (٦) حوقل : كبر ، وأعيا ، وفتر عن الجماع.

(٧) صومع البناء : علاه. اللسان (٨ / ٢٠٨). (٨) القسور : الأسد ، والصياد.

(٩) الخروع : نبت. اللسان (٨ / ٦٧). (١٠) بروع : اسم امرأة ، وهي بروع بنت واشق.

(١١) القرواش من الرجال : الطفيلي.

(١٢) الدرواس : الأسد الغليظ ، وعظيم الرأس.

(١٣) جهور بكلامه : أعلن به وأظهره. لسان العرب (٤ / ١٥٠).

(١٤) الرهوكة : استرخاء المفاصل في المشي. لسان العرب (١٠ / ٤٣٥).

(١٥) الكنهور : من السحاب المتراكم الثخين. لسان العرب (٥ / ١٥٣).

(١٦) البلهور : كل عظيم من ملوك الهند. لسان العرب (٤ / ٨١).

(١٧) الجرموق : الخف القصير يلبس فوق خف. لسان العرب (١٠ / ٣٥ ـ ٣٦).

(١٨) الزرنوق : النهر الصغير. لسان العرب (١٠ / ١٤١).

٢٤١

و «عطوّد» (١) و «سنوّر» (٢) و «اخروّط» (٣) و «اعلوّط» (٤). وخامسة نحو «قندأو» (٥) و «سندأو» (٦) و «كنثأو» (٧) و «عضرفوط» (٨) و «منجنون» (٩) و «حيزبون» (١٠) قال القطامي (١١) :

إذا حيزبون توقد النار بعد ما

تلفّعت الظلماء من كل جانب (١٢)

ولم تزد الواو أولا البتة ، وذلك أنها لو زيدت لم تخل من أن تكون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة ، فلو زيدت أولا مضمومة لاطّرد فيها الهمز كما همز نحو : (أُقِّتَتْ) (المرسلات : ١١) و «أعد زيد» ولو زيدت مكسورة لكان قلبها أيضا جائزا وإن لم يكن في كثرة همز المضمومة ، وذلك نحو «إسادة» و «إعادة» و «إفادة» (١٣) في «وسادة» و «وعاء» و «وفادة». وكذلك قولهم «إشاح» في «وشاح» (١٤). ولو زيدت أولا مفتوحة لم تخل من أن تزاد في أول اسم أو فعل إذ الحروف ليست من محتمل الزيادة ، فلو زيدت في أول الاسم مفتوحة لكنت متى صغرت ذلك الاسم فضممتها ممكنا من همزها ، كما تقول في «وجيه» تصغير «وجه» :

__________________

(١) العطود : الشديد الشاق من كل شيء. اللسان (٣ / ٢٩٥).

(٢) السنور : جملة السلاح.

(٣) اخروط : بهم الطريق والسفر امتد. لسان العرب (٧ / ٢٨٦).

(٤) اعلوط : ركوب الفرس ، والتقحم على الشيء من فوق. اللسان (٧ / ٣٥٥).

(٥) القندأو : السيء الخلق والغذاء. اللسان (٣ / ٣٦٩).

(٦) السندأو : الحديد الشديد.

(٧) الكنثأو : الوافر اللحية. اللسان (١ / ١٣٧).

(٨) العضرفوط : ذكر العظاءة.

(٩) المنجنون : الدولاب. اللسان (١٣ / ٤٢٣).

(١٠) الحيزبون : العجوز من النساء.

(١١) البيت من ديوانه (ص ٤٦) ، والشعر والشعراء (ص ٧٢٥) ، وهو من قصيدة يقولها في امرأة من محارب قيس بات عندها ليلة ولم تقره.

(١٢) الحيزبون : المرأة العجوز. تلفعت الظلماء : شملتنا. اللسان (٨ / ٣٢٠). الشرح : لقد شملتني ظلمة الليل فرأيت امرأة عجوز توقد نارا. والشاهد فيه كما شرحه المؤلف. إعراب الشاهد : حيزبون : مبتدأ مؤخر وخبره إذا الفجائية السابقة عليه. وجملة «توقد النار» نعت لـ «حيزبون».

(١٣) إفادة : هي الوفادة وهي القدوم على الملوك ، أو الأمراء. اللسان (٣ / ٤٦٤).

(١٤) الوشاح : رداء أو نسيج عريض تشده المرأة بين عاتقها وكشحيها.

٢٤٢

«أجيه» وفي «وعيد» تصغير «وعد» : «أعيد». ولو كانت في أول فعل لكنت متى بنيته للمفعول ولم تسم فاعله وجب أن تضمّها ، ولو ضممتها لجاز أيضا همزها.

على أن منهم من همز المفتوحة وإن كان قليلا ، وذلك قولهم : «أحد» و «أناة» (١) و «أجم» وأصله «وحد» و «وناة» و «وجم». وقالوا في الفعل أيضا «أقّت» في «وقّت» فلما كانت زيادتهم الواو أولا تدعو إلى همزها وزوال لفظها والإشكال هل هي همزة غير مبدلة أو همزة مبدلة من واو ، رفض ذلك فيها ، فلم تزد أولا البتة.

فأما الواو في «ورنتل» (٢) فأصل ، والكلمة رباعية ، ولا نون زائدة كنون «عقنقل» (٣) و «جحنفل» (٤) و «عبنقس» (٥). ولا تجعلها زائدة لما قدّمناه من أن الواو لا تزاد أولا البتة.

واعلم أن الواو لم تأت في كلام العرب فاء ولاما ، وليست في كلامهم لفظة فاؤها واو ولامها واو إلا حرف واحد ، وهو قولنا «واو» ، ولذلك قال سيبويه : «ليس في الكلام مثل وعوت» (٦). واعلم أن سيبويه ذكر أنهم إنما امتنعوا من أن يكون في كلامهم مثل «وعوت» استثقالا للواوين ، ولم يزد في الاعتلال لهذا أكثر من هذا الظاهر ، وقد أوجز في هذا القول ، وأشار إلى العلة الصريحة اللطيفة ، ولم يصرح بها ، وأنا أذكر الموضع قفوا له ، وكشفا لغرضه ، وزيادة في البيان ، وتقوية للعلة.

اعلم أنه لم يأت عنهم مثل «وعوت» من قبل أنهم لو فعلوا ذلك لاكتنف (٧) الحال أمران ضدّان ، فتركوا ذلك لذلك ، وذلك أن ما ماضيه «فعل» وفاؤه واو فعين مستقبله مكسورة ، وفاؤه محذوفة ، وذلك نحو «وعد» و «وزن» و «ورد» تقول «يعد» و «يزن» و «يرد» فهذا أصل مستمر.

__________________

(١) الأناة من النساء : التي فيها فتور عند القيام لنعمتها وترفها. اللسان (١٤ / ٥٠).

(٢) الورنتل : الشر والأمر العظيم. لسان العرب (١١ / ٧٢٤).

(٣) العقنقل : الكثيب العظيم المتداخل الرمل. لسان العرب (١١ / ٤٦٤).

(٤) الجحنفل : الغليظ وهو أيضا الغليظ الشفتين. لسان العرب (١١ / ١٠٣).

(٥) العبنقس : السيء الخلق ، والناعم الطويل من الرجال. اللسان العرب (٦ / ١٣٠).

(٦) الكتاب (٢ / ٣٩٠).

(٧) اكتنف : أحاط به. لسان العرب (٩ / ٣٠٨).

٢٤٣

فأما قول بعضهم (١) :

لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة

تدع الحوائم لا يجدن غليلا (٢)

بضم الجيم فلغة شاذة غير معتد بها لضعفها وعدم نظيرها ومخالفتها لما عليه الكافة مما هو بخلاف وضعها ورأيناهم مع ذلك إذا كان الماضي على «فعل» ولامه واو فعين مضارعه أبدا مضمومة ، وذلك نحو «غزوت أغزو» و «دعوت أدعو».

وهذا أيضا أصل مستمر غير منكسر ، فلو صاغوا مثل «وعوت» لوجب عليهم في المضارع أن يكسروا العين كما كسروا عين «يعد» وأن يضموها أيضا كما يضمون عين «يغزو» فلما كان بناؤهم مثل «وعوت» يدعوهم إلى أن تكون العين في المضارع مضمومة مكسورة في حال واحدة رفضوه البتة فلم يبنوه مخافة أن يصيروا إلى التزام جمع بين حركتين ضدين في حرف واحد.

فإن قلت : فهلا بنوه على «فعلت» بضم العين ، فقالوا : «وعوت أوعو» وأجروه في ضم عينه بعد الفاء التي هي واو مجرى «وضؤت توضؤ» و «وطؤ الدابة يوطؤ»؟

فالجواب : أن «فعلت» أكثر في الكلام من «فعلت» ألا ترى أن «فعلت» لا يكون إلا لتنقل الهيئة والحال نحو : ما كان كريما ولقد كرم ، وما كان ظريفا ولقد ظرف ، وما كان جميلا ولقد جمل ، وما كان صبيحا ولقد صبح ، وهي أيضا غير

__________________

(١) البيت لجرير في ديوانه (ص ٤٥٣) وهو ثاني بيت في قصيدة يهجو فيها الفرزدق وعدتها عشرون بيتا وفيه «يجدن» بكسر الجيم على القياس ، ولا شاهد فيه حينئذ.

(٢) نقع : روى. لسان العرب (٨ / ٣٦١). الحوائم : جمع حائم وهو الإبل العطاش جدا. لسان العرب (١٢ / ١٦٢). الغليل : حر الجوف. لسان العرب (١١ / ٤٩٩). والشاهد فيه مجيء «يجدن» مضموم الجيم وقد حكم عليه ابن جني بالشذوذ. إعراب الشاهد : يجدن : فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة. ونون النسوة : ضمير مبني في محل رفع فاعل. غليلا : مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة. وجملة «لا يجدن غليلا» في محل نصب حال وصاحبه الحوائم قبلها.

٢٤٤

متعدية ، و «فعلت» تكون متعدية وغير متعدية ، وهي أخف وأسير في الكلام من «فعلت» فلما وجب رفض ذلك في الأكثر الشائع حمل الأقل ـ وهو «فعلت» ـ عليه. هذا مع ما كان يلزمهم من اكتناف الواوين والضمة للكلمة ، وهو الثّقل الذي أومأ إليه سيبويه ، أعني قولهم لو قالوا : «وعوت توعو» ، فلما وجب اطراح هذا التركيب في «فعلت» وتبعه «فعلت» حملوا أيضا عليه «فعلت» فلم يقولوا مثل «وعيت توعى» كما قالوا : «وجيت توجى» (١) وأتبعوا «فعلت» في الامتناع «فعلت» و «فعلت» فاعرف ذلك ، فإنه لطيف حسن.

فأما الألف من «واو» فحملها أبو الحسن على أنها منقلبة من واو ، واستدل على ذلك بتفخيم العرب إياها وأنه لم تسمع منهم الإمالة فيها ، فقضى لذلك بأنها من الواو ، وجعل أحرف الكلمة كلها واوات. ورأيت أبا علي ينكر هذا القول ، ويذهب إلى أن الألف فيها منقلبة عن ياء ، واعتمد في ذلك على أنه إذا جعلها من الواو كانت الفاء والعين واللام كلها لفظا واحدا ، قال : وهذا غير موجود ، فعدل عنه إلى القضاء بأنها من ياء.

ولست أرى بما أنكره أبو علي على أبي الحسن بأسا ، وذلك أن أبا علي إن كان كره ذلك لئلا تصير حروف الكلمة كلها واوات فإنه إذا قضي بأن الألف منقلبة من ياء لتختلف الحروف فقد حصل معه بعد ذلك لفظ لا نظير له.

ألا ترى أنه ليس في الكلام حرف فاؤه واو ولامه واو إلا قولنا «واو» فإذا كان قضاؤه بأن الألف من الياء لا يخرجه من أن يكون الحرف بكون فائه واوين فذّا لا نظير له ، فقضاؤه بأن العين واو أيضا ليس بمنكر ، ويعضد ذلك أيضا شيئان :

أحدهما : ما قضى به سيبويه (٢) من أن الألف إذا كانت في موضع العين فأن تكون منقلبة عن الواو أكثر من أن تكون منقلبة عن الياء.

والآخر : ما حكاه أبو الحسن من أنه لم تسمع عنهم فيها الإمالة. وهذا أيضا يؤكد أنها من الواو.

__________________

(١) وجيت : الوجا : الحفا ، وإنه ليتوجى في مشيته وهو وج ، وقيل : الوجا قبل الحفا ثم الحفا ثم النقب ، وقيل هو أشد من الحفا. لسان العرب (١٥ / ٣٧٨).

(٢) الكتاب (٢ / ١٢٧).

٢٤٥

ولأبي علي أن يقول منتصرا لكون الألف منقلبة عن ياء : إن الذي ذهبت أنا إليه أسوغ وأقل فحشا مما ذهب إليه أبو الحسن ، وذلك أني وإن قضيت بأن الفاء واللام واوان وكان هذا أيضا لا نظير له ، فإني قد رأيت العرب جعلت الفاء واللام من لفظ واحد كثيرا ، نحو «سلس» (١) و «قلق» و «حرح» (٢) و «دعد» و «فيف» (٣) فهذا وإن لم يكن فيه واو فإنا قد وجدنا فاءه ولامه من لفظ واحد.

وقالوا أيضا في الياء التي هي أخت الواو «يديت إليه يدا» ولم نرهم جعلوا الفاء والعين واللام جميعا من موضع واحد لا من واو ولا من غيرها ، فقد دخل أبو الحسن معي في أن اعترف بأن الفاء واللام واوان إذ لم يجد بدّا من الاعتراف بذلك ، كما لم أجده أنا ، ثم إنه زاد على ما ذهبنا إليه جميعا شيئا لا نظير له في حرف من الكلام البتة ، وهو جعله الفاء والعين واللام من لفظ واحد. فأما ما أنشدناه أبو علي من قول هند بنت أبي سفيان لابنها عبد الله بن الحارث (٤) :

لأنكحنّ ببّه

جارية خدبّه

مكرمة محبّه

تجبّ أهل الكعبه (٥)

فإنما «ببّة» حكاية الصوت الذي كانت ترقصه عليه ، وليس باسم ، وإنما هو كـ «قب» لصوت وقع السيف ، و «طيخ» للضحك ، ومثله صوت الشيء إذا

__________________

(١) سلس : سهل ولين ، وسلس بول الرجل إذا لم يتهيأ له أن يمسكه. اللسان (٦ / ١٠٦).

(٢) الحرح : فرج المرأة ، والجمع أحراح. لسان العرب (٢ / ٤٣٢).

(٣) الفيف : المفازة التي لا ماء فيها مع الاستواء والسعة. والفيفاء : الصحراء الملساء.

(٤) الأبيات لهند بنت أبي سفيان كما نسبه إليها صاحب اللسان في مادة (ببب) (١ / ٢٢١) ، وهذه الأبيات وردت في المنصف (٢ / ١٨٢) والخصائص (٢ / ٢١٧) وجمهرة اللغة (١ / ٢٤) غير منسوبة

(٥) ببة : حكاية الصوت التي كانت الشاعرة ترقص ولدها عليه كما قال ابن جني في المتن. خدبّه : ضخمة. تجب : تغلب بحسنها. اللسان (١ / ٢٥١). أهل الكعبة : أي نساء قريش. تخاطب ابنها وتقول إنه ستنكحه فتاة سمينة جميلة تفوق نساء قريش حسنا وجمالا. والشاهد : في قوله «ببه» فقد أورده أبو علي كدليل على ورود كلمة فاؤها وعينها ولامها على حرف واحد هو الباء. ورد ابن جني ذلك بأنها ليست اسما وإنما حكاية لصوت كانت الشاعرة ترقص ابنها عليه.

٢٤٦

تدحرج «ددد» فإنما هذه أصوات ليست توزن ، ولا تمثّل بالفعل ، بمنزلة «صه» (١) و «مه» (٢) ونحوهما. فلما ذكرناه من الاحتجاج لمذهب أبي علي ما تعادل عندنا المذهبان أو قربا من التعادل.

وقد جاءت الفاء والعين واوين ، وذلك قولهم «أوّل» ووزنه «أفعل» ويدل على ذلك اتصال «من» به على حدّ اتصالها بـ «أفعل» الذي للتفضيل ، وذلك قولهم : «ما لقيتك مذ أوّل من أمس» فجرى هذا مجرى قولك : «هو أفضل من زيد وأكرم من عمرو». ولقولهم في مؤنثه «الأولى» فجرى ذلك مجرى قولك «الأفضل» و «الفضلى». فأما قولهم : «أوائل» بالهمز فأصله «أواول» لكن لما اكتنفت الألف واوان ، ووليت الآخرة منهما الطرف ، فضعفت ، وكانت الكلمة جمعا ، والجمع مستثقل ، قلبت الآخرة منهما همزة ، وقد أشبعنا القول في الرد على من خالفنا (٣) من البغداذيين في هذا الموضع في كتابنا (٤) في شرح «التصريف» (٥) ، وهذا الكتاب كأنه لاحق بذلك ومتصل به لاشتراكهما واشتباه أجزائهما ، فلذلك تركنا إعادة القول هنا ، وأحلنا على ذلك الكتاب في عدة مواضع من هذا.

وقد زيدت الواو أيضا في جماعة المذكرين ممن يعقل ، وذلك قولهم «الزّيدون» و «البكرون».

فإن قلت : فما تقول في قولهم في جمع «ثبة» و «ظبة» (٦) و «مائة» و «رئة» و «سنة» : «ثبون» و «ظبون» و «مئون» و «رئون» و «سنون».

أنشد أبو زيد ، وأنشدناه أبو علي (٧) :

__________________

(١) صه : اسم فعل أمر بمعنى اسكت.

(٢) مه : اسم فعل أمر بمعنى اكفف.

(٣) هو الفراء : فقد أجاز أن يكون من «وألت» ومن «ألت».

(٤) يريد المنصف (٢ / ص ٢٠٢ ـ ٢٠٤) ، والمسائل الشيرازيات لأبي علي المسألة الأولى.

(٥) هو كتاب «التصريف» لأبي عثمان المازني.

(٦) الظبة : حد السيف والسنان ، والخنجر ، والجمع «الظباة والظبين». اللسان (١ / ٥٦٨).

(٧) البيت للأسود بن يعفر وهو الأسود بن يعفر بن عبد الأسود بن جندل بن نهشل بن دارم ويكنى أبا الجراح وكان رؤبة يقول : «يعفر» بضم الياء والفاء ، وكان الأسود شاعرا فحلا وكان يكثر التنقل بين العرب ويجاورهم فيذم ويحمد وله في ذلك أشعار.

٢٤٧

فغظناهم حتى أتى الغيظ منهم

قلوبا وأكبادا لهم ورئينا (١)

وكل واحد من هذه الأسماء مؤنث ، وليس واقعا على ذي عقل.

وكذلك «برة» (٢) و «برون» و «عضة» (٣) و «عضون» و «قلة» (٤) و «قلون» فكيف جاز جمع هذا بالواو؟

فالجواب : أن هذه أسماء مجهودة منتقصة ، وذلك أن لامتها قد حذفت ، وأنا أذكر أصولها :

أما «ثبة» فالمحذوف منها اللام دون الفاء والعين ، يدل على ذلك أن الثّبة : الجماعة من الناس وغيرهم ، قال الله تعالى : (فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) (النساء : ٧١) فـ «ثبات» كقولك : جماعات متفرقة ، أو اجتمعوا كلّكم.

أنشد أبو علي للهذلي (٥) :

فلما جلاها بالإيام تحيّزت

ثبات عليها ذلّها واكتئابها (٦)

ورأيناهم يقولون : «ثبّيت الشيء» إذا جمعته.

__________________

(١) أتى الغيظ منهم : نال منهم. يقول : لقد غظناهم حتى حطم الغيظ قلوبهم وأكبادهم ورئيهم. والشاهد في قوله «رئين» فقد جمع كلمة «رئة» على رئون ، ورئين إلحاقا بجمع المذكر السالم إعراب الشاهد : رئين : معطوف منصوب وعلامة النصب الياء.

(٢) البرة : الحلقة تجعل في أنف البعير. لسان العرب (١٤ / ٧١).

(٣) العضة : واحدة العضاة ، والعضاة شجر له شوك ، والعضة : الفرقة ، والكذب.

(٤) القلة : الخشبة الصغيرة وهي قدر ذراع تنصب للتعريش. لسان العرب (١١ / ٥٦٦).

(٥) هو أبو ذؤيب الهذلي يصف مشتار العسل ، والبيت في شرح أشعار الهذليين (ص ٥٣).

(٦) الاكتئاب : تغير النفس بالانكسار من شدة الهم والحزن. لسان العرب (١ / ٦٩٥). وثبات : جماعات من الناس متفرقة. لسان العرب (١٥ / ١٠٧). يقول : لما طردهم بالدخان تجمعوا إلى بعضهم يكسوهم الحزن والذلة. والشاهد في قوله «ثبات» فهي جمع لـ «ثبة» كما أورد المؤلف. إعراب الشاهد : ثبات : حال منصوب وعلامة النصب الكسرة لأنها ملحقة بجمع المؤنث السالم.

٢٤٨

قال لبيد (١) :

يثبّي ثناء من كريم وقوله

ألا انعم على حسن التحية واشرب (٢)

وقال الآخر (٣) :

كم لي من ذي تدرأ مذبّ

أشوس أبّاء على المثبّي (٤)

أي : الذي يعذله ، ويكثر لومه ، ويجمع له العذل من هنا ومن هنا.

وذهب أبو إسحاق (٥) في «ثبة الحوض» ـ وهي وسطه ـ إلى أنها من «ثاب الماء إليها» وأن الكلمة محذوفة العين ، وقال : «تقول في تصغيرها ثويبة». وهذا غير لازم ، لأنه يجوز أن تكون من «ثبّيت» أي : جمعت ، وذلك أن الماء إنما مجتمعه من الحوض في وسطه. وقال الآخر (٦) :

هل يصلح السيف بغير غمد

فثبّ ما سلّفته من شكد (٧)

__________________

(١) البيتان في التمام (ص ٢٠٢) ، واللسان (ثبا» (١٨ / ١١٦).

(٢) يثبي : يجمع. الثناء : المدح. يمدح الشاعر رجلا ويقول إنه يجمع الحمد والثناء على كرمه وجوده ومعاملته الحسنة. والشاهد في قوله «يثبي» كما أورد المؤلف في المتن. الإعراب : يثبي : فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدرة.

(٣) البيت لم أعثر على قائله وقد ذكره اللسان في مادة (ثبا).

(٤) ذو تدرأ : ذو عدة وقوة على دفع أعدائه عن نفسه ، يكون ذلك في الحرب والخصومة. مذب : من الذب وهو الدفع والمنع. أشوس : جريء على القتال الشديد. أبّاء : أشد الامتناع. اللسان (١٤ / ٤). المثبى : اللائم الشاكي. يقول : إن لي الكثير من الأقوياء المدافعين الأشداء الذين يرفضون اللوم. والشاهد في مجيء كلمة «المثبي» بمعنى اللائم كما أورد المؤلف في المتن ، وإعرابها ظاهر.

(٥) معاني القرآن للزجاج (٢ / ٧٩).

(٦) البيتان في اللسان (ثبا) (١٨ / ١١٦) ، ولم أعثر على قائله فيما بيدي من مصادر.

(٧) الغمد : ما يوضع فيه السيف. وثب : أجمع. لسان العرب (١٤ / ١٠٨). الشكد : العطاء. لسان العرب (٣ / ٢٣٨). يقول : كما أنه لا ينفع السيف بلا غمد فكذلك الإنسان لا ينفع بلا مال فاجمع ما سلفته للناس من عطاء.

٢٤٩

أي : فأضف إليه غيره ، واجمعه مع سواه. فـ «يثبّي» أي : يجمع ، وقولهم «يثبّي» يدل على أن اللام معتلة ، وأن الثاء والباء فاء وعين ، وقولهم «ثبّيت» لا يدل على أن اللام ياء دون واو ، لقولهم «عدّيت» و «خلّيت» كما قالوا «قضيّت» و «سقّيت» ، فالقبيلان إذا صارا إلى هذا متساويان ، ولكن الذي ينبغي أن يقضى به في ذلك أن تكون من الواو ، وأن يكون أصلها «ثبوة» وذلك أن أكثر ما حذفت لامه إنما هو من الواو ، نحو «أب» و «أخ» و «غد» و «هن» و «حم» و «سنة» فيمن قال «سنوات» و «عضة» فيمن قال «عضوات» و «ضعة» (١) لقولهم «ضعوات» و «ابن» لقولهم «بنت» و «بنوّة» و «قلة» لقولهم «قلوت بالقلة» (٢)

فهذا أكثر مما حذفت لامه ياء ، فعليه ينبغي أن يكون العمل ، وبه أيضا وصّى أبو الحسن (٣) ، فقد ثبت أن أصل «ثبة» «ثبوة».

والقول في «ظبة» أيضا كالقول في «ثبة» ولا يجوز أن يكون المحذوف منها فاء ولا عينا ، أما امتناع الفاء فلأن الفاء لم يطرد حذفها إلا في مصادر بنات الواو ، نحو «عدة» و «زنة» و «جدة» وليست «ظبة» من ذلك ، وأوائل تلك المصادر أيضا مكسورة ، وأول «ظبة» كما ترى مضموم ، ولم تحذف الواو فاء من «فعلة» إلا في حرف شاذ حكاه أبو الحسن ، ولا نظير له ، وهو قولهم في «الصّلة» : «صلة» ولو لا المعنى وأنّا قد وجدناهم يقولون في معناه «صلة» وهي محذوفة الفاء بلا محالة لأنها من «وصلت» لما أجزنا أن تكون «صلة» محذوفة الفاء ، فقد بطل إذن أن تكون «ظبة» محذوفة الفاء ، ولا تكون أيضا محذوفة العين ، لأن ذلك لم يأت إلا في «سه» و «مذ» وهما حرفان نادران لا يقاس عليهما غيرهما.

__________________

والشاهد : مجيء كلمة «ثب» في صيغة الأمر بمعنى «اجمع». إعراب الشاهد : ثب : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت. وما : اسم موصول مبني في محل نصب مفعول به. سلفته : سلف : فعل ماضي مبني والتاء فاعل ، والهاء مفعول به. من : حرف جر. وشكد : اسم مجرور. و «من شكد» متعلق بـ «سلف» وجملة «سلفته من شكد» لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(١) الضعة : شجر بالبادية.

(٢) قلوت بالقلة : ضربت. اللسان (١٥ / ١٩٩).

(٣) المتع (ص ٦٢٣).

٢٥٠

ودليل آخر يدل على أن «ظبة» ليست محذوفة العين ، وهو جمعهم إياها بالواو والنون نحو «ظبون» و «ظبين» ولم نرهم جمعوا شيئا مما حذفت عينه بالواو والنون ، إنما ذلك فيما حذفت لامه ، نحو «سنون» و «عضون» أو فاؤه نحو «لدون» (١).

ولا يجوز أيضا أن تكون الفاء محذوفة لما قدّمناه ، فثبت أن اللام هي المحذوفة دون غيرها. ومن أقوى دليل على حذف لامها قولهم في جمعها «ظبا» فاللام كما ترى هي المعتلة ، ونظيرها «لغة ولغى» و «برة وبرا» وأصلها «ظبوة» بالواو لما ذكرناه في «ثبة».

وأما «مائة» فيدل على أنها محذوفة اللام قولهم : «أمأيت الدراهم» (٢) وليس في قولهم «أمأيت» ما يدل على أن اللام ياء دون الواو لقولهم : «أدنيت» و «أعطيت» وهما من «دنوت» و «عطوت» كقولك : «أرميته» و «أسقيته» وهما من «رميت» و «سقيت» ولكن الذي يدل على أن اللام من «مائة» ياء ما حكاه أبو الحسن من قولهم : «رأيت مئيا» في معنى «مائة» فهذه دلالة قاطعة على كون اللام ياء.

ورأيت ابن الأعرابي قد ذهب إلى ذلك أيضا ، فقال في بعض أماليه : إن أصل «مائة» : «مئية». فذكرت ذلك لأبي علي ، فعجب منه أن يكون ابن الأعرابي ينظر من هذه الصناعة في مسئله ؛ لأن علمه كان أكثف من هذا ، ولم ينظر من اللطيف الدقيق في هذه الأماكن ، وإن كان بحمد الله والاعتراف بموضعه جبلا في الرواية وقدوة في الثقة ، ولعله أن يكون وصل إليه ذلك من جهة أبي الحسن ، أو من الجهة التي وصل ذلك منها إلى أبي الحسن.

وأما «رئة» فمن الياء لا محالة ، لأن أبا زيد حكى عنهم «رأيت الرجل» إذا أصبت رئته. فهذه أيضا دلالة قاطعة ، وأصلها «رئية» كما ترى.

وأما «سنة» فقد تقدمت الدلالة على حذف لامها في عدة مواضع من هذا الكتاب ، وأنه يجوز أن تكون واوا ، وأن تكون هاء.

__________________

(١) لدون : لدّ : موضع ، اسم رملة بضم اللام في الشام. اللسان (٣ / ٣٩١).

(٢) أمأيت الدراهم : جعلتها مائة. لسان العرب (١٥ / ٢٧١) مادة / مأي.

٢٥١

وأما «برة» فحالها أيضا حال «ثبة» و «ظبة» والمحذوف منها اللام ، وهو حرف علة لقولهم : «أبريت الناقة» (١) و «هي مبراة» ولا دليل في «أبريت» على أن اللام ياء كما لم يكن ذلك في «ثبّيت» ولا في «أدنيت» والوجه أن تكون واوا لما قدّمناه ، فيكون الأصل «بروة» وقد حكيت أيضا في بعض نسخ الكتاب «بروة» في معنى «برة». وأيضا فقد قالوا : «بروت الناقة» في معنى «أبريتها». ويؤكد أن المحذوف منها اللام دون غيرها قولهم في الجمع «البرا» قال (٢) :

ذكرت والأهواء تدعو للصبّا

والعيس بالركب يجاذبن البرا (٣)

وأما «عضة» فمن الواو أيضا ، وأصلها «عضوة» ألا ترى أنهم فسروا قوله تعالى : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (الحجر : ٩١) أي : فرّقوه ، وجعلوه أعضاء ، قال ابن عباس ـ رحمه الله ـ أي : آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه ، فهو لفظ العضو ومعناه ، وقال الكسائي : «العضة» و «العضون» من «العضيهة» وهي الكذب. واللام على هذا هاء بمنزلة «است» (٤) و «سنة» (٥) فيمن قال «سنهاء».

وأما قولهم : «قلة» فأمرها بيّن لقولهم «قلوت بالقلة» إذا ضربت بها ، وأصلها لما ذكرناه «قلوة».

وكذلك «عزة» و «عزون» قياسها أن تكون في الأصل «عزوة» لأنها الجماعة ، فهي من معنى «عزوت الرجل إلى أبيه» إذا نسبته إليه ، وألحقته به ، فهذا هو معنى الجماعة.

__________________

(١) أبريت الناقة : جعلت في أنفها برة. لسان العرب (١٤ / ٧١) مادة / بري.

(٢) لم أعثر على قائله ، وقد ورد البيت في كتاب «القوافي» للأخفش (ص ٧٠).

(٣) الأهواء : جمع هوى وهو ميل النفس. والعيس : الإبل. البرا : جمع بروه وهي حلقة تكون في أنف الناقة. اللسان (١٤ / ٧١) مادة / بري. يقول : لقد تذكرت الأيام الماضية حين استعدت الإبل للرحيل. والشاهد مجيء جمع «برة» على «برا» مما يؤكد أن المحذوف هو اللام دون غيرها. إعراب الشاهد : البرا : مفعول به منصوب وعلامة النصب الفت حة المقدرة منع من ظهورها التعذر.

(٤) أصلها «سته» لقولهم في تصغيرها «ستيهة» وفي تكسيرها «أستاء».

(٥) سنة سنهاء : شديدة لا نبات فيها ولا مطر. اللسان (١٤ / ٤٠٥) مادة / سنا.

٢٥٢

ألا ترى أن بعضها مضموم إلى بعض ملحق به ، أنشدنا أبو علي (١) :

اطلب أبا نخلة من يأبوكا

فقد سألنا عنك من يعزوكا

إلى أب فكلّهم ينفيكا (٢)

على أنهم قد قالوا أيضا : «عزيته إلى أبيه» فالأصل في «عزة» على هذا «عزية». وإن وجدت فسحة ، وأمكن الوقت عملت بإذن الله تعالى كتابا أذكر فيه جميع المعتلات في كلام العرب ، وأميّز ذوات الهمز من ذوات الواو ومن ذوات الياء ، وأعطي كل جزء منها حظه من القول مستقصى إن شاء الله تعالى.

وذكر شيخنا أبو علي أن بعض إخوانه سأله بفارس إملاء شيء من ذلك ، فأملّ منه صدرا كبيرا ، وتقصّى (٣) القول فيه ، وأنه هلك في جملة ما فقده وأصيب به من كتبه. وحدثني أبو علي أنه وقع حريق بمدينة السّلام ، فذهب له جميع علم البصريين ، قال : وكنت كتبت ذلك كله بخطي ، وقرأته على أصحابنا ، فلم أجد في الصندوق الذي احترق شيئا البتة إلا نصف كتاب الطلاق عن محمد بن الحسن ، فسألته عن سلوته وعزائه عن ذلك ، فنظر إليّ متعجبا ، ثم قال : بقيت شهرين لا أكلّم أحدا حزنا وهما ، وانحدرت إلى البصرة لغلبة الفكر عليّ ، وأقمت مدة ذاهلا متحيرا.

__________________

(١) نسبت الأبيات لبخدج وإلى شريك بن حيان العنبري يهجو أبا نخيلة كما في اللسان مادة (أبى) (١٨ ص ٨) ، وهي بغير نسبه في التمام (ص ١٩٨).

(٢) أبا نخلة : الشخص المهجو. يأبوكا : يكون لك أبا. يعزوكا : ينسبك إليه. ينفيك : يرفض نسبتك له. يقول : اطلب أبا نخلة أبا ينسبك إليه فالكل قد تبرأ منك. الشاهد في قوله «يعزوكا» فهو دليل على أن أصل «عزه» عزوة بالواو لورودها في الفعل. إعراب الشاهد : يعزو : فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدرة ، والفاعل : ضمير مستتر تقديره هو يعود على الموصول قبلها ، والكاف : ضمير مبني في محل نصب مفعول به. والجملة من الفعل «يعزو» والفاعل «المستتر» لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(٣) تقصي : تتبع. لسان العرب (١٥ / ١٨٦) مادة / قصا.

٢٥٣

فإذا ثبت بما قدمناه أن هذه الأسماء محذوفة اللامات فكأنهم إنما عوّضوها الجمع بالواو والنون مما لحقها من الجهد والحذف ليكون ذلك عوضا لها ، وذلك أن التكسير ضرب من التوهين (١) والتبديل والإشكال يلحق الكلمة ، والجمع بالواو والنون إنما هو للأسماء الأعلام التي هم ببيانها معنيّون ، ولتصحيح ألفاظها لفرط اهتمامهم بها مؤثرون ، فقد علمت بذلك غلبتها على غيرها من الأجناس التي تأتي مكسّرة نحو : «رجل ورجال» و «كلب وأكلب» فإذا ألحقوا غيرها بها فذلك تقوية منهم له ورفع منه. ومعنى الإشكال في التكسير أنك تجد المثال المكسّر عليه تخرج آحاد كثيرة إليه ، ألا ترى أن «أفعالا» قد خرج إليه «فعل» نحو «جمل وأجمال» وخرج إليه «فعل» و «فعل» و «فعل» و «فعل» و «فعل» و «فعل» و «فعل» و «فعل» وذلك نحو «ضرس وأضراس» و «برد وأبراد» و «إبل وآبال» و «عنق وأعناق» و «كبد وأكباد» و «ربع وأرباع» و «ضلع وأضلاع» و «عضد وأعضاد» (٢).

وخرج إليه أيضا «فعل» وإن لم يكن في كثرة ما قبله ، قالوا : «زند (٣) وأزناد» و «فرخ وأفراخ».

وخرج إليه أيضا ما لحقته الزيادة من ذوات الثلاثة ، وذلك نحو «شاهد وأشهاد» و «شريف (٤) وأشراف». وكذلك أيضا «أفعل» يخرج إليه أمثلة جماعة نحو :

«كعب وأكعب» و «زمن وأزمن» و «قفل وأقفل» قرأ بعضهم : أم على قلوب أقفلها (محمد : ٢٤) و «ضرس وأضرس» قال (٥) :

 .........

وقرعن نابك قرعة بالأضرس (٦)

__________________

(١) توهين : من وهن أي ضعف. لسان العرب (١٣ / ٤٥٣) مادة / وهن.

(٢) العضد : ما بين المرفق والكتف. لسان العرب (٣ / ٢٩٢) مادة / عضد.

(٣) الزّند : العود الأعلى الذي تقدح به النار والأسفل هو الزندة. اللسان (٣ / ١٩٥) مادة / زند.

(٤) الشريف : الغني أو الرفيع القدر.

(٥) هذا الشطر في الخصائص (٢ / ٢٢٣ ، ٣ / ٢٠٩).

(٦) قرع : ضرب. الناب : السن خلف الرباعية والجمع أنياب ونيوب. والشاهد مجيء كلمة «أضرس» على وزن «أفعل» جمعا لـ «ضرس». إعراب الشاهد ظاهر.

٢٥٤

و «ضلع وأضلع» و «ضبع وأضبع» قال (١) :

يا أضبعا أكلت آيار أحمرة

ففي البطون وقد راحت قراقير (٢)

و «كبد وأكبد» وقد خرج إليه أيضا ما لحقته الزوائد من ذوات الثلاثة ، قالوا : «عقاب وأعقب» و «أتان وآتن» و «ذراع وأذرع». وكذلك غير هذين المثالين من أمثلة الجموع. وقد تخرج إليه آحاد مختلفة الصيغ والأبنية ، فقد يجوز أن يعرض الإشكال في الواحد منها ، فلا يدرى ما مثاله ، ولهذا ما يتفق العلماء في مثال الجمع ، وتراهم مختلفين في الواحد ، ألا ترى إلى قوله عز اسمه : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) (الأحقاف : ١٥) فمذهب سيبويه (٣) فيه أنه جمع «شدّة» قال : «ومثاله نعمة وأنعم». وحدثنا أبو علي أن أبا عبيدة ذهب إلى أنه جمع «أشدّ» على حذف الزيادة. قال : وقال أبو عبيدة : وربما استكرهوا في الشعر على حذف الزيادة.

وأنشد لعنترة (٤) :

عهدي به شدّ النهار كأنما

خضب اللّبان ورأسه بالعظلم (٥)

__________________

(١) البيت لرجل ضبي أدرك الإسلام كما في النوادر لأبي زيد (ص ٢٩٥) ونسبه صاحب اللسان لجرير الضبي. لسان العرب (٤ / ٣٦) مادة / أير.

(٢) أضبعا : جمع ضبع وهو أنثى حيوان من جنس السباع كبيرة الرأس قوية الفكين. آيار : جمع أير وهو عضو التذكر عند الحيوان «القضيب». اللسان (٤ / ٣٦) مادة / أير. أحمرة : جمع حمار وهو معروف. قراقير : من قرقرت البطن إذا صوّتت. يخاطب الشاعر قوما واصفا لهن بأنهن كالأضبع التي أكلت آيار الحمير فصوتت بطونهن. والشاهد مجيء كلمة «أضبع» جمعا «لضبع». إعراب الشاهد : أضبعا : منادى منصوب لأنه نكرة غير مقصودة ، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة

(٣) الكتاب (٢ / ١٨٣).

(٤) البيت في ديوانه (ص ٢١٣) وهو من المعلقة.

(٥) شد النهار : ارتفاعه. خضب : طلى. اللسان (١ / ٣٥٧) مادة / خضب. اللبان : شجيرة شوك لا تسمو أكثر من ذراعين ، له حرارة في الفم. اللسان (١٣ / ٣٧٧). العظلم : صبغ أحمر ، وقيل : هو الوسعة. اللسان (١٢ / ٤١٢). يقول : لقد طعننه بالرمح وشججت رأسه وقطعت أصابعه حتى تركت أصابعه ورأسه وكأنهما قد طليا بالصبغ الأحمر. ـ

٢٥٥

وكذلك «أبابيل» (١) ذهب بعضهم إلى أنها جمع «إبّالة» (٢). وذهب آخرون إلى أن واحدها «إبّيل» (٣). وأجاز آخرون (٤) أن يكون واحدها «إبّول» مثل «عجّول». وذهب أبو الحسن (٥) إلى أنه جمع لا واحد له بمنزلة «عباديد» و «شعاليل» (٦).

وكذلك «أساطير» قال قوم (٧) : واحدها «أسطورة». وقال آخرون (٨) : «إسطارة». وقال آخرون : «أساطير» جمع «أسطار» و «أسطار» جمع «سطر» (٩) وقيل : «إسطير». وقال أبو عبيدة (١٠) : جمع «سطر» على «أسطر» ثم جمعت «أسطر» على «أساطير». وقال أبو الحسن (١١) : «لا واحد لها». وقرأت على أبي علي عن أبي بكر عن بعض أصحاب يعقوب عنه ، قال : قال الأصمعي : قال الحارث بن مصرّف : سابّ جحل (١٢) بن نضلة معاوية بن شكل عند المنذر أو النعمان ـ شك فيه الأصمعي ـ فقال جحل : إنه قتّال ظباء ، تبّاع إماء ، مشّاء بأقراء ،

__________________

الشاهد في قوله «شد» فقد جاءت مفردا «أشد» ولكنها قد حذف منها الزيادة ، كما أورد المؤلف. الإعراب : شد : ظرف منصوب وعلامة النصب الفتحة. والنهار : مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة.

(١) أبابيل : الأبابيل : الجماعات ، ويجيء في موضع التكثير ، وفي التنزيل العزيز(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ). لسان العرب (١١ / ٦) مادة / أبل.

(٢) هذا قول الرؤاسي كما في معاني القرآن للفراء (٣ / ٢٩٢). (٣ ، ٤) معاني القرآن للأخفش (ص ٢٧٢).

(٣ ، ٤) معاني القرآن للأخفش (ص ٢٧٢).

(٥) معاني القرآن للأخفش (ص ٢٧٢) وهو قول الفراء أيضا كما في كتابه «معاني القرآن» (٣ / ٢٩٢) وقول أبي عبيدة كذلك كما في مجاز القرآن (٢ / ٣١٢).

(٦) «العباديد والشعاليل» بمعنى واحد وهو الفرق المتفرقة من الناس وغيرهم.

(٧ ، ٨) معاني القرآن للأخفش (ص ٢٧٢).

(٩) السطر : الصف من كل شيء. لسان العرب (٤ / ٣٦٣) مادة / سطر.

(١٠) الذي في مجاز القرآن (١ / ١٨٩) هو واحدتها أسطورة ، وإسطارة لغة.

(١١) معاني القرآن للأخفش (ص ٢٧٢).

(١٢) كذا في النسخ كلها ، والذي في كتاب الإبدال واللسان «قرآ» (٢ / ٣٣٩) «حجل» بتقديم الحاء على الجيم.

٢٥٦

قعوّ الأليتين (١) ، أفحج الفخذين (٢) ، مفجّ الساقين (٣) ، وفي غير هذه الرواية «مقبل النّعلين. فقال : أردت أن تذيمه فمدهته. قال يعقوب : واحد الأقراء : قريّ ، وهو مسيل الماء إلى الرياض (٤). وقال أبو جعفر الرّستميّ : الأقراء : جمع القرو ، وهو الذي يتّخذ من أصول النخل ينبذ فيه.

قال أبو علي : القول ما قاله يعقوب ، وليس ما أنكره عليه أبو جعفر بمنكر.

قال : ونظير ما ذهب إليه يعقوب في أنه وصفه بالتغرّب ولزوم الأماكن الموحشة المقفرة قول الهذلي (٥) :

السّالك الثّغرة اليقظان كالئها

مشي الهلوك عليها الخيعل الفضل (٦)

__________________

(١) قعو الأليتين : قال يعقوب : قعو الأليتين ناتئهما غير منبسطهما. اللسان (١٥ / ١٩٢).

(٢) أفحج الفخذين : واسع بينهما. لسان العرب (٢ / ٣٤٠) مادة / فجح.

(٣) فجّ الساقين : باعد بينهما. لسان العرب (٢ / ٣٣٩) مادة / فجج.

(٤) القصة في كتاب الإبدال لابن السكيت (ص ٩٠) واللسان (٢ / ٣٣٩).

(٥) هو المتنخل الهذلي يرثي ابنه أثيلة ، والبيت في ديوان الهذليين (٢ / ٣٤) واللسان (خعل) (١٣ / ٢٢٣).

(٦) الثغرة : موضع المخافة من فروج البلدان. اللسان (٤ / ١٠٣). كالئها : حافظها. الهلوك : الغنجة المتكسرة تهالك وتغزل وتساقط. الخيعل : درع يخاط أحد شقيه ويترك الآخر تلبسه المرأة كالقميص. اللسان (١١ / ٢١٠). يرثي الشاعر ابنه ويقول إنه يسلك أرض الأعداء وهم يقظى في سهولة ويسر أو إنه لفرط شجاعته يجتاز الأماكن الموحشة المقفرة دون خوف. والشاهد فى قوله : أنه مدح ابنه بحب السير في الفلوات الموحشة وهذا تأكيد لما قاله يعقوب من قبل. إعراب الشاهد : السالك : خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو. الثغرة : مفعول به لاسم الفاعل : السالك ، وفاعله ضمير مستتر يعود على أثيلة. اليقظان : نعت سببي للثغرة منصوب. كالئها : فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمة ، والهاء : مضاف إليه مجرور. عليها : جار ومجرور خبر مقدم. الخيعل : مبتدأ مؤخر. الفضل : نعت مرفوع ، وجملة «عليها الخيعل» في محل نصب حال وصاحبها «الهلوك».

٢٥٧

وهذا الخلاف بين العلماء في آحاد الجموع سائر عنهم مطرد من مذاهبهم ، وإنما سببه وعلة وقوعه بينهم أن مثال جمع التكسير تفقد فيه صيغة الواحد فيحتمل الأمرين والثلاثة ونحو ذلك ، وليس كذلك مثال جمع التصحيح.

ألا ترى أنك إذا سمعت «زيدون» و «عمرون» و «خالدون» و «محمّدون» لم يعرض لك شك في الواحد من هذه الأسماء ، فهذا يدلك على أنهم بتصحيح هذه الأسماء في الجموع معنيّون ، ولبقاء ألفاظ آحادها فيها لإرادة الإيضاح والبيان مؤثرون ، وأنهم بجمع التكسير غير حافلين ، ولصحة واحده غير مراعين ، فإذا أدخل في جمع الواو والنون شيء مما ليس مذكرا عاقلا فهو حظّ ناله ، وفضيلة خصّ بها ، فلهذا صار جمع «قلة» و «ثبة» و «مائة» و «سنة» ونحو ذلك بالواو والنون تعويضا لها من الجهد والحذف اللاحقها. ويؤكد عندك أن العناية بواحد جمع التكسير غير واقعة منهم وجودك جموعا كسّرت الآحاد عليها واللفظ فيهما جميعا واحد ، وذلك نحو ما حكاه سيبويه (١) من قولهم : «ناقة هجان (٢) ، ونوق هجان» و «درع دلاص (٣) ، وأدرع دلاص» وقالوا أيضا في جمع «شمال» وهي الخليقة والطبع : «شمال».

قال عبد يغوث (٤) :

 ...

 ... وما لومي أخي من شماليا (٥)

أي : من شمائلي.

__________________

(١) الكتاب : (٢ / ٢٠٩).

(٢) ناقة هجان : البيضاء الكريمة.

(٣) درع دلاص : لينة ، براقة ، ملساء. اللسان (٧ / ٣٧) مادة / دلص.

(٤) هو عبد يغوث بن وقاص الحارثي. شاعر يمني أسره بنو عبد شمس لعداوة كانت بينهم فأرادوا قتله فطلب منهم الرفق به وإحسان قتلته فسقوه حتى ثمل ثم قطعوا شريان يده فنزف حتى مات. وقال هذه القصيدة يرثي بها نفسه قبل أن يموت ، ومنها :

وتضحك مني شيخة عبشمية

كأن لم تر قبلي أسيرا يمانيا

(٥) شماليا : جمع شمال وهي الطبع ، والجمع شمائل. اللسان (١١ / ٣٦٥) مادة / شمل. يقول : لا تلوماني فاللوم قليل النفع وليس الملام من أخلاقي. والشاهد ذكره المؤلف في المتن. إعراب الشاهد : شماليا : اسم مجرور بمن وعلامة الجر الكسرة.

٢٥٨

وقالوا أيضا في تكسير «الفلك» : «الفلك» فكسروا «فعلا» على «فعل» وله نظائر ، فمجيء الجمع على لفظ الواحد يدل على قلة حفلهم بالفرق بينهما من طريق اللفظ ، وأنهم اعتمدوا في الفرق على دلالة الحال ومتقدّم ومتأخّر الكلام.

فإن قلت : فهلا اقتصروا في تصحيح جمع «برة» و «ظبة» ونحوهما على الألف والتاء ، فقالوا : «برات» و «ظبات» و «قلات» فأوضحوا عن الواحد بوجود لفظه في الجمع ، ولم يقدموا على جمع ذلك بالواو والنون وإدخال المؤنث غير العاقل على جمع المذكر العاقل؟

فالجواب : أنهم لو فعلوا ذلك وهم يريدون به التعويض من المحذوف لم تكن فيه دلالة على ما أرادوه ، ولا شاهد لما قصدوه ، وذلك أن كل مؤنث بالهاء فلك أن تجمعه بالتاء ، نحو «ثمرة وثمرات» و «سفرجلة وسفرجلات» محذوفة كانت أو تامة ، فلو اقتصروا في تعويض «ثبة» و «قلة» ونحوهما على أن يقولوا «ثبات» و «قلات» لما علم أن ذلك للتعويض ، ولظنّ أنه كغيره من الجمع بالألف والتاء مما لم يحذف منه شيء ، ولكن لما أرادوا إعلام التعويض أخرجوه عن بابه ، وألحقوه بجمع المذكر العاقل ليعلم أن الذي عرض له وتجدّد من حاله ، إنما هو لأمر أرادوه فيه ليس في غيره مما لم يجمع بالواو والنون من المؤنث ، وهو ما لم يحذف منه شيء ، نحو «جوزة» و «رطبة».

ويؤكد ذلك عندك أنهم إذا جمعوا بالتاء قالوا في جمع «سنة» : «سنوات» وإذا حذفوا قالوا : «سنون» فكانت الواو في «سنون» عوضا منها في «سنوات» ، وهذا واضح ، وذلك عادة منهم متى أرادوا أن يعلموا اهتمامهم بأمر وعنايتهم به أخرجوه عن بابه ، وأزالوه عما عليه نظائره.

من ذلك منعهم فعل التعجب و «حبّذا» و «نعم» و «بئس» و «عسى» من التصرف ، وتذكيرهم نحو «نعم المرأة هند» وإن كانوا لا يقولون : «قام ذا المرأة» وقد حملهم اعتمادهم هذا الباب وعنايتهم به أن سمّوا ما فاق في جنسه وفارق نظائره خارجيّا ، قال طفيل (١) :

__________________

(١) هو طفيل الغنوي شاعر مجيد عرف بالفصاحة والبيت في ديوانه (ص ٢٦).

٢٥٩

وعارضتها رهوا على متتابع

شديد القصيرى خارجيّ محنّب (١)

فسّروه أنه الفرس الفائق في جنسه.

فإن قلت : فإذا كان جمعهم المؤنث بالواو والنون إنما هو تعويض منهم لما حذف منه ، فما بالهم قالوا في «أرض» : «أرضون» ولم يحذف من «أرض» شيء ، فيعوّضوها منه الجمع بالواو والنون؟

فالجواب عن ذلك : أن «أرضا» اسم مؤنث ، وقد كان من القياس في كل اسم مؤنث أن يقع فيه الفرق بينه وبين المذكر بالتاء نحو «قائم وقائمة» و «ظريف وظريفة» و «رجل ورجلة» و «ثور وثورة» و «كوكب وكوكبة» و «بياض وبياضة» و «دم ودمة» و «ريح وريحة» و «ماء وماءة» وغير ذلك مما يطول ذكره ، فأما ما تركت فيه العلامة من المؤنث فإنما ذلك اختصار لحقه لاعتمادهم في الدلالة على تأنيثه على ما يليه من الكلام قبله وبعده ، نحو «هذه ريح طيّبة» و «كانت لهم عرس مباركة» و «لم أر قوسا أحسن من هذه القوس» ونحو ذلك.

فإذا كان القياس في المؤنث والمذكر الفرق بينهما كما يفرّق بين التصغير والتكبير ، والواحد والاثنين والجماعة ، وكانت «أرض» مؤنثة ، فكأنّ فيها هاء مرادة ، وكأن تقديرها «أرضة» فلما حذفت الهاء التي كان القياس يوجبها عوّضوا منها الجمع بالواو والنون ، فقالوا : «أرضون» ، وفتحوا الراء في الجمع ليدخل الكلمة ضرب من التكسير استيحاشا من أن يوفّوه لفظ التصحيح البتة ، وليعلموا أيضا أن «أرضا» مما كان سبيله لو جمع بالتاء أن تفتح راؤه ، فيقال : «أرضات».

فإن قلت : فأقصى أحوال «أرض» على ما توصلت إليه أن تكون الهاء قد حذفت منها والهاء فيها بعد زائدة ، وأنت إنما تعوّض من المحذوف إذا كان أصلا لاما أو فاء ، فكيف جاز التعويض من الزائد؟

__________________

(١) رهوا : عدوا سهلا. لسان العرب (١٤ / ٣٤٣). متتابع : شديد الخلق مشتبهه. القصيري : ضلع الخلف. لسان العرب (٥ / ١٠٣) مادة / قصر. محنب : في الخيل بعد ما بين الرجلين ، وقيل هو اعوجاج في الساقين. اللسان (١ / ٣٣٥). والشاهد قول الشاعر «خارجي» وهو نعت تنعت به العرب كل من فاق جنسه. إعراب الشاهد : خارجي : نعت مجرور وعلامة الجر الكسرة.

٢٦٠