إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٩

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٩

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٨١

بالبناء للمجهول من صعق الثلاثي أو من أصعق الرباعي والمعنى أن غيرهم أصعقهم ، وقرئ يصعقون مبنيا للفاعل ومعناه يموتون من شدّة الأهوال (يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) يوم بدل من يومهم وجملة لا يغني في محل جر بإضافة الظرف إليها وعنهم متعلقان بيغني وكيدهم فاعل يغني وشيئا مفعول به أو مفعول مطلق والواو حرف عطف ولا نافية وهم مبتدأ وجملة ينصرون خبر (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) الواو استئنافية وإن حرف مشبه بالفعل وللذين خبرها المقدم وجملة كفروا صلة الموصول وعذابا اسم إن المؤخر ودون ظرف متعلق بمحذوف صفة لعذابا وذلك اسم إشارة مضاف إليه ، ولكن الواو عاطفة أو حالية ولكن حرف مشبّه بالفعل للاستدراك وأكثرهم اسمها وجملة لا يعلمون خبر لكن (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) الواو عاطفة واصبر فعل أمر مبني على السكون والفاعل مستتر تقديره أنت ولحكم ربك متعلقان باصبر والفاء تعليلية وإن واسمها وبأعيننا خبر إنك أي بمرأى منّا حيث نراك ونكلؤك ، وجمع العين لأن الضمير بلفظ الجماعة ، وسبّح عطف على واصبر وبحمد ربك متعلقان بمحذوف حال أي ملتبسا بحمد ربك وحين ظرف متعلق بسبّح وجملة تقوم في محل جر بإضافة الظرف إليها (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ) الواو عاطفة ومن الليل متعلقان بسبّحه ، وسبّحه فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به وإدبار النجوم مصدر ناب عن الظرف وسيأتي حكمه في باب الفوائد.

الفوائد :

ينوب عن الظرف ما كان مجرورا بإضافة أحد الظرفين إليه ثم حذف المضاف وأنيب عنه المضاف إليه بعد حذفه ، والغالب في هذا

٣٤١

المضاف إليه النائب عن المضاف المحذوف أن يكون مصدرا مثل جئتك صلاة العصر أو قدوم الحاج فصلاة وقدوم مفعول فيهما منصوبان نصب ظرف الزمان لأنهما لما نابا عن الزمان عرضت لهما اسمية الزمان فانتصبا انتصابه والأصل وقت صلاة العصر ووقت قدوم الحاج ومنه وإدبار النجوم أي وقت غروبها ، ومن أقوالهم لا أكلمه القارظين والأصل مدة غيبة القارظين فحذف مدة وأنيب عنها غيبة ثم حذف غيبة وأنيب عنها القارظين ، وهو تثنية قارظ وهو الذي يحني القرظ بفتح القاف والراء وهو شيء يدبغ به. قال الجوهري في الصحاح : لا آتيك أو يئوب القارظ العنزي وهما قارظان كلاهما من عنزة خرجا في طلب القرظ فلم يرجعا وطالت غيبتهما.

٣٤٢

سورة النّجم

مكيّة وآياتها ثنتان وستّون

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١))

اللغة :

(النَّجْمِ) معروف وجمعه نجوم وأنجم وأنجام ونجم وهو الكوكب وعند الإطلاق الثريا ، وفي المراد به هنا أقوال منها أن المراد به جماعة النجوم إذا هوت أي سقطت وغابت عن الحسّ وأراد به الجنس قال الراعي :

وبات يعدّ النجم في مستحيرة

سريع بأيدي الآكلين جمودها

وقيل أراد الثريا وأقسم بها إذا سقطت وغابت مع الفجر ، والعرب

٣٤٣

تطلق اسم النجم على الثريا خاصة قال أبو ذؤيب :

فوردن والعيوق مقعد رائي

الضرباء فوق النجم لا يتتلع

قال ابن دريد والثريا سبعة أنجم ستة ظاهرة وواحد خفي يمتحن الناس به أبصارهم وقيل إن الله أقسم بالقرآن إذا أنزله نجوما متفرقة على رسول الله في ثلاث وعشرين سنة.

(هَوى) غرب وهو في الأصل سقط من علو قال الراغب : «الهوى سقوط من علو».

(مِرَّةٍ) قوة وشدة أو حصافة في عقله ورأيه ومتانة في دينه وأصل المرة شدة الفتل وفي معاجم اللغة : المرة : الفتل يقال حبل شديد المرة والحالة التي يستمر عليها الشيء وطاقة الحبل وقوة الخلق وشدّته وأصالة العقل وخلط من أخلاط البدن وهو الصفراء والسوداء.

(قابَ قَوْسَيْنِ) القاب والقيب والقاد والقيد : المقدار قال الزجّاج :«إن العرب قد خوطبوا على لغتهم ومقدار فهمهم قيل لهم في هذا ما يقال للذي يحدّد فالمعنى فكان على ما تقدرونه أنتم قدر قوسين أو أقل من ذلك» وقال ابن السكّيت : «قاس الشيء يقوسه قوسا لغة في قاسه يقيسه إذا قدّره وقد جاء تقديرهم بالقوس والرمح والسوط والذراع والباع والخطوة والشبر والفتر والإصبع» وفي القرطبي : «والقاب ما بين المقبض والسية ولكل قوس قابان وقال بعضهم في قوله تعالى : فكان قاب قوسين أراد قابي قوس فقلبه» وفي المصباح «سية القوس خفيفة الياء ولامها محذوفة وترد في النسبة فيقال سيوي والهاء عوض عنها طرفها المنحني قال أبو عبيدة : وكان رؤبة يهمزه والعرب لا تهمزه ويقال لسيتها العليا يدها ولسيتها السفلى رجلها».

٣٤٤

الإعراب :

(وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) الواو للقسم والنجم مجرور بالواو والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره أقسم وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن والعامل في هذا الظرف فعل القسم المحذوف أي أقسم بالنجم وقت هويه وقيل النجم نزول القرآن فيكون العامل في الظرف نفس النجم على أن هذا الإعراب معترض عليه وإن كنّا نرجحه وفيما يلي ما أورده السمين ننقله بنصه لنفاسته «وفي العامل في هذا الظرف أوجه وعلى كلّ منها أشكال ، أحد الأوجه أنه منصوب بفعل القسم المحذوف تقديره أقسم بالنجم وقت هويه قاله أبو البقاء وغيره وهو مشكل فإن فعل القسم إنشاء والإنشاء حال وإذا لما يستقبل من الزمان فكيف يتلاقيان؟ الثاني أن العامل فيه مقدّر على أنه حال من النجم أي أقسم به حال كونه مستقرا في زمان هويه وهو مشكل من وجهين أحدهما أن النجم جثة والزمان لا يكون حالا منها كما لا يكون خبرا والثاني أن إذا للمستقبل فكيف يكون حالا؟ وقد أجيب عن الأول بأن المراد بالنجم القطعة من القرآن والقرآن قد نزل منجما في عشرين سنة وهذا تفسير ابن عباس وغيره وعن الثاني بأنها حال مقدّرة ، والثالث أن العامل فيه نفس النجم إذا أريد به القرآن قاله أبو البقاء وفيه نظر لأن القرآن لا يعمل في الظرف إذا أريد أنه اسم لهذا الكتاب المخصوص وقد يقال : إن النجم بمعنى المنجم كأنه قيل والقرآن المنجم في هذا الوقت وهذا البحث وارد في مواضع منها والشمس وضحاها وما بعده ومنها قوله :والليل إذا يغشى ومنها والضحى والليل إذا سجا وسيأتي في والشمس بحث أخصّ من هذا تقف عليه إن شاء الله تعالى. أما أبو حيان فاختار الحالية قال : «وإذا ظرف زمان والعامل فيه محذوف تقديره كائنا إذا هوى وكائنا منصوب على الحال اقسم تعالى بالنجم في حال هويه» وجملة

٣٤٥

هوى في محل جر بإضافة الظرف إليها (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) الجملة لا محل لها لأنها جواب القسم وعبّر بالصحبة لأنها أدلّ على القصد مرغبة لهم فيه ومقبلة بهم إليه ومقبحة اتهامه في إنذاره مع معرفتهم بطهارة شمائله ، وضلّ صاحبكم فعل وفاعل وما غوى عطف على ما ضلّ (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) الواو عاطفة وما نافية وينطق فعل مضارع وفاعله هو وعن الهوى متعلقان بينطق أي وما يصدر نطقه عن هوى في نفسه فعن للمجاوزة على بابها وقيل إنها بمعنى الباء فتكون متعلقة بمحذوف حال (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) إن نافية وهو مبتدأ وإلا أداة حصر ووحي خبر هو وجملة يوحى صفة لوحي (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) الجملة صفة ثانية لوحي وعلّمه فعل ومفعول به وشديد القوى فاعل علّمه والمراد به جبريل (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى) ذو مرة صفة لشديد القوى والفاء عاطفة واستوى فعل وفاعل مقدّر (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) الواو حالية وهو مبتدأ وبالأفق خبر والأعلى صفة للأفق والجملة في موضع الحال (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) ثم حرف عطف للتراخي ودنا فعل وفاعله مقدّر تقديره هو أي جبريل فتدلى عطف على دنا والتدلّي الامتداد من علو إلى أسفل ومن التدلي اشتقت الدوالي التي تحمل العنب المعلق (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) الفاء عاطفة وكان واسمها المستتر وقاب قوسين خبرها وتقدير الكلام فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين وفيه حذف ثلاث متضايفات أي فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين وفيه فحذفت ثلاثة من اسم كان وواحد من خبرها ، وأو حرف عطف أو للإباحة وأدنى عطف على قاب وهذه الآية كقوله تعالى : أو يزيدون وقد تقدم القول في أو والمعنى فكان بأحد هذين المقدارين في رأي الرائي أي لتقارب ما بينهما يشك الرائي في ذلك وأدنى اسم تفضيل والمفضل عليه محذوف تقديره أو أدنى من قاب قوسين أو هي بمعنى بل أي بل أدنى (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) الفاء عاطفة راجعة إلى علمه شديد القوى

٣٤٦

وأوحى فعل وفاعل مقدّر وإلى عبده متعلقان بأوحى وما موصولة أو مصدرية وعلى كل حال هي ومدخولها في موضع نصب على أنها مفعول به على الأول أو مفعول مطلق على الثاني وسيرد مزيد بحث عنها في باب البلاغة (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) ما نافية وكذب الفؤاد فعل وفاعل وقد قرئ كذب بالتشديد أيضا وما موصولة مفعول به لأن كذب فعل يتعدى إلى مفعول قال الأخطل :

كذبتك عينك أم رأيت بواسط

غلس الظلام من ارباب خيالا

وقيل لا يتعدى فيكون نصب ما على إسقاط الخافض أي فيما رآه وزعم صاحب المنجد أن كذب قد يتعدى إلى اثنين قال : «وقد يتعدى إلى مفعولين فيقال كذبه الحديث إذا نقل الكذب وقال خلاف الواقع فإذا شدّد اقتصر على مفعول واحد» ولم أجد فيما بين يدي من كتب اللغة ما يؤيد ذلك ، أما كذبه الحديث فالحديث نصب بنزع الخافض على الأصح ، هذا ويجوز أن تكون ما مصدرية وهي مع مدخولها في موضع نصب لأنه مفعول كذب والمعنى أنه ما أوهمه الفؤاد أنه رأى ولم ير بل صدقه الفؤاد رؤيته.

البلاغة :

١ ـ في قوله «ثم دنا فتدلى» فن القلب وهو من المقلوب الذي تقدم فيه ما يوضّحه التأخر وتأخر ما يوضّحه التقديم أي تدلى فدنا لأنه تدلى للدنو ودنا بالتدلي.

٢ ـ في قوله «فأوحى إلى عبده ما أوحى» فن الإبهام وقد تقدم القول فيه وهو كثير شائع في القرآن كأنه أعظم من أن يحيط به بيان ، فأبهم الأمر الذي أوحاه إلى عبده وجعله عاما وذلك أبلغ لأن السامع

٣٤٧

يذهب وهمه فيه كل مذهب ، وجميل قول دريد بن الصمة :

صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه

فلما علاه قال للباطل أبعد

وقول أبو نواس :

ولقد نهزت مع الغواة بدلوهم

وأسمت سرح اللحظ حين أساموا

وبلغت ما بلغ امرؤ بشبابه

فإذا عصارة كل ذلك أثام

فقوله «وبلغت ما بلغ امرؤ بشبابه» من المليح النادر ، ومثله قول الآخر في وصف الخمر :

مضى بها ما مضى من عقل شاربها

وفي الزجاجة باق يطلب الباقي

٣ ـ «في قوله تعالى والنجم إلى قوله وأدنى» ، جرس ساحر أخّاذ في تقطيع لفظي عجيب يصوّران موضوعا جليلا ببراعة معجزة ، فقد بدأت الآية الكريمة بالقسم بالنجم الذي كان بعض العرب يحلّونه محلّ الإله ولكن القسم ليس بالإله المزعوم فحسب بل به حين يهوي ويسقط من عليائه التي خدعت بعض السذّج وضعاف العقول فجعلوا منه إلها غير الله ، فهذا السقوط يجرح الألوهية ، وقد أورده القرآن الكريم مع القسم تتميما له لأن له أبعادا معنوية خارقة ، ثم نفت الآية الكريمة عن الرسول العربي صفة الضلال التي اتهمه بها الجاحدون أولئك الذين بلغ الضلال منهم أن عبدوا النجم الذي ليست له مناعة ضد السقوط ، ونصّت الآية في تنزيه القرآن الذي نزل على الرسول الأمين عن الهوى والعاطفة وقال فيه : إنه وحي من الله الخالق القوي الذي أمر الرسول بحمل رسالة القرآن فصدع بالأمر ونهض يبشّر قومه بهداه وينذرهم في تنكرهم لرشاده ولم يكن هذا الوحي في ذلك يدعو إلى التشكّك أو التشكيك بل كان والرسول الكريم أقرب ما يكون إلى ربه سبحانه

٣٤٨

وتعالى ، أنه كان على بعد ما بين طرفي القوس والعرب يعرفون قصر المسافة بينهما حقّ المعرفة لأن القوس تعيش بين أيديهم وتصحبهم طول الوقت.

(أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨))

اللغة :

(أَفَتُمارُونَهُ) من المماراة والمراء أي الملاحاة والمجادلة واشتقاقه من مرى الناقة كأن كل واحد من المتجادلين يمري ما عند صاحبه.

(سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) شجرة نبق في منتهى الجنة تأوي إليها أرواح الشهداء ، وقد اختلف في سبب تسميتها على ثمانية أقوال تفصيلها في المطوّلات.

الإعراب :

(أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) الهمزة للاستفهام الإنكاري وتمارونه فعل وفاعل ومفعول به وعلى ما يرى متعلقان بتمارونه وكان من حقه أن يتعدّى بفي كقولك جادلته في كذا وإنما ضمن معنى الغلبة فعدّي تعديتها ، وجملة يرى صلة الموصول ويجوز أن تكون ما مصدرية (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) الواو للحال واللام جواب للقسم المحذوف وقد

٣٤٩

حرف تحقيق ورآه فعل وفاعل مستتر ومفعول به ونزلة يجوز إعرابها ظرفا للزمان أي مرة أخرى لأن مصدر النزلة بمثابة المرة منها ويجوز إعرابها حالا نصبت نصب المصدر الواقع موقع الحال ويجوز إعرابها مفعولا مطلقا على أنه مصدر مؤكد وإلى ذلك ذهب أبو البقاء وقدّره مرة أخرى أو رؤية أخرى وإلى الأول ذهب الزمخشري وأجاز أبو حيان الأوجه الثلاثة ولم يعمد إلى الترجيح ، وأخر نعت لنزلة (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) الظرف متعلق برآه أو حال من الفاعل أو المفعول أو منهما معا وسدرة مضاف إليه والمنتهى مضاف إلى سدرة (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) الظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم وجنة المأوى مبتدأ مؤخر والجملة حال من سدرة المنتهى (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) الظرف متعلق برآه وجملة يغشى السدرة في محل جر بإضافة الظرف إليها والسدرة مفعول به وما اسم موصول فاعل يغشى وفيه الإبهام المتقدم ذكره (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) ما نافية وزاغ البصر فعله ماض وفاعل وما طغى عطف على ما زاغ أي ما مال بصره عن مرئيه ولا جاوزه تلك الليلة (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) اللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق ورأى فعل ماض وفاعله مستتر ومن آيات ربه حال مقدّمة على المفعول والكبرى مفعول رأى والتقدير لقد رأى الآيات الكبرى حال كونها من جملة آيات ربه ويحتمل أن تكون الكبرى صفة آيات ربه لا مفعولا به ويكون المرئي محذوفا لتضخيم الأمر وتعظيمه كأنه قال : لقد رأى من آيات ربه الكبرى أمورا عظاما لا يحيط بها الوصف ، والحذف في مثل هذا أبلغ وأهول لأن فيه تفخيما لآيات الله الكبرى وأن فيها ما رآه وفيها ما لم يره وهو على الوجه الأول يكون مقتضاه أنه رأى جميع الآيات الكبرى على الشمول والعموم مع أن آيات الله مما لا يحيط أحد بجملتها.

(أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ

٣٥٠

وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣) أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥))

اللغة :

(اللَّاتَ) جاء في القاموس ما يلي : «واللات مشددة التاء صنم وقرأ بها ابن عباس وعكرمة وجماعة ، سمي بالذي كان يلت عنده السويق بالسمن ثم خفف ، وجاء في البحر قوله : واللات صنم كانت العرب تعظمه قال قتادة كان بالطائف وقال أبو عبيدة وغيره كان في الكعبة وقال ابن زيد : كان بنخلة عند سوق عكاظ قال ابن عطية وقول قتادة أرجح ويؤيده قول الشاعر :

وفرّت ثقيف إلى لاتها

بمنقلب الخائب الخاسر

والتاء في اللات قيل أصلية لام الكلمة كالباء من باب وألفه منقلبة فيما يظهر من ياء لأن مادة ليت موجودة فإن وجدت مادة من ل وت جاز أن تكون منقلبة من واو وقيل التاء للتأنيث ووزنها فعلة من لوى قيل لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة أو يلتوون عليها أي يطوفون حذفت لامها وقرأ الجمهور اللات خفيفة التاء وابن عباس ومجاهد ومنصور بن المعتمر وأبو صالح وطلحة وأبو الجوزاء ويعقوب وابن كثير في رواية بشدّها قال ابن عباس كان هذا رجلا بسوق عكاظ يلت السمن والسويق عند صخرة.

٣٥١

(الْعُزَّى) فعلى من العز وهي تأنيث الأعز كالفضلى والأفضل وهي اسم صنم وقيل شجرة كانت تعبد وعبارة الكشاف : «والعزى كانت لغطفان وهي سمرة وأصلها تأنيث الأعز وبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويليها واضعة يدها على رأسها فجعل يضربها بالسيف حتى قتلها وهي تقول :

يا عزّ كفرانك لا سبحانك

إني رأيت الله قد أهانك

ورجع فأخبر رسول الله فقال عليه السلام تلك العزى ولن تعبد أبدا» وجاء في القاموس «والعزى العزيزة وتأنيث الأعز ، وصنم أو سمرة عبدتها غطفان أول من اتخذها ظالم بن أسعد فوق ذات عرق إلى البستان بتسعة أميال بنى عليها بيتا وسمّاه بسا وكانوا يسمعون فيها الصوت فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فهدم البيت وأحرق السمرة».

(مَناةَ) صخرة كانت لهذيل وخزاعة وعن ابن عباس لثقيف واشتقاقها من منى يمنى أي صبّ لأن دماء النسائك كانت تصب عندها.

(ضِيزى) جائرة من ضازه يضيزه إذا ضامه وجار عليه وعلى هذا فتحتمل وجهين أحدهما أن تكون صفة على فعلى بضمّ الفاء وإنما كسرت الفاء لتصحّ الياء كبيض ، فإن قيل : وأي ضرورة تدعو إلى أن يقدّر أصلها ضم الفاء ولم لا قيل فعلى بالكسر؟ فالجواب أن سيبويه حكى أنه لم يرد في الصفات فعلى بكسر الفاء وإنما ورد بضمها نحو حبلى وأنثى وربا وما أشبهه إلا أن غيره حكى في الصفات ذلك حكى ثعلب : ميتة حيكى ورجل كيسى وحكى غيره امرأة عزهى وامرأة سعلى

٣٥٢

وهذا لا ينقض على سيبويه لأن سيبويه يقول في حيكى وكيسى كقوله في ضيزى لتصحّ الياء وأما عزهى وسعلى فالمشهور فيهما عزهاة وسعلاة والوجه الثاني أن تكون مصدرا كذكرى قال الكسائي : يقال ضاز يضيز ضيزى كذكر يذكر ذكرى وقرئ ضئزى بهمزة ساكنة ومعنى ضأزه يضأزه : نقصه ظلما وجورا وهو قريب من الأول ، وفي المختار ضاز في الحكم جار وضازه فيه نقصه وبخسه وبابهما باع ، وسيأتي مزيد بحث عن هذه الكلمة في باب البلاغة.

الإعراب :

(أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء حرف عطف لترتيب الرؤية على ما ذكر من شئونه تعالى المنافية لها غاية المنافاة والتقدير : أعقيب ما سمعتم من آثار كماله ونفاذ أمره في الملأ الأعلى وما تحت أطباق الثرى أرأيتم هذه الأصنام مع غاية حقارتها وفسولتها شركاء لله تعالى. ورأيتم فعل وفاعل واللات مفعوله والعزى ومناة معطوفتان على اللات والثالثة الأخرى صفتان الأولى صفة للتين قبلها والثانية صفة ذم للثالثة ، وستأتي أسرار هذه الصفات في باب البلاغة ، ومفعول رأيتم الثاني محذوف تقديره قادرة على شيء ويجوز أن تكون من رؤية العين فلا تحتاج إلى مفعول ثان (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) الهمزة للاستفهام الإنكاري أيضا ولكم خبر مقدم والذكر مبتدأ مؤخر وله الأنثى عطف على لكم الذكر (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) تلك مبتدأ والإشارة إلى القسمة المفهومة من الجملة الاستفهامية وإذن بمعنى الجواب والجزاء والمعنى إذ جعلتم له البنات ولكم البنين وقسمة خبر وضيزى صفة لقسمة (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) إن نافية وهي مبتدأ

٣٥٣

وإلا أداة حصر وأسماء خبر هي وسميتموها فعل وفاعل ومفعول به ثان والأول محذوف تقديره أصناما وأنتم تأكيد للفاعل ليصحّ عطف وآباؤكم عليه على حدّ قول صاحب الخلاصة :

وإن على ضمير رفع متصل

عطفت فافصل بالضمير المنفصل

وجملة سميتموها صفة لأسماء وكذلك جملة ما أنزل وما نافية وأنزل الله فعل وفاعل وبها حال لأنه كان في الأصل صفة لسلطان ومن حرف جر زائد وسلطان مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول به (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) إن نافية ويتبعون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل وإلا أداة حصر والظن مفعول يتبعون والواو حرف عطف وما موصول معطوف على الظن ولك أن تجعلها مصدرية والواو حالية أو اعتراضية واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وجاءهم فعل ماض ومفعول به مقدّم ومن ربهم متعلقان بجاءهم والهدى فاعل جاءهم والجملة إما حالية من فاعل يتبعون أو معترضة لا محل لها ، والتفت من الخطاب إلى الغيبة إعراضا عنهم وتحقيرا لشأنهم (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) أم منقطعة بمعنى بل والهمزة للإنكار وللإنسان خبر مقدم وما مبتدأ مؤخر وجملة تمنى صلة ما أي الذي تمنّاه وترجّاه في الأصنام (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) الفاء عاطفة على مقدّر مفهوم من معنى أم أي ليس الأمر كذلك ولله خبر مقدم والآخرة مبتدأ مؤخر والأولى عطف على الآخرة.

البلاغة :

١ ـ في قوله تعالى «ومناة الثالثة الأخرى» أسرار مدهشة تحتاج إلى كثير من الفطنة والدقة لاستخراج ما تنطوي عليه من جمال آسر ، فقد وصف مناة بقوله الثالثة لأنها أقل بالرتبة من اللات والعزّى فقد

٣٥٤

كانت عندهم دونهما في المنزلة ، أما الوصف بقوله الأخرى فإنها تقوّي هذا المعنى وتزيد في وضاعتها وإلا لقال الأخريات ، وقد فطن الزمخشري إلى هذا السر الدقيق فقال «والأخرى ذم وهي المتأخرة الوضيعة المقدار كقوله تعالى : وقالت أخراهم لأولاهم أي وضعاؤهم لرؤسائهم ، وأشرافهم» وهذه النكتة تنساق بنا إلى بحث طريف عن الأخرى فهي تأنيث آخر ولا شك أنه في الأصل من التأخر الوجودي إلا أن العرب عدلت به عن الاستعمال في التأخير الوجودي إلى الاستعمال حيث يتقدم ذكر مغاير لا غير حتى سلبته دلالته على المعنى الأصلي بخلاف آخر وآخره على وزن فاعل وفاعلة فإنّ إشعارهما بالتأخير الوجودي ثابت لم يغيّر ومن ثم عدلوا عن أن يقولوا ربيع الآخر على وزن الأفعل وجمادى الأخرى إلى الآخر على وزن فاعل وجمادى الآخرة على وزن فاعلة لأنهم أرادوا أن يفهموا التأخير الوجودي لأن الأفعل والفعلى من هذا الاشتقاق مسلوب الدلالة على غرضهم فعدلوا عنها إلى الآخر والآخرة والتزموا ذلك فيهما.

٢ ـ وفي قوله «تلك إذن قسمة ضيزى» فن عجيب أيضا فقد يتساءل الجاهلون عن السر في استعمال كلمة ضيزى وهي وحشية غير مأنوسة ، وسنورد ما أورده ابن الأثير في مثله السائر ثم نردفه بما استخرجناه نحن ؛ قال ابن الأثير : «وحضر عندي في بعض الأيام رجل متفلسف فجرى ذكر القرآن الكريم فأخذت في وصفه وذكر ما اشتملت عليه ألفاظه ومعانيه من الفصاحة والبلاغة فقال ذلك الرجل وأيّ فصاحة هناك وهو يقول : تلك إذن قسمة ضيزى؟ فهل في لفظة ضيزى من الحسن ما يوصف فقلت له : اعلم أن لاستعمال الألفاظ أسرارا لم تقف عليها أنت ولا أئمتك مثل ابن سينا والفارابي ولا من أضلّهم مثل أرسطاطاليس وأفلاطون وهذه اللفظة التي أنكرتها في القرآن وهي لفظة

٣٥٥

ضيزى فإنها في موضعها لا يسدّ غيرها مسدّها ، ألا ترى أن السورة كلها التي هي سورة النجم مسجوعة على حرف الياء فقال تعالى : والنجم إذا هوى ، ما ضلّ صاحبكم وما غوى وكذلك إلى آخر السورة فلما ذكر الأصنام وقسمة الأولاد وما كان يزعمه الكفّار قال : ألكم الذّكر وله الأنثى تلك إذن قسمة ضيزى ، فجاءت هذه اللفظة على الحرف المسجوع الذي جاءت السورة جميعها عليه وغيرها لا يسدّ مسدّها في مكانها وإذا نزلنا معك أيّها المعاند على ما تريد قلنا : إن غير هذه اللفظة أحسن منها ولكنها في هذا الموضع لا ترد ملائمة لأخواتها ولا مناسبة لأنها تكون خارجة عن حرف السورة ، وسأبيّن ذلك فأقول : إذا جئنا بلفظة في معنى هذه اللفظة قلنا قسمة جائرة أو ظالمة ولا شك أن جائرة أو ظالمة أحسن من ضيزى إلا أنّا إذا نظمنا الكلام فقلنا : ألكم الذّكر وله الأنثى تلك إذن قسمة ظالمة لم يكن النظم كالنظم الأول وصار الكلام كالشيء المعوز الذي يحتاج إلى تمام وهذا لا يخفى على من له ذوق ومعرفة بنظم الكلام فلما سمع ذلك الرجل ما أوردته عليه ربا لسانه في فمه إفحاما ، ولم يكن عنده في ذلك شيء سوى العناد».

هذا ما قاله ابن الأثير وهو جيد يدل على ذوق وفهم ولكنه لا يخرج عن الحدود اللفظية ، وسنذكر ما سنح للخاطر من أمر معنوي يتعلق بهذا الكلام فنقول لما كان الغرض تهجين قولهم ، وتفنيد قسمتهم ، والتشنيع عليها اختيرت لها لفظة مناسبة للتهجين والتشنيع كأنما أشارت خساسة اللفظة إلى خساسة أفهامهم وهذا من أعجب ما ورد في القرآن الكريم من مطابقة الألفاظ لمقتضى الحال.

(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ

٣٥٦

لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠))

الإعراب :

(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ) والأرض الواو عاطفة وكم خبرية في محل رفع مبتدأ ومن ملك في محل نصب تمييز كم الخبرية وقد تقدم بحثه وفي السموات والأرض صفة لملك وجملة لا تغني شفاعتهم خبر وشيئا مفعول تغني أو مفعول مطلق أي شيئا من الإغناء (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) إلا أداة حصر ومن بعد متعلق بتغني وأن وما في حيزها في تأويل مصدر مجرور بالإضافة لبعد والله فاعل يشاء ويرضى معطوف على يشاء (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) إن واسمها وجملة لا يؤمنون صلة الموصول وبالآخرة متعلقان بيؤمنون واللام المزحلقة ويسمّون الملائكة فعل مضارع وفاعل ومفعول به والجملة خبر إن وتسمية الأنثى مفعول مطلق (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) الواو حالية وما نافية ولهم خبر مقدم ومن حرف جر زائد وعلم مبتدأ مؤخر والجملة في محل نصب على الحال (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) إن نافية ويظنون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل وإلا أداة حصر

٣٥٧

والظن مفعول به والواو للحال وإن حرف مشبّه بالفعل والظن اسمها وجملة لا يغني خبرها ومن الحق متعلقان بيغني وشيئا مفعول به أو مفعول مطلق (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) الفاء الفصيحة وأعرض فعل أمر وعمّن متعلق بأعرض وجملة تولى عن ذكرنا صلة من والجار والمجرور متعلقان بتولي والواو عاطفة ولم حرف نفي وقلب وجزم ويرد فعل مضارع مجزوم بلم وإلّا أداة حصر والحياة مفعول به والدنيا صفة (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) ذلك مبتدأ والإشارة إلى التهالك على الدنيا والإعراض عن ذكر الله وقيل ذلك إشارة إلى جعلهم الملائكة بنات الله وقيل إشارة إلى الظن أي غاية ما يفعلون أن يأخذوا بالظن ، ومبلغهم خبر ومن العلم متعلقان بمبلغهم والجملة اعتراضية بين الأمر وهو أعرض وبين تعليله الآتي ، واختاره الزمخشري وقال أبو حيان أنه غير ظاهر (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) إن واسمها وهو مبتدأ وأعلم خبر وبمن متعلقان بأعلم وجملة ضلّ عن سبيله صلة وجملة هو أعلم خبر إن وجملة هو أعلم بمن اهتدى عطف على الجملة السابقة.

الفوائد :

١ ـ اعلم إن كم اسم مفرد مذكر موضوع للكثرة يعبّر به عن كل معدود كثيرا كان أو قليلا ، وسواء في ذلك المذكر والمؤنث ، فقد صار لها معنى ولفظ وجرت في ذلك مجرى كلّ وأيّ ومن وما في أن كل واحد منها له لفظ ومعنى فلفظه مذكر مفرد وفي المعنى يقع على التثنية والجمع فقد جمع الضمير في الآية نظرا إلى المعنى ولو حمل على اللفظ لقال شفاعته.

٢ ـ من مبتكرات الخطيب في تفسيره الكبير تعليل طريف لتسميته

٣٥٨

الملائكة تسمية الإناث قال «وذلك أنهم رأوا في الملائكة تاء التأنيث وصحّ عندهم أن يقال سجدت الملائكة فقالوا : الملائكة بنات الله فسمّوهم تسمية الإناث» ولعلّ هذا ما أراده الزمخشري وتبعه البيضاوي بقولهما : «لأنهم إذا قالوا الملائكة بنات الله فقد سمّوا كل واحد منهم بنتا».

(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢))

اللغة :

(اللَّمَمَ) قال الفرّاء : «أن يفعل الإنسان الشيء في الحين ولا يكون له عادة ومنه إلمام الخيال ، والإلمام الزيادة التي لا تمتد وكذلك اللمام ، قال أمية :

إن تغفر اللهمّ تغفر جما

وأيّ عبد لك لا ألمّا

وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينشدهما ويقولهما أي لم يلم بمعصية ، وقال أعشى باهلة :

تكفيه خرة فلذ إن ألمّ بها

من الشواء ويروي شربه الغمر»

وعن أبي سعيد الخدري «اللّمم هي النظرة والغمزة والقبلة» وعن

٣٥٩

السدي : «الخطرة من الذنب» وعن الكلبي : «كل ذنب لم يذكر الله عليه حدّا ولا عذابا» وعن عطاء «عادة النفس في الحين بعد الحين» وقال أبو العباس المبرد : «أصل اللّمم أن يلمّ بالشيء ولم يرتكبه يقال :ألمّ بكذا إذا قاربه ولم يخالطه» وقال الأزهري : «العرب تستعمل الإلمام في معنى الدنو والقرب» وفي المصباح : «واللّمم بفتحتين مقاربة الذنب وقيل هو الصغائر وقيل هو فعل الصغيرة ثم لا يعاوده ولمّ بالشيء يلمّ من باب ردّ».

ومن غريب أمر اللام والميم إذا وقعتا فاء وعينا للكلمة دلّتا على معنى اللّمح السريع والمرور العاجل اللطيف ؛ فمن ذلك : ألمأ اللص على الشيء : ذهب به ، وما ذقت لماجا بفتح اللام : ما يتلمّج به أي يتلمظ ، ولمح البرق والنجم : لمع من بعيد وبرق لمّاح ولمحته ببصري ورأيته لمحة البرق وهو أسرع من لمح البصر ومن لمح بالبصر ، واللّمس معروف وفيه معنى المخالسة ، ومن المجاز لامس المرأة ولمسها : جامعها ، ولا يخفى ما توحي به هذه من مخالسة وانتهاز ونأي عن الأنظار ، ولمظ الرجل يلمظ وتلمظ إذا تتبع بلسانه بقية الطعام بعد الأكل أو مسح به شفتيه واسم تلك البقية اللمّاظة وشرب الماء لماظا بالكسر ذاقه بطرف لسانه ومن المجاز تلمظت الحيّة أخرجت لسانها وتلمظ بذكره قال رجل من بني حنيفة :

فدع عربيا لا تلمظ بذكره

فألأم منه حين ينسب عائبه

لقد كان متلافا وصاحب نجدة

ومرتفعا عن جفن عينيه حاجبه

أي لم يأت بخزية يغضّ لها بصره وما الدنيا إلا لماظة أيام وقال :

وما زالت الدنيا يخون نعيمها

وتصبح بالأمر العظيم تمخض

لماظة أيام كأحلام نائم

يذعذع من لذّاتها المتبرض

٣٦٠